Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=133433#86bc1c
سلم الخاسر الشاعر :
يقال إنه مولى أبي بكر الصديق ويقال بل مولى المهدي. وهو: سلم بن عمرو بن حماد بن عطاء بن ياسر، نسبه هكذا أحمد بن أبي طاهر وقال غيره: هو سلم بن عمرو بن عطاء بن زبان. بصري قدم بغداد، ومدح المهدي، والهادي، والبرامكة.
وكان علي طريقة غير مرضية من المجون، والتظاهر بالخلاعة والفسوق، ثم تقرأ، ومكث مدة يسيرة على حال جميلة، فرقت حاله فاغتم لذلك، ورجع إلى شر مما كان عليه، وباع مصحفا كان له واشترى بثمنه دفترا فيه شعر، فشاع خبره في الناس، وسموه سلما الخاسر لذلك، وكان من الشعراء المطبوعين المحببين، وقيل بل سمي سلما الخاسر لأنه ملك مالا كثيرا فأتلفه في معاشرة الأدباء والفتيان، والله أعلم.
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري، أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الشَّاهِدُ. قَالَ:
قَالَ مُحَمَّد بْن داود بْن الجراح، حدّثني إسحاق بن محمّد النّخعيّ، حدثني أبو عبد الله محمد بن عمرو الجماز قال: سلم الخاسر ابن عمي لحا وأنا ورثته، وهو سلم بن عمرو بن عطاء بن زبان. وأخبرنا محمد بن عمرو بن عطاء بن زبَّان الحميري ونحن صلبية من حمير، ثم سبينا في الردة وأعتقنا أبو بكر الصديق، فنحن مواليه وهو أحب من نسبي في حمير.
أَخْبَرَنَا أبو طاهر عبد الواحد بن الحسين الحذّاء، أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدّل، حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ، حدّثني أبي، حدّثنا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي، حدّثنا أبو بكر العبدي، حَدَّثَنِي أبي عن يحيى بن المبارك اليزيدي قال: إنما قيل له سلم الخاسر لأنه ورث من أبيه مائة ألف درهم، وأصاب من مدائح الملوك مائة ألف درهم، فأنفقها كلها على الأدب وأهله.
أخبرنا الجوهريّ، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر. قال: قال محمّد بن داود الجرّاح: حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه، حَدَّثَنِي أحمد بن المبارك بن خالد بن
مخلد السروي الجواني قال: حَدَّثَنِي الجواني الهاشمي قال: حَدَّثَنِي أبي قال: كان سلم الخاسر غلام بشار، قال: فقال لي بشار: يا أبا مخلد ما فعلت بغلام قط إلا بسلم، وإنما أردت أن أقصر من درايته، فإنه قد شعر جدا، فلهذا فعلت. وكان سلم قد كسب مالا منه مائة ألف درهم، وألف درهم بقوله في قصيدته التي يمدح المهدي:
حضر الرحيل وشدت الأحداج ... وحدا بهن مشمر مزعاج
ويقول فيها:
شربت بمكة في ذرى بطحائها ... ماء النبوة ليس فيه مزاج
وكان المهدي أعطى ابن أبي حفصة مائة ألف درهم بقصيدته:
طرقتك زائرة فحي خيالها
فأراد أن ينقص سلما من هذه الجائزة، فحلف سلم أن لا يأخذ إلا مائة ألف درهم، وألف درهم، وقال تطرح القصيدتان إلى أهل العلم حتى يخبروا بتقدم قصيدتي، فأنفذ له المهدي مائة ألف درهم وألف درهم. فكان هذا من أصل ماله، وكان ينتمي إلى ولاء بني تيم بن مرة من قريش، فلما بلغ زمان الرشيد قال قصيدته التي فيها:
قل للمنازل بالكثيب الأعفر ... أسقيت غادية السحاب الممطر
قد بايع الثقلان مهدي الهدى ... لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
فحشت زبيدة فاه درا فباعه بعشرين ألف دينار، وهذا حين بايع الرشيد لمحمد بن زبيدة، ومات سلم في أيام الرشيد وقد اجتمع عنده من المال قيمة ستة وثلاثين ألف دينار، فأودعها أبا السمراء الغساني، فبقيت عنده فإن إبراهيم الموصلي يوما لعند الرشيد وغناه فأطربه، فقال: يا إبراهيم سل ما شئت؟ قال: نعم! يا سيدي أسأل شيئا لا يرزؤك، قال: ما هو؟ قال: مات سلم وليس له وارث، وخلف ستة وثلاثين ألف دينار عند أبي السمراء الغساني تأمره أن يدفعها إلي، فبعث إليه أن يدفعها إليه فدفعها، وكان الجماز بعد ذلك قدم هو وأبوه يطالبان بميراث سلم بأنهما من قرابته.
