Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=82119#95d3eb
مروان بن الحكم بن أبي العاص
ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الملك، ويقال: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم، الأموي ولد في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان كاتباً لعثمان بن عفان في خلافته، وولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، ثم بويع له بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد بن معاوية بالجابية، وكان الضحاك بن قيس قد غلب على دمشق وتابع بها لابن الزبير، ثم دعا إلى نفسه، فقصده مروان وواقفه بمرج راهط، فقتل الضحاك، وغلب مروان على دمشق؛ وأمه أم عثمان، واسمها آمنة بنت علقمة بن صفوان.
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن الحديبية في بضع عشرة ومئة من الصحابة، حتى إذا كان بذي الخليفة قلد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عيناً
من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بغدير الأشطاط قريباً من عسفان أتاه عينه الخزاعي فقال له: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعاً هم قاتلوك أو مقاتلوك وصادوك عن البيت، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أشيروا علي، أترون أننميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم ونسبيهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن ينجوا يكن عنقاً قطعها الله، أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ ". قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله، إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فروحوا إذن ".
قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين " فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا كان بفترة الجيش - قال عبد الرزاق: القترة: الغبار - فانطلق يرتكض نذيراً لقريش.
وسار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته، فقال الناس: خل خل، فألحت، فقالوا: خلات القصواء، خلات القصواء. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما خلات القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل " ثم قال: " والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ". ثم زجروها فوثبت به.
قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، إنما يتبرضه الناس
تبرضاً، فلم يلبث الناس أن نزحوه. فشكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العطش، فنزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه. قال: فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبينما هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه بني خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا بحذاء مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهتكم الحرب وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين البيت، فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم عن أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره ". فقال بديل: سأبلغهم ما تقول.
فانطلق حتى أتى قريشاً فقال: إنا جئناكم من عند هذا الرجل فسمعناه يقول قولاً، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم ما قال النببي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى قال: هل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته. فقالوا: إيته.
فأتاه، فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحواً من قوله لبديل. فقال عروة: أي محمد، أرأيت إن استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى، فوالله إني لأرى وجوهاً وأرى أوباشاً من الناس خلقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك.
قال: فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكلما كلمه بكلمة أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب يده بنعل السيف، فقال: أخر يدك عن لحية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. قال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك.
فقال: وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء ".
ثم إن عروة جعل يرمق صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعينيه. قال: فوالله ما تنخم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له.
فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، فإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
فقال رجل من كنانة: دعوني آته. فقالوا: إيته. فلما أشرف على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها إليه، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فرجع إلى أصحابه فقال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت.
فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: إيته؛ فلما أشرف عليهم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هذا مكرز، وهذا رجل فاجر " فجاءه، فجعل يكلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة، أنه لما جاء سهيل قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد سهل لكم من أمركم ".
قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتاباً؛ فدعي الكاتب، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اكتب باسمك اللهم " ثم قال: " هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ". فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله ".
قال الزهري: وذلك لقوله: " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ".
فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ". فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل؛ فكتب. فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان الله، كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟. فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين. فقال سهيل: هذا - يا محمد - أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نقض الكتاب بعد ". قال: فوالله إنا لا نصالحك إذاً على شيء أبداً. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأجره لي ". قال: ما أنا بمجيره لك. قال: " بلى فافعل ". قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجرناه لك. قال أبو جندل: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟ - وقد عذب عذاباً شديداً في الله - فقال عمر بن الخطاب: والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، ألست نبي الله؟ قال: " بلى ". قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: " بلى ". قال: قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: " إني
رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ". قلت: ألست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: " بلى "، قال: " أوأخبرتك أنك تأتيه العام؟ " قلت: لا. قال: " فإنك آتيه ومطوف به ". قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول الله، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزة حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا نأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً.
قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله: " قوموا فانحروا، ثم احلقوا ". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس. قالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج: ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج، فلم يكلم أحداً منهم كلمة حتى فعل ذلك، فنحر بدنه، ودعا حالقه فحلق، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً، ثم جاءه نسوة مؤمنات، فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات " حتى بلغ " بعضهم الكوافر "، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانت له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية.
