الوليد بن عتبة بن صخر بن حرب
ابن أمية الأموي بن أخي معاوية بن أبي سفيان ولي المدينة لعمه معاوية، ولابن عمه يزيد، وكان جواداً حليماً.
وكان بدمشق لما بايع الضحاك لابن الزبير، وأنكر ذلك؛ فحبسه الضحاك.
قال الوليد بن عتبة: أسر إلي معاوية حديثاً، فأتيت أبي، فقلت: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي أمراً، ولا أراه يطوي عليك، أفلا أخبرك به؟ قال: لا، إنه من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكونن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً.
فقال: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكن أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر.
قال: فدخلت على معاوية فأخبرته ما جرى بيني وبين أبي. فقال لي: ويحك يا وليد! أعتقك أخي من رق الخطأ.
قال عمرو بن العاص: لله در أمية، ما أجمع قلوبهم، وأوسع حلومهم! لشهدت معاوية دخل عليه الوليد بن عتبة وهو غلام حدث، فقلت: يا أمير المؤمنين لأفرن ابن أخيك عن عقله.
قال: تجده بعيد الغور، ساد الفور، ربيط الجأش.
فدنا، فسلم، ثم سكت ملياً، فقلت: لقد أطلت سجن لسانك. قال: إنه غير مأمون الضرر إذا أطلق.
قال: قلت: ما سنك؟ قال: هيهات، يا أبا عبد الله! جللنا عن هذه المحنة.
قال: فضحك إلي معاوية، ثم قال: كلا يا عمرو، إن العود لمن لحائه، وإن الولد من آبائه، وهو نبتة أصل لا تخلف، وسليل فحل لا يقرف.
وعن ابن عباس أنه ذكر معاوية، فقال: لله تلاد ابن هند، ما أكرم حسبه! وأكرم مقدرته، والله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ضناً منه بأحسابنا وحسبه، ثم بعث إلينا ابن أخيه الوليد بن عتبة غلاماً ابن عشرين سنة، فما ترك في السجن غارماً إلا أدى عنه، ولا عانياً إلا فكه. ثم كتب إلينا معاوية أن أرسل إلي الحسين بن علي مع شرطي حتى نبلسه. فبينا أنا عنده أرسل إليه، فأقرأه كتاب معاوية.
فقال: أنت ترسل بي إليه يا بن آكلة الأكباد، فقال: أما والله، إنه لابد لك من ذلك من السمع والطاعة.
فوثب الحسين، فأخذ عمامته، فاجترها إليه، وجعل الوليد يطلقها عنه كوراً كوراً، ويقول: ما أردنا أن نبلغ كل هذا منك يا أبا عبد الله.
فقمت إلى الحسين، فلم أزل به حتى أخرجته، فالتفت إلى الوليد، فقال: جزاك الله خيراً، ما هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً.
ثم قال ابن عباس: " من الطويل "
معاض عن العوراء لا ينطقونها ... وأهل وراثات الحلوم الأوائل
وجدنا بني حرب وكانوا أعزة ... ذراً في الذرا وكاهلاً في الكواهل
فبلغ ذلك معاوية، فقال: يا أهل الشام، ما كنتم صانعين لو شهدتموه؟ قالوا: لو شهدناه لقتلناه.
فقال معاوية: إن ثم لدماً مصوناً عند بني عبد مناف، الوليد أعلم بأدب أهله.
ولما هلك معاوية ولي المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً.
كان بين الحسين بن علي وبين الوليد ين عتبة كلام في مال كان بينهما بذي المر والوليد يومئذ أمير المدينة. فقال الحسين بن علي: استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه، أقسم بالله لينصفني من حقي أو لأحدن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم لأدعون بحلف الفضول.
فقال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لأحدن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعاً.
فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك.
فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التميمي، فقال مثل ذلك.
فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي.
وقيل: إنهما تنازعا في الأرض، فبينا حسين ينازعه إذا تناول عمامة الوليد عن رأسه،
فجذبها. فقال مروان بن الحكم - وكان حاضراً - ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره قال الوليد: ليس ذلك بك، ولكنك حسدتني على حلمي عنه.
