محمد أمير المؤمنين المهتدي باللَّه بْن هارون الواثق باللَّه بْن أَبِي إسحاق المعتصم باللَّه، يكنى أبا إسحاق، ويقال: أبا عبد الله :
ولد بالقاطول، وكان منزله بسر من رأى. وأمه أم ولد يقال لها قرب. وكانت البيعة له بالخلافة بعد خلع المعتز بالله.
فأخبرنا عبد العزيز بن على الورّاق حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي أخبرني جعفر بن علي بن إبراهيم الهاشمي قَالَ: خلع المعتز بالله الخلافة من نفسه يوم الإثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، وبايع لمحمد بن الواثق يوم الأربعاء ليوم بقى من رجب.
حدّثني الحسن بن أبي بكر حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي. قَالَ: ودعى لمحمد بن الواثق بالله المهتدى يوم الجمعة بسر من رأى أول يوم من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولم يدع له ببغداد، ودعى للمعتز ببغداد، وقتل المعتز يوم السبت ليومين من شعبان ودعى لمحمد بن الواثق المهتدى بالله في الجمعة الثانية ببغداد لثمان خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمه أم ولد تسمى قرب.
حدّثنا عبد العزيز بن على حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي حدّثني القاسم بن عبد الجبار الهاشمي حَدَّثَنِي علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس الهاشمي: إن ميلاد المهتدى بالله سنة ثمان أو تسع عشرة ومائتين.
حدّثنا عبيد الله بن عمر الواعظ حدّثني أبي حدّثنا إسماعيل بن على أَخْبَرَنِي عبد الواحد بن المهتدى بالله أن أباه ولد يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الأول سنة تسع عشرة وتوفي وله من السن سبع وثلاثون سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام.
قلت: وقد قيل أيضا أنه ولد سنة خمس عشرة ومائتين.
حدّثنا على بن أحمد بن عمر المقرئ حدّثنا على بن أحمد بن أبي قيس حَدَّثَنَا ابن أبي الدنيا قَالَ: كان المهتدى أسمر رقيقا أجلى، حسن اللحية أشيب، حسن العينين، يكنى أبا عبد الله.
قلت: وكان المهتدى بالله من أحسن الخلفاء مذهبا وأجملهم طريقة واظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة، وروى عنه حديث واحد مسند.
أنبأناه محمّد بن أحمد بن رزق البزّار وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ.
قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدَانَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عُبَيْدِ الله السّرخسيّ حدّثني المهتدى بالله أمير المؤمنين حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ طبراخ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: «لِي النُّبُوَّةُ وَلَكُمُ الْخِلافَةُ، بِكُمْ يُفْتَحُ هَذَا الأَمْرُ وَبِكُمْ يُخْتَمُ» .
هَذَا آخِرُ حَدِيثِ ابْنِ الْفَضْلِ وَزَادَ ابْنُ رِزْقٍ: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: «مَنْ أَحَبَّكَ نَالَتْهُ شَفَاعَتِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَلا نَالَتْهُ شَفَاعَتِي»
. أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح حدّثنا على بن الحسن الجرّاحى حَدَّثَنَا محمد بن أحمد القراريطي. قَالَ قَالَ لي عمي عبد الله بن إبراهيم الإسكافي: حضرت مجلس المهتدى وقد جلس للمظالم، فاستعداه رجل على ابن له، فأمر بإحضاره فأحضر وأقامه إلى جنب الرجل، فسأله عما ادعاه عليه فأقر به، فأمره بالخروج له من حقه، فكتب له بذلك كتابا، فلما فرغ قَالَ له الرجل: والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قَالَ الشاعر:
حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر
لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
فقال له المهتدى: أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت المصحف: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ
[الأنبياء 47] فقال لي عمي: فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم.
حدّثنا عبد العزيز بن على حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي أَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي. قَالَ: لم يزل المهتدى صائما منذ جلس للخلافة إلى أن قتل.
حدّثنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا الجريري قَالَ حَدَّثَنِي بعض الشيوخ ممن شاهد جماعة من العلماء، وحافظ كثيرا من الرؤساء- أن هاشم بن القاسم الهاشمي حدثه.