ثم رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير، رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلىالرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة، فجعلا يأكلان من تمر لهم، فقال أبو نصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيداً؛ فاستله الآخر فقال: أجل، إنه لجيد، والله جربت به ثم جربت به؛ فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه؛ فأمكنه منه فضربه به حتى برد، وفر الآخر حتى بلغ المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رآه: " لقد رأى هذا أمراً ". فلما انتهى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول.
قال: فجاءه أبو بصير فقال: يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويل أمة مسعر حرب لو كان له أحد " فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر.
قال: وتفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فحلق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى تجمعت منهم عصابة.
قال: فوالله ما يسمعون بعير يخرج لقريش إلى الشام إلا اعترضوها فقتلوهم وأخذوا أموالهم؛ فأرسلت قريش إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأل بالله وبالرحم لما أرسل إليهم، فمن أتاه منهم فهو آمن. فأرسل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فأنزل الله عز وجل: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم " حتى بلغ " حمية الجاهلية " وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحاولوا بينه وبين البيت.
روى عن زيد بن ثابت، قال: شكوت إلىالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرقاً أصابني، فقال: " قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدي لي ليلتيي وأنم عيني " فقلتها، فأذهب الله عني ما كنت أجد.
عن سهل بن سعد الساعدي، قال: رأيت مروان بن الحكم في المسجد جالساً، فأقبلت حتى جلست إليه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أملى عليه " لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " فجاء ابن مكتوم وهو يمليها، فقال: والله يا رسول الله لو أستطيع أجاهد لجاهدت. فأنزل الله - وفخذه على فخذه فثقلت حتى هبت أن ترض فخذي، ثم سري عنه - " " غير أولي الضرر ".
قال ابن يونس: قدم مصر سنة سبع وثلاثين لغزو المغرب مع معاوية بن حديج، وقدمها أيضاً
بعدما بويع له بالخلافة في الشام في جمادى الأولى سنة خمس وستين، وخرج منها في رجب سنة خمس وستين أيضاً، وتوفي بعد ذلك بالشام في شهر رمضان سنة خمس وستين.
قال الواقدي: رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يحفظ عنه شيئاً، وتوفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثمان سنين.
وقال أيضاً: الحكم بن أبي العاص أسلم في الفتح، وقدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فطرده من المدينة، فنزل الطائف حتى قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع إلى المدينة فمات بها في خلافة عثمان رضي الله عنه. فصلى عليه، وضرب على قبره فسطاطاً.
عن أبي الحاكم، قال: رأى غير واحد من الأئمة ترك الاحتجاج بحديثه لما روي عنه بشأن طلحة بن عبيد الله.
وذكر سعيد بن كثير بن عفير: أنه كان قصيراً أحمر أوقص.
عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: لما انهزم الناس بالبصرة يوم الجمل كان علي بن أبي طالب يسأل عن مروان بن الحكم، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر السؤال عن مروان بن الحكم. فقال: تعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش.
عن قبيصة بن جابر، عن معاوية؛ أنه قال لما سأله: من ترى لهذا الأمر بعدك؟: وأما القارىء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله مروان بن الحكم.
قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: مروان بن الحكم كان عنده قضاء، وكان يتبع قضاء عمر.
عن إسحاق بن أبي بردة، قال: قال لي مروان بن الحكم ولقيني فقال: يا ابن أبي موسى، أيثبت أن الجد لا ينزل عندكم بمنزلة الأب إذا لم يكن أب؟ قال: قلت: نعم. قال: لم لا تغيرون؟ قال: قلت: لو كنت أنت لم تقدر تغير. قال: فقال: أشهد على عثمان أنه شهد على أبي بكر أنه جعل الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن أب.
عن شريح بن عبيد، قال: كان مروان بن الحكم إذا ذكر الاسلام قال: " من الطويل "
بنعمة ربي لا بما قدمت يدي ... ولا ببراتي إنني كنت خاطئا
عن سالم وهو النضر؛ أن مروان شهد جنازة، فلما صلى انصرف. قال أبو هريرة: أصاب قيراطاً وحرم قيراطاً. فأخبر بذلك، فأقبل يجري قد بدت ركبتاه، فقعد حتى أذن له.
