الحسن بن سفيان بن عامر
ابن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء أبو العباس الشيباني النسوي الحافظ صاحب المسند، سمع بدمشق.
حدث الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في بيضة نعام صيام يوم، أو إطعام مسكين.
وحدث عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أعتق شركاً له في مملوك، فقد وجب عليه أن يعتق ما بقي منه، إن كان له من
المال ما يبلغ ثمنه، يقام في ماله قيمته، قيمة عدل، فيدفع إلى أصحابه حصتهم، ويخلى سبيل المعتق.
وحدث الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي بسنده عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف، إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله، فأصمّهم وأعمى أبصارهم.
قال الحسن بن سفيان:
لما قدمت على علي بن حجر، وكان من آدب الناس، وكان لا يرضى قراءة أصحاب الحديث، فغاب القارئ عنه يوماً فقال: هاتوا من يقرأ، فقمت فقلت: أنا. فقال: اجلس. ثم قال في الثانية: من يقرأ؟ قلت: أنا. فقال: اجلس. وزبرني، إلى أن قال الثالثة، فقلت: أنا. فقال كالمغضب: هات. فقرأت ذلك المجلس وهو ذا يتأمل، ويجهد أن يأخذ علي شيئاً في النحو واللغة، فلم يقدر عليه. فلما فرغت قال لي: يا فتى، ما اسمك؟ قلت: الحسن. قال: ما كنيتك؟ قلت: لم أبلغ رتبة الكنية. فاستحسن قولي، قال: كنّيتك أبا العباس. قال: فكان الحسن بن سفيان يفتخر أن علي بن حجر كنّاه.
قال أبو بكر محمد بن داود بن سليمان: كنا عند الحسن بن سفيان ببالوز، دخل عليه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، وأبو بكر أحمد بن علي الرازي الحافظ، في جماعة أصحاب أبي بكر المطوعة، وهو متوجهون إلى فراوة. فقال له أبو بكر بن علي: قد كتبت للأستاذ أبي بكر محمد بن إسحاق هذا الطبق من حديثك، فقال: هات اقرأ. فأخذ يقرأ، فلما قرأ
أحاديث أدخل إسناداً منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب. فلما كان بعد ساعة أدخل أيضاً إسناداً في إسناد، فرده إلى الصواب، فلما كان في الثالثة قال له الحسين: ما هذا! لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة، وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال أبو بكر محمد بن إسحاق: لا تؤذ الشيخ. فقال أبو بكر: إنما أردت أن يعلم الأستاذ أن أبا العباس يعرف حديثه.
حدث الفقيه أبو الحسن الصفار قال: كنا عند الشيخ الإمام الحسن بن سفيان النسوي، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من أطباق الأرض، مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم، وكتبة الحديث، فخرج يوماً إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقاً، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضاً، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك.
اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي بأقصى المغرب وحلولي بمصر في تسعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم للحديث، وأعلاهم إسناداً، وأصحهم رواية، فكان يملي علينا كل يوم مقداراً يسيراً من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة، ودفعت الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة، إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعاً وسوء حال، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به، وأنف كل واحد منا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى
السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسامي كل واحد منا، وإرسالها قرعة، فمن ارتفع اسمه من الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولأصحابه، فارتفعت الرقعة التي فيها اسمي، فتحيرت ودهشت، ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة، فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين، قد اقترن الاعتقاد فيهما بالإخلاص، أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة، لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ بعد عن إتمام الصلاة، حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه، نظيف الثوب، طيب الرائحة، يتبعه خادم في يده منديل فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجدة فقلت: أنا الحسن بن سفيان، فما الحاجة؟ فقال: إن الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية، ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يكفي نفقة الوقت، وهو زائركم غداً بنفسه، ويعتذر بلفظه إليكم ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مئة دينار.
فتعجبنا من ذلك جداً، وقلنا للشاب: ما القصة في هذا؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به، دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلماً في جملة من أصحابي، فقال لي وللقوم: أنا أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم إلى منازلكم، فانصرفت أنا والقوم. فلما عدت إلى منزلي أتاني رسول الأمير مسرعاً مستعجلاً يطلبني حثيثاً، فأجبته مسرعاً فوجدته منفرداً في بيته، واضعاً يمينه على خاصرته لوجع ممضّ اعتراه في داخل جسده، فقال لي: أتعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ فقلت: لا. فقال: اقصد المحلة الفلانية والمسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر وسلمها في الحين إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة، ومهّد عذري لديهم وعرّفهم أني صبيحة الغد زائرهم، ومعتذر شفاهاً إليهم فقال الشاب: سألته عن السبب الذي دعاه إلى هذا فقال: دخلت هذا البيت منفرداً علّي أن أستريح ساعة. فلما هدأت عيني رأيت في المنام فارساً في الهواء، متمكناً تمكّن من يمشي على بساط الأرض، وبيده رمح، قضيت العجب من ذلك، وكنت أنظر إليه متعجباً، حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي فقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم وأدركهم، قم وأدركهم، فإنهم منذ ثلاثة جياع في المسجد الفلاني. فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا رضوان صاحب الجنة. ومنذ أصاب سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك بي له، فعجل إيصال هذا المال ليزول هذا الوجع عني.
