عكرمة أبو عبد الله
مولى ابن عباس الهاشمي أصله من البربر. قدم عكرمة الشام، واشتراه خالد بن يزيد بن معاوية بدمشق من علي بن عبد الله بن عباس، ثم استقاله عليه؛ فأقاله البيع وأعتقه. وقدم مع عبد الله بن عباس غازياً بلاد الروم.
روى عكرمة عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه ".
وحدث عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتكف واعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت تحتها الطست من الدم. وزعم أن عائشة رأت مثل ماء العصفر، قالت: كأنّ هذا شيء كانت فرنة تجده.
وحدث عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " خير يوم يحتجم فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد ".
وحدث عكرمة: أنه غزا مع ابن عباس أرض الروم، وعلى الناس حبيب بن مسلمة حتى بلغنا مدينة الفتية الذن ذكرهم الله في كتابه.
وعن عكرمة مولى ابن عباس قال: وفد ابن عباس على معاوية بالشام، وكان يسمران حتى شطر الليل أو أكثر، قال: فشهد ابن عباس مع معاوية العشاء ذات ليلة في المقصورة، فلما فرغ معاوية ركع ركعة واحدة، ثم لم يزد عليها، قال: وأنا أنظر إليه، قال: فجئت ابن عباس فقلت له: ألا أضحكك من معاوية؟ صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها، قال: أصاب أي بني، ليس أحد منا أعلم من معاوية، إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك، يوتر ما شاء.
فأخبرت عطاء خبر عتبة هذا، فقال: إنما سمعنا أنه قال: قد أصاب، أو ليس المغرب عطاء القائل ثلاث ركعات؟
كان عكرمة مولى ابن عباس لحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، فوهبه لابن عباس حين جاء والياً على البصرة لعلي بن أبي طالب.
وكان عكرمة كثير الحديث والعلم، بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
قالوا: واحتج بحديثه عامة الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من خبر الصحاح.
وروى ابن عيينة عن عمرو: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، قال: سل عكرمة، فجعلت كأني أتباطأ، فانتزعها من يدي، فقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس.
كان عكرمة من سكان المدينة، وكان سكن مكة، وقدم مصر، وصار إلى إفريقية، وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضيّة يعرفون بالصّفريّة، يزعمون أنهم أخذوا مذهبهم عن عكرمة مولى ابن عباس.
قال عبد الحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أداها تحت لحيته، ولحيته بيضاء، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض.
قال عكرمة: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسّنن. وقيل: الفرائض.
قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار.
وعن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: " لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً ".
قال: قال ابن عباس: لم أدر، أنجا القوم أم هلكوا! فما زلت أبيّن له، أبصّره حتى عرف أنهم قد نجوا، قال: فكساني حلّةً.
قال عكرمة: قال ابن عباس: انطلق فأفت الناس، وأنا لك عون. قال: قلت: لو أن هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم. قال: انطلق فأفت الناس، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح على نفسك ثلثي مؤنة الناس.
قال عثمان بن حكيم: كنت جالساً مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب عليّ؟ وفي رواية: فإنه لم يكذب على الله؟ فقال أبو أمامة: نعم.
قال عكرمة: قال لي ابن عباس: لتأبقنّ ولتغرقنّ، قال عكرمة: فأبقت وغرقت فأخرجت.
وما ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، وباعه علي بن عبد الله بن عباس من
خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار. فقال عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فاستقاله، فأقاله وأعتقه.
وكان عكرمة يرى رأي الخوارج، وادعى على عبد الله بن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج.
قال عمرو بن دينار: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه.
وفي رواية: هذا أعلم الناس.
قال الفرزدق بن جواس الحمّاني: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه؟ فقال: ائتوه، فإنه لم يكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة.
قال مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.
وكان مصعب بن عبد الله يقول: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير.
قال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله عزّ وجلّ من عكرمة.
وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء بن أبي رباح، وأعلمهم بالتفسير عكرمة.
وفي رواية: أعلمهم بسيرة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عكرمة.
