عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن مالك كنيته أبو اليقظان قتل بصفين مع علي بن أبى طالب سنة سبع وثلاثين وله ثلاث وتسعون سنة وكان قد قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا بن سمية يقتلك الفئة الباغية
عمار بن ياسر بن عامر
ابن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن الأكبر بن تامر بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو اليقظان العنسي، مولى بني مخزوم، صاحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قديم إسلامه، طويلة صحبته. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وقدم مع عمر الجابية. وأمه سمية بنت خباط، أمةٌ لبني مخزوم. شهد الجمل وصفين، وقتل يوم صفين مع علي بن أبي طالب.
حدث عمار بن ياسر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من كان ذا وجهين في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة ".
حدث محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت أبي عمار بن ياسر صلى بعد المغرب ست ركعات، فقلت: يا أبه، ما هذه الصلاة؟ فقال: رأيت حبيبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بعد المغرب ست ركعات ثم قال: من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
وكان ياسر بن عامر قدم وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوّجه أبو حذيفة أمةً له يقال لها: سمية بنت خباط، فولدت له عماراً، فأعتقه أبو حذيفة، ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات،
وجاء الله بالإسلام، فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار وعبد الله يقال له حريث قتله بنو الدئل في الجاهلية، وخلف على سمية بعد ياسر الأزرق، وكان رومياً غلاماص للحارث بن كلدة الثقفي، وهو ممن خرج يوم الطائف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولدت سمية للأزرق سلمة بن الأزرق، وهو أخو عمار لأمه، ثم ادعى ولد سلمة وعمر وعقبة بني الأزرق أن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر من غسان، وأنه حليف لبني أمية، وشرفوا بمكة، وتزوج الأزرق، وولده في بني أمية، وكان له منهم أولاد. وكان بنو الأزرق في أول أمرهم يدّعون أنهم من بني تغلب ثم من بني عكبّ، فأفسدتهم خزاعة ودعوهم إلى اليمن، وزينوا لهم ذلك، وقالوا: أنتم لا يغسل عنكم ذكر الروم إلا أن تدّعوا أنكم من غسان، فانتموا إلى غسان بعد.
قال ابن الكلبي: هو من عنس بن زيد بن مذحج، من السابقين الأولين، والمعذبين في الله، ذو الهجرتين، مختلف في هجرته إلى الحبشة، بدريّ، لم يشهد بدراً ابن مؤمنين غيره، وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فقتلها وهي سمية بنت سلم بن لحي. وكان آدم، طوالاً، أصلع، في مقدم رأسه شعرات، وفي مؤخره شعرات، مجدّع الأنف، سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم الطيّب الطيّب، ورحّب به وقال: ملئ إيماناً إلى مشاشه، وضرب خاصرته وقال: هذه خاصرة مؤمنة، وقال: من حقر عماراً حقره الله. شهد المشاهد كلها، بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة أميراً، وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن نيف وتسعين سنة. ومرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعمار وأبيه وأمه وهم يعذّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. ونزل فيه آيات من القرآن، فمن ذلك أن المشركين أخذوه وعذبوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم جاءه وذكر ذلك له فأنزل الله فيه " إلاً من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " الآية. وآخى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين حذيفة بن اليمان.
وقال عمار: كنت ترباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسنّه، لم يكن أقرب به سناً مني.
قال عبد الله بن سلمة: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً، آدم، طوالاً، أخذ الحربة بيده، ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة، وقال أبو بكر: على الباطل.
قال سليط بن سليط الحنفي: كنت مع علي بن أبي طالب، وأنا يومئذٍ حدث السن، ولحداثتي لا أعرف عماراً، فبينا أنا ذات يوم قاعد بالكناسة إذ خرج علينا رجل آدم، طوال، جعد الشعر، فيه حبشية، فسلّم ثم تأمّل الناس، قال: " ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون " ما أحسن أن يقول العبد: سبحان الله، عدد كلّ ما خلق، فقلت كما قال، ثم انصرف، فوصفت صفته، فقالوا: هذه صفة عمار، أو قالوا: هذا عمار.
وكان عمار آدم، طوالاً، مضطرباً، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه.
قال عمار بن ياسر: لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
قال عمار بن ياسر:
لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ قال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون. فكان إسلام عمار وصهيب بعد بضعة وثلاثين رجلاً.
قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وبلال، وخبّاب، وصهيب وعمار، وسمية أم عمار.
وفي رواية: والمقداد، ولم يذكر خباب.
فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله بعمّه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما الآخرون فأخذهم المشكرون فألبسهم أدارع الحديد، وصهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كلّ مبلغ، حتى جعل يسيل منهم الصديد، فأعطوهم ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه فأنطاع الأدم فيها الماء، فألقوهم فيها ثم حملوا بجوانبه إلا بلال. فلما كان العشيّ جاء أبو جهل، فجعل يشتم سمية ويرفث وفي رواية: فجاء أبو جهل عدو الله بحربته، فجعل يبوك بها في قبل سمية حتى قتلها، وكانت أول شهيدة قتلت في الإسلام إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عزّ وجلّ، فجعلوا في عنقه حبلاً، ثم أمروا صبيانهم فاشتدوا به بين أخشبي مكة، وجعل يقول: أحد أحد.
قال شيبان: فقال القوم ما أرادوا منهم غير بلال. فلما أعياهم كتفوه، وجعلوا في عنقه حبلاً من ليف، وأعطوه غلمانهم، فجعلوا يجرونه بمكة، ويلعبون. فلما أعياهم وأملّهم تركوه، فقال عمار: كلنا قد قال ما أريد منه غير بلال هانت عليه نفسه في الله، ولكن الله تداركنا منه برحمة.
قال عروة بن الزبير: كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجع عن دينه، والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست هم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.
قال عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقولن وكان أبو فكيه يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية " والّذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ".
وعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار ولأبيه ولأمه وهم بمكة والمشركون يعذبونهم: " صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة ".
وفي رواية أخرى: " اللهم، اغفر لآل ياسر وقد فعلت ".
قال مسدّد: ولم يكن من المهاجرين أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر. قالوا: وهذا وهم من مسدّد، فإن أبوي أبي بكر كانا مسلمين: أبو قحافة وأم الخير.
وعن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون عماراً بالنار، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمرّ به، فيمرّ يده على رأسه، ويقول: " يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية ".
قال محمد بن كعب القرظي: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجرداً من سراويل، قال: فنظرت إلى ظهره فيه خيط كبير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.
وعن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرفتركوه، فقال
له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، ما وراءك؟ " قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم، فقال: " فكيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئناً بالإيمان قال: " إن عادوا فعد ". قال: فأنزل الله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذاك عمار بن ياسر " ولكن من شرح بالكفر صدراً " عبد الله بن أبي سرح.
وعن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي عماراً، وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: " أخذك الكفار، فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم ".
وعن قتادة: في قوله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذكر لنا أنها نزلت في عمار. أخذه بنو المغيرة، فغطوه في بئر ميمون حتى أمسى، فقالوا: أكفر بمحمد، وأشرك، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأنزل الله هذه الآية " ولكن من شرح بالكفر صدراً " يقول: من أتاه على خيار استحباباً له فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
قال ابن إسحاق: وبلغني أن عمار بن ياسر قال وهو يذكر بلال بن رباح وأمه حمامة وأصحابه، وما كانوا فيه من البلاء وعتاقة أبي بكر إياهم فقال: الطويل
جزى الله خيراً عن بلالٍ وصحبه ... عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهل
عشية همّا في بلالٍ بسوءةٍ ... ولم يحذروا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده ربّ الأنام وقوله: ... شهدت بأنّ الله ربّي على مهل
فإن يقتلوني يقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة القتل
فيا ربّ إبراهيم والعبد يونسٍ ... وموسى وعيسى نجّني ثم لا تمل
لمن ظلّ يهوى الغيّ من آل غالبٍ ... على غير برٍّ كان منه ولا عدل
وعن عكرمة " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم " قال: جاء آل شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفرٌ معهما سمّاهم أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، فأتى أبو طالب النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كلموه، فانزل الله عزّ وجلّ " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ " قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر مولى حذيفة بن الغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيحاً مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو وغيرهم.
وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم " في عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر عن عكرمة.
وعن ابن عباس في قوله: " أمن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجداً وقائماً " قال: نزلت في عمار بن ياسر.
وعن مجاهد في قوله: " ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار " قال: يقول أبو جهل في النار: أين عمار، أين بلال؟.
وعن عكرمة في قوله: " أفمن يلقى في النّار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة " قال: نزلت في عمار بن ياسر وفي أبي جهل.
وقال: في أبي جهل وعمار " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها ".
وعن القاسم قال: أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن مسعود، وأول من بنى مسجداً يصلى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذّن للمسلمين بلال، وأول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وأول من رمى بسهم رمى به سعد بن أبي وقاص، وأول من قتل من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر بن الخطاب، وأول حيّ ألفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهينة، وأول حيّ أدوا الصدقات من قبل أنفسهم طائعين بنو عذرة بن سعد.
وفي حديث غيره: وأول من تغنّى بالحجاز المصطلق أبو خزاعة، وإنما سمي المصطلق لحسن صوته.
قال البراء: كان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو عبد الدار بن قصي، فقلت له: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: هو مكانه، وأصحابه على أثري، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر، فقال: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه؟ فقال: هم أولاء على أثري، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال، ثم أتانا بعده عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، ثم أتانا بعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وأبو بكر معه. قال البراء: فلم يقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة حتى قرأت سوراً من المفصّل ثم خرجنا نتلقى العير فوجدناهم قد برزوا.
وعن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار بن ياسر وسعد فيما نصيبه في يوم بدر، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء وجاء سعد برجلين.
وعن عمار بن ياسر قال:
قاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجن والإنس، قيل: وكيف قاتلت الجن والإنس؟! قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه ". فلما كنت على رأس البئر إذا رجل أسود كأنه مرس، فقال: والله لا تستقي منها اليوم ذنوباً واحداً، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت به وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هل أتاك على الماء من أحد؟ " قالت: نعم، فقصصت عليه القصة، فقال: " أتدري من هو؟ " قلت: لا، قال: " ذاك الشيطان ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء، رفقاء، وزراء وأعطيت أنا أربعة عشر، سبعة من قريش: علي، وحمزة، وحسن، وحسين، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقداد، وبلال ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة تساق إليهم الجنة: علي، وعمار، وسلمان ".