عن عياش بن عباس، قال: حدثني من حضر ابن البياع - يعني عروة بن شييم بن البياع الليثي - يومئذ - يعني يوم الدار - يبارز مروان بن الحكم، فكأني أنظر إلى قبائه قد أدخل طرفيه في منطقته، وتحت القباء الدرع، فضرب مروان على قفاه ضربة قطع علابي رقبته ووقع لوجهه، فأرادوا أن يدففوا عليه فقيل: أتبضعون اللحم؟ فترك.
وعن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، قال: قال لي أبي بعد الدار وهو يذكر مروان بن الحكم: عباد الله، والله لقد ضربت رقبته، فما أحسبه إلا قد مات، ولكن المرأة أحفظتني، قالت: ما تصنع بلحمه أن تبضعه؟ فأخذني الحفاظ فتركته.
عن هارون بن حاتم، عن أبي بكر بن عياش، قال:
ثم حج بالناس مروان بن الحكم سنة ثلاث وأربعين، ثم حج بالناس مروان بن الحكم سنة أربع وخمسين، ثم حج بالناس سنة خمس وخمسين.
حدث مالك؛ أن مروان بن الحكم كان إذا ولي المدينة فقدمها، جلس في ثيابه التي قدم فيها مكانه، ثم يدعو بأهل السجن، فيقطع من يقطع، ويضرب من حل عليه الضرب، ويصلب من حل عليه الصلب، فإذا فرغ رجع إلى منزله.
عن أبي يحيى، قال: كنت بين الحسن بن علي والحسين ومروان بن الحكم، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهى الحسين، حتى قال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون. قال: فغضب الحسن وقال: ويلك، قلت: أهل بيت ملعونون؟ فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت في صلبه.
عن عائشة بنت سعد: أن مروان بن الحكم كان يعود سعد بن أبي وقاص، وعنده أبو هريرة وهو يومئذ قاض لمروان بن الحكم، فقال سعد: ردوه. فقال أبو هريرة: سبحان الله، كهل قريش وأمير البلد. جاء يعودك فكان حق ممشاه إليك أن ترده؟ فقال سعد: أئذنوا له، فلما دخل مروان وأبصره سعد تحول بوجهه عنه نحو سرير ابنته عائشة، فأرعد سعد وقال: ويلك يا مروان، أنه طاعتك - يعني أهل الشام - عن شتم علي بن أبي طالب. فغضب مروان، فقام وخرج مغضباً.
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعاً في حجرة عائشة، رافعاً عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج عليه مروان فقال: تصلي عند قبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فقال: إني أحبه. فقال له قولاً قبيحاً ثم أدبر؛ فانصرف أسامة ثم قال: يا مروان، إنك قد آذيتني، وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن الله يبغض الفاحش المتفحش، وإنك فاحش متفحش.
عن داود بن أبي صالح، قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فقال: أدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ".
عن طارق بن شهاب. قال: أول من أخر الخطبة مروان، فقام إليه رجل فقال: يا مروان خالفت خالف الله بك. قال: يا فلان أترك ما هنالك. فقام أبو سعيد الخدري فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من رأى منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".
عن عمر مولى أم سلمة؛ أن مروان خطب إلى أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم عمر، فقالت أم سلمى: إني لم أكن لأنكحك ما دمت أميراً - وكان أميراً على المدينة - فلما أمر سعيد بن العاص على المدينة وصرف مروان قالت أم سلمة: الآن أنكحك، فإن خير أيامك الأيام التي لا تكون فيها أميراً، فأنكحت أم عمر من مروان.
عن بعض أهل المدينة، قال: وجد مروان على مولاه خيانة، قال: تخونني؟ قال: إي والله أخونك وأنت تخون معاوية.
عن ابن موهب؛ أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان فكلمه في حاجة، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فوالله إن مؤونتي لعظيمة، وإني أبو عشرة وعم عشرة وأخو
عشرة؛ فلما أدبر مروان وابن عباس جالس مع معاوية على السرير، فقال معاوية: أشهد بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين اتخذوا مال الله بينهم دولاً، وعباد الله خولاً، وكتاب الله دغلاً، فإذا بلغوا ستة وتسعين وأربعمئة كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة "؟ قال ابن عباس: اللهم نعم.