وقال قتادة: لا تسألوا هذا العبد إلا عن القرآن، وكان عكرمة يقول: لقد فسرت ما بين اللوحين.
قال أيوب: اجتمع حفاظ ابن عباس: سعيد بن جبير وعطاء وطاووس على عكرمة فأقعدوه، فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، قال: فكلما حدثهم حديثاً قال سعيد بن جبير بيده هكذا، فعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: كانا يحملانه في مكتل. فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعاً.
قال سفيان بن عيينة: لما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير.
وعن سفيان الثوري أنه قال بالكوفة: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك.
قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم.
قال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريج:
قدم عليكم عكرمة؟ قال: قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم.
قال: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل، أتيناه يوماً، فقال: والله لأحدثنكم فمكثنا ساعة، فجعل يحدثنا، ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا؟ قال: وبينا أنا عنده يوماً وهو يحدثنا إذ رأى أعرابياً فقال: هاه! لم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها، فأقبل عليه وتركنا.
وعن الزبير بن خريت عن عكرمة: " فإنّها محرمةٌ عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض ". قال: التحريم أبداً، وأربعين سنةً يتيهون في الأرض، ثم قال: قولوا لحسنكم يعني الحسن البصري يجئ بمثل هذا.
قال: " لا تضارّ والدةٌ بولدها " قال: الظّئر.
قال: وقيل له: إن قتادة يقول: إن المائدة محكمة، إلا آية منها، قال: إنه ليحدس.
قال المغيرة بن مسلم: لما قدم عكرمة خراسان قال أبو مجلز: سلوه
ما جلاجل الحاج؟ قال: فسئل عكرمة عن ذلك، فقال: وأنّى هذا بهذه الأرض؟ جلاجل الحاج: الإفاضة، قال: فقيل لأبي مجلز، فقال: صدق.
ولما قدم عكرمة الجند أهدى له طاووس نجيباً بستين دينار، فقيل لطاووس: ما يصنع هذا العبد بنجيب بستين ديناراً؟ فقال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاووس بستين ديناراً؟ قال ابن هبيرة: قدم علينا عكرمة، فكان يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم يحدثنا به عن غيره، قال: فأتينا شيخاً عندنا يقال له إسماعيل بن عبيد الأنصاري، قد كان سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم. قال: فأتاه فسأله عن أشياء ساءل عنها ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع. قال: فأتيناه، فسألناه، فقال: الرجل صدوق، ولكنه سمع من العلم فأكثر، وكلما سنح له طريق سلكه.
وعن أرطاة بن أبي أرطاة: أنه سمع عكرمة يحدث القوم، وفيهم سعيد بن جبير وغيره من أهل المدينة قال: إن للعلم ثمناً، فأعطوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟ قال: ثمنه أن تضعه عند من يحسن حفظه ولا يضيعه.
كتب الحجاج بن يوسف إلى عثمان بن حيان: سل عكرمة مولى ابن عباس عن
يوم القيامة، أمن الدنيا هو أو من الآخرة؟ فسأله، فقال عكرمة: صدر ذلك اليوم من الدنيا، وآخره من الآخرة.
قال سليمان الأحول: لقيت عكرمة ومعه ابن له، فقلت له: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً، فقال: إنه يقال: إن أزهد الناس في عالم أهله.
قال أبو يزيد المدني: كان عكرمة إذا رأى السؤال يوم الجمعة سبّهم، فقلت له: ما تريد منهم؟ فقتل: كان ابن عباس يسبهم إذا رآهم، فقلت له كما قلت لي، فقال: إنهم لا يشهدون للمسلمين عيداً ولا جمعة إلا للمسألة والأذى، فإذا كانت رغبة الناس إلى الله عز وجل، كانت رغبتهم إلى الناس.
قال رجل لعكرمة: فلان يسبني في النوم، فقال: اضرب ظله ثمانين.
ومن حميد الطويل: أنه ذكر عند عكرمة أنه يكره للصائم الحجامة، قال: أفلا يكره له الخراءة؟.
