علقمة بن جرير ويقال جرير السّلمي
قال علقمة بن جرير السلمي: جئت معاوية بن أبي سفيان، فوجدت نباتة بن وثيمة البصري وابن عارض الجشمي، فانتظرنا إذنها أياماً، ثم خرج علينا يوماً راكباً فاعترضناه، فقال: لم يخف عليّ مكانكم، فإذا أصبحتم فاغدوا عليّ.
قال: فغدونا عليه، فتحدث وتحدثنا، ثم أقبل عليّ فقال: يا علقمة، هل كانت عندكم طريفة خبر أو أعجوبة؟ قال: قلت: قد كان. أفأحدثك؟ قال: ذلك أردت. فقلت له: أقبلت قبل مخرجي إليك، أسوق شارفاً لي، أريد أن أنحرها عند الحي، فأدركني الليل بين أبيات بني الشريد، فإذا عمرة بنت مرداس بن أبي عامر عروساً، وأمها الخنساء بنة عمرو بن الشريد. فقلت لهم: انحروا هذا الجزور، فاستعينوا بها على بعض ما أنتم فيه. وجلست معهم، فلما هيئت أذن له، فدخلنا عليها، فإذا جارية وضيئة على الأدمة، وإذا أمها الخنساء جالسة متلففة بكساء أحمر قد هرمت، وإذا هي تلحظ الجارية لحظاً شديداً.
فقال القوم: بالله إلا تحرشت بها فإنها الآن تعرف بعض ما أنت فيه، فقامت الجارية تريد شيئاً، فوطئت على قدمها وطأة أوجعتها، فقالت وهي معتبطة: حس، إليك يا حمقاء! والله كأنما تطئين أمةً ورهاء تغني. فقالت الخنساء: أنا والله كنت أكرم منك عرساً، وأطيب ورساً، وذلك زماني إذ كنت فتاة أعجب الفتيان، أشرب اللبن غضاً
قارصاً. ومحضاً خالصاً، لا أنهس اللحم ولا أذيب الشحم ولا أرعى البهم، كالمهرة الصنيع لا مضاعة، ولا عند مضيع، عقيلة الجواري الحسان الحور، وذلك في شبيبتي قبل شيبتي، وعليّ درع من ثوب.
فعجب معاوية من الحديث، وأقبل على ابن عارض، فقال: وأنت فما الذي تخبرنا؟ قال: خرجت مع أبي قبيل أن يموت، فألفينا في الطريق خشفاً، فصدته لابنة له كان يحبها، فخرجت محتضنه حتى وقفنا على دريد بن الصمة مهتراً قد فقد عقله، عريان يكوم بين رجليه البطحاء، فوقف أبي عليه، ووقفت بتعجّب مما صارت به الحال، فرفع رأسه فقال من أبيات: من الرجز
كأنني رأس حضن ... في يوم غيم ودجن
بل ليتني عهد زمن ... أنفض رأسي وذقن
كالمهر في عقد شطن ... كأنني فحل حصن
أرسل في خيل عنن ... فجاء سبقاً لم يفن
أخوص خفّاق الجنن ... كالخشف هذا المحتضن
أحسن من شيء حسن
ثم قال، فسقط، فقال أبي: انهض دريد، فالتفت إلينا يبكي ويقول: من الرجز
لا نهض في مثل زماني الأول ... ومحنّب الساق شديد الأغفل
ضخم المشاشين خميص الأصقل ... في جنجنٍ ركبٍ وصلبٍ أعدل
وهامةٍ كأنها من جندل ... وأركب العارض ركب العندل
أبلغ كالعوهج ضخم المركل ... منافس التقريب غير معجل
مناهب الإجضار مثل الأجدل ... أرسل في خيلٍ كأن لم يرسل
فجئن من تحت وجاء من علي ... يا أوّلي يا أوّلي يا أوّلي
يبكي زمانه.
قال: وأنت يا بن وثيمة؟ قال: عندي أطرف من حديثهما: أخبرني أبي قال: كنت زميل عامر بن مالك بن جعفر حين أقبل من عند النعمان بن المنذر، وقد وعده أن ينكحه ابنته، فأقبلت معه حتى نزل في أهله، وأنزلني عنده، وزوجته إذ ذاك تماضر بنت خالد بن صخر بن الشريد، له منها بنات، فذكر لها أن قد خطب إليه الملك.
فلما كان بعد ذلك بليال، خرج أهل الحاضرة يتمشون، وفيهم أبو براء عامر بن مالك، فتخلفت، وعرفت أن جواري الحين سيبرزن، فبرزن، وخرج بنات عامر يتحدثن.
قال: فإني لفي كسر البيت إذ قالت لهن أمهن: أيتكن خطبة الملك؟ فقالت أم سهم: أنا والله خطبة الملك، أنا جامعة الشمل، بينة الفضل، زوجة الكهل، أكف روعه، وأكون شبعه، وأعطيه طوعه.
قالت دحاحة: لكنني، والله، ما أنا له بخطبة، لا محبّة ولا محبّة، ولابن عمٍ ينصفني أحبّ إلي من ملك يعسفني.