وذكر حاجة لي فرد مروان عبد الملك إلى معاوية وكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك بالله يا ابن عباس أما تعلم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر هذا وقال: " أبو الجبابرة الأربعة "؟ قال ابن عباس: اللهم نعم.
عن عوانة، قال: قدم مروان الجابية على حسان بن مالك بن بحدل في بني أمية، فقال له حسان أتيتني بنفسك إذ أبيت أن آتيك! والله لأجالدن عنك في قبائل اليمن أو أسلمها إليك. فبايع حسان وأهل الأردن لمروان على أن لا يبايع مروان إلا لخالد بن يزيد، وله إمرة حمص، ولعمرو بن سعيد وله إمرة دمشق؛ وكانت بيعة مروان بالجابية يوم الاثنين للنصف من ذي الفعدة سنة أربع وستين.
قال الليث: بويع مروان في ذي القعدة في الجابية، وذلك بعد يزيد بن معاوية بثمانية أشهر، لأن يزيد مات للنصف من ربيع الأول في هذه السنة - يعني سنة أربع وستين - وفيها كنت وقعة راهط في ذي الحجة، بعد الأضحى بليلتين.
قال خليفة: حدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده، وأبو اليقظان وغيرهما، قالوا: قدم ابن زياد الشام وقد بايع أهل الشام مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية،
وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان، وكان من بني أمية، فبايع ابن زياد ومن كان هناك من بني أمية ومواليهم لمروان بن الحكم ومن بعده لخالد بن يزيد بن معاوية، وذلك للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين، ثم ساروا إلى الضحاك الفهري، فالتقوا بمرج راهط فاقتتلوا عشرين يوماً، ثم كانت الهزيمة على الضحاك بن قيس وأصحابه، وذلك في آخر ذي الحجة سنة أربع وستين، فقتل الضحاك وناس كثير من قيس.
عن محمد بن سعد، قال: قالوا: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومروان بن الحكم ابن ثمان سنين، فلم يزل مع أبيه بالمدينة حتى مات أبوها لحكم بن أبي العاص في خلافة عثمان بن عفان، وكان كاتباً له، وأمر له عثمان بأموال، وكان يتأول في ذلك صلة قرابته، وكان الناس ينقمون على عثمان تقريبه مروان وطاعته له، ويرون أن كثيراً مما ينسب إلى عثمان لم يأمر به وأن ذلك عن رأي مروان دون عثمان؛ فكان الناس قد شنفوا لعثمان لما كان يصنع بمروان ويقربه، وكان مروان يحمله على أصحابه وعلى الناس ويبلغه ما يتكلمون به فيه ويتهددونه به، ويريه أنه يتقرب بذلك إليه.
وكان عثمان رجلاً كريماً حيياً سليماً، فكان يصدقه في بعض ضلك ويرد عليه بعضاً؛ وينازع مروان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه، فيرده عن ذلك ويزبره.
فلما حضر عثمان كان مروان يقاتل دونه أشد قتال؛ وأرادت عائشة الحج وعثمان محصور. فأتاها مروان وزيد بنثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص فقالوا: يا أم المؤمنين لو أقمت، فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور، ومقامك مما يدفع الله به عنه. فقالت: قد حليت ظهري وعريتغرائزي، ولست أقدر على المقام. فأعادوا عليها الكلام، فأعادت عليهم مثل ما قالت لهم، فقام مروان وهو يقول: " من المتقارب "
وحرق قيس علي البلا ... د حتى استعرت أجذما
فقالت عائشة: أيها المتمثل علي بالأشعار، وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحى وأنكما في البحر. وخرجت إلى مكة.
قالوا: فلما قتل عثمان وصار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج معهم مروان بن الحكم، فقاتل يومئذ أيضاً قتالاً شديداً، فلما رأى انكشاف الناس نظر إلى طلحة بن عبيد الله واقفاً فقال: والله إن دم عثمان إلا عند هذا، هو كان أشد الناس عليه، وما أطلب أثراً بعد عين. ففوق له بسهم فرماه به فقتله، وقاتل مروان أيضاً حتى ارتث، فحمل إلى بيت امرأة من عنزة، فداووه وقاموا عليه، فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم.