سئل عكرمة عن الصلاة في ثوب واحد، قال: ما يحمله على أن يقيم أيره كأنه وتد في الصف؟.
وكان عكرمة ثقة.
قال يحيى بن معين: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام.
قال عثمان بن مرة: قلت للقاسم بن محمد: كيف ترى هذه الأوعية؟ فإن عكرمة يحدث عن ابن
عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّم المقيّر والمزفّت والدّبّاء والحنتم والجرّ والحنتم والنّقير.
قال إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى، فقال: يوم القيامة. فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر. فأخبرني من سأله بعد ذلك، فقال: يوم بدر.
وعن ابن عمر أنه قال لنافع: اتق الله، ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، كما أحلّ الصرف واسلم ابنه صيرفياً.
وقيل: إن هذا القول إنما قاله سعيد بن المسيب لبرد مولاه.
ذكر أن رجلاً مشى بين سعيد بن المسيب وعكرمة في رجل نذر نذراً في معصية الله، فقال سعيد: توفي به، وقال عكرمة، لا يوفي به. فجاء الرجل إلى سعيد فأحبره بقول عكرمة، فقال سعيد لا ينتهي عبد ابن عباس حتى يلقى في عنقه حبل ويطاف به ". قال: فجاء الرجل إلى عكرمة فأخبره بقول سعيد! فقال عكرمة: أنت رجل سوء كما
أبلغتني عنه فأبلغه عني، قل له: هذا النذر لله عز وجل أم للشيطان؟ والله لئن قال: لله، يكذبن، وإن قال: إنه للشيطان، ليكفرن.
وفي رواية: ولئن قال: إنه لغير الله فما فيه وفاء.
قال عطاء الخراساني: قلت لابن المسيب: عكرمة يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم؛ فقال: كذب مخبثان، اذهب إليه فسبّه، سأحدثك: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محرم، فلما حلّ تزوجها.
وعن محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال: بعت تمراً من التمّارين سبعة أصع بدرهم، فصار لي عند رجل منهم، فوجدت عند بعضهم تمراً يبيعه أربعة أصع بدرهم، فسألت عكرمة فقال: لا بأس عليك، تأخذ أقل مما بعت، فلقيت سعيد بن المسيب فأخبرته بقول عكرمة، فقال: كذب عبد ابن عباس، مما يكال فلا تأخذ مما يكال إلى التمر، فقلت: فإن فضل لي عنده الكثير؟ قال: فأعطه أنت الكثير وخذ منه الدراهم.
قال: فرجعت، فإذا عكرمة يطلبني فقال: إن الذي قلت لك هو حلال هو حرام.
قال عبد الله بن عثمان بن جشم: سألت عكرمة أنا وعبد الله بن سعيد عن قوله: " والنخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ "، قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها.
قال: فرجعت إلى سعيد بن جبير، فذكرت ذلك له، فقال::ذب بسوقها، طولها.
وعن عكرمة: أنه كراء الأرض، فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء سنة بسنة.
قال يزيد بن أبي زياد: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عباس وعكرمة ومقيد على باب الخشن قال: قلت: ما لهذا هكذا؟ قال إنه يكذب على أبي قالوا: وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه.
وكان عكرمة يرى رأي الصفرية، وأخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لما قدم عليهم.
وقيل: إن عكرمة كان إباضياً.
قالوا: وكان يرى رأي نجدة الحروري.
وقيل: كان بيهسيّاً.
وطلبه بعض ولاة المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
قيل لأيوب: إن عكرمة كان لا يحسن الصلاة، قال أيوب: وكان يصلي؟ قال خالد بن أبي عمران: كنا بالمغرب، وكان عندنا عكرمة مولى ابن عباس في وقت الموسم، فقال عكرمة: وددت أن بيدي حربة، فأعترض بها من شهد الموسم، قال خالد: فرفض الناس به.
مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس. ولما ماتا ما شهدهما إلا سودان المدينة.
وفي حديث آخر: أتي بجنازتهما بعد العصر، قال: فما علمت أن أحداً من أهل المسجد حل حبوته إليهما.