قال علقمة بن جرير السلمي: جئت معاوية بن أبي سفيان، فوجدت نباتة بن وثيمة البصري وابن عارض الجشمي، فانتظرنا إذنها أياماً، ثم خرج علينا يوماً راكباً فاعترضناه، فقال: لم يخف عليّ مكانكم، فإذا أصبحتم فاغدوا عليّ.
قال: فغدونا عليه، فتحدث وتحدثنا، ثم أقبل عليّ فقال: يا علقمة، هل كانت عندكم طريفة خبر أو أعجوبة؟ قال: قلت: قد كان. أفأحدثك؟ قال: ذلك أردت. فقلت له: أقبلت قبل مخرجي إليك، أسوق شارفاً لي، أريد أن أنحرها عند الحي، فأدركني الليل بين أبيات بني الشريد، فإذا عمرة بنت مرداس بن أبي عامر عروساً، وأمها الخنساء بنة عمرو بن الشريد. فقلت لهم: انحروا هذا الجزور، فاستعينوا بها على بعض ما أنتم فيه. وجلست معهم، فلما هيئت أذن له، فدخلنا عليها، فإذا جارية وضيئة على الأدمة، وإذا أمها الخنساء جالسة متلففة بكساء أحمر قد هرمت، وإذا هي تلحظ الجارية لحظاً شديداً.
فقال القوم: بالله إلا تحرشت بها فإنها الآن تعرف بعض ما أنت فيه، فقامت الجارية تريد شيئاً، فوطئت على قدمها وطأة أوجعتها، فقالت وهي معتبطة: حس، إليك يا حمقاء! والله كأنما تطئين أمةً ورهاء تغني. فقالت الخنساء: أنا والله كنت أكرم منك عرساً، وأطيب ورساً، وذلك زماني إذ كنت فتاة أعجب الفتيان، أشرب اللبن غضاً
قارصاً. ومحضاً خالصاً، لا أنهس اللحم ولا أذيب الشحم ولا أرعى البهم، كالمهرة الصنيع لا مضاعة، ولا عند مضيع، عقيلة الجواري الحسان الحور، وذلك في شبيبتي قبل شيبتي، وعليّ درع من ثوب.
فعجب معاوية من الحديث، وأقبل على ابن عارض، فقال: وأنت فما الذي تخبرنا؟ قال: خرجت مع أبي قبيل أن يموت، فألفينا في الطريق خشفاً، فصدته لابنة له كان يحبها، فخرجت محتضنه حتى وقفنا على دريد بن الصمة مهتراً قد فقد عقله، عريان يكوم بين رجليه البطحاء، فوقف أبي عليه، ووقفت بتعجّب مما صارت به الحال، فرفع رأسه فقال من أبيات: من الرجز
كأنني رأس حضن ... في يوم غيم ودجن
بل ليتني عهد زمن ... أنفض رأسي وذقن
كالمهر في عقد شطن ... كأنني فحل حصن
أرسل في خيل عنن ... فجاء سبقاً لم يفن
أخوص خفّاق الجنن ... كالخشف هذا المحتضن
أحسن من شيء حسن
ثم قال، فسقط، فقال أبي: انهض دريد، فالتفت إلينا يبكي ويقول: من الرجز
لا نهض في مثل زماني الأول ... ومحنّب الساق شديد الأغفل
ضخم المشاشين خميص الأصقل ... في جنجنٍ ركبٍ وصلبٍ أعدل
وهامةٍ كأنها من جندل ... وأركب العارض ركب العندل
أبلغ كالعوهج ضخم المركل ... منافس التقريب غير معجل
مناهب الإجضار مثل الأجدل ... أرسل في خيلٍ كأن لم يرسل
فجئن من تحت وجاء من علي ... يا أوّلي يا أوّلي يا أوّلي
يبكي زمانه.
قال: وأنت يا بن وثيمة؟ قال: عندي أطرف من حديثهما: أخبرني أبي قال: كنت زميل عامر بن مالك بن جعفر حين أقبل من عند النعمان بن المنذر، وقد وعده أن ينكحه ابنته، فأقبلت معه حتى نزل في أهله، وأنزلني عنده، وزوجته إذ ذاك تماضر بنت خالد بن صخر بن الشريد، له منها بنات، فذكر لها أن قد خطب إليه الملك.
فلما كان بعد ذلك بليال، خرج أهل الحاضرة يتمشون، وفيهم أبو براء عامر بن مالك، فتخلفت، وعرفت أن جواري الحين سيبرزن، فبرزن، وخرج بنات عامر يتحدثن.
قال: فإني لفي كسر البيت إذ قالت لهن أمهن: أيتكن خطبة الملك؟ فقالت أم سهم: أنا والله خطبة الملك، أنا جامعة الشمل، بينة الفضل، زوجة الكهل، أكف روعه، وأكون شبعه، وأعطيه طوعه.
قالت دحاحة: لكنني، والله، ما أنا له بخطبة، لا محبّة ولا محبّة، ولابن عمٍ ينصفني أحبّ إلي من ملك يعسفني.