وانهزم أصحاب الجمل، وتوارى مروان حتى أخذ الأمان له من علي بن أبي طالب، فأمنه، فقال مروان: ما تقر بي نفسي حتى آتيه فأبايعه، فأتاه فبايعه، ثم انصرف مروان إلى المدينة فلم يزل بها حتى ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة، فولى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنتين وأربعين، ثم عزله وولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية، ومروان يومئذ معزول عن المدينة. ثم ولى يزيد بعد الوليد بن عتبة المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان؛ فلما وثب أهل المدينة أيام الحرة أخرجوا عثمان بن محمد وبني أمية من المدينة، فأجلوهم عنها إلى الشام وفيهم مروان بن الحكم، وأخذوا عليهم الأيمان ألا يرجعوا إليهم، وإن قدروا أن يردوا هذا الجيش الذي قد وجه إليهم مع مسلم بن عقبة المري أن يفعلوا.
فلما استقبلوا مسلم بن عقبة سلموا عليه، وجعل يسائلهم عن المدينة وأهلها، فجعل مروان يخبره ويحرضه عليهم، فقال مسلم: ما ترون؟ تمضون إلى أمير المؤمنين، أو ترجعون معي؟ قالوا: بل نمضي إلى أمير المؤمنين. وقال مروان من بينهم: أما أنا فأرجع معك؛ فرجع معه مؤازراً له، معيناً له على أمره حتى ظفر بأهل المدينة، وقتلوا، وانتهبت المدينة ثلاثاً.
وكتب مسلم بن عقبة بذلك إلى يزيد بن معاوية وقد كان عقد لابنه معاوية بن يزيد بالعهد بعده، فبايع له الناس، وأتته بيعة الآفاق إلا ما كان من ابن الزبير وأهل مكة، فولى ثلاثة أشهر، فكان يأمر الضحاك بن قيس الفهري يصلي بالناس بدمشق، فلما ثقل معاوية بن يزيد قيل له: لو عهدت إلى رجل عهداً واستخلفت خليفة. فقال: والله ما نفعتني حياً فأتقلدها ميتاً؟ وإن كان خيراً فقد استكثر منه آل أبي سفيان، لا تذهب بنو أمية بحلاوتها وأتقلد مرارتها، والله لا يسألني الله عن ذلك أبداً، ولكن إذا مت فليصل علي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وليصل بالناس الضحاك بن قيس حتى يختار الناس لأنفسهم ويقوم بالخلافة قائم.
فلما مات صلى عليه الوليد، وقام بأمر الناس الضحاك بن قيس، فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان على قبره، وقال: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: معاوية بن يزيد. فقال: هذا أبو ليلى، فقال أزنم الفزاري: " من البسيط "
إني أرى فتناً تغلي مراجلها ... والملك بعد أبي ليلى غلبا
واختلف الناس بالشام، فكان أول من خالف من أمراء الأجناد ودعا إلى ابن الزبير النعمان بن بشير بحمص، وزفر بن الحارث بقنسرين. ثم دعا الضحاك بن قيس بدمشق الناس سراً، ثم دعا الناس إلى بيعة ابن الزبير فأتوه، فلما علم مروان ذلك خرج يريد ابن الزبير بمكة ليبايع له ويأخذ منه أماناً لبني أمية، وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص، فلما كانوا بأذرعات وهي مدينة البثينة لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلاً من العراق، فقال
لمروان: أين تريد؟ فأخبره. فقال: سبحان الله، أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأني خبيب وأنت سيد بني عبد مناف! والله لأنت أولى بها منه. فقال مروان: فما الرأي؟ قال: أن ترجع وتدعو إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشاً ومواليها، ولا يخالفك منهم أحد. فقال عمرو بن سعيد: صدق عبيد الله، إنك لجذم قريش وشيخها وسيدها، وما ينظر الناس إلا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاويد، فتزوج أمه فيكون في حجرك، وادع إلى نفسك، فأنا أكفيك اليمانية فإنهم لا يخالفونني - وكان مطاعاً عندهم - على أن تبايع لي من بعدك. قال: نعم.
