عسكر بن حصين
أبو تراب النخشبي أحد العباد السائحين، قدم دمشق.
وحدث عن محمد بن نمير بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم ".
وذكر أبو نعيم أن نخشب من خراسان، ووهم في ذلك، إنما هي من وراء النهر، وهي نسف.
قال ابن الجلاّء: صحبت ست مئة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة، أولهم أبو تراب النخشبي.
قال أبو تراب: الفقير قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومنزله حيث نزل.
وقال: إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمل، وإذا أخلص فيه وجد حلاوته وقت مباشرة العمل.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: جاء أبو تراب إلى أبي، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ لا نغتاب العلماء؛ فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة.
وكان أبو تراب صحب حاتماً الأصم وأخذ منه طريقة التوكل.
كان أبو تراب إذا رأى من أصحابه ما يكره زاد في اجتهاده، وجدد توبته ويقول: بشؤمي دفعوا إلى ما دفعوا إليه لأن الله تعالى يقول: " إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم ".
قال: وسمعته يقول لأصحابه: من لبس منكم مرقّعةً فقد سأل: ومن قعد في خانقاه أو في مسجد فقد سأل، ومن قرأ القرآن من مصحف أو كيما يسمع الناس فقد سأل الناس.
قال: وكان يقول: بيني وبين الله عز وجل أن لا أمدّ يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه.
قال أبو تراب: لابد للأستاذ من أربعة أشياء: تمييز فعل الله من فعل الخلق، ومعرفة مقامات العمال، ومعرفة الطبائع والنفوس، وتمييز الخلاف من الاختلاف.
وكان أبو تراب يقول: لا أعلم شيئاً أضرّ للمريدين من أسفارهم على متابعة قلوبهم ونفوسهم الاعتقاد الباطل.
نظر أبو تراب إلى صوفي مدّ يده إلى قشر البطيخ وقد طوى ثلاثة أيام؛ فقال له أبو تراب: تمد يدك إلى قشر البطيخ؟! أنت لا يصلح لك التصوف، الزم السوق.
مر أبو تراب مزيّن فقال له: تحلق رأسي لله عز وجل؟ فقال له: اجلس، ففيما يحلق رأسه مرّ به أميرٌ من أهل بلده، فقال: أليس هذا أبو تراب؟ فقالوا: نعم، قال: أيشٍ معكم من الدنانير؟ فقال له رجل من خاصته: معي ألف دينار، فقال: إذا قام فأعطه واعتذر إليه وقل له: لم يكن معنا غير هذه؛ فجاء الغلام إليه، فقال له: الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير، فقال له: ادفعها إلى المزيّن، فقال له المزيّن: أيشٍ أعمل بها؟ فقال: خذها، فقال: لا والله ولو أنها ألفا دينار، تشترط عليّ وتقول: احلق رأسي لله، لا والله ولو أنها ألفا دينار ما أخذتها، فقال له أبو تراب: مرّ إليه فقل له: إن المزين ما أخذها، خذها أنت فاصرفها في مهمّاتك.
قال أبو نصر السراج: شرط التوكل ما قاله أبو تراب النخشبي وهو طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطي شكر، وإن منع صبر.
سئل أبو تراب عن صفة العارف، فقال: الذي لا يكدره شيء، ويصفو به كل شيء.
قال أبو تراب: ما تمنّت نفسي عليّ قط إلا مرة، تمنت عليّ خبزاً وبيضاً، وأنا في سفري، فعدلت عن الطريق إلى قرية، فوثب رجل وتعلق بي وقال: كان هذا مع اللصوص، فبطحوني وضربوني سبعة خشبة. فوقف علينا رجل، فصرخ وقال: هذا أبو تراب النخشبي!، فخلوني واعتذروا إليّ، وأدخلني الرجل منزله، فقدم إليّ خبزاً وبيضاً، فقلت: كلها بعد سبعين جلدة.
قال أبو تراب: إذا تواترت النعم على أحدكم فليبك على نفسه، فقد سلك به غير طريق الصالحين.