وفي رواية: فما قام إليهما أحد من المسجد، ومن هناك لم يرو عنه مالك.
توفي عكرمة سنة أربع ومئة بالمدينة. وقيل: سنة خمس ومئة وهو ابن ثمانين سنة. وقيل: سنة سبع ومئة.
ولما اجتمعت جنازة عكرمة وجنازة كثير عزة عجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به أنه يرى رأي الخوارج، ويكفّر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة.
وقيل: توفي سنة ستٍ ومئة. وقيل: توفي سنة خمس عشرة ومئة، وهو ابن أربع وثمانين. وقيل: إن عكرمة لم يبق إلى هذا الوقت.
علفة بن عقيل بن علّفة
ابن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر المرّي شاعر ابن شاعر، من وجوه بني مرة بن ذبيان.
قال أبو عبيدة: كان
مولى ابن عباس الهاشمي أصله من البربر. قدم عكرمة الشام، واشتراه خالد بن يزيد بن معاوية بدمشق من علي بن عبد الله بن عباس، ثم استقاله عليه؛ فأقاله البيع وأعتقه. وقدم مع عبد الله بن عباس غازياً بلاد الروم.
روى عكرمة عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه ".
وحدث عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعتكف واعتكف معه بعض نسائه، وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت تحتها الطست من الدم. وزعم أن عائشة رأت مثل ماء العصفر، قالت: كأنّ هذا شيء كانت فرنة تجده.
وحدث عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " خير يوم يحتجم فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد ".
وحدث عكرمة: أنه غزا مع ابن عباس أرض الروم، وعلى الناس حبيب بن مسلمة حتى بلغنا مدينة الفتية الذن ذكرهم الله في كتابه.
وعن عكرمة مولى ابن عباس قال: وفد ابن عباس على معاوية بالشام، وكان يسمران حتى شطر الليل أو أكثر، قال: فشهد ابن عباس مع معاوية العشاء ذات ليلة في المقصورة، فلما فرغ معاوية ركع ركعة واحدة، ثم لم يزد عليها، قال: وأنا أنظر إليه، قال: فجئت ابن عباس فقلت له: ألا أضحكك من معاوية؟ صلى العشاء ثم أوتر بركعة لم يزد عليها، قال: أصاب أي بني، ليس أحد منا أعلم من معاوية، إنما هي واحدة أو خمس أو سبع أو أكثر من ذلك، يوتر ما شاء.
فأخبرت عطاء خبر عتبة هذا، فقال: إنما سمعنا أنه قال: قد أصاب، أو ليس المغرب عطاء القائل ثلاث ركعات؟
كان عكرمة مولى ابن عباس لحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، فوهبه لابن عباس حين جاء والياً على البصرة لعلي بن أبي طالب.
وكان عكرمة كثير الحديث والعلم، بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
قالوا: واحتج بحديثه عامة الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من خبر الصحاح.
وروى ابن عيينة عن عمرو: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، قال: سل عكرمة، فجعلت كأني أتباطأ، فانتزعها من يدي، فقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا أعلم الناس.
كان عكرمة من سكان المدينة، وكان سكن مكة، وقدم مصر، وصار إلى إفريقية، وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الإباضيّة يعرفون بالصّفريّة، يزعمون أنهم أخذوا مذهبهم عن عكرمة مولى ابن عباس.
قال عبد الحميد بن بهرام: رأيت عكرمة أبيض اللحية عليه عمامة بيضاء، طرفها بين كتفيه، قد أداها تحت لحيته، ولحيته بيضاء، وقميصه إلى الكعبين، وكان رداؤه أبيض.
قال عكرمة: كان ابن عباس يضع في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسّنن. وقيل: الفرائض.
قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار.
وعن عكرمة قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: " لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً ".
قال: قال ابن عباس: لم أدر، أنجا القوم أم هلكوا! فما زلت أبيّن له، أبصّره حتى عرف أنهم قد نجوا، قال: فكساني حلّةً.
