سَعْدُ بنُ مُعَاذِ بنِ النُّعْمَانِ بنِ امْرِئِ القَيْسِ الأَنْصَارِيُّ
ابْنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ.
السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ، الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ.
وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي السِّيْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) ، فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ.
نَقَلَ ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي عِيْسَى بنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ قُرَيْشاً سَمِعَتْ هَاتِفاً عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يَقُوْلُ:
فَإِنْ يَسْلَمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لاَ يَخْشَى خِلاَفَ المُخَالِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ؟ سَعْدُ بَكْرٍ، سَعْدُ تَمِيْمٍ؟
فَسَمِعُوا فِي اللَّيْلِ الهَاتِفَ يَقُوْلُ:
أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِراً ... وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الخَزْرَجِيْنَ الغَطَارِفِ
أَجِيْبَا إِلَى دَاعِي الهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِفَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ -وَاللهِ- سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَادَةَ.
أَسْلَمَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ.
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَسْلَمَ وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ:
يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ! كَيْفَ تَعْلَمُوْنَ أَمْرِي فِيْكُمْ؟
قَالُوا: سَيِّدُنَا فَضْلاً، وَأَيْمَنُنَا نَقِيْبَةً.
قَالَ: فَإِنَّ كَلاَمَكُم عَلَيَّ حَرَامٌ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
قَالَ: فَوَاللهِ مَا بَقِيَ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَأَسْلَمُوا.
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عمرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِراً، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ يَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ أُمَيَّةُ لَهُ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفِلَ النَّاسُ طُفْتَ.
فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوْفُ، إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَطُوْفُ آمِناً؟
قَالَ: أَنَا سَعْدٌ.
فَقَالَ: أَتَطُوْفُ آمِناً وَقَدْ آوَيْتُم مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَتَلاَحَيَا.
فَقَالَ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي.
فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَوْ مَنَعْتَنِي، لَقَطَعْتُ عَلَيْكَ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ.
قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُوْلُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ.
قَالَ: إِيَّايَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَكَادَ يُحْدِثُ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِيْنَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّداً يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي.قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا خَرَجُوا لِبَدْرٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوْكَ اليَثْرِبِيُّ.
فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الوَادِي، فَسِرْ مَعَنَا يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ.
فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَشَهِدَ بَدْراً سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَعَاشَ شَهْراً، ثُمَّ انْتُقِضَ جُرْحُهُ، فَمَاتَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بنِ سَهْلٍ:
أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأُمُّ سَعْدٍ مَعَهَا، فَعَبَرَ سَعْدٌ، عَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ يَرْفِلُ بِهَا، وَيَقُوْلُ:
لَبِّثْ قَلِيْلاً يَشْهدِ الهَيْجَا ... حَمَلْ
لاَ بَأْسَ بِالمَوْتِ ... إِذَا حَانَ الأَجَلْ
يَعْنِي: حَمَلَ بنَ بَدْرٍ.
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ أَخَّرْتَ.
فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ سَعْدٍ! لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ.
فُرُمِيَ سَعْدٌ بِسَهْمٍ قَطَعَ مِنْهُ الأَكْحَلَ، رَمَاهُ ابْنُ العَرِقَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ العَرِقَةِ.
فَقَالَ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي
لَهَا، فَإِنَّهُ لاَ قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُم فِيْكَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا نَبِيَّكَ وَكَذَّبُوْهُ وَأَخْرَجُوْهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْننَا وَبَيْنَهُم، فَاجْعَلْهَا لِي شِهَادَةً، وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
رَمَى سَعْداً رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، فَرَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُوْدَهُ مِنْ قَرِيْبٍ.
قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ كَلْمَهُ تَحَجَّرَ لِلْبُرْءِ.
قَالَتْ: فَدَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيْهَا.
فَانْفَجَرَ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُم إِلاَّ وَالدَّمُ يَسِيْلُ.
فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ! مَا هَذَا؟
فَإِذَا جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
رُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ
أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ.فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَاسْتَمْسَكَ عَرَقُهُ، فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُم، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُم، وَذَرَارِيْهِم.
قَالَ: وَكَانُوا أَرْبَعَ مَائَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ.
يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ: عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
جَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِ سَعْدٍ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ) مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ القَوْمُ.
ثُمَّ قَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ) ، فَكَبَّرُوا.
فَقَالَ: (عَجِبْتُ لِهَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ، شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِيْنَ فُرِّجَ لَهُ ) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ سَعْدٌ بَادِناً، فَلَمَّا حَمَلُوْهُ وَجَدُوا لَهُ خِفَّةً.
فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِيْنَ: وَاللهِ إِنْ كَانَ
لَبَادِناً، وَمَا حَمَلْنَا أَخَفَّ مِنْهُ.فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَتِ المَلاَئِكَةُ بِرُوْحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ ) .
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
خَرَجْتُ يَوْمَ الخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيْدَ الأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا سَعْدٌ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيْهِ الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، فَجَلَسْتُ.
فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ منْهُ أَطْرَافُهُ، وَكَانَ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِم، فَاقْتَحَمْتُ حَدِيْقَةً، فَإِذَا فِيْهَا نَفَرٌ فِيْهِم عُمَرُ.
فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللهِ إِنَّكِ لَجَرِيْئَةٌ! مَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُوْنَ بَلاَءٌ؟
فَمَا زَالَ يَلُوْمُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ اشْتَقَّتْ سَاعَتَئِذٍ، فَدَخَلْتُ فِيْهَا.
وَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ مِغْفَرٌ، فَيَرْفَعُهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ، فَقَالَ:
وَيْحَكَ! قَدْ أَكْثَرْتَ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ وَالفِرَارُ إِلاَّ إِلَى اللهِ؟
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَافِلِيْنَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَلْقَى غِلْمَانَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ مِنَ الأَنْصَارِ.
فَسَأَلَهُم أُسَيْدٌ، فَنَعَوْا لَهُ امْرَأَتَهُ، فَتَقَنَّعَ يَبْكِي.
قُلْتُ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَتَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ
لَكَ مِنَ السَّابِقَةِ مَا قَدَّمَ؟!فَقَالَ: لَيَحِقُّ لِي أَنْ لاَ أَبْكِيَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ مَا يَقُوْلُ.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا سَمِعْتَ؟
قَالَ: قَالَ: (لَقَدِ اهْتَزَّ العَرْشُ لِوَفَاةِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو المُتَوَكِّلِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ فَهُوَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) .
فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ، فَلَمْ تُفَارِقْهُ حَتَّى مَاتَ.
أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
رُمِيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى.
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ:
لَمَّا انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدٍ، عَجَّل إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَالدِّمَاءُ تَسِيْلُ عَلَيْهِ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: وَانْكِسَارَ ظَهْرَاهُ عَلَى سَعْدٍ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَهْلاً أَبَا بَكْرٍ) .
فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّا لِلِّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنْهُ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
حَضَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ يَمُوْتُ فِي القُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ.قَالَتْ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاء أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي، فَكَانَا كَمَا قَالَ اللهُ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} .
قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّه! كَيْفَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ؟
قَالَتْ: كَانَ لاَ تَدْمَعُ عَيْنُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:
لَمَّا قَضَى سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ رَجَعَ، انْفَجَرَ جُرْحُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ جَسِيْماً.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْداً قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيْلِكَ، وَصَدَّقَ رَسُوْلَكَ، وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، فَتَقَبَّلْ رُوْحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ رُوْحاً) .
فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ كَلاَمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ البَيْتِ: (اسْتَأْذَنَ اللهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ عَدَدُكُم فِي البَيْتِ لِيَشْهَدُوا وَفَاةَ سَعْدٍ) .
قَالَ: وَأُمُّهُ تَبْكِي، وَتَقُوْلُ:
وَيْلَ امِّكَ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا
فَقِيْلَ لَهَا: أَتَقُوْلِيْنَ الشِّعْرَ عَلَى سَعْدٍ؟
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعُوْهَا، فَغَيْرُهَا مِنَ الشُّعَرَاءِ أَكْذَبُ) .
هَذَا مُرْسَلٌ.
الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا مُعَاذُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مُسلمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:لَمَّا انْفَجَرَتْ يَدُ سَعْدٍ بِالدَّمِ، قَامَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَنَقَهُ، وَالدَّمُ يَنْفَحُ مِنْ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِحْيَتِهِ، حَتَّى قَضَى.
عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، قَالَ:
لَمَّا أُصِيْبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ، فَثَقُلَ، حَوَّلُوْهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، تُدَاوِي الجَرْحَى.
فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُوْلُ: (كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟) .
فَيُخْبِرُهُ، حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيْهَا، وَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَنَازِلِهِم.
وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ، فَقِيْلَ: انْطَلِقُوا بِهِ.
فَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَأَسْرَعَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوْعُ نِعَالِنَا، وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا.
فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَنَا إِلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، فَتُغَسِّلُهُ كَمَا غَسَّلَتْ حَنْظَلَةَ) .
فَانْتَهَى إِلَى البَيْتِ، وَهُوَ يُغَسَّلُ، وَأُمُّهُ تَبْكِيْهِ، وَتَقُوْلُ:
وَيْلَ امِّ سَعْدٍ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا
فَقَالَ: (كُلُّ بَاكِيَةٍ تَكْذِبُ، إِلاَّ أُمَّ سَعْدٍ) .
ثُمَّ خَرَجَ بِهِ.
قَالَ: يَقُوْلُ لَهُ القَوْمُ: مَا حَمَلْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ مَيتاً أَخَفَّ عَلَيْنَا مِنْهُ.
قَالَ: (مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَخِفَّ وَقَدْ هَبَطَ مِنَ المَلاَئِكَةِ كَذَا وَكَذَا، لَمْ يَهْبِطُوا قَطُّ قَبْلَ يَوْمِهِم، قَدْ حَمَلُوْهُ مَعَكُم ) .
شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ:
دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَكِيْدُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: (جَزَاكَ اللهُ خَيْراً مِنْ سَيِّدِ قَوْمٍ، فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَهُ، وَلَيُنْجِزَنَّكَ اللهُ مَا وَعَدَكَ ) .حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ:
أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ، فَجِيْءَ بِهِ مَحْمُوْلاً عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُضْنَىً مِنْ جُرْحِهِ.
فَقَالَ لَهُ: (أَشِرْ عَلَيَّ فِي هَؤُلاَءِ) .
قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيْهِم بِأَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ.
قَالَ: (أَجَلْ، وَلَكِنْ أَشِرْ) .
قَالَ: لَوْ وُلِّيْتُ أَمْرَهُم، لَقَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُم، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيْهِم.
فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَشَرْتَ عَلَيَّ فِيْهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللهُ بِهِ ) .
مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا حَكَمَ سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ المَوَاسِي :
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ حَكَمَ فِيْهِم بِحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْعِ
سَمَوَاتٍ ) .إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ:
لَمْ يَرْقَ دَمُ سَعْدٍ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَاعِدِهِ، فَارْتَفَعَ الدَّمُ إِلَى عَضُدِهِ، فَكَانَ سَعْدٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، فَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى اللَّحْدِ.