قال أبو تراب: ليس ينال الرضا من للدنيا في قلبه مقدار.
دخل أبو تراب من بادية البصرة فسئل عن أكله، فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنّباج، ثم بذات عرق، ومن ذات عرق إليكم. فقطع البادية بأكلتين.
قال محمد بن يوسف البنا:
كان أبو تراب النخشبي صاحب كرامات، فسافرت معه سنة، وكان معه أربعون نفساً. ثم أصابتنا مرة فاقة، فعدل أبو تراب عن الطريق، وجاء بعذق موز فناولنا، وفينا شاب، فلم يأكل! فقال له أبو تراب: كل، فقال: الحال الذي أعتقده ترك المعلومات، وصرت أنت معلومي، فلا أصحبك بعد هذا. فقال أبو تراب: كن مع ما وقع لك.
قال أبو العباس الرّقّي: كنا مع أبي تراب في طريق مكة، فعدل عن الطريق إلى ناحية، فقال له بعض أصحابه: أنا عطشان، فضرب برجله فإذا عين ماء زلال، فقال الفتى: أحب أن أشربه في قدح! فضرب بيده الأرض، فناوله قدحاً من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت! فشرب وسقانا. وفمازال القدح معنا إلى مكة. فقال لي أبو تراب يوماً: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله عز وجل بها عباده؟ فقتل: ما رأيتك أحداً إلا وهو يؤمن بها، فقال: من لم يؤمن بها فقد كفر! إنما سألتك من طريق الأحوال، فقلت: ما أعرف لهم
قولاً فيه. فقال: بلى قد زعم أصحابك أنا خدع من الجن، وليس الأمر كذلك. إنما الخدع في حال السكون إليها، فأما من لم يقترح ذلك ولم يساكنها فتلك مرتبة الربانيين.
كان أبو تراب يقول: من كان غناه بماله لم يزل فقيراً، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنياً، ومن كان غناه بربّه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى، لأنه دخل في حيّز ما لا وصف له.
قال أبو تراب: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في أولياء الله.
قال أبو تراب: وقفت خمساً وعشرين وقفة، فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات ما رأيت قط أكثر منهم، ولا أكثر خشوعاً وتضرعاً ودعاءً، فأعجبني ذلك، فقلت: اللهم من لم تتقبل حجّته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجّتي له، وأفضنا من عرفات وبينا نجمع رأيت في المنام هاتفاً يهتف بي: " تتسخى وأنا أسخى الأسخياء، وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له "، فانتبهت فرحاً بهذه الرؤية، فرأيت يحيى بن معاذ الرازي وقصصت عليه الرؤيا، فقال: إن صدقت رؤياك فأنت تعيش أربعين يوماً. فلما كان يوم إحدى وأربعين جاؤوا إلى يحيى بن معاذ فقالوا: إن أبا تراب مات، فغسله ودفنه.
قال إبراهيم الخواص: مات أبو تراب بين مكة والمدينة، نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومئتين بالبادية.
قال أبو عمر الإصطخري: رأيت أبا تراب ميتاً في البادية قائماً منتصباً لا يمسكه شيء.
قال أبو تراب النّهراوني: رأيت كأن القيامة قد قامت، والأهوال قد بدت، والأمم جاثية على الركب، والكل قد همه شأنه، فبيناهم كذلك إذ لاح علم كبير ونور ساطع أضاءت منه القيامة؛ قال الناس: هذا ملكٌ مقرب أو نبي مرسل. إذا منادٍ ينادي: هذا أبو تراب النخشبي الذي آثر الله على ماله، وبذل نفسه لمولاه، فهبّت ريح من قبل العرش نثرت على الخلق نثاراً، فما أحد إلا أصابه منه.
أبو تراب النخشبي أحد العباد السائحين، قدم دمشق.
وحدث عن محمد بن نمير بسنده إلى جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب فإن الله يطعمهم ويسقيهم ".
وذكر أبو نعيم أن نخشب من خراسان، ووهم في ذلك، إنما هي من وراء النهر، وهي نسف.