قال عكرمة: قال ابن عباس: انطلق فأفت الناس، وأنا لك عون. قال: قلت: لو أن هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم. قال: انطلق فأفت الناس، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح على نفسك ثلثي مؤنة الناس.
قال عثمان بن حكيم: كنت جالساً مع أبي أمامة بن سهل بن حنيف، إذ جاء عكرمة فقال: يا أبا أمامة، أذكرك الله، هل سمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه، فإنه لم يكذب عليّ؟ وفي رواية: فإنه لم يكذب على الله؟ فقال أبو أمامة: نعم.
قال عكرمة: قال لي ابن عباس: لتأبقنّ ولتغرقنّ، قال عكرمة: فأبقت وغرقت فأخرجت.
وما ابن عباس وعكرمة عبد لم يعتقه، وباعه علي بن عبد الله بن عباس من
خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار. فقال عكرمة: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فاستقاله، فأقاله وأعتقه.
وكان عكرمة يرى رأي الخوارج، وادعى على عبد الله بن عباس أنه كان يرى رأي الخوارج.
قال عمرو بن دينار: أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل، أسأل عنها عكرمة، وجعل يقول: هذا عكرمة مولى ابن عباس، هذا البحر فسلوه.
وفي رواية: هذا أعلم الناس.
قال الفرزدق بن جواس الحمّاني: كنا مع شهر بن حوشب بجرجان، فقدم علينا عكرمة، فقلنا لشهر: ألا نأتيه؟ فقال: ائتوه، فإنه لم يكن أمة إلا كان لها حبر، وإن مولى ابن عباس حبر هذه الأمة.
قال مغيرة: قيل لسعيد بن جبير: تعلم أحداً أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.
وكان مصعب بن عبد الله يقول: تزوج عكرمة أم سعيد بن جبير.
قال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله عزّ وجلّ من عكرمة.
وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن، وأعلمهم بالمناسك عطاء بن أبي رباح، وأعلمهم بالتفسير عكرمة.
وفي رواية: أعلمهم بسيرة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عكرمة.
وقال قتادة: لا تسألوا هذا العبد إلا عن القرآن، وكان عكرمة يقول: لقد فسرت ما بين اللوحين.
قال أيوب: اجتمع حفاظ ابن عباس: سعيد بن جبير وعطاء وطاووس على عكرمة فأقعدوه، فجعلوا يسألونه عن حديث ابن عباس، قال: فكلما حدثهم حديثاً قال سعيد بن جبير بيده هكذا، فعقد ثلاثين، حتى سئل عن الحوت، فقال عكرمة: كان يسايرهما في ضحضاح من الماء، فقال سعيد: أشهد على ابن عباس أنه قال: كانا يحملانه في مكتل. فقال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعاً.
قال سفيان بن عيينة: لما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير.
وعن سفيان الثوري أنه قال بالكوفة: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك.
قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم.
قال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريج:
قدم عليكم عكرمة؟ قال: قلت: بلى، قال: فكتبتم عنه؟ قلت: لا، قال: فاتكم ثلثا العلم.
قال: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل، أتيناه يوماً، فقال: والله لأحدثنكم فمكثنا ساعة، فجعل يحدثنا، ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا؟ قال: وبينا أنا عنده يوماً وهو يحدثنا إذ رأى أعرابياً فقال: هاه! لم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها، فأقبل عليه وتركنا.
وعن الزبير بن خريت عن عكرمة: " فإنّها محرمةٌ عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض ". قال: التحريم أبداً، وأربعين سنةً يتيهون في الأرض، ثم قال: قولوا لحسنكم يعني الحسن البصري يجئ بمثل هذا.
قال: " لا تضارّ والدةٌ بولدها " قال: الظّئر.
قال: وقيل له: إن قتادة يقول: إن المائدة محكمة، إلا آية منها، قال: إنه ليحدس.