وعن علي قال: استأذن عمار على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " الطيّب المطيّب، ائذن له ".
وعن هانئ بن هانئ قال: استأذن عمار على علي عليه السلام فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ".
وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمار بن ياسر، قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً ".
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد: عبد الله بن مسعود ". قلت: ما هدي عمار؟ قال: " التقشف والتشمير ".
وعن حذيفة قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: " إني لا أدري ما قدّر بقائي فيكم، فاقتدوا باللّذين من بعدي: يشير إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وعهد ابن أم عبد، يعني: عبد الله بن مسعود ".
وعن عثمان بن أبي العاص قال: رجلان مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعاً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله يستعملك ويدنيك؟! فقال: أي بني، سأخبرك عن ذلك: قد كان يفعل ذلك، فوالله ما أدري أحباً كان ذلك منه أو تألفاً كان يتألّفني ولكن أشهد على رجلين فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن أم عبد وابن سمية.
وفي حديث بمعناه: ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين. قال: صدقتم والله، لقد قتلناه.
وعن الحسن قال: قال عمرو بن العاص: إني لأرجو أن لا يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات يوم مات وهوي حب رجلاً فيدخله الله النار، قال: فقالوا: قد كنا نراه يحبك، وكان يستعملك، قال: فقال: الله أعلم أحبّني أم تألّفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلاً، قالوا: فمن ذلك الرجل؟ قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يم صفين، قال: قد والله قتلناه.
وعن ابن عباس قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد بن المغيرة في سرية قال: ومعه في السرية عمار بن ياسر إلى حيّ من قريش، أو من قيس حتى إذا دنوا من القوم جاءهم النذير فهربوا، وثبت رجل منهم كان قد أسلم وهو وأهل بيته، فقال لأهله: كونوا على رجل حتى آتيكم. قال: فانطلق حتى دخل في العسكر فدخل على عمار بن ياسر، فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وأهل بيتي فهل ذلك نافعي أم أذهب كما ذهب قومي؟ قال: فقال له عمار: أقم، فأنت آمن. قال: فرجع الرجل فأقام، وصبحهم خالد بن الوليد فوجد القوم قد أنذروا، وذهبوا، فأخذ الرج فقال له غمار: إنه ليس لك على الرجل سبيل، إني قد أمّنته، وقد أسلم، قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟! قال: نعم، أجير عليك، وأنت الأمير، إن الرجل قد أسلم، ولو شاء لذهب كما ذهب قومه، قال: فتنازعا في ذلك حتى قدما المدينة، فاجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر عمار للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان من أمر الرجل، فأجاز أمان عمار ونهى يومئذ أن يجير رجلٌ على أمير، فتنازع عمار وخالد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تشاتما، فقال خالد بن الوليد: أيشتمني هذا العبد عندك؟! أما والله لولاك ما شتمني. قال: فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: " كفّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عزّ وجلّ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله "، قال: وقام عمار فانطلق فاتّبعه خالد وأخذ بثوبه، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه. قال: وفيه نزلت: " يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم " يعني السرايا " فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول " حتى يكون الرسول هو الذي يقضي فيه " إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " حتى فرغ من الآية.
زاد في حديث آخر بمعناه: " ومن يعاد عماراً يعاده الله، ومن يسبّ عماراً يسبّه الله ".
وعن أوس بنأوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه ".
وعن مجاهد قال: رآهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملون الحجارة على عمار، وهو يبني المسجد فقال: " ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك فعل الأشقياء الأشرار ".
وفي حديث بمعناه: " قاتله وسالبه في النار ".
وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إن الله عزّ وجلّ قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنّا من أن يفتنّا، أرأيت عن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يعرض على ابن سمية أمران إلا اتبع الأرشد منهما ". فلما هاجت الفتنة، وقتل عثمان قلت: والله لأتبعنّه مع من أحببت، ومع من كرهت، فإذا أنا به مع علي مقبل.
وفي حديث آخر بمعناه عنه قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إن الله أجار أهل الإسلام من الظلم ولم يجرهم من الفتن، فإن وقع فما تأمرني؟ قال: انظر عمار بن ياسر أين يكون فكن معه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار يزول مع الحق حيث يزول ".
وعن بلال بن يحيى أن حذيفة أتى وهو ثقيل بالموت، فقيل له: إن هذا الرجل قد قتل لعثمان فما
تأمرنا؟ قال: أما إذا أبيتم فأجلسوني، فأسند إلى ظهر رجلٍ، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أبو اليقظان على الفطرة، ثلاث مرات، لن يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: انظروا عماراً، فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر.
وعن علقمة قال:
أتينا الشام فقلت: اللهم، ارزقني جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي الدرداء فقال: فمن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: أليس كان فيكم صاحب السواك والوساد يعني: عبد الله بن مسعود أوليس كان فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الشيطان يعني: عمار بن ياسر أوليس كان فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره: حذيفة، ثم قال: كيف كان عبد الله يقرأ " واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى "؟ قلت: " والذّكر والأنثى " قال: كاد هؤلاء أن يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: كم من ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه، منهم عمار بن ياسر.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبني المسجد، فإذا نقل الناس حجراً نقل عمار حجرين وإذا نقلوا لبنةً نقل عمار لبنتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية ".
قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا صفين، فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتل هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال. قال: أيّ رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فكنا نحمل لبنة وعمار يحمل لبنتين وأنت ترحض، أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل، فقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، فقال: اسكت، فوالله ما تزال ترحض في بولك، أنحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بيننا.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده جعل القوم يحملون وجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحمل هو وعمار، فجعل عمار يرتجز ويقول:
نحن الملمون نبتني المساجدا
وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المساجدا ". وقد كان عمار اشتكى قبل ذلك، فقال بعض القوم: ليموتنّ عمار اليوم، فسمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنفض لبنته وقال: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وعن الحين قال: لما قدم النّبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال: " ابنوا لنا مسجداً "، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " عرش كعرش موسى، ابنوه لنا بلبن "، فجعلوا يبنون ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعاطيهم اللّبن على صدره، ما دونه ثوب، وهو يقول: " اللهم، إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة "، فمرّ عمار بن ياسر، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفض التراب عن رأسه ويقول: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وقد روي أن ذلك في حفر الخندق، كما روي عن جابر بن عبد الله أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين لما أخذوا في حفر الخندق جعل عمار بن ياسر يحمل التراب والحجارة في الخندق، فيطرحه على شفيره، وكان ناقهاً من مرض، صائماً، فأدركه الغشي، فأتاه أبو بكر، فقال: اربع على نفسك يا عمار، فقد قتلت نفسك، وأنت ناقه من مرض، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول أبي بكر، فقام، فجعل يمسح التراب عن رأس عمار ومنكبه وهو يقول: " يزعمون أنك متّ، وأنك قد قتلت نفسك، كلا والله تقتلك الفئة الباغية ".
وفي حديث آخر بمعناه: " ولا والله ما أنت بميت حتى تقتلك الفئة الباغية ".
وعن عمار قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " آخر زادك من الدنيا ضياح لبن ". وقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتلك الفئة الباغية ".
وعن مولاة لعمار بن ياسر قالت: اشتكى عمار شكوى ثقل منه، فغشي عله، فأفاق. ونحن نبكي حوله فقال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنّ آخر زادي من الدنيا مذقة لبن.
وفي حديث آخر بمعناه: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلي أني مقتول بين فئتين من المؤمنين عظيمتين، تقتلني الباغية منهما.
وعن زيد بن وهب
أن عماراً قال لعثمان: حملت قريشاً على رقاب الناس عدواً فعدوا عليّ فضربوني،
فغضب عثمان ثم قال: ما لي ولقريش؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فضربوه، سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية، وقاتله في النار ".
وعن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة وكانت تمرّض عماراً قالت: جاء معاوية إلى عمار يعوده. فلما خرج من عنده قال: اللهم، لا تجعل منيّته بأيدينا، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتل عماراً الفئة الباغية ".
وعن حنظلة بن خويلد العنزي قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، وكل واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدهما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية "، فقال معاوية: لا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إني معكم، ولست أقاتل، إن أبي شكاني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه "، فأنا معكم، ولست أقاتل.
وعن حذيفة: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الناكثة عن الحق ".
وعن حارثة قال: قرئ علينا كتاب عمر: السلام عليكم، أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله قاضياً ووزيراً، وإنهما من نجباء أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وممن شهد بدراً، فاسمعوا لهم وأطيعوا، وقد آثرتكم بهما على نفسي.
وقال أبو وائل: إن عمر بعث إليهم عماراً وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، وجعلهم بينهم شاة: ربعاً لعبد الله، وربعاً لصاحبه، ونصفاً لعمار، لأنه على الصلاة وغيرها. وفي رواية أنه جعل لعمار شطرها وبطنها.
وعن ابن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء ابن ياسر ستة آلاف.
وعن عبد الله بن مسعود قال: بينا نحن يوم الجمعة في مسجد الكوفة، وعمار بن ياسر أمير على الكوفة لعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود على بيت المال إذ نظر عبد الله بن مسعود إلى الظل فرآه قدر الشراك، فقال: إن يصب صاحبكم سنّة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم يخرج الآن. قال: فوالله ما فرغ عبد الله بن مسعود من كلامه حتى خرج عمار بن ياسر يقول: الصلاة.
قال أبو وائل: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز. فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن طول صلاة الرج وقصر خطبته مئنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، فإن من البيان سحراً ".
وعن إبراهيم أن عماراً كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب " يس ".
وعن زر بن حبيش أنه رأى عمار بن ياسر قرأ " إذا السّماء انشقّت " وهو على المنبر، فنزل: فسجد.
وعن زر قال: صلّى عمار صلاة فيها خفة، فذكر ذلك له فقال: إني بادرت الوسواس.