ثُمَّ قَالَ رُبَيْحٌ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةٍ، قَالَ:
أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ.
وَرَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ.
الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ:
كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَجُلاً أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، فَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ
الهِجْرَةِ، فَمَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ تِلْكَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ.ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحُصَيْنِ، عَنْ دَاوْدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ سَعْدٍ، نَزَلَ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ: الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ، وَأُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ، وَسَلمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بن وَقْشٍ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ.
فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَبَّحَ ثَلاَثاً، فَسَبَّحَ المُسْلِمُوْنَ حَتَّى ارْتَجَّ البَقِيْعُ، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثاً، وَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: (تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمُ القَبْرُ، وَضُمَّ ضَمَّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا هُوَ، ثُمَّ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ).
قُلْتُ: هَذِهِ الضَّمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ يَجِدُهُ المُؤْمِنُ، كَمَا يَجِدُ أَلَمَ فَقْدِ وَلَدِهِ وَحَمِيْمِهِ فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وَأَلَمِ خُرُوْجِ نَفْسِهِ، وَأَلَمِ سُؤَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَامْتِحَانِهِ، وَأَلَمِ تَأَثُّرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَلَمِ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَلَمِ المَوْقِفِ وَهَوْلِهِ، وَأَلَمِ الوُرُوْدِ عَلَى النَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الأَرَاجِيْفُ كُلُّهَا قَدْ تَنَالُ العَبْدَ، وَمَا هِيَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَلاَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم قَطُّ، وَلَكِنَّ العَبْدَ التَّقِيَّ يَرْفُقُ اللهُ بِهِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ كُلِّهِ، وَلاَ رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُوْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ.
قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ} ، وَقَالَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ، إِذِ القُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِرِ} .
فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- العَفْوَ وَاللُّطْفَ الخَفِيَّ، وَمَعَ هَذِهِ الهَزَّاتِ، فَسَعْدٌ مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ
مِنْ أَرْفَعِ الشُّهَدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.كَأَنَّكَ يَا هَذَا تَظُنُّ أَنَّ الفَائِزَ لاَ يَنَالُهُ هَوْلٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَلاَ رَوْعٌ، وَلاَ أَلَمٌ، وَلاَ خَوْفٌ، سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ سَعْدٍ.
شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا، نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ ) .
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ، لَنَجَا مِنْهَا سَعْدٌ ) .
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ وَاقِدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بنِ مَالكٍ - وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِم - فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.
قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ لَشَبِيْهٌ.
ثُمَّ بَكَى، فَأَكْثَرَ البُكَاءَ.
ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ سَعْداً، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَطْوَلِهِم، بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ جَيْشاً إِلَى أُكَيْدِر دُوْمَةَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةٍ مِنْ دِيْبَاجٍ مَنْسُوْجٍ فِيْهَا الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلُوا يَمْسَحُوْنَهَا وَيَنْظُرُوْنَ إِلَيْهَا.
فَقَالَ: (أَتَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذِهِ الجُبَّةِ؟) .
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا رَأَيْنَا
ثَوْباً قَطُّ أَحْسنَ مِنْهُ.قَالَ: (فَوَاللهِ لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ ) .
قِيْلَ: كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَأَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ ابْنَي خَالَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَعْدٍ بنِ مُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ.
وَقِيْلَ: آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَقَدْ تَوَاتَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ العَرْشَ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ فَرَحاً بِهِ) .
وَثَبَتَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حُلَّةٍ تَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهَا: (لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ ) .
وَقَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ).
ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ - وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ -: اهْتَزَّ: فَرِحَ.الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدٍ ) .
يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ رُمَيْثَةَ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ - وَلَو أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ قُرْبِي مِنْهُ لَفَعَلْتُ - وَهُوَ يَقُوْلُ: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لَهُ) .
أَيْ لِسَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.
إِسْنَادٌ صَالِحٌ.
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
جَاءَ جِبْرِيْلُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ؟ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ.
فَخَرجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا سَعْدٌ.
قَالَ: فَجَلَسَ عَلَى قَبْرِهِ ... الحَدِيْثُ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالدٍ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ، قَالَتْ:
لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلاَ يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ؟ فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللهُ إِلَيْهِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ) .
هَذَا مُرْسَلٌ.ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ، وَجِنَازَةُ سَعْدٍ بَيْنَ أَيْدِيْهِم: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) .
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجِنَازَةُ سَعْدٍ مَوْضُوْعَةٌ: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) .
جَمَاعَةٌ: عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً ) .
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ قُبِضَ سَعْدٌ مُعْتَجِراً بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ! مَنْ هَذَا المَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ؟!
فَقَامَ سَرِيْعاً يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إِلاَّ لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرِو
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - وَمِنْهُم مَنْ
أَرْسَلَهُ - قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ المَلاَئِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ) .
يَعْنِي: سَعْداً.
رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعُوْد، عَنْهُ.
أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ سَعِيْدِ المَقْبُرِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ لَنَجَا سَعْدٌ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلاَعُهُ مِنْ أَثَرِ البَوْلِ ) . هَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدٍ خُطُوَاتٍ، وَلَمْ يَصِحَّ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، وَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا.
قَالَ رُبَيْحٌ: فَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بَعْدُ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ.
وَرَوَى نَحْوَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا كَانَ
أَحَدٌ أَشَدَّ فَقْداً عَلَى المُسْلِمِيْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.لوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ:
كَانَ سَعْدٌ أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، عَاشَ سَبْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِرُوْحِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ ) .