قال المغيرة بن مسلم: لما قدم عكرمة خراسان قال أبو مجلز: سلوه
ما جلاجل الحاج؟ قال: فسئل عكرمة عن ذلك، فقال: وأنّى هذا بهذه الأرض؟ جلاجل الحاج: الإفاضة، قال: فقيل لأبي مجلز، فقال: صدق.
ولما قدم عكرمة الجند أهدى له طاووس نجيباً بستين دينار، فقيل لطاووس: ما يصنع هذا العبد بنجيب بستين ديناراً؟ فقال: أتروني لا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاووس بستين ديناراً؟ قال ابن هبيرة: قدم علينا عكرمة، فكان يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم يحدثنا به عن غيره، قال: فأتينا شيخاً عندنا يقال له إسماعيل بن عبيد الأنصاري، قد كان سمع من ابن عباس، فذكرنا ذلك له، فقال: أنا أخبره لكم. قال: فأتاه فسأله عن أشياء ساءل عنها ابن عباس، فأخبره بها على مثل ما سمع. قال: فأتيناه، فسألناه، فقال: الرجل صدوق، ولكنه سمع من العلم فأكثر، وكلما سنح له طريق سلكه.
وعن أرطاة بن أبي أرطاة: أنه سمع عكرمة يحدث القوم، وفيهم سعيد بن جبير وغيره من أهل المدينة قال: إن للعلم ثمناً، فأعطوه ثمنه، قالوا: وما ثمنه يا أبا عبد الله؟ قال: ثمنه أن تضعه عند من يحسن حفظه ولا يضيعه.
كتب الحجاج بن يوسف إلى عثمان بن حيان: سل عكرمة مولى ابن عباس عن
يوم القيامة، أمن الدنيا هو أو من الآخرة؟ فسأله، فقال عكرمة: صدر ذلك اليوم من الدنيا، وآخره من الآخرة.
قال سليمان الأحول: لقيت عكرمة ومعه ابن له، فقلت له: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً، فقال: إنه يقال: إن أزهد الناس في عالم أهله.
قال أبو يزيد المدني: كان عكرمة إذا رأى السؤال يوم الجمعة سبّهم، فقلت له: ما تريد منهم؟ فقتل: كان ابن عباس يسبهم إذا رآهم، فقلت له كما قلت لي، فقال: إنهم لا يشهدون للمسلمين عيداً ولا جمعة إلا للمسألة والأذى، فإذا كانت رغبة الناس إلى الله عز وجل، كانت رغبتهم إلى الناس.
قال رجل لعكرمة: فلان يسبني في النوم، فقال: اضرب ظله ثمانين.
ومن حميد الطويل: أنه ذكر عند عكرمة أنه يكره للصائم الحجامة، قال: أفلا يكره له الخراءة؟.
سئل عكرمة عن الصلاة في ثوب واحد، قال: ما يحمله على أن يقيم أيره كأنه وتد في الصف؟.
وكان عكرمة ثقة.
قال يحيى بن معين: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام.
قال عثمان بن مرة: قلت للقاسم بن محمد: كيف ترى هذه الأوعية؟ فإن عكرمة يحدث عن ابن
عباس: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حرّم المقيّر والمزفّت والدّبّاء والحنتم والجرّ والحنتم والنّقير.
قال إبراهيم: لقيت عكرمة فسألته عن البطشة الكبرى، فقال: يوم القيامة. فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر. فأخبرني من سأله بعد ذلك، فقال: يوم بدر.
وعن ابن عمر أنه قال لنافع: اتق الله، ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، كما أحلّ الصرف واسلم ابنه صيرفياً.
وقيل: إن هذا القول إنما قاله سعيد بن المسيب لبرد مولاه.
ذكر أن رجلاً مشى بين سعيد بن المسيب وعكرمة في رجل نذر نذراً في معصية الله، فقال سعيد: توفي به، وقال عكرمة، لا يوفي به. فجاء الرجل إلى سعيد فأحبره بقول عكرمة، فقال سعيد لا ينتهي عبد ابن عباس حتى يلقى في عنقه حبل ويطاف به ". قال: فجاء الرجل إلى عكرمة فأخبره بقول سعيد! فقال عكرمة: أنت رجل سوء كما
أبلغتني عنه فأبلغه عني، قل له: هذا النذر لله عز وجل أم للشيطان؟ والله لئن قال: لله، يكذبن، وإن قال: إنه للشيطان، ليكفرن.