وعنعبد الله بنعنمة قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد، فصلى، فأخف الصلاة. قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: أبا اليقظان، لقد خففت! قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئاً؟ قلت: لا، قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها ".
وعن خلاس بن عمرو قال: شهدت عمار بن ياسر وسأله رجل عن الوتر، فقال: ترضى بما أصنع؟ قال: إن فيك لمقنعاً أما أنا فأوتر من أول الليل، فإن رزقت من آخر الليل شيئاً صليت شفعاً حتى أصبح.
وعن طارق بن شهاب الأحمسي قال: غزت بنو عطارد ماء للبصرة وأمدّوا بعمار من الكوفة، فخرج قبل الوقعة، وقدم بعد الرقعة فقال: نحن شركاؤكم في الغنيمة، فقام رجل من بني عطارد فقال: أيها العبد المجدّع، تريد أن نقسم لك غنائمنا؟! وكانت أذنه أصيبت في سبيل الله، فقال: عيرتموني بأحبّ أذنيّ إليّ أو خير أذنيّ قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.
حدث عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال:
رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرّون، أنا عمار بن ياسر، هلمّ إليّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذبن وهو يقاتل أشد القتال.
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعوها حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم.
وعن عبد الله بن سلمة قال: مرّ عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يرسس داره، فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال: أراك بنيت شديداً، وأمّلت بعيداً، وتموت قريباً.
وعن الربيع بن عميلة قال: كنا مع عمار بن ياسر في المسجد، وعنده أعرابي، فذكروا المرض، فقال الأعرابي: ما مرضت قط، فقال عمار: ما أنت؟! أولست منا؟ إن المسلم يبتلى بالبلاء، فيكون كفارة خطاياه فتتحاتّ كما يتحاتّ ورق الشجر، وإن الكافر يبتلى، فيكون مثله كمثل البعير عقل، فلا يدري لم عقل، وأطلق فلا يدري لم أطلق.
قال ابن أبي الهذيل: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتّاً بدرهم فاستزاد حبلاً فأبي فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة.
وفي رواية: ثم حمله على عاتقه، فأدخله القصر.
قال يونس بن عبد الله الجرمي: أخبرني من نظر إلى عمار بن ياسر، وهو أمير الناس بالكوفة، فيأخذ نصيبه من اللحم الذي كان رزقه عمر فيحمله بيده.
وعن عكرة أن عماراً أخذ سارقاً قد سرق عيبته فقال: أستر عليه لعل الله يستر علي.
وفي رواية: أخذ سارقاً قد سرق عيبته فأرسله.
وعن أبي البختريّ الطائي قال: قاول عمار رجلاً، فاستطال الرجل عليه، فقال عمار: أنا إذاً كمن لا يغتسل يوم الجمعة، فعاد الرجل فاستطال عليه، فقال له عمار: إن كنت كاذباً فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطّأ عقبك.
وعن الحارث بن سويد قال: محل رجل بمولى لعمار عند عمر فقال: إن مولى لعمار يخاطر بالديوك فبلغ ذلك عماراً فشق عليه، فقال: اللهم، إن كان كاذباً فابسط له في الدنيا، واجعله موطّأ العقبين.
وعن عمار بن ياسر قال: ثلاث من الإيمان، من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، تنفق وأنت تعلم أن الله سيخلف لك، وإنصاف الناس منك لا تلجئهم إلى قاض، وبذل السلام للعالم.
وقال عمر لعمار بعد عزله عن الكوفة: أبا الله، ساءك حين عزلتك؟ قال: تالله ما فرحت حين استعملتني، ولقد ساءني حين عزلتني.
وعن عمار قال: ثلاثة لا يستخفّ بحقهم إلا منافق بيّنٌ نفاقه: الإمام المقسط، ومعلم الخير، وذو الشيبة في الإسلام.
وعن موسى بن عقبة أن عمار بن ياسر كان يدعو فيقول: اللهم، اجعلني من عبادك الصالحين، وأعطني من صالح ما تعطي عبادك الصالحين، من الأمانة، والإيمان، والأجر، والعافية، والمال، والولد النافع غير الضار ولا المضر، ولا الضّال ولا المضلّ.
وكان عمار بن ياسر يقول: كفى بالموت موعظة، وكفى باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلاً.
وعن قيس بن عباد قال: قلت لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، أرأيت هذا الأمر الذي أتيتموه: برأيكم أو شيء عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم نعهده إلى الناس.
قال ابن عمر: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار بن ياسر، وما أدري ما صنع.
قال ابن عبس لحذيفة: إن أمي المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: الزموا عماراً، قال: إن عماراص لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً من الأخيار. وهو يعلم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
وعن عمار بن ياسر قال: أمرت أن أقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: كان عمار بن ياسر قليل الكلام، طويل السكوت وفي رواية: طويل الحزن
والكآبة وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة.
وعن عمار بن ياسر أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات:
اللهم، لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من هذا الجبل، فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت، اللهم، لو أعلم أن أرضى لك عني أن ألقي بنفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو ألاّ تخيّبني وأنا أريد وجهك.
وعن أبي وائل قال: دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود على عمار، وهو يستنفر الناس فقالا له: ما رأينا منك منذ أسلمت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر! فقال لهما: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلّة حلّة، وخرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة.
وعن عمار بن ياسر قال: لقد سارت أمّنا مسيرها، وإنا لنعلم أنها زوجة نبيّنا في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها لنعلم: إياه نطيع أو إياها.
سمع عمار بن ياسر رجلاً ينال من عائشة فلقال له: اسكت مقبوحاً منبوحاً، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة.
وعن الشعبي قال: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب.
وعن ابن إسحاق أن عماراً قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقول في أبناء من قتلناه؟! قال: لا سبيل عليهم، قال: لو قلت غير ذلك خالفناك.
وفي رواية: قال عمار لعلي يوم الجمل: ما تريد تصنع بهؤلاء. وذراريهم؟ قال: قال له علي: حتى ننظر لمن تصير عائشة، قال: فقال عمار: ونقسم عائشة؟! قال: فكيف نقسم هؤلاء؟ فقال له عمار: أما إنك لو أردت غير هذا ما تابعناك.
وعن عمار بن ياسر إن علياً مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فوثب عليهم فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، ولولا أن تكون سبّة لضربت بها وجوهكم، فخرج عليه رجلان من الحمام متزلّقين زاد في رواية: مدهنين فقال: من أنتما؟ فقالا: من المهاجرين، فقال: بل من المفاخرين، إنما المهاجر عمار بن ياسر.
قال بعض رواته: أحسب أن الرجلين ليسا من الصحابة، ولو كانا من الصحابة عرفهما، وإنما يعنيان من المهاجرين ممن جاء فقاتل معه.
قال عبد الله بن سلمة: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء، فقال له رجل: أينشد عندكم الشعر وأنتم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم؟! فقال: إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، إنا لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لنا: قولوا لهم كما يقولون لكم، فإن كنا لنعلّمه الإماء بالمدينة.
وعن عمار بن ياسر قال: قبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم.
وعن أبي التحيى قال: إني لفي الصف بصفين إذ مرّ علينا علي على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي الصفوف، فقام عمار بن ياسر فأخذ باللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فمضى ولم يردّ عليه شيئاً، ثم رجع علينا يسوّيها، فقام إليه فأخذ اللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مالك لا تكلّم؟ أيوم العتيق هو؟ قال: نعم، فأرسل اللجام وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه.
وعن مسلم بن الأجدع الليثي وكان ممن شهد صفين قال: كان عمار يخرج بين الصفين، وقد أخرجت الرايات، فينادي حتى يسمعهم بأعلى صوته: روحوا إلى الجنة، قد تزينت الحور العين.
وعن أبي عاصم قال: خرج عمرو بن يثربي وهو يقول: الرجز
أنا لمن أنكرني ابن يثربيّ ... قاتل علباء وهند الجملي
وابن صوحان على دين علي
فبرز له عمار، وهو ابن ثلاث وتسعين عليه فروة مشدودة الوسط بشريطٍ، حمائل سيفه تسعة، فانتقضت ركبتاه، فجثا على ركبتيه، فأخذه أسيراً، فأتى به علياً عليه السلام، فقال: ابن يثربيّ، أدنّي منك، وهو يريد أن يثب عليه، فقال: لا ولكن أقتلك صبراً بالثلاثة الذي قتلتهم على ديني.
وعن سلمة بن كهيل قال: قال عمار بن ياسر يوم صفين: الجنة تحت البارقة، يعني: الظمآن قد يرد الماء موروداً. اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق، وأنهم على
باطل، والله لقد قاتلت بهذه الراية ثلاث مرات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما هذه المرة بأبرهنّ ولا أتقاهنّ.
وعن ابن البختري
أن عمار بن ياسر يوم صفين جعل يقاتل، فلا يقتل، فيجيء إلى علي فيقول: يا أمير المؤمنين، أليس هذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: اذهب عنك؛ فقال ذلك مراراً، ثم أتي بلبن فشربه، فقال عمار: إن هذه لآخر شربة أشربها من الدنيا، أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن هذه آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
وحدث رجل من بني سعد قال: كنت واقفاً بصفين إلى جنب الأحنف، والأحنف إلى جنب عمار، فسمعت عماراً يقول: عهد إلي خليلي أن آخر زادي من الدنيا ضيحة لبن. فبينا نحن كذلك إذ سطع الغبار، وقالوا: جاء أهل الشام، جاء أهل الشام، وقامت السقاة يسقون الناس، فجاءته جارية، معها قدح، فناولته عماراً، فشرب ثم ناول عمار فضله الأحنف بن قيس ثم ناولني الأحنف وفي رواية: فإذا هو لبن فقلت: إن كان صاحبك صادقاً فخليق أن يقتل الآن، قال: فغشينا القوم، فتقدم عمار، فسمعته يقول: الجنة الجنة تحت الأسنّة، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، ثم كان آخر العهد.
حدث ابن سعيد عن عمه قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار كان الرجلان يضطربان بسيفهما حتى يفترا، فيجلسا، حتى يتروّحا، فيعودا، وربما قال: فانتصف النهار وقد ضرب الناس كلهم، فليس أحد يتحرك، فيختلطون هكذا، وشبك بين أصابعه حتى إذا زالت الشمس إذا رجل قد برز بين الصفين، جسيم، على فرس جسيم، ضخم، على ضخم، ينادي، يا عباد الله بصوت موجع يا عباد الله، ورحوا إلى الجنة، ثلاث مرات، الجنة تحت ظلال الأسل، فثار الناس فإذا هو عمار بن ياسر فلم يلبث أن قتل رحمه الله.
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلّ سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أضلّ أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية ". قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة، ثم اقترب فقاتل حتى قتل.
وكان الذي قتل عمار بن ياسر أو غادية المزني، طعنه برمح، فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفّة، فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن تختصمان إلا في النار، فسمعهما منه معاوية. فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة.
وقيل: إن عماراً قتل هو إحدى وتسعين سنة، وكان أقدم في الميلاد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أقبل إليه ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمر بن الحارث الخولاني، وشيك بن سلمة المرادي، فانتهوا إليه جميعاً وهو يقول: والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقّ، وأنتم على باطل، فحملوا عليه جميعاً، فقتلوه. وزعم بعضهم أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عماراً، وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان. ويقال: بل الذي قتله عمر بن الحارث الخولاني.
وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بشّر قاتل ابن سمية بالنار، أو قاتل ابن سمية في النار ".
وعن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان، يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن. فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرأس وبين الساقين، قال: فحملت عليه، فطعنته
في ركبته، قال: فوقع، فقتلته، فقيل: قتل عمار بن ياسر، وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن قاتله وسالبه في النار "، فقيل لعمرو بن العاص: هوذا أنت تقاتله، فقال: إنما قال: " قاتله وسالبه ".
وعن كلثوم بن جبير قال:
كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فقال: الإذن، هذا أبو غادية الجهني، فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل، عليه مقطّعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال، كأنه ليس من هذه الأمة. فلما أن قعد قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العقبة فقال: " يا أيها الناس، ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " فقلنا: نعم، فقال: " اللهم، اشهد "، ثم قال: " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "، قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعدّ عمار بن ياسر فينا حناناً. فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: ألا إن نعثلاً هذا لعثمان فتلفت فلو أجد عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله، قال: قلت: اللهم، إنك إن تشأ تمكني من عمار، فلما كان يوم صفين أقبل يسير أول الكتيبة رجلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة، فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربته، فإذا رأس عمار. قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالة عندي منه، إنه سمع من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما سمع ثم قتل عماراً. قال: واستسقى أبو غادية، فأتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأتي بماء في قدح، فشرب، فقال رجل على رأس الأمير قائم
بالنبطية: أي يد كفتاه يتورع من الشراب في زجاج، ولم يتورع من قتل عمار؟! ولما استحلم القتال بصفين، وكادوا يتفانون قال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم فيه خفة العبد يعني: عمار بن ياسر وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن، وآخرهن ليلة الهرير. فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ومعه اللواء يومئذٍ: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار، رحمك الله، إنك رجل تستخفّك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء زحفاً رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد، وإني إن خففت لم آمن الهلكة، فلم يزل به حتى حمل، فنهض عمار في كتبيته، فنهض إليه ذو الكلاع في كتبيته، فاقتتلوا فقتلا جميعاً، واستؤصلت الكتيبتان، وحمل على عمار حويّ السكسكي وأبو الغادية المزني، فقتلاه، فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف إلينا في كتيبته، ودلفنا إليه نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك فاضطربا بسيفيهما فقتل عمار السكسي ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه رجل من حمير فاضطربا بسيفيهما فقتل عمارٌ الحميري، وأثخنه الحميري، ونادى: من يبارز؟ فبرزت إليه، فاختلفنا ضربتين، وقد كانت يده ضعفت، فانتحى عليه بضربة أخرى، فسقط، فضربته بسيفي حتى برد، قال: ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان! قتلك الله، فقلت: اذهب إليك، فوالله ما أبالي من كنت، وتالله ما أعرفه يومئذٍ، فقال له محمد بن المنتشر: يا أبا الغادية، خصمك يوم القيامة مازندر يعني ضخماً فضحك.
وكان أبو الغادية شيخاً، كبيراً، جسيماً، أدلم، قال: فقال علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخ عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. لقد رأيت عماراً وما يذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة كان رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهينئاً لعمار بالجنة. ولقد قيل: إن عماراً مع الحق، والحق معه يدور، عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار.
قال حبيب بن أبي ثابت: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل.
وعن قيس بن أبي حازم قال: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم.
وعن أشياخ شهدوا عماراً قال: لا تغسلوا عني دماً، ولا تحثوا علي تراباً، فإني مخاصم.
وعن عاصم بن ضمرة أن علياً صلى على عمار، ولم يغسله.
وعن أبي إسحاق أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً أو ستاً أو سبعاً. والشك في ذلك من أشعث، أحد رواته.
ولما بلغ أهل الشام يوم صفين أن عمار بن ياسر قد قتل بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه، فعاد إليهم، فأخبرهم أنه قد قتل، فنادى أهل الشام أصحاب عليّ: إنكم
لستم بأولى بالصلاة على عمار بن ياسر منا. قال: فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً.
وعن مجاهد قال: لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو: إنا لله وإنا إليه راجعون. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، قال: فقال معاوية: لا تزال تبول، ثم تمرّغ في مبالك، نحن قتلناه؟! إنما قتله الذي أخرجوه.
وعن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أول شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا، والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون. فلما كان يوم صفين ذهبنا ننظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول. قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إليّ، فقلت عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتله الفئة الباغية "، فقلت: هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عينيّ مقتول، قال: فانطلق فأرينه، فذهبت به، فأوقفته عليه، فساعة رآه امتقع، ثم أعرض في شق وقال: إنما قتله الذي خرج به.
ولما قتل عمار نادى المنادي: أين الشاكّ في قتال أهل الشام؟ قد قتل عمار.
وقتل عمار وهو ابن نيف وتسعين سنة سنة سبعٍ وثلاثين بصفين، ودفن هناك. وكان لا يركب على سرج، وكان يركب راحلته من الكبر، وكان أبيض الرأس واللحية. فصلى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يغسّله. وكانت وقعة صفين بين علي ومعاوية. وقتل بينهما جماعة كثيرة، يقال: إنهم سبعون ألفاً في صفين، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. وكان عمار يقاتل في محفّة من فتق كان به.
رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل في منامه أنه أدخل الجنة، فإذا هو بقباب مضروبة، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وحوشب، وكانا قتلا مع معاوية، قال: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: وقد قتل بعضهم بعضاً! قالوا: نعم، إنهم لقوا الله، فوجدوه واسع المغفرة، قال: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.
ابن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر بن الأكبر بن تامر بن عنس وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو اليقظان العنسي، مولى بني مخزوم، صاحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قديم إسلامه، طويلة صحبته. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وقدم مع عمر الجابية. وأمه سمية بنت خباط، أمةٌ لبني مخزوم. شهد الجمل وصفين، وقتل يوم صفين مع علي بن أبي طالب.
حدث عمار بن ياسر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من كان ذا وجهين في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة ".
حدث محمد بن عمار بن ياسر قال: رأيت أبي عمار بن ياسر صلى بعد المغرب ست ركعات، فقلت: يا أبه، ما هذه الصلاة؟ فقال: رأيت حبيبي صلّى الله عليه وسلّم صلى بعد المغرب ست ركعات ثم قال: من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر.
وكان ياسر بن عامر قدم وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وزوّجه أبو حذيفة أمةً له يقال لها: سمية بنت خباط، فولدت له عماراً، فأعتقه أبو حذيفة، ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات،
وجاء الله بالإسلام، فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر، وكان لياسر ابن آخر أكبر من عمار وعبد الله يقال له حريث قتله بنو الدئل في الجاهلية، وخلف على سمية بعد ياسر الأزرق، وكان رومياً غلاماص للحارث بن كلدة الثقفي، وهو ممن خرج يوم الطائف إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مع عبيد أهل الطائف، وفيهم أبو بكرة فأعتقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فولدت سمية للأزرق سلمة بن الأزرق، وهو أخو عمار لأمه، ثم ادعى ولد سلمة وعمر وعقبة بني الأزرق أن الأزرق بن عمرو بن الحارث بن أبي شمر من غسان، وأنه حليف لبني أمية، وشرفوا بمكة، وتزوج الأزرق، وولده في بني أمية، وكان له منهم أولاد. وكان بنو الأزرق في أول أمرهم يدّعون أنهم من بني تغلب ثم من بني عكبّ، فأفسدتهم خزاعة ودعوهم إلى اليمن، وزينوا لهم ذلك، وقالوا: أنتم لا يغسل عنكم ذكر الروم إلا أن تدّعوا أنكم من غسان، فانتموا إلى غسان بعد.
قال ابن الكلبي: هو من عنس بن زيد بن مذحج، من السابقين الأولين، والمعذبين في الله، ذو الهجرتين، مختلف في هجرته إلى الحبشة، بدريّ، لم يشهد بدراً ابن مؤمنين غيره، وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فقتلها وهي سمية بنت سلم بن لحي. وكان آدم، طوالاً، أصلع، في مقدم رأسه شعرات، وفي مؤخره شعرات، مجدّع الأنف، سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم الطيّب الطيّب، ورحّب به وقال: ملئ إيماناً إلى مشاشه، وضرب خاصرته وقال: هذه خاصرة مؤمنة، وقال: من حقر عماراً حقره الله. شهد المشاهد كلها، بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة أميراً، وقتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين، وهو ابن نيف وتسعين سنة. ومرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعمار وأبيه وأمه وهم يعذّبون فقال: اصبروا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة. ونزل فيه آيات من القرآن، فمن ذلك أن المشركين أخذوه وعذبوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم جاءه وذكر ذلك له فأنزل الله فيه " إلاً من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " الآية. وآخى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينه وبين حذيفة بن اليمان.
وقال عمار: كنت ترباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لسنّه، لم يكن أقرب به سناً مني.
قال عبد الله بن سلمة: رأيت عماراً يوم صفين شيخاً كبيراً، آدم، طوالاً، أخذ الحربة بيده، ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفت أن مصلحتنا على الحق وأنهم على الضلالة، وقال أبو بكر: على الباطل.