وَرَوَى: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنِ الحَسَنِ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِوَفَاةِ سَعْدٍ ) .
ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً.
قَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي: السَّرِيْرَ.
وَقَرَأَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ} [يُوْسُفُ: 100] .
قَالَ: إِنَّمَا تَفَسَّحَتْ أَعْوَادُهُ.
قَالَ: وَدَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَهُ، فَاحْتُبِسَ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا حَبَسَكَ؟
قَالَ: (ضُمَّ سَعْدٌ فِي القَبْرِ ضَمَّةً، فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ).
قُلْتُ: تَفْسِيْرُهُ بِالسَّرِيْرِ مَا أَدْرِي أَهُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ؟ وَهَذَا تَأْوِيْلٌ لاَ يُفِيْدُ، فَقَدْ جَاءَ ثَابِتاً عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَعَرْشُ اللهِ، وَالعَرْشُ خَلْقٌ لِلِّهِ مُسَخَّرٌ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيْئَةِ اللهِ، وَجَعَلَ فِيْهِ شُعُوْراً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ -تَعَالَى- شُعُوْراً فِي جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.وَقَالَ تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سَبَأ: 10] .
وَقَالَ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ} [الإِسْرَاءُ: 44] .
ثُمَّ عَمَّمَ، فَقَالَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ، وَهَذَا حَقٌّ.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) قَوْلُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيْحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، سَبِيْلُهُ الإِيْمَانُ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ، فَهِيَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) .
فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
كَانَ لِسَعْدٍ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَمْرٌو، فَكَانَ لِعَمْرٍو تِسْعَةُ أَوْلاَدٍ.
ابْنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ الأَشْهَلِ.
السَّيِّدُ الكَبِيْرُ، الشَّهِيْدُ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الأَوْسِيُّ، الأَشْهَلِيُّ، البَدْرِيُّ، الَّذِي اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِهِ.
وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُوْرَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَفِي السِّيْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ أَوْرَدْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي (تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ) ، فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ.
نَقَلَ ابْنُ الكَلْبِيِّ، عَنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ بنِ أَبِي عِيْسَى بنِ جَبْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ قُرَيْشاً سَمِعَتْ هَاتِفاً عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يَقُوْلُ:
فَإِنْ يَسْلَمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لاَ يَخْشَى خِلاَفَ المُخَالِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ؟ سَعْدُ بَكْرٍ، سَعْدُ تَمِيْمٍ؟
فَسَمِعُوا فِي اللَّيْلِ الهَاتِفَ يَقُوْلُ:
أَيَا سَعْدُ سَعْدَ الأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِراً ... وَيَا سَعْدُ سَعْدَ الخَزْرَجِيْنَ الغَطَارِفِ
أَجِيْبَا إِلَى دَاعِي الهُدَى وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِفَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ -وَاللهِ- سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَسَعْدُ بنُ عُبَادَةَ.
أَسْلَمَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بنِ عُمَيْرٍ.
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَسْلَمَ وَقَفَ عَلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ:
يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ! كَيْفَ تَعْلَمُوْنَ أَمْرِي فِيْكُمْ؟
قَالُوا: سَيِّدُنَا فَضْلاً، وَأَيْمَنُنَا نَقِيْبَةً.
قَالَ: فَإِنَّ كَلاَمَكُم عَلَيَّ حَرَامٌ، رِجَالُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
قَالَ: فَوَاللهِ مَا بَقِيَ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَأَسْلَمُوا.
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عمرِو بنِ مَيْمُوْنٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
انْطَلَقَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِراً، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ يَمُرُّ بِالمَدِيْنَةِ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ أُمَيَّةُ لَهُ: انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفِلَ النَّاسُ طُفْتَ.
فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوْفُ، إِذْ أَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنِ الَّذِي يَطُوْفُ آمِناً؟
قَالَ: أَنَا سَعْدٌ.
فَقَالَ: أَتَطُوْفُ آمِناً وَقَدْ آوَيْتُم مُحَمَّداً وَأَصْحَابَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَتَلاَحَيَا.
فَقَالَ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الوَادِي.
فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللهِ لَوْ مَنَعْتَنِي، لَقَطَعْتُ عَلَيْكَ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ.
قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُوْلُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّداً -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ.
قَالَ: إِيَّايَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَكَادَ يُحْدِثُ، فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِيْنَ مَا قَالَ لِي أَخِي اليَثْرِبِيُّ، زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّداً يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي.قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا خَرَجُوا لِبَدْرٍ، قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوْكَ اليَثْرِبِيُّ.
فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الوَادِي، فَسِرْ مَعَنَا يَوْماً أَوْ يَوْمَيْنِ.
فَسَارَ مَعَهُمْ، فَقَتَلَهُ اللهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَشَهِدَ بَدْراً سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، فَعَاشَ شَهْراً، ثُمَّ انْتُقِضَ جُرْحُهُ، فَمَاتَ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللهِ بنِ سَهْلٍ:
أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، وَأُمُّ سَعْدٍ مَعَهَا، فَعَبَرَ سَعْدٌ، عَلَيْهِ دِرْعٌ مُقَلَّصَةٌ، قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ ذِرَاعُهُ كُلُّهَا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ يَرْفِلُ بِهَا، وَيَقُوْلُ:
لَبِّثْ قَلِيْلاً يَشْهدِ الهَيْجَا ... حَمَلْ
لاَ بَأْسَ بِالمَوْتِ ... إِذَا حَانَ الأَجَلْ
يَعْنِي: حَمَلَ بنَ بَدْرٍ.
فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ! قَدْ أَخَّرْتَ.
فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ سَعْدٍ! لَوَدِدْتُ أَنَّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمَّا هِيَ.
فُرُمِيَ سَعْدٌ بِسَهْمٍ قَطَعَ مِنْهُ الأَكْحَلَ، رَمَاهُ ابْنُ العَرِقَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُ، قَالَ: خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا ابْنُ العَرِقَةِ.
فَقَالَ: عَرَّقَ اللهُ وَجْهَكَ فِي النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئاً فَأَبْقِنِي
لَهَا، فَإِنَّهُ لاَ قَوْمَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُجَاهِدَهُم فِيْكَ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا نَبِيَّكَ وَكَذَّبُوْهُ وَأَخْرَجُوْهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْننَا وَبَيْنَهُم، فَاجْعَلْهَا لِي شِهَادَةً، وَلاَ تُمِتْنِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.هِشَامٌ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
رَمَى سَعْداً رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، فَرَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُوْدَهُ مِنْ قَرِيْبٍ.
قَالَتْ: ثُمَّ إِنَّ كَلْمَهُ تَحَجَّرَ لِلْبُرْءِ.
قَالَتْ: فَدَعَا سَعْدٌ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ: وَإِنْ كُنْتَ قَدْ وَضَعْتَ الحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُم فَافْجُرْهَا، وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيْهَا.
فَانْفَجَرَ مِنْ لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُم إِلاَّ وَالدَّمُ يَسِيْلُ.
فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الخَيْمَةِ! مَا هَذَا؟
فَإِذَا جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
رُمِيَ سَعْدٌ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَتَرَكَهُ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ
أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ.فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تُخْرِجْ نَفْسِي حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَاسْتَمْسَكَ عَرَقُهُ، فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَكَمَ أَنْ يُقْتَلَ رِجَالُهُم، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُم، وَذَرَارِيْهِم.
قَالَ: وَكَانُوا أَرْبَعَ مَائَةٍ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِم انْفَتَقَ عِرْقُهُ.
يَزِيْدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الهَادِ: عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
جَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرِ سَعْدٍ وَهُوَ يُدْفَنُ، فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللهِ) مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ القَوْمُ.
ثُمَّ قَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ) ، فَكَبَّرُوا.
فَقَالَ: (عَجِبْتُ لِهَذَا العَبْدِ الصَّالِحِ، شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ حَتَّى كَانَ هَذَا حِيْنَ فُرِّجَ لَهُ ) .
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ، عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ سَعْدٌ بَادِناً، فَلَمَّا حَمَلُوْهُ وَجَدُوا لَهُ خِفَّةً.
فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِيْنَ: وَاللهِ إِنْ كَانَ
لَبَادِناً، وَمَا حَمَلْنَا أَخَفَّ مِنْهُ.فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُم، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدِ اسْتَبْشَرَتِ المَلاَئِكَةُ بِرُوْحِ سَعْدٍ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ ) .
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
خَرَجْتُ يَوْمَ الخَنْدَقِ أَقْفُو آثَارَ النَّاسِ، فَسَمِعْتُ وَئِيْدَ الأَرْضِ وَرَائِي، فَإِذَا سَعْدٌ وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيْهِ الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ يَحْمِلُ مِجَنَّهُ، فَجَلَسْتُ.
فَمَرَّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ قَدْ خَرَجَتْ منْهُ أَطْرَافُهُ، وَكَانَ مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ وَأَعْظَمِهِم، فَاقْتَحَمْتُ حَدِيْقَةً، فَإِذَا فِيْهَا نَفَرٌ فِيْهِم عُمَرُ.
فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكِ؟ وَاللهِ إِنَّكِ لَجَرِيْئَةٌ! مَا يُؤْمِنُكِ أَنْ يَكُوْنَ بَلاَءٌ؟
فَمَا زَالَ يَلُوْمُنِي حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنَّ الأَرْضَ اشْتَقَّتْ سَاعَتَئِذٍ، فَدَخَلْتُ فِيْهَا.
وَإِذَا رَجُلٌ عَلَيْهِ مِغْفَرٌ، فَيَرْفَعُهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ طَلْحَةُ، فَقَالَ:
وَيْحَكَ! قَدْ أَكْثَرْتَ، وَأَيْنَ التَّحَوُّزُ وَالفِرَارُ إِلاَّ إِلَى اللهِ؟
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَافِلِيْنَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَلْقَى غِلْمَانَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ مِنَ الأَنْصَارِ.
فَسَأَلَهُم أُسَيْدٌ، فَنَعَوْا لَهُ امْرَأَتَهُ، فَتَقَنَّعَ يَبْكِي.
قُلْتُ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَتَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَدَّمَ اللهُ
لَكَ مِنَ السَّابِقَةِ مَا قَدَّمَ؟!فَقَالَ: لَيَحِقُّ لِي أَنْ لاَ أَبْكِيَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ مَا يَقُوْلُ.
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا سَمِعْتَ؟
قَالَ: قَالَ: (لَقَدِ اهْتَزَّ العَرْشُ لِوَفَاةِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ ) .
إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو المُتَوَكِّلِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ فَهُوَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) .
فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ، فَلَمْ تُفَارِقْهُ حَتَّى مَاتَ.
أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
رُمِيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ، فَنَزَفَهُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى.
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيْلَ، قَالَ:
لَمَّا انْفَجَرَ جُرْحُ سَعْدٍ، عَجَّل إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْنَدَهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَالدِّمَاءُ تَسِيْلُ عَلَيْهِ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: وَانْكِسَارَ ظَهْرَاهُ عَلَى سَعْدٍ.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَهْلاً أَبَا بَكْرٍ) .