قال ابن الجلاّء: صحبت ست مئة شيخ ما لقيت فيهم مثل أربعة، أولهم أبو تراب النخشبي.
قال أبو تراب: الفقير قوته ما وجد، ولباسه ما ستر، ومنزله حيث نزل.
وقال: إذا صدق العبد في العمل وجد حلاوته قبل أن يعمل، وإذا أخلص فيه وجد حلاوته وقت مباشرة العمل.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: جاء أبو تراب إلى أبي، فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ لا نغتاب العلماء؛ فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة.
وكان أبو تراب صحب حاتماً الأصم وأخذ منه طريقة التوكل.
كان أبو تراب إذا رأى من أصحابه ما يكره زاد في اجتهاده، وجدد توبته ويقول: بشؤمي دفعوا إلى ما دفعوا إليه لأن الله تعالى يقول: " إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم ".
قال: وسمعته يقول لأصحابه: من لبس منكم مرقّعةً فقد سأل: ومن قعد في خانقاه أو في مسجد فقد سأل، ومن قرأ القرآن من مصحف أو كيما يسمع الناس فقد سأل الناس.
قال: وكان يقول: بيني وبين الله عز وجل أن لا أمدّ يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه.
قال أبو تراب: لابد للأستاذ من أربعة أشياء: تمييز فعل الله من فعل الخلق، ومعرفة مقامات العمال، ومعرفة الطبائع والنفوس، وتمييز الخلاف من الاختلاف.
وكان أبو تراب يقول: لا أعلم شيئاً أضرّ للمريدين من أسفارهم على متابعة قلوبهم ونفوسهم الاعتقاد الباطل.
نظر أبو تراب إلى صوفي مدّ يده إلى قشر البطيخ وقد طوى ثلاثة أيام؛ فقال له أبو تراب: تمد يدك إلى قشر البطيخ؟! أنت لا يصلح لك التصوف، الزم السوق.
مر أبو تراب مزيّن فقال له: تحلق رأسي لله عز وجل؟ فقال له: اجلس، ففيما يحلق رأسه مرّ به أميرٌ من أهل بلده، فقال: أليس هذا أبو تراب؟ فقالوا: نعم، قال: أيشٍ معكم من الدنانير؟ فقال له رجل من خاصته: معي ألف دينار، فقال: إذا قام فأعطه واعتذر إليه وقل له: لم يكن معنا غير هذه؛ فجاء الغلام إليه، فقال له: الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك: ما حضر معنا غير هذه الدنانير، فقال له: ادفعها إلى المزيّن، فقال له المزيّن: أيشٍ أعمل بها؟ فقال: خذها، فقال: لا والله ولو أنها ألفا دينار، تشترط عليّ وتقول: احلق رأسي لله، لا والله ولو أنها ألفا دينار ما أخذتها، فقال له أبو تراب: مرّ إليه فقل له: إن المزين ما أخذها، خذها أنت فاصرفها في مهمّاتك.
قال أبو نصر السراج: شرط التوكل ما قاله أبو تراب النخشبي وهو طرح البدن في العبودية، وتعلق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطي شكر، وإن منع صبر.
سئل أبو تراب عن صفة العارف، فقال: الذي لا يكدره شيء، ويصفو به كل شيء.
قال أبو تراب: ما تمنّت نفسي عليّ قط إلا مرة، تمنت عليّ خبزاً وبيضاً، وأنا في سفري، فعدلت عن الطريق إلى قرية، فوثب رجل وتعلق بي وقال: كان هذا مع اللصوص، فبطحوني وضربوني سبعة خشبة. فوقف علينا رجل، فصرخ وقال: هذا أبو تراب النخشبي!، فخلوني واعتذروا إليّ، وأدخلني الرجل منزله، فقدم إليّ خبزاً وبيضاً، فقلت: كلها بعد سبعين جلدة.
قال أبو تراب: إذا تواترت النعم على أحدكم فليبك على نفسه، فقد سلك به غير طريق الصالحين.
قال أبو تراب: ليس ينال الرضا من للدنيا في قلبه مقدار.
دخل أبو تراب من بادية البصرة فسئل عن أكله، فقال: خرجت من البصرة فأكلت بالنّباج، ثم بذات عرق، ومن ذات عرق إليكم. فقطع البادية بأكلتين.
قال محمد بن يوسف البنا:
كان أبو تراب النخشبي صاحب كرامات، فسافرت معه سنة، وكان معه أربعون نفساً. ثم أصابتنا مرة فاقة، فعدل أبو تراب عن الطريق، وجاء بعذق موز فناولنا، وفينا شاب، فلم يأكل! فقال له أبو تراب: كل، فقال: الحال الذي أعتقده ترك المعلومات، وصرت أنت معلومي، فلا أصحبك بعد هذا. فقال أبو تراب: كن مع ما وقع لك.
قال أبو العباس الرّقّي: كنا مع أبي تراب في طريق مكة، فعدل عن الطريق إلى ناحية، فقال له بعض أصحابه: أنا عطشان، فضرب برجله فإذا عين ماء زلال، فقال الفتى: أحب أن أشربه في قدح! فضرب بيده الأرض، فناوله قدحاً من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت! فشرب وسقانا. وفمازال القدح معنا إلى مكة. فقال لي أبو تراب يوماً: ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله عز وجل بها عباده؟ فقتل: ما رأيتك أحداً إلا وهو يؤمن بها، فقال: من لم يؤمن بها فقد كفر! إنما سألتك من طريق الأحوال، فقلت: ما أعرف لهم
قولاً فيه. فقال: بلى قد زعم أصحابك أنا خدع من الجن، وليس الأمر كذلك. إنما الخدع في حال السكون إليها، فأما من لم يقترح ذلك ولم يساكنها فتلك مرتبة الربانيين.
كان أبو تراب يقول: من كان غناه بماله لم يزل فقيراً، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنياً، ومن كان غناه بربّه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى، لأنه دخل في حيّز ما لا وصف له.
قال أبو تراب: إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في أولياء الله.
قال أبو تراب: وقفت خمساً وعشرين وقفة، فلما كان من قابل رأيت الناس بعرفات ما رأيت قط أكثر منهم، ولا أكثر خشوعاً وتضرعاً ودعاءً، فأعجبني ذلك، فقلت: اللهم من لم تتقبل حجّته من هذا الخلق فاجعل ثواب حجّتي له، وأفضنا من عرفات وبينا نجمع رأيت في المنام هاتفاً يهتف بي: " تتسخى وأنا أسخى الأسخياء، وعزتي وجلالي ما وقف هذا الموقف أحد قط إلا غفرت له "، فانتبهت فرحاً بهذه الرؤية، فرأيت يحيى بن معاذ الرازي وقصصت عليه الرؤيا، فقال: إن صدقت رؤياك فأنت تعيش أربعين يوماً. فلما كان يوم إحدى وأربعين جاؤوا إلى يحيى بن معاذ فقالوا: إن أبا تراب مات، فغسله ودفنه.
قال إبراهيم الخواص: مات أبو تراب بين مكة والمدينة، نهشته السباع سنة خمس وأربعين ومئتين بالبادية.
قال أبو عمر الإصطخري: رأيت أبا تراب ميتاً في البادية قائماً منتصباً لا يمسكه شيء.
قال أبو تراب النّهراوني: رأيت كأن القيامة قد قامت، والأهوال قد بدت، والأمم جاثية على الركب، والكل قد همه شأنه، فبيناهم كذلك إذ لاح علم كبير ونور ساطع أضاءت منه القيامة؛ قال الناس: هذا ملكٌ مقرب أو نبي مرسل. إذا منادٍ ينادي: هذا أبو تراب النخشبي الذي آثر الله على ماله، وبذل نفسه لمولاه، فهبّت ريح من قبل العرش نثرت على الخلق نثاراً، فما أحد إلا أصابه منه.