أَحْمَد أمير المؤمنين المعتضد بالله بْن أَبِي أَحْمَد الموفق بالله، واسمه: محْمَد بْن جعفر المتوكل عَلَى اللَّه بْن مُحَمَّد المعتصم بالله بْن هارون الرشيد بْن مُحَمَّد المهدي بن عبد الله المنصور بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّه بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا العباس :
ويقال أن اسم أَبِيهِ طلحة، وأمه أم ولد اسمها حضير، ويقال ضرار، توفِيت قبل خلافته بيسير.
وكَانَ مولده فِيما أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الدنيا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حماد:
أن ميلاد أَبِي العباس سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
قَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي الدُّنْيَا: استخلف أَبُو العباس المعتضد بالله أَحْمَد بْن مُحَمَّد في
اليوم الذي مات فِيهِ المعتمد عَلَى اللَّه، وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أَحْمَد بْن البراء. قَالَ: وولى المعتضد بالله أَبُو العباس بْن أَبِي أَحْمَد الموفق بالله لاثنتي عشرة ليلة بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وولد بسر من رأى فِي ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاس بْن سريج يَقُولُ: سمعت إسماعيل بْن إسحاق القاضي يقول: دخلت عَلَى المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه، فنظرت إليهم فرآني المعتضد وانا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إِلَى فمكثت ساعة، فلما خلا. قَالَ: أيها القاضي! وَالله ما حللت سراويلي عَلَى حرام قط.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن بن علي التّنوخي، أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: لما خرج المعتضد إِلَى قتال وصيف الخادم إِلَى طرسوس وأخذه عاد إِلَى أنطاكية فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبيا إذ ذاك فِي المكتب، قَالَ: فخرجت فِي جملة الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر، فسمعت رجلا يقول: يا قوم الخليفة بقباء أصفر بلا سواد! قَالَ: فقال له أحد الجيش: هذا كَانَ عَلَيْهِ وهو جالس فِي داره ببغداد، فجاءه الخبر بعصيان وصيف، فخرج فِي الحال عَن داره فِي باب الشماسية فعسكر بِهِ، وحلف ألا يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش، ثم خرج، فهو عَلَيْهِ إِلَى الآن ما غيره.
وحدّثنا علي بن المحسن، حدّثنا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَن أبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن حمدون قَالَ: قَالَ لي المعتضد ليلة: - وقدم له عشاء- لقمني. قَالَ: وكَانَ الذي قُدِّمَ فراريج ودراريج، فلقمته من صدر فَرُّوجٍ فقال: لا، لقمني من فخذه، فلقمته لقما، ثم قَالَ: هات من الدراريج، فلقمته من أفخاذها فقال: ويلك هو ذا تتنادر عَلَيَّ؟ هات من صدورها، فقلت: يا مولاي ركبت القياس، فضحك فقلت له: إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قَالَ: شل المطرح وخذ ما تحته، قَالَ فشلته فإذا دينار واحد، فقلت:
آخذ هذا؟! فقال: نعم، فقلت له: بالله هو ذا. تتنادر أنت الساعة علي، خليفة يجيز نديمه بدينار؟ فقال: ويلك لا أجد لك فِي بيت المال حقا أكثر من هذا، ولا تسمح
نفسي أن أعطيك من مالي شيئا ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فِيهَا خمسة آلاف دينار، فقبلت يده فقال إذا كَانَ غد وجاءني القاسم- يعني ابْن عبيد اللَّه- فهو ذا أسارك حين يقع نظري عَلَيْهِ سرارا طويلا، ألتفتُ فِيهِ إليه كالمغضب، وانظر أنت إليه فِي خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له، فإذا انقطع السرار فِيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج، فإذا خرجت خاطبك بجميل، وأخذك إِلَى دعوته، وسألك عَن حالك فاشك الفقر وَالخلة، وقلة حظك مني، وثقل ظهرك بالدين وَالعيال، وخذ ما يعطيك، واطلب كل ما تقع عينك عَلَيْهِ، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار، فإذا أخذتها، فسيسألك عما جرى بيننا، فاصدقه وإياك أن تكذبه، وعرفه أن ذلك حيلة مني عَلَيْهِ حتى وصل إليك هذا، وحدثه بالحديث كله عَلَى شرحه، وليكن إخبارك إياه بذلك بعد امتناع شديد، وإحلاف منه لك بالطلاق وَالعتاق أن تصدقه، وبعد أن تخرج من داره تأخذ كل ما يعطيك إياه وتحصله فِي بيتك. فلما كَانَ من غد حضر القاسم، فحين رآه بدأ يسارني، وجرت القصة عَلَى ما واضعته عَلَيْهِ، فخرجت فإذا القاسم فِي الدهليز ينتظرني فقال: يا أبا مُحَمَّد ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة؟ فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي، فقال: ما يقنعني إلا أن تزورني اليوم ونتفرج، فقلت: أَنَا خادم الوزير، فأخذني إِلَى طياره وجعل يسألني عَن حالي وأخباري، وأشكو إليه الخلة والإضاقة وَالدين وَالبنات، وجفاء الخليفة وإمساكه يده، فيتوجع ويقول: يا هذا مالي لك، ولن يضيق عليك ما يتسع عَلَيَّ، أو تتجاوزك نعمة تحصلت لي، أو يتخطاك حظ فإنك فِي فنائي، ولو عرفتني لعاونتك عَلَى إزالة هذا كله عنك، فشكرته وبلغنا داره، فصعد ولم ينظر في شيء وقال: هذا يوم أحتاج أن أختص فِيهِ بالسرور بأبي مُحَمَّد، فلا يقطعني أحد عنه، وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال، وخلا بي فِي دار الخلوة، وجعل يحادثني ويبسطني، وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده، وجاء الطعام فكَانَت هذه سبيله، وهو يستزيدني، فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار وأخذتها للوقت، وأحضرني ثيابا وطيبا ومركوبا، وأخذت ذلك وكَانَ بين يدي صينية فضة فِيهَا مغسل فضة، وخراداذي بلور وكوز وقدح بلور وأمر بحمله إِلَى طيارتي، وأقبلت كلما رأيت شيئا حسنا له قيمة وافرة طلبته، وحمل إِلَيَّ فرشا نفِيسا، وَقَالَ: هذا للبنات، فلما تقوض أهل المجلس خلا بي وَقَالَ: يا أَبا مُحَمَّد أنت عالم بحقوق أَبِي عليك، ومودتي لك. فقلت: أَنَا خادم الوزير، فقال:
أريد أن أسألك عَن شيء وتحلف لي أنك تصدقني عنه، فقلت: السمع والطاعة
فأحلفني بالله وبالطلاق وَالعتاق عَلَى الصدق، ثم قَالَ لي: بأي شيء سارك الخليفة اليوم فِي أمري؟ فصدقته عَن كل ما جرى حرفا بحرف، فقال: فرجت عني، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي أسهل علي، فشكرته وودعته وانصرفت إِلَى بيتي. فلما كَانَ من غد باكرت المعتضد. فقال: هات حديثك؟ فنسقته عَلَيْهِ فقال: احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها معك بسرعة.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر عمر بْن حفص السدوسي قَالَ: المعتضد أرجف الناس بموته يوم الاثنين النصف من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وذكر خاصته وقواده أنه لم يمت، وخطب له يوم الجمعة لعشر بقين من هذا الشهر، وأخذت البيعة بولاية العهد لعلي بْن المعتضد بالله ليلة الثلاثاء، ودفن فِي دار مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن طاهر، وذكروا أنه أوصى أن يدفن فِيهَا، فكَانَت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قَالَ: توفي المعتضد يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، ودفن فِي حجرة الرخام فِي دار مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن طاهر، وصلى عَلَيْهِ يوسف بْن يعقوب القاضي وتولى أمره، فكَانَت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أنبأنا إبراهيم بن مخلد، أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن علي قَالَ: توفي أمير المؤمنين المعتضد بالله، وله من السن خمس وأربعون سنة وعشرة أشهر وأيام، وكَانَ رجلا أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق، قد وخطه الشيب، فِي مقدم لحيته طول، وفِي مقدم رأسه شامة بيضاء، هكذا رأيته فِي خلافته إلا الشامة.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ، أخبرنا المعافي بن زكريا، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ موسى البرمكي المعروف بجحظة. قَالَ: قَالَ لي صافي الحرمي: لما مات المعتضد بالله كفنته والله في ثوبين قوهي قيمتهما ستة عشر قيراطا!.