أَخْبَرَنَا عبد الواحد بن الحسين الحذّاء، أخبرنا إسماعيل بن سعيد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر ابْن الأنباري قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، حدّثنا الحسن بن عبد الرّحمن الربعي، حدّثنا محمّد
ابن موسى الحنفي، عن أبي كعب الخزاعي قال: رثى سلم الخاسر المهدي بقصيدة، فوعده الرشيد عليها بمائة ألف درهم فأبطأت عليه فكتب إلى الرشيد:
أرى المائة ألفا صادقا قد وعدتها ... لمرثية المهدي غير كثير
ولو غير هارون يجود بوعدها ... لما عجت من موعوده بنقير
شبية أبيه في السماحة والندى ... فإن قال لم يأخذ بحبل غرور
أَخْبَرَنَا الجوهريّ، أَخْبَرَنَا طلحة بن محمد قال: قال محمد بن داود: حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه، حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بن يحيى قال: حَدَّثَنِي أحمد بن صالح المؤدب- وكان أحد العلماء- قال: أَخْبَرَنِي جماعة من أهل الأدب أن بشارا غضب على سلم الخاسر، وكان من تلامذته ورواته، فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فأتوه فقالوا: جئناك في حاجة، فقال: يعني كل حاجة لكم مقضية إلا سلما، قالوا: ما جئناك إلا في سلم ولا بد من أن ترضى عنه، قال: فأين هو؟ قالوا: ها هو ذا.
فقام سلم يقبل رأسه ويديه وقال: يا أبا معاذ خريجك وأديبك، فقال بشار، فمن الذي يقول؟:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
قال: أنت يا أبا معاذ- جعلني الله فداك- قال: فمن الذي يقول؟:
من راقب الناس مات هما ... وفاز باللذة الجسور
قال: خريجك يقول ذلك، قال: فتأخذ معاني التي قد عنيت بها، وتعبت فيها وفي استنباطها فتكسوها ألفاظا أخف من ألفاظي، حتى يروى ما تقول ويذهب شعري، لا أرضى عنك أبدا، فما زال يتضرع إليه، ويشفع له القوم، حتى رضي عنه.
قال محمد بن داود: أنشدني الجماز. قال: أنشدني سلم الخاسر لنفسه: أبيات سلم هذه وهي من جيد أشعار سلم وأملحه:
بان شبابي فيما يحور ... وطال من ليلي القصير
أهدى لي الشوق وهو خلو ... أغن في طرفه فتور
وقائل حين شب وجدي ... واشتعل المضمر الستير
لو شئت أسلاك عن هواه ... قلب لأشجانه ذكور
فقلت لا تعجلن بلومي ... فإنما ينبئ الخبير
عذبني والهوى صغير ... فكيف لي والهوى كبير
من راقب الناس مات هما ... وفاز باللذة الجسور
أخبرني عليّ بن أيّوب القمي، أخبرنا محمّد بن عمران المرزبانيّ، حَدَّثَنَا ابن دريد قال: أَخْبَرَنَا الحسن بن جعفر قال: قال أبو معاذ النميري راوية بشار: لما قال بشار هذا البيت كان يلهج به كثيرا وينشده:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
قلت: يا أبا معاذ قد قال سلم الخاسر بيتا في هذا المعنى وهو أخف من هذا وأنشدته:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
فقال: ذهب والله بيتي، والله لا أكلت اليوم شيئا، ولا صمت.