قَالَ المعافى: وقد حدث هاشم هذا حديثا كثيرا وكتبنا عنه إلا أن هذه الحكاية حَدَّثَنِي بها هذا الشيخ الذي قدمت ذكره.
قَالَ أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدى عشية من العشايا، فلما كادت الشمس تغرب، وثبت لانصرف- وذلك في شهر رمضان- فقال لي:
اجلس. فجلست ثم إن الشمس غابت وأذن المؤذن لصلاة المغرب وأقام، فتقدم المهتدى فصلى بنا، ثم ركع وركعنا ودعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغف من الخبر النقى وفيه آنية في بعضها ملح، وفي بعضها خل، وفي بعضها زيت.
فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل معذرا ظانا أنه سيؤتى بطعام له نيقة، وفيه سعة.
فنظر إلى وَقَالَ لي: الم تك صائما؟ قلت بلى. قَالَ: أفلست عازما على صوم غد؟
فقلت: كيف لا وهو شهر رمضان؟! فقال: فكل واستوف غداءك فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى. فعجبت من قوله، ثم قلت: والله لأخاطبنه في هذا المعنى، فقلت:
ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمه، وبسط رزقه، وكثر الخير من فضله؟ فقال: إن الأمر لعلي ما وصفت فالحمد لله، ولكنني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله، فأخذت نفسي بما رأيت.
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح أنبأنا أحمد بن إبراهيم البزّاز حدّثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة- وذكر المهتدى- فقال حَدَّثَنِي بعض الهاشميين أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلى فيه، وكان يقول: أما يستحى بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟! وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، والشراب، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان مع حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج، يجلس بنفسه في الحسبانات ولا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس والكتاب بين يديه.
حدّثنا الحسن بن أبي بكر حدّثنا عيسى بْن موسى بْن أبي مُحَمَّد بْن المتوكل على الله حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان حدّثني العبّاس بن يعقوب حَدَّثَنِي أحمد بن سعيد الأموي. قَالَ: كانت لي حلقة وأنا بمكة أجلس فيها في المسجد الحرام ويجتمع
إلى فيها أهل الأدب، فإنا يوما لنتناظر في شيء من النحو والعروض وقد علت أصواتنا- وذلك في خلافة المهتدى- إذ وقف علينا مجنون أشار إلينا ثم قَالَ:
أما تستحون الله يا معدن الجهل ... شغلتم بذا والناس في أعظم الشغل
إمامكم أضحى قتيلا مجدلا ... وقد أصبح الإسلام مفترق الشمل
وأنتم على الأشعار والنحو عكفا ... تصيحون بالأصوات في است أم ذا العقل
فانصرف المجنون وتفرقنا وقد أفزعنا ما ذكره المجنون وحفظنا الأبيات، فخبرت بذلك إسماعيل بن المتوكل فحدث به قبيحة أم المعتز بالله فقالت: إن لهذا لنبا، فاكتبوا هذه الأبيات، وأرخوا هذا اليوم، وطووا هذا الخبر عن العامة. ففعلنا، فلما كان يوم الخامس عشر ورد الخبر من مدينة السلام بقتل المهتدى.
حدّثنا محمّد بن أحمد بن رزق حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن البراء. قَالَ: وبقى المهتدى بن الواثق إلى أن خلع بسر من رأى يوم الأحد لأربع عشرة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، أحد عشر شهرا وستة عشر يوما، وكان عمره إحدى وأربعين سنة.
حدّثنا على بن أحمد بن عمر المقرئ حدّثنا على بن أحمد بن أبي قيس حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا. قَالَ: المهتدى كانت خلافته أحد عشر شهرا وسبعة عشر يوما.
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي بكر حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي. قَالَ: وقعت الفتنة بسر من رأى في يوم الأحد مع الزوال، وخرج المهتدى فحاربهم، فجرح وصار في يدي الأتراك، فمكث بقية يومه ويوم الإثنين، ثم قتل وصلى عليه يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقين من رجب.
ولد بالقاطول، وكان منزله بسر من رأى. وأمه أم ولد يقال لها قرب. وكانت البيعة له بالخلافة بعد خلع المعتز بالله.