فَجَاءَ عُمَرُ، فَقَالَ: إِنَّا لِلِّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
رَوَاهُ: شُعْبَةُ، عَنْهُ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
حَضَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ يَمُوْتُ فِي القُبَّةِ الَّتِي ضَرَبَهَا عَلَيْهِ
رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ.قَالَتْ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَعْرِفُ بُكَاء أَبِي بَكْرٍ مِنْ بُكَاءِ عُمَرَ، وَإِنِّي لَفِي حُجْرَتِي، فَكَانَا كَمَا قَالَ اللهُ: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُم} .
قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقُلْتُ: أَيْ أُمَّه! كَيْفَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ؟
قَالَتْ: كَانَ لاَ تَدْمَعُ عَيْنُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَجَدَ، فَإِنَّمَا هُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ.
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:
لَمَّا قَضَى سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ رَجَعَ، انْفَجَرَ جُرْحُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسُجِّيَ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَكَانَ رَجُلاً أَبْيَضَ جَسِيْماً.
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللَّهُمَّ إِنَّ سَعْداً قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيْلِكَ، وَصَدَّقَ رَسُوْلَكَ، وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ، فَتَقَبَّلْ رُوْحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقَبَّلْتَ بِهِ رُوْحاً) .
فَلَمَّا سَمِعَ سَعْدٌ كَلاَمَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَحَ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ! إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُوْلُ اللهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ البَيْتِ: (اسْتَأْذَنَ اللهُ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ عَدَدُكُم فِي البَيْتِ لِيَشْهَدُوا وَفَاةَ سَعْدٍ) .
قَالَ: وَأُمُّهُ تَبْكِي، وَتَقُوْلُ:
وَيْلَ امِّكَ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا
فَقِيْلَ لَهَا: أَتَقُوْلِيْنَ الشِّعْرَ عَلَى سَعْدٍ؟
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعُوْهَا، فَغَيْرُهَا مِنَ الشُّعَرَاءِ أَكْذَبُ) .
هَذَا مُرْسَلٌ.
الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا مُعَاذُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مُسلمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:لَمَّا انْفَجَرَتْ يَدُ سَعْدٍ بِالدَّمِ، قَامَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَنَقَهُ، وَالدَّمُ يَنْفَحُ مِنْ وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِحْيَتِهِ، حَتَّى قَضَى.
عَاصِمُ بنُ عُمَرَ: عَنْ مَحْمُوْدِ بنِ لَبِيْدٍ، قَالَ:
لَمَّا أُصِيْبَ أَكْحَلُ سَعْدٍ، فَثَقُلَ، حَوَّلُوْهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، تُدَاوِي الجَرْحَى.
فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِهِ يَقُوْلُ: (كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟) .
فَيُخْبِرُهُ، حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيْهَا، وَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَنَازِلِهِم.
وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ، فَقِيْلَ: انْطَلِقُوا بِهِ.
فَخَرَجَ، وَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَأَسْرَعَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ شُسُوْعُ نِعَالِنَا، وَسَقَطَتْ أَرْدِيَتُنَا.
فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَسْبِقَنَا إِلَيْهِ المَلاَئِكَةُ، فَتُغَسِّلُهُ كَمَا غَسَّلَتْ حَنْظَلَةَ) .
فَانْتَهَى إِلَى البَيْتِ، وَهُوَ يُغَسَّلُ، وَأُمُّهُ تَبْكِيْهِ، وَتَقُوْلُ:
وَيْلَ امِّ سَعْدٍ سَعْدَا ... حزَامَةً وَجِدَّا
فَقَالَ: (كُلُّ بَاكِيَةٍ تَكْذِبُ، إِلاَّ أُمَّ سَعْدٍ) .
ثُمَّ خَرَجَ بِهِ.
قَالَ: يَقُوْلُ لَهُ القَوْمُ: مَا حَمَلْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ مَيتاً أَخَفَّ عَلَيْنَا مِنْهُ.
قَالَ: (مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَخِفَّ وَقَدْ هَبَطَ مِنَ المَلاَئِكَةِ كَذَا وَكَذَا، لَمْ يَهْبِطُوا قَطُّ قَبْلَ يَوْمِهِم، قَدْ حَمَلُوْهُ مَعَكُم ) .
شُعْبَةُ: عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ عَبْدَ الله بنَ شَدَّادٍ يَقُوْلُ:
دَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَكِيْدُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: (جَزَاكَ اللهُ خَيْراً مِنْ سَيِّدِ قَوْمٍ، فَقَدْ أَنْجَزْتَ مَا وَعَدْتَهُ، وَلَيُنْجِزَنَّكَ اللهُ مَا وَعَدَكَ ) .حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ:
أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدٍ، فَجِيْءَ بِهِ مَحْمُوْلاً عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ مُضْنَىً مِنْ جُرْحِهِ.
فَقَالَ لَهُ: (أَشِرْ عَلَيَّ فِي هَؤُلاَءِ) .
قَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيْهِم بِأَمْرٍ أَنْتَ فَاعِلُهُ.
قَالَ: (أَجَلْ، وَلَكِنْ أَشِرْ) .
قَالَ: لَوْ وُلِّيْتُ أَمْرَهُم، لَقَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُم، وَسَبَيْتُ ذَرَارِيْهِم.
فَقَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ أَشَرْتَ عَلَيَّ فِيْهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللهُ بِهِ ) .
مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ التَّمَّارُ: عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا حَكَمَ سَعْدٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ المَوَاسِي :
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَقَدْ حَكَمَ فِيْهِم بِحُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ مِنْ فَوْق سَبْعِ
سَمَوَاتٍ ) .إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، قَالَ:
لَمْ يَرْقَ دَمُ سَعْدٍ حَتَّى أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَاعِدِهِ، فَارْتَفَعَ الدَّمُ إِلَى عَضُدِهِ، فَكَانَ سَعْدٌ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْنِي حَتَّى تَشْفِيَنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، فَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى اللَّحْدِ.
ثُمَّ قَالَ رُبَيْحٌ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةٍ، قَالَ:
أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ.
وَرَوَاهَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ.
الوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ:
كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَجُلاً أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، فَرُمِيَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ
الهِجْرَةِ، فَمَاتَ مِنْ رَمْيَتِهِ تِلْكَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ.ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحُصَيْنِ، عَنْ دَاوْدَ بنِ الحُصَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِ سَعْدٍ، نَزَلَ فِيْهِ أَرْبَعَةٌ: الحَارِثُ بنُ أَوْسٍ، وَأُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ، وَسَلمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بن وَقْشٍ، وَرَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ.
فَلَمَّا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَبَّحَ ثَلاَثاً، فَسَبَّحَ المُسْلِمُوْنَ حَتَّى ارْتَجَّ البَقِيْعُ، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثاً، وَكَبَّرَ المُسْلِمُوْنَ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: (تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمُ القَبْرُ، وَضُمَّ ضَمَّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا هُوَ، ثُمَّ فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ).
قُلْتُ: هَذِهِ الضَّمَّةُ لَيْسَتْ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فِي شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ يَجِدُهُ المُؤْمِنُ، كَمَا يَجِدُ أَلَمَ فَقْدِ وَلَدِهِ وَحَمِيْمِهِ فِي الدُّنْيَا، وَكَمَا يَجِدُ مِنْ أَلَمِ مَرَضِهِ، وَأَلَمِ خُرُوْجِ نَفْسِهِ، وَأَلَمِ سُؤَالِهِ فِي قَبْرِهِ وَامْتِحَانِهِ، وَأَلَمِ تَأَثُّرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَأَلَمِ قِيَامِهِ مِنْ قَبْرِهِ، وَأَلَمِ المَوْقِفِ وَهَوْلِهِ، وَأَلَمِ الوُرُوْدِ عَلَى النَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الأَرَاجِيْفُ كُلُّهَا قَدْ تَنَالُ العَبْدَ، وَمَا هِيَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَلاَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم قَطُّ، وَلَكِنَّ العَبْدَ التَّقِيَّ يَرْفُقُ اللهُ بِهِ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ كُلِّهِ، وَلاَ رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُوْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ.
قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَأَنْذِرْهُم يَوْمَ الحَسْرَةِ} ، وَقَالَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ، إِذِ القُلُوْبُ لَدَى الحَنَاجِرِ} .
فَنَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- العَفْوَ وَاللُّطْفَ الخَفِيَّ، وَمَعَ هَذِهِ الهَزَّاتِ، فَسَعْدٌ مِمَّنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَأَنَّهُ
مِنْ أَرْفَعِ الشُّهَدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.كَأَنَّكَ يَا هَذَا تَظُنُّ أَنَّ الفَائِزَ لاَ يَنَالُهُ هَوْلٌ فِي الدَّارَيْنِ، وَلاَ رَوْعٌ، وَلاَ أَلَمٌ، وَلاَ خَوْفٌ، سَلْ رَبَّكَ العَافِيَةَ، وَأَنْ يَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ سَعْدٍ.
شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً، وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِياً مِنْهَا، نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ ) .
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ القَبْرِ، لَنَجَا مِنْهَا سَعْدٌ ) .
يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ وَاقِدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بنِ مَالكٍ - وَكَانَ وَاقِدٌ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ وَأَطْوَلِهِم - فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: أَنَا وَاقِدُ بنُ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.
قَالَ: إِنَّكَ بِسَعْدٍ لَشَبِيْهٌ.
ثُمَّ بَكَى، فَأَكْثَرَ البُكَاءَ.
ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ سَعْداً، كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ، وَأَطْوَلِهِم، بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ جَيْشاً إِلَى أُكَيْدِر دُوْمَةَ، فَبَعَثَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةٍ مِنْ دِيْبَاجٍ مَنْسُوْجٍ فِيْهَا الذَّهَبُ، فَلَبِسَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلُوا يَمْسَحُوْنَهَا وَيَنْظُرُوْنَ إِلَيْهَا.
فَقَالَ: (أَتَعْجَبُوْنَ مِنْ هَذِهِ الجُبَّةِ؟) .
قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا رَأَيْنَا
ثَوْباً قَطُّ أَحْسنَ مِنْهُ.قَالَ: (فَوَاللهِ لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِمَّا تَرَوْنَ ) .
قِيْلَ: كَانَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ، وَأَسَعْدُ بنُ زُرَارَةَ ابْنَي خَالَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَعْدٍ بنِ مُعَاذٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ.
وَقِيْلَ: آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
وَقَدْ تَوَاتَرَ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ العَرْشَ اهْتَزَّ لِمَوْتِ سَعْدٍ فَرَحاً بِهِ) .
وَثَبَتَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حُلَّةٍ تَعَجَّبُوا مِنْ حُسْنِهَا: (لَمَنَادِيْلُ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ ) .
وَقَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ).
ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ - وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ -: اهْتَزَّ: فَرِحَ.الأَعْمَشُ: عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعاً: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدٍ ) .
يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ رُمَيْثَةَ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ - وَلَو أَشَاءُ أَنْ أُقَبِّلَ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ قُرْبِي مِنْهُ لَفَعَلْتُ - وَهُوَ يَقُوْلُ: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لَهُ) .
أَيْ لِسَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.
إِسْنَادٌ صَالِحٌ.
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيْقِ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
جَاءَ جِبْرِيْلُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ؟ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ.
فَخَرجَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا سَعْدٌ.
قَالَ: فَجَلَسَ عَلَى قَبْرِهِ ... الحَدِيْثُ.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالدٍ: عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ، قَالَتْ:
لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلاَ يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ؟ فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللهُ إِلَيْهِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ) .
هَذَا مُرْسَلٌ.ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ، وَجِنَازَةُ سَعْدٍ بَيْنَ أَيْدِيْهِم: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) .
ابْنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجِنَازَةُ سَعْدٍ مَوْضُوْعَةٌ: (اهْتَزَّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) .
جَمَاعَةٌ: عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً ) .
يُوْنُسُ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُعَاذِ بنِ رِفَاعَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي: أَنَّ جِبْرِيْلَ أَتَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ قُبِضَ سَعْدٌ مُعْتَجِراً بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ! مَنْ هَذَا المَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَاهْتَزَّ لَهُ العَرْشُ؟!
فَقَامَ سَرِيْعاً يَجُرُّ ثَوْبَهُ إِلَى سَعْدٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَعْضِ آلِ سَعْدٍ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ:
وَمَا اهْتَزَّ عَرْشُ اللهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إِلاَّ لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرِو
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - وَمِنْهُم مَنْ
أَرْسَلَهُ - قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هَذَا العَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ العَرْشُ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَشَهِدَهُ سَبْعُوْنَ أَلْفاً مِنَ المَلاَئِكَةِ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ) .
يَعْنِي: سَعْداً.
رَوَاهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعُوْد، عَنْهُ.
أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ سَعِيْدِ المَقْبُرِيِّ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ القَبْرِ لَنَجَا سَعْدٌ، وَلَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلاَعُهُ مِنْ أَثَرِ البَوْلِ ) . هَذَا مُنْقَطِعٌ.
وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدٍ خُطُوَاتٍ، وَلَمْ يَصِحَّ.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رُبَيْحِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ مِمَّنْ حَفَرَ لِسَعْدٍ قَبْرَهُ بِالبَقِيْعِ، وَكَانَ يَفُوْحُ عَلَيْنَا المِسْكُ كُلَّمَا حَفَرْنَا.
قَالَ رُبَيْحٌ: فَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ:
أَخَذَ إِنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ تُرَابِ قَبْرِ سَعْدٍ، فَذَهَبَ بِهَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بَعْدُ، فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ.
وَرَوَى نَحْوَهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيْلَ بنِ حَسَنَةَ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا كَانَ
أَحَدٌ أَشَدَّ فَقْداً عَلَى المُسْلِمِيْنَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ.لوَاقِدِيُّ: أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ بنُ جَبِيْرَةَ، عَنِ الحُصَيْنِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ، قَالَ:
كَانَ سَعْدٌ أَبْيَضَ، طُوَالاً، جَمِيْلاً، حَسَنَ الوَجْهِ، أَعْيَنَ، حَسَنَ اللِّحْيَةِ، عَاشَ سَبْعاً وَثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ العَرْشُ لِرُوْحِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ ) .
وَرَوَى: سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنِ الحَسَنِ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِوَفَاةِ سَعْدٍ ) .
ابْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
اهْتَزَّ العَرْشُ لِحُبِّ لِقَاءِ اللهِ سَعْداً.
قَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي: السَّرِيْرَ.
وَقَرَأَ: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ} [يُوْسُفُ: 100] .
قَالَ: إِنَّمَا تَفَسَّحَتْ أَعْوَادُهُ.
قَالَ: وَدَخَلَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَهُ، فَاحْتُبِسَ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! مَا حَبَسَكَ؟
قَالَ: (ضُمَّ سَعْدٌ فِي القَبْرِ ضَمَّةً، فَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ).
قُلْتُ: تَفْسِيْرُهُ بِالسَّرِيْرِ مَا أَدْرِي أَهُوَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ؟ وَهَذَا تَأْوِيْلٌ لاَ يُفِيْدُ، فَقَدْ جَاءَ ثَابِتاً عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَعَرْشُ اللهِ، وَالعَرْشُ خَلْقٌ لِلِّهِ مُسَخَّرٌ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيْئَةِ اللهِ، وَجَعَلَ فِيْهِ شُعُوْراً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ -تَعَالَى- شُعُوْراً فِي جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.وَقَالَ تَعَالَى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سَبَأ: 10] .
وَقَالَ: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ} [الإِسْرَاءُ: 44] .
ثُمَّ عَمَّمَ، فَقَالَ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ، وَهَذَا حَقٌّ.
وَفِي (صَحِيْحِ البُخَارِيِّ) قَوْلُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيْحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، سَبِيْلُهُ الإِيْمَانُ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُسلمٍ العَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي المُتَوَكِّلِ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الحُمَّى، فَقَالَ: (مَنْ كَانَتْ بِهِ، فَهِيَ حَظُّهُ مِنَ النَّارِ) .
فَسَأَلَهَا سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ رَبَّهُ، فَلَزِمَتْهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
كَانَ لِسَعْدٍ مِنَ الوَلَدِ: عَبْدُ اللهِ، وَعَمْرٌو، فَكَانَ لِعَمْرٍو تِسْعَةُ أَوْلاَدٍ.