فرجع مروان وعمرو بن سعيد ومن معهما، وقدم عبيد الله بن زياد دمشق يوم الجمعة، فدخل المسجد فصلى، ثم خرج فنزل باب الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك بن قيس كل يوم فيسلم عليه ثم يرجع إلى منزله؛ فقال له يواً: يا أبا أنيس، العجب لك وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزبير وتدع نفسك، وأنت أرضى عند الناس منه، فادع إلى نفسك. فدعا إلى نفسه ثلاثة أيام. فقال له الناس: أخذت بيعتنا وعهودنا لرجل ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث أحدثه! فلما رأى ذلك عاد إلى الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس وغير قلوبهم عليه، فقال عبيد الله بن زياد ومكر به؛ من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، يبرز ويجمع إليه الخيل، فأخرج عن دمشق واضمم إليك الأجناد.
فخرج الضحاك فنزل المرج، وبقي عبيد الله بدمشق، ومروان وبنو أمية بتدمر، وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند خالهما حسان بن مالك بن بحدل، فكتب عبيد الله إلى مروان أن ادع الناس إلى بيعتك، واكتب إلى حسان بن مالك فليأتك، فإنه لن يردك عن بيعتك، ثم سر إلى الضحاك فقد أصحر لك.
فدعا مروان بني أمية ومواليهم فبايعوه، وتزوج أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، وكتب إلى حسان بن مالك بن بحدل يدعوه أن يبايع له ويقدم عليه، فأبى، فأسقط في يدي مروان، فأرسل إلى عبيد الله، فكتب إليه عبيد الله أن اخرج إليه فيمن معك من بني أمية.
فخرج إليه مروان وبنو أمية جميعاً معه وهو بالجابية، والناس بها مختلفون، فدعاه إلى البيعة فقال حسان: والله لئن بايعتم مروان ليحسدنكم علاقة سوط وشراك نعل وظل شجرة، إن مروان وآل مروان أهل بيت من قيس - يريد أن مروان أبو عشرة وأخو عشرة - فإن بايعتم له كنتم عبيداً لهم، فأطيعوني وبايعوا خالد بن يزيد. فقال روح بن زنباع: بايعوا الكبير واستشبوا الصغير. فقال حسان بن مالك لخالد: يا ابن أختي هواي فيك وقد أباك الناس للحداثة، ومروان أحب إليهم منك ومن ابن الزبير. قال: بل عجزت. قال: كلا.
فبايع حسان وأهل الأردن لمروان على أن لا يبايع مروان لأحد إلا لخالد بن يزيد، ولخالد إمرة حمص، ولعمرو بن سعيد إمرة دمشق. فكانت بيعة مروان بالجابية يوم الاثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين. وبايع عبيد الله بن زياد لمروان بن الحكم أهل دمشق، وكتب بذلك إلى مروان، فقال مروان: إن يرد الله أن يتمم لي خلافة لا يمنعنيها أحد من خلقه. فقال حسان بن مالك: صدقت.
وسار مروان من الجابية في ستة آلاف حتى نزل مرج راهط، ثم لحق به من أصحابه من أهل دمشق وغيرهم من الأجناد سبعة آلاف، فكان في ثلاثة عشر ألفاً أكثرهم رجالة، ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقاً، أربعون منهم لعباد بن زياد، وأربعون لسائر الناس.
وكان على ميمنة مروان عبيد الله بن زياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد. وكتب الضحاك بن قيس إلى أمراء الأجناد فتوافوا عنده بالمرج، فكان في ثلاثين ألفاً، وأقاموا عشرين يوماً يلتقون في كل يوم فيقتتلون حتى قتل الضحاك بن قيس، وقتل معه من قيس بشر كثير.
فلما قتل الضحاك بن قيس وانهزم الناس، رجع مروان ومن معه إلى دمشق، وبعث عماله إلى الأجناد، وبايع له أهل الشام جميعاً، وكان مروان قد أطمع خالد بن يزيد بن معاوية ف بعض الأمر، ثم بدا له، فعقد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز ابني مروان بالخلافة بعده.