فأخبرنا عبد العزيز بن على الورّاق حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي أخبرني جعفر بن علي بن إبراهيم الهاشمي قَالَ: خلع المعتز بالله الخلافة من نفسه يوم الإثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين، وبايع لمحمد بن الواثق يوم الأربعاء ليوم بقى من رجب.
حدّثني الحسن بن أبي بكر حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي. قَالَ: ودعى لمحمد بن الواثق بالله المهتدى يوم الجمعة بسر من رأى أول يوم من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولم يدع له ببغداد، ودعى للمعتز ببغداد، وقتل المعتز يوم السبت ليومين من شعبان ودعى لمحمد بن الواثق المهتدى بالله في الجمعة الثانية ببغداد لثمان خلون من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمه أم ولد تسمى قرب.
حدّثنا عبد العزيز بن على حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي حدّثني القاسم بن عبد الجبار الهاشمي حَدَّثَنِي علي بن الحسن بن إسماعيل بن العباس الهاشمي: إن ميلاد المهتدى بالله سنة ثمان أو تسع عشرة ومائتين.
حدّثنا عبيد الله بن عمر الواعظ حدّثني أبي حدّثنا إسماعيل بن على أَخْبَرَنِي عبد الواحد بن المهتدى بالله أن أباه ولد يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الأول سنة تسع عشرة وتوفي وله من السن سبع وثلاثون سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام.
قلت: وقد قيل أيضا أنه ولد سنة خمس عشرة ومائتين.
حدّثنا على بن أحمد بن عمر المقرئ حدّثنا على بن أحمد بن أبي قيس حَدَّثَنَا ابن أبي الدنيا قَالَ: كان المهتدى أسمر رقيقا أجلى، حسن اللحية أشيب، حسن العينين، يكنى أبا عبد الله.
قلت: وكان المهتدى بالله من أحسن الخلفاء مذهبا وأجملهم طريقة واظهرهم ورعا وأكثرهم عبادة، وروى عنه حديث واحد مسند.
أنبأناه محمّد بن أحمد بن رزق البزّار وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ.
قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي الْحَافِظُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدَانَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عُبَيْدِ الله السّرخسيّ حدّثني المهتدى بالله أمير المؤمنين حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ طبراخ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْفَقِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ؟ قَالَ: «لِي النُّبُوَّةُ وَلَكُمُ الْخِلافَةُ، بِكُمْ يُفْتَحُ هَذَا الأَمْرُ وَبِكُمْ يُخْتَمُ» .
هَذَا آخِرُ حَدِيثِ ابْنِ الْفَضْلِ وَزَادَ ابْنُ رِزْقٍ: قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ: «مَنْ أَحَبَّكَ نَالَتْهُ شَفَاعَتِي، وَمَنْ أَبْغَضَكَ فَلا نَالَتْهُ شَفَاعَتِي»
. أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح حدّثنا على بن الحسن الجرّاحى حَدَّثَنَا محمد بن أحمد القراريطي. قَالَ قَالَ لي عمي عبد الله بن إبراهيم الإسكافي: حضرت مجلس المهتدى وقد جلس للمظالم، فاستعداه رجل على ابن له، فأمر بإحضاره فأحضر وأقامه إلى جنب الرجل، فسأله عما ادعاه عليه فأقر به، فأمره بالخروج له من حقه، فكتب له بذلك كتابا، فلما فرغ قَالَ له الرجل: والله يا أمير المؤمنين ما أنت إلا كما قَالَ الشاعر:
حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر
لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
فقال له المهتدى: أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت المصحف: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ
[الأنبياء 47] فقال لي عمي: فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم.
حدّثنا عبد العزيز بن على حدّثنا محمّد بن أحمد المفيد حدّثنا أبو بشر الدولابي أَخْبَرَنِي أبو موسى العباسي. قَالَ: لم يزل المهتدى صائما منذ جلس للخلافة إلى أن قتل.
حدّثنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني حَدَّثَنَا المعافى بن زكريا الجريري قَالَ حَدَّثَنِي بعض الشيوخ ممن شاهد جماعة من العلماء، وحافظ كثيرا من الرؤساء- أن هاشم بن القاسم الهاشمي حدثه.