قال سليط بن سليط الحنفي: كنت مع علي بن أبي طالب، وأنا يومئذٍ حدث السن، ولحداثتي لا أعرف عماراً، فبينا أنا ذات يوم قاعد بالكناسة إذ خرج علينا رجل آدم، طوال، جعد الشعر، فيه حبشية، فسلّم ثم تأمّل الناس، قال: " ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون " ما أحسن أن يقول العبد: سبحان الله، عدد كلّ ما خلق، فقلت كما قال، ثم انصرف، فوصفت صفته، فقالوا: هذه صفة عمار، أو قالوا: هذا عمار.
وكان عمار آدم، طوالاً، مضطرباً، أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، لا يغير شيبه.
قال عمار بن ياسر: لقد رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
قال عمار بن ياسر:
لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيها، فقلت له: ما تريد؟ قال لي: ما تريد أنت؟ فقلت: أردت أن أدخل على محمد فأسمع كلامه، قال: وأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام، فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا على ذلك حتى أمسينا، ثم خرجنا ونحن مستخفون. فكان إسلام عمار وصهيب بعد بضعة وثلاثين رجلاً.
قال مجاهد: أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر، وبلال، وخبّاب، وصهيب وعمار، وسمية أم عمار.
وفي رواية: والمقداد، ولم يذكر خباب.
فأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمنعه الله بعمّه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما الآخرون فأخذهم المشكرون فألبسهم أدارع الحديد، وصهروهم في الشمس، حتى بلغ الجهد منهم كلّ مبلغ، حتى جعل يسيل منهم الصديد، فأعطوهم ما سألوا، فجاء إلى كل رجل منهم قومه فأنطاع الأدم فيها الماء، فألقوهم فيها ثم حملوا بجوانبه إلا بلال. فلما كان العشيّ جاء أبو جهل، فجعل يشتم سمية ويرفث وفي رواية: فجاء أبو جهل عدو الله بحربته، فجعل يبوك بها في قبل سمية حتى قتلها، وكانت أول شهيدة قتلت في الإسلام إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله عزّ وجلّ، فجعلوا في عنقه حبلاً، ثم أمروا صبيانهم فاشتدوا به بين أخشبي مكة، وجعل يقول: أحد أحد.
قال شيبان: فقال القوم ما أرادوا منهم غير بلال. فلما أعياهم كتفوه، وجعلوا في عنقه حبلاً من ليف، وأعطوه غلمانهم، فجعلوا يجرونه بمكة، ويلعبون. فلما أعياهم وأملّهم تركوه، فقال عمار: كلنا قد قال ما أريد منه غير بلال هانت عليه نفسه في الله، ولكن الله تداركنا منه برحمة.
قال عروة بن الزبير: كان عمار بن ياسر من المستضعفين الذين يعذّبون بمكة ليرجع عن دينه، والمستضعفون قوم لا عشائر لهم بمكة، وليست هم منعة ولا قوة، فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء بأنصاف النهار ليرجعوا عن دينهم.
قال عمر بن الحكم: كان عمار بن ياسر يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقولن وكان أبو فكيه يعذّب حتى لا يدري ما يقول، وبلال وعامر بن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية " والّذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ".
وعن عثمان قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار ولأبيه ولأمه وهم بمكة والمشركون يعذبونهم: " صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة ".
وفي رواية أخرى: " اللهم، اغفر لآل ياسر وقد فعلت ".
قال مسدّد: ولم يكن من المهاجرين أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر. قالوا: وهذا وهم من مسدّد، فإن أبوي أبي بكر كانا مسلمين: أبو قحافة وأم الخير.
وعن عمرو بن ميمون قال: عذب المشركون عماراً بالنار، فكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يمرّ به، فيمرّ يده على رأسه، ويقول: " يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية ".
قال محمد بن كعب القرظي: أخبرني من رأى عمار بن ياسر متجرداً من سراويل، قال: فنظرت إلى ظهره فيه خيط كبير، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مما كانت تعذبني به قريش في رمضاء مكة.
وعن محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عماراً فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرفتركوه، فقال
له النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، ما وراءك؟ " قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم، فقال: " فكيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئناً بالإيمان قال: " إن عادوا فعد ". قال: فأنزل الله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذاك عمار بن ياسر " ولكن من شرح بالكفر صدراً " عبد الله بن أبي سرح.
وعن محمد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لقي عماراً، وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: " أخذك الكفار، فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم ".
وعن قتادة: في قوله عزّ وجلّ " من كفر بالله من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان " قال: ذكر لنا أنها نزلت في عمار. أخذه بنو المغيرة، فغطوه في بئر ميمون حتى أمسى، فقالوا: أكفر بمحمد، وأشرك، فتابعهم على ذلك، وقلبه كاره، فأنزل الله هذه الآية " ولكن من شرح بالكفر صدراً " يقول: من أتاه على خيار استحباباً له فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
قال ابن إسحاق: وبلغني أن عمار بن ياسر قال وهو يذكر بلال بن رباح وأمه حمامة وأصحابه، وما كانوا فيه من البلاء وعتاقة أبي بكر إياهم فقال: الطويل
جزى الله خيراً عن بلالٍ وصحبه ... عتيقاً وأخزى فاكهاً وأبا جهل
عشية همّا في بلالٍ بسوءةٍ ... ولم يحذروا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده ربّ الأنام وقوله: ... شهدت بأنّ الله ربّي على مهل
فإن يقتلوني يقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة القتل
فيا ربّ إبراهيم والعبد يونسٍ ... وموسى وعيسى نجّني ثم لا تمل
لمن ظلّ يهوى الغيّ من آل غالبٍ ... على غير برٍّ كان منه ولا عدل
وعن عكرمة " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم " قال: جاء آل شيبة وعتبة ابنا ربيعة ونفرٌ معهما سمّاهم أبا طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك محمداً يطرد موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، فأتى أبو طالب النبي صلّى الله عليه وسلّم فحدثه بالذي كلموه، فانزل الله عزّ وجلّ " وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ " قال: وكانوا بلالاً وعمار بن ياسر مولى حذيفة بن الغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، وصبيحاً مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو وغيرهم.
وعن ابن جريج " ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلاّ قليلٌ منهم " في عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر عن عكرمة.
وعن ابن عباس في قوله: " أمن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجداً وقائماً " قال: نزلت في عمار بن ياسر.
وعن مجاهد في قوله: " ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم من الأشرار " قال: يقول أبو جهل في النار: أين عمار، أين بلال؟.
وعن عكرمة في قوله: " أفمن يلقى في النّار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة " قال: نزلت في عمار بن ياسر وفي أبي جهل.
وقال: في أبي جهل وعمار " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها ".
وعن القاسم قال: أول من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن مسعود، وأول من بنى مسجداً يصلى فيه عمار بن ياسر، وأول من أذّن للمسلمين بلال، وأول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود، وأول من رمى بسهم رمى به سعد بن أبي وقاص، وأول من قتل من المسلمين يوم بدر مهجع مولى عمر بن الخطاب، وأول حيّ ألفوا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهينة، وأول حيّ أدوا الصدقات من قبل أنفسهم طائعين بنو عذرة بن سعد.
وفي حديث غيره: وأول من تغنّى بالحجاز المصطلق أبو خزاعة، وإنما سمي المصطلق لحسن صوته.
قال البراء: كان أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو عبد الدار بن قصي، فقلت له: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: هو مكانه، وأصحابه على أثري، ثم أتانا بعده عمرو بن أم مكتوم أخو بني فهر، فقال: ما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه؟ فقال: هم أولاء على أثري، ثم أتانا بعده عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وبلال، ثم أتانا بعده عمر بن الخطاب في عشرين راكباً، ثم أتانا بعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وأبو بكر معه. قال البراء: فلم يقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة حتى قرأت سوراً من المفصّل ثم خرجنا نتلقى العير فوجدناهم قد برزوا.
وعن عبد الله قال: اشتركت أنا وعمار بن ياسر وسعد فيما نصيبه في يوم بدر، فلم أجئ أنا ولا عمار بشيء وجاء سعد برجلين.
وعن عمار بن ياسر قال:
قاتلت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الجن والإنس، قيل: وكيف قاتلت الجن والإنس؟! قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر، فنزلنا منزلاً، فأخذت قربتي ودلوي لأستقي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أما إنه سيأتيك على الماء آت يمنعك منه ". فلما كنت على رأس البئر إذا رجل أسود كأنه مرس، فقال: والله لا تستقي منها اليوم ذنوباً واحداً، فأخذني وأخذته فصرعته، ثم أخذت حجراً فكسرت به وجهه وأنفه، ثم ملأت قربتي، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هل أتاك على الماء من أحد؟ " قالت: نعم، فقصصت عليه القصة، فقال: " أتدري من هو؟ " قلت: لا، قال: " ذاك الشيطان ".
وعن علي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من نبي إلا وقد أعطي سبعة نجباء، رفقاء، وزراء وأعطيت أنا أربعة عشر، سبعة من قريش: علي، وحمزة، وحسن، وحسين، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله بن مسعود، وسلمان، وأبو ذر، وحذيفة، وعمار، والمقداد، وبلال ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ثلاثة تساق إليهم الجنة: علي، وعمار، وسلمان ".
وعن علي قال: استأذن عمار على النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: " الطيّب المطيّب، ائذن له ".
وعن هانئ بن هانئ قال: استأذن عمار على علي عليه السلام فقال: ائذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه ".
وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمار بن ياسر، قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً ".
وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد: عبد الله بن مسعود ". قلت: ما هدي عمار؟ قال: " التقشف والتشمير ".
وعن حذيفة قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: " إني لا أدري ما قدّر بقائي فيكم، فاقتدوا باللّذين من بعدي: يشير إلى أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وعهد ابن أم عبد، يعني: عبد الله بن مسعود ".
وعن عثمان بن أبي العاص قال: رجلان مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعاً شديداً، فقال له ابنه عبد الله: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله يستعملك ويدنيك؟! فقال: أي بني، سأخبرك عن ذلك: قد كان يفعل ذلك، فوالله ما أدري أحباً كان ذلك منه أو تألفاً كان يتألّفني ولكن أشهد على رجلين فارق الدنيا وهو يحبهما: ابن أم عبد وابن سمية.
وفي حديث بمعناه: ولكن أشهد على رجلين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، قالوا: فذاك والله قتيلكم يوم صفين. قال: صدقتم والله، لقد قتلناه.
وعن الحسن قال: قال عمرو بن العاص: إني لأرجو أن لا يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مات يوم مات وهوي حب رجلاً فيدخله الله النار، قال: فقالوا: قد كنا نراه يحبك، وكان يستعملك، قال: فقال: الله أعلم أحبّني أم تألّفني، ولكنا كنا نراه يحب رجلاً، قالوا: فمن ذلك الرجل؟ قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يم صفين، قال: قد والله قتلناه.
وعن ابن عباس قال:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد بن المغيرة في سرية قال: ومعه في السرية عمار بن ياسر إلى حيّ من قريش، أو من قيس حتى إذا دنوا من القوم جاءهم النذير فهربوا، وثبت رجل منهم كان قد أسلم وهو وأهل بيته، فقال لأهله: كونوا على رجل حتى آتيكم. قال: فانطلق حتى دخل في العسكر فدخل على عمار بن ياسر، فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وأهل بيتي فهل ذلك نافعي أم أذهب كما ذهب قومي؟ قال: فقال له عمار: أقم، فأنت آمن. قال: فرجع الرجل فأقام، وصبحهم خالد بن الوليد فوجد القوم قد أنذروا، وذهبوا، فأخذ الرج فقال له غمار: إنه ليس لك على الرجل سبيل، إني قد أمّنته، وقد أسلم، قال: وما أنت وذاك؟ أتجير عليّ وأنا الأمير؟! قال: نعم، أجير عليك، وأنت الأمير، إن الرجل قد أسلم، ولو شاء لذهب كما ذهب قومه، قال: فتنازعا في ذلك حتى قدما المدينة، فاجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر عمار للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي كان من أمر الرجل، فأجاز أمان عمار ونهى يومئذ أن يجير رجلٌ على أمير، فتنازع عمار وخالد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى تشاتما، فقال خالد بن الوليد: أيشتمني هذا العبد عندك؟! أما والله لولاك ما شتمني. قال: فقال نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: " كفّ يا خالد عن عمار، فإنه من يبغض عماراً يبغضه الله عزّ وجلّ، ومن يلعن عماراً يلعنه الله "، قال: وقام عمار فانطلق فاتّبعه خالد وأخذ بثوبه، فلم يزل يترضاه حتى رضي عنه. قال: وفيه نزلت: " يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم " يعني السرايا " فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرّسول " حتى يكون الرسول هو الذي يقضي فيه " إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر " حتى فرغ من الآية.
زاد في حديث آخر بمعناه: " ومن يعاد عماراً يعاده الله، ومن يسبّ عماراً يسبّه الله ".
وعن أوس بنأوس قال: كنت عند علي فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه ".
وعن مجاهد قال: رآهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحملون الحجارة على عمار، وهو يبني المسجد فقال: " ما لهم ولعمار؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذلك فعل الأشقياء الأشرار ".
وفي حديث بمعناه: " قاتله وسالبه في النار ".
وعن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إن الله عزّ وجلّ قد أمننا من أن يظلمنا، ولم يؤمنّا من أن يفتنّا، أرأيت عن أدركت فتنة؟ قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا يعرض على ابن سمية أمران إلا اتبع الأرشد منهما ". فلما هاجت الفتنة، وقتل عثمان قلت: والله لأتبعنّه مع من أحببت، ومع من كرهت، فإذا أنا به مع علي مقبل.
وفي حديث آخر بمعناه عنه قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إن الله أجار أهل الإسلام من الظلم ولم يجرهم من الفتن، فإن وقع فما تأمرني؟ قال: انظر عمار بن ياسر أين يكون فكن معه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " عمار يزول مع الحق حيث يزول ".
وعن بلال بن يحيى أن حذيفة أتى وهو ثقيل بالموت، فقيل له: إن هذا الرجل قد قتل لعثمان فما
تأمرنا؟ قال: أما إذا أبيتم فأجلسوني، فأسند إلى ظهر رجلٍ، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " أبو اليقظان على الفطرة، ثلاث مرات، لن يدعها حتى يموت أو ينسيه الهرم ".
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: انظروا عماراً، فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر.
وعن علقمة قال:
أتينا الشام فقلت: اللهم، ارزقني جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي الدرداء فقال: فمن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: أليس كان فيكم صاحب السواك والوساد يعني: عبد الله بن مسعود أوليس كان فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم من الشيطان يعني: عمار بن ياسر أوليس كان فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره: حذيفة، ثم قال: كيف كان عبد الله يقرأ " واللّيل إذا يغشى والنّهار إذا تجلّى "؟ قلت: " والذّكر والأنثى " قال: كاد هؤلاء أن يشككوني، وقد سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: كم من ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبرّه، منهم عمار بن ياسر.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبني المسجد، فإذا نقل الناس حجراً نقل عمار حجرين وإذا نقلوا لبنةً نقل عمار لبنتين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويح ابن سمية، تقتله الفئة الباغية ".
قال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا صفين، فكنا إذا تواعدنا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فرأيت أربعة يسيرون: معاوية بن أبي سفيان، وأبو الأعور السلمي، وعمرو بن العاص، وابنه، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول لأبيه عمرو: قد قتل هذا الرجل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال. قال: أيّ رجل؟ قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المسجد، فكنا نحمل لبنة وعمار يحمل لبنتين وأنت ترحض، أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو على معاوية فقال: قتلنا هذا الرجل، فقد قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما قال، فقال: اسكت، فوالله ما تزال ترحض في بولك، أنحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بيننا.
وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسجده جعل القوم يحملون وجعل النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحمل هو وعمار، فجعل عمار يرتجز ويقول:
نحن الملمون نبتني المساجدا
وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " المساجدا ". وقد كان عمار اشتكى قبل ذلك، فقال بعض القوم: ليموتنّ عمار اليوم، فسمعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنفض لبنته وقال: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وعن الحين قال: لما قدم النّبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة قال: " ابنوا لنا مسجداً "، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: " عرش كعرش موسى، ابنوه لنا بلبن "، فجعلوا يبنون ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعاطيهم اللّبن على صدره، ما دونه ثوب، وهو يقول: " اللهم، إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة "، فمرّ عمار بن ياسر، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينفض التراب عن رأسه ويقول: " ويحك يا بن سمية، تقتلك الفئة الباغية ".
وقد روي أن ذلك في حفر الخندق، كما روي عن جابر بن عبد الله أن
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين لما أخذوا في حفر الخندق جعل عمار بن ياسر يحمل التراب والحجارة في الخندق، فيطرحه على شفيره، وكان ناقهاً من مرض، صائماً، فأدركه الغشي، فأتاه أبو بكر، فقال: اربع على نفسك يا عمار، فقد قتلت نفسك، وأنت ناقه من مرض، فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قول أبي بكر، فقام، فجعل يمسح التراب عن رأس عمار ومنكبه وهو يقول: " يزعمون أنك متّ، وأنك قد قتلت نفسك، كلا والله تقتلك الفئة الباغية ".
وفي حديث آخر بمعناه: " ولا والله ما أنت بميت حتى تقتلك الفئة الباغية ".
وعن عمار قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " آخر زادك من الدنيا ضياح لبن ". وقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتلك الفئة الباغية ".
وعن مولاة لعمار بن ياسر قالت: اشتكى عمار شكوى ثقل منه، فغشي عله، فأفاق. ونحن نبكي حوله فقال: ما يبكيكم؟ أتحسبون أني أموت على فراشي؟ أخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأنّ آخر زادي من الدنيا مذقة لبن.
وفي حديث آخر بمعناه: إني لست ميتاً من وجعي هذا، إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد إلي أني مقتول بين فئتين من المؤمنين عظيمتين، تقتلني الباغية منهما.
وعن زيد بن وهب
أن عماراً قال لعثمان: حملت قريشاً على رقاب الناس عدواً فعدوا عليّ فضربوني،
فغضب عثمان ثم قال: ما لي ولقريش؟ عدوا على رجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم فضربوه، سمعت النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية، وقاتله في النار ".
وعن ابنة هشام بن الوليد بن المغيرة وكانت تمرّض عماراً قالت: جاء معاوية إلى عمار يعوده. فلما خرج من عنده قال: اللهم، لا تجعل منيّته بأيدينا، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتل عماراً الفئة الباغية ".
وعن حنظلة بن خويلد العنزي قال: إني لجالس عند معاوية إذ أتاه رجلان يختصمان في رأس عمار، وكل واحد منهما يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدهما نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية "، فقال معاوية: لا تغني عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا؟ قال: إني معكم، ولست أقاتل، إن أبي شكاني إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أطع أباك ما دام حياً، ولا تعصه "، فأنا معكم، ولست أقاتل.
وعن حذيفة: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الناكثة عن الحق ".
وعن حارثة قال: قرئ علينا كتاب عمر: السلام عليكم، أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله قاضياً ووزيراً، وإنهما من نجباء أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وممن شهد بدراً، فاسمعوا لهم وأطيعوا، وقد آثرتكم بهما على نفسي.
وقال أبو وائل: إن عمر بعث إليهم عماراً وعبد الله بن مسعود وعثمان بن حنيف، وجعلهم بينهم شاة: ربعاً لعبد الله، وربعاً لصاحبه، ونصفاً لعمار، لأنه على الصلاة وغيرها. وفي رواية أنه جعل لعمار شطرها وبطنها.
وعن ابن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء ابن ياسر ستة آلاف.
وعن عبد الله بن مسعود قال: بينا نحن يوم الجمعة في مسجد الكوفة، وعمار بن ياسر أمير على الكوفة لعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود على بيت المال إذ نظر عبد الله بن مسعود إلى الظل فرآه قدر الشراك، فقال: إن يصب صاحبكم سنّة نبيكم صلّى الله عليه وسلّم يخرج الآن. قال: فوالله ما فرغ عبد الله بن مسعود من كلامه حتى خرج عمار بن ياسر يقول: الصلاة.
قال أبو وائل: خطبنا عمار فأبلغ وأوجز. فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن طول صلاة الرج وقصر خطبته مئنّة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، فإن من البيان سحراً ".
وعن إبراهيم أن عماراً كان يقرأ يوم الجمعة على المنبر ب " يس ".
وعن زر بن حبيش أنه رأى عمار بن ياسر قرأ " إذا السّماء انشقّت " وهو على المنبر، فنزل: فسجد.
وعن زر قال: صلّى عمار صلاة فيها خفة، فذكر ذلك له فقال: إني بادرت الوسواس.
وعنعبد الله بنعنمة قال: رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد، فصلى، فأخف الصلاة. قال: فلما خرج قمت إليه فقلت: أبا اليقظان، لقد خففت! قال: فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئاً؟ قلت: لا، قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها ".
وعن خلاس بن عمرو قال: شهدت عمار بن ياسر وسأله رجل عن الوتر، فقال: ترضى بما أصنع؟ قال: إن فيك لمقنعاً أما أنا فأوتر من أول الليل، فإن رزقت من آخر الليل شيئاً صليت شفعاً حتى أصبح.
وعن طارق بن شهاب الأحمسي قال: غزت بنو عطارد ماء للبصرة وأمدّوا بعمار من الكوفة، فخرج قبل الوقعة، وقدم بعد الرقعة فقال: نحن شركاؤكم في الغنيمة، فقام رجل من بني عطارد فقال: أيها العبد المجدّع، تريد أن نقسم لك غنائمنا؟! وكانت أذنه أصيبت في سبيل الله، فقال: عيرتموني بأحبّ أذنيّ إليّ أو خير أذنيّ قال: فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب: إن الغنيمة لمن شهد الوقعة.
حدث عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال:
رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرّون، أنا عمار بن ياسر، هلمّ إليّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت، فهي تذبذبن وهو يقاتل أشد القتال.
وعن عامر قال: سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعوها حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم.
وعن عبد الله بن سلمة قال: مرّ عمار بن ياسر على ابن مسعود وهو يرسس داره، فقال: كيف ترى يا أبا اليقظان؟ قال: أراك بنيت شديداً، وأمّلت بعيداً، وتموت قريباً.
وعن الربيع بن عميلة قال: كنا مع عمار بن ياسر في المسجد، وعنده أعرابي، فذكروا المرض، فقال الأعرابي: ما مرضت قط، فقال عمار: ما أنت؟! أولست منا؟ إن المسلم يبتلى بالبلاء، فيكون كفارة خطاياه فتتحاتّ كما يتحاتّ ورق الشجر، وإن الكافر يبتلى، فيكون مثله كمثل البعير عقل، فلا يدري لم عقل، وأطلق فلا يدري لم أطلق.
قال ابن أبي الهذيل: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتّاً بدرهم فاستزاد حبلاً فأبي فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة.
وفي رواية: ثم حمله على عاتقه، فأدخله القصر.
قال يونس بن عبد الله الجرمي: أخبرني من نظر إلى عمار بن ياسر، وهو أمير الناس بالكوفة، فيأخذ نصيبه من اللحم الذي كان رزقه عمر فيحمله بيده.
وعن عكرة أن عماراً أخذ سارقاً قد سرق عيبته فقال: أستر عليه لعل الله يستر علي.
وفي رواية: أخذ سارقاً قد سرق عيبته فأرسله.
وعن أبي البختريّ الطائي قال: قاول عمار رجلاً، فاستطال الرجل عليه، فقال عمار: أنا إذاً كمن لا يغتسل يوم الجمعة، فعاد الرجل فاستطال عليه، فقال له عمار: إن كنت كاذباً فأكثر الله مالك وولدك وجعلك موطّأ عقبك.
وعن الحارث بن سويد قال: محل رجل بمولى لعمار عند عمر فقال: إن مولى لعمار يخاطر بالديوك فبلغ ذلك عماراً فشق عليه، فقال: اللهم، إن كان كاذباً فابسط له في الدنيا، واجعله موطّأ العقبين.
وعن عمار بن ياسر قال: ثلاث من الإيمان، من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار، تنفق وأنت تعلم أن الله سيخلف لك، وإنصاف الناس منك لا تلجئهم إلى قاض، وبذل السلام للعالم.
وقال عمر لعمار بعد عزله عن الكوفة: أبا الله، ساءك حين عزلتك؟ قال: تالله ما فرحت حين استعملتني، ولقد ساءني حين عزلتني.
وعن عمار قال: ثلاثة لا يستخفّ بحقهم إلا منافق بيّنٌ نفاقه: الإمام المقسط، ومعلم الخير، وذو الشيبة في الإسلام.
وعن موسى بن عقبة أن عمار بن ياسر كان يدعو فيقول: اللهم، اجعلني من عبادك الصالحين، وأعطني من صالح ما تعطي عبادك الصالحين، من الأمانة، والإيمان، والأجر، والعافية، والمال، والولد النافع غير الضار ولا المضر، ولا الضّال ولا المضلّ.
وكان عمار بن ياسر يقول: كفى بالموت موعظة، وكفى باليقين غنىً، وكفى بالعبادة شغلاً.
وعن قيس بن عباد قال: قلت لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، أرأيت هذا الأمر الذي أتيتموه: برأيكم أو شيء عهده إليكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم نعهده إلى الناس.
قال ابن عمر: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار بن ياسر، وما أدري ما صنع.
قال ابن عبس لحذيفة: إن أمي المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال: الزموا عماراً، قال: إن عماراص لا يفارق علياً، قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً من الأخيار. وهو يعلم إن لزموا عماراً كانوا مع علي.
وعن عمار بن ياسر قال: أمرت أن أقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: كان عمار بن ياسر قليل الكلام، طويل السكوت وفي رواية: طويل الحزن
والكآبة وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة.
وعن عمار بن ياسر أنه قال وهو يسير إلى صفين على شط الفرات:
اللهم، لو أعلم أنه أرضى لك أن أرمي بنفسي من هذا الجبل، فأتردّى فأسقط فعلت، ولو أعلم أنه أرضى لك أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت، اللهم، لو أعلم أن أرضى لك عني أن ألقي بنفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو ألاّ تخيّبني وأنا أريد وجهك.
وعن أبي وائل قال: دخل أبو موسى الأشعري وأبو مسعود على عمار، وهو يستنفر الناس فقالا له: ما رأينا منك منذ أسلمت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر! فقال لهما: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلّة حلّة، وخرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة.
وعن عمار بن ياسر قال: لقد سارت أمّنا مسيرها، وإنا لنعلم أنها زوجة نبيّنا في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلانا بها لنعلم: إياه نطيع أو إياها.
سمع عمار بن ياسر رجلاً ينال من عائشة فلقال له: اسكت مقبوحاً منبوحاً، فأشهد أنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الجنة.
وعن الشعبي قال: لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير، فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب.
وعن ابن إسحاق أن عماراً قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقول في أبناء من قتلناه؟! قال: لا سبيل عليهم، قال: لو قلت غير ذلك خالفناك.
وفي رواية: قال عمار لعلي يوم الجمل: ما تريد تصنع بهؤلاء. وذراريهم؟ قال: قال له علي: حتى ننظر لمن تصير عائشة، قال: فقال عمار: ونقسم عائشة؟! قال: فكيف نقسم هؤلاء؟ فقال له عمار: أما إنك لو أردت غير هذا ما تابعناك.
وعن عمار بن ياسر إن علياً مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج، فوثب عليهم فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، ولولا أن تكون سبّة لضربت بها وجوهكم، فخرج عليه رجلان من الحمام متزلّقين زاد في رواية: مدهنين فقال: من أنتما؟ فقالا: من المهاجرين، فقال: بل من المفاخرين، إنما المهاجر عمار بن ياسر.
قال بعض رواته: أحسب أن الرجلين ليسا من الصحابة، ولو كانا من الصحابة عرفهما، وإنما يعنيان من المهاجرين ممن جاء فقاتل معه.
قال عبد الله بن سلمة: كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء، فقال له رجل: أينشد عندكم الشعر وأنتم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم؟! فقال: إن شئت فاسمع، وإن شئت فاذهب، إنا لما هجانا المشركون شكونا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال لنا: قولوا لهم كما يقولون لكم، فإن كنا لنعلّمه الإماء بالمدينة.
وعن عمار بن ياسر قال: قبلتنا واحدة، ودعوتنا واحدة، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم.
وعن أبي التحيى قال: إني لفي الصف بصفين إذ مرّ علينا علي على بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسوّي الصفوف، فقام عمار بن ياسر فأخذ باللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فمضى ولم يردّ عليه شيئاً، ثم رجع علينا يسوّيها، فقام إليه فأخذ اللجام فقال: يا أمير المؤمنين، أيوم العتيق هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، مالك لا تكلّم؟ أيوم العتيق هو؟ قال: نعم، فأرسل اللجام وهو يقول: اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه.
وعن مسلم بن الأجدع الليثي وكان ممن شهد صفين قال: كان عمار يخرج بين الصفين، وقد أخرجت الرايات، فينادي حتى يسمعهم بأعلى صوته: روحوا إلى الجنة، قد تزينت الحور العين.
وعن أبي عاصم قال: خرج عمرو بن يثربي وهو يقول: الرجز
أنا لمن أنكرني ابن يثربيّ ... قاتل علباء وهند الجملي
وابن صوحان على دين علي
فبرز له عمار، وهو ابن ثلاث وتسعين عليه فروة مشدودة الوسط بشريطٍ، حمائل سيفه تسعة، فانتقضت ركبتاه، فجثا على ركبتيه، فأخذه أسيراً، فأتى به علياً عليه السلام، فقال: ابن يثربيّ، أدنّي منك، وهو يريد أن يثب عليه، فقال: لا ولكن أقتلك صبراً بالثلاثة الذي قتلتهم على ديني.
وعن سلمة بن كهيل قال: قال عمار بن ياسر يوم صفين: الجنة تحت البارقة، يعني: الظمآن قد يرد الماء موروداً. اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق، وأنهم على
باطل، والله لقد قاتلت بهذه الراية ثلاث مرات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما هذه المرة بأبرهنّ ولا أتقاهنّ.
وعن ابن البختري
أن عمار بن ياسر يوم صفين جعل يقاتل، فلا يقتل، فيجيء إلى علي فيقول: يا أمير المؤمنين، أليس هذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: اذهب عنك؛ فقال ذلك مراراً، ثم أتي بلبن فشربه، فقال عمار: إن هذه لآخر شربة أشربها من الدنيا، أخبرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن هذه آخر شربة أشربها من الدنيا، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
وحدث رجل من بني سعد قال: كنت واقفاً بصفين إلى جنب الأحنف، والأحنف إلى جنب عمار، فسمعت عماراً يقول: عهد إلي خليلي أن آخر زادي من الدنيا ضيحة لبن. فبينا نحن كذلك إذ سطع الغبار، وقالوا: جاء أهل الشام، جاء أهل الشام، وقامت السقاة يسقون الناس، فجاءته جارية، معها قدح، فناولته عماراً، فشرب ثم ناول عمار فضله الأحنف بن قيس ثم ناولني الأحنف وفي رواية: فإذا هو لبن فقلت: إن كان صاحبك صادقاً فخليق أن يقتل الآن، قال: فغشينا القوم، فتقدم عمار، فسمعته يقول: الجنة الجنة تحت الأسنّة، اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه، ثم كان آخر العهد.
حدث ابن سعيد عن عمه قال: لما كان اليوم الذي أصيب فيه عمار كان الرجلان يضطربان بسيفهما حتى يفترا، فيجلسا، حتى يتروّحا، فيعودا، وربما قال: فانتصف النهار وقد ضرب الناس كلهم، فليس أحد يتحرك، فيختلطون هكذا، وشبك بين أصابعه حتى إذا زالت الشمس إذا رجل قد برز بين الصفين، جسيم، على فرس جسيم، ضخم، على ضخم، ينادي، يا عباد الله بصوت موجع يا عباد الله، ورحوا إلى الجنة، ثلاث مرات، الجنة تحت ظلال الأسل، فثار الناس فإذا هو عمار بن ياسر فلم يلبث أن قتل رحمه الله.
وعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلّ سيفاً، وشهد صفين وقال: أنا لا أضلّ أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " تقتله الفئة الباغية ". قال: فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة: قد بانت لي الضلالة، ثم اقترب فقاتل حتى قتل.
وكان الذي قتل عمار بن ياسر أو غادية المزني، طعنه برمح، فسقط، وكان يومئذ يقاتل في محفّة، فقتل يومئذٍ وهو ابن أربع وتسعين سنة. فلما وقع أكبّ عليه رجل آخر فاحتزّ رأسه، فأقبلا يختصمان فيه كلاهما يقول: أنا قتلته. فقال عمرو بن العاص: والله إن تختصمان إلا في النار، فسمعهما منه معاوية. فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت! قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما: إنكما تختصمان في النار؟! فقال عمرو: وهو والله ذاك، والله إنك لتعلمه، ولوددت أني متّ قبل هذا بعشرين سنة.
وقيل: إن عماراً قتل هو إحدى وتسعين سنة، وكان أقدم في الميلاد من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أقبل إليه ثلاثة نفر: عقبة بن عامر الجهني، وعمر بن الحارث الخولاني، وشيك بن سلمة المرادي، فانتهوا إليه جميعاً وهو يقول: والله لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حقّ، وأنتم على باطل، فحملوا عليه جميعاً، فقتلوه. وزعم بعضهم أن عقبة بن عامر هو الذي قتل عماراً، وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان بن عفان. ويقال: بل الذي قتله عمر بن الحارث الخولاني.
وعن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بشّر قاتل ابن سمية بالنار، أو قاتل ابن سمية في النار ".
وعن أبي غادية قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان، يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن. فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرأس وبين الساقين، قال: فحملت عليه، فطعنته
في ركبته، قال: فوقع، فقتلته، فقيل: قتل عمار بن ياسر، وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إن قاتله وسالبه في النار "، فقيل لعمرو بن العاص: هوذا أنت تقاتله، فقال: إنما قال: " قاتله وسالبه ".
وعن كلثوم بن جبير قال:
كنت بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، فقال: الإذن، هذا أبو غادية الجهني، فقال عبد الأعلى: أدخلوه، فدخل، عليه مقطّعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال، كأنه ليس من هذه الأمة. فلما أن قعد قال: بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: بيمينك؟ قال: نعم، وخطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم العقبة فقال: " يا أيها الناس، ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " فقلنا: نعم، فقال: " اللهم، اشهد "، ثم قال: " ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "، قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعدّ عمار بن ياسر فينا حناناً. فبينا أنا في مسجد قباء إذا هو يقول: ألا إن نعثلاً هذا لعثمان فتلفت فلو أجد عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله، قال: قلت: اللهم، إنك إن تشأ تمكني من عمار، فلما كان يوم صفين أقبل يسير أول الكتيبة رجلاً، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة، فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه، فضربته، فإذا رأس عمار. قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالة عندي منه، إنه سمع من النّبي صلّى الله عليه وسلّم ما سمع ثم قتل عماراً. قال: واستسقى أبو غادية، فأتي بماء في زجاج، فأبى أن يشرب فيها، فأتي بماء في قدح، فشرب، فقال رجل على رأس الأمير قائم
بالنبطية: أي يد كفتاه يتورع من الشراب في زجاج، ولم يتورع من قتل عمار؟! ولما استحلم القتال بصفين، وكادوا يتفانون قال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم فيه خفة العبد يعني: عمار بن ياسر وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن، وآخرهن ليلة الهرير. فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص، ومعه اللواء يومئذٍ: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار، رحمك الله، إنك رجل تستخفّك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء زحفاً رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد، وإني إن خففت لم آمن الهلكة، فلم يزل به حتى حمل، فنهض عمار في كتبيته، فنهض إليه ذو الكلاع في كتبيته، فاقتتلوا فقتلا جميعاً، واستؤصلت الكتيبتان، وحمل على عمار حويّ السكسكي وأبو الغادية المزني، فقتلاه، فقيل لأبي الغادية: كيف قتلته؟ قال: لما دلف إلينا في كتيبته، ودلفنا إليه نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه رجل من السكاسك فاضطربا بسيفيهما فقتل عمار السكسي ثم نادى: من يبارز؟ فبرز إليه رجل من حمير فاضطربا بسيفيهما فقتل عمارٌ الحميري، وأثخنه الحميري، ونادى: من يبارز؟ فبرزت إليه، فاختلفنا ضربتين، وقد كانت يده ضعفت، فانتحى عليه بضربة أخرى، فسقط، فضربته بسيفي حتى برد، قال: ونادى الناس: قتلت أبا اليقظان! قتلك الله، فقلت: اذهب إليك، فوالله ما أبالي من كنت، وتالله ما أعرفه يومئذٍ، فقال له محمد بن المنتشر: يا أبا الغادية، خصمك يوم القيامة مازندر يعني ضخماً فضحك.
وكان أبو الغادية شيخاً، كبيراً، جسيماً، أدلم، قال: فقال علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخ عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً. لقد رأيت عماراً وما يذكر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعة كان رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهينئاً لعمار بالجنة. ولقد قيل: إن عماراً مع الحق، والحق معه يدور، عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار.
قال حبيب بن أبي ثابت: قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل.
وعن قيس بن أبي حازم قال: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني مخاصم.
وعن أشياخ شهدوا عماراً قال: لا تغسلوا عني دماً، ولا تحثوا علي تراباً، فإني مخاصم.
وعن عاصم بن ضمرة أن علياً صلى على عمار، ولم يغسله.
وعن أبي إسحاق أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، وهاشماً أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيراً واحداً، خمساً أو ستاً أو سبعاً. والشك في ذلك من أشعث، أحد رواته.
ولما بلغ أهل الشام يوم صفين أن عمار بن ياسر قد قتل بعثوا من يعرفه ليأتيهم بعلمه، فعاد إليهم، فأخبرهم أنه قد قتل، فنادى أهل الشام أصحاب عليّ: إنكم
لستم بأولى بالصلاة على عمار بن ياسر منا. قال: فتوادعوا عن القتال حتى صلّوا عليه جميعاً.
وعن مجاهد قال: لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو: إنا لله وإنا إليه راجعون. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "، قال: فقال معاوية: لا تزال تبول، ثم تمرّغ في مبالك، نحن قتلناه؟! إنما قتله الذي أخرجوه.
وعن هنيّ مولى عمر بن الخطاب قال: كنت أول شيء مع معاوية على عليّ، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا، والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون. فلما كان يوم صفين ذهبنا ننظر في القتلى فإذا عمار بن ياسر مقتول. قال هني: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء؟ قلت: انظر أكلمك، فقام إليّ، فقلت عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " تقتله الفئة الباغية "، فقلت: هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عينيّ مقتول، قال: فانطلق فأرينه، فذهبت به، فأوقفته عليه، فساعة رآه امتقع، ثم أعرض في شق وقال: إنما قتله الذي خرج به.
ولما قتل عمار نادى المنادي: أين الشاكّ في قتال أهل الشام؟ قد قتل عمار.
وقتل عمار وهو ابن نيف وتسعين سنة سنة سبعٍ وثلاثين بصفين، ودفن هناك. وكان لا يركب على سرج، وكان يركب راحلته من الكبر، وكان أبيض الرأس واللحية. فصلى عليه علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يغسّله. وكانت وقعة صفين بين علي ومعاوية. وقتل بينهما جماعة كثيرة، يقال: إنهم سبعون ألفاً في صفين، منهم من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً. وكان عمار يقاتل في محفّة من فتق كان به.
رأى أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل في منامه أنه أدخل الجنة، فإذا هو بقباب مضروبة، فقلت: لمن هذه؟ قالوا: لذي الكلاع وحوشب، وكانا قتلا مع معاوية، قال: فأين عمار وأصحابه؟ قالوا: أمامك، قال: وقد قتل بعضهم بعضاً! قالوا: نعم، إنهم لقوا الله، فوجدوه واسع المغفرة، قال: فما فعل أهل النهر؟ قال: لقوا برحاً.