فأراد أن يضع من خالد بن يزيد ويقصر به ويزهد الناس فيه، وكان إذا دخل عليه أجلسه معه إلى سريره، فدخل عليه يوماً فذهب ليجلس مجلسه الذي كان يجلسه، فقال له مروان وزبره: تنح يا ابن رطبة الاست، والله ما وجدت لك عقلاً. فانصرف خالد وقتئذ مغضباً حتى دخل على أمه فقال: فضحتني، وقصرت بي، ونكست برأسي، ووضعت أمري. قالت: وما ذاك؟ قال: تزوجت هذا الرجل فصنع بي كذا وكذا؛ ثم أخبرها بما قال له، فقالت: لا يسمع هذا منك أحد، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك، وادخل عليه كما كنت تدخل، واطو هذا الأمر حتى ترى عاقبته، فإني سأكفيكه وأنتصر لك منه.
فسكت خالد وخرج إلى منزله، وأقبل مروان فدخل على أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة وهي امرأته، فقال لها: ما قال لك خالد، وما قلت له اليوم، وما حدثك به عني؟ فقالت: ما حدثني بشيء ولا قال لي. فقال: ألم يشكني إليك، ويذكر تقصيري به، وما كلمته به؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أجل في عين خالد، وهو أشد لك تعظيماً من أن يحكي عنك شيئاً، أو يجد من شيء تقوله، وإنما أنت بمنزلة الوالد له. فانكسر مروان، وظن أن الأمر على ما حكت له، وأنها قد صدقت.
ومكث حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة، فنام عندها، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها يغممنه حتى مات. ثم قامت فشقت عليه جيبها، وأمرت جواريها وخدمها فشققن وصحن عليه وقلن: مات أمير المؤمنين فجأة. وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين. وكان مروان يومئذ ابن أربع وستين سنة، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد بعد ذلك ثمانية أشهر، ويقال: ستة أشهر.
وقد قال علي بن أبي طالب له يوماً ونظر إليه: ليحملن راية الضلال بعدما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة الكلب أنفه.
وبايع أهل الشام بعده لعبد الملك بن مروان، فكانت الشام ومصر في يد عبد الملك
كما كانتا في يد أبيه، وكانت العراق والحجاز في يد ابن الزبير، وكانت الفتنة بينهما سبع سنين، ثم قتل ابن ابزبير بمكة يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، واستقام الأمر لعبد الملك بن مروان بعده.
وكان مروان قد روى عن عمر بن الخطاب: من وهب هبة لصلة رحم فإنه لا يرجع فيها.
وروى أيضاً عن عثمان وزيد بن ثابت ويسرة بنت صفوان، وروى مروان عن سهل بن سعد الساعدي.
وكان مروان في ولايته على المدينة يجمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستشيرهم ويعمل بما يجمعون له عليه، فجمع الصيعان فغاير بينهما حتى أخذ أعدلهما، فأمر أن يكال به، فقيل: صاع مروان، وليست بصاع مروان إنما هي صاع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن مروان غاير بينها حتى قام الكيل على أعدلها.
عن ابن وهب، قال: سمعت مالكاً يحدث أن مروان بن الحكم تذكر يوماً فقال: قرأت كتاب الله مذ أربعين سنة ثم أصبحت فيما أنا فيه من هراق الدماء وهذا الشأن.
عن حرب بن زياد، قال: كان نقش خاتم مروان بن الحكم: آمنت بالعزيز الرحيم.
وعن بعض أهل العلم، قال: كان آخر ما تكلم به مروان بن الحكم: وجبت الجنة لمن خاف النار. وكان نقش خاتمه: العزة لله.
عن أبي هريرة: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " رأيت في النوم بني الحكم - أو بني العاص - ينزون على منبري كما تنزو الفردة ". قال: فما رؤي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن سعيد بنالمسيب، قال: رأى النبي عليه السلام بني أمية على منابرهم، فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: إنما هي دنيا أعطوها؛ فقرت عينه، وهي قوله: " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس " أي بلاء للناس.
عن عمرو بن مرة - وكانت له صحبة - قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعرف كلامه فقال: " ائذنوا له، حية - أو ولد حية - عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنون، وقليل ماهم، يشرفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعظمون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق ".
قال المصنف: هذا الإسناد فيه من يجهل حاله.