ويقال أن اسم أَبِيهِ طلحة، وأمه أم ولد اسمها حضير، ويقال ضرار، توفِيت قبل خلافته بيسير.
وكَانَ مولده فِيما أَخْبَرَنَا علي بْن أَحْمَد بْن عمر المقرئ، أَخْبَرَنَا علي بن أحمد بن أبي قيس، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الدنيا، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حماد:
أن ميلاد أَبِي العباس سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
قَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي الدُّنْيَا: استخلف أَبُو العباس المعتضد بالله أَحْمَد بْن مُحَمَّد في
اليوم الذي مات فِيهِ المعتمد عَلَى اللَّه، وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا محمد ابن أَحْمَد بْن البراء. قَالَ: وولى المعتضد بالله أَبُو العباس بْن أَبِي أَحْمَد الموفق بالله لاثنتي عشرة ليلة بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، وولد بسر من رأى فِي ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاس بْن سريج يَقُولُ: سمعت إسماعيل بْن إسحاق القاضي يقول: دخلت عَلَى المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه، فنظرت إليهم فرآني المعتضد وانا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إِلَى فمكثت ساعة، فلما خلا. قَالَ: أيها القاضي! وَالله ما حللت سراويلي عَلَى حرام قط.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن بن علي التّنوخي، أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: لما خرج المعتضد إِلَى قتال وصيف الخادم إِلَى طرسوس وأخذه عاد إِلَى أنطاكية فنزل خارجها، وطاف البلد بجيشه، وكنت صبيا إذ ذاك فِي المكتب، قَالَ: فخرجت فِي جملة الناس، فرأيته وعليه قباء أصفر، فسمعت رجلا يقول: يا قوم الخليفة بقباء أصفر بلا سواد! قَالَ: فقال له أحد الجيش: هذا كَانَ عَلَيْهِ وهو جالس فِي داره ببغداد، فجاءه الخبر بعصيان وصيف، فخرج فِي الحال عَن داره فِي باب الشماسية فعسكر بِهِ، وحلف ألا يغير هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش، ثم خرج، فهو عَلَيْهِ إِلَى الآن ما غيره.
وحدّثنا علي بن المحسن، حدّثنا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَن أبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن حمدون قَالَ: قَالَ لي المعتضد ليلة: - وقدم له عشاء- لقمني. قَالَ: وكَانَ الذي قُدِّمَ فراريج ودراريج، فلقمته من صدر فَرُّوجٍ فقال: لا، لقمني من فخذه، فلقمته لقما، ثم قَالَ: هات من الدراريج، فلقمته من أفخاذها فقال: ويلك هو ذا تتنادر عَلَيَّ؟ هات من صدورها، فقلت: يا مولاي ركبت القياس، فضحك فقلت له: إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قَالَ: شل المطرح وخذ ما تحته، قَالَ فشلته فإذا دينار واحد، فقلت:
آخذ هذا؟! فقال: نعم، فقلت له: بالله هو ذا. تتنادر أنت الساعة علي، خليفة يجيز نديمه بدينار؟ فقال: ويلك لا أجد لك فِي بيت المال حقا أكثر من هذا، ولا تسمح
نفسي أن أعطيك من مالي شيئا ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فِيهَا خمسة آلاف دينار، فقبلت يده فقال إذا كَانَ غد وجاءني القاسم- يعني ابْن عبيد اللَّه- فهو ذا أسارك حين يقع نظري عَلَيْهِ سرارا طويلا، ألتفتُ فِيهِ إليه كالمغضب، وانظر أنت إليه فِي خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له، فإذا انقطع السرار فِيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج، فإذا خرجت خاطبك بجميل، وأخذك إِلَى دعوته، وسألك عَن حالك فاشك الفقر وَالخلة، وقلة حظك مني، وثقل ظهرك بالدين وَالعيال، وخذ ما يعطيك، واطلب كل ما تقع عينك عَلَيْهِ، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار، فإذا أخذتها، فسيسألك عما جرى بيننا، فاصدقه وإياك أن تكذبه، وعرفه أن ذلك حيلة مني عَلَيْهِ حتى وصل إليك هذا، وحدثه بالحديث كله عَلَى شرحه، وليكن إخبارك إياه بذلك بعد امتناع شديد، وإحلاف منه لك بالطلاق وَالعتاق أن تصدقه، وبعد أن تخرج من داره تأخذ كل ما يعطيك إياه وتحصله فِي بيتك. فلما كَانَ من غد حضر القاسم، فحين رآه بدأ يسارني، وجرت القصة عَلَى ما واضعته عَلَيْهِ، فخرجت فإذا القاسم فِي الدهليز ينتظرني فقال: يا أبا مُحَمَّد ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة؟ فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي، فقال: ما يقنعني إلا أن تزورني اليوم ونتفرج، فقلت: أَنَا خادم الوزير، فأخذني إِلَى طياره وجعل يسألني عَن حالي وأخباري، وأشكو إليه الخلة والإضاقة وَالدين وَالبنات، وجفاء الخليفة وإمساكه يده، فيتوجع ويقول: يا هذا مالي لك، ولن يضيق عليك ما يتسع عَلَيَّ، أو تتجاوزك نعمة تحصلت لي، أو يتخطاك حظ فإنك فِي فنائي، ولو عرفتني لعاونتك عَلَى إزالة هذا كله عنك، فشكرته وبلغنا داره، فصعد ولم ينظر في شيء وقال: هذا يوم أحتاج أن أختص فِيهِ بالسرور بأبي مُحَمَّد، فلا يقطعني أحد عنه، وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال، وخلا بي فِي دار الخلوة، وجعل يحادثني ويبسطني، وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده، وجاء الطعام فكَانَت هذه سبيله، وهو يستزيدني، فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار وأخذتها للوقت، وأحضرني ثيابا وطيبا ومركوبا، وأخذت ذلك وكَانَ بين يدي صينية فضة فِيهَا مغسل فضة، وخراداذي بلور وكوز وقدح بلور وأمر بحمله إِلَى طيارتي، وأقبلت كلما رأيت شيئا حسنا له قيمة وافرة طلبته، وحمل إِلَيَّ فرشا نفِيسا، وَقَالَ: هذا للبنات، فلما تقوض أهل المجلس خلا بي وَقَالَ: يا أَبا مُحَمَّد أنت عالم بحقوق أَبِي عليك، ومودتي لك. فقلت: أَنَا خادم الوزير، فقال:
أريد أن أسألك عَن شيء وتحلف لي أنك تصدقني عنه، فقلت: السمع والطاعة
فأحلفني بالله وبالطلاق وَالعتاق عَلَى الصدق، ثم قَالَ لي: بأي شيء سارك الخليفة اليوم فِي أمري؟ فصدقته عَن كل ما جرى حرفا بحرف، فقال: فرجت عني، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي أسهل علي، فشكرته وودعته وانصرفت إِلَى بيتي. فلما كَانَ من غد باكرت المعتضد. فقال: هات حديثك؟ فنسقته عَلَيْهِ فقال: احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها معك بسرعة.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر عمر بْن حفص السدوسي قَالَ: المعتضد أرجف الناس بموته يوم الاثنين النصف من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، وذكر خاصته وقواده أنه لم يمت، وخطب له يوم الجمعة لعشر بقين من هذا الشهر، وأخذت البيعة بولاية العهد لعلي بْن المعتضد بالله ليلة الثلاثاء، ودفن فِي دار مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن طاهر، وذكروا أنه أوصى أن يدفن فِيهَا، فكَانَت ولايته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أخبرني أبو القاسم الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ابن عرفة قَالَ: توفي المعتضد يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين، ودفن فِي حجرة الرخام فِي دار مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن طاهر، وصلى عَلَيْهِ يوسف بْن يعقوب القاضي وتولى أمره، فكَانَت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام.
أنبأنا إبراهيم بن مخلد، أَخْبَرَنَا إسماعيل بْن علي قَالَ: توفي أمير المؤمنين المعتضد بالله، وله من السن خمس وأربعون سنة وعشرة أشهر وأيام، وكَانَ رجلا أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق، قد وخطه الشيب، فِي مقدم لحيته طول، وفِي مقدم رأسه شامة بيضاء، هكذا رأيته فِي خلافته إلا الشامة.
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَوْحٍ النَّهْرَوَانِيُّ، أخبرنا المعافي بن زكريا، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ موسى البرمكي المعروف بجحظة. قَالَ: قَالَ لي صافي الحرمي: لما مات المعتضد بالله كفنته والله في ثوبين قوهي قيمتهما ستة عشر قيراطا!.