قال الحسن: فتعجبنا من ذلك، وشكرنا الله سبحانه وتعالى، وأصلحنا أمورنا، ولم نطب نفساً بالمقام، حتى لا يزورنا الأمير ولا يطلع الناس على أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، وخرجنا تلك الليلة من مصر، وأصبح كل واحد منا واحد عصره وفريد دهره في العلم والفضل. فلما أصبح ابن طولون أتى المسجد لزيارتنا وطلبنا، وأحسّ بخروجنا، وأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها، ووقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم، حتى لا تختل أمورهم، ولا يصيبهم من الخلل ما أصابنا، وذلك كله بقوة الدين وصفوة الاعتقاد. والله سبحانه ولي التوفيق.
وكان الحسن بن سفيان النسوي من قرية بالوز، وهي على ثلاثة فراسخ من بلد نسا. وهو محدّث خراسان في عصره، مقدم في البيت والكثرة والرحلة والفهم والفقه والأدب. تفقه عند أبي ثور إبراهيم بن خالد، وكان يفتي على مذهبه وصنف المسند الكبير والجامع والمعجم وغير ذلك.
وتوفي سنة ثلاث وثلاث مئة.
ابن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء أبو العباس الشيباني النسوي الحافظ صاحب المسند، سمع بدمشق.
حدث الحسن بن سفيان عن صفوان بن صالح بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في بيضة نعام صيام يوم، أو إطعام مسكين.
وحدث عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من أعتق شركاً له في مملوك، فقد وجب عليه أن يعتق ما بقي منه، إن كان له من
المال ما يبلغ ثمنه، يقام في ماله قيمته، قيمة عدل، فيدفع إلى أصحابه حصتهم، ويخلى سبيل المعتق.
وحدث الحسن بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن عمّار الموصلي بسنده عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف، إذا ظهر القول وخزن العمل، وائتلفت الألسن وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله، فأصمّهم وأعمى أبصارهم.
قال الحسن بن سفيان:
لما قدمت على علي بن حجر، وكان من آدب الناس، وكان لا يرضى قراءة أصحاب الحديث، فغاب القارئ عنه يوماً فقال: هاتوا من يقرأ، فقمت فقلت: أنا. فقال: اجلس. ثم قال في الثانية: من يقرأ؟ قلت: أنا. فقال: اجلس. وزبرني، إلى أن قال الثالثة، فقلت: أنا. فقال كالمغضب: هات. فقرأت ذلك المجلس وهو ذا يتأمل، ويجهد أن يأخذ علي شيئاً في النحو واللغة، فلم يقدر عليه. فلما فرغت قال لي: يا فتى، ما اسمك؟ قلت: الحسن. قال: ما كنيتك؟ قلت: لم أبلغ رتبة الكنية. فاستحسن قولي، قال: كنّيتك أبا العباس. قال: فكان الحسن بن سفيان يفتخر أن علي بن حجر كنّاه.
قال أبو بكر محمد بن داود بن سليمان: كنا عند الحسن بن سفيان ببالوز، دخل عليه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو عمرو أحمد بن محمد الحيري، وأبو بكر أحمد بن علي الرازي الحافظ، في جماعة أصحاب أبي بكر المطوعة، وهو متوجهون إلى فراوة. فقال له أبو بكر بن علي: قد كتبت للأستاذ أبي بكر محمد بن إسحاق هذا الطبق من حديثك، فقال: هات اقرأ. فأخذ يقرأ، فلما قرأ
أحاديث أدخل إسناداً منها في إسناد، فرده الحسن إلى الصواب. فلما كان بعد ساعة أدخل أيضاً إسناداً في إسناد، فرده إلى الصواب، فلما كان في الثالثة قال له الحسين: ما هذا! لا تفعل، فقد احتملتك مرتين، وهذه الثالثة، وأنا ابن تسعين سنة، فاتق الله في المشايخ، فربما استجيبت فيك دعوة. فقال أبو بكر محمد بن إسحاق: لا تؤذ الشيخ. فقال أبو بكر: إنما أردت أن يعلم الأستاذ أن أبا العباس يعرف حديثه.
حدث الفقيه أبو الحسن الصفار قال: كنا عند الشيخ الإمام الحسن بن سفيان النسوي، وقد اجتمع لديه طائفة من أهل الفضل ارتحلوا إليه من أطباق الأرض، مختلفين إلى مجلسه لاقتباس العلم، وكتبة الحديث، فخرج يوماً إلى مجلسه الذي كان يملي فيه الحديث فقال: اسمعوا ما أقول لكم قبل أن نشرع في الإملاء، قد علمنا أنكم طائفة من أبناء النعم وأهل الفضل، هجرتم أوطانكم وفارقتم دياركم وأصحابكم في طلب العلم واستفادة الحديث، فلا يخطرن ببالكم أنكم قضيتم بهذا التجشم للعلم حقاً، أو أديتم بما تحملتم من الكلف والمشاق من فروضه فرضاً، فإني أحدثكم ببعض ما تحملته في طلب العلم من المشقة والجهد، وما كشف الله سبحانه وتعالى عني وعن أصحابي ببركة العلم وصفوة العقيدة من الضيق والضنك.