عن عبد الله بن عمرو، قال: كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: " ليدخلن عليكم رجل لعين " فوالله ما زلت وجلاً أتشوف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان - يعني الحكم -.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا حدث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء قال هكذا - يكلح وجهه - فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت كذا ". فما زال يختلج حتى مات.
عن الشعبي عن عبد الله بن الزبير أنه قال وهو على المنبر: ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام أن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عائشة أم المؤمنين، قالت: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجرته، فسمع حساً فاستنكره، فذهبوا فنظروا، فإذا الحكم كان يطلع على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلعنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما في صلبه، ونفاه.
فأما ما روى في تفسير الشجرة الملعونة أنها بنو أمية فلم يصح.
عن سعيد بن عامر، قال: قضى عمر بن عبد العزيز بقضية، فقال له رجل: خالفت جدك. ففزع فقال: أي جد؟ فقال: مروان. قال: فما التفت إليه، وكان توهمه عمر بن الخطاب.
عن ابن شهاب، قال: اجتمع مروان وابن الزبير يوماً عند عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجلسا في حجرتها، وعائشة في بيتها، وبينهم الحجاب، فساءلا عائشة وحدثتهما، فقال مروان: " من الطويل "
من يشأ الله يخفضه بقدرته ... وليس لمن لم يرفع الله رافع
فقال ابن الزبير:
فوض إلى الله الأمور إذا غرت ... وبالله لا بالأقربين تدافع
فقال مروان:
داو ضمير القلب بالبر والتقى ... لا يستوي قلبان قاس وخاشع
فقال ابن الزبير:
لا يستوي عبدان عبد مصلم ... عتل لأرحام الأقارب قاطع
فقال مروان:
وعبد تجافي جنبه عن فراشه ... يبيت يناجي ربه وهو راكع
فقال ابن الزبير:
وللخير أهل يعرفون بشكلهم ... تشير إليهم بالفجور الأصابع
فسكت ابن الزبير فلم يجب مروان بشيء، فقالت عائشة: يا عبد الله، ما له لم تجب صاحبك؟ والله ما سمعت تجاول رجلين تجاولاً في نحو ما تجاولتما فيه أعجب إلي مجاولة منكما. قال ابن الزبير: إني خفت عوار القول وتخففت. قالت عائشة: إن لمروان في الشعر إرثاً ليس لك.
وأنشد لمروان: " من الكامل "
يا عين جودي بالدموع الذارية ... جودي فلا زلت غروبك باكيه
وأبكي على خير البرية كلها ... فلقد أتتك مع الحوادث داهيه
بكر النعي مع الصباح بقوله ... ينعي ربيع المسلمين معاويه
فاستك مني السمع حين نعاه لي ... جزعاً عليه واستطير فؤاديه
فأحببته أن لا حييت مسلماً ... ماذا تقوا اليوم أمك غاويه
من المهبات وللأرامل بعده ... عند القحوط وللعتاة الطاغيه
أينالندى يبكيه والحلم الذي ... شمخت بذروته الفروع الساميه
عن عبد العزيز بن مروان، قال: أوصاني مروان قال: لا تجعل لداعي الله عليك حجة، وإذا وعدت ميعاداً فانزل عنده ولو ضربت به على حد السيف، وإذا رأيت أمراً فاستشر فيه أهل العلم بالله عز وجل وأهل مودتك، فأما أهل العلم فيهديهم الله إن شاء، وأما أهل مودتك فلا يسألونك نصيحة.
عن أبي معشر، قال: ثم بايع أهل الشام مروان بن الحكم - يعني سنة أربع وستين - فعاش تسعة أشهر ثم مات.
وقال: كان لمروان بن الحكم يوم مات إحدى وثمانون سنة.
قال ابن أبي السري: ومات بدمشق وهو ابن ثلاث وستين، وصلى عليه ابنه عبد الملك، وكان قصيراً أحمر الوجه، أوقص، دقيق العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يلقب خيط باطل.
وذكر سعيد بن كثير بن عفير؛ أن مروان مات حين انصرف من مصر بالصنبرة، ويقال: بلد. وقد قيل: إنه مات بدمشق منصرفه من مصر، ودفن بباب الجابية وباب الصغير.