وفي رواية: ولئن قال: إنه لغير الله فما فيه وفاء.
قال عطاء الخراساني: قلت لابن المسيب: عكرمة يزعم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تزوج ميمونة وهو محرم؛ فقال: كذب مخبثان، اذهب إليه فسبّه، سأحدثك: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو محرم، فلما حلّ تزوجها.
وعن محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال: بعت تمراً من التمّارين سبعة أصع بدرهم، فصار لي عند رجل منهم، فوجدت عند بعضهم تمراً يبيعه أربعة أصع بدرهم، فسألت عكرمة فقال: لا بأس عليك، تأخذ أقل مما بعت، فلقيت سعيد بن المسيب فأخبرته بقول عكرمة، فقال: كذب عبد ابن عباس، مما يكال فلا تأخذ مما يكال إلى التمر، فقلت: فإن فضل لي عنده الكثير؟ قال: فأعطه أنت الكثير وخذ منه الدراهم.
قال: فرجعت، فإذا عكرمة يطلبني فقال: إن الذي قلت لك هو حلال هو حرام.
قال عبد الله بن عثمان بن جشم: سألت عكرمة أنا وعبد الله بن سعيد عن قوله: " والنخل باسقاتٍ لها طلعٌ نضيدٌ "، قال: بسوقها كبسوق النساء عند ولادتها.
قال: فرجعت إلى سعيد بن جبير، فذكرت ذلك له، فقال::ذب بسوقها، طولها.
وعن عكرمة: أنه كراء الأرض، فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: إن أمثل ما أنتم صانعون استئجار الأرض البيضاء سنة بسنة.
قال يزيد بن أبي زياد: دخلت على عليّ بن عبد الله بن عباس وعكرمة ومقيد على باب الخشن قال: قلت: ما لهذا هكذا؟ قال إنه يكذب على أبي قالوا: وكان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يؤخذ عنه.
وكان عكرمة يرى رأي الصفرية، وأخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لما قدم عليهم.
وقيل: إن عكرمة كان إباضياً.
قالوا: وكان يرى رأي نجدة الحروري.
وقيل: كان بيهسيّاً.
وطلبه بعض ولاة المدينة، فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
قيل لأيوب: إن عكرمة كان لا يحسن الصلاة، قال أيوب: وكان يصلي؟ قال خالد بن أبي عمران: كنا بالمغرب، وكان عندنا عكرمة مولى ابن عباس في وقت الموسم، فقال عكرمة: وددت أن بيدي حربة، فأعترض بها من شهد الموسم، قال خالد: فرفض الناس به.
مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد، فقال الناس: مات أفقه الناس وأشعر الناس. ولما ماتا ما شهدهما إلا سودان المدينة.
وفي حديث آخر: أتي بجنازتهما بعد العصر، قال: فما علمت أن أحداً من أهل المسجد حل حبوته إليهما.
وفي رواية: فما قام إليهما أحد من المسجد، ومن هناك لم يرو عنه مالك.
توفي عكرمة سنة أربع ومئة بالمدينة. وقيل: سنة خمس ومئة وهو ابن ثمانين سنة. وقيل: سنة سبع ومئة.
ولما اجتمعت جنازة عكرمة وجنازة كثير عزة عجب الناس لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به أنه يرى رأي الخوارج، ويكفّر بالنظرة، وكثير شيعي يؤمن بالرجعة.
وقيل: توفي سنة ستٍ ومئة. وقيل: توفي سنة خمس عشرة ومئة، وهو ابن أربع وثمانين. وقيل: إن عكرمة لم يبق إلى هذا الوقت.
علفة بن عقيل بن علّفة
ابن الحارث بن معاوية بن ضباب بن جابر المرّي شاعر ابن شاعر، من وجوه بني مرة بن ذبيان.
قال أبو عبيدة: كان