قَالَ المعافى: وقد حدث هاشم هذا حديثا كثيرا وكتبنا عنه إلا أن هذه الحكاية حَدَّثَنِي بها هذا الشيخ الذي قدمت ذكره.
قَالَ أبو العباس هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدى عشية من العشايا، فلما كادت الشمس تغرب، وثبت لانصرف- وذلك في شهر رمضان- فقال لي:
اجلس. فجلست ثم إن الشمس غابت وأذن المؤذن لصلاة المغرب وأقام، فتقدم المهتدى فصلى بنا، ثم ركع وركعنا ودعا بالطعام فأحضر طبق خلاف وعليه رغف من الخبر النقى وفيه آنية في بعضها ملح، وفي بعضها خل، وفي بعضها زيت.
فدعاني إلى الأكل فابتدأت آكل معذرا ظانا أنه سيؤتى بطعام له نيقة، وفيه سعة.
فنظر إلى وَقَالَ لي: الم تك صائما؟ قلت بلى. قَالَ: أفلست عازما على صوم غد؟
فقلت: كيف لا وهو شهر رمضان؟! فقال: فكل واستوف غداءك فليس هاهنا من الطعام غير ما ترى. فعجبت من قوله، ثم قلت: والله لأخاطبنه في هذا المعنى، فقلت:
ولم يا أمير المؤمنين وقد أسبغ الله نعمه، وبسط رزقه، وكثر الخير من فضله؟ فقال: إن الأمر لعلي ما وصفت فالحمد لله، ولكنني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله، فأخذت نفسي بما رأيت.
أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح أنبأنا أحمد بن إبراهيم البزّاز حدّثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة- وذكر المهتدى- فقال حَدَّثَنِي بعض الهاشميين أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلى فيه، وكان يقول: أما يستحى بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟! وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، والشراب، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان مع حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج، يجلس بنفسه في الحسبانات ولا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس والكتاب بين يديه.
حدّثنا الحسن بن أبي بكر حدّثنا عيسى بْن موسى بْن أبي مُحَمَّد بْن المتوكل على الله حدّثنا محمّد بن خلف بن المرزبان حدّثني العبّاس بن يعقوب حَدَّثَنِي أحمد بن سعيد الأموي. قَالَ: كانت لي حلقة وأنا بمكة أجلس فيها في المسجد الحرام ويجتمع
إلى فيها أهل الأدب، فإنا يوما لنتناظر في شيء من النحو والعروض وقد علت أصواتنا- وذلك في خلافة المهتدى- إذ وقف علينا مجنون أشار إلينا ثم قَالَ:
أما تستحون الله يا معدن الجهل ... شغلتم بذا والناس في أعظم الشغل
إمامكم أضحى قتيلا مجدلا ... وقد أصبح الإسلام مفترق الشمل
وأنتم على الأشعار والنحو عكفا ... تصيحون بالأصوات في است أم ذا العقل
فانصرف المجنون وتفرقنا وقد أفزعنا ما ذكره المجنون وحفظنا الأبيات، فخبرت بذلك إسماعيل بن المتوكل فحدث به قبيحة أم المعتز بالله فقالت: إن لهذا لنبا، فاكتبوا هذه الأبيات، وأرخوا هذا اليوم، وطووا هذا الخبر عن العامة. ففعلنا، فلما كان يوم الخامس عشر ورد الخبر من مدينة السلام بقتل المهتدى.
حدّثنا محمّد بن أحمد بن رزق حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن البراء. قَالَ: وبقى المهتدى بن الواثق إلى أن خلع بسر من رأى يوم الأحد لأربع عشرة خلت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، أحد عشر شهرا وستة عشر يوما، وكان عمره إحدى وأربعين سنة.
حدّثنا على بن أحمد بن عمر المقرئ حدّثنا على بن أحمد بن أبي قيس حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا. قَالَ: المهتدى كانت خلافته أحد عشر شهرا وسبعة عشر يوما.
أَخْبَرَنِي الحسن بن أبي بكر حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عمر بن حفص السدوسي. قَالَ: وقعت الفتنة بسر من رأى في يوم الأحد مع الزوال، وخرج المهتدى فحاربهم، فجرح وصار في يدي الأتراك، فمكث بقية يومه ويوم الإثنين، ثم قتل وصلى عليه يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقين من رجب.