اعلموا أني كنت في عنفوان شبابي ارتحلت من وطني لطلب العلم واستملاء الحديث، فاتفق حصولي بأقصى المغرب وحلولي بمصر في تسعة نفر من أصحابي طلبة العلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف إلى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة، وأدراهم للحديث، وأعلاهم إسناداً، وأصحهم رواية، فكان يملي علينا كل يوم مقداراً يسيراً من الحديث، حتى طالت المدة وخفت النفقة، ودفعت الضرورة إلى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة، إلى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه، وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعاً وسوء حال، وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف، وأحوجت الضرورة إلى كشف قناع الحشمة، وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به، وأنف كل واحد منا عن ذلك، والضرورة تحوج إلى
السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتبة رقاع بأسامي كل واحد منا، وإرسالها قرعة، فمن ارتفع اسمه من الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولأصحابه، فارتفعت الرقعة التي فيها اسمي، فتحيرت ودهشت، ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة، فعدلت إلى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين، قد اقترن الاعتقاد فيهما بالإخلاص، أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة، لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ بعد عن إتمام الصلاة، حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه، نظيف الثوب، طيب الرائحة، يتبعه خادم في يده منديل فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجدة فقلت: أنا الحسن بن سفيان، فما الحاجة؟ فقال: إن الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية، ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يكفي نفقة الوقت، وهو زائركم غداً بنفسه، ويعتذر بلفظه إليكم ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مئة دينار.
فتعجبنا من ذلك جداً، وقلنا للشاب: ما القصة في هذا؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به، دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلماً في جملة من أصحابي، فقال لي وللقوم: أنا أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم إلى منازلكم، فانصرفت أنا والقوم. فلما عدت إلى منزلي أتاني رسول الأمير مسرعاً مستعجلاً يطلبني حثيثاً، فأجبته مسرعاً فوجدته منفرداً في بيته، واضعاً يمينه على خاصرته لوجع ممضّ اعتراه في داخل جسده، فقال لي: أتعرف الحسن بن سفيان وأصحابه؟ فقلت: لا. فقال: اقصد المحلة الفلانية والمسجد الفلاني، واحمل هذه الصرر وسلمها في الحين إليه وإلى أصحابه، فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع بحالة صعبة، ومهّد عذري لديهم وعرّفهم أني صبيحة الغد زائرهم، ومعتذر شفاهاً إليهم فقال الشاب: سألته عن السبب الذي دعاه إلى هذا فقال: دخلت هذا البيت منفرداً علّي أن أستريح ساعة. فلما هدأت عيني رأيت في المنام فارساً في الهواء، متمكناً تمكّن من يمشي على بساط الأرض، وبيده رمح، قضيت العجب من ذلك، وكنت أنظر إليه متعجباً، حتى نزل إلى باب هذا البيت، ووضع سافلة رمحه على خاصرتي فقال: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه، قم وأدركهم، قم وأدركهم، فإنهم منذ ثلاثة جياع في المسجد الفلاني. فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا رضوان صاحب الجنة. ومنذ أصاب سافلة رمحه خاصرتي أصابني وجع شديد لا حراك بي له، فعجل إيصال هذا المال ليزول هذا الوجع عني.
قال الحسن: فتعجبنا من ذلك، وشكرنا الله سبحانه وتعالى، وأصلحنا أمورنا، ولم نطب نفساً بالمقام، حتى لا يزورنا الأمير ولا يطلع الناس على أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم وانبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة، وخرجنا تلك الليلة من مصر، وأصبح كل واحد منا واحد عصره وفريد دهره في العلم والفضل. فلما أصبح ابن طولون أتى المسجد لزيارتنا وطلبنا، وأحسّ بخروجنا، وأمر بابتياع تلك المحلة بأسرها، ووقفها على ذلك المسجد وعلى من ينزل به من الغرباء وأهل الفضل وطلبة العلم نفقة لهم، حتى لا تختل أمورهم، ولا يصيبهم من الخلل ما أصابنا، وذلك كله بقوة الدين وصفوة الاعتقاد. والله سبحانه ولي التوفيق.
وكان الحسن بن سفيان النسوي من قرية بالوز، وهي على ثلاثة فراسخ من بلد نسا. وهو محدّث خراسان في عصره، مقدم في البيت والكثرة والرحلة والفهم والفقه والأدب. تفقه عند أبي ثور إبراهيم بن خالد، وكان يفتي على مذهبه وصنف المسند الكبير والجامع والمعجم وغير ذلك.
وتوفي سنة ثلاث وثلاث مئة.