فقال حسين عليه السلام: الأرض لك، اشهدوا أنها له.
لما توفي معاوية قدم رسول يزيد على الوليد بن عتبة، وهو على المدينة، يأمره أن يأخذ البيعة على الحسين بن علي وعلى عبد الله بن الزبير. فأرسل إليهما ليلاً حين قدم عليه الرسول، ولم يظهر موت معاوية. فقالا: تصبح، وتجمع الناس، فنكون منهم. فقال له مروان: إن خرجا من عندك لم ترهما.
فنازعه ابن الزبير الكلام، وتغالظا حتى قام كل واحد منهما لصاحبه، فتناصيا، وقام الوليد فحجز بينهما حتى خلص كل واحد من صاحبه. فأخذ عبد الله بن الزبير بيد الحسين، وقال: انطلق بنا.
فقاما، وتمثل ابن الزبير قول الشاعر: " من الكامل "
لا تحسبني يا مسافر شحمة ... تعجلها من جانب القدر جائع
فأقبل مروان على الوليد يلومه، ويقول: لا تراهما أبداً.
فقال له الوليد: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا لأقطع أرحامهما.
لما آتي برأس الحسين بن علي إلى عمرو بن سعيد العاص وضع بين يديه، فقال للوليد بن عتبة: قم، فتكلم.
فقام، فقال: إن هذا - عفا الله عنا وعنه - حرنا بين أن يقتلنا ظالماً، أو نقتله معذورين في قتله، فصرنا إلى التي كرهنا مضطرين إليها غير مختارين لها، وتالله لوددنا أنا اشترينا له العافية منه، ولو أمكن ذلك بإغلاء الثمن، وإن عجل قوم بملامنا ليصيرن إلى عذر منا.
ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على البيعة له، فأبى، وهلك تلك الليالي.
وقيل: إن الوليد قدم للصلاة على معاوية بن يزيد، فأصابه الطاعون في صلاته عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت.
ابن أمية الأموي بن أخي معاوية بن أبي سفيان ولي المدينة لعمه معاوية، ولابن عمه يزيد، وكان جواداً حليماً.
وكان بدمشق لما بايع الضحاك لابن الزبير، وأنكر ذلك؛ فحبسه الضحاك.
قال الوليد بن عتبة: أسر إلي معاوية حديثاً، فأتيت أبي، فقلت: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي أمراً، ولا أراه يطوي عليك، أفلا أخبرك به؟ قال: لا، إنه من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكونن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً.
فقال: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وأبيه؟ قال: لا، ولكن أكره أن تذلل لسانك بأحاديث السر.
قال: فدخلت على معاوية فأخبرته ما جرى بيني وبين أبي. فقال لي: ويحك يا وليد! أعتقك أخي من رق الخطأ.
قال عمرو بن العاص: لله در أمية، ما أجمع قلوبهم، وأوسع حلومهم! لشهدت معاوية دخل عليه الوليد بن عتبة وهو غلام حدث، فقلت: يا أمير المؤمنين لأفرن ابن أخيك عن عقله.
قال: تجده بعيد الغور، ساد الفور، ربيط الجأش.
فدنا، فسلم، ثم سكت ملياً، فقلت: لقد أطلت سجن لسانك. قال: إنه غير مأمون الضرر إذا أطلق.
قال: قلت: ما سنك؟ قال: هيهات، يا أبا عبد الله! جللنا عن هذه المحنة.
قال: فضحك إلي معاوية، ثم قال: كلا يا عمرو، إن العود لمن لحائه، وإن الولد من آبائه، وهو نبتة أصل لا تخلف، وسليل فحل لا يقرف.
وعن ابن عباس أنه ذكر معاوية، فقال: لله تلاد ابن هند، ما أكرم حسبه! وأكرم مقدرته، والله ما شتمنا على منبر قط، ولا بالأرض ضناً منه بأحسابنا وحسبه، ثم بعث إلينا ابن أخيه الوليد بن عتبة غلاماً ابن عشرين سنة، فما ترك في السجن غارماً إلا أدى عنه، ولا عانياً إلا فكه. ثم كتب إلينا معاوية أن أرسل إلي الحسين بن علي مع شرطي حتى نبلسه. فبينا أنا عنده أرسل إليه، فأقرأه كتاب معاوية.
فقال: أنت ترسل بي إليه يا بن آكلة الأكباد، فقال: أما والله، إنه لابد لك من ذلك من السمع والطاعة.
فوثب الحسين، فأخذ عمامته، فاجترها إليه، وجعل الوليد يطلقها عنه كوراً كوراً، ويقول: ما أردنا أن نبلغ كل هذا منك يا أبا عبد الله.
فقمت إلى الحسين، فلم أزل به حتى أخرجته، فالتفت إلى الوليد، فقال: جزاك الله خيراً، ما هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً.
ثم قال ابن عباس: " من الطويل "
معاض عن العوراء لا ينطقونها ... وأهل وراثات الحلوم الأوائل
وجدنا بني حرب وكانوا أعزة ... ذراً في الذرا وكاهلاً في الكواهل
فبلغ ذلك معاوية، فقال: يا أهل الشام، ما كنتم صانعين لو شهدتموه؟ قالوا: لو شهدناه لقتلناه.
فقال معاوية: إن ثم لدماً مصوناً عند بني عبد مناف، الوليد أعلم بأدب أهله.
ولما هلك معاوية ولي المدينة يومئذ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً.
كان بين الحسين بن علي وبين الوليد ين عتبة كلام في مال كان بينهما بذي المر والوليد يومئذ أمير المدينة. فقال الحسين بن علي: استطال علي الوليد بن عتبة في حقي بسلطانه، أقسم بالله لينصفني من حقي أو لأحدن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم لأدعون بحلف الفضول.
فقال عبد الله بن الزبير: وأنا أحلف بالله لئن دعا به لأحدن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه، أو نموت جميعاً.
فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك.
فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التميمي، فقال مثل ذلك.
فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي.
وقيل: إنهما تنازعا في الأرض، فبينا حسين ينازعه إذا تناول عمامة الوليد عن رأسه،
فجذبها. فقال مروان بن الحكم - وكان حاضراً - ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره قال الوليد: ليس ذلك بك، ولكنك حسدتني على حلمي عنه.
فقال حسين عليه السلام: الأرض لك، اشهدوا أنها له.
لما توفي معاوية قدم رسول يزيد على الوليد بن عتبة، وهو على المدينة، يأمره أن يأخذ البيعة على الحسين بن علي وعلى عبد الله بن الزبير. فأرسل إليهما ليلاً حين قدم عليه الرسول، ولم يظهر موت معاوية. فقالا: تصبح، وتجمع الناس، فنكون منهم. فقال له مروان: إن خرجا من عندك لم ترهما.
فنازعه ابن الزبير الكلام، وتغالظا حتى قام كل واحد منهما لصاحبه، فتناصيا، وقام الوليد فحجز بينهما حتى خلص كل واحد من صاحبه. فأخذ عبد الله بن الزبير بيد الحسين، وقال: انطلق بنا.
فقاما، وتمثل ابن الزبير قول الشاعر: " من الكامل "
لا تحسبني يا مسافر شحمة ... تعجلها من جانب القدر جائع
فأقبل مروان على الوليد يلومه، ويقول: لا تراهما أبداً.
فقال له الوليد: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا لأقطع أرحامهما.
لما آتي برأس الحسين بن علي إلى عمرو بن سعيد العاص وضع بين يديه، فقال للوليد بن عتبة: قم، فتكلم.
فقام، فقال: إن هذا - عفا الله عنا وعنه - حرنا بين أن يقتلنا ظالماً، أو نقتله معذورين في قتله، فصرنا إلى التي كرهنا مضطرين إليها غير مختارين لها، وتالله لوددنا أنا اشترينا له العافية منه، ولو أمكن ذلك بإغلاء الثمن، وإن عجل قوم بملامنا ليصيرن إلى عذر منا.
ولما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على البيعة له، فأبى، وهلك تلك الليالي.
وقيل: إن الوليد قدم للصلاة على معاوية بن يزيد، فأصابه الطاعون في صلاته عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت.