أحمد بن منصور، أبو بكر الرمادي، قال الذّهبي في "التّذهيب" و"الكاشف" و"التّاريخ": الحافظ، توفي سنة (265).
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ
هُوَ: الإِمَامُ حَقّاً، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ صِدْقاً، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَيَّانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ عَوْفِ بنِ قَاسِطِ بنِ مَازِنِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَكْرِ وَائِلٍ الذُّهْلِيُّ، الشَّيْبَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ.هَكَذَا سَاقَ نَسَبَه: وَلَدُهُ عَبْدُ اللهِ، وَاعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) :
حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ أَبِي نَسَبَهُ، فَسَاقَهُ إِلَى مَازِنٍ - كَمَا مَرَّ - ثُمَّ قَالَ: ابْنُ هُذَيْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ، كَذَا قَالَ: هُذَيْلٌ - وَهُوَ وَهْمٌ - وَزَادَ بَعْدَ وَائِلٍ: ابْنِ قَاسِطِ بنِ هِنْبِ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ جَدِيْلَةَ بنِ أَسَدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ بنِ أُدِّ بنِ أُدَدَ بنِ الهُمَيْسَعِ بنِ نَبْتِ بنِ قَيْذَارِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، فَذَكَرَ النَّسَبَ، فَقَالَ فِيْهِ: ذُهْلٌ عَلَى الصَّوَابِ.
وَهَكَذَا نَقَلَ: إِسْحَاقُ الغَسِيْلِيُّ، عَنْ صَالِحٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ
مِنْ بَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ، فَوَهْمٌ، غَلَّطَهُمَا الخَطِيْبُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ.ثُمَّ قَالَ: وَذُهْلُ بنُ ثَعْلَبَةَ هُم عَمُّ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيْهِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ الذُّهْلِيُّ، عَلَى الإِطْلاَقِ.
وَقَدْ نَسَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ إِلَيْهِمَا مَعاً.
وَأَمَّا ابْنُ مَاكُوْلاَ، فَمَعَ بَصَرِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَهِمَ أَيْضاً.
وَقَالَ فِي نَسَبِهِ: مَازِنُ بنُ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وَمَا تَابَعَهُ عَلَى هَذَا أَحَدٌ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَالِدُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَجْنَادِ مَرْوَ، مَاتَ شَابّاً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَرُبِّيَ أَحْمَدُ يَتِيماً، وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ.
فَقَالَ صَالِحٌ، قَالَ لِي أَبِي: وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ صَالِحٌ: جِيْءَ بِأَبِي حَمَلٌ مِنْ مَرْوَ، فَمَاتَ أَبُوْهُ شَابّاً، فَوَلِيَتْهُ أُمُّهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
طَلَبتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعْتُ بِمَوتِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ وَأَنَا فِي مَجْلِسِ هُشَيْمٍ.
قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: ثَقَبَتْ أُمِّي أُذُنَيَّ، فَكَانَتْ تُصَيِّرُ فِيْهِمَا لُؤْلُؤَتَيْنِ، فَلَمَّا تَرَعْرَعْتُ، نَزَعتُهُمَا، فَكَانَتْ عِنْدَهَا، ثُمَّ دَفَعَتْهُمَا إِلَيَّ، فَبِعتُهُمَا بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
شُيُوْخُهُ:طَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فِي العَامِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ مَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ.
فَسَمِعَ مِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ قَلِيْلاً.
وَمِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ.
وَمِنْ: عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ الهِلاَلِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ النَّجَّارِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَقُرَّانِ بنِ تَمَّامٍ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَجَابِرِ بنِ نُوْحٍ الحِمَّانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ غُرَابٍ القَاضِي، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَأَخَوَيْهِ؛ يَعْلَى وَمُحَمَّدٍ.
وَالمُطَّلِبِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَالنَّضْرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيِّ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَعَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ الجَزَرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ الحَدَّادِ، وَعَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ الحَذَّاءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ الحَرَّانِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ.
وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَغُنْدَرٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ الحَرَّانِيِّ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ - حَدِيْثاً وَاحِداً - وَمُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَاسِطِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُزَنِيِّ الوَاسِطِيِّ.
وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَوَكِيْعٍ - فَأَكْثَرَ - وَيَحْيَى القَطَّانِ - فَبَالَغَ - وَمِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَمُعَاذِ بنِ
مُعَاذٍ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ.وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيِّ.
وَأَبِي النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَسْوَدَ بنِ عَامِرٍ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَخَلاَئِقَ.
إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ: قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَجَمَاعَةٍ أَقْرَانِهِ.
فَعِدَّةُ شُيُوْخِهِ الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُم فِي (المُسْنَدِ) : مائَتَانِ وَثَمَانُوْنَ وَنَيِّفٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ المِحْنَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَلَمْ يُحَدِّثْ أَبِي عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ عَبْدُ اللهِ بِهَذَا القَوْلِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ شَيْئاً، وَإِلاَّ فَسَمَاعُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ لِسَائِرِ كِتَابِ (المُسْنَدِ) مِنْ أَبِيْهِ كَانَ بَعْدَ المِحْنَةِ بِسَنَوَاتٍ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا سَمِعَ عَبْدُ اللهِ شَيْئاً مِنْ أَبِيْهِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ بَعْدَ المِحْنَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَيَّامَ المِحْنَةِ صَبِيّاً مُمَيِّزاً، مَا كَانَ حَلَّهُ يَسْمَعُ بَعْدُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ حَدِيْثاً، وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ عَنْهُ حَدِيْثاً آخَرَ فِي المَغَازِي.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ بِجُملَةٍ وَافِرَةٍ.
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: وَلَدَاهُ؛ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُيُوْخُه؛ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُسَمِّه، بَلْ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ.وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَدُحَيْمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَد بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ.
وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ.
وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَرْمَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ المُغَفَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ.
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَوَلَدُه؛ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَبَدْرٌ المَغَازلِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى الحَرْبِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فُوْرَانُ، وَعُبْدُوْسُ بنُ مَالِكٍ العَطَّارُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى بنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ، وَحَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي البِرْتِيُّ.
وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الحَدَّادُ، وَعُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.وَقَدْ جَمَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ جُزءاً فِي تَسمِيَةِ الرُّوَاةِ عَنْ أَحْمَدَ، سَمِعنَاهُ: مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ السِّلَفِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، عَنْهُ، فَعَدَّ فِيْهِم وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا الغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ:
أَنَّ أَحْمَدَ أَصْلُه بَصْرِيٌّ، وَخِطَّتُه بِمَرْوَ، وَحَدَّثَنَا صَالِحٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
مَاتَ هُشَيْمٌ، فَخَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوَّلُ رَحَلاَتِي إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَخَرَجتُ إِلَى سُفْيَانَ سنَةَ سَبْعٍ، فَقَدِمنَا، وَقَدْ مَاتَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
وَحَجَجتُ خَمْسَ حِجَجٍ، مِنْهَا ثَلاَثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَاهَا ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً.
وَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَفِيْهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِنْ هُشَيْمٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا: قَدْ خَرَجَ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَتَبْتُ عَنْ هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ.
وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُوْنَ دِرْهَماً، لَخَرَجتُ إِلَى جَرِيْرٍ إِلَى الرَّيِّ - قُلْتُ: قَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ -.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ فِي أَلْوَاحٍ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَه غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ.
فَقَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ
خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عِنْدِي، فَقَالَ: نَظَرنَا فِيْمَا كَانَ يُخَالِفُكم فِيْهِ وَكِيْعٌ، أَوْ فِيْمَا يُخَالِفُ وَكِيْعٌ النَّاسَ، فَإِذَا هِيَ نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
وَمِنْ صِفَتِهِ:
قَالَ ابْنُ ذَرِيْحٍ العُكْبَرِيُّ: طَلَبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخاً مَخضُوباً، طُوَالاً، أَسْمَرَ، شَدِيدَ السُّمرَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَأَتَيْتُه المَجْلِسَ الآخَرَ، وَقَدْ مَاتَ.
وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ، وَأَقَمتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَقَمْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ: وَلِيَ حَنْبَلٌ - جَدُّ الإِمَامِ - سَرْخَسَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّعوَةِ، فَحُدِّثْتُ أَنَّه ضَرَبَه المُسَيَّبُ بنُ زُهَيْرٍ بِبُخَارَى لِكَوْنِهِ شَغَّبَ الجُنْدَ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّاسٍ النَّحْوِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ حَسَنَ الوَجْهِ، رَبْعَةً، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَاباً لَيْسَ بِالقَانِي، فِي لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُودٌ، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلاَظاً بِيضاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمّاً، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ عَامَّةُ جُلُوسِه مُتَرَبِّعاً خَاشِعاً.فَإذَا كَانَ بَرَّا، لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ شِدَّةُ خُشُوعٍ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ فِي يَدِهِ يَقْرَأُ.
رِحْلَتُهُ وَحِفْظُهُ:
قَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
خَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ، فَحَجَجتُ، فَرَجَعتُ إِلَى أُمِّي، وَلَمْ أَكُنِ اسْتَأْذَنتُهَا.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
تَزَوَّجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَرَزَقَ اللهُ خَيْراً كَثِيْراً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ) - وَهُوَ مُجَلَّدٌ -:
أَمْلَى عَلَيَّ زُهَيْرُ بنُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الفَضْلِ؛ مِنَ العَرَبِ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبِي، وَتُوُفِّيَتْ، فَتَزَوَّجَ بَعْدهَا رَيْحَانَةَ، فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللهِ؛ عَمِّي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَاشْتَرَى حُسْنَ، فَوَلَدَتْ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَوَلَدَتْ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِقُرْبِ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا حَتَّى صَارَا مِنَ السِّنِّ إِلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ سَعِيْداً.
قِيْلَ: كَانَتْ وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ عَورَاءَ، وَأَقَامَتْ مَعَهُ سِنِيْنَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: اخْتَلَفْتُ إِلَى الكُتَّابِ، ثُمَّ اختَلَفتُ إِلَى الدِّيْوَانِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَذَكَرَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِي عَقْلِ أَحْمَدَ وَحَيَاتِه فِي المَكْتَبِ، وَوَرَعِهِ فِي الصِّغَرِ.حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَخَرَجتُ أَنَا وَالأَعْرَابِيُّ - رَفِيْقٌ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ - قَالَ:
فَخَرَجْنَا مُشَاةًَ، فَوَصَلْنَا الكُوْفَةَ -يَعْنِي: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ- فَأَتَينَا أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ الخَلْقُ، فَأَعطَى الأَعْرَابِيَّ حَجَّةً بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً، فَخَرَجَ وَتَرَكَنِي فِي بَيْتٍ وَحدِي، فَاسْتَوحَشتُ، وَلَيْسَ مَعِي إِلاَّ جِرَابٌ فِيْهِ كُتُبِي، كُنْتُ أَضَعُهُ فَوْقَ لَبِنَةٍ، وَأَضَعُ رَأْسِي عَلَيْهِ.
وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَذَكَرَ مَرَّةً شَيْئاً، فَقَالَ: هَذَا عِنْدَ هُشَيْمٍ؟
فَقُلْتُ: لاَ.
وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ العَشْرَ أَحَادِيْثَ، فَأَحْفَظُهَا، فَإِذَا قَامَ، قَالُوا لِي، فَأُملِيهَا عَلَيْهِم.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ لِي أَبِي:
خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيْعٍ مِنَ المُصَنَّفِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنِ الكَلاَمِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ أَنَا بِالكَلاَمِ.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ يَقُوْلُ:
أَحْفَظُ عَنِ أَبِيْكَ مَسْأَلَةً مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاس، وَنَيِّفٍِ وَعِشْرِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْساً.
فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، كَذَا قُلْتُ.
قَالَ: وَحَفِظتُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ يُقَالُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟
وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيَّ، يَذْكُرُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ -أَوْ قَالَ: جَمَاعَةٌ- مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَا هُنَا رَجُلٌ بَغْدَادِيٌّ يَتَكَلَّمُ فِي بَعْضِ الكُوْفِيِّيْنَ، فَلَمْ يَعْرِفْه وَكِيْعٌ. فَبَيْنَا نَحْنُ إذْ
طَلَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ.فَقَالَ وَكِيْعٌ: هَا هُنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَأَفرَجُوا لَهُ، فَجَعَلُوا يَذْكُرُوْنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُنْكِرُوْنَ.
وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْتَجُّ بِالأَحَادِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالُوا لِوَكِيْعٍ: هَذَا بِحَضْرَتِكَ تَرَى مَا يَقُوْلُ؟
فَقَالَ: رَجُلٌ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، أَيْشٍ أَقُوْلُ لَهُ؟
ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ القَوْلُ إِلاَّ كَمَا قُلْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ القَوْمُ لِوَكِيْعٍ: خَدَعَكَ -وَاللهِ- البَغْدَادِيُّ.
قَالَ عَارِمٌ: وَضَعَ أَحْمَدُ عِنْدِي نَفَقَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنَ العَرَبِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانِ، نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِيْنُ.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُنِي حَتَّى خَرَجَ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً.
قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيْثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوْهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضبِطُه مَنْ كتبه مِن وَجْهٍ وَاحِدٍ؟!
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: وَمَا يُدرِيكَ؟
قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ فِي سَعَةِ عِلمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكَانُوا يَعُدُّوْنَ فِي ذَلِكَ المُكَرَّرَ، وَالأَثَرَ، وَفَتْوَى التَّابِعِيِّ، وَمَا فُسِّرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَإِلاَّ فَالمُتُوْنَ المَرفُوعَةُ القَوِيَّةُ لاَ تَبلُغُ عُشْرَ مِعشَارِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنتَ أَحْفَظُ، أَمْ أَحْمَدُ؟
قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ.
قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمتَ؟
قَالَ: وَجَدتُ كُتُبَه، لَيْسَ فِي أَوَائِلِ الأَجزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ، فَكَانَ يَحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لاَ أَقدِرُ عَلَى هَذَا.
وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: حُزِرَتْ كُتُبُ أَحْمَدَ يَوْمَ مَاتَ، فَبَلَغَتْ اثْنَي عَشَرَ حِملاً وَعِدلاً، مَا كَانَ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ مِنْهَا: حَدِيْثُ فُلاَنٍ، وَلاَ فِي بَطنِهِ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْفَظُهُ.وَقَالَ حَسَنُ بنُ مُنَبِّهٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
أَخرَجَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَجْزَاءً كُلُّهَا سُفْيَانُ سُفْيَانُ، لَيْسَ عَلَى حَدِيْثٍ مِنْهَا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَظَنَنْتُهَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانتَخَبتُ مِنْهَا.
فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ عَلَيَّ، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَعَجِبتُ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنَا عَلَى هَذَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ وَمَعَانِيْهِ مِنْ أَحْمَدَ.
أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَنَتَذَاكَرُ، فَأَقُوْلُ: مَا فِقْهُهُ؟ مَا تَفْسِيْرُهُ؟
فَيَسكُتُوْنَ إِلاَّ أَحْمَدَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ: سَأَلنَا وَكِيْعاً عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ: نَهَانِي أَحْمَدُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ، سَمِعْتُ
وَكِيْعاً وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلاَنِ:مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِيَانِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ أَتَى حُسَيْناً الجُعْفِيَّ بِكِتَابٍ كَبِيْرٍ يَشفَعُ فِي أَحْمَدَ، فَقَالَ حُسَيْنٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ تَجعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مُنعِماً، فَلَيْسَ تَحَمَّلُ عَلَيَّ بِأَحَدٍ، إِلاَّ وَأَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا خُضْرٌ المَرُّوْذِيُّ بِطَرَسُوْسَ، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ:
أَنَّهُم كَانُوا يَجْتَمِعُوْنَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ آدَمَ، فَيَتَشَاغَلُوْنَ عَنِ الحَدِيْثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَرتَفِعُ الصَّوتُ بَينَهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بنُ آدَمَ وَاحِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبِي مُكَرِّماً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، لَقَدْ بَذَلَ لَهُ كُتُبَه -أَوْ قَالَ: حَدِيْثَه-.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ؛ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَمَا قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ بَغْدَادَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
شَقَّ عَلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ يَوْمَ خَرَجتُ مِنَ البَصْرَةِ.
عَمْرُو بنُ العَبَّاسِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ - ذَكَرَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ - فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَأَقبَلَ
أَحْمَدُ، فَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا بَيْنَ كَتِفَيِ الثَّوْرِيِّ، فَليَنظُرْ إِلَى هَذَا.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: عُنِيتُ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ، حَتَّى كَتَبْتُه عَنْ رَجُلَيْنِ، حَتَّى كَلَّمنَا يَحْيَى بنَ آدَمَ، فَكَلَّمَ لَنَا الأَشْجَعِيَّ، فَكَانَ يُخرِجُ إِلَيْنَا الكُتُبَ، فَنَكتُبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْمَعَ.
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا نَظَرتُ إِلَى أَحْمَدَ، إِلاَّ ذَكَرْتُ بِهِ سُفْيَانَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
خَالَفَ وَكِيْعٌ ابْنَ مَهْدِيٍّ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ مَهْدِيٍّ، وَكَانَ يَحكِيْهِ عَنِّي.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ بَغْدَادِيٍّ:
مَنْ تَعُدُّوْنَ عِنْدَكُمُ اليَوْمَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ؟
قَالَ: عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالمُعَيْطِيُّ، وَالسُّوَيْدِيُّ ... ، حَتَّى عَدَّ لَهُ جَمَاعَةً بِالْكُوْفَةِ أَيْضاً وَبِالبَصْرَةِ.
فَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: قَدْ رَأَيْتُ جَمِيْعَ مَنْ ذَكَرْتَ، وَجَاؤُوا إِلَيَّ، لَمْ أَرَ مِثْلَ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
قَالَ شُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
مَا بِالمِصْرَيْنِ رَجُلٌ أَكرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: سَلْ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا يَقُوْلُ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا؟ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا إِمَامٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، قَالَ:رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا اليَوْمَ حَدِيْثٌ.
فَقَالَ يَحْيَى: تَرُدُّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَقَدْ جَاءكَ؟
فَقَالَ: البَابُ مُقفَلٌ، وَالجَارِيَةُ لَيْسَتْ هُنَا.
قَالَ يَحْيَى: أَنَا أَفتَحُ.
فَتَكَلَّمَ عَلَى القُفلِ بِشَيْءٍ، فَفَتَحَه، فَقَالَ عَفَّانُ: أَفَشَّاشٌ أَيْضاً! وَحَدَّثَهُم.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: أَكَانَ أُغمِيَ عَلَيْكَ - أَوْ غُشِي عَلَيْكَ - عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي دِهلِيزِهِ، زَحَمَنِي النَّاسُ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ.
وَرُوِيَ: أَنَّ سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ أُحَدِّثُ وَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ؟
وَقَالَ مُهَنَّى بنُ يَحْيَى: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعاً، وَبَقِيَّةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَضَمْرَةَ، وَالنَّاسَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَجْمَعَ مِنْ أَحْمَدَ فِي عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِه، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ.
وَقَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيُّ: سَلَّمْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ بِمَسْجِدِ الخَيْفِ، وَهُوَ يُفْتِي فُتْيَا وَاسِعَةً.
وَعَنْ شَيْخٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ بِخَطِّ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ سَنَةً، فَفَقَدتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَيَّاماً، فَدُلِلتُ عَلَى مَوْضِعِه، فَجِئتُ، فَإِذَا هُوَ فِي شَبِيهٍ بِكَهفٍ فِي جِيَادٍ، فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم، أَدْخُلُ؟
فَقَالَ: لاَ.
ثُمَّ قَالَ: ادْخُلْ.
فَدَخَلْتُ، وَإِذَا عَلَيْهِ قِطعَةُ لِبْدٍ خَلِقٍ،
فَقُلْتُ: لِمَ حَجَبْتَنِي؟فَقَالَ: حَتَّى اسْتَتَرْتُ.
فَقُلْتُ: مَا شَأنُكَ؟
قَالَ: سُرِقَتْ ثِيَابِي.
قَالَ: فَبَادَرتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَجِئتُهُ بِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، فَقُلْتُ: قَرْضاً.
فَأَبَى، حَتَّى بَلَغتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً، وَيَأْبَى، فَقُمْت، وَقُلْتُ: مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقتُلَ نَفْسَك.
قَالَ: ارْجِعْ.
فَرَجَعتُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ مَعِيَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: تُحِبُّ أَن أَنْسَخَهُ لَكَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: اشْتَرِ لِي وَرَقاً.
قَالَ: فَكَتَبَ بِدَرَاهِمَ اكْتَسَى مِنْهَا ثَوْبَيْنِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بَكْرَانَ بنَ أَحْمَدَ الحَنْظَلِيَّ الزَّاهِدَ بِبَغْدَادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قَدِمتُ صَنْعَاءَ، أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَمَضَيتُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي قَريَتِهِ، وَتَخَلَّف يَحْيَى، فَلَمَّا ذَهَبتُ أَدُقُّ البَابَ، قَالَ لِي بَقَّالٌ تُجَاهُ دَارِهِ: مَهْ، لاَ تَدُقَّ، فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهَابُ.
فَجَلَسْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ المَغْرِبِ، خَرَجَ، فَوَثَبتُ إِلَيْهِ، وَفِي يَدِي أَحَادِيْثُ انْتَقَيْتُهَا، فَسَلَّمتُ، وَقُلْتُ: حَدِّثنِي بِهَذِهِ - رَحِمَكَ اللهُ - فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيْبٌ.
قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟
وَزَبَرَنِي، قُلْتُ: أَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَتَقَاصَرَ، وَضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
ثُمَّ أَخَذَ الأَحَادِيْثَ، وَجَعَلَ يَقرَؤُهَا حَتَّى أَظلَمَ.
فَقَالَ لِلْبَقَّالِ: هَلُمَّ المِصْبَاحَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ المَغْرِبِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَه نَفَدَتْ، فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَأَقَمتُه خَلْفَ البَابِ، وَمَا مَعَنَا أَحَدٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ لاَ تَجتَمِعُ عِنْدَنَا الدَّنَانِيْرُ، إِذَا بِعْنَا الغلَّةَ، أَشغَلْنَاهَا فِي شَيْءٍ، وَقَدْ وَجَدتُ عِنْد النِّسَاءِ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، فَخُذْهَا، وَأَرْجُو أَنْ لاَ تُنْفِقَها حَتَّى يَتَهَيَّأَ شَيْءٌ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلْتُ
مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، قَبِلتُ مِنْكَ.وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَرَضَ عَلَيْكَ دَنَانِيْرَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَعْطَانِي يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ - أَظُنُّ - فَلَمْ أَقبَلْ، وَأَعطَى يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ، فَأَخَذَا مِنْهُ.
وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
إِنْ يَعِشْ هَذَا الرَّجُلُ، يَكُوْنُ خَلَفاً مِنَ العُلَمَاءِ.
المَرُّوْذِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّسَائِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَمَضَينَا مَعَهُ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ عِيْدٍ، فَلَمْ يُكَبِّرْ هُوَ وَلاَ أَنَا وَلاَ أَحْمَدُ.
فَقَالَ لنَا: رَأَيْتُ مَعْمَراً وَالثَّوْرِيَّ فِي هَذَا اليَوْمِ كَبَّرَا، وَإِنِّي رَأَيتُكُمَا لَمْ تُكَبِّرَا فَلَمْ أُكَبِّرْ، فَلِمَ لَمْ تُكَبِّرَا؟
قُلْنَا: نَحْنُ نَرَى التَّكبِيْرَ، وَلَكِنْ شُغِلنَا بِأَيِّ شَيْءٍ نَبتَدِئُ مِنَ الكُتُبِ.
أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُصَلِّي بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَسَهَا، فَسَأَلَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شَيْئاً.
رَوَاهَا الخَلاَّلُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ القَاضِي الدِّمَشْقِيَّ عَنِ الجَوْزَجَانِيِّ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الجَبُّلِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَانَتْ مَعِي جَارِيَةٌ، وَسَكَنَّا فَوْقُ، وَأَحْمَدُ أَسْفَلُ فِي البَيْتِ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، هُوَ ذَا يُعْجِبُنِي مَا أَسْمَعُ مِنْ حَرَكَتِكُم.
قَالَ: وَكُنْتُ أَطَّلِعُ، فَأَرَاهُ يَعْمَلُ التِّكَكَ، وَيَبِيعُهَا، وَيَتَقَوَّتُ بِهَا، هَذَا أَوْ نَحْوَهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:كُنْتُ فِي إزْرِي مِنَ اليَمَنِ إِلَى مَكَّةَ، قُلْتُ: اكْتَرَيْتَ نَفْسَكَ مِنَ الجَمَّالِيْنَ؟
قَالَ: قَدِ اكتَرَيْتُ لِكُتُبِي، وَلَمْ يَقُلْ لاَ.
وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَنَّهُ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَقَالَ: هَا هُنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قُوْلُوا لَهُ يَتَقَدَّمْ يُصَلِّيَ بِنَا.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ - شَيْخٌ سَمِعَ قَدِيْماً - قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَضَحِكَ بَعْضُنَا، وثَمَّ أَحْمَدُ.
قَالَ: فَأَتَينَا إِسْمَاعِيْلَ بَعْدُ، فَوَجَدنَاهُ غَضْبَانَ.
فَقَالَ: تَضحَكُوْنَ وَعِنْدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ!
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، فَوَهِمَ فِي شَيْءٍ، فَكَلَّمتُه، فَأَخرَجَ كِتَابَهُ، فَوَجَدَهُ كَمَا قُلْتُ، فَغَيَّرَهُ، فَكَانَ إِذَا جَلَسَ، يَقُوْلُ:
يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ، يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ هَا هُنَا.
وَمَرِضْتُ فَعَادَنِي، فَنَطَحَهُ البَابُ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مَيْمُوْنِ بنِ الأَصْبَغِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَكَانَ عِنْدَهُ المُعَيْطِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ، وَكَانَتْ فِي يَزِيْدَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُدَاعَبَةٌ، فَذَاكَرَهُ المُعَيْطِيُّ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: فَقَدتُكَ، فَتَنَحْنَحَ أَحْمَدُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
فَقَالَ: أَلاَ أَعْلَمتُمُونِي أَنَّهُ هَا هُنَا؟
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: فَسَمِعْتُ بَعْضَ الوَاسِطِيِّينَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ تَرَكَ المُزَاحَ لأَحَدٍ إلاَّ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تعَظِيْماً، مِنْهُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَكرَمَ أَحَداً مِثْلَهُ، كَانَ يُقْعِدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَيُوَقِّرُهُ، وَلاَ يُمَازِحُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفقَهَ وَلاَ أَوْرَعَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.قُلْتُ: قَالَ هَذَا، وَقَدْ رَأَى مِثْلَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: كُنْت أُشَبِّه أَحْمَدَ بِأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ الحَافِظُ: إِنْ عَاشَ أَحْمَدُ، سَيَكُوْنُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: خَيْرُ أَهْلِ زَمَاننَا ابْنُ المُبَارَكِ، ثُمَّ هَذَا الشَّابُّ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- وَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَلَوْ أَدْرَكَ عَصْرَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ، لَكَانَ هُوَ المُقَدَّمَ عَلَيْهِم.
فَقِيْلَ لِقُتَيْبَةَ: يُضَمُّ أَحْمَدُ إِلَى التَّابِعِيْنَ؟
قَالَ: إِلَى كِبَارِ التَّابِعِيْنَ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ الثَّوْرِيُّ، لَمَاتَ الوَرَعُ، وَلَوْلاَ أَحْمَدُ، لأَحْدَثُوا فِي الدِّيْنِ، أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ) عَنْ قُتَيْبَةَ كَثِيْراً.
وَقِيْلَ لأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ: تَعْرِفُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرَ دِيْنِهَا؟
قَالَ: شَابٌّ فِي نَاحِيَةِ المَشْرِقِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ-.
قَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتَ بِبَغْدَادَ شَابّاً، إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، قَالَ النَّاسُ كُلُّهُم: صَدَقَ.
قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
خَرَجتُ مِنْ بَغْدَادَ، فَمَا خَلَّفتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ، وَلاَ أَعْلَمَ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ مَنْ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَذَهَبَ بِي إِلَى الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَبِي: وَمَا رَأَى الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَلَوْلاَ أَحْمَدُ وَبَذْلُ نَفْسِهِ، لَذَهَبَ الإِسْلاَمُ - يُرِيْدُ المِحْنَةَ -.
وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: أَحْمَدُ حُجَّةٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي زَمَانِهِ؛ لأَنَّ سَعِيْداً كَانَ لَهُ نُظَرَاءُ.
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَعَزَّ اللهُ الدِّيْنَ بِالصِّدِّيْقِ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المِحْنَةِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم - ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنِّي لأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَدَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: مَا شَبَّهتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِلاَّ بِابْنِ المُبَارَكِ فِي سَمْتِه وَهَيئَتِه.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ:
كُنَّا فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَجَعَلُوا يُثنُوْنَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: فَبَعْضَ هَذَا.
فَقَالَ يَحْيَى: وَكَثْرَةُ الثَّنَاءِ عَلَى أَحْمَدَ تُسْتَنكَرُ! لَوْ جَلَسْنَا مَجَالِسَنَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، مَا ذَكَرنَا فَضَائِلَه بِكَمَالِهَا.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ.
وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ.وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: حَضَرتُ أَبَا ثَوْرٍ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا فِيْهَا كَذَا كَذَا.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ ثَلاَثَةً: يَعَلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: أَرَادُوا أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَاللهِ لاَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ أَبَداً.
وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَلاَ أَشَدَّ مِنْهُ قَلْباً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ:
أَنَا أُسأَلُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟! إِنَّ أَحْمَدَ أُدْخِلَ الكِيرَ، فَخَرَجَ ذَهَباً أَحْمَرَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَصْحَابُ بِشْرٍ الحَافِي لَهُ حِيْنَ ضُرِبَ أَبِي:
لَوْ أَنَّكَ خَرَجتَ فَقُلْتَ: إِنِّي عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ.
فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ أَن أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ؟!
القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى ذِي النُّوْنِ السِّجنَ، وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ حَالُ سَيِّدِنَا؟
يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ - أَوْ أَفْقَهُ - مِنَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَحْمَدُ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ السَّكُوْنِيَّ يَقُوْلُ:مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَهُ.
وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَمَا كُنْتُ أُحِبُّ أَن أُقتَلَ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَلَمْ أُصَلِّ عَلَى أَحْمَدَ، بلَغَ -وَاللهِ- فِي الإِمَامَةِ أَكْبَرَ مِنْ مَبْلَغِ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ.
وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: إِذَا وَافَقَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيْثٍ، لاَ أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، أَيُّهُمَا أَحْفَظُ؟
فَقَالَ: كَانَا فِي الحِفْظِ مُتَقَارِبَيْنِ، وَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَهَ، إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ وَأَفْقَهُ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: جَعَلتُ أَحْمَدَ إِمَاماً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ: مَا بَقِيَ غَيْرُ أَحْمَدَ.
قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَحْتُوَيْه، سَمِعْتُ أَبَا عُمَيْرٍ بنَ النَّحَاسِ الرَّمْلِيَّ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
رَحِمَهُ اللهُ، عَنِ الدُّنْيَا مَا كَانَ أَصْبَرَهُ! وَبَالمَاضِيْنَ مَا كَانَ أَشبَهَهُ!، وَبَالصَّالِحِيْنَ مَا كَانَ أَلْحَقَه! عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا، وَالبِدَعُ فَنَفَاهَا.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو عُمَيْرٍ مِنْ عُبَّادِ المُسْلِمِيْنَ.
قَالَ لِي: أَمِلَّ عَلَيَّ شَيْئاً عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَعْقَلَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: كَانَ أَحْمَدُ صَاحِبَ فِقْهٍ، صَاحِبَ حِفظٍ، صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: جَمَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَالصَّبرِ.
وَعَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ الوَرَّاقِ، قَالَ:
لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَرُدُّوْهُ إِلَى عَالِمِهِ ) ، رَدَدنَاهُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الآخِرَةِ، لاَ يُذكَرُ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: أَفْقَهُ مَنْ أَدْرَكتُ فِي الحَدِيْثِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ:
مَا دُمْتُ بِالحِجَازِ، وَأَحْمَدُ بِالعِرَاقِ، وَابْنُ رَاهْوَيْه بِخُرَاسَانَ لاَ يَغْلِبُنَا أَحَدٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَاسِيْنَ البَلَدِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقِيْلَ لَهُ: ذَهَبَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالَ:مَا أَبقَى اللهُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَذْهَبْ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ.
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ.
الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ أَبُو مَعِيْنٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْ أَحْمَدَ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، وَلَنَا فِيْهِ أُسوَةٌ.
وَعَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: اليَوْمَ حُجّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجَوْزَقِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ يَقُوْلُ:
انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم فِيْهِ - وَإلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ - وَهُوَ أَحْفَظُهُم لَهُ - وَإلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ - وَهُوَ أَعْلَمُهُم بِهِ - وَإلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ - وَهُوَ أَكتَبُهُم لَهُ -.
إِسْحَاقُ المِنْجَنِيْقِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ:
أَتَيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: ائتِ أَبَا عُبَيْدٍ، فَإِنَّ لَهُ بَيَاناً لاَ تَسمَعُه مِنْ غَيْرِهِ.
فَأَتَيْتُه، فَشفَانِي جَوَابُه، فَأَخبَرتُه بِقَولِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ مِن عُمَّالِ اللهِ، نَشرَ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِه، وَذَخَرَ لَهُ عِنْدَهُ الزُّلْفَى، أَمَا تَرَاهُ مُحبَّباً مَألُوْفاً، مَا رَأَتْ عَيْنِي بِالعِرَاقِ رَجُلاً اجْتَمَعتْ فِيْهِ خِصَالٌ هِيَ فِيْهِ، فَبارَكَ اللهُ لَهُ فِيْمَا أَعطَاهُ مِنَ الحِلْمِ وَالعِلْمِ وَالفَهمِ، فَإِنَّهُ لَكَمَا قِيْلَ:
يَزِينُكَ إِمَّا غَابَ عَنْكَ، فَإِنْ دَنَا ... رَأَيْتَ لَهُ وَجْهاً يَسُرُّكَ مُقْبِلايُعَلِّمُ هَذَا الخَلْقَ مَا شَذَّ عَنْهُمُ ... مِنَ الأَدَبِ المَجْهُولِ كَهْفاً وَمَعْقِلا
وَيَحْسُنُ فِي ذَاتِ الإلَهِ إِذَا رَأَى ... مَضيماً لأَهْلِ الحَقِّ لاَ يَسْأَمُ البَلاَ
وَإِخْوَانُهُ الأَدْنَوْنَ كُلُّ مُوَفَّقٍ بَصِيرٍ ... بِأَمْرِ الله يَسْمُو عَلَى العُلاَ
وَبِإِسْنَادِي إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ خُشَيْشٍ، سَمِعْتُ أَبَا الحَدِيْدِ الصُّوْفِيَّ بِمِصْرَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنِ المُزَنِيِّ، يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحنَةِ، أَبُو بَكْرٍ يَومَ الرِّدَّةِ، وَعُمَرُ يَوْمَ السَّقيفَةِ، وَعُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ، وَعَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّشْدِيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المِصْرِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مِثْلَ هَذيْنِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، رَجُلَيْنِ جَامِعَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُمَا بِالعِرَاقِ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَارَةَ، قَالَ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ، هَؤُلاَءِ أَركَانُ الدِّينِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ العَابِدِ، قَالَ: لَسَوْطٌ ضُرِبَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي اللهِ، أَكْبَرُ مِنْ أَيَّامِ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ.
قُلْتُ: بِشْرٌ: عَظِيْمُ القَدْرِ كَأَحْمَدَ، وَلاَ نَدْرِي وَزنَ الأَعْمَالِ، إِنَّمَا اللهُ يَعلَمُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهَاوَنْدِيُّ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ يَقُوْلُ:كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، حُجَّتِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ رَجُلاَنِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ.
وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ شَيْخِ الإِسْلاَمِ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَبْد اللهِ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيَّ - وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - فَقَالَ:
هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ لَمْ يُمْتَحَنْ بِمِثلِ مَا امتُحِنَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلاَ عِلْمُ سُفْيَانَ وَمَنْ يُقدَّمُ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمصَارِ كَعِلمِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ لأَنَّه كَانَ أَجْمَعَ لَهَا، وَأَبصَرَ بِأَغَاليطِهم وَصَدُوقِهم وَكَذُوْبِهم.
قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ:
قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحْمَدُ عِنْدَنَا امْتُحِنَ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَكَانَ فِيْهِمَا مُعْتَصِماً بِاللهِ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ، فَذَكَرُوا يَعْلَى بنَ عَاصِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا يَضُرُّه إِذَا كَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ فِي عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، لَضَرَّهُمَا.
وَقَالَ الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ الخَلِيْلِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، لَكَانَ آيَةً.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: عِنْدَنَا المَثَلُ الكَائِنُ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُم كَانَ يُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِه، مَا يَصْرِفُه ذَلِكَ عَنْ دِيْنِه، وَلَوْلاَ أَنَّ أَحْمَدَ قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ، لَكَانَ عَاراً عَلَيْنَا أَنَّ قَوْماً سُبِكُوا، فَلَمْ يَخرُجْ مِنْهُم أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ سَلْمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: صِرْتُ إِلَى
دَارِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِرَاراً، وَسَأَلْتُه عَنْ مَسَائِلَ، فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ أَكْثرَ حَدِيْثاً أَمْ إِسْحَاقُ؟قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً وَأَوْرَعُ، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ عَظِيْمَ الشَّأْنِ، رَأْساً فِي الحَدِيْثِ وَفِي الفِقْهِ، وَفِي التَّأَلُّهِ، أَثْنَى عَلَيْهِ خَلقٌ مِنْ خُصُومِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِه؟!
وَكَانَ مَهِيْباً فِي ذَاتِ اللهِ، حَتَّى لَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا هِبْتُ أَحَداً فِي مَسْأَلَةٍ، مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي زَمَانِهِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، قَالَ:
يُشَبَّهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ أَيْهَاتَ!! مَا أَشْبَهَ السُّكَّ بِاللُّكِّ، لَقَدْ حَضَرتُ مِنْ وَرَعِهِ شَيْئاً بِمَكَّةَ:
أَنَّهُ أَرْهَنَ سَطلاً عِنْد فَامِيٍّ، فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً لِيُقَوِّتَه، فَجَاءَ، فَأَعطَاهُ فِكَاكَهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ سَطلَينِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيَّهُمَا سَطْلُكَ؟
فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ، وَمَا أَعْطَيتُكَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ.
قَالَ الفَامِيُّ: وَاللهِ إِنَّهُ لَسَطْلُهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَمْتَحِنَهُ فِيْهِ.
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيَّ - حِيْنَ بَلَغَهُ وَفَاةُ أَحْمَدَ - يَقُوْلُ:
يَنْبَغِي لِكُلِّ أَهْلِ دَارٍ بِبَغْدَادَ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ النِّيَاحَةَ فِي دُورِهِم.
قُلْتُ: تَكَلَّمَ الذُّهْلِيُّ بِمُقتَضَى الحُزْنِ لاَ بِمُقتضَى الشَّرعِ.قَالَ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ:
مَثَلُ الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، مَثَلُ قَوْمٍ يَجِيْئُونَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَهْدِمُوهُ بِنِعَالِهِم.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ المُقْرِئُ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُلمَاءَنَا مِثْلَ الهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ، وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخِيْهِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مَعْمَرٍ، وَالوَرْكَانِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ، وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ - فِيْمَنْ لاَ أُحصِيهِم - يُعَظِّمُوْنَ أَحْمَدَ وَيُجِلُّونَه وَيُوَقِّرُونَه وَيُبَجِّلُونَه وَيَقْصِدُوْنَهُ لِلسَّلاَمِ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ:
لَمَّا مَاتَ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، جَاءَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: تَقُوْمُ إِلَيَّ؟
قَالَ: وَاللهِ لَوْ رَآكَ أَبِي، لَقَامَ إِلَيْكَ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: وَاللهِ لَوْ رَأَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَبَاكَ، لَقَامَ إِلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:التَّابِعُوْنَ كُلُّهُم، وَآخِرُهُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّهُم - يَقُوْلُوْنَ: مَنْ حلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنْ لاَ يَفْعَلَ شَيْئاً ثُمَّ فَعَلَهُ نَاسِياً، كُلُّهُم يُلزِمُونَه الطَّلاَقَ.
وَعَنِ الأَثْرَمِ، قَالَ: نَاظرتُ رَجُلاً، فَقَالَ: مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ؟
قُلْتُ: مَنْ لَيْسَ فِي شَرقٍ وَلاَ غَربٍ مِثْلُهُ.
قَالَ: مَنْ؟
قُلْتُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقد أثْنَى علَى أَبِي عَبْدِ اللهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَتَبَرَّكُوا بِهِ.
رَوَى ذَلِكَ: أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يَصِحَّ سَنَدُ بَعْضِ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؟
قَالَ: بَلِ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ فَإِسْحَاقَ، مَا أَعْلَمُ فِي أَصْحَابِنَا أَسوَدَ الرَّأْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ مِنْهُ.
فِي فَضْلِهِ وَتَأَلُّهِهِ وَشَمَائِلِه:
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْماً أَيَّامَ الوَاثِقِ - وَاللهُ يَعلَمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ نَحْنُ - وَقَدْ خَرَجَ لِصَلاَةِ العَصرِ، وَكَانَ لَهُ لِبْدٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، قَد أَتَى عَلَيْهِ سِنُوْنَ كَثِيْرَةٌ حَتَّى بَلِيَ، وَإِذَا تَحْتَه كِتَابٌ كَاغَدٌ فِيْهِ:
بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدَيْ فُلاَنٍ، وَمَا هِيَ مِنْ صَدَقَةٍ وَلاَ زَكَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي. فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، وَوَضَعتُه،
فَلَمَّا دَخَلَ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟فَاحْمَرَّ وَجْهُه، وَقَالَ: رَفَعْتُه مِنْكَ.
ثُمَّ قَالَ: تَذْهَبُ لِجَوَابِه ؟
فَكَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ: وَصَلَ كِتَابُكَ إِلَيَّ، وَنَحْنُ فِي عَافِيَةٍ.
فَأَمَّا الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لِرَجُلٍ لاَ يُرهِقُنَا، وَأَمَّا عِيَالنَا، فَفِي نِعمَةِ اللهِ.
فَذَهَبتُ بِالكِتَابِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَوصلَ كِتَابَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِيْنٍ، وَردَ كِتَابُ الرَّجُلِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَردَّ عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا ردَّ.
فَلَمَّا مَضتْ سَنَةٌ أَوْ نَحوُهَا، ذَكرنَاهَا، فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلنَاهَا، كَانَتْ قَدْ ذَهَبتْ.
وَشَهدتُ ابْنَ الجَرَوِيِّ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقَالَ لأَبِي: أَنَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ فِي هَذَا الوَقْتِ، وَعِنْدِي شَيْءٌ قَدِ اعتَددتُه لَكَ، وَهُوَ مِيرَاثٌ، فَأُحِبُّ أَنْ تَقبلَه.
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَامَ وَدَخَلَ.
قَالَ صَالِحٌ: فَأُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
فَقَامَ وَتَركنِي.
قَالَ صَالِحٌ: وَوجَّهَ رَجُلٌ مِنَ الصِّينِ بِكَاغَدٍ صِيْنِيٍّ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، وَوَجَّه بِقِمَطْرٍ إِلَى أَبِي، فَرَدَّهُ، وَوُلدَ لِي مَوْلُوْدٌ، فَأَهدَى صَدِيْقٌ لِي شَيْئاً، ثُمَّ أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَشهرٌ، وَأَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى البَصْرَةِ، فَقَالَ لِي: تُكلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَكْتُبُ لِي إِلَى المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ؟
فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّهُ أَهدَى إِليكَ، كُنتُ أكتُبُ لهُ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رَهنَ نَعْلَه عِنْد خَبَّازٍ بِاليَمَنِ، وَأَكرَى نَفْسَه مِنْ جَمَّالين عِنْدَ خُرُوْجِه، وَعَرضَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ دَرَاهِمَ صَالِحَةً، فَلَمْ يَقبلْهَا.
وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ حِيْنَ مَاتَ أَحْمَدُ بِأَكفَانٍ وَحَنُوطٍ، فَأَبَى صَالِحٌ أَنْ
يقبَلَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ أَعَدَّ كَفَنَه وَحَنوطَه.وَردَّه، فَرَاجَعَه، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، فَلَسْتُ أَقبَلُه.
وَبِهِ حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قَالَ أَبِي:
جَاءنِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى - قَالَ أَبِي: وَمَا أَخرجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ رَجُلاً يُشبِه يَحْيَى بنَ يَحْيَى - فَجَاءنِي ابْنُه، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِمَبْطَنَةٍ لَهُ لَكَ، وَقَالَ يُذَكِّرنِي بِهَا.
فَقُلْتُ: جِئْ بِهَا.
فَجَاءَ بِرُزمَةِ ثِيَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اذهَبْ رَحِمَكَ اللهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَقبلْهَا-.
قُلْتُ: وَقِيْلَ: أَنَّهُ أَخذَ مِنْهَا ثَوباً وَاحِداً.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلفَ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ القَارِيُّ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَى أَحْمَدَ عَمُّه، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَيْشٍ هَذَا الغَمُّ؟
وَأَيْشٍ هَذَا الحُزْنُ؟
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، طُوبَى لِمَنْ أَخْمَلَ اللهُ ذِكْرَه.
وَبِهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ إِذَا رَأَيْتَه، تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُظهِرُ النُّسكَ، رَأَيْتُ عَلَيْهِ نَعلاً لاَ يُشبهِ نِعَالَ القُرَّاءِ، لَهُ رَأْسٌ كَبِيْرٌ مُعقَّدٌ، وَشِرَاكُه مُسْبَلٌ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ إِزَاراً وَجُبَّةَ بُردٍ مُخطَّطَةً.
أَي: لَمْ يَكُنْ بِزيِّ القُرَّاءِ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي:
جَاءنِي أَمسُ رَجُلٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ، بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي نَحرِ الظَّهيرَةِ، إِذَا بِرجُلٍ سَلَّمَ بِالبَابِ، فَكَأَنَّ قَلْبِي ارتَاحَ، فَفَتَحتُ، فَإِذَا أَنَا بِرجُلٍ عَلَيْهِ فَرْوَةٌ، وَعَلَى رَأْسِه خِرقَةٌ، مَا تَحْتَ فَرْوِهِ قَمِيْصٌ، وَلاَ مَعَهُ ركوَةٌ وَلاَ جِرَابٌ وَلاَ عُكَّازٌ، قَدْ لَوَّحَتْه الشَّمْسُ، فَقُلْتُ:
ادْخُلْ.فَدَخَلَ الدِّهليزَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقبلتَ؟
قَالَ: مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِقِ أُرِيْدُ السَّاحِلَ، وَلَوْلاَ مكَانُكَ مَا دَخَلْتُ هَذَا البَلدَ، نَويتُ السَّلاَمَ عَلَيْكَ.
قُلْتُ: عَلَى هَذِهِ الحَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ، مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟
قُلْتُ: قِصَرُ الأَمَلِ.
قَالَ: فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا عِنْدِي ذَهبٌ وَلاَ فِضَّةٌ.
فَدَخَلْتُ البَيْتَ، فَأَخذتُ أَرْبَعَةَ أَرغِفَةٍ، فَخَرَجتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَوَ يَسُرُّك أَنْ أقبلَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَخَذَهَا، فَوَضَعهَا تَحْتَ حِضْنِه، وَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكْفيَنِي إِلَى الرَّقَّةِ، أسْتودِعُكَ اللهَ.
فَكَانَ يَذْكُرُه كَثِيْراً.
وَبِهِ: كَتبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي، وَذَكَرَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: قَلِيْلُهَا يُجْزئُ، وَكَثِيْرُهَا لاَ يُجْزئُ.
وَقَالَ أَبِي - وَقَدْ ذُكرَ عِنْدَهُ الفَقْرُ - فَقَالَ: الفَقْرُ مَعَ الخَيْرِ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ:
أَمسَكَ أَبِي عَنْ مُكَاتَبَةِ ابْنِ رَاهْوَيْه، لمَا أَدْخَلَ كِتَابهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ وَقرَأَهُ.
وَبِهِ، قَالَ: ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُمَرَ البَكْرِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَيْمُوْنِيَّ، قَالَ:
مَا أَعْلَمُ أنِّي رَأَيْتُ أَحَداً أَنظفَ بَدناً، وَلاَ أَشَدَّ تَعَاهداً لِنَفْسِهِ فِي شَاربِهِ وَشعرِ رَأْسهُ وَشعرِ بَدنِه، وَلاَ أَنْقَى ثَوباً بشِدَّةِ بيَاضٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
كَانَ ثِيَابُهُ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ، تَسْوَى مَلْحَفَتُه خَمْسةَ عَشَرَ دِرْهَماً، وَكَانَ ثَوْبُ قَمِيصِه يُؤْخَذُ بِالدِّيْنَارِ وَنَحْوِه، لَمْ يَكُنْ لَهُ دِقَّةٌ تُنكرُ، وَلاَ غِلَظٌ يُنكرُ، وَكَانَ مَلْحَفَتُه مُهَذَّبَةٌ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ:
رُبَّمَا رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ الكِسَرَ، يَنفُضُ الغبارَ عَنْهَا، وَيُصيِّرُهَا فِي قَصعَةٍ، وَيَصُبُّ عَلَيْهَا مَاءً، ثُمَّ يَأْكُلُهَا بِالملحِ، وَمَا رَأَيْتهُ اشْتَرَى رُمَّاناً وَلاَ سَفَرْجلاً وَلاَ شَيْئاً مِنَ الفَاكهَةِ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ بطِّيخَةً - فَيَأكُلهَا
بِخُبزٍ - وَعِنباً وَتَمْراً.وَقَالَ لِي: كَانَتْ وَالِدتُك فِي الظَّلاَمِ تَغْزِلُ غزلاً دَقِيْقاً، فَتبيعُ الأسْتَارَ بدِرْهَمَيْنِ أَقَلَّ أَو أَكْثَرَ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا، وَكُنَّا إِذَا اشترينَا الشَّيْءَ، نَستُره عَنْهُ كَيلاَ يَرَاهُ، فَيُوبِّخُنَا، وَكَانَ رُبَّمَا خُبِزَ لَهُ، فَيجعلُ فِي فَخَّارَةٍ عَدساً وَشَحماً وَتَمَرَاتٍ شِهْريز، فَيجِيْءُ الصِّبْيَانُ، فَيُصوِّتُ ببَعْضهم، فَيدفعُه إِلَيْهِم، فَيَضحكُوْنَ وَلاَ يَأْكلُوْنَ.
وَكَانَ يَأْتَدِمُ بِالخلِّ كَثِيْراً.
قَالَ: وَقَالَ أَبِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قِطعَةٌ، أَفْرَحُ.
وَكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، لاَ يَدَعُ مَنْ يَسْتَقِي لَهُ، وَرُبَّمَا اعتللتُ فَيَأْخُذُ قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ، فَيقرأُ فِيْهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: اشربْ مِنْهُ، وَاغسلْ وَجْهَكَ وَيَدَيكَ.
وكَانَتْ لَهُ قَلَنْسُوَةٌ خَاطَهَا بِيَدِهِ، فِيْهَا قُطْنٌ، فَإِذَا قَامَ بِاللَّيْلِ، لَبِسهَا.
وَكَانَ رُبَّمَا أَخَذَ القَدُّومَ، وَخَرَجَ إِلَى دَار السكَّانِ، يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ.
وَاعتلَّ فَتَعَالجَ.
وَكَانَ رُبَّمَا خَرَجَ إِلَى البَقَّالِ، فَيَشترِي الجُرْزَةَ الحَطَبَ وَالشَّيْءَ، فَيحملُه بِيَدِهِ.
وَكَانَ يَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ.
فَقَالَ لِي فِي يَوْمٍ شَتوِيٍّ: أُرِيْدُ أَدْخُلَ الحَمَّامَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقُلْ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ.
ثُمَّ بَعثَ إِلَيَّ: إِنِّي قَد أَضربتُ عَنِ الدُّخُوْلِ.
وَتَنَوَّرَ فِي البَيْتِ.
وكُنْت أَسْمَعُه كَثِيْراً يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بُعِثَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حَيْثُ كَانَ
عِنْدَنَا أَيَّامَ يَزِيْدَ جَوْزٌ وَنَبْقٌ كَثِيْرٌ، فَقَبِلَ، وَقَالَ لِي: كُلْ هَذَا.قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي - وَذُكرَ عِنْدَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ - فَقَالَ: مَا اسْتفَادَ مِنَّا أكثرَ مِمَّا اسْتفدنَا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ، فَهُوَ عَنْ أَبِي.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ رَجُلٌ مِن الزُّهَادِ، فَأَدخَلتُه عَلَى أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ فَرْوٌ خَلَقٌ، وَخُرَيْقَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ حَافٍ فِي بَردٍ شَدِيدٍ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جِئْتُ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيْدٍ، وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ السَّلاَمَ عَلَيْكَ، وَأُرِيْدُ عَبَّادَانَ، وَأُرِيْدُ إِنْ أَنَا رَجَعْتُ، أُسِلِّمَ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: إِنْ قُدِّرَ.
فَقَامَ الرَّجُلُ وَسَلَّمَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ قَاعِدٌ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَامَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ حَتَّى يَقُومَ هُوَ، إِلاَّ هَذَا الرَّجُلَ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا تَرَى مَا أَشبهَه بِالأَبدَالِ، أَوْ قَالَ: إِنِّي لأَذكُرُ بِهِ الأَبْدَالَ.
وَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَربعَةَ أرغِفَةٍ مَشطورَةٍ بِكَامَخَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ، لَوَاسَينَاكَ.
وَأَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَكْثَرَ الدَّاعِي لَكَ!
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا اسْتِدرَاجاً بِأَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟
وَقُلْتُ لَهُ: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوْسَ، فَقَالَ: كُنَّا فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ فِي الغَزْوِ إِذَا هَدَأَ اللَّيْلُ، رَفَعُوا أَصوَاتَهُم بِالدُّعَاءِ، ادعُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيْقَ، وَنَرمِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
وَلَقَدْ رُمِيَ عَنْهُ بِحَجَرٍ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَةٍ، فَذَهَبَ برَأْسِهِ وَبَالدَّرَقَةِ.
قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: لَيتَه لاَ يَكُوْنُ اسْتدرَاجاً.
قُلْتُ: كَلاَّ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: عِنْدنَا بِخُرَاسَانَ يَظُنُّوْنَ أَنَّ أَحْمَدَ لاَ يُشبهُ البَشَرَ، يَظُنُّوْنَ أَنَّهُ مِنَ المَلاَئِكَةِ.وَقَالَ آخَرُ: نَظْرَةٌ عِنْدنَا مِنْ أَحْمَدَ تَعدِلُ عِبَادَةَ سَنَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ لاَ يَنْبَغِي، لَكِنَّ البَاعثَ لَهُ حُبُّ وَلِيِّ اللهِ فِي اللهِ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ طَبِيباً نَصرَانيّاً خَرَجَ مِن عِنْدِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ رَاهِبٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَأَلَنِي أَنْ يَجِيْءَ مَعِي لِيَرَى أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَأَدخلتُ نَصرَانيّاً عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لأَشتَهِي أَنْ أَرَاك مُنْذُ سِنِيْنَ، مَا بَقَاؤكَ صلاَحٌ لِلإِسْلاَمِ وَحدَهُم، بَلْ لِلْخَلقِ جَمِيْعاً، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابنَا أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ رَضِيَ بِكَ.
فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي لأَرجُو أَنْ يَكُوْنَ يُدعَى لَكَ فِي جَمِيْعِ الأَمْصَارِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ نَفْسَه، فَمَا يَنْفَعُه كَلاَمُ النَّاسِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ مَاشِياً، وَحَجَّ حَجَّتينِ أَوْ ثَلاَثاً مَاشِياً، وَكَانَ أَصْبَرَ النَّاسِ عَلَى الوحدَةِ، وَبِشْرٌ لَمْ يَكُنْ يَصبرُ عَلَى الوحدَةِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى ذَا وَإِلَى ذَا.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي فَزَارَةَ - جَارُنَا - قَالَ:
كَانَتْ أُمِّي مُقْعَدَةً مِنْ نَحْوِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقَالَتْ لِي يَوْماً: اذهَبْ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلْهُ أَنْ يَدعُوَ لِي.
فَأَتيتُ، فَدققتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي دِهليزِه، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قُلْتُ: رَجُلٌ سَأَلَتْنِي أُمِّي - وَهِيَ مُقَعْدَةٌ - أَنْ أَسْأَلكَ الدُّعَاءَ.
فَسَمِعْتُ كَلاَمَه كَلاَمَ رَجُلٍ مُغْضَبٍ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدعُوَ اللهَ لَنَا.
فَوَلَّيْتُ مُنْصَرِفاً، فَخَرَجَتْ عَجُوْزٌ، فَقَالَتْ: قَدْ تَركتُه يَدعُو لَهَا. فَجِئتُ إِلَى بَيتِنَا،
وَدَقَقْتُ البَابَ، فَخَرَجتْ أُمِّي عَلَى رِجْلَيْهَا تَمْشِي.هَذِهِ الوَاقعَةُ نَقَلَهَا: ثِقَتَانِ، عَنْ عَبَّاسٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلةٍ ثَلاَثَ مائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا مَرِضَ مِن تِلْكَ الأَسواطِ، أَضعفَتْه، فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
وَعَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مِنْ رِبْحِ تِجَارتِه إِلَى أَحْمَدَ، فَرَدَّهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ صَيرفيّاً بذلَ لأَحْمَدَ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَقبَلْ.
وَمِنْ آدَابِهِ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا.
وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ.
ورَأَيْتُهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَسلهَا فِي حُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه.
قُلْتُ: أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً.
أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لأَبِي جَعْفَرٍ - أَكرمَه اللهُ - مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
مَضَى عَمِّي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ، وَثَبَ قَائِماً وَأَكْرَمَهُ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ:مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ، وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِيْنَاراً، فَأَعطيتُ الحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احتَجمتُ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَدْخُلُ الحَمَّامَ، وَيَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ، وَأَصْلحتُ غَيْرَ مَرَّةٍ النُّورَةَ، وَاشتَرَيتُ لَهُ جِلداً لِيَدِهِ يُدخِلَ يَدَهُ فِيْهِ وَيَتَنَوَّرَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا أَرَادَ القِيَامَ، قَالَ لِجُلَسَائِه: إِذَا شِئْتُم.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ أَلقَى لِخَتَّانٍ دِرْهَمَيْنِ فِي الطَّسْتِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي حَدَّثَ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ إِلاَّ بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِذَا صَحَّ عِندَكُمُ الحَدِيْثُ، فَأَخبِرُونَا حَتَّى نَرجِعَ إِلَيْهِ، أَنْتُم أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ، فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذهبَ إِلَيْهِ كُوْفِيّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيّاً أَوْ شَامِيّاً.
قُلْتُ: لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَقُوْلُ: حِجَازيّاً، فَإِنَّهُ كَانَ بَصِيْراً بِحَدِيْثِ
الحِجَازِ، وَلاَ قَالَ: مِصْرِيّاً، فَإِنَّ غَيْرَهُمَا كَانَ أَقعَدَ بِحَدِيْثِ مِصْرَ مِنْهُمَا.الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ:
لَمَّا خَرَجَ أَحْمَدُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، انقطَعتْ بِهِ النَّفقَةُ، فَأَكرَى نَفْسَه مِنْ بَعْضِ الجَمَّالِيْنَ إِلَى أَنْ وَافَى صَنْعَاءَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَصْحَابُه المُوَاسَاةَ، فَلَمْ يَأْخُذْ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، قَالَ:
مَرَّ بِنَا أَحْمَدُ، فَقُلْنَا لإِنْسَانٍ: اتبَعْه، وَانظُرْ أَيْنَ يَذْهَبُ.
فَقَالَ: جَاءَ إِلَى حَنَّكٍ المَرْوَزِيِّ، فَمَا كَانَ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَ.
فَقُلْتُ لِحَنَّكٍ بَعْدُ: جَاءك أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: هُوَ صَدِيْقٌ لِي، وَاسْتَقرَضَ مِنِّي مائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَجَاءنِي بِهَا، فَقُلْتُ: مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا.
فَقَالَ: وَأَنَا مَا نَويتُ إِلاَّ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبرِيُّ، قَالَ:
حُمِلَ إِلَى الحَسَنِ الجَرَوِيِّ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَأَتَى أَحْمَدَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَمَا قَبِلهَا.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَاكِرُ بنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُوْلُ:
ذَكَرُوا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيْهَا، فَبَعَثَ إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ، فَاقتَرضَ مِنْهُ دَقِيْقاً، فَجَهَّزوهُ بِسُرعَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ ذَا؟
قَالُوا: تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَرٌ، فَخَبَرْنَا فِيْهِ.
فَقَالَ: ارفَعُوا.
وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَينَهُ وَبَيْنَ صَالِحٍ.
قُلْتُ: لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّلِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، صَحِبنَاهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا افتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخَيْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سُبْعاً، وَكَانَ يَنَامُ نَومَةً
خَفِيْفَةً بَعْدَ العِشَاءِ، ثُمَّ يَقومُ إِلَى الصَّباحِ يُصَلِّي وَيَدعُو.وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، قَالَ:
لَيْسَ يُحرزُ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ إِلاَّ حُفرَتَه، الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا.
وَقَالَ أَبِي فِي مَرَضِه: أَخرِجْ كِتَابَ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ: اقرَأْ عَليَّ حَدِيْثَ لَيْثٍ: أَنَّ طَاوُوْساً كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ فِي المَرَضِ.
فَمَا سَمِعْتُ لأَبِي أَنِيناً حَتَّى مَاتَ.
وَسَمِعَهُ ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: تَمنَّيتُ المَوْتَ، وَهَذَا أَمرٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، ذَاكَ فِتْنَةُ الضَّرْبِ وَالحَبْسِ كُنْت أَحْمِلُه، وَهَذِهِ فِتْنَةُ الدُّنْيَا.
قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَأَيْتُ بِهِ شُحُوباً بِمَكَّةَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ، فَكَلَّمْتُه، فَقَالَ: هَيِّنٌ فِيْمَا اسْتَفَدنَا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ أَبِي: مَا كَتَبنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حِفْظِهِ إِلاَّ المَجْلِسَ الأَوّلَ، وَذَلِكَ أَنَّا دَخَلنَا بِاللَّيْلِ، فَأَملَى عَلَيْنَا سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ جَالَسَ مَعْمَراً تِسْعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ كُلَّ مَا يَقُوْلُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بَعْدَ المائَتَيْنِ، فَسمَاعُه ضَعِيْفٌ.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلُبُ البُدلاَءَ؟
فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أَدرِي.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، خَنَقَتْه العَبرَةُ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ يَمْنَعُنِي أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ، هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ، وَلِباسٌ دُوْنَ لِباسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ
قَلاَئِلُ، مَا أَعدِلُ بِالفَقْرِ شَيْئاً، وَلَوْ وَجَدتُ السَّبيلَ، لَخَرجتُ حَتَّى لاَ يَكُوْنَ لِي ذِكْرٌ.وَقَالَ: أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لاَ أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرَةِ، إِنِّي أَتَمنَّى المَوْتَ صَبَاحاً وَمسَاءً.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَذُكِرَ لأَحْمَدَ أَنَّ رَجُلاً يُرِيْدُ لِقَاءهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمُ اللِّقَاءَ يَتَزَيَّنُ لِي وَأَتزيَّنُ لَهُ.
قَالَ: لَقَدِ اسْتَرَحتُ، مَا جَاءنِي الفَرَجُ إِلاَّ مُنْذُ حَلَفتُ أَنْ لاَ أُحِدِّثَ، وَلَيتنَا نُتْرَكُ، الطَّرِيْقُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً قَالَ: لَمْ يَزهَدْ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي الدَّرَاهِمِ وَحدَهَا.
قَالَ: زَهِدَ فِي النَّاسِ.
فَقَالَ: وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَزهَدَ فِي النَّاسِ؟ النَّاسُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَزهَدُوا فِيَّ.
وسَمِعْتُه يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النَّومَ بَعْدَ العصرِ، يَخَافُ عَلَى عَقلِهِ.
وَقَالَ: لاَ يُفْلِحُ مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، وَلاَ يَخلُو مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ.
وَسُئِلَ عَنِ القِرَاءةِ بِالأَلْحَانِ، فَقَالَ: هَذِهِ بِدعَةٌ لاَ تُسمعُ.وَمِنْ سِيْرَتِهِ:
قَالَ الخَلاَّلُ: قُلْتُ لِزُهَيْرِ بنِ صَالِحٍ: هَلْ رَأَيْتَ جَدَّكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، مَاتَ وَأَنَا فِي عَشْرِ سِنِيْنَ، كُنَّا نَدخُلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَنَا وَأَخوَاتِي، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بَابٌ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا حَبَّتَيْنِ حَبَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ فِي رُقعَةٍ إِلَى فَامِيٍّ يُعَامِلُه.
وَرُبَّمَا مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الشَّمْسِ، وَظَهرُه مَكشُوفٌ، فِيْهِ أَثَرُ الضَّربِ بَيِّنٌ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَصْغَرُ مِنِّي اسْمُهُ عَلِيٌّ، فَأَرَادَ أَبِي أَنْ يَخْتِنَهُ، فَاتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً كَثِيْراً، وَدَعَا قَوْماً.
فَوَجَّهَ إِلَيْهِ جَدِّي: بَلَغَنِي مَا أَحدَثْتَه لِهَذَا، وَإِنَّكَ أَسرفْتَ، فَابدَأْ بِالفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الغَدِ، حَضَرَ الحَجَّامُ، وَحَضَرَ أَهْلُنَا، جَاءَ جَدِّي حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ الصَّبِيِّ، وَأَخرَجَ صُرَيرَةً، فَدَفَعَهَا إِلَى الحَجَّامِ، وَقَامَ، فَنَظَرَ الحَجَّامُ فِي الصُّريرَةِ، فَإذَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.
وَكُنَّا قَدْ رَفَعنَا كَثِيْراً مِنَ الفُرُشِ، وَكَانَ الصَّبِيُّ عَلَى مَصطَبَةٍ مُرتَفِعَةٍ مِنَ الثِّيَابِ المُلَوَّنَةِ، فَلَمْ يُنكِرْ ذَلِكَ.
وَقَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ خُرَاسَانَ ابْنُ خَالَةِ جَدِّي، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي، فَدَخَلْتُ مَعَهُ إِلَى جَدِّي، فَجَاءتِ الجَارِيَةُ بِطَبَقِ خِلاَفٍ، وَعَلَيْهِ خُبْزٌ وَبَقْلٌ وَمِلْحٌ، وَبِغُضَارَةٍِ، فَوَضَعتْهَا بَيْنَ أَيدينَا، فِيْهَا مَصْلِيَّةٌ فِيْهَا لَحمٌ وَصِلقٌ كَثِيْرٌ، فَأَكَلَ مَعَنَا، وَسَأَلَ ابْنَ خَالَتِه عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَهلِه بِخُرَاسَانَ فِي خِلاَلِ الأَكْلِ، فَرُبَّمَا
استَعجَمَ عَلَيْهِ، فَيُكَلِّمُهُ جَدِّي بِالفَارِسيَّةِ، وَيَضَعُ اللَّحْمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَيْنَ يَدِي.ثُمَّ أَخَذَ طَبَقاً إِلَى جَنْبِهِ، فَوُضعَ فِيْهِ تَمرٌ وَجَوزٌ، وَجَعَلَ يَأكُلُ وَيُنَاوِلُ الرَّجُلَ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: لَمْ أَرَ الفَقِيرَ فِي مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِم، مُقَصِّراً عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيْهِ حِلمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالعَجُولِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، وَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ العصرِ لِلْفُتْيَا، لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُسْأَلَ، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ، لَمْ يَتَصَدَّرْ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ أَبِي حَرَّجَ عَلَى النَّملِ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ دَارِهِ، فَرَأَيْتُ النَّمْلَ قَدْ خَرَجنَ بَعْدُ نَمْلاً سُوداً، فَلَمْ أَرَهُم بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمِنْ كَرَمِهِ:
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ المُؤَدِّبُ: كُنْتُ آتِي أَبَاك، فَيَدفعُ إِلَيَّ الثَّلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَيَقَعُدُ مَعِي، فَيَتَحدَّثُ، وَرُبَّمَا أَعطَانِي الشَّيْءَ، وَيَقُوْلُ: أَعطَيتُكَ نِصْفَ مَا عِنْدَنَا.
فَجِئْتُ يَوْماً، فَأَطلْتُ القُعُودَ أَنَا وَهُوَ.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ تَحْتَ كِسَائِه أَرْبَعَةُ أَرغِفَةٍ، فَقَالَ: هَذَا نِصْفُ مَا عِنْدَنَا.
فَقُلْتُ: هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِن غَيْرِكَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَجَاءهُ بَعْضُ قَرَابَتِه، فَأَعطَاهُ دِرْهَمَيْنِ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَبَعَثَ إِلَى البَقَّالِ، فَأَعطَاهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: جِئْتُ أَحْمَدَ، فَأَعطَانِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.
وَقَالَ هَارُوْنُ المُسْتَمْلِي: لَقِيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ.فَأَعطَانِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: مَا عِنْدَنَا غَيْرُهَا.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ وَهبَ لِرَجُلٍ قَمِيصَه، وَقَالَ: رُبَّمَا وَاسَى مِنْ قُوْتِهِ.
وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَمرٌ يَهمُّه مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، لَمْ يُفطِرْ وَوَاصلَ.
وجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الضَّرِيْرُ، وَكَانَ قَالَ قَصِيدَةً فِي ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَشَكَى إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، مَا عِنْدَنَا إِلاَّ هَذَا الجَذَعُ.
فَجِيْءَ بِحَمَّالٍ، قَالَ: فَبِعْتُه بِتِسعَةِ دَرَاهِمَ وَدَانِقَيْنِ.
وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَدِيدَ الحَيَاءِ، كَرِيْمَ الأَخْلاَقِ، يُعجِبُه السَّخَاءُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الفَوَارِسِ سَاكَنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَا مُحَمَّدُ، أَلقَى الصَّبِيُّ المِقرَاضَ فِي البِئرِ.
فَنَزَلتُ، فَأَخرَجْتُه.
فَكَتَبَ لِي إِلَى البَقَّالِ: أَعطِه نِصْفَ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ يَسْوَى قِيرَاطاً، وَاللهِ لاَ أَخَذتُه.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، دَعَانِي، فَقَالَ: كَمْ عَلَيْكَ مِنَ الكِرَاءِ؟
فَقُلْتُ: ثَلاَثَةُ أَشهرٍ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَلبَابِ وَالعِلْمِ، هَلْ تَجدُوْنَ أَحَداً بَلَغَكم عَنْهُ هَذِهِ الأَخْلاَقُ؟!!
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ: كُنَّا عِنْد عَفَّانَ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهم، وَصَنَعَ لَهُم عَفَّانُ حَمَلاً وَفَالُوْذَجَ، فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدَّمُوا، إِلاَّ الفَالُوذَجَ.
فَسَأَلْتُه، فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: هُوَ أَرفَعُ الطَّعَامِ فَلاَ يَأْكلُه.
وَفِي حِكَايَةٍ أُخرَى: فَأَكَلَ لُقمَةَ فَالُوْذَجَ.
وَعَنِ ابْنِ صُبْحٍ، قَالَ: حَضَرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَى طَعَامٍ، فَجَاءوا بِأَرُزٍّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: نِعْمَ الطَّعَامُ، إِنْ أُكلَ فِي أَوِّلِ الطَّعَامِ أَشْبَعَ، وَإِنْ
أُكِلَ فِي آخرِهِ هُضِمَ.وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِجَابَةُ غَيْرِ دَعْوَةٍ.
قَالَ حَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ: لَمْ يَكُنْ لِباسُ أَحْمَدَ بذَاكَ، إِلاَّ أَنَّهُ قُطْنٌ نَظِيْفٌ.
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصَيْنِ وَجُبَّةً مُلَوَّنَةً بَينَهُمَا، وَرُبَّمَا قَمِيصاً وَفَرْواً ثَقيلاً، وَرَأَيْتُه عَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَوْقَ القَلَنْسُوَةِ، وَكِسَاءً ثَقِيْلاً.
فَسَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الوَرْكَانِيَّ يَقُوْلُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا اللِّباسُ كُلُّه؟
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَقِيقٌ فِي البَردِ، وَرُبَّمَا لَبسَ القَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ.
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الصَّيْفِ قَمِيصاً وَسَرَاوِيلَ وَرِدَاءً، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَّشحُ فَوْقَ القَمِيصِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَيْمُوْنِيُّ:
مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ طَيْلسَانُ قَطُّ، وَلاَ رِدَاءٌ، إِنَّمَا هُوَ إِزَارٌ صَغِيْرٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كُنْتُ أَرَى أَزرَارَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَحلُولَةً، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَالِ وَمِنَ الخِفَافِ غَيْرَ زَوجٍ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِ مُخَضَّراً وَلاَ شَيْئاً لَهُ قِبَالاَنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ نَعْلَيْنِ حَمرَاوَينِ لَهُمَا قِبالٌ وَاحِدٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثَهُم فِي آدَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَجْهَلُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ، حَلُمَ
وَاحتَمَلَ، وَيَقُوْلُ: يَكفِي اللهُ.وَلَمْ يَكُنْ بِالحَقُودِ وَلاَ العَجُولِ، كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَكَانَ يُحِبُّ فِي اللهِ، وَيُبَغِضُ فِي اللهِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَمرٍ مِنَ الدِّينِ، اشتَدَّ لَهُ غَضبُهُ، وَكَانَ يَحتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجِيْرَانِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: صَلَّيْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ العَصرَ، فَصَلَّى مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُتَّلِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُه بِالسُّنَّةِ، فَقَعَدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَبقيتُ أَنَا وَهُوَ وَالخُتَّلِيُّ فِي المَسْجَدِ مَا مَعَنَا رَابِعٌ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: نَهيْتَ عَنْ زَيْدِ بنِ خَلَفٍ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ؟
قَالَ: كتبَ إِلَيَّ أَهْلُ الثَّغْرِ يَسْأَلُوْنِي عَنِ أمرِه، فكتبتُ إِلَيْهِم، فَأَخبرتُهُم بِمَذْهَبِه وَمَا أحْدَثَ، وَأَمرتُهُم أَنْ لاَ يُجَالِسوهُ، فَاندفعَ الخُتَّلِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَرُدَّنَّكَ إِلَى مَحبسِك، وَلأَدُقَّنَّ أضلاعَكَ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: لاَ تُكَلِّمْه وَلاَ تُجِبْه.
وَأخذَ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَعْلَيه، وَقَامَ، فَدَخَلَ، وَقَالَ: مُرِ السُّكَانَ أَنْ لاَ يُكلِّمُوهُ وَلاَ يَردُّوا عَلَيْهِ.
فَمَا زَالَ يَصيحُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، ذهبَ هَذَا الخُتَّلِيُّ إِلَى شُعَيْبٍ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ عَلَى قَضَاءِ بَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ فِي يَدَيْهِ وَصِيَّةٌ، فَسَأَله عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: يَا عَدُوَّ اللهِ، وَثبْتَ عَلَى أَحْمَدَ بِالأمسِ، ثُمَّ جِئْتَ تَطلُبُ الوَصيَّةَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تَتقرَّبَ إِلَيَّ بِذَا.
فَزبَرَه، ثُمَّ أَقَامَه، فَخَرَجَ بَعْدُ إِلَى حِسْبَةِ العَسْكَرِ.
وَسردَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِيْمَنْ أَهدَى شَيْئاً إِلَى أَحْمَدَ، فَأَثَابَه بِأَكْثَرَ مِنْ هَدِيَّتِه.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ سُفْيَانَ المُسْتَمْلِي، قَالَ:
جِئْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي جَاءتْه مِنَ المُتَوَكِّلِ، فَأَعطَانِي
مائَتَي دِرْهَمٍ، فَقُلْتُ: لاَ تَكفِينِي.قَالَ: لَيْسَ هُنَا غَيْرُهَا، وَلَكِن هُوَ ذَا، أَعملُ بِكَ شَيْئاً، أُعطيكَ ثَلاَثَ مائَةٍ تُفرِّقهَا.
قَالَ: فَلَمَّا أَخَذتُهَا، قُلْتُ: لَيْسَ -وَاللهِ- أُعْطِي أَحَداً مِنْهَا شَيْئاً، فَتَبَسَّمَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي دَخَلَ الحَمَّامَ قَطُّ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ لَمَّا ضُرِبَ وَبرِئَ، وَكَانَتْ يَدُه وَجِعَةً مِمَّا علقَ، وَكَانَتْ تضربُ عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا لَهُ الحَمَّامَ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَبِي: يَا أَبَا يُوْسُفَ، كَلِّمْ صَاحِبَ الحَمَّامِ يُخْلِيهِ لِي.
فَفَعَلَ، ثُمَّ امتنعَ، وَقَالَ: مَا أُرِيْدُ أَن أَدْخُلَ الحَمَّامَ.
زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي كَثِيْراً يَتلُو سُوْرَةَ الكهفِ، وَكَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُه يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وحَدَّثَنَا عَنْ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِحَدِيْثِ مَعُونَةَ فِي البَلاَءِ: اللَّهُمَّ رَضِينَا، اللَّهُمَّ رَضِينَا.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقومُ لوِردِه قَرِيْباً مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ حَتَّى يُقَارِبَ السَّحَرَ، وَرَأَيْتُه يَركعُ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعشَاءِ.وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رُبَّمَا سَمِعْتُ أَبِي فِي السَّحَرِ يَدعُو لأَقوامٍ بِأَسمَائِهِم، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَيُخفِيه، وَيُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ، فَإِذَا صَلَّى عشَاءَ الآخِرَةِ، رَكعَ رَكَعَاتٍ صَالِحَةً، ثُمَّ يُوترُ، وَينَامُ نومَةً خَفِيْفَةً، ثُمَّ يَقومُ فيُصَلِّي.
وَكَانَتْ قِرَاءتُه ليِّنَةً، رُبَّمَا لَمْ أَفهَمْ بَعْضَهَا، وَكَانَ يَصُوْمُ وَيُدمِنُ، ثُمَّ يُفطرُ مَا شَاءَ اللهُ، وَلاَ يتركُ صومَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسِ وَأَيَّامِ البِيْضِ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ العَسْكَرِ، أَدمنَ الصَّوْمَ إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
حَجَجْتُ عَلَى قَدَمِي حَجَّتينِ، وَكَفَانِي إِلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً.
تَرْكُهُ لِلْجهَاتِ جُمْلَةً:
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؛ خَادِمِ المُزَنِيِّ، عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ، قَالَ: اليَمَنُ يَحْتَاجُ إِلَى حَاكِمٍ، فَانْظُرْ رَجُلاً نُوَلِّيْهِ.
فَلَمَّا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَرَأَى أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مِنْ أَمثَلِهِم، كَلَّمَه فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: تَهَيَّأْ حَتَّى أُدْخِلَكَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأَقتَبِسَ مِنْكَ العِلْمَ، وَتَأْمُرُنِي أَنْ أَدْخُلَ فِي القَضَاءِ!
وَوبَّخَهُ، فَاسْتَحْيَا الشَّافِعِيُّ.
قُلْتُ: إِسْنَادُه مُظلِمٌ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: قِيْلَ: كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ الأَمِيْنِ.
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِر بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا الخَلاَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، قَالَ:
أُخبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي مُحَمَّداً- سَأَلَنِي أَنَّ أَلتَمِسَ لَهُ قَاضِياً لِليَمَنِ، وَأَنْت تُحِبُّ الخُرُوجَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَدْ نِلتَ حَاجَتَكَ، وَتَقْضِي بِالْحَقِّ.
فَقَالَ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ ثَانيَةً، لَمْ تَرَنِي عِنْدَكَ.
فَظننتُ أَنَّهُ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، أَوْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ.
الصَّنْدَلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ:
أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَثِيْراً عِنْدَ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَذَكَرَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْماً اغتمَامَه بِرجلٍ يَصلُحُ لِلْقَضَاءِ صَاحِبِ سُنَّةٍ.
قَالَ: قَدْ وَجدتَ.
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
فَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَلَقِيَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَخْمِلْ هَذَا، وَاعفنِي، وَإِلاَّ خَرَجتُ مِنَ البَلدِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كتبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه:
إِنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ وَجَّهَ إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِي كِتَابُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قُلْتُ: كِتَابُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَأَخذَه وَقرَأهُ، وَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّه،
وَأُحِبُّ حَمْزَةَ بنَ الهَيْصَمِ البُوْشَنْجِيَّ؛ لأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِطَا بِأَمرِ السُّلْطَانِ.قَالَ: فَأمسكَ أَبِي عَنْ مُكَاتِبَةِ إِسْحَاقَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيَّ يَقُوْلُ:
قَدمتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَعَلَ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنهُ يُكتبُ عَنِّي بِخُرَاسَانَ، وَإِنْ عَامَلتَنِي هَذِهِ المُعَامَلَةَ، رَمَوْا حَدِيْثِي.
قَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَلْ بُدٌّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ وَأَتْبَاعُه؟ فَانْظُرْ أَيْنَ تَكُوْنُ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالْقَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَارِقٍ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَسْتمِدُّ مِن مِحْبَرَتِكَ.
فَنَظَر إِلَيَّ، وَقَالَ: لَمْ يَبلغْ وَرعِي وَرعَكَ هَذَا، وَتَبَسَّمَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُقَالُ فِي وَجْهِهِ: أَحببتَ السُّنَّةَ.
قَالَ: هَذَا فَسَادٌ لِقَلبِهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ خُرَاسَانِيٌّ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَأَيْتُكَ.
قَالَ: اقعُدْ، أَيُّ شَيْءٍ ذَا؟ مَنْ أَنَا؟
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثرَ الغَمِّ فِي وَجْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ أَثنَى عَلَيْهِ شَخصٌ، وَقِيْلَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً.
قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً، مَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟!
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:
مَسحتُ يَدِي عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَنفُضُ يَدَه، وَيَقُوْلُ: عَمَّنْ أَخذتُم هَذَا؟
وَقَالَ خَطَّابُ بنُ بِشْرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الوَرَعِ، فَتَبَيَّنَ
الاغتمَامُ عَلَيْهِ إِزرَاءً عَلَى نَفْسِهِ.وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلاَقَ الوَرِعينَ، فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَمقُتَنَا، أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاَءِ؟!!
فَقَالَ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ رَجُلاً سَألَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَلفتُ بِيَمِيْنٍ لاَ أَدرِي أَيْشٍ هِيَ؟
فَقَالَ: لَيتَكَ إِذَا دَرَيْتَ، دَرَيْتُ أَنَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُجيبُ فِي العُرسِ وَالخِتَانِ، وَيَأْكُلُ.
وَذَكرَ غَيْرُه: أَنَّ أَحْمَدَ رُبَّمَا اسْتَعفَى مِنَ الإِجَابَةِ.
وَكَانَ إِنْ رَأَى إِنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ مُنْكَراً، خَرَجَ.
وَكَانَ يُحِبُّ الخمُوْلَ وَالانزوَاءَ عَنِ النَّاسِ، وَيَعُودُ المريضَ، وَكَانَ يَكْرَهُ المشْيَ فِي الأَسواقِ، وَيُؤثِرُ الوَحدَةَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ فَتْحَ بنَ نُوْحٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَشتهِي مَا لاَ يَكُوْنُ، أَشْتَهِي مَكَاناً لاَ يَكُوْنُ فِيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: رَأَيْتُ الخَلوَةَ أَروحَ لِقَلْبِي.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ:
قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا مَشَى فِي الطَّرِيْقِ، يَكْرَهُ أَنْ يَتبعَه أَحَدٌ.
قُلْتُ: إِيثَارُ الخُمُوْلِ وَالتَّوَاضُعِ وَكَثْرَةُ الوَجَلِ مِنْ عَلاَمَاتِ التَّقْوَى وَالفَلاَحِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، يَقُوْلُ: الأَعْمَالُ بِخَوَاتيمِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوتُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً، لاَ عَلِيَّ وَلاَ لِيَ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَدْخلتُ إِبْرَاهِيْمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ - وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَاماً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّةَ.
فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَه بِمِثلِ هَذَا، وَخَرَجَ إِلَى سَفكِ الدِّمَاءِ، وَقَالَ: الرُّؤيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: بَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي مَرَضِ المَوْتِ دَماً عَبِيطاً، فَأَرَيْتُه الطَّبِيْبَ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الغَمُّ - أَوِ الخَوْفُ - جَوفَه.
وَرُوِيَ عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحَ مَنْ رَبُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ، وَنَبِيُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَالمَلَكَانِ يَطْلُبَانِهِ بِتَصْحِيْحِ العَمَلِ، وَنَفْسُهُ تُطَالِبُهُ بِهَوَاهَا، وَإِبْلِيْسُ يُطَالِبُهُ بِالفَحْشَاءِ، وَمَلَكُ المَوْتِ يُرَاقِبُ قَبْضَ رُوْحِهِ، وَعِيَالُهُ يُطَالِبُوْنَهُ بِالنَّفَقَةِ؟!
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
مَرَرْتُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِي، فَاسْتقبلَتْنَا امْرَأَةٌ بِيَدِهَا طُنُبورٌ، فَأَخَذْتُه، فَكَسَرتُه، وَجَعَلتُ أَدُوسُه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ وَاقفٌ مُنَكِّسُ الرَّأْسِ.
فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَانتشرَ أَمرُ الطُّنبورِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا عَلِمتُ أَنَّكَ كَسرتَ طُنُبوراً إِلَى السَّاعَةِ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ:
قَالَ لِي أَحْمَدُ: أَبوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِيْنَ أَدعُو لَهُم سَحَراً.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ تَوَارَى مِنَ السُّلْطَانِ عِنْدِي ... ، وَذَكَرَ مِنْ اجْتِهَادِه فِي العِبَادَةِ أَمراً عَجباً.
قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَقوَى مَعَهُ عَلَى العِبَادَةِ، وَأَفْطَرَ يَوْماً وَاحِداً، وَاحْتَجَمَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، قَالَ:كُنْتُ أَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ غُلاَمٌ، وَهُوَ يُحْيِي اللَّيْلَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو زُرْعَةَ نَزَلَ عِنْدَ أَبِي، فَكَانَ كَثِيْرَ المُذَاكرَةِ لَهُ؛ فَسَمِعْتُ أَبِي يَوْماً يَقُوْلُ: مَا صَلَّيْتُ اليَوْمَ غَيْرَ الفَرِيْضَةِ، اسْتَأثرتُ بِمُذَاكَرَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى نَوَافلِي.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ فِي دِهلِيزنَا دُكَّانُ، إِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيْدُ أَبِي أَنْ يَخلُوَ مَعَهُ، أَجْلَسَهُ ثَمَّ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ، أَخذَ بَعْضَادَتَيِ البَابِ، وَكَلَّمَهُ.
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَالَ لِي: قُلْ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ السَّائِحُ.
قَالَ: فَقَالَ أَبِي: سَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ.
فَسلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا إِبْرَاهِيْمَ.
قَالَ: خَرَجتُ إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَصَابتَنِي عِلَّةٌ، فَقُلْتُ: لَوْ تَقرَّبتُ إِلَى الدَّيرِ، لَعَلَّ مَنْ فِيْهِ مِنَ الرُّهبَانِ يُدَاوينِي.
فَإذَا بِسَبُعٍ عَظِيْمٍ يَقصِدُنِي، فَاحتَمَلنِي عَلَى ظَهْرِه حَتَّى أَلقَانِي عِنْدَ الدَّيرِ، فَشَاهَدَ الرُّهبَانُ ذَلِكَ، فَأَسْلَمُوا كُلُّهُم، وَهُمْ أَرْبَعُ مائَةٍ.
ثُمَّ قَالَ لأَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، حُجَّ.
فَانتبهتُ، وَجَعَلتُ فِي المِزْوَدِ فتيتاً، وَقَصدتُ نَحْوَ الكُوْفَةِ، فَلَمَّا تَقَضَّى بَعْضُ النَّهَارِ، إِذَا أَنَا بِالْكُوْفَةِ، فَدَخَلْتُ الجَامِعَ، فَإذَا أَنَا بِشَابٍّ حَسَنِ الوَجْهِ، طَيِّبِ الرِّيْحِ.
فَسلَّمتُ وَكَبَّرتُ، فَلَمَّا فَرَغتُ مِنْ صَلاَتِي، قُلْتُ: هَلْ بَقِيَ مَنْ يَخرجُ إِلَى الحَجِّ؟
فَقَالَ: انتظِرْ حَتَّى يَجِيءَ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِنَا، فَإذَا أَنَا بِرجلٍ فِي مِثْلِ حَالِي.
فَلَمْ نَزَلْ نَسِيْرُ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي مَعِي: رَحِمَكَ اللهُ، ارْفُقْ بِنَا.
فَقَالَ الشَّابُّ: إِنْ كَانَ مَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَسَوفَ يُرْفقُ بِنَا.
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ الخَضِرُ، فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: هَلْ لَكَ فِي الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: كُلْ مِمَّا
تَعرِفُ، وَآكلُ مِمَّا أَعْرِفُ.فَلَمَّا أَكَلنَا، غَابَ الشَّابُّ، ثُمَّ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ فَرَاغِنَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ، إِذَا نَحْنُ بِمَكَّةَ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ.
قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ شَاقْلاَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الرَّزَّازُ - جَارُنَا - سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ المَوْلَى، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ ... ، فَذَكَرَهَا.
فَلَعَلَّهَا مِنْ وَضْعِ الرَّزَّازِ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ لَنَا.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبُّ، فَاجعَلْنَا لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ بِالقدرَةِ الَّتِي قُلْتَ لِلسَّموَاتِ وَالأرضِ: {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِيْنَ} [فُصِّلَت: 11] ، اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمرضَاتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ إِلاَّ إِلَيْكَ، وَمِنَ الذُّلِّ إِلاَّ لَكَ.
رُوَاتُهَا أَئِمَّةٌ إِلَى الصَّفَّارِ، وَلاَ أَعرِفُه.
وَهِيَ مُنْكَرَةٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ - وَذَكَرَ أَحْمَدَ، فَدَمَعَتْ عَينُه - وَقَالَ:
قَدِمَ وَبَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَهُ نَفِدَتْ، فَأَخَذتُ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، وَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلتُ شَيْئاً مِنَ النَّاسِ، قَبِلتُ مِنْكَ، وَلَمْ يَقبلْ مِنِّي شَيْئاً.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو غَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: جَاءتَنِي حُسْنُ، فَقَالَتْ: قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِتِلِّيسَةٍ فِيْهَا فَاكِهَةٌ يَابسَةٌ، وَبِكِتَابٍ.فَقُمْتُ، فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، فَإِذَا فِيْهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَبضَعتُ لَكَ بِضَاعَةً إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَرَبِحتُ، فَبَعَثتُ بِذَلِكَ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَفَاكهَةً أَنَا لَقطتُهَا مِنْ بُستَانِي وَرِثتُه مِنْ أَبِي.
قَالَ: فَجَمَعتُ الصِّبْيَانَ، وَدَخلنَا، فَبكيتُ، وَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا تَرِقُّ لِي مِنْ أَكلِ الزَّكَاةِ؟
ثُمَّ كَشفَ عَنْ رَأْسِ الصِّبْيَةِ، وَبَكَيْتُ.
فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمتَ؟ دَعْ حَتَّى أَسْتخيرَ اللهَ اللَّيْلَةَ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ: اسْتخرتُ اللهَ، فَعَزمَ لِي أَنْ لاَ آخُذُهَا.
وَفَتحَ التَّلِّيسَةَ، فَفَرَّقهَا عَلَى الصِّبْيَانِ، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ عُشَارِيٌّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الرَّجُلِ، وَرَدَّ المَالَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ:
مَرضَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَعَادَهُ النَّاسُ -يَعْنِي: قَبْلَ المائَتَيْنِ- وَعَادَه عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، فَتَركَ عِنْدَ رَأْسِه صُرَّةً، فَقُلْتُ لَهُ عَنْهَا، فَقَالَ:
مَا رَأَيْتُ، اذهبْ فَرُدَّهَا إِلَيْهِ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَتْ:
وَقَعَ الحَرِيْقُ فِي بَيْتِ أَخِي صَالِحٍ، وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَتِيَّةٍ، فَحَمَلُوا إِلَيْهِ جِهَازاً شَبِيهاً بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَكَلَتْه النَّارُ، فَجَعَلَ صَالِحٌ يَقُوْلُ: مَا غَمَّنِي مَا ذَهَبَ إِلاَّ ثَوْبٌ لأَبِي كَانَ يُصَلِّي فِيْهِ أَتَبَرَّكُ بِهِ وَأُصَلِّي فِيْهِ.
قَالَتْ: فَطُفِئَ الحَرِيْقُ، وَدَخَلُوا، فَوَجَدُوا الثَّوْبَ عَلَى سَريرٍ قَدْ أَكلتِ النَّارُ مَا حَوْلَهُ وَسَلِمَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَبَلَغَنِي عَنْ قَاضِي القُضَاةِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيِّ:
أَنَّهُ حَكَى أَنَّ الحَرِيْقَ وَقَعَ فِي دَارِهِم، فَأَحرقَ مَا فِيْهَا إِلاَّ كِتَاباً كَانَ فِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
قَالَ: وَلَمَّا وَقَعَ الغَرقُ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ 554 وَغَرِقتْ
كُتُبِي، سَلِمَ لِي مُجَلَّدٌ فِيْهِ وَرَقتَانِ بِخَطِّ الإِمَامِ.قُلْتُ: وَكَذَا اسْتفَاضَ وَثبتَ أَنَّ الغرقَ الكَائِنَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ بِبَغْدَادَ عَامَ عَلَى مَقَابِرِ مَقْبَرَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ المَاءَ دَخَلَ فِي الدِّهلِيزِ عُلُوَّ ذِرَاعٍ، وَوَقَفَ بِقُدرَةِ اللهِ، وَبَقِيتِ الحُصُرُ حَولَ قَبْرِ الإِمَامِ بِغُبارِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً.
أَبُو طَالِبٍ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدَثٌ، وَمَا فِي وَجْهِهِ طَاقَةٌ، وَهُوَ يُذكَرُ.
وَرَوَى: حَرَمِيُّ بنُ يُوْنُسَ، عَنِ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ أَيَّامَ هُشَيْمٍ وَلَهُ قَدْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَخَذْنَا هَذَا العِلْمَ بِالذُّلِّ، فَلاَ نَدفعُهُ إِلاَّ بِالذُّلِّ.
مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شِهَابٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ نَكتبُ فِي طَرِيْقنَا؟ فَقَالَ:
عَلَيْكُم بِهَنَّادٍ، وَبِسُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، وَبِمَكَّةَ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَإِيَّاكُم أَنْ تَكْتُبُوا -يَعْنِي: عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَهوَاءِ، قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً- عَلَيْكُمُ بِأَصْحَابِ الآثَارِ وَالسُّنَنِ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَتبَ إِلَيَّ الفَتْحُ بنُ شَخْرَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُوْسَى بنَ حِزَامٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَختلِفُ إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الجَوْزَجَانِيِّ فِي كُتبِ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَقبَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟
قُلْتُ: إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ.
فَقَالَ: العَجبُ مِنْكُم! تَرَكتمُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيْدَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ أَنَسٍ، وَأَقبَلتُم عَلَى ثَلاَثَةٍ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبُو سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ، عَنْهُ!
قَالَ: فَانحدرتُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:وَاللهِ لَقَدْ أَعطيتُ المَجهودَ مِنْ نَفْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو كَفَافاً.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى الضَّرِيْرَ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كم يَكفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيْثِ حَتَّى يَكُوْنَ مُفتِياً؟ يَكْفِيه مائَةُ أَلْفٍ؟
فَقَالَ: لاَ.
... إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَكْفِيه خَمْسُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: أَرْجُو.
المِحْنَةُ :
قَالَ عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ ٍعَبَّاس:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم - مَخَافَةُ النَّاسِ - أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ عَلِمَهُ) .
تَفَرَّدَ بِهِ: عَمْرٌو، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُوْلَ بِالحَقِّ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ ) .
غَرِيْبٌ، فَرْدٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُعَلَّى بنُ زِيَادٍ - وَهَذَا لَفْظُهُ - عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَحَبُِّ الجِهَادِ إِلَى اللهِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ لإِمَامٍ جَائِرٍ ) .
إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَالزَمِ الحَقَّ، يُنْزِلْكَ الحَقُّ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ، يَوْمَ لاَ يُقضَى إِلاَّ بِالْحَقِّ.
وبَإِسْنَادٍ وَاهٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَبَى الحَقُّ أَنْ يَترُكَ لَهُ صَدِيْقاً.
الصَّدعُ بِالْحَقِّ عَظِيْمٌ، يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ وَإِخْلاَصٍ، فَالمُخْلِصُ بِلاَ قُوَّةٍ يَعجِزُ عَنِ القِيَامِ بِهِ، وَالقَوِيُّ بِلاَ إِخلاَصٍ يُخْذَلُ، فَمَنْ قَامَ بِهِمَا كَامِلاً، فَهُوَ صِدِّيْقٌ، وَمَنْ ضَعُفَ، فَلاَ أَقَلَّ مِنَ التَّأَلُّمِ وَالإِنكَارِ بِالقَلْبِ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ إِيْمَانٌ - فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ -.سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُوْلَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعُ مِنْهُم ) .
هَكَذَا رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ سُفْيَانَ.
وَرَوَاهُ: النَّضْرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، مَرْفُوْعاً.
وَرَوَاهُ: سَيْفُ بنُ هَارُوْنَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ:
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ،
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْراً للهِ فِيْهِ مَقَالٌ، فَلاَ يَقُوْلُ فِيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ؟
فَيَقُوْلُ: مَخَافَةُ النَّاسِ.
فَيَقُوْلُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخَافَ ) .
رَوَاهُ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلاَّدٌ، عَنْهُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةُ المُضِلُّوْنَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ عَلَيْهِم، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُم إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِيْنَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفُهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ ) .
الحُسَيْنُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (للهِ عِنْدَ إِحْدَاثِ كُلِّ بِدْعَةٍ تَكِيْدُ الإِسْلاَمَ وَلِيٌّ يَذُبُّ عَنْ دِيْنهِ) ... ، الحَدِيْثَ.
هَذَا مَوْضُوْعٌ، مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَدِينُهُم قَائِماً فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ قُفْلُ بَابِ الفِتْنَةِ؛ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَانكسرَ البَابُ، قَامَ رُؤُوْسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ حَتَّى ذُبِحَ صَبراً، وَتَفرَّقتِ الكَلِمَةُ، وَتَمَّتْ وَقعَةُ الجَمَلِ، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّيْنَ.
فَظَهَرَتِ الخَوَارِجُ، وَكَفَّرتْ سَادَةَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِبُ.
وَفِي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهرتِ القَدَرِيَّةُ، ثُمَّ ظَهرتِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ، وَالجَهْمِيَّةُ وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ فِي أَثْنَاء عَصرِ التَّابِعِيْنَ مَعَ ظُهورِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى بَعْدِ المائَتَيْنِ، فَظَهَرَ المَأْمُوْنُ الخَلِيْفَةُ - وَكَانَ ذَكِيّاً مُتَكَلِّماً، لَهُ نَظَرٌ فِي المَعْقُوْلِ - فَاسْتجلَبَ كُتبَ الأوَائِلِ، وَعَرَّبَ حِكمَةَ اليُونَانِ، وَقَامَ فِي ذَلِكَ وَقَعَدَ، وَخَبَّ وَوَضَعَ، وَرَفَعَتِ الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ رُؤُوْسَهَا، بَلْ وَالشِّيْعَةُ، فَإنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ.
وَآلَ بِهِ الحَالُ أَنْ حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَامتَحنَ العُلَمَاءَ، فَلَمْ يُمْهَلْ.
وَهَلَكَ لِعَامِه، وَخَلَّى بَعْدَهُ شَرّاً وَبَلاَءً فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالتْ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- وَوَحْيُه وَتَنْزِيْلُه، لاَ يَعْرِفُوْنَ غَيْرَ ذَلِكَ، حَتَّى نَبَغَ لَهُمُ القَوْلُ بِأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوْقٌ مَجْعُولٌ، وَأنَّه إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- إِضَافَةَ تَشرِيفٍ، كَبَيتِ اللهِ، وَنَاقَةِ اللهِ.
فَأَنكرَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ.
وَلَمْ تَكُنِ الجَهْمِيَّةُ يَظهرُوْنَ فِي دَوْلَةِ المَهْدِيِّ وَالرَّشِيْدِ وَالأَمِيْنِ، فَلَمَّا وَلِيَ المَأْمُوْنُ، كَانَ مِنْهُم، وَأَظهرَ المَقَالَةَ.
رَوَى: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ:
أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرَ بنَ غِيَاثٍ المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَلِلِّهِ عَلَيَّ
إِنْ أَظفَرَنِي بِهِ، لأقْتُلَنَّه.قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: وَكَانَ مُتَوَارِياً أَيَّامَ الرَّشِيْدِ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيْدُ، ظَهَرَ، وَدَعَا إِلَى الضَّلاَلَةِ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ المَأْمُوْنَ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ، وَنَاظَرَ، وَبَقِيَ مُتوقِّفاً فِي الدُّعَاءِ إِلَى بِدعَتِهِ.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ: خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ، فَحَسَّنُوا لَهُ القَوْلَ بِخَلقِ القُرْآنِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقبُ بَقَايَا الشُّيُوْخِ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُه، وَامتَحَنَ النَّاسَ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَكْثَمَ، قَالَ:
قَالَ لَنَا المَأْمُوْنَ: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لأَظهرتُ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَنْ يَزِيْدُ حَتَّى يُتَّقَى؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِي أَخَافُ إِنْ أَظْهَرتُهُ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، يَخْتلِفُ النَّاسُ، وَتَكُوْنُ فِتْنَةٌ، وَأَنَا أَكرهُ الفِتْنَةَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ لَهُ: نَعَمْ.
فَخَرَجَ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءَ إِلَى يَزِيْدَ، وَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَن أُظْهِر خَلقَ القُرْآنِ.
فَقَالَ: كَذبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لاَ يَحمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَاقعُدْ، فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي المَجْلِسِ، فَقُلْ.
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ الغَدُ، اجْتَمَعُوا، فَقَامَ، فَقَالَ كَمَقَالتِه.
فَقَالَ يَزِيْدُ: كَذَبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه لاَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
قَالَ: فَقَدِمَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، كُنْتَ أَعْلَمَ، وَقَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَيْحَكَ يُلْعبُ بِكَ!!
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:لَمَّا دَخلنَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، قَرَأَ عَلَيْنَا كِتَابَ الَّذِي صَارَ إِلَى طَرَسُوْسَ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ- فَكَانَ فِيْمَا قُرِئَ عَلَيْنَا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] : {وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأَنعَامُ: 102] .
فَقُلْتُ: {وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} .
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ امْتُحِنَ القَوْمُ، وَوُجِّهَ بِمَنْ امتنعَ إِلَى الحَبْسِ، فَأجَابَ القَوْمُ جَمِيْعاً غَيْرَ أَرْبَعَةٍ: أَبِي، وَمُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ حَمَّادٍ سَجَّادَةَ.
ثُمَّ أَجَابَ هَذَانِ، وَبَقِيَ أَبِي وَمُحَمَّدٌ فِي الحَبْسِ أَيَّاماً، ثُمَّ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ طَرَسُوْسَ بِحَمْلهِمَا مُقَيَّدَيْنِ زَمِيلَينِ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، قَالَ:
لَمَّا أُحْضِرنَا إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ أَيَّامَ المِحْنَةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قد أحْضِرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ يُجِيْبُوْنَ، وَكَانَ رَجُلاً لَيِّناً، فَانتفَخَتْ أَوْدَاجُه، وَاحْمرَّتْ عَينَاهُ، وَذَهَبَ ذَلِكَ اللِّيْنُ.
فَقُلْتُ: إِنَّه قَدْ غَضِبَ للهِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:
كَانَ مِن أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ إِذَا أُرِيدَ عَلَى شَيْءٍ مِن أَمرِ دِينِه، رَأَيْتَ حَمَالِيْقَ عَيْنَيْهِ فِي رَأْسهِ تَدُورُ كَأنَّه مَجنُوْنٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ: عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُسَامَةَ يَقُوْلُ:
حُكِيَ لَنَا أَنَّ أَحْمَدَ قِيْلَ لَهُ أَيَّامَ المِحْنَةِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَوَلاَ تَرَى الحَقَّ كَيْفَ ظَهرَ عَلَيْهِ البَاطِلُ؟
قَالَ: كَلاَّ، إِن ظُهورَ البَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ القُلُوْبُ مِنَ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ، وَقُلُوْبُنَا بَعْدُ لاَزمَةٌ لِلْحقِّ.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلَى المَأْمُوْنِ، أُخبرتُ، فَعَبَرْتُ الفُرَاتَ، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الخَانِ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، تَعَنَّيْتَ.فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأسٌ، وَالنَّاسُ يَقتدُوْنَ بِكَ، فَوَ اللهِ لَئِنْ أَجبتَ إِلَى خَلقِ القُرْآنِ، لَيُجِيْبَنَّ خَلقٌ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُجِبْ، لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّك تَمُوتُ، لاَبُدَّ مِنَ المَوْتِ، فَاتَّقِ اللهَ وَلاَ تُجِبْ.
فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَعِدْ عَلَيَّ.
فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَوّلُ يَوْمٍ امَتَحَنه إِسْحَاقُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَقعدَ فِي مَسْجِدِه، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ: أَخْبِرْنَا بِمَنْ أَجَابَ.
فَكَأنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ أيْضاً.
قَالَ: فَلَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - وَالحَمْدُ للهِ -.
ثُمَّ ذَكرَ مَنْ أَجَابَ وَمَنْ وَاتَاهُم عَلَى أَكْثَرِ مَا أَرَادُوا، فَقَالَ: هُوَ مَجْعُولٌ مُحْدَثٌ.
وَامتَحَنَهُم مَرَّةً مَرَّةً، وَامتَحَنَنِي مَرَّتينِ مَرَّتينِ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قُلْتُ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَقَامَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ سَأَلهُم، ثُمَّ رَدَّنِي ثَانيَةً، فَسَأَلنِي وَأَخَذَنِي فِي التَّشبيهِ.
فَقُلْتُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشُّورَى:11] .
فَقَالَ لِي: وَمَا السَّمِيعُ البَصِيرُ؟
فَقُلْتُ: هَكَذَا قَالَ تَعَالَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: جَعَلُوا يُذَاكرُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ فِي التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيْهَا.
فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُوْنَ بِحَدِيْثِ خَبَّابٍ: (إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ، لاَ يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيْنِهِ ) .
فَأَيِسنَا مِنْهُ.
وَقَالَ: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْسِ، مَا هُوَ وَمَنْزِلِي إِلاَّ وَاحِدٌ، وَلاَ قَتلاً بِالسَّيْفِ، إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْطِ.فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ، فَقَالَ: لاَ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ سَوْطَانِ، ثُمَّ لاَ تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ البَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلاَفَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ، وَلاَ خَالَطَ المُلُوْكَ، كَانَ أَثبتَ قَلْباً مِنْ أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ فِي عَيْنِهِ إِلاَّ كَأَمثَالِ الذُّبَابِ.
وحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ هُوَ حَدَّثَنِي:
أنَّهُم أَنْفَذوهُ إِلَى أَحْمَدَ فِي مَحبسِه لِيُكَلِّمهُ فِي مَعْنَى التَّقيَّةِ، فَلَعَلَّهُ يُجِيْبُ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرتُ وَهُوَ لاَ يُجِيبنِي.
ثُمَّ قَالَ لِي: مَا قَوْلُكَ اليَوْمَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهوِ؟
وَإِنَّمَا أَرسلُوهُ إِلَى أَحْمَدَ لِلإِلفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ أَيَّامَ لُزُوْمِهِمُ الشَّافِعِيَّ.
فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَتَقَشَّفُ وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَكَانَ أَحْفَظَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْحَدِيْثِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَبَطَّنَ بِمَذَاهِبِه المَذمُومَةِ.
ثُمَّ لَمْ يُحَدِّثْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا أَنْبَأتُكَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي فِي أَوّلِ خِلاَفَةِ الوَاثِقِ، ثُمَّ قَطعَه إِلَى أَنْ مَاتَ، إِلاَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِ المُتَوَكِّلِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: حُمِلَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ مِنْ بَغْدَادَ مُقَيَّدَيْنِ، فَصِرنَا مَعَهُمَا إِلَى الأَنْبَارِ.فَسَألَ أَبُو بَكْرٍ الأَحْوَلُ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ عُرِضتَ عَلَى السَّيْفِ، تُجيبُ؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ سُيِّرَا، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: صِرنَا إِلَى الرَّحْبَةِ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَعَرَضَ لَنَا رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيُّكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا.
فَقَالَ لِلْجمَّالِ: عَلَى رِسْلكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا، مَا عَلَيْكَ أَنْ تُقتلَ هَا هُنَا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟
ثُمَّ قَالَ: أَسْتودِعُكَ اللهَ، وَمَضَى.
فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا رَجُلٌ مِن العَرَبِ مِنْ رَبِيْعَةَ يَعْمَلُ الشَّعْرَ فِي البَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: جَابِرُ بنُ عَامِرٍ، يُذكَرُ بِخَيْرٍ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً مُنْذُ وَقعتُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَقوَى مِنْ كَلِمَةِ أَعْرَابِيٍّ كَلَّمنِي بِهَا فِي رَحبَةِ طَوقٍ.
قَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنْ يَقتلْكَ الحَقُّ مُتَّ شَهِيداً، وَإِنْ عِشتَ عِشتَ حَمِيداً.
فَقَوَّى قَلْبِي.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي:
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى أَذَنَةَ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَفُتِحَ لَنَا بَابُهَا، إِذَا رَجُلٌ قَدْ دَخَلَ، فَقَالَ: البُشْرَىَ! قَدْ مَاتَ الرَّجُلُ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ-.
قَالَ أَبِي: وَكُنْتُ أَدعُو اللهَ أَنْ لاَ أَرَاهُ.
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
تَبيّنتُ الإِجَابَةَ فِي دَعْوَتَيْنِ: دَعَوتُ اللهَ أَنْ لاَ يَجمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ المَأْمُوْنِ،
وَدَعَوتُه أَنْ لاَ أَرَى المُتَوَكِّلَ.فلمْ أرَ المَأْمُوْنَ، مَاتَ بِالبَذَنْدُوْنِ، قُلْتُ: وَهُوَ نهرُ الرُّوْمِ.
وَبَقِيَ أَحْمَدُ مَحبوساً بِالرَّقَّةِ حَتَّى بُوْيِعَ المُعْتَصِمُ إِثرَ مَوْتِ أَخِيْهِ، فَرُدَّ أَحْمَدُ إِلَى بَغْدَادَ.
وَأَمَّا المُتَوَكِّلُ فَإِنَّه نَوَّهَ بِذكرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالتمسَ الاجْتِمَاعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ حضَرَ أَحْمَدُ دَارَ الخِلاَفَةِ بِسَامَرَّاءَ لِيُحَدِّثَ وَلَدَ المُتَوَكِّلِ وَيُبرِّك عَلَيْهِ، جلسَ لَهُ المُتَوَكِّلُ فِي طَاقَةٍ، حَتَّى نظرَ هُوَ وَأُمُّهُ مِنْهَا إِلَى أَحْمَدَ، وَلَمْ يَرَهُ أَحْمَدُ.
قَالَ صَالِحٌ: لَمَّا صَدَرَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ إِلَى طَرَسُوْسَ، رُدَّا فِي أَقيَادِهِمَا.
فَلَمَّا صَارَ إِلَى الرَّقَّةِ، حُمِلا فِي سَفِيْنَةٍ، فَلَمَّا وَصَلاَ إِلَى عَانَةَ، تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ، وَفُكَّ قَيدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبِي.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ، وَقدْرِ عِلمِه أقومَ بأمرِ اللهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ خُتمَ لَهُ بِخَيْرٍ.
قَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الله الله، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي، أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِكَ.
قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أعنَاقَهُم إِلَيْكَ، لِمَا يَكُوْنُ مِنْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاثبُتْ لأمرِ اللهِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا.
فَمَاتَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَدَفنتُه.
أَظُنُّ قَالَ: بِعَانَةَ.
قَالَ صَالِحٌ: وَصَارَ أَبِي إِلَى بَغْدَادَ مُقَيَّداً، فَمَكَثَ بِاليَاسريَّة أَيَّاماً،
ثُمَّ حُبِسَ فِي دَارٍ اكتُرِيَتْ عِنْد دَارِ عُمَارَةَ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى حَبْسِ العَامَّةِ فِي دَربِ المَوْصِليَّةِ.فَقَالَ: كُنْتُ أُصلِّي بأَهْلِ السجنِ، وَأَنَا مُقَيَّدٌ.
فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَ - قُلْتُ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ المَأْمُوْنِ بأَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْراً - حُوِّلتُ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ-.
وَأَمَّا حَنْبَلٌ، فَقَالَ: حُبِسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي دَارِ عُمَارَةَ بِبَغْدَادَ، فِي إِصْطَبْلِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ؛ أَخِي إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ فِي حَبْسٍ ضَيِّقٍ، وَمَرِضَ فِي رَمَضَانَ.
ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ قَلِيْلٍ إِلَى سِجْنِ العَامَّةِ، فَمَكَثَ فِي السِّجنِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ شَهْراً.
وَكُنَّا نَأْتِيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ (الإِرْجَاءِ) وَغَيْرَهُ فِي الحَبْسِ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِهِم فِي القَيْدِ، فَكَانَ يُخرِجُ رِجْلَهُ مِنْ حَلقَةِ القَيدِ وَقْتَ الصَّلاَةِ وَالنَّومِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّامُ، فَلاَ يَزَالاَنِ يُنَاظرَانِي، حَتَّى إِذَا قَامَا دُعِيَ بِقَيدٍ، فَزِيدَ فِي قُيُودِي، فَصَارَ فِي رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقيَادٍِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، دَخَلَ عَلَيَّ، فَنَاظرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ:
مَا تَقُوْلُ فِي عِلْمِ اللهِ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: كَفَرْتَ بِاللهِ.
فَقَالَ الرَّسُوْلُ الَّذِي كَانَ يَحضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ هَذَا رَسُوْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفرَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَجَّهَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- بِبُغَا الكَبِيْرِ إِلَى إِسْحَاقَ، فَأَمرهُ بِحملِي إِلَيْهِ، فَأُدْخِلتُ عَلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ:
يَا أَحْمَدُ، إِنَّهَا -وَاللهِ- نَفْسُك، إِنَّه لاَ يَقتلُك بِالسَّيْفِ، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى - إِنْ لَمْ تُجبْه - أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يَقْتُلكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُرَى فِيْهِ شَمسٌ وَلاَ قمرٌ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيّاً} [الزُّخْرُفُ: 3] ، أَفيَكُوْنُ مَجعولاً إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيلُ:5] أَفَخَلَقَهُم؟
قَالَ: فَسَكَتَ.
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى المَوْضِعِ المَعْرُوْفِ بِبَابِ البُسْتَانِ، أُخرجتُ، وَجيءَ بدَابَّةٍ، فَأُرْكبتُ وَعَلَيَّ الأَقيَادُ، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُنِي، فَكِدتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ القُيودِ.
فَجِيءَ بِي إِلَى دَارِ المُعْتَصِمِ، فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثُمَّ أُدخلتُ بَيتاً، وَأُقفلَ البَابُ عَليَّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ سرَاجَ.
فَأردتُ الوضوءَ، فَمددتُ يَدِي، فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيْهِ مَاءٌ، وَطسْتٌ مَوْضُوْعٌ، فتوضَّأتُ وَصَلَّيْتُ.
فلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَخْرَجْتُ تِكَّتِي، وَشددتُ بِهَا الأقيَادَ أَحمِلُهَا، وَعَطفتُ سَرَاويلِي.
فَجَاءَ رَسُوْلُ المُعْتَصِمِ، فَقَالَ: أَجبْ.
فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَدخلَنِي عَلَيْهِ، وَالتِّكَّةُ فِي يَدِي، أَحْمِلُ بِهَا الأقيَادَ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ حَاضِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ خَلقاً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِه.
فَقَالَ لِي المُعْتَصِمُ: ادنُه، ادنُه.
فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اجلسْ.
فَجَلَسْتُ، وَقَد أَثقلتْنِي الأقيَادُ، فَمكثْتُ قَلِيْلاً، ثُمَّ
قُلْتُ: أتَأذنُ فِي الكَلاَمِ؟
قَالَ: تَكَلَّمْ.
فَقُلْتُ: إِلَى مَا دَعَا اللهُ وَرَسُوْلُه؟
فَسَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.
فَقُلْتُ: فَأَنَا أشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.
ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْد القيسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنِ الإِيْمَانِ، فَقَالَ: (أَتَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ؟) .
قَالُوا: اللهُ
وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ.قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ ) .
قَالَ أَبِي: فَقَالَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ-: لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبلِي، مَا عَرَضتُ لَكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ إِسْحَاقَ، أَلَم آمُرْكَ برفعِ المِحْنَةِ؟
فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّ فِي هَذَا لَفَرَجاً لِلْمُسْلِمِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْه.
فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ فِي عِلمِ اللهِ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُم: أَلَيْسَ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْدُ: 16] وَالقُرْآنُ أَلَيْسَ شَيْئاً؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأَحقَافُ: 25] فَدَمَّرتْ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللهُ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: {مَا يَأْتِيْهِم مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 2] أَفَيَكُوْنُ مُحدَثٌ إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}
، فَالذِّكرُ هُوَ القُرْآنُ، وَتِلْكَ ليسَ فِيْهَا أَلفٌ وَلاَمٌ.
وَذَكرَ بَعْضُهُم حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ الذِّكْرَ) ،
فَقُلْتُ: هَذَا خَطأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الذِّكْرَ ) .
وَاحتجُوا بِحَدِيْثِ
ابْنِ مَسْعُوْدٍ: (مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيِّ ) .فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَعَ الخَلْقُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالأرضِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى القُرْآنِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيْث خَبَّابٍ: (يَا هَنَتَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَّربَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِهِ ) .
فَقُلْتُ: هَكَذَا هُوَ.
قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَنْظُرُ إِلَى أَبِي كَالمُغْضَبِ.
قَالَ أَبِي: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُم، اعترضَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَيَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ -وَاللهِ- ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِعٌ!
فَيَقُوْلُ: كَلِّمُوهُ، نَاظِروهُ.
فَيكلِّمُنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيكلُّمنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، فَإذَا انقطَعوا، يَقُوْلُ المُعْتَصِمُ: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ! مَا تَقُوْلُ؟
فَأَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ
أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقُوْلَ بِهِ.فَيَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ: أَنْتَ لاَ تَقُوْلُ إِلاَّ مَا فِي الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: تَأَوَّلتَ تَأويلاً، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَمَا تَأَوَّلتُ مَا يُحبَسُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُقَيَّدُ عَلَيْهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدِ احتجُّوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ مَا يَقْوَى قَلْبِي، وَلاَ ينطَلِقُ لِسَانِي أَن أَحكِيَهُ.
أَنكرُوا الآثَارَ، وَمَا ظَنَنتُهُم عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُه، وَجَعَلُوا يُرغُونَ، يَقُوْلُ الخَصْمُ كَذَا وَكَذَا، فَاحتججتُ عَلَيْهِم بِالقُرْآنِ بِقَولِه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ } [مَرْيَمُ: 42] ، أَفَهَذَا مُنكَرٌ عِندكُم؟
فَقَالُوا: شَبَّهَ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، شَبَّهَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
أَنَّ أَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ أَقْبَلَ عَلَى أَحْمَدَ يُكَلِّمُهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، حَتَّى قَالَ المُعْتَصِمُ: يَا أَحْمَدُ، أَلاَ تُكَلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَقُلْتُ: لَسْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فَأُكلِّمَهُ!!
قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَئِنْ أَجَابَكَ، لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَيَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعُدَّ.
فَقَالَ: لَئِنْ أَجَابَنِي لأُطْلِقَكُنَّ عَنْهُ بِيَدِي، وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُندِي، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، وَاللهِ إِنِّي عَلَيْكَ لَشَفِيْقٍ، وَإِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ
كَشَفقتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، مَا تَقُوْلُ؟فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، ضَجِرَ، وَقَالَ: قُومُوا، وَحَبَسَنِي -يَعْنِي عِنْدَهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ يُكَلِّمُنِي، وَقَالَ: وَيْحَكَ! أَجِبْنِي.
وَقَالَ: وَيْحَكَ! ألَمْ تَكنْ تَأتينَا؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعْرِفُه مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، يَرَى طَاعتَكَ وَالحَجَّ وَالجِهَادَ مَعَكَ.
فَيَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَالِمٌ، وَإِنَّهُ لَفَقِيْهٌ، وَمَا يَسوءُنِي أَنْ يَكُوْنَ مَعِي يَرُدُّ عَنِّي أَهْلَ المِلَلِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتَ تَعْرِفُ صَالِحاً الرَّشِيْدِيَّ؟
قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ.
قَالَ: كَانَ مُؤَدِّبِي، وَكَانَ فِي ذَلِكَ المَوْضِعِ جَالِساً - وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ - فَسَألنِي عَنِ القُرْآنِ، فَخَالَفَنِي، فَأَمرْتُ بِهِ، فُوُطِئَ وَسُحِبَ! يَا أَحْمَدُ، أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي.
قُلْتُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
فَطَالَ المَجْلِسُ، وَقَامَ، وَرُدِدْتُ إِلَى المَوْضِعِ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَجَّهَ إِلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، يَبِيتَانِ عِنْدِي وَيُنَاظرَانِي وَيُقِيمَانِ مَعِي، حَتَّى إِذَا كَانَ وَقْتُ الإِفطَارِ، جِيْءَ بِالطَّعَامِ، وَيَجتَهِدَانِ بِي أَنْ أُفطِرَ فَلاَ أَفْعَلُ - قُلْتُ: وَكَانَتْ ليَالِيَ رَمَضَانَ -.
قَالَ: وَوجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلَيَّ ابْنَ أَبِي دُوَادَ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ؟
فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْواً مِمَّا كُنْتُ أَرُدُّ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: وَاللهِ
لَقَدْ كَتَبَ اسْمَكَ فِي السَّبْعَةِ: يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ وَغَيْرِهِ، فَمَحَوتُهُ، وَلَقَدْ سَاءنِي أَخذُهُم إِيَّاكَ.ثُمَّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يُلْقِيَكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَرَى فِيْهِ الشَّمْسَ.
وَيَقُوْلُ: إِنْ أَجَابَنِي، جِئْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْهُ بِيَدِي، ثُمَّ انْصَرَفَ.
فَلَمَّا أَصبَحْنَا، جَاءَ رَسُولُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي حَتَّى ذَهَبَ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ.
فجعلُوا يُنَاظرُونِي، فَأَردُّ عَلَيْهِم، فَإذَا جَاؤُوا بِشَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ مِمَّا لَيْسَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قُلْتُ: مَا أدرِي مَا هَذَا.
قَالَ: فَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الحجَّةُ عَلَيْنَا، ثَبَتَ، وَإِذَا كَلَّمنَاهُ بِشَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أدرِي مَا هَذَا.
فَقَالَ: نَاظِرُوهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَحْمَدُ، أَرَاكَ تَذْكُرُ الحَدِيْثَ وَتنتحلَهُ.
فَقُلْتُ: مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {يُوْصِيْكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاءُ: 11] ؟
قَالَ: خصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِيْنَ.
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ: إِنْ كَانَ قَاتلاً أَوْ عَبداً؟
فَسَكَتَ، وَإِنَّمَا احتججتُ عَلَيْهِم بِهَذَا، لأَنَّهُم كَانُوا يَحتجُّوْنَ بِظَاهِرِ القُرْآنِ.
فحَيْثُ قَالَ لِي: أرَاكَ تَنْتَحلُ الحَدِيْثَ، احتججتُ بِالقُرْآنِ -يَعْنِي: وَإِنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتِ القَاتِلَ وَالعبدَ، فَأَخْرَجَتْهُمَا مِنَ العمومِ-.
قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى قُربِ الزَّوَالِ.
فَلَمَّا ضجرَ، قَالَ: قومُوا.
ثُمَّ خَلاَ بِي، وَبعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، فَلَمْ يَزَلْ يُكلمنِي، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ، وَرُددتُ إِلَى المَوْضِعِ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قُلْتُ: خليقٌ أَنْ يَحْدُثَ غَداً مِنْ أمرِي
شَيْءٌ، فَقُلْتُ لِلْموكَّلِ بِي: أُرِيْدُ خيطاً.فَجَاءنِي بخيطٍ، فشددتُ بِهِ الأقيَادَ، وَرددتُ التِّكَّةَ إِلَى سَرَاويلِي مَخَافَةَ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ أمرِي شَيْءٌ، فَأتعرَّى.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أُدخلتُ إِلَى الدَّارِ، فَإذَا هِيَ غَاصَّةٌ، فَجَعَلتُ أُدْخَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيوفُ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَلَمْ يَكُنْ فِي اليَومِيْنِ المَاضيينِ كَبِيْرُ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: اقعدْ.
ثُمَّ قَالَ: نَاظِروهُ، كَلِّمُوهُ.
فَجَعَلُوا يُنَاظرُونِي، يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ صوتِي يعلُو أصوَاتَهُم.
فَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِي يُوْمئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ، فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، نَحَّانِي، ثُمَّ خَلاَ بِهِم، ثُمَّ نَحَّاهُم، وَردَّنِي إِلَى عِنْدِهِ، وَقَالَ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجبنِي حَتَّى أُطلقَ عَنْكَ بِيَدِي.
فرددتُ عَلَيْهِ نَحْوَ ردِّي، فَقَالَ: عَلَيْكَ.. - وَذَكَرَ اللَّعنَ - خُذوهُ، اسحبُوهُ، خَلِّعُوهُ.
فسُحبتُ، وَخُلعتُ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كمِّ قَمِيصِي، فَوجَّهَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: مَا هَذَا المصرورُ؟
قُلْتُ: شَعْرٌ مِنْ شعرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسعَى بَعْضهُم ليخرقَ القمِيصَ عَنِّي.
فَقَالَ المُعْتَصِمُ: لاَ تَخرقُوهُ.
فَنُزعَ، فَظننتُ أَنَّهُ إِنَّمَا دُرِئَ عَنِ القمِيصِ الخَرْقُ بِالشّعرِ.
قَالَ: وَجَلَسَ المُعْتَصِمُ عَلَى كُرْسِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: العُقَابَيْنِ وَالسِّيَاطُ.
فَجِيْءَ بِالعقَابينِ، فَمُدَّتْ يَدَايَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ خَلْفِي: خُذْ نَاتِئَ الخَشبتَينِ بِيَديكَ، وَشُدَّ عَلَيْهِمَا.
فلمْ أَفهَمْ مَا قَالَ، فَتخلَّعتْ يَدَاي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: ذَكرُوا أَنَّ المُعْتَصِمَ ألاَنَ فِي أَمرِ أَحْمَدَ لَمَّا علِّقَ فِي العُقَابينِ، وَرَأَى ثبَاتَه وَتصمِيمَه وَصلاَبتَه، حَتَّى أَغرَاهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَركتَه، قِيْلَ: قَدْ تركَ مَذْهَبَ المَأْمُوْنِ، وَسَخطَ قَوْلَه.فَهَاجه ذَلِكَ عَلَى ضَربِه.
وَقَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: وَلَمَّا جيءَ بِالسيَاطِ، نظرَ إِلَيْهَا المُعْتَصِمُ، فَقَالَ: ائتُونِي بِغَيْرِهَا.
ثُمَّ قَالَ لِلْجلاَّدِيْنَ: تقدَّمُوا.
فَجَعَلَ يتقدمُ إِلَيَّ الرَّجُلُ مِنْهُم، فيَضْرِبنِي سَوطينِ، فَيَقُوْلُ لَهُ: شُدَّ، قَطعَ اللهُ يدكَ!
ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيتقدمُ آخرُ، فيَضْرِبنِي سوطينِ، وَهُوَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك!
فَلَمَّا ضُربتُ سَبْعَةَ عَشَرَ سوطاً، قَامَ إِلَيَّ -يَعْنِي: المُعْتَصِمُ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، عَلاَمَ تَقتلُ نَفْسَك؟ إِنِّي -وَاللهِ- عَلَيْكَ لَشفيقٌ.
وَجَعَلَ عُجَيْفٌ يَنخَسُنِي بقَائِمَةِ سيفِه، وَقَالَ: أَتُريدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟
وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَقُوْلُ: وَيْلَكَ! إِمَامُكَ عَلَى رَأْسكَ قَائِمٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، دمُه فِي عُنُقِي، اقْتُلْهُ.
وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي الشَّمْسِ قَائِمٌ!
فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ، مَا تَقُوْلُ؟
فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ أَقُوْلُ بِهِ.
فَرَجَعَ، وَجَلَسَ، وَقَالَ لِلْجلاَّدِ: تقدمْ، وَأوجعْ، قطعَ اللهُ يدَك.
ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجِبنِي.
فَجَعَلُوا يُقبلُوْنَ عَلَيَّ، وَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَحْمَدُ، إِمَامُك عَلَى رَأسكَ قَائِمٌ!
وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَنْ صنعَ مِنْ أَصْحَابِك فِي هَذَا الأَمْرِ مَا تَصْنَعُ؟
وَالمُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ
فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطلِقَ عَنْكَ بِيَدِي.ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لِلْجَلاَّدِ: تقدَّمْ.
فَجَعَلَ يَضْرِبُنِي سَوطينِ، وَيتنحَّى، وَهُوَ فِي خلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك.
فَذَهَبَ عَقلِي، ثُمَّ أَفقتُ بَعْدُ، فَإذَا الأقيَادُ قد أطلقتْ عَنِّي.
فَقالَ لِي رَجُلٌ مِمَّن حضَرَ: كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِك، وَطَرحنَا عَلَى ظَهركَ بَارِيَّةً وَدُسنَاكَ!
قَالَ أَبِي : فَمَا شعرتُ بِذَلِكَ، وَأَتَونِي بِسَوِيْقٍ، وَقَالُوا: اشربْ وَتَقَيَّأْ.
فَقُلْتُ: لاَ أُفطِرُ.
ثُمَّ جِيْءَ بِي إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَحضرتُ الظّهرَ، فَتَقَدَّمَ ابْنُ سِمَاعَةَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِه، وَقَالَ لِي: صَلَّيْتَ، وَالدَّمُ يَسيلُ فِي ثَوبِكَ؟
قُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرحُه يَثعَبُ دَماً.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَكَانَ مَكثُه فِي السجنِ مُنْذُ أُخذَ إِلَى أَنْ ضُربَ وَخُلِّيَ عَنْهُ، ثَمَانِيَةً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَحَدُ الرَّجلَينِ اللَّذينِ كَانَا مَعَهُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُشبِهُه، وَلَقَدْ جَعَلتُ أَقُوْلُ لَهُ فِي وَقْتِ مَا يُوجَّه إِلَينَا بِالطَّعَامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي مَوْضِعِ تَفِئَةٍ. وَلَقَدْ
عَطِشَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّرَابِ: نَاوِلْنِي.فَنَاوَلَه قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ وثَلجٌ، فَأَخَذَهُ، وَنظرَ فِيْهِ، ثُمَّ رَدَّهُ، وَلَمْ يشربْ، فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى الجُوْعِ وَالعطشِ، وَهُوَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ مِنَ الهولِ.
قَالَ صَالِحٌ: فَكُنْتُ أَلتمسُ وَأَحتَالُ أَنْ أُوصلَ إِلَيْهِ طعَاماً أَوْ رَغيفاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، فَلَمْ أَقْدِرْ.
وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ حَضَرَه: أَنَّهُ تَفقَّده فِي الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ وَهُم يُنَاظرونَه، فَمَا لَحَنَ فِي كَلِمَةٍ.
قَالَ: وَمَا ظَننتُ أَنَّ أَحَداً يَكُوْنُ فِي مِثْلِ شَجَاعَتِه وَشِدَّةِ قَلْبِه.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
ذَهبَ عقلِي مِرَاراً، فَكَانَ إِذَا رُفعَ عَنِّي الضَّربُ، رَجعتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِذَا اسْترخيتُ وَسقطتُ، رُفِعَ الضَّربُ، أَصَابَنِي ذَلِكَ مِرَاراً.
وَرَأَيْتُه -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- قَاعِداً فِي الشَّمْسِ بِغَيْرِ مِظَلَّةٍ، فَسَمِعْتُه - وَقَد أَفقتُ - يَقُوْلُ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ: لَقَدِ ارتكبتُ إِثْماً فِي أَمرِ هَذَا الرَّجُلِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ -وَاللهِ- كَافِرٌ مُشرِكٌ، قَدْ أَشرَكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
فَلاَ يزَالُ بِهِ حَتَّى يَصرِفَه عَمَّا يُرِيْدُ.
وَقَدْ كَانَ أَرَادَ تَخلِيَتِي بِلاَ ضَربٍ، فَلَمْ يَدعْه، وَلاَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْمَ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ المُعْتَصِمَ قَالَ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَمْ ضُرِبَ؟
قَالَ: أَرْبَعَةً، أَوْ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَوطاً.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ: قَالَ المَرُّوْذِيُّ:
قُلْتُ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الهُنْبازِينَ -: يَا أُسْتَاذُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {لاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} [النِّسَاءُ: 29] .
قَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ، اخرجْ وَانظرْ.
فَخَرَجتُ إِلَى رحبَةِ دَارِ
الخِلاَفَةِ، فَرَأَيْتُ خَلقاً لاَ يُحصيهِم إِلاَّ اللهُ، وَالصُّحفُ فِي أَيديهِم، وَالأقلاَمُ وَالمَحَابِرُ، فَقَالَ لَهُمُ المَرُّوْذِيُّ: مَاذَا تَعْمَلُوْنَ؟قَالُوا: نَنظرُ مَا يَقُوْلُ أَحْمَدُ، فَنَكْتُبُه.
فَدَخَلَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ! أُضِلُّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟!
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الأَسَدِيُّ، قَالَ:
لَمَّا حُملَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، جَاؤُوا إِلَى بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، وَقَالُوا: قَدْ وَجبَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ.
فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ مِنِّي أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ ذَا عِنْدِي، حَفِظَ اللهُ أَحْمَدَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه.
الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ أَصْبَغَ، قَالَ:
كُنْتُ بِبَغْدَادَ، وَامتُحِنَ أَحْمَدُ، فَأخذتُ مَالاً لَهُ خَطَرٌ، فَذَهَبتُ بِهِ إِلَى مَنْ يُدْخِلُنِي إِلَى المَجْلِسِ.
فَأُدخلتُ، فَإذَا السُّيوفُ قَدْ جُرِّدتْ، وَبِالرِّمَاحِ قَدْ رُكزَتْ، وَبَالتِّرَاسِ قَدْ صُفِّفتْ، وَبَالسِّيَاطِ قَدْ وُضعتْ، وَأُلبستُ قَبَاءً أَسودَ وَمِنطَقَةً وَسيفاً، وَوُقِّفتُ حَيْثُ أَسْمَعُ الكَلاَمَ.
فَأَتى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَجلسَ علَى كُرْسِيٍّ، وَأَتَى بِأَحْمَدَ، فَقَالَ
لَهُ: وَقَرَابتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَضربنَّكَ بِالسِّيَاطِ، أَوْ تَقُوْلُ كَمَا أَقُوْلُ.ثُمَّ التفَتَ إِلَى جَلاَّدٍ، فَقَالَ: خُذْهُ إِلَيْكَ.
فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا ضُربَ سوطاً، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ.
فَلَمَّا ضُربَ الثَّانِي، قَالَ: لاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
فَلَمَّا ضُربَ الثَّالِثَ، قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَلَمَّا ضُربَ الرَّابِعَ، قَالَ: {قُلْ لَنْ يُصِيْبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التَّوبَةُ: 51] ، فَضُرِبَ تِسْعَةً وَعِشْرِيْنَ سوطاً.
وَكَانَتْ تِكَّتُهُ حَاشيَةَ ثَوْبٍ، فَانْقَطَعَتْ، فَنَزَلَ السَّرَاويلُ إِلَى عَانتِهِ، فَقُلْتُ: السَّاعَةَ يَنْهَتِكُ.
فَرمَى بِطرفِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَحَرَّكَ شَفتَيهِ، فَمَا كَانَ بِأسرَعَ مِنْ أَنْ بَقِيَ السَّرَاويلُ لَمْ يَنْزِلْ.
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! رَأَيْتُكَ وَقَدِ انْحلَّ سرَاويلُكَ، فَرَفَعتَ طَرْفَك نَحْوَ السَّمَاءِ، فَمَا قُلْتَ؟
قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي مَلأتَ بِهِ العَرْشَ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الصَّوَابِ، فَلاَ تَهْتِكْ لِي سِتراً.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ دَاوُدُ وَضعَهَا.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ الأصبهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي عُبَيْد اللهِ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ: حضَرتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا ضُرِبَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو الدَّنِّ فَضربَهُ بِضْعةَ عَشرَ سَوطاً، فَأَقبلَ الدَّمُ مِنْ أكتَافِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَرَاويلُ، فَانقطَعَ خَيطُهُ، فَنَزَلَ.
فَلحظتُهُ وَقَدْ حَرَّكَ شَفتيهِ، فَعَادَ السَّرَاويلُ كَمَا كَانَ، فَسَأَلْتُهُ، قَالَ:
قُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، وَقَفْتَنِي هَذَا المَوْقِفَ، فَتَهتِكُنِي عَلَى رُؤُوْسِ الخَلاَئِقِ!
وَهَذِهِ الحكَايَةُ لاَ تَصِحُّ.
وَقَدْ سَاقَ صَاحِبُ (الحِليَةِ) مِنَ الخرَافَاتِ السَّمِجَةِ هُنَا مَا يُسْتَحيَا مِنْ ذِكْرِهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ القُرَشِيَّ، قَالَ:لَمَّا جُرِّدَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، وَبَقِيَ فِي سَرَاويلِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُضْرَبُ، انحلَّ سَرَاويلُهُ، فَحرَّكَ شَفَتيه، فَرَأَيْتُ يَدَينِ خَرَجتَا مِنْ تَحْتِهِ، فَشَدَّتَا السَّرَاويلَ.
فَلَمَّا فَرغُوا مِنَ الضَّربِ، سَأَلنَاهُ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا مَنْ لاَ يَعلَمُ العَرْشُ مِنْهُ أَيْنَ هُوَ إِلاَّ هُوَ، إِنْ كُنْتُ عَلَى الحقِّ، فَلاَ تُبْدِ عَورتِي.
أَوردَهَا البَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ، وَمَا جَسَرَ عَلَى تَوْهِيَتِهَا، بَلْ رَوَى عَنْ: أَبِي مَسْعُوْدٍ البَجَلِيِّ، عَنِ ابْنِ جَهْضَمٍ - ذَاكَ الكَذَّابِ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ نَحْواً مِنْهَا.
وَفِيْهَا أَنَّ مِئزَرَهُ اضطربَ، فحرَّكَ شَفَتيه، فرَأيتُ كَفّاً مِنْ ذَهَبٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ مِئزرِهِ بِقدرَةِ اللهِ، فصَاحَتِ العَامَّةُ.
أَخبَرنِي ابْنُ الفَرَّاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا البَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ:
أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ المُعْتَصِمَ نظرَ عِنْدَ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ إِلَى شَيْءٍ مَصرورٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
قَالَ: شَعْرٌ مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: هَاتِهِ، وَأَخذَهَا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرحَمَهُ عِنْدَمَا رَأَى شَعرَةً مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ فِي تِلْكَ الحَالِ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو الفَضْلِ صَالِحٌ:
خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى المَنْزِلِ، وَوُجِّهَ إِلَى المَطبقِ، فَجِيْءَ برجلٍ مِمَّنْ يبصرُ الضَّربَ وَالعلاجَ، فَنَظَر إِلَى ضربِه، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُربَ أَلفَ سوطٍ، مَا رأيتُ ضرباً مِثْلَ هَذَا، لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِه، وَمِن قُدَّامه، ثُمَّ أَخذَ مِيلاً، فَأدخَلَه فِي بَعْضِ
تِلْكَ الجرَاحَاتِ، فَنَظَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَمْ يُنْقَبْ؟وَجَعَلَ يَأتيه، وَيعَالِجُه.
وَكَانَ قد أصَابَ وَجْهَه غَيْرُ ضَربَة، وَمكثَ مُنكبّاً عَلَى وَجْهِه كم شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا شَيْئاً أُرِيْدُ أَن أقطعَه.
فَجَاءَ بِحَديدَةٍ، فَجَعَلَ يُعلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا، فَيقطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابرٌ لِذَلِكَ، يَجهرُ بِحمدِ اللهِ فِي ذَلِكَ، فَبَرَأَ مِنْهُ، وَلَمْ يَزَلْ يتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهُ، وَكَانَ أثرُ الضَّربِ بَيِّناً فِي ظَهْرِه إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
وَدخلتُ يَوْماً، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: اجعلنِي فِي حِلٍّ؛ إذْ لَمْ أقُمْ بِنُصرتِك.
فَقُلْتَ: لاَ أَجعلُ أحداً فِي حِلٍّ.
فَتَبَسَّمَ أَبِي، وَسكتَ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَقَدْ جَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِه إِيَّايَ.
ثُمَّ قَالَ: مَرَرْتُ بِهَذِه الآيَةِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} [الشُّورَى: 40] ، فَنَظَرتُ فِي تَفْسِيْرهَا، فَإذَا هُوَ مَا أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، جَثتِ الأُمَمُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ، ثُمَّ نُودِيَ أَنْ لاَ يقومَ إِلاَّ مَنْ أَجرُه عَلَى اللهِ، فَلاَ يَقومُ إِلاَّ مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا.
قَالَ: فَجَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ اللهُ بِسَبِبِهِ أَحَداً.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ جَعَلَ المُعْتَصِمَ فِي حِلٍّ يَوْمَ فتحِ عَاصمَةِ بَابَكَ، وَظفرَ بِهِ، أَوْ فِي
فَتحِ عَمُّوْرِيَّةَ، فَقَالَ: هُوَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِي.وَسَمِعْتُ أَبِي؛ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
أَتيتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ نَحوِهَا، فَجرَى ذِكْرُ الضَّربِ، فَقُلْتُ لَهُ: ذهبَ عَنْكَ أَلَمُ الضَّربِ؟
فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ، وَقبضَ كُوعَيْهِ اليَمِيْنَ وَاليسَارَ، وَقَالَ: هَذَا، كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: خُلعَ، وَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْهُمَا أَلَمَ ذَلِكَ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى صَاحِبُ بِشْرٍ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قِيلَ لِي: اكتبْ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ، وَيُخَلَّى سَبيلُكَ.
فَقُلْتُ: هَاتُوا.
قَالُوا: اكتبْ: اللهُ قَدِيْمٌ لَمْ يَزَلْ.
قَالَ: فكتبتُ.
فَقَالُوا: اكْتُبْ: كُلُّ شَيْءٍ دُوْنَ اللهِ مَخْلُوْقٌ.
وَقَالُوا: اكتبْ: اللهُ رَبُّ القُرْآنِ.
قُلْتُ: أَمَّا هَذِهِ فَلاَ، وَرَمَيتُ بِالقلمِ.
فَقَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: لَوْ كَتَبهَا، لأَعطَاهُم مَا يُرِيْدُوْنَ.
وَبِهِ، قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ - وَكَانَ رَافَقَنَا فِي بلاَدِ الرُّوْمِ - قَالَ:
حضَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الطُّفَاوِيُّ، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيْثٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أُخْبِرَكَ بنَظِيْرِ هَذَا، لَمَّا أُخرجَ بِنَا، جَعَلتُ أُفكرُ فِيْمَا نَحْنُ
فِيْهِ، حَتَّى إِذَا صِرنَا إِلَى الرَّحبَةِ، أُنزِلنَا بِظَاهِرهَا، فمددتُ بَصَرِي، فَإذَا بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتثبتْه، فَلَمْ يَزَلْ يدنُو، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ جَعَلَ يَتخطَّى تِلْكَ المَحَاملَ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ، فَوَقَفَ عَليَّ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟فَسَكَتُّ تَعجُّباً!! ثُمَّ أعَادَ، فَسَكَتُّ، فَبركَ عَلَى رُكبتَيه، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَال: أَبشرْ، وَاصْبرْ، فَإِنَّمَا هِيَ ضَربَةٌ هَا هُنَا، وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ هَا هُنَا.
ثُمَّ مَضَى، فَقَال الطُّفَاوِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنكَ محمودٌ عِنْدَ العَامَّةِ.
فَقَالَ: أَحْمَدُ اللهَ عَلَى دِيْنِي، إِنَّمَا هَذَا دِينٌ، لَوْ قُلْتُ لَهُم، كفرتُ.
فَقَال الطُّفَاوِيُّ: أَخْبِرْنِي بِمَا صَنعُوا بِكَ؟
قَالَ: لَمَّا ضُربتُ بِالسيَاطِ، جَعَلتُ أَذكرُ كَلاَمَ الأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ الطَّوِيْلُ اللِّحْيَةِ -يَعْنِي: عُجَيفاً- فَضَربنِي بقَائِمِ السَّيْفِ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ، فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَ الفرجُ، يَضْرِبُ عُنُقِي، فَأَستريحُ.
فَقَال لَهُ ابْن سمَاعَةَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي رَقَبَتِي.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لاَ تفعلْ، فَإِنَّه إِنْ قُتلَ أَوْ مَاتَ فِي دَارِكَ، قَالَ النَّاسُ: صَبَرَ حَتَّى قُتلَ، فَاتَّخذَه النَّاسُ إِمَاماً، وَثَبَتُوا عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَطلِقْه السَّاعَةَ، فَإِنْ مَاتَ خَارجاً مِنْ مَنْزِلِكَ، شَكَّ النَّاسُ فِي أَمرِه، وَقَالَ بَعْضُهُم: أَجَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُجِبْ.
فَقَالَ الطُّفَاوِيُّ: وَمَا عَلَيْكَ لَوْ قُلْتَ؟
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَوْ قُلْتُ، لَكفرتُ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
دَعَا المُعْتَصِمُ بِعَمِّ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: تَعْرِفونَه؟
قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَانظرُوا إِلَيْهِ، أَلَيْسَ هُوَ صَحِيْحَ البَدَنِ؟
قَالُوا: نَعَمْ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ فعلَ ذَلِكَ، لكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ لاَ يُقَامُ لَهُ.
قَالَ: وَلَمَّا قَالَ: قَدْ سَلَّمْتُه إِلَيْكُم صَحِيْحَ البَدَنِ، هَدأَ النَّاسُ وَسَكَنُوا.
قُلْتُ: مَا قَالَ هَذَا مَعَ تَمكُّنِهِ فِي الخِلاَفَةِ وَشَجَاعتِهِ إِلاَّ عَنِ أمرٍ كَبِيْرٍ، كَأنَّهُ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ مِنَ الضَّربِ، فَتَخْرُجَ عَلَيْهِ العَامَّةُ.وَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَامَّةُ بَغْدَادَ، لَرُبَّمَا عجِزَ عَنْهُم.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَمرَ المُعْتَصِمُ بِتخليَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، خَلعَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةً وَقَمِيصاً، وَطَيلسَاناً وَقَلَنْسُوَةً وَخُفّاً.
فَبَينَا نَحْنُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالنَّاسُ فِي المَيدَانِ وَالدُّروبِ وَغَيْرِهَا، وَغُلَّقتِ الأسواقُ، إِذ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَارِ المُعْتَصِمِ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- عَنْ يسَارِهِ.
فَلَمَّا صَارَ فِي الدِّهلِيزِ قَبْلَ أَنْ يَخرُجَ، قَالَ لَهُمُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اكشفُوا رَأْسَهُ.
فَكشفُوهُ -يَعْنِي: مِنَ الطَّيلسَانِ- وَذَهَبُوا يَأْخُذُوْنَ بِهِ نَاحِيَةَ المَيدَانِ نَحْوَ طَرِيْقِ الحَبْسِ، فَقَالَ لَهُم إِسْحَاقُ: خُذُوا بِهِ هَا هُنَا - يُرِيْدُ دِجلَةَ -.
فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الزَّوْرَقِ، وَحُمِلَ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الظُّهرُ، وَبَعَثَ إِلَى وَالِدِي وَإِلَى جِيرَاننَا وَمَشَايِخِ المَحَالِّ، فَجُمِعُوا، وَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِنْ كَانَ فِيْكُم مَنْ يَعْرِفُهُ، وَإِلاَّ فَلْيَعْرِفْهُ.
قَالَ ابْنُ سمَاعَةَ - حِيْنَ دَخَلَ الجَمَاعَةُ - لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ نَاظرَهُ فِي أَمرِهِ، وَقَدْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَهَا هُوَ ذَا، فَأُخْرِجَ عَلَى فَرَسٍ لإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عِنْدَ غُروبِ الشَّمْسِ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ السُّلْطَانُ وَالنَّاسُ، وَهُوَ مُنْحَنٍ، فَلَمَّا ذهبَ لِينزلَ، احتَضنْتُهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ، فَوَقعَتْ يَدِي عَلَى مَوْضِعِ الضَّربِ، فَصَاحَ، فَنَحَّيْتُ يَدِي، فَنَزَلَ مُتَوَكِّئاً عَلَيَّ، وَأغلقَ البَابَ، وَدَخلنَا مَعَهُ، وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِهِ لاَ يَقدِرُ أَنْ يتحرَّكَ إِلاَّ بِجهدٍ،
وَنزعَ مَا كَانَ خُلِعَ عَلَيْهِ، فَأمرَ بِهِ، فَبِيعَ، وَتَصدَّقَ بِثمنِهِ.وَكَانَ المُعْتَصِمُ أمرَ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ أَنْ لاَ يقطعَ عَنْهُ خَبَرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُرِكَ فِيْمَا حُكِيَ لَنَا عِنْدَ الإِيَاسِ مِنْهُ.
وَبَلَغَنَا: أَنَّ المُعْتَصِمَ ندمَ، وَأُسقطَ فِي يَدِه، حَتَّى صلحَ، فَكَانَ صَاحِبُ خَبَرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَأتِينَا كُلَّ يَوْمٍ يَتَعرَّفُ خبرَه، حَتَّى صَحَّ، وَبقيتْ إِبهَامَاهُ مُنخلعَتينِ، يَضْرِبَانِ عَلَيْهِ فِي البَردِ، فَيُسَخَّنُ لَهُ المَاءُ، وَلَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يدسَّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ سُمّاً إِلَى المُعَالِجِ، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ فِي مَنْزِلنَا.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ ذَكَرنِي فَفِي حِلٍّ إِلاَّ مُبتدِعاً، وَقَدْ جَعَلتُ أَبَا إِسْحَاقَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- فِي حِلٍّ، وَرَأَيْتُ اللهَ يَقُوْلُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلاَ تُحِبُّوْنَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم} [النُّورُ: 22] وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ بِالعفوِ فِي قِصَّةِ مِسْطَحٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَمَا ينفعُكَ أَنْ يُعَذِّبَ اللهُ أَخَاكَ المُسْلِمَ فِي سَبَبكَ؟!!
قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ بُرْغُوْثُ -يَعْنِي: يَوْمَ المِحْنَةِ-: يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ كَافِرٌ حلاَلُ الدَّمِ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي عُنُقِي.وَقَالَ شُعَيْبٌ كَذَلِكَ أَيْضاً: تَقَلَّدْ دَمِي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ أَشَدُّ تَكْفِيْراً لِي مِنْهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ، فَقَالَ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَرفٍ ولَهُم قَدَمٌ، وَلَعَلَّهُ يَصيرُ إِلَى الَّذِي عَلَيْهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَأنَّه رقَّ عِنْدَهَا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمنِي ابْنُ أَبِي دُوَادَ، لَمْ ألتفتْ إِلَى كَلاَمِه، وَإِذَا كلَّمنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَلَنْتُ لَهُ القَوْلَ.
قَالَ: فَقَالَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ: أَجِبنِي يَا أَحْمَدُ، فَإِنَّه بَلَغَنِي أَنَّكَ تحبُّ الرِّئاسَةَ، وَذَلِكَ لَمَّا أوَغرُوا قَلْبَه عَلَيَّ.
وَجَعَلَ بَرْغُوْثُ يَقُوْلُ: قَالَ الجَبْرِيُّ: كَذَا وَكَذَا كَلاَمٌ هُوَ الكُفْرُ بِاللهِ.
فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا أَدرِي مَا هَذَا، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لاَ شِبْهَ لَهُ وَلاَ عِدْلَ، وَهُوَ كَمَا وَصفَ نَفْسَهُ، فَسَكَتَ.
وَقَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ كَشفقَتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، فَأَجِبْنِي، وَاللهِ لَودِدتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَرفتُكَ يَا أَحْمَدُ، اللهَ اللهَ فِي دَمِكَ.
فلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ ذَلِكَ، قَالَ: لَعنكَ اللهُ، لَقَدْ طَمعتُ أَنْ تُجِيبَنِي.
ثُمَّ قَالَ: خُذُوهُ، وَاسحَبُوهُ.
فَأُخذتُ ثُمَّ خُلِّعتُ، وَجِيْءَ بِعُقَابَيْنِ وَأَسيَاطٍ، وَكَانَ مَعِي شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صُيِّرتُ بَيْنَ العُقَابينِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اللهَ اللهَ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ) ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فِيمَ تَسْتحلُّ دَمِي؟ اللهَ اللهَ، لاَ تَلقَ اللهَ وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ مُطَالَبَةٌ، اذكرْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -تَعَالَى- كَوقُوفِي بَيْن يَدَيكَ، وَرَاقبِ اللهَ.
فَكَأَنَّهُ أَمسكَ، فَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ أَنْ يَكُوْنَ مِنْهُ عطفٌ أَوْ رَأفَةٌ، فَقَالَ: إِنَّه كَافِرٌ بِاللهِ، ضَالٌّ مُضِلٌّ.
قَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يَدُسَّ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِلَى المُعَالِجِ، فَيُلقِيَ فِي دَوائِه سُمّاً، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ عِنْدنَا، فَكَانَ فِي بَرنِيَّةٍ، فَإِذَا دَاوَاهُ رَفَعنَاهَا.قَالَ: وَكَانَ إِذَا أصَابَه البَرْدُ، ضُرِبَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ: لَقَدْ ظننتُ أَنِّي أَعطَيتُ المجهودَ مِنْ نَفْسِي.
مِحْنَةُ الوَاثِقِ:
قَالَ حَنْبَلٌ: لَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَرِئَ مِنَ الضَّربِ يَحضرُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَةَ، وَيُحَدِّثُ وَيُفْتِي، حَتَّى مَاتَ المُعْتَصِمُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ الوَاثِقُ، فَأَظهَرَ مَا أَظهرَ مِنَ المِحْنَةِ وَالمَيلِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِه.
فَلَمَّا اشتدَّ الأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ، وَأَظْهَرتِ القُضَاةُ المِحْنَةَ بِخلقِ القُرْآنِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَشْهَدُ الجُمُعَةَ، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ إِذَا رَجَعَ، وَيَقُوْلُ: تُؤْتَى الجُمُعَةُ لِفَضلِهَا، وَالصَّلاَةُ تُعَادُ خَلْفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَقَالَةِ.
وَجَاءَ نَفرٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالُوا: هَذَا الأَمْرُ قَدْ فَشَا وَتفَاقمَ، وَنَحْنُ نَخَافُه عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ المُعَلِّمِيْنَ بِتعَلِيْمِ الصِّبْيَانِ فِي المكَاتِبِ : القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَنَحْنُ لاَ نَرضَى بِإِمَارَتِه.
فَمَنَعهُم مِنْ ذَلِكَ، وَنَاظَرَهُم.
وحَكَى أَحْمَدُ قَصدَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِم، وَأَمَرَهُم بِالصَّبْرِ. قَالَ: فَبَينَا
نَحنُ فِي أَيَّامِ الوَاثِقِ، إِذ جَاءَ يَعْقُوْبُ لَيلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ:يَقُوْلُ لَكَ الأَمِيْرُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ ذَكَرَكَ، فَلاَ يَجتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَدٌ وَلاَ تُسَاكِنِّي بِأَرْضٍ وَلاَ مَدينَةٍ أَنَا فِيْهَا، فَاذهبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ أَرضِ اللهِ.
قَالَ: فَاختَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الوَاثِقِ.
وَكَانَتْ تِلْكَ الفِتْنَةُ، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ.
وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُختفياً فِي البَيْتِ لاَ يَخرجُ إِلَى صَلاَةٍ وَلاَ إِلَى غَيْرهَا حَتَّى هلكَ الوَاثِقُ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ: اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: اطلُبْ لِي مَوْضِعاً.
قُلْتُ: لاَ آمَنُ عَلَيْكَ.
قَالَ: افعلْ، فَإذَا فعلتَ، أَفَدتُكَ.
فَطَلَبتُ لَهُ مَوْضِعاً، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: اخْتَفَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ.
العَجَبُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الحَافِظِ، كَيْفَ ذَكرَ تَرْجَمَةَ أَحْمَدَ مُطَوَّلَةً كعوائِدِه، وَلَكِنْ مَا أوردَ مِنْ أمرِ المِحْنَةِ كَلِمَةً مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيْدِهَا، فَإِنَّ حَنْبَلاً أَلَّفهَا فِي جُزءينِ.
وَكَذَلِكَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: حَدَّثَنِي جَدِّي؛ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: لقيتُ أَبَا
عَبْدِ اللهِ، فرَأَيْتُ فِي يَدَيْهِ مَجمرَةً يُسخِّنُ خِرقَةً، ثُمَّ يَجْعَلُهَا عَلَى جَنْبِهِ مِنَ الضَّربِ، فَقَالَ:يَا أَبَا جَعْفَرٍ، مَا كَانَ فِي القَوْمِ أَرَأفُ بِي مِنَ المُعْتَصِمِ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَحْمَدُ بِبَغْدَادَ جهرَةً حِيْنَ مَاتَ المُعْتَصِمُ.
فَرَجَعتُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَأَدْرَكتُه فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَطَعَ الحَدِيْثَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ بِلاَ مَنعٍ.
بَلْ كَتَبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ قَاضِي بَغْدَادَ إِلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ:
إِنَّ أَحْمَدَ قَدِ انبَسَطَ فِي الحَدِيْثِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ، فَقَطَعَ الحَدِيْثَ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
فَصْلٌ فِي حَالِ الإِمَامِ فِي دَوْلَةِ المُتَوَكِّلِ
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلِيَ المُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، فَأَظهَرَ اللهُ السُّنَّةَ، وَفَرَّجَ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُنَا وَيُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ فِي أَيَّامِ المُتَوَكِّلِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَانَ النَّاسُ إِلَى الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ أَحوجَ مِنْهُم إِلَيْهِ فِي زَمَانِنَا.
قَالَ حَنْبَلٌ: ثُمَّ إِنَّ المُتَوَكِّلَ ذَكَرَه، وَكَتَبَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ فِي إِخْرَاجِه إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ إِسْحَاقَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُه بِالحُضُوْرِ، فَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللهِ ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ أَبِي عَمَّا دُعِيَ لَهُ؟
فَقَالَ: قَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ جَعْفَرٍ يَأْمُرُنِي بِالخُرُوجِ إِلَى العَسكرِ -يَعْنِي: سُرَّ مَنْ رَأَى-.
قَالَ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذَا.
قَالَ: وَخَرَجَ إِسْحَاقُ إِلَى العَسْكَرِ، وَقَدَّمَ ابْنَه مُحَمَّداً يَنُوبُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: لاَ تُعْلِمْ أَحَداً أَنِّي سَأَلتُكَ عَنِ القُرْآنِ!
فَقُلْتُ لَهُ: مَسْأَلَةُ مُستَرشِدٍ أَوْ مَسْأَلَةُ مُتَعَنِّتٍ؟
قَالَ: بَلْ مُستَرشِدٍ.
قُلْتُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: اجعَلْنِي فِي حِلٍّ مِنْ حُضُوْرِي ضَرْبَكَ.فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلتُ كُلَّ مَنْ حَضَرَنِي فِي حِلٍّ.
وَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعرَافُ: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الخَلْقِ وَالأَمْرِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: الأَمْرُ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! أَمَخْلُوْقٌ يَخْلُقُ خَلقاً؟!!
قُلْتُ: يَعْنِي: إِنَّمَا خَلَقَ الكَائِنَاتِ بِأَمرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (كُنْ} [الأَنعَامُ: 73] .
قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: عَمَّنْ تَحكِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ؟
قُلْتُ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلاَ مَخْلُوْقٍ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ أَوْ يُنفِقُه، وَكَانَتْ عِنْدِي مائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَتيتُ بِهَا أَبِي، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ، فَأَصْلحَ بِهَا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَاكتَرَى وَخَرَجَ، وَلَمْ يَمضِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْهِ.
فَكَتَبَ بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَبِيْهِ، فَحَقَدَهَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ أَحْمَدَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَمْ يَأْتِ مَولاَكَ مُحَمَّداً.
فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: يُرَدُّ وَلَوْ وَطِئَ بِسَاطِي - وَكَانَ أَحْمَدُ قَدْ بَلَغَ بُصْرَى -.
فَرُدَّ، فَرَجَعَ وَامْتَنَعَ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ لِوَلَدِهِ وَلَنَا، وَرُبَّمَا قَرَأَ عَلَيْنَا فِي مَنْزِلِنَا.
ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً رَفَعَ إِلَى المُتَوَكِّلِ: إِنَّ أَحْمَدَ رَبَّصَ عَلَوِيّاً فِي مَنْزِلِهِ، يُرِيْدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُبَايِعَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدنَا عِلمٌ، فَبَينَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ نِيَامٌ فِي الصَّيْفِ، سَمِعنَا الجَلَبَةَ، وَرَأينَا النِّيرَانَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَسرَعنَا،
وَإِذَا بِهِ قَاعِدٌ فِي إِزَارٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ الكَلْبِيِّ صَاحِبُ الخَبَرِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُم، فَقَرَأَ صَاحِبُ الخَبَرِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ:وَرَدَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّ عِندَكُم عَلَوِيّاً رَبَّصتَه لِتُبَايِعَ لَهُ وَتُظهِرَهُ ... ، فِي كَلاَمٍ طَوِيْلٍ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ مُظَفَّرٌ: مَا تَقُوْلُ؟
قَالَ: مَا أَعْرِفُ مِنْ هَذَا شَيْئاً، وَإِنِّي لأَرَى لَهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِي وَيُسْرِي، وَمَنْشَطِي وَمَكْرَهِي، وَأَثَرَةٍ عَلَيَّ، وَإِنِّي لأَدعُو اللهَ لَهُ بِالتَّسديدِ وَالتَّوفيقِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ.
فَقَالَ مُظَفَّرٌ: قَدْ أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ أُحَلِّفَكَ.
قَالَ: فَأَحلَفَهُ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً أَنَّ مَا عِنْدَهُ طَلِبَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
ثُمَّ فَتَّشوا مَنْزِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَالسربَ وَالغُرفَ وَالسطوحَ، وَفتَّشوا تَابوتَ الكُتُبِ، وَفتَّشوا النِّسَاءَ وَالمَنَازِلَ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئاً، وَلَمْ يُحِسُّوا بِشَيءٍ، وَرَدَّ اللهُ الَّذِيْنَ كَفرُوا بِغَيظهِم، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلَى المُتَوَكِّلِ، فَوَقَعَ مِنْهُ مَوقِعاً حَسَناً، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ.
وَكَانَ الَّذِي دَسَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ، وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ أَمرَهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ الثَّلْجِيِّ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوْسٌ بِبَابِ الدَّارِ، إِذَا يَعْقُوْبُ - أَحَدُ حُجَّابِ المُتَوَكِّلِ - قَدْ جَاءَ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَدَخَلَ، وَدَخَلَ أَبِي وَأَنَا، وَمَعَ بَعْضِ غِلمَانِه بَدْرَةٌ عَلَى بَغلٍ، وَمَعَهُ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ، فَقَرَأَهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ:
إِنَّه صَحَّ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بَرَاءةُ سَاحَتِكَ، وَقَدْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بِهَذَا المَالِ
تَسْتَعِينُ بِهِ.فَأَبَى أَنْ يَقبَلَهُ، وَقَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، اقبلْ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مَا أَمرَكَ بِهِ، فَإِنَّه خَيْرٌ لَكَ عِنْدَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ رَدَدتَه، خِفتُ أَنْ يَظُنَّ بِكَ سُوءاً.
فَحِيْنَئِذٍ قَبِلهَا.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: ارفعْ هَذِهِ الإِنْجَانَةَ وَضَعْهَا -يَعْنِي: البَدْرَةَ- تَحْتَهَا.
فَفَعَلتُ، وَخَرجْنَا.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، إِذَا أُمُّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَدقُّ عَلَيْنَا الحَائِطَ، فَقَالَتْ: مَوْلاَيَ يَدعُو عَمَّه.
فَأَعْلَمتُ أَبِي، وَخَرَجْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا أَخَذَنِي النَّومُ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: لِهَذَا المَالِ.
وَجَعَلَ يَتَوَجَّعُ لأَخذِهِ، وَأَبِي يُسَكِّنُهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَتَّى تُصبِحَ وَتَرَى فِيْهِ رَأْيَكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْلٌ، وَالنَّاسُ فِي المَنَازِلِ.
فَأَمسَكَ وَخَرَجنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ، وَجَّهَ إِلَى عُبْدُوْسِ بنِ مَالِكٍ، وَإِلَى الحَسَنِ بنِ البَزَّارِ، فَحضرَا، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: هَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَبِي، وَأَنَا، وَصَالِحٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَجَعَلْنَا نَكتُبُ مَنْ يَذْكُرُونَه مِنْ أَهْلِ السِّترِ وَالصَّلاَحِ بِبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ، فَوجَّهَ مِنْهَا إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، وَلِلأَشَجِّ، وَإِلَى مَنْ يَعْلَمُوْنَ حَاجتَه، فَفَرَّقهَا كُلَّهَا مَا بَيْنَ الخَمْسِيْنَ إِلَى المائَةِ، وَإِلَى المائَتَيْنِ، فَمَا بَقِيَ فِي الكِيْسِ دِرْهَمٌ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَاتَ الأَمِيْرُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ وَابْنُه مُحَمَّدٌ، ثُمَّ وَلِيَ بَغْدَادَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، فَجَاءَ رَسُوْلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ، وَقَالَ لَهُ: يَأمرُكَ بِالخُرُوجِ -يَعْنِي: إِلَى سَامَرَّاءَ-.
فَقَالَ: أَنَا شَيْخٌ ضَعِيْفٌ عَليلٌ.فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بِمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَوَردَ جَوَابُ الكِتَابِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمرُهُ بِالخُرُوجِ.
فَوجَّهَ عَبْدُ اللهِ أَجنَاداً، فَبَاتُوا عَلَى بَابِنَا أَيَّاماً، حَتَّى تَهَيَّأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْخُرُوْجِ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأَبِي زُمَيلَةً.
وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ حَمْلُ أَبِي إِلَى المُتَوَكِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ وَإِلَى أَنْ مَاتَ أَبِي قَلَّ يَوْمٌ يَمضِي إِلاَّ وَرَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِيهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِي: الزمْ بَيتَكَ، وَلاَ تَخرجْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَلاَ جُمُعَةٍ، وَإِلاَّ نَزَلَ بِكَ مَا نَزلَ بِكَ أَيَّامَ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ أُفتِّشَ مَنْزِلَكَ وَمَنْزِلَ ابنِكَ.
فَقَامَ مُظَفَّرٌ وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا، فَفَتَّشوا، وَدَلَّوْا شَمعَةً فِي البِئرِ، وَنَظرُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَرَدَ كِتَابُ عَلِيِّ بنِ الجَهْمِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ بَرَاءتُكَ، وَذَكَرَ نَحْواً مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ.
قَالَ حَنْبَلٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ:
دَخلْنَا إِلَى العَسْكَرِ، فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْكِبٍ عَظِيْمٍ مُقبلٍ، فَلَمَّا حَاذَى بِنَا، قَالُوا: هَذَا وَصِيْفٌ.
وَإِذَا بفَارِسٍ قَدْ أَقبلَ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الأَمِيْرُ وَصِيْفٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمكنَكَ مِنْ عَدُوِّكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَقبَلُ مِنْكَ، فَلاَ تَدَعْ شَيْئاً إِلاَّ تَكَلَّمتَ بِهِ.
فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَجَعَلتُ أَنَا أَدعُو لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَدَعَوتُ لِوَصِيْفٍ، وَمَضَينَا، فَأُنزِلنَا فِي دَارِ
إِيتَاخَ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ بَعْدُ: لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟قَالُوا: هَذِهِ دَارُ إِيتَاخَ.
قَالَ: حَوِّلُونِي، اكْتَرُوا لِي دَاراً.
قَالُوا: هَذِهِ دَارٌ أَنزَلَكَهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: لاَ أَبِيتُ هَا هُنَا.
وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اكتَرَينَا لَهُ دَاراً، وَكَانَتْ تَأتِينَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيْهَا أَلوَانٌ يَأمُرُ بِهَا المُتَوَكِّلُ وَالثَّلجُ وَالفَاكهَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَا ذَاقَ مِنْهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَفَقَةُ المَائِدَةِ فِي اليَوْمِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
وَكَانَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَهْمِ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِرِسَالَةِ المُتَوَكِّلِ، وَدَامتِ العِلَّةُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَضَعُفَ شَدِيْداً.
وَكَانَ يُوَاصِلُ، وَمكثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشربُ، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطفَأَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ!
قَالَ: إِنِّي مُطيقٌ.
قُلْتُ: بِحقِّي عَلَيْكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ.
فَأَتَيْتُه بِسَوِيْقٍ، فَشربَ، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيْمٍ، فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللهِ بنُ يَحْيَى: فَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدفَعَهَا إِلَى وَلَدِكَ وَأَهلِكَ.
قَالَ: هُم مُستَغْنُوْنَ.
فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَخذَهَا عُبَيْدُ اللهِ، فَقَسَمَهَا عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّهُم فِي كِفَايَةٍ، وَلَيْسَتْ بِهِم حَاجَةٌ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِكَ، فَمَا لَكَ وَلِهَذَا؟
فَأمسَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُجرِي عَلَيْنَا حَتَّى مَاتَ المُتَوَكِّلُ.
وَجَرَى بَيْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبِي كَلاَمٌ كَثِيْرٌ، وَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا بَقِيَ مِنْ
أَعمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأمرِ قَدْ نَزَلَ، فَاللهَ اللهَ، فَإِنَّ أَوْلاَدَنَا إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ فِتْنَةٌ.قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يُؤمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحذَرُ.
فَقَالَ: كَيْفَ وَأَنْتُم لاَ تَترُكُوْنَ طَعَامَهُم وَلاَ جَوَائِزَهُم؟ لَوْ تَركتُمُوهَا، لَتَرَكُوكُم، مَاذَا نَنتَظِرُ؟ إِنَّمَا هُوَ المَوْتُ، فَإِمَّا إِلَى جنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ، فَطُوْبَى لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْرٍ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أُمرتَ مَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَالِ مِنْ غَيْرِ إِشرَافِ نَفْسٍ وَلاَ مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه؟
قَالَ: قَدْ أَخذتُ مَرَّةً بِلاَ إِشرَافِ نَفْسٍ، فَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؟ أَلَمْ تَسْتَشرِفْ نَفْسُكَ؟
قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟
فَقَالَ: مَا هَذَا وَذَاكَ!
وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلاَ يَكُوْنُ فِيْهِ ظُلمٌ وَلاَ حَيْفٌ، لَمْ أُبالِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمَّا طَالتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه المُتَطَبِّبِ، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ، فَلاَ يَتَعَالَجُ، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْه، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّةٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَةِ.
فَسَكَتَ المُتَوَكِّلُ.
وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَنْ أَرَى هَذَا الرَّجُلَ.
فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلَهُ فِي حَجْرِهِ.
فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ، رَجَاءَ أَنْ يُطلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً، وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إِلَى المُعْتَزِّ، فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثرَةُ نُمُورٍ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغلٌ لِتَاجرٍ، فَرَكِبَه، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ فِي مَجْلِسٍ مِنَ المَكَانِ، وَعَلَى المَجْلِسِ سِترٌ رَقِيْقٌ، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى المُعْتَزِّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ.
فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، اللهَ اللهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيْدُ مَا عِنْدَكُم، وَلاَ المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ، فَائذَنْ لَهُ لِيَذْهَبَ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى
المُعْتَزِّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.وَجَلَسَ، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمرَةِ، فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدُ يَقُوْلُ:
لَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَجَلَسْتُ، قَالَ مُؤَدِّبُه: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُؤَدِّبُكَ وَيُعِلِّمُكَ؟
فَقَالَ الصَّبِيُّ: إِنْ عَلَّمَنِي شَيْئاً، تَعَلَّمتُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَعَجِبتُ مِنْ ذَكَائِه وَجَوَابِه عَلَى صِغَرِه، وَكَانَ صَغِيْراً.
وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيْهِ، وَكَلَّمَهُ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ أَيْضاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَأَذِنَ لَهُ فِي الانْصِرَافِ، فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى وَقْتَ العَصْرِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمَرَ أَنْ يَفْرُشَ لَكَ حَرَّاقَةً تَنْحَدِرُ فِيْهَا.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اطلبُوا لِي زَوْرَقاً أَنْحَدِرِ السَّاعَةَ.
فَطَلَبُوا لَهُ زَوْرَقاً، فَانْحَدَرَ لِوَقْتِهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُوْمِه حَتَّى قِيْلَ: إِنَّه قَدْ وَافَى.
فَاسْتَقبَلتُه بِنَاحِيَةِ القَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيتُ مَعَهُ، فَقَالَ لِي: تَقَدَّمْ لاَ يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعرِفُونِي، فَتَقَدَّمْتُهُ.
قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ، أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ وَالعَيَاءِ.
وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَقَدْ وُصِفَ لَهُ فِي عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشوَى، فَشُويتْ فِي تَنُّورِ صَالِحٍ، فَعَلِمَ، فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا، وَمِثلُ هَذَا كَثِيْرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوْجِ أَبِيْهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَرُجُوعِهِ، وَتَفْتِيْشِ بُيُوْتِهِم عَلَى العَلَوِيِّ، وَوُرُودِ يَعْقُوْبَ بِالبَدرَةِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا كَانَ مائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَأَنَّهُ بَكَى، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم، عَزمتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَداً.فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءهُ حَسَنُ بنُ البَزَّارِ، فَقَالَ: جِئنِي يَا صَالِحُ بِمِيْزَانٍ، وَجِّهُوا إِلَى أَبْنَاءِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَإِلَى فُلاَنٍ.
حَتَّى فَرَّقَ الجَمِيْعَ، وَنَحْنُ فِي حَالَةٍ اللهُ بِهَا عَلِيْمٌ، فَجَاءنِي ابْنٌ لِي، فَطَلَبَ دِرْهَماً، فَأَخْرَجتُ قِطْعَةً، فَأَعطيتُه، فَكَتَبَ صَاحِبُ البَرِيْدِ: إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ لِيَومِهِ، حَتَّى بِالكِيْسِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مِنْكَ، وَمَا يَصْنَعُ أَحْمَدُ بِالمَالِ؟! وَإِنَّمَا قُوتُهُ رَغِيْفٌ.
قَالَ: صَدَقتَ.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ أُخرِجَ أَبِي لَيلاً، وَمَعَنَا حُرَّاسٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: أَمَعَكَ دَرَاهِمُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَعطِهِم.
وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ يَسِيْرُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ابْنُ الثَّلْجِيِّ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُكَ.
قَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، سَلِ اللهَ العَافِيَةَ.
قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تُرِيْدُ أَنْ نُؤَدِّيَ عَنْكَ رِسَالَةً إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَسَكَتَ، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الوَابِصِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَشهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَحْمَدَ يَعْبُدُ مَانِي !
فَقَالَ: يَا أَبَا
يُوْسُفَ، يَكْفِي اللهُ.فَغَضِبَ يَعْقُوْبُ، وَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، أَسْأَلُهُ أَنْ يُطلِقَ لِي كَلِمَةً أُخْبِرُ بِهَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلاَ يَفْعَلُ.
قَالَ: وَوَجَّهَ يَعْقُوْبُ إِلَى المُتَوَكِّلِ بِمَا عَمِلَ، وَدَخَلنَا العَسْكَرَ، وَأَبِي مُنَكِّسُ الرَّأْسِ، وَرَأْسُهُ مُغَطَّى، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوْبُ: اكشِفْ رَأْسَكَ.
فَكَشَفَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَصِيْفٌ يُرِيْدُ الدَّارَ، وَوَجَّهَ إِلَى أَبِي بِيَحْيَى بنِ هَرْثَمَةَ، فَقَالَ: يُقرِئُكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْمِتْ بِكَ أَهْلَ البِدَعِ، قَدْ عَلِمتَ حَالَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيْهِ بِمَا يَجِبُ للهِ.
وَمَضَى يَحْيَى، وَأُنْزِلَ أَبِي فِي دَارِ إِيتَاخَ، فَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، وَقَالَ: قَدْ أَمَرَ لَكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مَكَانَ الَّتِي فَرَّقَهَا، وَأَنْ لاَ يَعلَمَ شَيْخُكُم بِذَلِكَ فَيَغتَمَّ.
ثُمَّ جَاءهُ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُكثرُ ذِكرَكَ، وَيَقُوْلُ: تُقيمُ هُنَا تُحَدِّثُ.
فَقَالَ: أَنَا ضَعِيْفٌ.
وَصَارَ إِلَيْهِ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ أَمرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ آتِيَكَ لِتَركَبَ إِلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ.
وَقَالَ لِي: أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُجرَى عَلَيْهِ وَعَلَى قَرَابَتِكُم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ.
ثُمَّ عَادَ يَحْيَى مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَركبُ؟
قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم.
وَلَبِسَ إِزَارَه وَخُفَّه، وَكَانَ لِلْخُفِّ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، قَدْ رُقِّعَ بِرِقَاعٍ عِدَّةٍ، فَأَشَارَ يَحْيَى أَنْ يَلبَسَ قَلَنْسُوَةً.
قُلْتُ: مَا لَهُ قَلَنْسُوَةٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَخَلَ دَارَ المُعْتَزِّ، وَكَانَ
قَاعِداً عَلَى مَصطَبَةٍ فِي الدَّارِ، فَصَعَدَ، وَقَعَدَ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ بِكَ لِيُسَرَّ بِقُربِكَ، وَيُصَيِّرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ فِي حَجْرِكَ.فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الخُدَّامِ أَنَّ المُتَوَكِّلَ كَانَ قَاعِداً وَرَاءَ سِتْرٍ، فَقَالَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه، قَدْ أَنَارَتِ الدَّارُ.
ثُمَّ جَاءَ خَادِمٌ بِمِندِيلٍ، فَأَخَذَ يَحْيَى المِنْدِيلَ، وَذَكَرَ قِصَّةً فِي إِلبَاسِ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَمِيصَ وَالقَلَنْسُوَةَ وَالطَّيْلَسَانَ، وَهُوَ لاَ يُحَرِّكُ يَدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
وَقَدْ كَانُوا تَحَدَّثُوا: أَنَّهُ يَخلعُ عَلَيْهِ سَوَاداً.
فَلَمَّا جَاءَ، نَزَعَ الثِّيَابَ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْ هَؤُلاَءِ مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم! مَا أَحسَبنِي سَلِمتُ مِنْ دُخُوْلِي عَلَى هَذَا الغُلاَمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيَّ نُصحُه؟! يَا صَالِحُ، وَجِّهْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ إِلَى بَغْدَادَ تُبَاعُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَلاَ يَشتَرِي أَحَدٌ مِنْكُم مِنْهَا شَيْئاً.
فَوجَّهتُ بِهَا إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ، فَبَاعهَا، وَفرَّقَ ثَمنَهَا، وَبَقِيَتْ عِنْدِي القَلَنْسُوَةُ.
قَالَ: وَمَكثَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً يُفطِرُ كُلَّ ثَلاَثٍ عَلَى ثُمْنِ سَوِيْقٍ، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يُفطِرُ لَيْلَةً عَلَى رَغِيْفٍ، وَلَيْلَةً لاَ يُفْطِرُ، وَإِذَا جَاؤُوا بِالمَائِدَةِ، تُوضَعُ فِي الدِّهلِيْزِ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَجْهَدَهُ الحَرُّ، بَلَّ خِرقَةً، فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِه، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُوجَّهُ إِلَيْهِ بِابْنِ مَاسَوَيْهِ، فَينظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنَا أَمِيلُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَمَا بِكَ عِلَّةٌ سِوَى الضَّعْفِ وَقِلَّةِ الرِّزِّ.
قَالَ: وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَغِيَاثٌ يَصِيرَانِ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلاَنِ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَفِي مَالِهِ؟فَلاَ يُجِيْبُ بِشَيْءٍ.
وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَيَحْيَى يُخبِرَانِهِ بِمَا يَحدُثُ فِي أَمرِ ابْنِ دُوَادَ.
ثُمَّ بَعثَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ مَا أَشهَدَ عَلَيْهِ بِبَيعِ ضِيَاعِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا جَاءَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي - فَيَجْلسُ فِي الدِّهْلِيْزِ حَتَّى يَفرغَ مِنَ الصَّلاَةِ.
وَأَمرَ المُتَوَكِّلُ أَنْ تُشْتَرَى لَنَا دَارٌ، فَقَالَ: يَا صَالِحُ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: لَئِنْ أَقررتَ لَهُم بِشِرَاءِ دَارٍ، لَتَكُونَّنَ القَطيعَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُصَيِّرُوا هَذَا البَلَدَ لِي مَأوَىً.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافعُ بِشرَاءِ الدَّارِ حَتَّى انْدَفَعَ.
وَجَعَلتْ رُسلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُوْنَه عَنْ خَبَرِهِ، وَيَرجِعُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَرَاكَ.
وَجَاءهُ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مُشتَاقٌ إِلَيْكَ، وَيَقُوْلُ: انْظُرْ يَوْماً تَصِيْرُ فِيْهِ - أَيَّ يَوْمٍ - حَتَّى أُعَرِّفَهَ.
فَقَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم.
فَقَالَ: يَوْمُ الأَربِعَاءِ، وَخَرَجَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، جَاءَ، فَقَالَ: البُشْرَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ أَعفَيتُكَ مِنْ لُبسِ السُّودِ وَالرُّكوبِ إِلَى وُلاَةِ العُهُوْدِ وَإِلَى الدَّارِ، فَالبَسْ مَا شِئْتَ.
فَجَعَلَ يَحمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: إِنَّ لِي ابْناً بِهِ مُعْجَبٌ، وَإِنَّ لَهُ فِي قَلْبِي مَوقِعاً، فَأُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَه بأَحَادِيْثَ.
فَسَكَتَ، فلمَا خَرَجَ، قَالَ: أَتُرَاهُ لاَ يَرَى مَا أَنَا فِيْهِ؟!!
وَكَانَ يَختِمُ القُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، وَإِذَا خَتمَ، دَعَا، وَنَحْنُ
نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَةِ، وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلَى أَخِي.فَلَمَّا خَتمَ، جَعَلَ يَدعُو وَنَحْنُ نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا فَرَغَ، جَعَلَ يَقُوْلُ: أَستَخِيرُ اللهَ مَرَّاتٍ.
فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا يُرِيْدُ؟
ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهداً، إِنَّ عَهدَه كَانَ مَسْؤُوْلاً، وَقَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُوْدِ} [المَائِدَةُ: 1] إِنِّي لاَ أُحدِّثُ بِحَدِيْثٍ تَمَامٍ أَبَداً حَتَّى أَلقَى اللهَ، وَلاَ أَسْتَثنِي مِنْكُم أَحَداً.
فَخَرَجْنَا، وَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَا للهِ وَإِنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَأُخبِرَ المُتَوَكِّلُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أُحدِّثُ، وَيَكُوْنُ هَذَا البَلَدُ حَبْسِي، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الَّذِيْنَ أَقَامُوا بِهَذَا البَلَدِ لَمَّا أُعطُوا فَقَبِلُوا، وَأُمِرُوا فَحَدَّثُوا، وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيتُ المَوْتَ فِي الأَمْرِ الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لأَتَمنَّى المَوْتَ فِي هَذَا وَذَاكَ، إِنَّ هَذَا فِتْنَةَ الدُّنْيا، وَذَاكَ كَانَ فِتنَةَ الدِّينِ.
ثُمَّ جَعَل يَضُمُّ أَصَابعَه، وَيَقُوْلُ: لَوْ كَانَ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.
ثُمَّ يَفتَحُ أَصَابِعَه.
وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكثرُ السُّؤَالَ عَنْهُ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَأْمرُ لَنَا بِالمَالِ، وَيَقُوْلُ: لاَ يَعلَمْ شَيْخُهُم فَيَغْتَمَّ، مَا يُرِيْدُ مِنْهُم؟ إِنْ كَانَ هُوَ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُم؟!
وَقَالُوا لِلْمُتَوَكِّلِ: إِنَّه لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِكَ، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشربُ.
فَقَالَ: لَوْ نُشِرَ لِيَ المُعْتَصِمُ، وَقَالَ فِيْهِ شَيْئاً، لَمْ أَقبَلْ مِنْهُ.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ انحدرتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَخَلَّفتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَهُ، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟
قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَنْحَدِرَ.
وَقَالَ: قُلْ لِصَالِحٍ:
لاَ تَخرُجْ، فَأَنْتُم كُنْتُم آفَتِي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ، مَا أَخْرَجتُ وَاحِداً مِنْكُم مَعِي، لَولاَكُم لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَةُ، وَتُفرَشُ الفُرُشُ، وَتُجرَى الأَجْرَاءُ ؟فَكتبتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُه بِمَا قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ:
أَحسنَ اللهُ عَاقبَتكَ، وَدَفَعَ عَنْكَ كُلَّ مَكرُوهٍ وَمَحذُورٍ، الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الكِتَابِ إِلَيْكَ الَّذِي قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ، لاَ يَأْتِينِي مِنْكُم أَحَدٌ رَجَاءَ أَنْ يَنقطِعَ ذِكْرِي وَيَخمُلَ، وَإِذَا كُنْتُم هَا هُنَا، فَشَا ذِكرِي، وَكَانَ يَجتمعُ إِلَيْكُم قَوْمٌ يَنقُلُوْنَ أَخبَارَنَا، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ خَيْرٌ، فَإِنْ أَقَمْتَ فَلَمْ يَأْتِنِي أَنْتَ وَلاَ أَخُوكَ، فَهُوَ رِضَائِي، وَلاَ تَجعلْ فِي نَفْسِكَ إِلاَّ خَيْراً، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَلَمَّا سَافَرْنَا، رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ، وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا.
قَالَ صَالِحٌ: وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي بِأَلفِ دِيْنَارٍ لِيَقْسِمَهَا، فَجَاءهُ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُهَيِّئُ لَهُ حَرَّاقَةً، ثُمَّ جَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمرَ لَكَ بِهَذَا.
فَقَالَ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ.
فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَنَا رَقِيْقٌ عَلَى البَردِ، وَالظّهرُ أَرْفَقُ بِي.
فَكُتِبَ لَهُ جَوَازٌ، وَكُتِبَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي بِرِّهِ وَتَعَاهُدِهِ.
فَقَدِمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا صَالِحُ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَدعَ هَذَا الرِّزْقَ، فَإِنَّمَا تَأْخذُونَه بِسَبَبِي.
فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعطِيَكَ بِلِسَانِي، وَأُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي القَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنِّي، وَلاَ أُعذَرُ، وَقَدْ كُنْتُ أَشكُو إِلَيْكَ، وَتَقُوْلُ: أَمرُكَ مُنعقِدٌ بِأَمرِي، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَحُلَّ عَنِّي هَذِهِ العُقْدَةَ، وَقَدْ كُنْتَ تَدعُو لِي، فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَفعَلُ.
فَقُلْتُ: لاَ.
فَقَالَ: لِمَ؟ فَعَلَ اللهُ بِكَ وَفَعَلَ!!
وَذَكَرَ قِصَّةً فِي دُخُوْلِ عَبْدِ اللهِ أَخِيْهِ عَلَيْهِ، وَقَولِه وَجَوَابِه لَهُ، ثُمَّ دُخُوْلِ عَمِّه عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِه لِلأَخذِ.قَالَ: فَهَجَرَنَا أَبِي، وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخذِ عَمِّه، فَقَالَ: نَافَقْتَنِي وَكَذَبْتَنِي!!
ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَركَ الصَّلاَةَ فِي المَسْجَدِ، وَخَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ آخرَ يُصَلِّي فِيْهِ.
ثُمَّ ذَكرَ قِصَّةً فِي دُعَائِهِ صَالِحاً، وَمُعَاتَبَتِه لَهُ، ثُمَّ فِي كِتَابَتِهِ إِلَى يَحْيَى بنِ خَاقَانَ لِيترُكَ مَعُونَةَ أَوْلاَدِهِ، وَأَنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ، فَأَمرَ بِحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُم مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ إِلَيْهِم، فَكَانَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ قَلِيْلاً، وَأَطرقَ، ثُمَّ قَالَ: مَا حِيلتِي إِنْ أَرَدْتُ أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ أَمراً؟!
قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِي أَبِي يُبلغُه السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُه عَنْ حَالِه.
قَالَ: فَتَأخُذُه قُشَعْرِيرَةٌ حَتَّى نُدَثِّرَهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَنَّ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.
وَجَاءَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ إِلَيْهِ يَقُوْلُ: لَوْ سَلِمَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، سَلِمتَ أَنْتَ، رَفعَ رَجُلٌ إِلَيْنَا : أَنَّ عَلَوِيّاً قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَأَنَّكَ وَجَّهتَ إِلَيْهِ مَنْ يَلقَاهُ، وَقَدْ حَبستَ الرَّجُلَ، وَأَردتَ ضَربَه، فَكرهتُ أَنْ تَغتَمَّ، فَمُرْ فِيْهِ.
قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ يُخَلَّى سَبِيلُهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةً فِي قُدُومِ المُتَوَكِّلِ بَغْدَادَ، وَإِشَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَى صَالِحٍ بِأَنْ لاَ يَذْهَبَ إِلَيْهِم، وَمَجِيْءِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ مِنْ عِنْدِ المُتَوَكِّلِ،
وَقَولِهِ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ كُلِّ مَا أَكرَهُ، وَفِي تَوْجِيْهِ أَمِيْرِ بَغْدَادَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ إِلَى أَحْمَدَ لِيحضُرَ إِلَيْهِ، وَامتنَاعِ أَحْمَدَ، وَقَولِهِ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ أُخَالطِ السُّلْطَانَ، وَقَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ.قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَدمنَ الصَّوْمَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ سَامَرَّاءَ، وَجَعَلَ لاَ يَأْكُلُ الدَّسمَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُشترَى لَهُ الشّحمُ بِدِرْهَمٍ، فَيَأكلُ مِنْهُ شَهْراً !!
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثهُم، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ يَقُوْلُ: انْظُرْ، هَلْ تَجدُ مَاءَ بَاقِلَّى ؟ فَكُنْتُ رُبَّمَا بَللتُ خُبزَه بِالمَاءِ، فَيَأْكلُهُ بِالملحِ.
وَمُنْذ دَخلْنَا العَسْكَرَ إِلَى أَنْ خَرَجْنَا، مَا ذَاقَ طَبيخاً وَلاَ دَسماً.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَنبَهنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ لَيْلَةً، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطعِمْنِي شَيْئاً.
فَجِئتُه بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكلَهُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ العَوْنَ عَلَى نَفْسِي، مَا أَكلتُ.
وَكَانَ يَقومُ إِلَى المخرجِ، فَيقعدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوعِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ، لِترجعَ نَفْسُه إِلَيْهِ، حَتَّى إِنَّه أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ هَذَا -:
مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: أَوْصَى أَبِي هَذِهِ:هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللهَ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَوْصَى أَنْ عَلَيَّ لِفُوْرَانَ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَهُوَ مُصدَّقٌ فِيْمَا قَالَ، فَيُقضَى مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ، فَإذَا اسْتَوفَى، أُعْطِيَ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ وَصَالِحٍ، كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنثَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ.
شَهِدَ: أَبُو يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللهِ وَصَالِحٌ؛ ابْنَا أَحْمَدَ.
أَنْبَؤُوْنَا عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ المُقْرِئَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى أَبِي يُخبرُه أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ القُرْآنِ، لاَ مَسْأَلَةَ امْتِحَانٍ، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبصِرَةٍ.
فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبِي: إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَحسنَ اللهُ عَاقبتَكَ أَبَا الحَسَنِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبتُ إِلَيْكَ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ - بِالَّذِي سَألَ عَنْهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرِ القُرْآنِ بِمَا حَضَرَنِي، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيْمَ تَوفيقَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي خَوضٍ مِنَ البَاطِلِ، وَاخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ يَنغمسُوْنَ فِيْهِ، حَتَّى أَفضَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَةٍ، وَانْجلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُوا فِيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المَحَابِسِ، فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذَهَبَ بِهِ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مَوقِعاً عَظِيْماً، وَدَعَوُا اللهَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجيبَ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ صَالِحَ الدُّعَاءِ، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
وَأَنْ يَزِيْدَ فِي نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَضرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ فِي قُلُوْبِكُم.
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ نَفَراً كَانُوا جُلُوْساً بِبَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
وَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّكُم لَسْتُمْ مِمَّا هَا هُنَا فِي شَيْءٍ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْظُرُوا الَّذِي نُهِيْتُم عَنْهُ، فَانْتَهُوا عَنْهُ ) .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مِرَاءٌ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ:عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَمَارَوْا فِي القُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيْهِ كُفْرٌ ) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُه عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَارعُوا يَوْمَهُم فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ.
فَزَبَرَنِي عُمَرُ، وَقَالَ: مَهْ.
فَانطَلقتُ إِلَى مَنْزِلِي كَئِيباً حَزِيناً، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَخَرَجتُ، فَإذَا هُوَ بِالبَابِ يَنْتظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَخَلاَ بِي، وَقَالَ: مَا الَّذِي كَرهتَ؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَتَى يَتَسَارعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ، يَحْتَقُّوا، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا، يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَصِمُوا، يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا، يَقْتَتِلُوا.
قَالَ: للهِ أَبُوكَ! وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَكتُمَهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعرِضُ نَفْسَه عَلَى النَّاسِ بِالمَوْقِفِ، فَيَقُوْلُ: (هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُوْنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي).
وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ) .
يَعْنِي: القُرْآنَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: جَرِّدُوا القُرْآنَ، لاَ تَكْتُبُوا فِيْهِ شَيْئاً إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَضَعُوهُ مَوَاضِعَه.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، إِنِّي إِذَا قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ وَتَدبَّرتُه، كِدتُ أَنْ آيَسَ، وَينقطعَ رَجَائِي.
فَقَالَ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، وَأَعمَالُ ابْنِ آدَمَ إِلَى الضَّعفِ وَالتَّقْصِيرِ، فَاعمَلْ، وَأَبْشِرْ.
وَقَالَ فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ: كُنْتُ جَاراً لِخَبَّابٍ، فَخَرَجتُ يَوْماً مَعَهُ إِلَى المَسْجَدِ، وَهُوَ أَخذَ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا هَنَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتطعتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِه.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَكَمِ: مَا حَمَلَ أَهْلَ الأَهوَاءِ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: الخُصومَاتُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: إِيَّاكُم وَهَذِهِ الخُصُومَاتِ، فَإِنَّهَا تُحبطُ الأَعْمَالَ.
وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الأَهوَاءِ -أَوْ قَالَ: أَصْحَابَ الخُصُومَاتِ- فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَغمِسُوكم فِي ضَلاَلتِهِم، وَيُلْبِسُوا عَلَيْكُم بَعْضَ مَا تَعْرِفُوْنَ.وَدَخَلَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ الأهوَاءِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالاَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، نُحدَّثُكَ بِحَدِيْثٍ؟
قَالَ: لاَ.
قَالاَ: فَنَقرأُ عَلَيْكَ آيَةً؟
قَالَ: لاَ، لَتَقُوْمَانِ عَنِّي، أَوْ لأَقُومَنَّه.
فَقَامَا.
فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: يَا أَبَا بَكْرٍ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُقرَأَ عَلَيْكَ آيَةٌ؟
قَالَ :.....، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي.
وَقَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ لأَيُّوبَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ؟
فَوَلَّى، وَهُوَ يَقُوْلُ بِيَدِهِ: لاَ، وَلاَ نِصْفَ كَلِمَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ طَاوُوْسٍ لاِبْنٍ لَهُ يُكَلِّمهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ: يَا بُنَيَّ، أَدْخِلْ أُصبُعَيكَ فِي أُذُنَيكَ حَتَّى لاَ تَسْمَعَ مَا يَقُوْلُ.
ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ اشْدُدْ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرضاً لِلْخُصُوْمَاتِ، أَكْثَرَ التَّنقُّلَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: إِنَّ القَوْمَ لَمْ يُدَّخرْ عَنْهُم شَيْءٌ خُبِّئَ لَكُم لِفضلٍ عِنْدكُم.
وَكَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ: شَرُّ دَاءٍ خَالَطَ قَلْباً -يَعْنِي: الأَهوَاءَ-.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ: اتَّقُوا اللهَ، وَخُذُوا طَرِيْقَ مَنْ كَانَ قَبلَكُم، وَاللهِ لَئِنْ اسْتَقَمتُم، لَقَدْ سَبَقتُم سَبْقاً بَعِيْداً، وَلَئِنْ تَرَكتُمُوهُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، لَقَدْ ضَلَلْتُم
ضَلاَلاً بَعِيْداً -أَوْ قَالَ: مُبِيناً-.قَالَ أَبِي: وَإِنَّمَا تَركتُ الأَسَانِيْدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اليَمِيْنِ الَّتِي حَلَفتُ بِهَا مِمَّا قَدْ عَلِمَه أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَوْلاَ ذَاكَ، ذَكَرْتُهَا بأَسَانِيْدِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [التَّوبَةُ: 6] .
وَقَالَ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعْرَافُ: 54] .
فَأَخبَرَ أَنَّ الأَمْرَ غَيْرُ الخَلقِ.
وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانُ} [الرَّحمنُ: 1 - 4] .
فَأَخبرَ أَنَّ القُرْآنَ مِنْ عِلمِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُوْدُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم، قُلْ: إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى، وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيْرٍ} [البَقَرَةُ: 120]
وَقَالَ: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البَقَرَةُ: 145] .
وَإلَى قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِنْ بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِيْنَ} [البَقَرَةُ: 145] .
فَالقُرْآنُ مِنْ عِلمِ اللهِ.
وَفِي الآيَاتِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي جَاءهُ هُوَ القُرْآنُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ أنَّهُم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَهُوَ الَّذِي أَذهبُ إِلَيْهِ، لَسْتُ بِصَاحِبِ كَلاَمٍ، وَلاَ أَرَى الكَلاَمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلاَّ مَا كَانَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، أَوْ حَدِيْثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ عَنِ أَصْحَابِهِ، أَوْ عَنِ التَّابِعِيْنَ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِيْهِ غَيْرُ مَحمودٍ.
فَهَذِهِ الرِّسَالَةُ إِسْنَادُهَا كَالشَّمْسِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا النَّفَسِ النُّورَانِيِّ، لاَ كَرِسَالَةِ الإِصْطَخْرِيِّ، وَلاَ كَالرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ المَوْضُوْعِ عَلَى أَبِي عَبْدِ
اللهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَانَ تَقيّاً وَرِعاً، لاَ يَتَفَوَّهُ بِمِثلِ ذَلِكَ.وَلَعَلَّهُ قَالَهُ، وَكَذَلِكَ رِسَالَةُ المُسِيءِ فِي الصَّلاَةِ بَاطلَةٌ.
وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَصلاً وَفَرعاً فَفِيْهِ كِفَايَةٌ، وَمِمَّا ثَبَتَ عَنْهُ مَسْأَلَةُ الإِيْمَانِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيْهَا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَملٌ، يَزِيْدُ وَيَنقصُ، البِرُّ كُلُّهُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالمَعَاصِي تُنْقِصُ الإِيْمَانَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَسَمِعَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ أَحْمَدَ يَقُوْلُ ذَلِكَ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مُحدَثٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ السَّرَّاجُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، قَالَ: كَافِرٌ.
وَعَمَّنْ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: تَنَاهَى إِلَى أَبِي أَنَّ أَبَا طَالِبٍ يَحكِي أَنَّهُ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَخْبَرتُ بِذَلِكَ أَبِي، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟
قُلْتُ: فُلاَنٌ.
قَالَ: ابعَثْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ.
فَوَجَّهتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ، وَجَاءَ فُوْرَانُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَنَا قُلْتُ لَكَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟!
وَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَرْعُدُ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْكَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَصُ: 1] ، فَقُلْتَ لِي: لَيْسَ هَذَا بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ: فَلِمَ حَكيتَ عَنِّي أَنِّي قُلْتُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ كَتَبتَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْمٍ، فَامْحُهُ، وَاكتُبْ إِلَيْهِم أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ لَكَ.
فَجَعَلَ فُوْرَانُ يَعتذِرُ إِلَيْهِ، فَعَادَ أَبُو طَالِبٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى القَوْمِ يَقُوْلُ: وَهِمْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قُلْتُ: الَّذِي اسْتَقرَّ الحَالُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
فَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- لاَ يَقُوْلُ هَذَا وَلاَ هَذَا، وَرُبَّمَا أَوضحَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ - يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ - فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: اللَّفظيَّةُ شَرٌّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
الجَهْمِيَّةُ ثَلاَثُ فِرَقٍ: فِرقَةٌ قَالَتْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَفِرقَةٌ قَالُوا: كَلاَمُ اللهِ وَسَكَتُوا، وَفِرقَةٌ قَالُوا: لَفْظُنَا بِهِ مَخْلُوْقٌ.
ثُمَّ قَالَ أَبِي: لاَ يُصَلَّى خَلْفَ وَاقِفِيٍّ، وَلاَ لَفْظِيٍّ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: أَخبرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ:
أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ السُّوْسِيَّ الرَّقِّيَّ، فَرَّقَ بَيْنَ بِنتِهِ وَزَوْجِهَا لَمَّا وَقَفَ فِي القُرْآنِ، فَقَالَ: أَحسَنَ - عَافَاهُ اللهُ -.
وَجَعَلَ يَدعُو لَهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَمَّا أَظهرَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الوَقفَ، حَذَّرَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَمَرَ بِهُجْرَانِهِ.
لأَبِي عَبْدِ اللهِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ نُقُوْلٌ عِدَّةٌ: فَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَوَضَعَ كِتَاباً فِي المُدَلِّسِينَ، يَحُطُّ عَلَى جَمَاعَةٍ: فِيْهِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ مِنَ الخَوَارِجِ.
وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ يُقَوِّي بِهِ الرَّافِضَةَ، فَأُعلِمَ أَحْمَدُ، فَحذَّرَ مِنْهُ، فَبلغَ الكَرَابِيْسِيَّ، فَتَنَمَّرَ، وَقَالَ: لأَقُولَنَّ مَقَالَةً حَتَّى يَقُوْلَ ابْنُ حَنْبَلٍ بِخِلاَفِهَا، فَيكْفُرُ.
فَقَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ المَرُّوْذِيُّ فِي كِتَابِ (القَصَصِ) : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الكَرَابِيْسِيَّ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ إِلاَّ أَنَّ لَفْظي بِهِ مَخْلُوْقٌ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: بَلْ هُوَ الكَافِرُ - قَاتلَهُ اللهُ - وَأَيَّ شَيْءٍ قَالَتْ الجَهْمِيَّةُ إِلاَّ هَذَا؟ وَمَا يَنْفُعُهُ، وَقَدْ نَقَضَ كَلاَمُهُ الأَخِيْرُ كَلاَمَهُ الأَوّلَ؟!
ثُمَّ قَالَ: أَيْشٍ خَبَرُ أَبِي ثَوْرٍ، أُوَافِقَهُ عَلَى هَذَا؟
قُلْتُ: قَدْ هَجَرَهُ.
قَالَ: أَحسنَ، لَنْ يُفلِحَ أَصْحَابُ الكَلاَمِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سُئِلَ أَبِي، وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ اللَّفظيَّةِ وَالواقفَةِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْهُم يُحسنُ الكَلاَمَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.الحَكَمُ بنُ مَعْبَدٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ؟
فَرَأَيْتُه اسْتَوَى، وَاجْتَمَعَ، وَقَالَ: هَذَا شرٌّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّةِ.
مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيْلَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوْقٍ، وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَخْلُوْقٍ.
فقد كَانَ هَذَا الإِمَامُ لاَ يَرَى الخَوضَ فِي هَذَا البَحثِ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَتَذرَّعَ بِهِ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَالكَفُّ عَنْ هَذَا أَوْلَى، آمَنَّا بِاللهِ -تَعَالَى- وَبِمَلاَئِكتِهِ، وَبكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَأَقْدَارِهِ، وَالبَعْثِ وَالعَرضِ عَلَى اللهِ يَوْمَ الدِّينِ.
وَلَوْ بُسِطَ هَذَا السَّطرُ، وَحُرِّرَ وقُرِّرَ فِيْهَا بِأَدِلَّتِهِ، لَجَاءَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ، بَلْ ذَلِكَ مَوْجُوْدٌ مَشروحٌ لِمَنْ رَامَهُ، وَالقُرْآنُ فِيْهِ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ، وَمَعُلُوْمٌ أَنَّ التَّلفُّظَ شَيْءٌ مِنْ كَسبِ القَارِئِ غَيْرِ المَلْفُوْظِ، وَالقِرَاءةُ غَيْرُ الشَّيْءِ المَقرُوءِ، وَالتِّلاَوَةُ وَحُسنُهَا وَتَجويدُهَا غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَصَوتُ القَارِئِ مِنْ كَسبِهِ فَهُوَ يُحْدِثُ التَّلفُّظَ وَالصَّوتَ وَالحَرَكَةَ وَالنُّطقَ، وَإِخْرَاجَ الكَلِمَاتِ مِنْ أَدَوَاتِهِ المَخْلُوْقَةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ كَلِمَاتِ القُرْآنَ، وَلاَ تَرْتِيْبَهُ، وَلاَ تَأْلِيفَهُ، وَلاَ مَعَانيهِ.
فَلَقَدْ أحسنَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ مَنعَ مِنَ الخَوضِ فِي المَسْأَلَةِ مِنَ الطَّرفَينِ، إِذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ إِطْلاَقِ الخَلْقيَّةِ وَعَدَمِهَا عَلَى اللَّفْظِ مُوهِمٌ، وَلَمْ يَأتِ بِهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ، بَلِ الَّذِي لاَ نَرتَابُ فِيْهِ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ مَنْزَلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيَّ، سَمِعْتُ فُوْرَانَ صَاحِبَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:سَأَلَنِي الأَثْرَمُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ أَنْ أَطلبَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ خَلوةً، فَأَسألُهُ فِيْهَا عنْ أَصْحَابِنَا الذينَ يُفرِّقونَ بينَ اللَّفْظِ وَالمحكِيِّ.
فَسَأَلتُه، فَقَالَ: القُرْآنُ كَيْفَ تُصُرِّفَ فِي أَقوَالِه وَأَفْعَالِه، فَغيرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَمَّا أَفْعَالُنَا فمَخْلُوْقَةٌ.
قُلْتُ: فَاللَّفظيَّةُ تَعدُّهُم يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي جُمْلَةِ الجَهْمِيَّةِ؟
فَقَالَ: لاَ، الجَهْمِيَّةُ الَّذِيْنَ قَالُوا: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ:
جَاءنِي ابْنُ شَدَّادٍ بِرقعَةٍ فِيْهَا مَسَائِلُ، وَفِيْهَا: إنَّ لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَضَرَبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى هَذِهِ، وَكَتَبَ: القُرْآنُ حَيْثُ تُصُرِّفَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ أسمَاءَ اللهِ مَخْلُوْقَةٌ، فَقَدْ كَفَرَ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ لاَ يُفلِحُ، مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، لَمْ يَخلُ مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَنْ أَحَبَّ الكَلاَمَ لَمْ يُفلحْ، لأنَّهُ يَؤُوْلُ أَمرَهُم إِلَى حَيْرَةٍ، عَلَيْكُم بِالسُّنَّةِ وَالحَدِيْثِ، وَإِيَّاكُم وَالخوضَ فِي الجِدَالِ وَالمِرَاءِ، أَدْرَكنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُوْنَ هَذَا الكَلاَمَ، عَاقبَةً الكَلاَمِ لاَ تَؤُولُ إِلَى خَيْرٍ.
وَللإِمَامِ أَحْمَدَ كَلاَمٌ كَثِيْرٌ فِي التَحْذِيْرِ مِنَ البِدَعِ وَأَهلهَا، وَأَقْوَال فِي السُّنَّةِ.
وَمَنْ نظرَ فِي كِتَابِ (السُّنَّةِ) لأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ، رَأَى فِيْهِ عِلْماً غَزِيْراً وَنقلاً كَثِيْراً.
وَقد أوردتُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي (تَارِيْخ الإِسْلاَم) ، وَفِي كِتَابِ (العِزَّةُ لِلْعَلِيِّ العَظِيْمِ) .
فَتَّرَنِي عَنِ إِعَادَتِه هُنَا عَدمُ النِّيَّةِ.
فَنسأَلُ اللهَ الهَدَى، وَحُسنَ القصدِ. وَإِلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ المُنْتَهَى فِي
مَعْرِفَة السُّنَّةِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَفِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَفُنونِه، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِه.وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ وَالعِبَادَةِ وَالصِّدْقِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ، فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّةَ، يُرِيْدُ المَدَائِنَ، فَقَالَ لِي أَبِي: أُحِبُّ أَنْ لاَ تَذْهَبَ إِلَيْهِم تُنَبِّهُ عَلَيَّ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْماً مَطيراً، فَإذَا بِيَحْيَى بنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَالمَطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: سُبْحَانَ اللهِ! لَمْ تَصرْ إِلَيْنَا حَتَّى تُبَلِّغَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ عَنْ شَيْخِك، حَتَّى وَجَّهَ بِي، ثُمَّ نَزَلَ خَارجَ الزُّقَاقِ، فَجهدتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَرَ.
فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوْقَهُ، وَدَخَلَ، وَأَبِي فِي الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاءٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقبَّلَ جَبهَتَه، وَسَاءلَه عَنْ حَالِه، وَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَنْتَ فِي نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُكَ؟ وَقَدْ أَنستُ بقُربِك، وَيَسْألُكَ أَنْ تَدعُوَ لَهُ.
فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَأَنَا أَدعُو اللهَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلفَ دِيْنَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَةِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، أَنَا فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ، وَقَدْ أَعفَانِي مِنْ كُلِّ مَا أَكرهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الخُلَفَاءُ لاَ يَحتملُوْنَ هَذَا.
فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تلطَّفْ فِي ذَلِكَ.
فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ، رَجَعَ، وَقَالَ: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفعَلُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى الدِهْلِيْزِ، قَالَ: أَمرنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَدفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا.
فَقُلْتُ: تَكُوْنُ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ حَبِيْبٍ، سَمِعْتُ المِسْعَرِيَّ مُحَمَّدَ بنَ وَهْبٍ، قَالَ:كُنْتُ مُؤَدِّباً لِلْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ، أَدنَانِي، وَكَانَ يَسْأَلُنِي وَأُجِيبُهُ عَلَى مَذْهَبِ الحَدِيْثِ، وَالعِلْمِ.
وَإِنَّهُ جلَسَ لِلْخَاصَّةِ يَوْماً، ثُمَّ قَامَ، حَتَّى دَخَلَ بَيتاً لَهُ مِنْ قَوَارِيْرَ؛ سَقْفُهُ وَحيطَانُهُ وَأَرْضُهُ، وَقَدْ أُجْرِيَ لَهُ المَاءُ فِيْهِ، يَتَقَّلبُ فِيْهِ.
فَمَنْ دَخَلَهُ، فَكَأَنَّهُ فِي جَوفِ المَاءِ جَالِسٌ.
وَجَلَسَ عَنْ يَمِيْنِه: الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ.
وَعَنْ يَسَارِهِ: بُغَا الكَبِيْرُ، وَوَصِيْفٌ، وَأَنَا وَاقفٌ إِذ ضَحكَ، فَأَرمَّ القَوْمُ، فَقَالَ:
أَلاَ تَسْأَلونِي مِن مَا ضَحِكْتُ؟! إِنِّي ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الوَاثِقِ، وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّةِ، ثُمَّ دَخَلَ هُنَا، وَرُمْتُ الدُخُوْلَ، فَمُنِعتُ، وَوَقَفتُ حَيْثُ ذَاكَ الخَادِمُ وَاقِفٌ، وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَابْنُ الزَّيَّات، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ.
فَقَالَ الوَاثِقُ: لَقَدْ فكَّرتُ فِيْمَا دَعوتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَسُرعَةَِ إِجَابَةِ مَنْ أَجَابَنَا، وَشِدَّةِ خِلاَفِ مَنْ خَالَفَنَا مَعَ الضَّربِ وَالسَّيْفِ، فَوَجَدْتُ مَنْ أَجَابَنَا رَغبَ فِيْمَا فِي أَيدِينَا، وَوَجَدتُ مَنْ خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينٌ وَوَرَعٌ، فَدَخَلَ قَلْبِي مِنْ ذَلِكَ أَمرٌ وَشَكٌّ حَتَّى هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِكَ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اللهَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحيَيتَهَا، وَأنْ تُبْطِلَ دِيْناً قَدْ أَقْمتَهُ.
ثُمَّ أَطرَقُوا، وَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ هَذَا القَوْلَ الَّذِي تَدعُو النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارتضَاهُ اللهُ لأنْبِيَائِهِ وَرُسلِه، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّه، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُوا عَنْ قَبُولِه.
قَالَ الوَاثِقُ: فَبَاهَلُوْنِي عَلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: ضَرَبَه اللهُ بِالفَالِجِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً.
وَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: وَهُوَ، فَسَمَّرَ اللهُ بَدَنَه بِمَسَامِيرَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً بَأنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: وَهُوَ، فَأَنْتَنَ اللهُ رِيْحَهُ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يَكُنْ
مَا يَقُوْلُ حَقّاً.وَقَالَ نَجَاحٌ: وَهُوَ، فَقَتَلَهُ اللهُ فِي أَضيَقِ مَحبِسٍ.
وَقَالَ إِيتَاخُ: وَهُوَ، فَغَرَّقَهُ اللهُ.
فَقَالَ الوَاثِقُ: وَهُوَ، فَأحرقَ اللهُ بَدنَه بِالنَّارِ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَأَضحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُم يَوْمَئِذٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ فِيْهِ.
أَمَّا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَدْ ضَربَه اللهُ بِالفَالِجِ، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّاتِ، فَأنَا أَقعدتُه فِي تَنُّورٍِ مِنْ حَدِيدٍ، وَسَمَّرْتُ بَدَنَهُ بِمَسَامِيْرَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ، فَأقبلَ يَعْرَقُ فِي مَرضِهِ عَرَقاً مُنْتِناً حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ الحمِيمُ وَالقَرِيْبُ، وَأَمَّا نَجَاحٌ، فَأَنَا بَنيتُ عَلَيْهِ بَيتاً ذِرَاعاً فِي ذِرَاعَيْنِ حَتَّى مَاتَ، وَأَمَّا إِيتَاخُ، فَكتبتُ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الحَجِّ فَقيَّدَه وَغرَّقَه، وَأَمَّا الوَاثِقُ، فَكَانَ يُحِبُّ الجِمَاعَ، فَقَالَ: يَا مِخَائِيلَ: ابْغِنِي دَوَاءً لِلْبَاهِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بَدَنَكَ فَلاَ تَهُدَّه، لاَ سِيَّمَا إِذَا تَكَّلفَ الرَّجُلُ الجِمَاعَ.
فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَإِذَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَعَ ذَلِكَ وَصِيْفَةً.
فَقَالَ: مَنْ يَصبِرُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ؟
قَالَ: فَعَلَيْكَ بِلَحْمِ السَّبُعِ، يُوخَذُ رِطلٌ، فَيُغلَى سَبْعَ غليَاتٍ بِخَلِّ خَمْرٍ عَتِيقٍ، فَإذَا جلَسْتَ عَلَى شُربِك، فَخُذْ مِنْهُ زِنَةَ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّك تَجدُ بُغْيَتَكَ.
فَلَهَا أَيَّاماً، وَقَالَ: عَلِيَّ بِلحمِ سَبُعٍ السَّاعَةَ.
فَأُخْرجَ لَهُ سَبُعٌ، فذُبحَ وَاسْتعمَلَه.
قَالَ: فَسُقِي بَطنُه، فَجُمعَ لَهُ الأَطبَّاءُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ دوَاءَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يُسجَرَ لَهُ تنُّورٌ بِحطبِ الزَّيتُوْنِ، حَتَّى يَمتلئَ جَمراً، ثُمَّ يَكسحُ مَا فِيْهِ، وَيُحشَى بِالرُّطبَةِ، وَيَقَعدَ فِيْهِ ثَلاَثَ سَاعَاتٍ، فَإِنْ طَلبَ مَاءً لَمْ يُسقَ، ثُمَّ يَخرجُ فَإِنَّه يَجِدُ وَجَعاً شَدِيْداً، وَلاَ يُعَادُ إِلَى التَّنُّورَ إِلَى بَعْدَ سَاعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجرِي ذَلِكَ المَاءُ، وَيَخرجُ مِنْ مَخَارجِ البَولِ.
وَإِن هُوَ سُقِيَ أَوْ رُدَّ إِلَى التَّنُّورِ، تَلِفَ.
قَالَ: فَسُجِرَ لَهُ تَنُّورٌ، ثُمَّ أُخرجَ الجَمْرُ، وَجُعِلَ عَلَى ظَهرِ التَّنُّورِ، ثُمَّ حُشِيَ بِالرطبَةِ.
فَعُرِّيَ الوَاثِقُ، وَأُجلسَ فِيْهِ، فَصَاحَ، وَقَالَ: أَحرقتُمُونِي، اسقُونِي مَاءً.
فَمُنِعَ، فَتَنَفَّطَ بَدَنُه كُلُّه، وَصَارَ نُفَاخَاتٍ كَالبطِّيخِ، ثُمَّ أُخرِجَ وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحترقَ، فَأَجْلَسَه الأطبَّاءُ.
فَلَمَّا شَمَّ الهَوَاءَ، اشتدَّ بِهِ الأَلَمُ، فَأَقبلَ يَصيحُ
وَيَخُورُ كَالثَّورِ، وَيَقُوْلُ:رُدُّونِي إِلَى التَّنُّورِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاؤُه وَخوَاصُّه، وَرَدُّوهُ إِلَى التَّنُّورِ، وَرَجَوُا الفَرَجَ.
فَلَمَّا حَمِيَ، سَكَنَ صِيَاحُه، وَتَفَطَّرتْ تِلْكَ النُّفَاخَاتِ، وَأُخرِجَ وَقَدِ احْتَرَقَ وَاسودَّ، وَقضَى بَعْدَ سَاعَةٍ.
قُلْتُ: رَاويهَا لاَ أَعْرِفُه.
وَعَنْ جَرِيْر بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: قَالَ أَبِي:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ قَلْباً مِنْ هَذَا -يَعْنِي: أَحْمَدَ- جَعَلنَا نُكلِّمُهُ، جَعَلَ الخَلِيْفَةُ يُكَلِّمهُ، يُسَمِّيْهِ مَرَّةً وَيَكْنِيْهِ مرَّةً، وَهُوَ يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَوجِدْنِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِه حَتَّى أُجيبَكَ إِلَيْهِ.
أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ، قَالَ:
دَخَلت أَنَا وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ عَلَى أَحْمَدَ حِدثَانَ ضَرْبِهِ، فَقَالَ لَنَا: ضُربتُ فَسقطتُ وَسَمِعْتُ ذَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلٌّ.
فَقَالَ لَهُ الحَارِثُ: أَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ سُعِي بِهِ حَتَّى ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ.
وَقِيْلَ: عُلِّقتْ كُتُبه فِي عُنُقِهِ.
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ ضُربَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّب، وَحُلِقَ رَأْسُه وَلِحيَتُه، وضُرِبَ أَبُو الزِّنَادِ، وضُربَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي حَمَّامٍ بِالسِّيَاطِ.
وَمَا ذكرَ مَالِكٌ نَفْسَه، فَأُعجبَ أَحْمَدُ بِقَولِ الحَارِثِ.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: ضَربَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ مَالِكاً تِسْعِيْنَ سَوطاً سنَةَ 147.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ، عَنْ شَابَاصَ التَّائِبِ، قَالَ:
لَقَدْ ضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثَمَانِيْنَ سَوطاً، لَوْ ضَربتَه عَلَى فِيلٍ، لَهَدَّتْهُ.
البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ:دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ المِحْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَاكرتُهُ رَجَاءَ أَنْ آخُذَ عَنْهُ حَدِيْثاً، إِلَى أَنْ قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، حَدِيْثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (امرُؤُ القَيْسِ قَائِدُ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ ) .
فَقَال: قِيْلَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: مَنْ عَنِ الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: أَبُو الجَهْمِ.
فَقُلْتُ: مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الجَهْمِ؟
فَسَكَتَ، فَلَمَّا عَاودتُهُ فِيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيْهَا إِمَامٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتَجَمَ وَأَعطَى أَبَا طيبَةَ دِيْنَاراً، فَاحتجمْتُ وَأَعطيتُ الحجَّامَ دِيْنَاراً.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِجَازَةً، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفَوَارِسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ مَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، مَاتَ عَلَى خَيْرٍ؟
فَقَالَ: اسكتْ، بَلْ مَاتَ عَلَى الخَيْرِ كُلِّهِ.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ البَزَّازُ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلبُ البُدَلاَءَ؟
فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أدرِي.قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَنْ ردَّ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلكَةٍ.
قَالَ أَبُو مُزَاحمٍ الخَاقَانِيُّ: قَالَ لِي عمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ:
أمرَ المُتَوَكِّلُ بِمَسْأَلَةِ أَحْمَدَ عَمَّنْ يُقلَّدُ القَضَاءَ، فَسَأَلْتُ عمِّي أَنْ يُخرِجَ إِلَيَّ جَوَابَهُ، فَوجَّهَ إِلَيَّ نسختَهُ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، نُسْخَةُ الرُّقْعَةِ الَّتِي عرضتُهَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ أَنْ سَأَلْتُهُ، فَأجَابنِي بِمَا قَدْ كَتَبْتُهُ.
سَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، فَقَالَ فِيْهِ: جَهْمِيُّ مَعْرُوْفٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قُلِّدَ شَيْئاً مِنْ أُمورِ المُسْلِمِيْنَ، كَانَ فِيْهِ ضررٌ عَلَيْهِم.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الخلَنْجِيِّ، فَقَالَ فِيْهِ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعَيْبِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ المَعْرُوْفِ بِأَبِي شُعَيْبٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ قَاضِي الأَهْوَازِ، فَقَالَ: كَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَفِي نَاحِيَتِهِ وَأَعْمَالِهِ، إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أمثلِهِم.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجعْدِ، فَقَالَ: كَانَ مَعْرُوْفاً بِالتَّجَهُّمِ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّه رَجَعَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الفَتْحِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ المَرِيسِيِّ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الثَّلْجِيِّ، فَقَالَ: مُبتدعٌ، صَاحِبُ هوَى.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَتَّابٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُه إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أَصْحَابِ بِشْرٍ المَرِيسِيِّ.
وَفِي الجُمْلَةِ أَنَّ أَهْلَ البِدَعِ وَالأهوَاءِ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِم فِي شَيْءٍ مِنْ أمورِ المُسْلِمِيْنَ، مَعَ مَا
عَلَيْهِ رَأْيُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ - أطَالَ اللهُ بقَاءَهُ - مِنَ التَّمسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالمُخَالَفَةِ لأَهْلِ البِدَعِ.يَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ: قَدْ سَأَلَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى عَنْ جَمِيْعِ مَنْ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَأَجبتُهُ بِمَا كتَبَ، وَكُنْتُ عليلَ العينِ، ضَعِيْفاً فِي بدنِي، فَلَمْ أَقْدِرْ أَن أَكْتُبَ بخطِّي، فَوَقَّعَ هَذَا التَّوقيعَ فِي أسفلِ القِرْطَاسِ عَبْدُ اللهِ ابْنِي بِأَمرِي، وَبَيْنَ يَديَّ.
وَمِنْ سِيْرَتِه:
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ عِمَامَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ إِلاَّ تَحْتَ ذَقنِهِ، وَرَأَيْتهُ يَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِكَ.
أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: مضَيْتُ مَعَ أَبِي يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلَى الجَامِعِ، فَوَافقْنَا النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا.
فَدَخَلَ إِلَى المَسْجَدِ، وَكَانَ مَعَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ، فَتَقَدَّم أَبِي فَصَلَّى بِنَا الظُّهرَ أربعاً.
وَقَالَ: قَدْ فعلَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بعَلْقَمَةَ وَالأَسودِ.
وَكَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ مَقْبُرَةً، خلعَ نَعْلَيهِ، وَأَمسكَهُمَا بِيَدِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ فِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) : أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ، سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيْهِ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَاكتُبُوا عَنْهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بنَ عِصَامٍ البَيْهَقِيَّ يَقُوْلُ:
بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَاءَ بِمَاءٍ فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ إِلَى المَاءِ بحَالِهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! رَجُلٌ يَطْلُبُ العِلْمَ لاَ يَكُوْنُ لَهُ وِردٌ بِاللَّيْلِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ذَكَرُوا لاِبْنِ أَبِي قتيلَةَ بِمكَّةَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ قَوْمُ سوءٍ.فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ينفُضُ ثَوْبَه، وَيَقُوْلُ: زِنْدِيْقٌ زِنْدِيْقٌ، وَدَخَلَ البَيْتَ.
الطَّبَرَانِيُّ: أنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ حَمَّادٍ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ:
أَضْحَى ابْنُ حَنْبَلَ مِحْنَةً مَرْضِيَّةً ... وَبِحُبِّ أَحْمَدَ يُعْرَفُ المُتَنَسِّكُ
وَإِذَا رَأَيْتَ لأَحْمَدٍ مُتَنَقِّصاً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّ سُتُورَهُ سَتُهَتَّكُ
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى كرَاهيَةِ الاَكتنَاءِ بِأَبِي القَاسِمِ.
أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ الحَدَّادُ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ آجرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ، فَسَوَّى لَهُم، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ المحنَةِ، وَصُرِفَ إِلَى بيتِهِ، حُملَ إِلَيْهِ مَالٌ، فَرَدَّهُ وَهُوَ مُحتَاجٌ إِلَى رَغِيْفٍ، فَجَعَلَ عَمُّه إِسْحَاقُ يحسُبُ مَا يَرُدُّ، فَإِذَا هُوَ نَحْوُ خَمْسِ مائَةِ أَلفٍ.قَالَ: فَقَالَ: يَا عمِّ، لَوْ طلبنَاهُ لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أتَانَا لَمَّا تركنَاهُ.
البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عبدِ الوَاحِدِ البلدِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
صَلَّى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَقَامَ قَاصٌّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنِ أَنَسٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْراً، مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَرِيْشُهُ مِنْ مَرْجَانَ) .
وَأخذَ فِي قِصَّةٍ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ وَرَقَةً، وَجَعَلَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى يَنْظُرُ إِلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: أَنْتَ حَدَّثتَهُ بِهَذَا؟
فَيَقُوْلُ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ بِهِ إِلاَّ السَّاعَةَ.
فسكتَا حَتَّى فرَغَ، وَأخذَ قِطَاعَهُ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بِيَدِهِ: أَنْ تعَالَ.
فَجَاءَ مُتَوهِّماً لنَوَالٍ.
فَقَالَ: مَنْ حدَّثَكَ بِهَذَا؟
فَقَالَ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ.
فَقَالَ: أَنَا يَحْيَى، وَهَذَا أَحْمَدُ، مَا
سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ وَالكَذِبَ، فَعَلَى غَيْرِنَا.فَقَالَ: أَنْتَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَمْ أزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَحْمَقُ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ السَّاعَةَ، كَأَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ غَيْرَكمَا!! كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عشرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ غَيْرَكمَا.
فوضعَ أَحْمَدُ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: دَعْهُ يقومُ، فَقَامَ كَالمستهزِئِ بِهِمَا.
هَذِهِ الحكَايَةُ اشتهرَتْ عَلَى أَلسنَةِ الجَمَاعَةِ، وَهِيَ باطلَةٌ، أظنُّ البلدِيَّ وضعهَا، وَيُعْرَفُ بِالمعصوبِ.
رَوَاهَا عَنْهُ أَيْضاً أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ فَارْتَفَعَتْ عَنْهُ الجَهَالَةُ.
ذكرَ المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ بَقِيَ بِسَامَرَّاءَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يشربْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ سَوِيْقٍ.
أَحْمَدُ بنُ بُنْدَارٍ الشَّعَارُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بنُ الرَّازِيِّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَعِيْدٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: صرنَا مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ إِلَى بَابِ المُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا أدخلُوهُ مِنْ بَابِ الخَاصَّةِ، قَالَ: انْصَرِفُوا، عَافَاكُمُ اللهُ، فَمَا مرضَ مِنَّا أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ.
الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
إِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَصحبَكَ إِلَى مكَّةَ، وَمَا يَمْنَعنِي إِلاَّ خوفُ أَنْ أَملَّكَ أَوْ تَمَلَّنِي.
فَلَمَّا وَدعتُهُ، قُلْتُ: أوصنِي.
قَالَ: اجعلِ التَّقْوَى زَادَكَ، وَانصبِ الآخِرَةَ أمَامَك.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَوّلُ مَا لَقِيْتُ أَحْمَدَ سنهَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَإذَا قَدْ أَخرجَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ كِتَابَ (الأشرِبَةِ)، وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) فَصَلَّى، وَلَمْ
يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، فَرَدَّهُ إِلَى بيتِهِ.وَأَتيتُه يَوْماً آخرَ، فَإِذَا قَدْ أَخرجَ الكِتَابينِ، فَظننتُ أَنَّهُ يحتسبُ فِي إِخْرَاجِ ذَلِكَ، لأنَّ كِتَابَ (الإِيْمَانِ) أصلُ الدِّينِ، وَكِتَابَ (الأشربَةِ) صَرْفُ النَّاسِ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّ كُلَّ الشَّرِّ مِنَ السُّكْرِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: أَهدَى إِلَى أَبِي رَجُلٌ - وُلِدَ لَهُ مَوْلُوْدٌ - خِوَانَ فَالوذجَ، فَكَافَأهُ بسُكَّرٍ بدَرَاهِمَ صَالِحَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: أَتيتُ أَحْمَدَ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ قَدَحاً فِيْهِ سَوِيْقٌ، وَقَالَ: اشربْهُ.
أَنْبَؤُونَا: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ الدَّرْبَنْدِيُّ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الأسودِ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنُ زُورَانَ لَفْظاً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الإِصْطَخْرِيُّ قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هَذَا مَذَاهِبُ أَهْلِ العِلْمِ وَالأَثرِ، فَمَنْ خَالفَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَابَ قَائِلَهَا، فَهُوَ مُبتدِعٌ.
وَكَانَ قَوْلُهُم: إِنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ وَعملٌ وَنيَّةٌ، وَتمسُّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَالإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَينقصُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ، وَالأَعْمَالَ شرَائِعُ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يرَ الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ، فَهُوَ مُرجِئٌ، وَالزِّنَى وَالسرقَةُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالشِّرْكُ كُلُّهَا بقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُوْنَ لأحدٍ عَلَى اللهِ حُجّةٌ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلِقَتَا، ثُمَّ الخَلقُ لَهُمَا لاَ تفنيَان، وَلاَ يفنَى مَا فِيْهِمَا أَبَداً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَاللهُ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيهِ. إِلَى
أَنْ قَالَ: وَللعرشِ حَمَلَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ألفَاظَنَا بِالقُرْآنِ، وَتلاَوتَنَا لَهُ مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يكفِّرْه، فَهُوَ مِثْلُهُ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تكليماً مِنْ فِيْهِ.إِلَى أَنْ ذَكرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الأُنموذجِ المُنْكَرِ، وَالأَشْيَاءَ الَّتِي -وَاللهِ- مَا قَالَهَا الإِمَامُ، فَقَاتلَ اللهُ وَاضعَهَا.
وَمِنْ أسمجِ مَا فِيْهَا قَوْلُه: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَرَى التَّقليدَ، وَلاَ يُقلِّدُ دينَه أَحَداً، فَهَذَا قَوْلُ فَاسقٍ عدوٍّ للهِ، فَانْظُرْ إِلَى جهلِ المُحَدِّثِيْنَ كَيْفَ يروُونَ هَذِهِ الخُرَافَةَ، وَيسكتُوْنَ عَنْهَا.
الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنِي عمِّي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ العَلاَءِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: دعَانِي رِزْقُ اللهِ بنُ الكَلْوَذَانِيِّ، فَقَدَّمَ إِلَيْنَا طعَاماً كَثِيْراً، وَفِينَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَقُدِّمَتْ لَوْزِينَجُ أنفقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيْنَ دِرْهَماً.
فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: هَذَا إِسرَافٌ.
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا فِي مِقْدَارِ لقمَةٍ، ثُمَّ أخذهَا مُسْلِمٌ، فَوَضَعهَا فِي فمِ أَخِيْهِ لمَا كَانَ مُسْرِفاً.
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: صدقتَ.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ.
قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ) .
فَقَالَ: نُؤْمِنُ بِهَا، وَنُصدِّقُ
بِهَا، وَلاَ نَرُدُّ شَيْئاً مِنْهَا، إِذَا كَانَتْ أَسَانِيْدَ صِحَاحاً، وَلاَ نَردُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَه، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حقٌّ.الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَيْتُ كَثِيْراً مِنَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَبَنِي هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، يُقَبِّلُوْنَ أَبِي، بَعْضُهُم يدَهُ، وَبَعْضُهُم رَأْسَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ تعَظِيْماً لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ بأحدٍ مِنَ الفُقَهَاءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَهُ يَشتهِي ذَلِكَ.
وَرَأَيْتُ الهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَأَبَا مَعْمَرٍ، وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَبشَّاراً الخَفَّافَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَوْنٍ الخَرَّازَ، وَابْنَ أَبِي الشَّوَاربِ، وَإِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكَّارٍ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُريجَ بنَ يُوْنُسَ، وَأَبَا خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَخَلَفَ بنَ هِشَامٍ، وَجَمَاعَةً لاَ أُحصِيهِم، يُعَظِّمونَهُ وَيُوقِّرونَهُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَارَّقَ يَقُوْلُ:
أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُنَا، وَهُوَ مِنَ الرَّاسخينَ فِي العِلْمِ، إِذَا وَقفتُ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَسَأَلنِي بِمَنْ اقتدَيتَ، أَيَّ شَيْءٍ أَقُوْلُ؟ وَأَيَّ شَيْءٍ ذَهبَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَمرِ الإِسْلاَمِ؟!
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: نظرتُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ أَحْمَدَ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ.
ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ لَمْ يُخلِّفْ شَيْئاً، وَكَانَ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ، وَكَانَ لاَ يَشربُ.
قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحْمَدُ مِثْلَ نَفْسِهِ.قَالَ الخَلاَّلُ: بُلينَا بِقَومٍ جُهَّالٍ، يَظُنُّونَ أَنَّهُم عُلَمَاءُ، فَإذَا ذَكرنَا فَضَائِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، يُخْرِجُهُمُ الحَسدُ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِيْمَا أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ نَبِيُّهُم.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ كَأَنِّي فِي مَسْجِدِ الجَامِعِ، فَأقبلَ رَجُلٌ شِبْهَ الخَصِيِّ مِنْ نَاحِيَةِ المَقصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍَ وَفُلاَنٍ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَجَعَلتُ أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.
فَفَسَّرْتُهُ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الخَصِيُّ فِي المَنَامِ مَلَكٌ.
قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
الخَوْفُ مَنَعَنِي أَكلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَمَا اشتَهَيتُهُ، وَمَا أُبالِي أَنْ لاَ يَرَانِي أَحَدٌ وَلاَ أَرَاهُ، وَإِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَرَى عَبْدَ الوَهَّابِ، قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَا شَبَّهْتُ الشَّبَابَ إِلاَّ بِشَيْءٍ كَانَ فِي كُمِّي، فَسَقَطَ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ: مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَا خَلَّفَ إِلاَّ سِتَّ قِطَعٍ فِي خِرْقَةٍ قَدْرَ دَانِقَينِ.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ:
كُنْتُ أُبَكِّرُ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يَكُنْ لِي فِيْهِ تِلْكَ النِّيَّةُ فِي بَعْضِ مَا كُنْتُ فِيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رُبَّمَا أَرَدْتُ البُكورَ فِي الحَدِيْثِ، فَتَأْخُذُ أُمِّي بِثَوبِي، وَتَقُوْلُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ المُؤَذِّنُ.
وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: أَوّلُ مَا طَلبْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ القَاضِي.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَتَبَ أَبِي عَنْ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ الكُتُبَ، وَكَانَ يَحْفَظُهَا، فَقَالَ لِي مُهَنَّى: كُنْتُ أَسْأَلُه فَيقُولُ: لَيْسَ ذَا فِي كُتُبِهِم.
فَأَرْجِعُ إِلَيْهِم، فَيَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُكَ أَعْلَمُ مِنَّا بِالكُتُبِ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا خَرَجتُ إِلَى الشَّامِ إِلاَّ بَعْدَ مَا وُلِدَ لِي صَالِحٌ، أَظُنُّ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِيْنَ حِيْنَ خَرجْتُ.
قُلْتُ: مَا أَظنُّ خَرَجتَ بَعْدهَا؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَكمْ أَقَمْتَ بِاليَمَنِ؟
قَالَ: ذَهَابِي وَمَجيئِي عَشْرَةُ أَشهرٍ، خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فِي صَفَرٍ، وَوَافَينَا المَوسمَ.
قُلْتُ: كَتبتَ عَنْ هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ؟
قَالَ: لاَ، مَاتَ قَبلنَا.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ الهَمْدَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةِ سَنَةٍ:
قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَخُو الحَجَّاجِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَأتَينَا شَيْخاً خَارجاً مِنْ صَنْعَاءَ، كَانَ
عِنْدَهُ.عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّه، كَانَ يُقَالُ: لَهُ أَرْبَعُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُوْسَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَا لَقِيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَسَنَّ مِنْهُ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيتُ يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَرِيْبٌ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَلَمْ أَرَ مَعْناً القَزَّازَ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا كَتبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَسَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَيْفِيٍّ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
قَدْ كتبْنَا عَنْهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ المقْبُرِيِّ، وَعَنِ الحَكَمِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ المُقْرِئَ بِالْكُوْفَةِ، وَغُلاَمٌ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بِالتَّحقِيقِ وَالهمزِ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ هُنَا أَدْرَكتُهُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَأَيْتُ الأَشْجَعِيَّ.
وَأَتيتُ خَلَفَ بنَ خَلِيْفَةَ، فَتَكَلَّمَ، فَلَمْ أَفْهَمْ عَنْهُ، كَانَ يَرْعُدُ مِنَ الكِبَرِ.وكَتَبْتُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وكَتَبْتُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفٍ.
وَكَتَبْنَا حَدِيْثَ غُنْدَرٍ عَلَى الوَجْهِ، وَأَعطَانَا الكُتُبَ، فَكُنَّا نَنسَخُ مِنْهَا.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ سنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمِنَ الطُّفَاوِيِّ سنَةَ إِحْدَى.
وَعَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ مُبَشِّرٍ الحَلَبِيِّ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ بِمَسْجِدِ حَلَبَ، كُنَّا خَرَجْنَا إِلَى طَرَسُوْسَ عَلَى أَرجُلِنَا.
وقَال: قدْ أَكثرْتُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَذْكُرُ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عِصْمَةُ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي:
شَهِدْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَجَاءهُ رَجُلٌ مِن مَدِيْنَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، حَدِّثْنِي.
فَقَالَ: كَيْفَ أُحَدِّثُكَ وَهَذَا هَا هُنَا؟ - يَعْنِينِي -.
فَاسْتَحييتُ فَقُمْتُ.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُمَرَ ابْنَةُ حَسَّانٍ، عَنِ أَبِيْهَا، قَالَ:
دَخَلْتُ المَسْجَدَ، فَإِذَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى المِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا مَثَلِي
وَمَثَلُ عُثْمَانَ كَمَا قَالَ اللهُ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ } [الأَعرَافُ: 43] وَ [الحِجْرُ: 47] .الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ:
أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الجَمَّالُ، وَذَاكَ فِي آخِرِ سَنَةِ مائَتَيْنِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْجَمَّالِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ أَقواماً يَسْأَلُوْنِي أَنْ أُحْدِّثَ، فَهَلْ تَرَى ذَاكَ؟
فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: أَنَا أُجِيبُكَ.
قَالَ: تَكَلَّمْ.
قُلْتُ: أَرَى لَكَ إِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ تُحدِّثَ، فَلاَ تُحدِّثْ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ لاَ تُحَدِّثَ، فَحَدِّثْ.
فَكَأَنَّهُ اسْتَحسَنَه.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ نُوْحَ بنَ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ حَيٌّ، وَهُوَ يُفْتِي فَتْوَى وَاسِعَةً، فَسلَّمتُ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي سَنَةَ 237 يَقُوْلُ:
قَدِ اسْتخرتُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ حَدِيْثاً عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً.
ثُمَّ قَالَ: وَلاَ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي.
فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ: أَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: العَهْدُ يَمِيْنٌ ؟
قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ سَكتَ، فَظننتُ
أَنَّهُ سَيُكَفِّرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد أَيَّامٍ، قُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَنشَطْ لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ لَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي العَسْكَرِ يَقُوْلُ لِولَدِهِ:
قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، أَتدرُوْنَ مَا العُقودُ؟ إِنَّمَا هُوَ العُهُوْدُ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ - جلَّ وَعَزَّ -.
ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، وَاللهِ، وَاللهِ، وَعَلَيَّ عَهدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لاَ حَدَّثتُ بِحَدِيْثٍ لِقَرِيْبٍ وَلاَ لِبَعيدٍ حَدِيْثاً تَامّاً حَتَّى أَلقَى اللهَ.
ثُمَّ التَفَتَ إِلَى وَلدِهِ، وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ هَذَا يَشتهِي مِنْهُ مَا يَشتهِي.
ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الدَّوْلَةِ - وَهُوَ ابْنُ أَكْثَمَ - أَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَردتُ أَنْ يَأمرَهُ الخَلِيْفَةُ أَنْ يُكفِّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيُحَدِّثَ.
فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الكَلاَمِ: لَوْ ضَربتَ ظَهرِي بِالسِّيَاطِ، مَا حَدَّثْتُ.
مِنْ تَوَاضُعِهِ:
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَشترِي الخُبْزَ مِنَ السُّوْقِ، وَيَحملُهُ فِي الزَّنْبِيلِ، وَرَأَيْتُهُ يَشترِي البَاقِلاَّءَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَجْعَلُهُ فِي خِرقَةٍ، فَيحمِلُه آخذاً بِيَدِ عَبْدِ اللهِ ابْنِهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: أَرَادَ ذَاكَ
الَّذِي بِخُرَاسَانَ وَمَاتَ بِالثَّغْرِ أَنْ يُحَدِّثَ هَا هُنَا بِشَيءٍ، وَكَانَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ حَيّاً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ يَزِيْدَ حَيٌّ، وَإِنْ قَالَ: لاَ، فَهُوَ لاَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلَمْ يُظهِرْ شَيْئاً حَتَّى مَاتَ يَزِيْدُ.المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ:
يَا أَبَا الحَسَنِ، قَدْ جَالَسْتُ أَبَا يُوْسُفَ وَمُحَمَّداً، وَأحسِبُهُ ذَكَرَ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، مَا هِبتُ أَحَداً مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
مِنْ جِهَادِهِ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ الفَرَجِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ، وَرَابَطَ بِهَا، وَغزَا.
ثُمَّ قَالَ أَبِي: رَأَيْتُ العِلْمَ بِهَا يَمُوْتُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّه قَالَ لِرَجُلٍ: عَلَيْك بِالثَّغْرِ، عَلَيْك بِقَزْوِيْنَ، وَكَانَتْ ثَغْراً.
بَابٌ
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ أَحْمَدَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ رَجَاءَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
طَلبُ إِسْنَادِ العُلُوِّ مِنَ السُّنَّةِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي رَجُلٌ:مِنْ هُنَا إِلَى بِلاَدِ التُّركِ يَدعُونَ لَكَ، فَكَيْفَ تُؤدِّي شُكرَ مَا أَنعمَ اللهُ عَلَيْكَ، وَمَا بَثَّ لَكَ فِي النَّاسِ؟
فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَجْعَلَنَا مُرَائِينَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ فِي أَوَّلِهَا، وَقَدْ حَدَّثَ حَدِيْثَ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ ) ، فَأَعِدُّوا لِلبَلاَءِ صَبراً، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ رَضِّنَا، اللَّهُمَّ رَضِّنَا.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً: أَنَّ أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَاسِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ شُعَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ طَاهِرَ بنَ خَلَفٍ، سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ مُحَمَّدَ ابْنَ الوَاثِقِ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ أَحَداً أَحضرَنَا، فَأُتِيَ بشَيْخٍ مَخضوبٍ مُقيَّدٍ، فَقَالَ أَبِي: ائذَنُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ وَأَصْحَابِهِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ-.قَالَ: فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بِئسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوْهَا} [النِّسَاءُ: 86] .
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: الرَّجُلُ مُتكَلِّمٌ.
قَالَ لَهُ: كَلِّمْهُ.
فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: لَمْ يُنْصِفْنِي، وَلِيَ السُّؤَالُ.
قَالَ: سَلْ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ؟
قَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ.
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمتَهُ أَنْتَ؟
فَخجِلَ، فَقَالَ: أَقِلْنِي.
قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا.
قَالَ: نَعَمْ، عَلِمُوهُ.
فَقَالَ: عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَفلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟
قَالَ: فَقَامَ أَبِي، فَدَخَلَ مَجْلِساً، وَاسْتَلْقَى وَهُوَ يَقُوْلُ:
شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلاَ الخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، عَلِمْتَه أَنْتَ! سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ، أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟!
ثُمَّ أمرَ بِرفعِ قُيودِهِ، وَأَنْ يُعطَى أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَيُؤْذَنَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَسقَطَ مِنْ عينِهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَلَمْ يَمتحِنْ بَعْدَهَا أَحَداً.
هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ، وَلَهَا شَاهدٌ.
وبإِسْنَادِنَا إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنْدِي الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُمْتَنِعِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، قَالَ:
حَضَرتُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَلَسَ لِينظُرَ فِي أُمورِ المَظْلُوْمِيْنَ، فَنَظَرتُ فِي
القَصصِ تُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرهَا، فَيَأمرُ بِالتَّوقيعِ فِيْهَا، وَتُحَرَّرُ، وَتُدفعُ إِلَى صَاحِبهَا، فَيَسرُّنِي ذَلِكَ، فَجَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضضْتُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَاراً، فَقَالَ: يَا صَالِحُ.قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَثَبْتُ.
فَقَالَ: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُرِيْدُ أَنْ تَقُولَه؟!
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ.
فَلَمَّا قَامَ، خَلاَ بِي، وَقَالَ: يَا صَالِحُ، تَقُوْلُ لِي مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ أَوِ أَقُوْلُ أَنَا؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا تَأْمرُ؟
قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّه دَارَ فِي نَفْسِكَ أَنَّكَ اسْتحسنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا.
فَقُلْتَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيفتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟
فَقُلْتُ: مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلاَّ مَا قُلْتَ.
فَأَطرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! اسْمعْ، فَوَ اللهِ لَتَسْمَعنَّ الحَقَّ.
فَسُرِّيَ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ أَوْلَى بِقَولِ الحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالِمِيْنَ.
قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أَيَّامِ الوَاثِقِ - قُلْتُ: كَانَ صَغِيْراً أَيَّامَ الوَاثِقِ، وَالحِكَايَةُ فَمُنْكَرَةٌ -.
ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَقدَمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَيْنَا شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ، فَأُدخلَ عَلَى الوَاثِقِ مُقيَّداً، فَرَأَيْتُهُ اسْتَحيَا مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، وَقَرَّبَه، فَسَلَّمَ، وَدَعَا، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، نَصَّبُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَيَضعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ.
فَغَضِبَ الوَاثِقُ، وَقَالَ: أَيَضعُفُ عَنْ مُنَاظرتِكَ أَنْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظرتِهِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجبَةٌ دَاخلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ، فَلاَ يَكُوْنُ الدِّينُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ فِيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ بُعثَ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ أَمرِ دِينِهِم؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَدَعَا الأُمَّةَ إِلَى مَقَالتِكَ هَذِهِ؟
فَسَكَتَ، فَالتفتَ الشَّيْخُ إِلَى الوَاثِقِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاحِدَةٌ. قَالَ:
نَعَمْ.فَقَالَ الشَّيْخُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ حِيْنَ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلِيْكُمْ نِعْمَتِي} [المَائدَةُ: 3] ، هَلْ كَانَ الصَّادِقُ فِي إِكمَالِ دِينِهِ، أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالتِكَ هَذِهِ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَلَمْ يُجِبْ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اثْنَتَانِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ، أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْ لاَ؟
قَالَ: عَلِمَهَا.
قَالَ: فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا؟
فَسَكَتَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ثَلاَثٌ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، فَاتَّسعَ لِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يَعلَمَهَا وَأَمسَكَ عَنْهَا كَمَا زَعمتَ، وَلَمْ يُطَالبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَاتَّسعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَأَعرضَ الشَّيْخُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ، إِنْ لَمْ يَتَّسعْ لَنَا الإِمسَاكُ عَنْهَا، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُم.
فَقَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ، اقطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ.
فَلَمَّا قُطعَ، ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى القَيدِ ليَأْخُذَهُ، فَجَاذَبَهُ الحَدَّادُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ الوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ؟
قَالَ: لأَنِّي نَوَيتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجعلَ فِي كَفَنِي حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَالِمَ غَداً.
وَبَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَألَهُ الوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إِكرَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِكَونِكَ مِنْ أَهْلِهِ.
فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ قِبَلَنَا فَنَنْتَفِعْ بِكَ، وَتَنْتَفِعْ بِنَا.
قَالَ: إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى مَوْضِعِي أَنفعُ لَكَ، أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي، فَأَكُفَّ دُعَاءَهُم عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفتُهُم عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: فَتَقبلُ مِنَّا صِلَةً؟
قَالَ: لاَ تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ.
قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظنُّ أَنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْهَا مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ الحَافِظُ: هَذَا الأَذَنِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ.قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنِي حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُهْتَدِي:
أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ.
فَصْلٌ
عَنِ الحُسَيْنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ يَجتَمِعُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلاَفٍ - أَوْ يَزِيدُوْنَ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ - يَكْتُبُوْنَ، وَالبَاقُوْنَ يَتَعلَّمُوْنَ مِنْهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْتِ.
ابْنُ بَطَّةَ: سَمِعَ النَّجَّادَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ المُطَّوِّعِيِّ يَقُوْلُ:
اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ (المُسْنَدَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى هَدْيِهِ وَأَخلاَقِهِ.
قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ: يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشبَهَ هَدْياً وَسَمتاً وَدَلاًّ مِنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ بِالنَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليَهِ وَسلَّمَ - وَكَانَ أَشبَهَ
النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَةُ، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيْمُ، وَكَانَ أَشبَهَهُم بَإِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيْعٌ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بوَكِيْعٍ - فِيْمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الجَمَّالُ - أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقبَلتُم؟
قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبِي كُرَيْبٍ.
فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِحٌ.
فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتِي، شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بِي.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي سُئِلَ: لِمَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ كَثِيْراً، وَقَدْ نَزَلَ فِي جِوَارِكَ بِدَارِ عُمَارَةَ ؟
فَقَالَ: حَضَرْنَا مَجْلِسَهُ مَرَّةً فَحَدَّثَنَا، فَلَمَّا كَانَ المَجْلِسُ الثَّانِي، رَأَى شَبَاباً تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الشُّيُوْخِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ سَنَةً.
فَمَاتَ وَلَمْ يُحَدِّثْ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
قَالَ جَارُنَا فُلاَنٌ: دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَمِيْرِ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ - ذَكَرَ سَلاَطِينَ - مَا رَأَيْتُ أَهيَبَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، صِرتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ فِي شَيْءٍ، فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ مِنْ هَيبَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَقَدْ طَرقَهُ الكَلْبِيُّ - صَاحِبُ خَبَرِ السِّرِّ - لَيلاً، فَمِنْ هَيبَتِهِ لَمْ يَقْرَعُوا، وَدَقُّوا بَابَ عَمِّهِ.
وَعَنِ المَيْمُوْنِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنْقَى ثَوباً، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنْ أَحْمَدَ.
ابْنُ المُنَادِي: عَنْ جَدِّهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ أَحْمَدُ مِنْ أَحيَى النَّاسِ وَأَكرمِهِم، وَأَحسَنهِم عِشْرَةً وَأَدباً، كَثِيْرَ الإِطْرَاقِ، لاَ يُسمَعُ مِنْهُ
إِلاَّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيْثِ، وَذِكْرُ الصَّالِحِيْنَ فِي وَقَارٍ وَسُكُوْنٍ، وَلَفْظٍ حَسَنٍ، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ، بَشَّ بِهِ، وَأَقبَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَاضعُ لِلشُّيُوْخِ شَدِيْداً، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ مَا لَمْ أَرَهُ يَعْمَلُ بِغَيْرِهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّكْرِيْمِ وَالتَّبجِيلِ، كَانَ يَحْيَى أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَبعِ سِنِيْنَ.الخُطَبِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَتَى البَيْتَ مِنَ المَسْجَدِ، ضَرَبَ بِرِجْلِهِ حَتَّى يَسمَعُوا صَوتَ نَعْلِهِ، وَرُبَّمَا تَنَحْنَحَ لِيَعلمُوا بِهِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَرَّاتٍ يُقَبَّلُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ شَيْئاً وَلاَ يَمتَنِعُ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ يُقَبَّلُ رَأْسُهُ وَجَبهَتُهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَكرهُهُ.
وَقَالَ عَبْدُوْسٌ العَطَّارُ: وَجَّهْتُ بِابْنِي مَعَ الجَارِيَةِ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسَاءلَهُ، وَاتَّخَذَ لَهُ خَبِيصاً، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: كُلِي مَعَهُ، وَجَعَلَ يُبسِطُهُ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجَارِ.
عُلْوَانُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، قَالَ:
سُئِلَ أَبِي: لِمَ لاَ تَصحَبُ النَّاسَ؟
قَالَ: لِوَحشَةِ الفِرَاقِ.
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ الوَكِيْعِيِّ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدَامِ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ ) .
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَافْلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ المَرُّوْذِيُّ، وَمُهَنَّى، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ، وَقَالَ: آلمَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَكَأَنَّ المَرُّوْذِيَّ كَرِهَ أَنْ يُعلَمَ مَوْضِعُهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّى أُصبُعَهُ فِي رَاحتِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَضَحِكَ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْكِرْ.
فِي مَعِيْشَتِهِ:
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: خَلَّفَ لَهُ أَبُوْهُ طرزاً وَدَاراً يَسْكُنُهَا، فَكَانَ يَكرِي تِلْكَ الطرزَ، وَيَتَعَفَّفُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
أَنَا أَذْرَعُ هَذِهِ الدَّارَ، وَأُخرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَذهَبُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:الغَلَّةُ مَا يَكُوْنُ قُوْتُنَا، وَإِنَّمَا أَذهبُ فِيْهِ إِلَى أَنَّ لَنَا فِيْهِ شَيْئاً.
فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَجُلٌ: لَوْ تَرَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الغَلَّةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ لَهُ صَدِيْقٌ لَهُ، كَانَ أَعْجَبَ إِلَيَّ.
فَقَالَ: هَذِهِ طُعْمَةُ سُوءٍ، وَمَنْ تَعَوَّدَ هَذَا، لَمْ يَصبِرْ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِهِ -يَعْنِي: الغَلَّةَ- وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُقِيمُنَا، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى الاضطِرَارِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: رُبَّمَا احْتَاجَ أَحْمَدُ، فَخَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الَّذِي نَزلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَيَّ، خَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ، فَجَاءَ وَقَدْ لَقَطَ شَيْئاً يَسِيْراً، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَكَلتَ أَكْثَرَ مِمَّا لَقَطْتَ!
فَقَالَ: رَأَيْتُ أَمراً اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، رَأَيتُهُم يَلْتَقِطُوْنَ، فَيَقُوْمُ الرَّجُلُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَكُنْتُ أَزْحَفُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:
خَرَجْتُ إِلَى الثَّغْرِ عَلَى قَدَمَيَّ، فَالْتَقَطتُ، لَوْ قَدْ رَأَيْتَ قَوْماً يُفْسِدُوْنَ مَزَارِعَ النَّاسِ، قَالَ: وَكُنَّا نَخْرُجُ إِلَى اللِّقَاطِ.
قُلْتُ: وَرُبَّمَا نَسَخَ بِأُجْرَةٍ، وَرُبَّمَا عَمِلَ التِّكَكَ، وَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِجمَّالٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
فَصْلٌقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ المُسْلِمِ يَقُوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ: أَكرَمَكَ اللهُ.
قَالَ: نَعَمْ، يَنْوِي بِهَا الإِسْلاَمَ.
وَقِيْلَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَطُوْفَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَقَالَ:
يَطُوْفُ طَوَافَيْنِ، وَلاَ يَطُفْ عَلَى أَرْبَعٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: مِنْ عَجِيْبِ مَا سَمِعتُه عَنْ هَؤُلاَءِ الأَحدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ، لَكِنَّهُ مُحَدِّثٌ.
قَالَ: وَهَذَا غَايَةُ الجَهْلِ؛ لأَنَّ لَهُ اخْتِيَارَاتٍ بَنَاهَا عَلَى الأَحَادِيْثِ بِنَاءً لاَ يَعْرِفُهُ أَكْثَرُهُم، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى كِبَارِهِم.
قُلْتُ: أَحسِبُهُم يَظُنُّوْنَهُ كَانَ مُحَدِّثاً وَبَسْ، بَلْ يَتَخَيَّلُونَه مِنْ بَابَةِ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا، وَوَاللهِ لَقَدْ بَلَغَ فِي الفِقْهِ خَاصَّةً رُتْبَةَ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوْسُفَ، وَفِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ رُتْبَةَ الفَضْلِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، وَفِي الحِفْظِ رُتْبَةَ شُعْبَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَلَكِنَّ الجَاهِلَ لاَ يَعلَمُ رُتْبَةَ نَفْسِه، فَكَيْفَ يَعْرِفُ رُتْبَةَ غَيْرِهِ.
حِكَايَةٌ مَوْضُوْعَةٌ:
لَمْ يَسْتَحِي ابْنُ الجَوْزِيِّ مِنْ إِيْرَادِهَا، فَقَالَ:
أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا القَاضِي هَمَّامُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُبُلِّيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ بَكْرٍ الوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
لَمَّا أُطلِقَ أَبِي مِنَ المِحْنَةِ، خَشِيَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، فَرَحَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ الرَّيَّ، دَخَلَ مَسْجِداً، فَجَاءَ مَطَرٌ
كَأَفْوَاهِ القِرَبِ، فَقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنَ المَسْجَدِ لِنُغْلِقَهُ.فَأَبَى، فَقَالُوا: اخْرُجْ، أَوْ تُجَرَّ بِرِجْلِكَ.
فَقُلْتُ: سَلاَماً.
فَخَرَجتُ، وَالمَطَرُ وَالرَّعْدُ، وَلاَ أَدْرِي أَيْنَ أَضَعُ رِجْلِي، فَإذَا رَجُلٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، أَيْنَ تَمُرُّ؟
فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي.
قَالَ: فَأَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتٍ فِيْهِ كَانُوْنُ فَحْمٍ وَلُبُودٌ وَمَائِدَةٌ، فَأَكَلتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ.
قَالَ: تَعْرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟
فَقُلْتُ: أَنَا هُوَ.
فَقَالَ: وَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه.
سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ أَحَدٍ مِمَّنْ امتُحِنَ فَأَجَابَ.
أَبُو عَوَانَةَ: سَمِعْتُ المَيْمُوْنِيَّ يَقُوْلُ:
صَحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَحضُرْ أَبَا نَصْرٍ التَّمَّارَ لَمَّا مَاتَ، فَحَسِبتُ أَنَّ ذَلِكَ لإِجَابَتِهِ فِي المِحْنَةِ.
وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، سَمِعَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَوْ حَدَّثتُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّن أَجَابَ، لَحَدَّثتُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ.
قُلْتُ: لأَنَّ أَبَا مَعْمَرٍ الهُذَلِيَّ نَدِمَ وَمَقَتَ نَفْسَهُ، وَالآخَرُ أَجْرَوْا لَهُ دِيْنَارَيْنِ بَعْدَ الإِجَابَةِ، فَرَدَّهُمَا مَعَ فَقْرِهِ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ قَهْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ لِلْمُعْتَصِمِ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا يَزْعُمُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- أَنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَالعَيْنُ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى مَحْدُوْدٍ.
فَقَالَ: مَا عِنْدَك فِي هَذَا؟ قَالَ:
عِنْدِي قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَى حَدِيْثَ جَرِيْرٍ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هَذَا البَدْرَ) .فَقَالَ لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ: مَا عِنْدَكَ؟
فَقَالَ: انْظُرْ فِي إِسْنَادِهِ.
وَانْصَرَفَ، وَوَجَّهَ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ وَهُوَ بِبَغْدَادَ مُمْلِقٌ، فَأَحضَرَهُ، وَوَصَلَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ، حَدِيْثُ جَرِيْرٍ فِي الرُّؤْيَةِ، وَذَكَرَ قِصَّةً.
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنَّ رُؤُوْسَهُم خُضِبَتْ بِدِمَائِهِم، وَأَنَّهُم لَمْ يُجِيْبُوا.
نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ آخَرَ، أَنَّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ لأَحْمَدَ فِي عَلِيٍّ:
يَا ابْنَ المَدِيْنِيِّ الَّذِي عُرِضَتْ لَهُ ... دُنْيَا، فَجَادَ بِدِيْنِهِ لِيَنَالَهَامَاذَا دَعَاكَ إِلَى انْتِحَالِ مَقَالَةٍ ... قَدْ كُنْتَ تَزْعُمُ كَافِراً مَنْ قَالَهَا؟
أَمْرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَتَبِعْتَهُ ... أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا؟
وَلَقَدْ عَهِدْتُكَ مَرَّةً مُتَشَدِّداً ... صَعْبَ المَقَالَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا
إِنَّ المُرَزَّى مَنْ يُصَابُ بِدِيْنِهِ ... لاَ مَنْ يُرَزَّى نَاقَةً وَفِصَالَهَا
ابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المُؤَدِّبُ، قَالَ:
صَلَّيْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ التَّرَاوِيْحَ، وَكَانَ يُصَلِّي بِدَارِ عَمِّهِ، فَلَمَّا أَوْتَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى ثَدْيَيْهِ، وَمَا سَمِعنَا مِنْ دُعَائِهِ شَيْئاً، وَكَانَ فِي المَسْجَدِ سِرَاجٌ عَلَى الدَّرَجَةِ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ قَنَادِيلُ وَلاَ حَصِيْرٌ وَلاَ خَلُوقٌ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وَذَكَرْتُ لَهُ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَمَنْ قُدِمَ بِهِ إِلَى العَسْكَرِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ أَيَّاماً قَلاَئِلَ، ثُمَّ تَلاَحَقُوا، وَمَا تَحَلَّوْا مِنْهَا بِكَبِيْرِ شَيْءٍ.
قَالَ صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي: كَانَتْ أُمُّكَ فِي الغَلاَءِ تَغزِلُ غَزلاً دَقِيْقاً، فَتَبِيعُ الأَسْتَارَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا.
قَالَ صَالِحٌ: كُنَّا رُبَّمَا اشتَرَينَا الشَّيْءَ، فَنَسْتُرُهُ مِنْهُ، لِئَلاَّ يُوَبِّخَنَا عَلَيْهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ عِيْسَى المِصْرِيَّ، وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، دَخَلُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الغَمُّ؟ الإِسْلاَمُ حَنِيفِيَّةٌ سَمْحَةٌ، وَبَيتٌ وَاسِعٌ. فَنَظَرَ
إِلَيْهِم، وَكَانَ مُضطَجِعاً، فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ: مَا أُرِيْدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ هَؤُلاَءِ.الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
بَكِّرْ حَتَّى نُعَارِضَ بشَيْءٍ مِنْ الزُّهْدِ.
فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ، وَقُلْتُ لأُمِّ وَلَدِهِ: أَعطِينِي حَصِيراً وَمِخَدَّةً.
وَبَسَطتُ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَمَعَهُ الكُتُبُ وَالمِحْبرَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: ارفَعْهُ، الزُّهْدُ لاَ يَحْسُنُ إِلاَّ بِالزُّهْدِ.
فَرَفَعْتُه، وَجَلَسَ عَلَى التُّرَابِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَبَلَةَ، قَالَ:
كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالبَابُ مُجَافٌ، وَأُمُّ وَلَدِه تُكَلِّمُه، وَتَقُوْلُ: أَنَا مَعَكَ فِي ضِيقٍ، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُوْنَ وَيَفْعَلُوْنَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قُوْلِي خَيْراً.
وَخَرَجَ الصَّبِيُّ مَعَهُ، فَبَكَى، فَقَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: زَبِيْبٌ.
قَالَ: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ البَقَّالِ بِحَبَّةٍ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ مَنْزِلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ضَيِّقاً صَغِيْراً، وَينَامُ فِي الحَرِّ فِي أَسْفَلِهِ.
وَقَالَ لِي عَمُّهُ: رُبَّمَا قُلْتُ لَهُ فَلاَ يَفْعَلُ، يَنَامُ فَوْقُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ مَوْضِعَ مَضْجَعِهِ، وَفِيْهِ شَاذَكُوْنَةٌ وَبَرْذَعَةٌ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الوَسَخُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي حَامِدُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ يَقُوْلُ:دَخَلْتُ دَارَ أَحْمَدَ، فَرَأَيْتُ فِي بَهْوِهِ حَصِيْراً خَلَقاً وَمِخَدَّةً - وَكُتُبُه مَطْرُوْحَةٌ حَوَالَيْهِ - وَحُبَّ خَزَفٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلَى بَابِهِ مِسْحٌ مِنْ شَعْرٍ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ لِي الأَمِيْرُ: إِذَا حَلَّ إِفطَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَرِنِيهِ.
قَالَ: فَجَاؤُوا بِرَغِيْفَيْنِ: خُبْزٍ وَخُبَّازَةٍ، فَأَريتُهُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: هَذَا لاَ يُجِيْبُنَا إِذَا كَانَ هَذَا يُعِفُّهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أَيَّامِ عِيدٍ: اشتَرَوْا لَنَا أَمْسِ بَاقِلَّى، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ بِهِ مِنَ الجَوْدَةِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَجَدتُ البَرْدَ فِي أَطرَافِي، مَا أُرَاهُ إلاَّ مِنْ إِدَامِي المِلْحِ وَالخَلِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ:
دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي يَعُوْدُنِي فِي مَرَضِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبُرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّلُ، أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُ؟
قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَامٌ، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنْهُ.
رَوَاهُ: الخُلْدِيُّ، عَنْهُ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الضَّبِّيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْماً: يَبلُغُنِي أَنَّ الحَارِثَ هَذَا -يَعْنِي: المُحَاسِبِيَّ- يُكْثِرُ الكَونَ عِنْدَكَ، فَلَو أَحضَرْتَهُ، وَأَجْلَسَتْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ يَرَانِي، فَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ.
قُلْتُ: السَّمْعَ
وَالطَّاعَةَ.وَسَرَّنِي هَذَا الابْتِدَاءُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَصَدتُ الحَارِثَ، وَسَأَلْتُه أَنْ يَحضُرَ، وَقُلْتُ: تَسأَلُ أَصْحَابَكَ أَنْ يَحضُرُوا.
فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيْلُ، فِيْهِم كَثْرَةٌ فَلاَ تَزِدْهُم عَلَى الكُسْبِ وَالتَّمْرِ، وَأَكْثِرْ مِنْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ.
فَفَعَلتُ مَا أَمَرَنِي، وَأَعْلَمتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَحَضَرَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَصَعَدَ غُرفَةً، وَاجتَهَدَ فِي وِرْدِهِ، وَحَضَرَ الحَارِثُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا، وَقَعَدُوا بَيْنَ يَدَيِ الحَارِثِ وَهُم سُكُوتٌ إِلَى قَرِيْبٍ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَابتَدَأَ وَاحِدٌ مِنْهُم، وَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَخَذَ الحَارِثُ فِي الكَلاَمِ، وَهُم يَسْمَعُوْنَ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهُمُ الطَّيْرَ، فَمِنهُم مَنْ يَبْكِي، وَمِنْهُم مَنْ يَزعَقُ، فَصَعدْتُ لأَتَعَرَّفَ حَالَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ مُتَغَيَّرُ الحَالِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ؟
قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ القَوْمِ، وَلاَ سَمِعْتُ فِي عِلْمِ الحَقَائِقِ مِثْلَ كَلاَمِ هَذَا، وَعَلَى مَا وَصَفتُ، فَلاَ أَرَى لَكَ صُحْبَتَهُم.
ثُمَّ قَامَ، وَخَرَجَ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِم النَّصْرَابَاذِيَّ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي أَنَّ الحَارِثَ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَهَجَرَهُ أَحْمَدُ، فَاخْتَفَى فِي دَارٍ مَاتَ فِيْهَا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ.
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الإِمَامُ لاَ يَرَى وَضْعَ الكُتُبِ، وَيَنْهَى عَنْ كِتْبَةِ كَلاَمِهِ وَمَسَائِلِهِ، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ، لَكَانَتْ لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ؛ وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ: احتَفِظْ بِهَذَا (المُسْنَدِ) ، فَإِنَّه سَيَكُوْنُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً،
وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخَ) ، وَ (التَّارِيْخَ) ، وَ (حَدِيْثَ شُعْبَةَ) ، وَ (المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ فِي القُرْآنِ) ، وَ (جَوَابَاتِ القُرْآنِ) ، وَ (المَنَاسِكَ) الكَبِيْرَ وَالصَّغِيْرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَرَ.قُلْتُ: وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) ، وَكِتَابَ (الأَشْرِبَةِ ) ، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ (الفَرَائِضِ) .
فَتَفْسِيْرُهُ المَذْكُوْرُ شَيْءٌ لاَ وُجُوْدَ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَ، لاَجْتَهَدَ الفُضَلاَءُ فِي تَحْصِيْلِهِ، وَلاَشْتُهِرَ، ثُمَّ لَوْ أَلَّفَ تَفْسِيْراً، لَمَا كَانَ يَكُوْنُ أَزْيَدَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ أَثَرٍ، وَلاَقْتَضَى أَنْ يَكُوْنَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ.
فَهَذَا (تَفْسِيْرُ ابْنِ جَرِيْرٍ) الَّذِي جَمَعَ فِيْهِ فَأَوعَى، لاَ يَبلُغُ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَمَا ذَكَرَ (تَفْسِيْرَ أَحْمَدَ) أَحَدٌ سِوَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُنَادِي، فَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ) : لَمْ
يكُنْ أَحَدٌ أَرْوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ أَبِيْهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ؛ لأَنَّه سَمِعَ مِنْهُ (المُسْنَدَ) وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، سَمِعَ ثُلُثَيْهِ، وَالبَاقِي وِجَادَةٌ.ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ) ، مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ) .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا، ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِنْ هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً، فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا، وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ.
وَفِي غُضُوْنِ (المُسْنَدِ) زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَلَهُ -يَعْنِي: أَبَا عَبْدِ اللهِ- مِنَ المُصَنَّفَاتِ:
كِتَابُ (نَفْيِ التَّشبِيهِ) مُجَلَّدَةٌ، وَكِتَابُ (الإِمَامَةِ) مُجَلَّدَةٌ صَغِيْرَةٌ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، وَكِتَابُ (الزُّهْدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَكِتَابُ (الرِّسَالَةِ فِي الصَّلاَةِ) - قُلْتُ: هُوَ مَوْضُوْعٌ عَلَى الإِمَامِ -.قَالَ: وَكِتَابُ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) مُجَلَّدَةٌ.
قُلْتُ: فِيْهِ زِيَادَاتٌ لِعَبْدِ اللهِ؛ ابْنِهِ، وَلأَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيِّ؛ صَاحِبِهِ.
وَقَدْ دَوَّنَ عَنْهُ كِبَارُ تَلاَمِذَتِهِ مَسَائِلَ وَافرَةً فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، كَالمَرُّوْذِيِّ، وَالأَثْرَمِ، وَحَرْبٍ، وَابْنِ هَانِئٍ، وَالكَوْسَجِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَفُوْرَانَ، وَبَدْرٍ المَغَازِلِيِّ، وَأَبِي يَحْيَى النَّاقِدِ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى الحَرْبِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ مُشَيْشٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى الشَّامِيِّ، وَصَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، وَأَخِيْهِ، وَابْنِ عَمِّهِمَا؛ حَنْبَلٍ، وَأَبِي الحَارِثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ، وَالفَضْلِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبِي الحَسَنِ المَيْمُوْنِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ ثَوَابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَالقَاضِي أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ، وَهَارُوْنَ المُسْتَمْلِي، وَبِشْرِ بنِ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ - صَاحِبِ أَبِي عُبَيْدٍ - وَيَعْقُوْبَ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيِّ، وَحُبَيْشِ بنِ سِنْدِيٍّ، وَأَبِي الصَّقْرِ يَحْيَى بنِ يَزْدَادَ الوَرَّاقِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الكَحَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ البَزَّازِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى النَّهْرُتِيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ وَاصلٍ المُقْرِئِ، وَأَحْمَدَ بنِ أَصْرَمَ المُزَنِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ الحَرْبِيِّ - قَدِيْمٌ، عِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا - وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ بنِ بَدِيْنَا، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الهُذَيْلِ الكُوْفِيِّ - وَكَانَ يُشَبِّهُونَهُ فِي الجَلاَلَةِ بِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ - وَأَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٍ، وَجَعْفَرِ بنِ
أَحْمَدَ الوَاسِطِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الإِسْكَافِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرِ بنِ بَرِّيٍّ القَطَّانِ، وَالحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ السِّجِسْتَانِيِّ - قَالَ الخَلاَّلُ: يَقرُبُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ فِي المَعْرِفَةِ وَبَصَرِ الحَدِيْثِ وَالتَّفَقُّهِ - وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُمَرَ السِّجْزِيِّ الحَافِظِ، وَأَحْمَدَ بنِ الفُرَاتِ الرَّازِيِّ الحَافِظِ، وَخَلْقٍ سِوَى هَؤُلاَءِ، سَمَّاهُمُ الخَلاَّلُ فِي أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، نَقَلُوا المَسَائِلَ الكَثِيْرَةَ وَالقَلِيْلَةَ.وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ سَائِرَ مَا عِنْدَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَقْوَالِ أَحْمَدَ، وَفَتَاوِيهِ، وَكَلاَمِه فِي العِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالسُّنَّةِ وَالفُرُوْعِ، حَتَّى حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً.
وَرَحَلَ إِلَى النَّوَاحِي فِي تَحْصِيْلِهِ، وَكَتَبَ عَنْ نَحْوٍ مِنْ مائَةِ نَفْسٍ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ.
ثُمَّ كَتَبَ كَثِيْراً مِنْ ذَلِكَ عَنِ أَصْحَابِ أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُه عَنْ رَجُلٍ، عَنْ آخَرَ، عَنْ آخَرَ، عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَرْتِيْبِ ذَلِكَ وَتَهْذِيْبِهِ، وَتَبْوِيبِهِ.
وَعَمِلَ كِتَابَ (العِلْمِ) ، وَكِتَابَ (العِلَلِ) ، وَكِتَابَ (السُّنَّةِ) ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَة فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ.
وَيَرْوِي فِي غُضُوْنِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيْثِ العَالِيَةِ عِنْدَهُ، عَنِ أَقرَانِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَبَقِيَّةَ، مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّمِ.
وَأَلَّفَ كِتَابَ (الجَامِعِ) فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدَةً، أَوْ أَكْثَرَ.
وَقَدْ قَالَ: فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَلِمتُ عُنِيَ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ، مَا عُنِيْتُ بِهَا أَنَا.
وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ لِي: إِنَّه لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا عُنِيْتَ بِهَا أَنْتَ، إِلاَّ رَجُلٌ بِهَمْدَانَ، يُقَالُ لَهُ مَتَّوَيْه، وَاسْمُهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، جَمَعَ سَبْعِيْنَ جُزءاً كِبَاراً.
وَمَوْلِدُ الخَلاَّلِ كَانَ فِي حَيَاةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، يُمكِنُ أَنْ يَكُوْنَ رَآهُ وَهُوَ صَبِيٌّ.
زَوْجَاتُهُ وَآلُهُ:قَالَ زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: تَزَوَّجَ جَدِّي بِأُمِّ أَبِي عَبَّاسَةَ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا سِوَى أَبِي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا رَيْحَانَةَ - امْرَأَةً مِنَ العَرَبِ - فَمَا وَلَدَتْ لَهُ سِوَى عَمِّي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكَرَ أَهْلَه، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ:
مَكَثْنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا اخْتَلَفْنَا فِي كَلِمَةٍ، وَمَا عَلِمنَا أَحْمَدَ تَزَوَّجَ ثَالِثَةً.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ: أَمَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَنْ نَشتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً، فَمَضَيتُ أَنَا وَفُوْرَانُ، فَتَبِعَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، يَكُوْنُ لَهَا لَحْمٌ.
وَقَالَ زُهَيْرٌ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ، اشْتَرَى جَدِّي حُسْنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِالقُربِ مِنْ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُمَا سَعِيْداً.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ حُسْنَ أُمَّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَقُوْلُ: قُلْتُ لِمَولاَيَ: اصْرِفْ فَرْدَ خَلْخَالِي.
قَالَ: وَتَطِيبُ نَفْسُكِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَبِيعَ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيْرَ وَنِصْفٍ، وَفَرَّقهَا وَقْتَ حَمْلِي.
فَلَمَّا وَلَدتُ حَسَناً، أَعْطَى مَوْلاَتِي كَرَامَةً دِرْهَماً، فَقَالَ: اشتَرِي بِهَذَا رَأْساً.
فَجَاءتْ بِهِ، فَأَكَلْنَا، فَقَالَ: يَا حُسْنُ، مَا أَملِكُ غَيْرَ هَذَا الدِّرْهَمِ.
قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَرِحَ يَوْمَهُ.
وَقَالَ يَوْماً: أُرِيْد أَحْتَجِمُ، وَمَا مَعَهُ شَيْءٌ، فَبِعتُ نَصِيفاً مِنْ غَزلٍ
بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَاشتَرَيتُ لَحماً بِنِصْفٍ، وَأَعطَى الحَجَّامَ دِرْهَماً.قَالَتْ: وَاشْتَرَيْتُ طِيْباً بِدِرْهَمٍ.
وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، كُنْتُ قَدْ غَزَلتُ غَزلاً لَيِّناً، وَعَمِلتُ ثَوباً حَسَناً، فَلَمَّا قَدِمَ، أَخْرَجتُه إِلَيْهِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعطِيتُ كِرَاءهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَماً مِنَ الغَلَّةِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: مَا أُرِيدُهُ.
قُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ، عِنْدِي غَيْرُ هَذَا.
فَدَفَعتُ الثَّوْبَ إِلَى فُوْرَانَ، فَبَاعَهَ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَغَزَلتُ ثَوباً كَبِيْراً، فَقَالَ: لاَ تَقطَعِيهِ، دَعِيهِ، فَكَانَ كَفَنَهُ.
وَكَانَ أَسَنَّ بَنِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ صَالِحٌ، فَوَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي وَلِيْدٍ الطَّيَالِسِيِّ، وَالكِبَارِ.
وَخَلَّفَ ابْنَينِ: أَحَدُهُمَا زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَالآخَرُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، لاَ أَعْلَم مَتَى تُوُفِّيَ، يَرْوِي عَنْهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ.
فَمَاتَ مُحَمَّدٌ هَذَا سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، كَهْلاً.
وَأَمَّا الوَلَدُ الثَّانِي، فَهُوَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، رَاوِيَةُ أَبِيْهِ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ أَفرَدتُهَا.
وَالوَلَدُ الثَّالِثُ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، فَهَذَا وُلِدَ لأَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِيْنَ يَوْماً، فَكَبِرَ وَتَفَقَّهَ، وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَأَمَّا حَسَنٌ وَمُحَمَّدٌ وَزَيْنَبُ، فَلَمْ يَبلُغْنَا شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِم، وَانْقَطَعَ عَقِبُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِيْمَا نَعْلَمُ.
وَصِيَّةُ أَحْمَدَ:عَنْ أَبِي بَكْرٍ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: نَبَّهَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَإذَا هُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطْعِمْنِي شَيْئاً.
فَجِئتُهُ بأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكَلَه.
وَكَانَ يَقُومُ إِلَى الحَاجَةِ فَيَستَرِيحُ، وَيَقَعُدُ مِنْ ضَعفِهِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأَبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ لِتَرجِعَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَوْصَى، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ - نَحْنُ بِالعَسْكَرِ - وَأَشهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ:
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمِّدٍ، أَوصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: مَكَثَ أَبِي بِالعَسْكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْماً، وَرَأَيْتُ مَآقِيَهُ دَخَلَتَا فِي حَدَقَتَيْهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: فَأَوْصَى أَبِي: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ... ، فَذَكَرَ الوَصِيَّةَ - وَقَدْ مَرَّتْ -.
مَرَضُهُ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
استَكمَلْتُ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدَخَلتُ فِي ثَمَانٍ، فَحُمَّ مِنْ لَيلَتِهِ، وَمَاتَ اليَوْمَ العَاشِرَ.
وَقَالَ صَالِحٌ: لَمَّا كَانَ أَوّلُ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مَنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حُمَّ أَبِي لَيْلَةَ الأَربِعَاءِ، وَبَاتَ وَهُوَ مَحمُومٌ، يَتَنَفَّسُ تَنَفُّساً شَدِيْداً، وَكُنْتُ قَدْ عَرَفتُ عِلَّتَه، وَكُنْتُ أُمَرِّضُه إِذَا اعْتَلَّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَةِ، عَلَى مَا أَفطَرتَ البَارِحَةَ؟
قَالَ: عَلَى مَاءِ باقِلَّى.
ثُمَّ أَرَادَ القِيَامَ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي.
فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الخَلاَءِ، ضَعُفَ، وَتَوَكَّأَ عَلَيَّ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ
غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُم مُسلِمُوْنَ، فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشوَى، وَيُسقَى مَاءَهَا - وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ - فَقَالَ: يَا صَالِحُ.قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: لاَ تُشْوَى فِي مَنْزِلِكَ، وَلاَ فِي مَنْزِلِ أَخِيكَ.
وَصَارَ الفَتْحُ بنُ سَهْلٍ إِلَى البَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبتُه، وَأَتَى ابْنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَحَبَسْتُه، وَكَثُرَ النَّاسُ، فَقَالَ: فَمَا تَرَى؟
قُلْتُ: تَأذَنُ لَهُم، فَيَدعُونَ لَكَ.
قَالَ: أَسْتَخيرُ اللهَ.
فَجَعَلُوا يَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، حَتَّى تَمتَلِئَ الدَّارُ، فَيَسْأَلُوْنَه، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَخرُجُوْنَ، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرُ النَّاسُ، وَامتَلأَ الشَّارِعُ، وَأَغلَقْنَا بَابَ الزُّقَاقِ، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ يُحيِي شَيْئاً مِنَ السُّنَّةِ، فَأَفْرَحُ بِهِ.
فَقَالَ لِي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْراً، وَكَفِّرْ عَنِّي كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ.
قَالَ: فَبَقِيَ فِي خُرَيْقَتِهِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ.
فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ.
وَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ الوَصِيَّةَ.
فَقَرَأْتُهَا، فَأَقَرَّهَا.
وكُنْت أَنَامُ إِلَى جَنْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً، حَرَّكَنِي فَأُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَه، وَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِماً، أُمْسِكُهُ فَيَركَعُ وَيَسجُدُ، وَأَرفَعُهُ فِي رُكُوْعِهِ.
قَالَ: وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحَصْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ عَقلُه ثَابِتاً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، لاِثْنَتَي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لِسَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ، تُوُفِّيَ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: مَرضَ أَحْمَدُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ، فَيَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، يُسَلِّمُوْنَ وَيَردُّ بِيَدِهِ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ وَكَثُرُوا.وَسَمِعَ السُّلْطَانُ بِكَثْرَةِ النَّاسِ، فَوَكَّلَ السُّلْطَانُ بِبَابِهِ وَبِبَابِ الزُّقَاقِ الرَّابطَةَ وَأَصْحَابَ الأَخْبَارِ، ثُمَّ أَغلقَ بَابَ الزُّقَاقِ، فَكَانَ النَّاسُ فِي الشَّوَارعِ وَالمَسَاجِدِ، حَتَّى تَعَطَّلَ بَعْضُ البَاعَةِ.
وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدخُلَ عَلَيْهِ، رُبَّمَا دَخَلَ مِنْ بَعْضِ الدُّورِ وَطُرزِ الحَاكَةِ، وَرُبَّمَا تَسَلَّقَ، وَجَاءَ أَصْحَابُ الأَخْبَارِ، فَقَعَدُوا عَلَى الأَبْوَابِ.
وَجَاءهُ حَاجبُ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَهُوَ يَشْتَهِي أَنْ يَرَاكَ.
فَقَالَ: هَذَا مِمَّا أَكرَهُ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَد أَعفَانِي مِمَّا أَكرَهُ.
قَالَ: وَأَصْحَابُ الخَبَرِ يَكْتُبُوْنَ بِخَبَرِهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَالبُرُدُ تَختَلِفُ كُلَّ يَوْمٍ.
وَجَاءَ بَنُو هَاشِمٍ، فَدَخلُوا عَلَيْهِ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ.
وَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ القُضَاةِ وَغَيْرُهُم، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُم.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ، فَقَالَ: اذكُرْ وُقُوْفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ.
فَشَهِقَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، فلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِه بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: ادْعُوا لِيَ الصِّبْيَانَ بِلِسَانٍ ثَقِيْلٍ.
قَالَ: فَجَعَلُوا يَنضَمُّوْنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يَشُمُّهُم وَيَمسَحُ رُؤُوْسَهُم، وَعَينُهُ تَدمَعُ، وَأَدخَلتُ تَحْتَهُ الطَّسْتَ، فَرَأَيْتُ بَولَهُ دَماً عَبِيطاً، فَقُلْتُ لِلطَّبِيبِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ وَالغَمُّ جَوْفَهُ.
وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَوَضَّأْتُهُ، فَقَالَ: خَلِّلِ الأَصَابِعَ.فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ، ثَقُلَ، وَقُبِضَ صَدْرَ النَّهَارِ، فَصَاحَ النَّاسُ، وَعَلَتِ الأَصوَاتُ بِالبكَاءِ، حَتَّى كَأَنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارتَجَّتْ، وَامتَلأَتِ السُّكَكُ وَالشَّوَارِعُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
أَعطَى بَعْضُ وَلَدِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ فِي الحَبْسِ - ثَلاَثَ شَعرَاتٍ، فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَأَوْصَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُجعَلَ عَلَى كُلِّ عَيْنٍ شَعرَةٌ، وَشَعرَةٌ عَلَى لِسَانِهِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقَالَ ذَلِكَ: البُخَارِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ.
فَقَدْ غَلِطَ ابْنُ قَانِعٍ حَيْثُ يَقُوْلُ: رَبِيْعٌ الآخِرُ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: أُخرِجَتِ الجَنَازَةُ بَعْد مُنصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعَةِ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوْتُ يَوْم الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ).
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- بِحَاجِبِهِ مُظَفَّرٍ، وَمَعَهُ غُلاَمَانِ مَعَهُمَا مَنَادِيلُ فِيْهَا ثِيَابٌ وَطِيْبٌ، فَقَالُوا: الأَمِيْرُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ فَعَلتُ مَا لَوْ كَانَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِرَهُ كَانَ يَفْعَلُهُ.فَقُلْتُ: أَقرِئِ الأَمِيْرَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي حَيَاتِه مِمَّا يَكْرَهُ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُتْبِعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَا كَانَ يَكرَهُهُ.
فَعَادَ، وَقَالَ: يَكُوْنُ شِعَارَهُ، فَأَعَدتُ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِي.
وَقَدْ كَانَ غَزَلَتْ لَهُ الجَارِيَةُ ثَوباً عُشَارِيّاً قُوِّمَ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، لِيَقْطَعَ مِنْهُ قَمِيصَيْنِ، فَقَطَعنَا لَهُ لُفَافَتَيْنِ، وَأَخَذنَا مِنْ فُوْرَانَ لُفَافَةً أُخْرَى، فَأَدرَجْنَاهُ فِي ثَلاَثِ لَفَائِفَ.
وَاشتَرَينَا لَهُ حَنُوطاً، وَفُرِغَ مِنْ غَسلِهِ، وَكَفَّنَّاهُ، وَحَضَرَ نَحْوُ مائَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَنَحْنُ نُكَفِّنُهُ، وَجَعَلُوا يُقَبِّلُوْنَ جَبهَتَهُ حَتَّى رَفَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّى علَى أَبِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، غَلَبَنَا عَلَى الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كُنَّا صَلَّينَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالهَاشَمِيُّونَ فِي الدَّارِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَيَّ: مَنْ يُصَلِّي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ؟
قُلْتُ: أَنَا.
فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الصَّحْرَاءِ، إِذَا بِابْنِ طَاهِرٍ وَاقِفٌ، فَخَطَا إِلَيْنَا خُطُوَاتٍ، وَعَزَّانَا، وَوُضَعَ السَّرِيْرُ، فَلَمَّا انتَظَرتُ هُنَيَّةً، تَقَدَّمتُ، وَجَعَلنَا نُسَوِّي الصُّفُوفَ، فَجَاءَنِي ابْنُ طَاهِرٍ، فَقَبَضَ هَذَا عَلَى يَدِي، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَلَى يَدِي، وَقَالُوا: الأَمِيْرُ.
فَمَانَعْتُهُم، فَنَحَّيَانِي وَصَلَّى هُوَ، وَلَمْ يَعلَمِ
النَّاسُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الغَدِ، عَلِمُوا، فَجَعَلُوا يَجِيْئُونَ، وَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ، وَمَكَثَ النَّاسُ مَا شَاءَ اللهُ، يَأْتُوْنَ فَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ.قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: سَمِعْتُ المُتَوَكِّلَ يَقُوْلُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ:
طُوْبَى لَكَ يَا مُحَمَّدُ، صَلَّيْتَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ:
مَا بَلَغنَا أَنَّ جَمعاً فِي الجَاهِلِيَّةِ وَلاَ الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ -يَعْنِي: مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ- حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ المَوْضِعَ مُسِحَ وَحُزِرَ عَلَى الصَّحِيْحِ، فَإذَا هُوَ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ أَلفٍ.
وَحَزرْنَا عَلَى القُبُوْرِ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ أَلفَ امْرَأَةٍ، وَفَتَحَ النَّاسُ أَبوَابَ المَنَازِل فِي الشَّوَارِعِ وَالدُّرُوبِ، يُنَادُوْنَ مَنْ أَرَادَ الوُضُوءَ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ: أَخْبَرَنَا بُنَانُ بنُ أَحْمَدَ القَصَبَانِيُّ :
أَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَةَ أَحْمَدَ، فَكَانَتِ الصُّفُوفُ مِنَ المَيْدَانِ إِلَى قَنطَرَةِ بَابِ القطيعَةِ.
وَحُزِرَ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الرِّجَالِ بِثَمَانِ مائَةِ أَلْفٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ بِسِتِّيْنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرُوا فِيْمَنْ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَكَانُوا نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: يُقَالُ: إِنَّ أَحْمَدَ لَمَّا مَاتَ، مُسِحَتِ الأَمكِنَةُ المَبْسُوْطَةُ الَّتِي وَقَفَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَحُزِرَ مَقَادِيرُ النَّاسِ بِالمَسَاحَةِ عَلَى التَّقْدِيْرِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، سِوَى مَا كَانَ فِي الأَطرَافِ وَالحوَالِي وَالسُّطُوحِ وَالمَوَاضِعِ المُتَفرِّقَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلفِ أَلفٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنِي فَتْحُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ:سَمِعْتُ فِي دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرِ، أَنَّ الأَمِيْرَ بَعَثَ عِشْرِيْنَ رَجُلاً، فَحَزَرُوا كَمْ صَلَّى عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَحَزَرُوا، فَبَلَغَ أَلفَ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ أَلْفاً سِوَى مَنْ كَانَ فِي السُّفُنِ.
رَوَاهَا خُشْنَامُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَثَلاَثَ مائَةٍ أَلْفٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَمَرَ أَنْ يُمسَحَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَيْثُ صُلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ، فَبَلَغَ مَقَامَ أَلفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسَةِ مائَةِ أَلْفٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ:
أَنَّ ابْنَ طَاهِرٍ أَمَرَ أَنْ يُحزَرَ الخَلقُ الَّذِيْنَ فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى سَبْعِ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ.
قَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَضَرتُ جَنَازَةَ شَرِيْكٍ، وَجَنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَرَأَيْتُ حُضُوْرَ النَّاسِ، فَمَا رَأَيْتُ جَمعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: جَنَازَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-.
قَالَ السُّلَمِيُّ: حَضَرتُ جِنَازَةَ أَبِي الفَتْحِ القَوَّاسِ مَعَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الجَمعِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قُولُوا لأَهْلِ البِدَعِ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم يَوْمَ الجنَائِزِ.
قَالَ صَالِحٌ: وَدَخَلَ عَلَى أَبِي مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جَاءَتْكَ البُشْرَى، هَذَا الخَلقُ يَشْهَدُوْنَ لَكَ، مَا تُبَالِي لَوْ وَرَدتَ عَلَى اللهِ السَّاعَةَ.
وَجَعَلَ يُقبِّلُ يَدَه وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: أَوصِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.
وَدَخَلَ سَوَّارٌ القَاضِي، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُ وَيُخبِرُهُ بِالرُّخَصِ.
وَذُكرَ عَنْ مُعْتَمِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ.
وَقَالَ لِي أَبِي: جِئْنِي بِالكِتَابِ الَّذِي فِيْهِ حَدِيْثُ ابْنِ إِدْرِيْسَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ طَاوُوْسٍ:
أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ، فَقَرَأْتُه عَلَيْهِ، فَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَخْرِجْ حَدِيْثَ الأَنِيْنِ.
فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ حَتَّى مَاتَ.
وَفِي جُزْءِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلَمِ الدِّيْنِ: سَمِعنَاهُ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الوَفَاةُ، جَلَسْتُ عِنْدَهُ وَبِيَدِي الخِرْقَةُ لأَشُدَّ بِهَا لَحْيَيْهِ، فَجَعَلَ يَغْرَقُ ثُمَّ يُفيقُ، ثُمَّ يَفتَحُ عَينَيْهِ، وَيَقُوْلُ بِيَدِهِ هَكَذَا لاَ بَعْدُ لاَ بَعْدُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الَّذِي لَهِجْتَ بِهِ فِي هَذَا الوَقْتِ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا تَدْرِي؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: إِبْلِيْسُ - لَعَنَهُ الله - قَائِمٌ بِحِذَائِي، وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أَنَامِلِه، يَقُوْلُ:
يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، وَأَنَا أَقُوْلُ: لاَ بَعْدُ حَتَّى أَمُوتَ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عَلَمٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا الثِّقَةُ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: هَلْ عَقَلَ أَبُوكَ عِنْدَ المُعَايَنَةِ؟قَالَ: نَعَمْ.
كُنَّا نُوَضِّئُهُ، فَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لِي صَالِحٌ: أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ؟
فَقُلْتُ: هُوَ ذَا يَقُوْلُ: خَلِّلُوا أَصَابعِي، فَخلَّلْنَا أَصَابِعَه، ثُمَّ تَرَكَ الإِشَارَةَ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: جَعَلَ أَبِي يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ الأَحْمَسِيِّ، قَالَ: رَفَعنَا جَنَازَةَ أَحْمَدَ مَعَ العَصرِ، وَدَفَنَّاهُ مَعَ الغُرُوبِ.
قَالَ صَالِحٌ: لَمْ يَحضُرْ أَبِي وَقْتَ غَسْلِهِ غَرِيْبٌ، فَأَرَدنَا أَنْ نُكَفِّنَهُ، فَغَلَبَنَا عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَأْتُوْنَ بِأَوْلاَدِهِم فَيُكِبُّونَهُم عَلَيْهِ، وَيُقَبِّلُونَه، وَوَضَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَشَدَدنَا بِالعَمَائِمِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي صَالِحٍ القَنْطَرِيَّ يَقُوْلُ:
شَهِدتُ المَوسِمَ أَرْبَعِيْنَ عَاماً، فَمَا رَأَيْتُ جَمْعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: مَشْهَدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-.
الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ:
أَظْهَرَ النَّاسُ فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ السُّنَّةَ وَالطَّعنَ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَسَرَّ اللهُ المُسْلِمِيْنَ بِذَلِكَ عَلَى مَا عِنْدَهُم مِنَ المُصِيبَةِ لَمَّا رَأَوْا مِنَ العِزِّ وَعُلُوِّ الإِسْلاَمِ وَكَبْتِ أَهْلِ الزَّيغِ.
وَلَزِمَ بَعْضُ النَّاسِ القَبْرَ، وَبَاتُوا عِنْدَهُ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَأْتِيْنَ حَتَّى مُنِعْنَ.
وَسَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ عَنْ عَلِيِّ بنِ مَهْرُوَيْه، عَنْ خَالَتِهِ، قَالَتْ:
مَا صَلَّوْا بِبَغْدَادَ فِي مَسْجِدٍ العَصْرِ يَوْمَ وَفَاةِ أَحْمَدَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الزَّحمَةَ دَامَتْ عَلَى القَبْرِ أَيَّاماً.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، عَنِ الحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ ظفرَ بنَ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ الوَرَّاقِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) .وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّاسٍ المَكِّيُّ، سَمِعْتُ الوَرْكَانِيَّ - جَارَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ:
يَوْم مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَقَعَ المَأْتَمُ وَالنَّوحُ فِي أَرْبَعَةِ أَصنَافٍ: المُسْلِمِيْنَ، وَاليَهُوْدِ، وَالنَّصَارَى، وَالمَجُوْسِ.
وَأَسلَمْ يَوْم مَاتَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وَفِي روَايَة ظفرٍ: عَشرَةُ آلاَفٍ مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، تَفَرَّدَ بِنَقلِهَا هَذَا المَكِّيُّ عَنْ هَذَا الوَرْكَانِيِّ، وَلاَ يُعْرَفُ، وَمَاذَا بِالوَرْكَانِيِّ المَشْهُوْرِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ جَاراً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
ثُمَّ العَادَةُ وَالعَقلُ تُحِيلُ وُقُوعَ مِثْلِ هَذَا، وَهُوَ إِسْلاَمُ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ لِمَوتِ وَلِيٍّ للهِ، وَلاَ يَنقُلُ ذَلِكَ إِلاَّ مَجْهُوْلٌ لاَ يُعرَفُ.
فَلَو وَقَعَ ذَلِكَ، لاَشْتُهِرَ وَلَتَوَاتَرَ، لِتَوفُّرِ الهِمَمِ، وَالدَّواعِي عَلَى نَقلِ مِثْلِهِ.
بَلْ لَوْ أَسْلَمَ لِمَوْتِهِ مائَةُ نَفْسٍ، لَقُضِيَ مِنْ ذَلِكَ العَجَبُ، فَمَا ظَنُّكَ ؟!
قَالَ صَالِحٌ: وَبَعدَ أَيَّامٍ جَاءَ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، يَأْمُرُه بِتَعزِيَتِنَا، وَيَأْمُرُ بِحَملِ الكُتُبِ.قَالَ: فَحَمَلْتُهَا، وَقُلْتُ: إِنَّهَا لَنَا سَمَاعٌ، فَتَكُوْنُ فِي أَيدِينَا وَتُنسَخُ عِنْدَنَا.
فَقَالَ: أَقُوْلُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُ الأَمِيْرَ، وَلَمْ تُخرج عَنِ أَيدِينَا - وَالحَمْدُ للهِ -.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اليَمَانِيُّ بِطَرَسُوْسَ، قَالَ:
كُنْتُ بِاليَمَنِ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّ بِنْتِي قَدْ عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ، فَمَضَيتُ مَعَهُ إِلَى عَزَّامٍ بِاليَمَنِ، فَعَزَمَ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ عَلَيَّ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ العَهْدَ أَنْ لاَ يَعُودَ، فَمَكَثَ نَحْواً مِنْ سِتَّةِ أَشهُرٍ.
ثُمَّ جَاءنِي أَبُوْهَا، فَقَالَ: قَدْ عَادَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: فَاذهَبِ العَزَّامَ.
فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَعَزَّمَ عَلَيْهَا، فَكَلَّمَه الجِنِّيُّ، فَقَالَ: وَيْلَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَخَذتُ عَلَيْكَ العَهْدَ أَنْ لاَ تَقْرَبَهَا؟
قَالَ: وَردَ عَلَيْنَا مَوْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ صَالِحِي الجِنِّ إِلاَّ حَضَرهُ إِلاَّ المَرَدَةُ، فَإِنِّي تَخَلَّفتُ مَعَهُم.
وَمِنْ المَنَامَاتِ:
وَبِالإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مِهْرَانَ الجَمَّالَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عَلَيْهِ بُرداً مُخَطَّطاً أَوْ مُغيراً، وَكَأَنَّهُ بِالرَّيِّ يُرِيْدُ المَصِيْرَ إِلَى الجَامِعِ.
قَالَ: فَاسْتَعبَرتُ بَعْضَ أَهْل التَّعْبِيْرِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يُشتَهرُ بِالخَيْرِ.
وَبِهِ: إِلَى الجَمَّالِ، قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَيْهِ إِلاَّ قَرِيْبٌ حَتَّى وَرَدَ مِنْ خَبَرِهِ مِنْ أَمْرِ المِحْنَةِ.
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي المَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ أَضخَمَ مِمَّا كَانَ وَأَحسَنَ وَجْهاً وَسَحْناً مِمَّا كَانَ.
فَجَعَلتُ أَسْأَلُهُ الحَدِيْثَ وَأُذَاكِرُهُ.
وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الحُسَيْنِ بنِ مُوْسَى يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
فَقُلْتُ: بِاللهِ؟!
قَالَ: بِاللهِ إِنَّه غَفَرَ لِي.
فَقُلْتُ: بِمَاذَا غَفَرَ اللهُ لَكَ؟
قَالَ: بِمَحَبَّتِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الطِّهْرَانِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى، عَنْ أَخِي أَبِي عَقِيْلٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ شَابّاً تُوُفِّيَ بِقَزْوِيْنَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
وَرَأَيْتُهُ مُستَعجِلاً فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لأَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ قَدِ اشتَغَلُوا بِعَقْدِ الأَلْوِيَةِ لاستِقبَالِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَنَا أُرِيْدُ اسْتِقبَالَهُ.
وَكَانَ أَحْمَدُ تُوُفِّيَ تِلْكَ الأَيَّامَ.
قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: ثُمَّ لَقِيْتُ أَخَا أَبِي عَقِيْلٍ، فَحَدَّثَنِي بِالرُّؤيَا.
وَبِهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَالُوَيْه، قَالَ: رَأَيْتُ السِّنْدِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا حَالُكَ؟
قَالَ: أَنَا بِخَيْرٍ، لَكِنِ اشتَغَلُوا عَنِّي بِمَجِيْءِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَافِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ حَمْدِيَّةَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا
أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَنَّ ابْن مَخْلَدٍ أَخبَرَهُم، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ خَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، أَخْبَرَنَا القَوَارِيْرِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالَ:جَاءنِي شَيْخٌ، فَخَلاَ بِي، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِداً، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، فَقَالَ: عَلَى فُلاَنٍ لَعنَةُ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَإِنَّهُمَا يَكِيدَانِ الدِّيْنَ وَأَهلَهُ، وَيَكِيدَانِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَلَيْسَ يَصِلاَنِ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
ثُمَّ قَالَ: أَقرِأْ أَحْمَدَ وَالقَوَارِيْرِيَّ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُمَا: جَزَاكُمَا اللهُ عَنِّي خَيْراً وَعَنِ أُمَّتِي.
وَبِهِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَيَّامَ المِحْنَةِ؛ كَأَنَّ رَجُلاً خَرَجَ مِنَ المَقْصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَفُلاَنٍ.
وَقَالَ: نَسِيتُ اسْمَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ أَيَّامَ قُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، -يَعْنِي: اقْتَدُوا فِي وَقْتِكُم هَذَا-.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قَالاَ:
كُنَّا نَقرَأُ عَلَى شَيْخٍ ضَرِيْرٍ، فَلَمَّا أَحدَثُوا بِبَغْدَادَ القَوْلَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، قَالَ الشَّيْخُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ القُرْآنُ مَخْلُوْقاً، فَمَحَى اللهُ القُرْآنَ مِنْ صَدْرِي.
فَلَمَّا سَمِعنَا هَذَا، تَرَكنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ، لَقِينَاهُ، فَقُلْنَا: يَا فُلاَنُ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ؟
قَالَ: مَا بَقِيَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ.
قُلْنَا: وَلاَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} .
قَالَ: وَلاَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْ غَيْرِي يَقرَؤُهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القَوَّاسِ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ح) .وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مِقْسَمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَحْمَدَ النَّهَاوَنْدِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَا أَفْضَلَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْك المُتَقَرِّبُوْنَ؟
قَالَ: بِكَلاَمِي يَا أَحْمَدُ.
قُلْتُ: يَا رَبِّ، بِفَهْمٍ، أَوْ بِغَيْرِ فَهْمٍ؟
قَالَ: بِفَهْمٍ، وَبِغَيْرِ فَهْمٍ.
وَفِي (الحِليَةِ) بِإِسْنَادٍ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ خُرَّزَادَ، قَالَ:
رَأَى جَارٌ لَنَا كَأَنَّ مَلَكاً نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، مَعَهُ سَبْعَةُ تِيجَانٍ، فَأَوَّلُ مَنْ تَوَّجَ مِنَ الدُّنْيَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَالُوْتُ بنُ لُقْمَانَ، قَالاَ:
سَمِعْنَا زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى السِّمْسَارَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَرِ، فِي رِجْلَيهِ نَعلاَنِ، وَهُوَ يَخطِرُ بِهِمَا.
قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي، وَأَدنَانِي، وَتَوَّجَنِي بِيَدِهِ بِهَذَا التَّاجِ، وَقَالَ لِي: هَذَا بِقَولِكَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
قُلْتُ: مَا هَذِهِ الخَطْرَةُ الَّتِي لَمْ أَعرِفْهَا لَكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيُّ، سَمِعْتُ طَالُوْتَ بنَ لُقْمَانَ، فَذَكَرَهَا.مُسَبِّحُ بنُ حَاتِمٍ العُكْلِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَمْشِي فِي النَّوْمِ مِشيَةً يَخْتَالُ فِيْهَا، قُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشْيَةُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي النَّوْمِ، وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ خَضرَاوَانِ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنَ النُّوْرِ، وَإِذَا هُوَ يَمْشِي مِشيَةً لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
وَذَكَرَ القِصَّةَ فِي إِسْنَادِهَا المُفِيْدِ.
وَفِي (الحِلْيَةِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الحَنْبَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّهْرُوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ بِنَحْوٍ مِنْهَا.
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خَفِيْفٍ الصُّوْفِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القَصْرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ لَمَّا مَاتَ يَتَبَخْتَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشيَةُ؟
قَالَ: مِشْيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
فَقُلْتُ: مَاذَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي، وَتَوَّجَنِي، وَأَلْبَسَنِي نَعْلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَذَا بِقَوْلِكَ: القُرْآنُ كَلاَمِي.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، لِمَ كَتَبتَ عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ؟، وَذَكَرَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً مُنْكَرَةً.
وَمِنْ أَيْنَ يَلحقُ أَحْمَدُ حَرِيزاً؟!
أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التَّكْرِيْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَهْرَامَ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ وَعَلَيْهِ نَعلاَنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ يَخْطِرُ ... ، الحِكَايَةَ.
ثُمَّ رَوَاهَا بِطُولِهَا ابْنُ الجَوْزِيِّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ القَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ.وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ بَاخَرْزَ - وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُوْرَ - يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ كأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى فَرَسٍ بِهِ مِنَ الحُسْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ لاَ يَتَقَدَّمَنَّهُ اليَوْمَ أَحَدٌ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ السَّمَّاكُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، ضُرِبْتَ فِيَّ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: هَذَا وَجْهِي، فَانْظُرْ إِلَيْهِ، قَدْ أَبَحْتُكَ النَّظَرَ إِلَيْهِ.
وَرَوَى مِثْلَهَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ بإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ رَأَى نَحْوَ ذَلِكَ.
وَفِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) لِشَيْخِ الإِسْلاَم بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا بِثَلاَثَةٍ: رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى مَائِدَةٍ قَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ: فَمَلَكٌ يُطعِمُهُ، وَمَلَكٌ يَسقِيهِ، وَآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ يَنْظُرُ فِي وُجُوْهِ قَوْمٍ فَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ، وَآخَرُ وَاقِفٌ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى العَرْشِ، يَنْظُرُ إِلَى الرَّبِّ -تَعَالَى-.
فَقُلْتُ لِرِضْوَانَ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: الأَوَّلُ بِشْرٌ الحَافِي، خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ جَائِعٌ عَطْشَانُ، وَالوَاقِفُ فِي الوَسَطِ هُوَ مَعْرُوْفٌ، عَبَدَ اللهَ شَوقاً لِلنَّظَرِ إِلَيْهِ، فَأُعْطِيَهُ، وَالوَاقِفُ فِي بَابِ الجَنَّةِ فَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي وُجُوْهِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِإِسْنَادٍ طَوِيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الرَّمْلِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ، قَالَ:دَخَلْتُ العِرَاقَ وَالحِجَازَ، وَكَتَبْتُ، فَمِنْ كَثْرَةِ الاخْتِلاَفِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّهَا آخُذُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي.
فَنِمتُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَسنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، وَعَنْ يَمِيْنِهِ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ إِلَيْهِمَا.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، بِمَ آخُذُ؟
فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأَنْعَامُ: 89] ، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَأَنَّ النَّاسَ جَاؤُوا إِلَى قَنطَرَةٍ، وَرَجُلٌ يَختِمُ وَيُعْطِيهِم، فَمَنْ جَاءَ بِخَاتَمٍ جَازَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُعطِي النَّاسَ الخَوَاتِيمَ؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ لُؤْلُؤاً يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ.
قُلْتُ: فَقَدْ كَانَ فِيْهِم أَصْحَابُ بِدَعٍ.
قَالَ: أُوْلَئِكَ أُخِّرُوا.
أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بن أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَالمُغْضَبِ، فَقُلْتُ: مَا لِي أَرَاكَ مُغْضَباً؟
قَالَ: وَكَيْفَ لاَ أَغضَبُ، وَجَاءنِي مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ، يَسْأَلاَنِي مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْتُ: وَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا؟
فَقَالاَ: صَدَقتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَلَكِنْ بِهَذَا أُمِرنَا.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بنُ الفَرَجِ - جَارُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ:لَمَّا نَزَلَ بِأَحْمَدَ مَا نَزَلَ، دَخَلَ عَلَيَّ مُصِيبَةٌ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي، فَقِيْلَ لِي: أَلاَ تَرضَى أَنْ يَكُوْنَ أَحْمَدُ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي السَّوَّارِ العَدَوِيِّ، أَوَ لَسْتَ تَروِي خَبَرَهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ بِسْطَامَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
دَعَا بَعْضُ مُتْرَفِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَبَا السَّوَّارِ العَدَوِيَّ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمرِ دِينِهِ، فَأَجَابَهُ بِمَا يَعلَمُ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِلاَّ أَنْتَ بَرِيْءٌ مِنَ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: إِلَى أَيِّ دِينٍ أَفِرُّ؟
قَالَ: وَإِلاَّ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ.
قَالَ: فَإِلَى مَنْ آوِي بِاللَّيْلِ؟
فَضَرَبَه أَرْبَعِيْنَ سَوطاً.
قَالَ: فَأَتيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَخْبَرته بِذَلِكَ، فَسُرَّ بِهِ.
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ مُخْتَصَرَةً.
وَأَبُو السَّوَّارِ: هُوَ حَسَّانُ بنُ حُرَيْثٍ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو السَّوَّارِ يَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ، فَيَشتِمُه، فَيَقُوْلُ: إِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ، إِنِّي إِذاً لَرَجُلُ سَوءٍ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ انْصَدَعَ، وَخَرَجَ مِنْهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
فَقِيْلَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَدْ بَايَعَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.
جَمَاعَةٌ: سَمِعُوا سَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ يَقُوْلُ:
كُنَّا جُلُوْساً مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَسَكَتنَا، فَقَالَ: أَنَا أَحْمَدُ، مَا حَاجَتُك؟
قَالَ: صِرْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ فَرْسَخٍ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا، جَاءنِي الخَضِرُ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: تَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: ائِتِ بَغْدَادَ، وَسَلْ عَنْهُ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ الخَضِرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ
سَاكِنَ السَّمَاءِ الَّذِي عَلَى عَرشِهِ رَاضٍ عَنْكَ، وَالمَلاَئِكَةَ رَاضُوْنَ عَنْكَ بِمَا صَيَّرْتَ نَفْسَكَ للهِ.فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا شَاءَ اللهُ، لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، أَلَكَ حَاجَةٌ غَيْرُ هَذِهِ؟
قَالَ: مَا جِئتُكَ إِلاَّ لِهَذَا، وَانْصَرَفَ.
رَوَاهَا: أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بِهَذَا.
ورَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامِضُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنٍ المَرْوَزِيُّ، سَمِعَ سَلَمَةَ بِنَحْوِهَا.
وَرَوَاهَا: شَيْخُ الإِسْلاَمِ - بإِسْنَادٍ لَهُ - عَنِ الحَسَنِ بنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهَا: الخَطِيْبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي الفَوَارِسِ، عَنْ أَبِي حَيَّوَيْه، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ الخَطِيْبِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ المُؤَدِّبُ، عَنْ سَلَمَةَ.
وَتُرْوَى بِإِسْنَادٍ، عَنْ حَنْبَلٍ، عَنْ سَلَمَةَ مُخْتَصَرَةً.
وَقَالَ: إِنَّ اللهَ بَاهَى بِضَرْبِكَ المَلاَئِكَةَ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنِي حُبَيْشُ بنُ أَبِي الوَرْدِ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا بَالُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟
قَالَ: سَيَأْتِيكَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَسَلْهُ.
فَإِذَا أَنَا بِمُوْسَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بُلِيَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَوُجِدَ صَادِقاً، فَأُلْحِقَ بِالصِّدِّيْقِيْنَ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ، سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ عَمّاً لِي فِي المَنَامِ، كَانَ قَدْ كَتَبَ عَنْ هُشَيْمٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ذَاكَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قُرَّةَ،
قَالَ:رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا قَصْرٌ مِنْ فِضَّة، فَانْفَتَحَ بَابُهُ، فَخَرَجَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرٍ، فَقَالَ لِي: قَدْ جِئْتَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ حَتَّى انْتَهَيْتُ.
قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ جِبَالَ المِسْكِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُوْنَ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ الغَازِي، فَدَخَلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مُتَقَلِّداً السَّيْفَ، وَمَعَهُ رُمْحٌ، فَقَالَ: هَذِهِ الجَنَّةُ.
وَلَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فَأَوعَى مِنَ المَنَامَاتِ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ وَرَقَةً.
وَأَفْرَدَ ابْنُ البَنَّاءِ جُزْءاً فِي ذَلِكَ.
وَلَيْسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ تَقْرِيْرُ وِلاَيَتِهِ إِلَى مَنَامَاتٍ، وَلَكِنَّهَا جُنْدٌ مِنْ اللهِ، تَسُرُّ المُؤْمِنَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا تَوَاتَرَتْ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ فِي البَحْرِ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ السِّنْدِ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُوْلُ: مَاتَ العَبْدُ الصَّالِحُ.
فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ مَعَنَا: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: هَذَا مِنْ صَالِحِي الجِنِّ.
وَمَاتَ أَحْمَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: لَمَّا قَدِمْتُ مِنْ عُمَانَ، أَرسَينَا إِلَى جَزِيْرَةٍ، وَقَوْمٌ جَاؤُوا مِنَ العِرَاقِ، إِنَّمَا نَستَعْذِبُ المَاءَ.
قَالَ: فَسَمِعْتُ صَيحَةً وَتَكبِيْراً وَصِيَاحاً.
قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: فَقَالَ: قَدْ مَاتَ خَيْرُ البَغْدَادِيِّيْنَ - يَعْنُوْنَ: عَالِمَهُم أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ شَرِيْكٍ يَقُوْلُ:
مَاتَ مُخَنَّثٌ، فَرُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لِي، دُفِنَ عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَغُفِرَ لأَهْلِ القُبُوْرِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بِالرَّقَّةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ السِّنْجَارِيُّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ فُوْرَانَ يَقُوْلُ: رَأَى إِنْسَانٌ رُؤْيَا، قَالَ:رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرْتَ؟
قَالَ: أَنَا مَعَ العَشْرَةِ.
قُلْتُ: أَنْتَ عَاشِرُ القَوْمِ؟
قَالَ: لاَ، أَنَا حَادِي عَشَرَ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَزَّانُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الأَذْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرتَ؟
قَالَ: إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا أَمَّلْتُ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا فِي كُمِّكَ؟
قَالَ: دُرٌّ وَيَاقُوتٌ، قَدِمتْ عَلَيْنَا رُوحُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهَذَا نَصِيبِي.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حِصْنٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ فَوَصَلَ الخَبَرُ إِلَى الشَّاشِ، سَعَى بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: قُومُوا حَتَّى نُصَلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّجَاشِيِّ.
فَخَرَجُوا إِلَى المُصَلَّى، فَصَفُّوا، فَصَلُّوا عَلَيْهِ.
الرِّوَايَةُ عَنْهُ:قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ نِعْمَةَ المَقْدِسِيِّ - مُفْتِي دِمَشْقَ وَخَطِيْبِهَا - عَنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيِّ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ المُقْرِئِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعَيْبَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (تَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ؟) .
قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمْسَ مِنَ المَغْنَمِ ) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ.
قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّيْنِ عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ بنِ شِبْلٍ النَّابُلُسِيِّ بِمَسْجِدِه، وَقَرَأْتُ بِدِمَشْقَ عَلَى يُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَالِيَةَ الحَجَّارِ، قَالاَ:أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيْهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ ) .
لَفْظُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الحَدِيْثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ مُعَاذٍ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ
بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنِ النُّعْمَانِ بن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَصُوْمُ عَبْدٌ يَوْماً فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً ) .
أَخْرَجَه: النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ.
مِنْ (الطَّهَارَةِ) لِلْخَلاَّلِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبِي إِذَا بَالَ، لَهُ مَوَاضِعُ يَمسَحُ بِهَا ذَكَرَهُ، وَيَنْتُرُهُ مِرَاراً كَثِيْرَةً، وَرَأَيْتُهُ إِذَا بَالَ، اسْتَبْرَأَ اسْتِبْرَاءً شَدِيْداً.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا بَالَ، يَشُدُّ عَلَى فَرْجِهِ خِرْقَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ أَبِي: إِذَا كَانَتْ تَعَاهَدَهُ الأَبْرِدَةُ، فَإِنَّهُ يُسبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَنْتَضِحُ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنَّه يَذْهَبُ عَنْهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ، تَرَدَّدَ فِي الدَّارِ، وَيَقَعُدُ قَعدَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَظَنَنتُ أَنَّهُ يُرِيْدُ بِذَلِكَ الاسْتِبرَاءَ.
وَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي أَجِدُ بَلَّةً بَعْدَ الوُضُوءِ.فَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ فِي سَفْلَتِكَ، وَاسلُتْ مَا ثَمَّ حَتَّى يَنْزِلَ، وَتَتَرَدَّدْ قَلِيْلاً، وَالْهُ عَنْهُ، وَلاَ تَجعَلْ ذَلِكَ مِنْ هَمِّكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يُوَسْوِسُ.
حَدَّثَنِي مَنْصُوْرُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ -يَعْنِي: الَّذِي يَبُوْلُ-: إِذَا نَتَرَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، أَرْجُو أَنَّهُ يُجزِئُهُ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه عَنِ الاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَرَأَى أَنَّ الاسْتِبْرَاءَ كَذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَشْيِ.
هُوَ: الإِمَامُ حَقّاً، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ صِدْقاً، أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ
مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدِ بنِ إِدْرِيْسَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَيَّانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَنَسِ بنِ عَوْفِ بنِ قَاسِطِ بنِ مَازِنِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ بنِ صَعْبِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَكْرِ وَائِلٍ الذُّهْلِيُّ، الشَّيْبَانِيُّ، المَرْوَزِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ، أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ.هَكَذَا سَاقَ نَسَبَه: وَلَدُهُ عَبْدُ اللهِ، وَاعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) ، وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) :
حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: وَجَدتُ فِي كِتَابِ أَبِي نَسَبَهُ، فَسَاقَهُ إِلَى مَازِنٍ - كَمَا مَرَّ - ثُمَّ قَالَ: ابْنُ هُذَيْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عُكَابَةَ، كَذَا قَالَ: هُذَيْلٌ - وَهُوَ وَهْمٌ - وَزَادَ بَعْدَ وَائِلٍ: ابْنِ قَاسِطِ بنِ هِنْبِ بنِ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بنِ جَدِيْلَةَ بنِ أَسَدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ بنِ أُدِّ بنِ أُدَدَ بنِ الهُمَيْسَعِ بنِ نَبْتِ بنِ قَيْذَارِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ -.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، فَذَكَرَ النَّسَبَ، فَقَالَ فِيْهِ: ذُهْلٌ عَلَى الصَّوَابِ.
وَهَكَذَا نَقَلَ: إِسْحَاقُ الغَسِيْلِيُّ، عَنْ صَالِحٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَبَّاسٍ الدُّوْرِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ: إِنَّ الإِمَامَ أَحْمَدَ
مِنْ بَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ، فَوَهْمٌ، غَلَّطَهُمَا الخَطِيْبُ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ.ثُمَّ قَالَ: وَذُهْلُ بنُ ثَعْلَبَةَ هُم عَمُّ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ثَعْلَبَةَ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيْهِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ الذُّهْلِيُّ، عَلَى الإِطْلاَقِ.
وَقَدْ نَسَبَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ إِلَيْهِمَا مَعاً.
وَأَمَّا ابْنُ مَاكُوْلاَ، فَمَعَ بَصَرِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ، وَهِمَ أَيْضاً.
وَقَالَ فِي نَسَبِهِ: مَازِنُ بنُ ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ بنِ ذُهْلِ بنِ ثَعْلَبَةَ، وَمَا تَابَعَهُ عَلَى هَذَا أَحَدٌ.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ وَالِدُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَجْنَادِ مَرْوَ، مَاتَ شَابّاً، لَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً.
وَرُبِّيَ أَحْمَدُ يَتِيماً، وَقِيْلَ: إِنَّ أُمَّهُ تَحَوَّلَتْ مِنْ مَرْوَ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ.
فَقَالَ صَالِحٌ، قَالَ لِي أَبِي: وُلِدْتُ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ صَالِحٌ: جِيْءَ بِأَبِي حَمَلٌ مِنْ مَرْوَ، فَمَاتَ أَبُوْهُ شَابّاً، فَوَلِيَتْهُ أُمُّهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: وُلِدَ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
طَلَبتُ الحَدِيْثَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَسَمِعْتُ بِمَوتِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ وَأَنَا فِي مَجْلِسِ هُشَيْمٍ.
قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: ثَقَبَتْ أُمِّي أُذُنَيَّ، فَكَانَتْ تُصَيِّرُ فِيْهِمَا لُؤْلُؤَتَيْنِ، فَلَمَّا تَرَعْرَعْتُ، نَزَعتُهُمَا، فَكَانَتْ عِنْدَهَا، ثُمَّ دَفَعَتْهُمَا إِلَيَّ، فَبِعتُهُمَا بِنَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
وُلِدْتُ فِي شَهْرِ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
شُيُوْخُهُ:طَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فِي العَامِ الَّذِي مَاتَ فِيْهِ مَالِكٌ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ.
فَسَمِعَ مِنْ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ قَلِيْلاً.
وَمِنْ: هُشَيْمِ بنِ بَشِيْرٍ فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ.
وَمِنْ: عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ المُهَلَّبِيِّ، وَمُعْتَمِرِ بنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ الهِلاَلِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ النَّجَّارِ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَلِيِّ بنِ هَاشِمِ بنِ البَرِيْدِ، وَقُرَّانِ بنِ تَمَّامٍ، وَعَمَّارِ بنِ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيِّ، وَالقَاضِي أَبِي يُوْسُفَ، وَجَابِرِ بنِ نُوْحٍ الحِمَّانِيِّ، وَعَلِيِّ بنِ غُرَابٍ القَاضِي، وَعُمَرَ بنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ، وَأَخَوَيْهِ؛ يَعْلَى وَمُحَمَّدٍ.
وَالمُطَّلِبِ بنِ زِيَادٍ، وَيُوْسُفَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَجَرِيْرِ بنِ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَخَالِدِ بنِ الحَارِثِ، وَبِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وَعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيِّ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمِّيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ.
وَيَحْيَى بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي غَنِيَّةَ، وَالنَّضْرِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيِّ، وَأَبِي خَالِدٍ الأَحْمَرِ، وَعَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ الجَزَرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ الحَدَّادِ، وَعَبِيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ الحَذَّاءِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ الحَرَّانِيِّ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيْرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ.
وَمَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ، وَغُنْدَرٍ، وَابْنِ عُلَيَّةَ، وَمَخْلَدِ بنِ يَزِيْدَ الحَرَّانِيِّ، وَحَفْصِ بنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيِّ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ، وَيَحْيَى بنِ سُلَيْمٍ - حَدِيْثاً وَاحِداً - وَمُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَاسِطِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المُزَنِيِّ الوَاسِطِيِّ.
وَيَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ، وَشُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، وَوَكِيْعٍ - فَأَكْثَرَ - وَيَحْيَى القَطَّانِ - فَبَالَغَ - وَمِسْكِيْنِ بنِ بُكَيْرٍ، وَأَنَسِ بنِ عِيَاضٍ اللَّيْثِيِّ، وَإِسْحَاقَ الأَزْرَقِ، وَمُعَاذِ بنِ
مُعَاذٍ، وَمُعَاذِ بنِ هِشَامٍ، وَعَبْدِ الأَعْلَى السَّامِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ.وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، وَزَيْدِ بنِ الحُبَابِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ بَكْرٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عَاصِمٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَفَّانَ، وَحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ الجُعْفِيِّ.
وَأَبِي النَّضْرِ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَحَجَّاجِ بنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي عَامِرٍ العَقَدِيِّ، وَعَبْدِ الصَّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ، وَرَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، وَأَسْوَدَ بنِ عَامِرٍ، وَوَهْبِ بنِ جَرِيْرٍ، وَيُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَخَلاَئِقَ.
إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ: قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَارُوْنَ بنِ مَعْرُوْفٍ، وَجَمَاعَةٍ أَقْرَانِهِ.
فَعِدَّةُ شُيُوْخِهِ الَّذِيْنَ رَوَى عَنْهُم فِي (المُسْنَدِ) : مائَتَانِ وَثَمَانُوْنَ وَنَيِّفٌ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ المِحْنَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَلَمْ يُحَدِّثْ أَبِي عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ بِشَيْءٍ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ عَبْدُ اللهِ بِهَذَا القَوْلِ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَحْمِلْ عَنْهُ بَعْدَ المِحْنَةِ شَيْئاً، وَإِلاَّ فَسَمَاعُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ لِسَائِرِ كِتَابِ (المُسْنَدِ) مِنْ أَبِيْهِ كَانَ بَعْدَ المِحْنَةِ بِسَنَوَاتٍ، فِي حُدُوْدِ سَنَةِ سَبْعٍ وثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَا سَمِعَ عَبْدُ اللهِ شَيْئاً مِنْ أَبِيْهِ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ بَعْدَ المِحْنَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَيَّامَ المِحْنَةِ صَبِيّاً مُمَيِّزاً، مَا كَانَ حَلَّهُ يَسْمَعُ بَعْدُ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ حَدِيْثاً، وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ عَنْهُ حَدِيْثاً آخَرَ فِي المَغَازِي.
وَحَدَّثَ عَنْهُ: مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ بِجُملَةٍ وَافِرَةٍ.
وَرَوَى: أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: وَلَدَاهُ؛ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَابْنُ عَمِّهِ؛ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ، وَشُيُوْخُه؛ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
وَالحَسَنُ بنُ مُوْسَى الأَشْيَبُ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُسَمِّه، بَلْ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ.وَحَدَّثَ عَنْهُ: عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَدُحَيْمٌ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَد بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ الفُرَاتِ.
وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَّاحِ البَزَّارُ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَحَجَّاجُ بنُ الشَّاعِرِ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَسَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الرَّقَاشِيُّ، وَالفَضْلُ بنُ سَهْلٍ الأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الطُّوْسِيُّ، وَزِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ.
وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَحَرْبُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الكَرْمَانِيُّ، وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، وَبَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَصْرَمَ المُغَفَّلِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ مُلاَعِبٍ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمُوْسَى بنُ هَارُوْنَ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٌ، وَأَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بنُ حُمَيْدٍ.
وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَوَلَدُه؛ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَبَدْرٌ المَغَازلِيُّ، وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى النَّاقِدُ، وَيُوْسُفُ بنُ مُوْسَى الحَرْبِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فُوْرَانُ، وَعُبْدُوْسُ بنُ مَالِكٍ العَطَّارُ، وَيَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى بنُ يَحْيَى الشَّامِيُّ، وَحَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ الوَرَّاقُ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ القَاضِي البِرْتِيُّ.
وَالحُسَيْنُ بنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الصُّوْفِيُّ، وَإِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الحَدَّادُ، وَعُمَرُ بنُ حَفْصٍ السَّدُوْسِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ السَّامِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، وَأُمَمٌ سِوَاهُم.وَقَدْ جَمَعَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ جُزءاً فِي تَسمِيَةِ الرُّوَاةِ عَنْ أَحْمَدَ، سَمِعنَاهُ: مِنَ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ السِّلَفِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ السَّرَّاجِ، عَنْهُ، فَعَدَّ فِيْهِم وَكِيْعَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بنَ آدَمَ.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي كِتَابِ (السَّابِقِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيُّ، حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الرَّبِيْعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقٍ:
أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إِنَّمَا الغَنِيْمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ:
أَنَّ أَحْمَدَ أَصْلُه بَصْرِيٌّ، وَخِطَّتُه بِمَرْوَ، وَحَدَّثَنَا صَالِحٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
مَاتَ هُشَيْمٌ، فَخَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَأَوَّلُ رَحَلاَتِي إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَخَرَجتُ إِلَى سُفْيَانَ سنَةَ سَبْعٍ، فَقَدِمنَا، وَقَدْ مَاتَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ.
وَحَجَجتُ خَمْسَ حِجَجٍ، مِنْهَا ثَلاَثٌ رَاجِلاً، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَاهَا ثَلاَثِيْنَ دِرْهَماً.
وَقَدِمَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، وَفِيْهَا أَوَّلُ سَمَاعِي مِنْ هُشَيْمٍ، فَذَهَبْتُ إِلَى مَجْلِسِ ابْنِ المُبَارَكِ، فَقَالُوا: قَدْ خَرَجَ إِلَى طَرَسُوْسَ، وَكَتَبْتُ عَنْ هُشَيْمٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ آلاَفٍ.
وَلَوْ كَانَ عِنْدِي خَمْسُوْنَ دِرْهَماً، لَخَرَجتُ إِلَى جَرِيْرٍ إِلَى الرَّيِّ - قُلْتُ: قَدْ سَمِعَ مِنْهُ أَحَادِيْثَ -.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ فِي أَلْوَاحٍ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَه غَيْرَ مَرَّةٍ، فَكَانَ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً.
وَقَدْ رَوَى عَنْ أَحْمَدَ مِنْ شُيُوْخِهِ: ابْنُ مَهْدِيٍّ.
فَقَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ بنِ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ
خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عِنْدِي، فَقَالَ: نَظَرنَا فِيْمَا كَانَ يُخَالِفُكم فِيْهِ وَكِيْعٌ، أَوْ فِيْمَا يُخَالِفُ وَكِيْعٌ النَّاسَ، فَإِذَا هِيَ نَيِّفٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً.
رَوَى: صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَاتَ هُشَيْمٌ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَأَنَا أَحْفَظُ مَا سَمِعْتُ مِنْهُ.
وَمِنْ صِفَتِهِ:
قَالَ ابْنُ ذَرِيْحٍ العُكْبَرِيُّ: طَلَبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ شَيْخاً مَخضُوباً، طُوَالاً، أَسْمَرَ، شَدِيدَ السُّمرَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ: سَمِعْتُ مِنْ عَلِيِّ بنِ هَاشِمٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ، فَأَتَيْتُه المَجْلِسَ الآخَرَ، وَقَدْ مَاتَ.
وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيْهَا مَالِكٌ، وَأَقَمتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ، وَأَقَمْتُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَرَأَيْتُ ابْنَ وَهْبٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمٍ: وَلِيَ حَنْبَلٌ - جَدُّ الإِمَامِ - سَرْخَسَ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الدَّعوَةِ، فَحُدِّثْتُ أَنَّه ضَرَبَه المُسَيَّبُ بنُ زُهَيْرٍ بِبُخَارَى لِكَوْنِهِ شَغَّبَ الجُنْدَ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبَّاسٍ النَّحْوِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ حَسَنَ الوَجْهِ، رَبْعَةً، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ خِضَاباً لَيْسَ بِالقَانِي، فِي لِحْيَتِه شَعَرَاتٌ سُودٌ، وَرَأَيْتُ ثِيَابَهُ غِلاَظاً بِيضاً، وَرَأَيْتُهُ مُعْتَمّاً، وَعَلَيْهِ إِزَارٌ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا كَانَ فِي البَيْتِ عَامَّةُ جُلُوسِه مُتَرَبِّعاً خَاشِعاً.فَإذَا كَانَ بَرَّا، لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ شِدَّةُ خُشُوعٍ، وَكُنْتُ أَدْخُلُ وَالجُزْءُ فِي يَدِهِ يَقْرَأُ.
رِحْلَتُهُ وَحِفْظُهُ:
قَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
خَرَجتُ إِلَى الكُوْفَةِ، فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رَأْسِي لَبِنَةٌ، فَحَجَجتُ، فَرَجَعتُ إِلَى أُمِّي، وَلَمْ أَكُنِ اسْتَأْذَنتُهَا.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
تَزَوَّجتُ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَرَزَقَ اللهُ خَيْراً كَثِيْراً.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ) - وَهُوَ مُجَلَّدٌ -:
أَمْلَى عَلَيَّ زُهَيْرُ بنُ صَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: تَزَوَّجَ جَدِّي عَبَّاسَةَ بِنْتَ الفَضْلِ؛ مِنَ العَرَبِ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا غَيْرُ أَبِي، وَتُوُفِّيَتْ، فَتَزَوَّجَ بَعْدهَا رَيْحَانَةَ، فَوَلَدَتْ عَبْدَ اللهِ؛ عَمِّي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَاشْتَرَى حُسْنَ، فَوَلَدَتْ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَوَلَدَتْ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِقُرْبِ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا حَتَّى صَارَا مِنَ السِّنِّ إِلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَلَدَتْ سَعِيْداً.
قِيْلَ: كَانَتْ وَالِدَةُ عَبْدِ اللهِ عَورَاءَ، وَأَقَامَتْ مَعَهُ سِنِيْنَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: اخْتَلَفْتُ إِلَى الكُتَّابِ، ثُمَّ اختَلَفتُ إِلَى الدِّيْوَانِ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَذَكَرَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِي عَقْلِ أَحْمَدَ وَحَيَاتِه فِي المَكْتَبِ، وَوَرَعِهِ فِي الصِّغَرِ.حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَاتَ هُشَيْمٌ وَلِي عِشْرُوْنَ سَنَةً، فَخَرَجتُ أَنَا وَالأَعْرَابِيُّ - رَفِيْقٌ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ - قَالَ:
فَخَرَجْنَا مُشَاةًَ، فَوَصَلْنَا الكُوْفَةَ -يَعْنِي: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ- فَأَتَينَا أَبَا مُعَاوِيَةَ، وَعِنْدَهُ الخَلْقُ، فَأَعطَى الأَعْرَابِيَّ حَجَّةً بِسِتِّيْنَ دِرْهَماً، فَخَرَجَ وَتَرَكَنِي فِي بَيْتٍ وَحدِي، فَاسْتَوحَشتُ، وَلَيْسَ مَعِي إِلاَّ جِرَابٌ فِيْهِ كُتُبِي، كُنْتُ أَضَعُهُ فَوْقَ لَبِنَةٍ، وَأَضَعُ رَأْسِي عَلَيْهِ.
وَكُنْت أُذَاكِرُ وَكِيْعاً بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ، وَذَكَرَ مَرَّةً شَيْئاً، فَقَالَ: هَذَا عِنْدَ هُشَيْمٍ؟
فَقُلْتُ: لاَ.
وَكَانَ رُبَّمَا ذَكَرَ العَشْرَ أَحَادِيْثَ، فَأَحْفَظُهَا، فَإِذَا قَامَ، قَالُوا لِي، فَأُملِيهَا عَلَيْهِم.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ لِي أَبِي:
خُذْ أَيَّ كِتَابٍ شِئْتَ مِنْ كُتُبِ وَكِيْعٍ مِنَ المُصَنَّفِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَسْأَلَنِي عَنِ الكَلاَمِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِالإِسْنَادِ، وَإِنْ شِئْتَ بِالإِسْنَادِ حَتَّى أُخْبِرَكَ أَنَا بِالكَلاَمِ.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بنَ وَكِيْعٍ يَقُوْلُ:
أَحْفَظُ عَنِ أَبِيْكَ مَسْأَلَةً مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
سُئِلَ عَنِ الطَّلاَقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، فَقَالَ: يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاس، وَنَيِّفٍِ وَعِشْرِيْنَ مِنَ التَّابِعِيْنَ، لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْساً.
فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ، كَذَا قُلْتُ.
قَالَ: وَحَفِظتُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ يَقُوْلُ: لاَ يُقَالُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟
وَسَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيَّ، يَذْكُرُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ وَكِيْعٍ، فَجَاءهُ رَجُلٌ -أَوْ قَالَ: جَمَاعَةٌ- مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيْفَةَ، فَقَالُوا لَهُ: هَا هُنَا رَجُلٌ بَغْدَادِيٌّ يَتَكَلَّمُ فِي بَعْضِ الكُوْفِيِّيْنَ، فَلَمْ يَعْرِفْه وَكِيْعٌ. فَبَيْنَا نَحْنُ إذْ
طَلَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالُوا: هَذَا هُوَ.فَقَالَ وَكِيْعٌ: هَا هُنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَأَفرَجُوا لَهُ، فَجَعَلُوا يَذْكُرُوْنَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الَّذِي يُنْكِرُوْنَ.
وَجَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَحْتَجُّ بِالأَحَادِيْثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالُوا لِوَكِيْعٍ: هَذَا بِحَضْرَتِكَ تَرَى مَا يَقُوْلُ؟
فَقَالَ: رَجُلٌ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ، أَيْشٍ أَقُوْلُ لَهُ؟
ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ القَوْلُ إِلاَّ كَمَا قُلْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ القَوْمُ لِوَكِيْعٍ: خَدَعَكَ -وَاللهِ- البَغْدَادِيُّ.
قَالَ عَارِمٌ: وَضَعَ أَحْمَدُ عِنْدِي نَفَقَتَهُ، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ مِنَ العَرَبِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا النُّعْمَانِ، نَحْنُ قَوْمٌ مَسَاكِيْنُ.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُنِي حَتَّى خَرَجَ، وَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئاً.
قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَالَ: مَا تَزَوَّجتُ إِلاَّ بَعْدَ الأَرْبَعِيْنَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
نَحْنُ كَتَبْنَا الحَدِيْثَ مِنْ سِتَّةِ وُجُوْهٍ وَسَبْعَةٍ لَمْ نَضبِطْهُ، فَكَيْفَ يَضبِطُه مَنْ كتبه مِن وَجْهٍ وَاحِدٍ؟!
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ لِي أَبُو زُرْعَةَ: أَبُوكَ يَحْفَظُ أَلفَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: وَمَا يُدرِيكَ؟
قَالَ: ذَاكَرْتُهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ الأَبْوَابَ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ صَحِيْحَةٌ فِي سَعَةِ عِلمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكَانُوا يَعُدُّوْنَ فِي ذَلِكَ المُكَرَّرَ، وَالأَثَرَ، وَفَتْوَى التَّابِعِيِّ، وَمَا فُسِّرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَإِلاَّ فَالمُتُوْنَ المَرفُوعَةُ القَوِيَّةُ لاَ تَبلُغُ عُشْرَ مِعشَارِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا زُرْعَةَ، أَأَنتَ أَحْفَظُ، أَمْ أَحْمَدُ؟
قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ.
قُلْتُ: كَيْفَ عَلِمتَ؟
قَالَ: وَجَدتُ كُتُبَه، لَيْسَ فِي أَوَائِلِ الأَجزَاءِ أَسْمَاءُ الَّذِيْنَ حَدَّثُوهُ، فَكَانَ يَحْفَظُ كُلَّ جُزءٍ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَأَنَا لاَ أَقدِرُ عَلَى هَذَا.
وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: حُزِرَتْ كُتُبُ أَحْمَدَ يَوْمَ مَاتَ، فَبَلَغَتْ اثْنَي عَشَرَ حِملاً وَعِدلاً، مَا كَانَ عَلَى ظَهرِ كِتَابٍ مِنْهَا: حَدِيْثُ فُلاَنٍ، وَلاَ فِي بَطنِهِ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَحْفَظُهُ.وَقَالَ حَسَنُ بنُ مُنَبِّهٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
أَخرَجَ إِلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَجْزَاءً كُلُّهَا سُفْيَانُ سُفْيَانُ، لَيْسَ عَلَى حَدِيْثٍ مِنْهَا: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَظَنَنْتُهَا عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانتَخَبتُ مِنْهَا.
فَلَمَّا قَرَأَ ذَلِكَ عَلَيَّ، جَعَلَ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، وَيَحْيَى، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ، فَعَجِبتُ، وَلَمْ أَقْدِرْ أَنَا عَلَى هَذَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّ اللهَ جَمَعَ لَهُ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَعْلَمَ بِفِقْهِ الحَدِيْثِ وَمَعَانِيْهِ مِنْ أَحْمَدَ.
أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ:
كُنْتُ أُجَالِسُ أَحْمَدَ وَابْنَ مَعِيْنٍ، وَنَتَذَاكَرُ، فَأَقُوْلُ: مَا فِقْهُهُ؟ مَا تَفْسِيْرُهُ؟
فَيَسكُتُوْنَ إِلاَّ أَحْمَدَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: كَانَ أَحْمَدُ قَدْ كَتَبَ كُتُبَ الرَّأْيِ وَحَفِظَهَا، ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ: سَأَلنَا وَكِيْعاً عَنْ خَارِجَةَ بنِ مُصْعَبٍ، فَقَالَ: نَهَانِي أَحْمَدُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْهُ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَمَّاسٍ، سَمِعْتُ
وَكِيْعاً وَحَفْصَ بنَ غِيَاثٍ يَقُوْلاَنِ:مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِيَانِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ أَتَى حُسَيْناً الجُعْفِيَّ بِكِتَابٍ كَبِيْرٍ يَشفَعُ فِي أَحْمَدَ، فَقَالَ حُسَيْنٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ تَجعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مُنعِماً، فَلَيْسَ تَحَمَّلُ عَلَيَّ بِأَحَدٍ، إِلاَّ وَأَنْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، أَخْبَرَنَا خُضْرٌ المَرُّوْذِيُّ بِطَرَسُوْسَ، سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ آدَمَ يَقُوْلُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِمَامُنَا.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ:
أَنَّهُم كَانُوا يَجْتَمِعُوْنَ عِنْدَ يَحْيَى بنِ آدَمَ، فَيَتَشَاغَلُوْنَ عَنِ الحَدِيْثِ بِمُنَاظَرَةِ أَحْمَدَ يَحْيَى بنَ آدَمَ، وَيَرتَفِعُ الصَّوتُ بَينَهُمَا، وَكَانَ يَحْيَى بنُ آدَمَ وَاحِدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي الفِقْهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى القَطَّانَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَبِي مُكَرِّماً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، لَقَدْ بَذَلَ لَهُ كُتُبَه -أَوْ قَالَ: حَدِيْثَه-.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ يَحْيَى القَطَّانُ:
مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ هَذَيْنِ؛ أَحْمَدَ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَمَا قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ بَغْدَادَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
شَقَّ عَلَى يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ يَوْمَ خَرَجتُ مِنَ البَصْرَةِ.
عَمْرُو بنُ العَبَّاسِ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ - ذَكَرَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ - فَقَالَ: أَعْلَمُهُم بِحَدِيْثِ الثَّوْرِيِّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَأَقبَلَ
أَحْمَدُ، فَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا بَيْنَ كَتِفَيِ الثَّوْرِيِّ، فَليَنظُرْ إِلَى هَذَا.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: عُنِيتُ بِحَدِيْثِ سُفْيَانَ، حَتَّى كَتَبْتُه عَنْ رَجُلَيْنِ، حَتَّى كَلَّمنَا يَحْيَى بنَ آدَمَ، فَكَلَّمَ لَنَا الأَشْجَعِيَّ، فَكَانَ يُخرِجُ إِلَيْنَا الكُتُبَ، فَنَكتُبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْمَعَ.
وَعَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا نَظَرتُ إِلَى أَحْمَدَ، إِلاَّ ذَكَرْتُ بِهِ سُفْيَانَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
خَالَفَ وَكِيْعٌ ابْنَ مَهْدِيٍّ فِي نَحْوٍ مِنْ سِتِّيْنَ حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ سُفْيَانَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ مَهْدِيٍّ، وَكَانَ يَحكِيْهِ عَنِّي.
عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ بَغْدَادِيٍّ:
مَنْ تَعُدُّوْنَ عِنْدَكُمُ اليَوْمَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ؟
قَالَ: عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالمُعَيْطِيُّ، وَالسُّوَيْدِيُّ ... ، حَتَّى عَدَّ لَهُ جَمَاعَةً بِالْكُوْفَةِ أَيْضاً وَبِالبَصْرَةِ.
فَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: قَدْ رَأَيْتُ جَمِيْعَ مَنْ ذَكَرْتَ، وَجَاؤُوا إِلَيَّ، لَمْ أَرَ مِثْلَ ذَاكَ الفَتَى - يَعنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
قَالَ شُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
مَا بِالمِصْرَيْنِ رَجُلٌ أَكرَمُ عَلَيَّ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: سَلْ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا يَقُوْلُ فِي مَسْأَلَةِ كَذَا؟ فَإِنَّهُ عِنْدَنَا إِمَامٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلٍ، قَالَ:رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا اليَوْمَ حَدِيْثٌ.
فَقَالَ يَحْيَى: تَرُدُّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَقَدْ جَاءكَ؟
فَقَالَ: البَابُ مُقفَلٌ، وَالجَارِيَةُ لَيْسَتْ هُنَا.
قَالَ يَحْيَى: أَنَا أَفتَحُ.
فَتَكَلَّمَ عَلَى القُفلِ بِشَيْءٍ، فَفَتَحَه، فَقَالَ عَفَّانُ: أَفَشَّاشٌ أَيْضاً! وَحَدَّثَهُم.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: أَكَانَ أُغمِيَ عَلَيْكَ - أَوْ غُشِي عَلَيْكَ - عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي دِهلِيزِهِ، زَحَمَنِي النَّاسُ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ.
وَرُوِيَ: أَنَّ سُفْيَانَ قَالَ يَوْمَئِذٍ: كَيْفَ أُحَدِّثُ وَقَدْ مَاتَ خَيْرُ النَّاسِ؟
وَقَالَ مُهَنَّى بنُ يَحْيَى: قَدْ رَأَيْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعاً، وَبَقِيَّةَ، وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَضَمْرَةَ، وَالنَّاسَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَجْمَعَ مِنْ أَحْمَدَ فِي عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِه، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ.
وَقَالَ نُوْحُ بنُ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيُّ: سَلَّمْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ بِمَسْجِدِ الخَيْفِ، وَهُوَ يُفْتِي فُتْيَا وَاسِعَةً.
وَعَنْ شَيْخٍ: أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ كِتَابٌ بِخَطِّ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ سَنَةً، فَفَقَدتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَيَّاماً، فَدُلِلتُ عَلَى مَوْضِعِه، فَجِئتُ، فَإِذَا هُوَ فِي شَبِيهٍ بِكَهفٍ فِي جِيَادٍ، فَقُلْتُ: سَلاَمٌ عَلَيْكُم، أَدْخُلُ؟
فَقَالَ: لاَ.
ثُمَّ قَالَ: ادْخُلْ.
فَدَخَلْتُ، وَإِذَا عَلَيْهِ قِطعَةُ لِبْدٍ خَلِقٍ،
فَقُلْتُ: لِمَ حَجَبْتَنِي؟فَقَالَ: حَتَّى اسْتَتَرْتُ.
فَقُلْتُ: مَا شَأنُكَ؟
قَالَ: سُرِقَتْ ثِيَابِي.
قَالَ: فَبَادَرتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَجِئتُهُ بِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، فَقُلْتُ: قَرْضاً.
فَأَبَى، حَتَّى بَلَغتُ عِشْرِيْنَ دِرْهَماً، وَيَأْبَى، فَقُمْت، وَقُلْتُ: مَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَقتُلَ نَفْسَك.
قَالَ: ارْجِعْ.
فَرَجَعتُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سَمِعْتَ مَعِيَ مِنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: تُحِبُّ أَن أَنْسَخَهُ لَكَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: اشْتَرِ لِي وَرَقاً.
قَالَ: فَكَتَبَ بِدَرَاهِمَ اكْتَسَى مِنْهَا ثَوْبَيْنِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ بَكْرَانَ بنَ أَحْمَدَ الحَنْظَلِيَّ الزَّاهِدَ بِبَغْدَادَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قَدِمتُ صَنْعَاءَ، أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، فَمَضَيتُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي قَريَتِهِ، وَتَخَلَّف يَحْيَى، فَلَمَّا ذَهَبتُ أَدُقُّ البَابَ، قَالَ لِي بَقَّالٌ تُجَاهُ دَارِهِ: مَهْ، لاَ تَدُقَّ، فَإِنَّ الشَّيْخَ يُهَابُ.
فَجَلَسْتُ حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ المَغْرِبِ، خَرَجَ، فَوَثَبتُ إِلَيْهِ، وَفِي يَدِي أَحَادِيْثُ انْتَقَيْتُهَا، فَسَلَّمتُ، وَقُلْتُ: حَدِّثنِي بِهَذِهِ - رَحِمَكَ اللهُ - فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيْبٌ.
قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟
وَزَبَرَنِي، قُلْتُ: أَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَتَقَاصَرَ، وَضَمَّنِي إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِاللهِ أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
ثُمَّ أَخَذَ الأَحَادِيْثَ، وَجَعَلَ يَقرَؤُهَا حَتَّى أَظلَمَ.
فَقَالَ لِلْبَقَّالِ: هَلُمَّ المِصْبَاحَ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ المَغْرِبِ، وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا الرَّمَادِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَه نَفَدَتْ، فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَأَقَمتُه خَلْفَ البَابِ، وَمَا مَعَنَا أَحَدٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ لاَ تَجتَمِعُ عِنْدَنَا الدَّنَانِيْرُ، إِذَا بِعْنَا الغلَّةَ، أَشغَلْنَاهَا فِي شَيْءٍ، وَقَدْ وَجَدتُ عِنْد النِّسَاءِ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، فَخُذْهَا، وَأَرْجُو أَنْ لاَ تُنْفِقَها حَتَّى يَتَهَيَّأَ شَيْءٌ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلْتُ
مِنْ أَحَدٍ شَيْئاً، قَبِلتُ مِنْكَ.وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ عَرَضَ عَلَيْكَ دَنَانِيْرَ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَعْطَانِي يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ - أَظُنُّ - فَلَمْ أَقبَلْ، وَأَعطَى يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ، فَأَخَذَا مِنْهُ.
وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُوْلُ:
إِنْ يَعِشْ هَذَا الرَّجُلُ، يَكُوْنُ خَلَفاً مِنَ العُلَمَاءِ.
المَرُّوْذِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ النَّسَائِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَمَضَينَا مَعَهُ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ عِيْدٍ، فَلَمْ يُكَبِّرْ هُوَ وَلاَ أَنَا وَلاَ أَحْمَدُ.
فَقَالَ لنَا: رَأَيْتُ مَعْمَراً وَالثَّوْرِيَّ فِي هَذَا اليَوْمِ كَبَّرَا، وَإِنِّي رَأَيتُكُمَا لَمْ تُكَبِّرَا فَلَمْ أُكَبِّرْ، فَلِمَ لَمْ تُكَبِّرَا؟
قُلْنَا: نَحْنُ نَرَى التَّكبِيْرَ، وَلَكِنْ شُغِلنَا بِأَيِّ شَيْءٍ نَبتَدِئُ مِنَ الكُتُبِ.
أَبُو إِسْحَاقَ الجَوْزَجَانِيُّ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُصَلِّي بِعَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَسَهَا، فَسَأَلَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مُنْذُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شَيْئاً.
رَوَاهَا الخَلاَّلُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ القَاضِي الدِّمَشْقِيَّ عَنِ الجَوْزَجَانِيِّ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الجَبُّلِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ:
كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَانَتْ مَعِي جَارِيَةٌ، وَسَكَنَّا فَوْقُ، وَأَحْمَدُ أَسْفَلُ فِي البَيْتِ.
فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَعْقُوْبَ، هُوَ ذَا يُعْجِبُنِي مَا أَسْمَعُ مِنْ حَرَكَتِكُم.
قَالَ: وَكُنْتُ أَطَّلِعُ، فَأَرَاهُ يَعْمَلُ التِّكَكَ، وَيَبِيعُهَا، وَيَتَقَوَّتُ بِهَا، هَذَا أَوْ نَحْوَهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:كُنْتُ فِي إزْرِي مِنَ اليَمَنِ إِلَى مَكَّةَ، قُلْتُ: اكْتَرَيْتَ نَفْسَكَ مِنَ الجَمَّالِيْنَ؟
قَالَ: قَدِ اكتَرَيْتُ لِكُتُبِي، وَلَمْ يَقُلْ لاَ.
وَعَنْ إِسْمَاعِيْلَ ابْنِ عُلَيَّةَ: أَنَّهُ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَقَالَ: هَا هُنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قُوْلُوا لَهُ يَتَقَدَّمْ يُصَلِّيَ بِنَا.
وَقَالَ الأَثْرَمُ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ المُبَارَكِ - شَيْخٌ سَمِعَ قَدِيْماً - قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَضَحِكَ بَعْضُنَا، وثَمَّ أَحْمَدُ.
قَالَ: فَأَتَينَا إِسْمَاعِيْلَ بَعْدُ، فَوَجَدنَاهُ غَضْبَانَ.
فَقَالَ: تَضحَكُوْنَ وَعِنْدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ!
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، فَوَهِمَ فِي شَيْءٍ، فَكَلَّمتُه، فَأَخرَجَ كِتَابَهُ، فَوَجَدَهُ كَمَا قُلْتُ، فَغَيَّرَهُ، فَكَانَ إِذَا جَلَسَ، يَقُوْلُ:
يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ، يَا ابْنَ حَنْبَلٍ، ادْنُ هَا هُنَا.
وَمَرِضْتُ فَعَادَنِي، فَنَطَحَهُ البَابُ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مَيْمُوْنِ بنِ الأَصْبَغِ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كُنَّا عِنْد يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَكَانَ عِنْدَهُ المُعَيْطِيُّ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ، وَكَانَتْ فِي يَزِيْدَ -رَحِمَهُ اللهُ- مُدَاعَبَةٌ، فَذَاكَرَهُ المُعَيْطِيُّ بِشَيْءٍ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: فَقَدتُكَ، فَتَنَحْنَحَ أَحْمَدُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
فَقَالَ: أَلاَ أَعْلَمتُمُونِي أَنَّهُ هَا هُنَا؟
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: فَسَمِعْتُ بَعْضَ الوَاسِطِيِّينَ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ تَرَكَ المُزَاحَ لأَحَدٍ إلاَّ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: مَا رَأَيْتُ يَزِيْدَ لأَحَدٍ أَشَدَّ تعَظِيْماً، مِنْهُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَكرَمَ أَحَداً مِثْلَهُ، كَانَ يُقْعِدُهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَيُوَقِّرُهُ، وَلاَ يُمَازِحُهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَفقَهَ وَلاَ أَوْرَعَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.قُلْتُ: قَالَ هَذَا، وَقَدْ رَأَى مِثْلَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ.
وَقَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: مَا قَدِمَ الكُوْفَةَ مِثْلُ أَحْمَدَ.
وَقَالَ أَبُو اليَمَانِ: كُنْت أُشَبِّه أَحْمَدَ بِأَرْطَاةَ بنِ المُنْذِرِ.
وَقَالَ الهَيْثَمُ بنُ جَمِيْلٍ الحَافِظُ: إِنْ عَاشَ أَحْمَدُ، سَيَكُوْنُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: خَيْرُ أَهْلِ زَمَاننَا ابْنُ المُبَارَكِ، ثُمَّ هَذَا الشَّابُّ -يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ- وَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلاً يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَلَوْ أَدْرَكَ عَصْرَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ، لَكَانَ هُوَ المُقَدَّمَ عَلَيْهِم.
فَقِيْلَ لِقُتَيْبَةَ: يُضَمُّ أَحْمَدُ إِلَى التَّابِعِيْنَ؟
قَالَ: إِلَى كِبَارِ التَّابِعِيْنَ.
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: لَوْلاَ الثَّوْرِيُّ، لَمَاتَ الوَرَعُ، وَلَوْلاَ أَحْمَدُ، لأَحْدَثُوا فِي الدِّيْنِ، أَحْمَدُ إِمَامُ الدُّنْيَا.
قُلْتُ: قَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ) عَنْ قُتَيْبَةَ كَثِيْراً.
وَقِيْلَ لأَبِي مُسْهِرٍ الغَسَّانِيِّ: تَعْرِفُ مَنْ يَحْفَظُ عَلَى الأُمَّةِ أَمْرَ دِيْنِهَا؟
قَالَ: شَابٌّ فِي نَاحِيَةِ المَشْرِقِ -يَعْنِي: أَحْمَدَ-.
قَالَ المُزَنِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتَ بِبَغْدَادَ شَابّاً، إِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا، قَالَ النَّاسُ كُلُّهُم: صَدَقَ.
قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ حَرْمَلَةُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
خَرَجتُ مِنْ بَغْدَادَ، فَمَا خَلَّفتُ بِهَا رَجُلاً أَفْضَلَ، وَلاَ أَعْلَمَ، وَلاَ أَفْقَهَ، وَلاَ أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ:
مَا رَأَيْتُ أَعْقَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَسُلَيْمَانَ بنِ دَاوُدَ الهَاشِمِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: تَعَالَ حَتَّى أُرِيَكَ مَنْ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَذَهَبَ بِي إِلَى الشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَبِي: وَمَا رَأَى الشَّافِعِيُّ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَلَوْلاَ أَحْمَدُ وَبَذْلُ نَفْسِهِ، لَذَهَبَ الإِسْلاَمُ - يُرِيْدُ المِحْنَةَ -.
وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، قَالَ: أَحْمَدُ حُجَّةٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدُوَيْه: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ أَفْضَلُ عِنْدِي مِنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ فِي زَمَانِهِ؛ لأَنَّ سَعِيْداً كَانَ لَهُ نُظَرَاءُ.
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَعَزَّ اللهُ الدِّيْنَ بِالصِّدِّيْقِ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وَبِأَحْمَدَ يَوْمِ المِحْنَةِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم - ... ، وَذَكَرَ الحِكَايَةَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إِنِّي لأَتَدَيَّنُ بِذِكْرِ أَحْمَدَ، مَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ.
وَقَالَ الحَسَنُ بنُ الرَّبِيْعِ: مَا شَبَّهتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ إِلاَّ بِابْنِ المُبَارَكِ فِي سَمْتِه وَهَيئَتِه.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ الأَنْمَاطِيُّ، قَالَ:
كُنَّا فِي مَجْلِسٍ فِيْهِ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَجَعَلُوا يُثنُوْنَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: فَبَعْضَ هَذَا.
فَقَالَ يَحْيَى: وَكَثْرَةُ الثَّنَاءِ عَلَى أَحْمَدَ تُسْتَنكَرُ! لَوْ جَلَسْنَا مَجَالِسَنَا بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، مَا ذَكَرنَا فَضَائِلَه بِكَمَالِهَا.
وَرَوَى عَبَّاسٌ، عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ.
وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ.وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: حَضَرتُ أَبَا ثَوْرٍ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ شَيْخُنَا وَإِمَامُنَا فِيْهَا كَذَا كَذَا.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحَدِّثُ للهِ إِلاَّ ثَلاَثَةً: يَعَلَى بنَ عُبَيْدٍ، وَالقَعْنَبِيَّ، وَأَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: أَرَادُوا أَنْ أَكُوْنَ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَاللهِ لاَ أَكُوْنُ مِثْلَهُ أَبَداً.
وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، وَلاَ أَشَدَّ مِنْهُ قَلْباً.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ:
أَنَا أُسأَلُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟! إِنَّ أَحْمَدَ أُدْخِلَ الكِيرَ، فَخَرَجَ ذَهَباً أَحْمَرَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَصْحَابُ بِشْرٍ الحَافِي لَهُ حِيْنَ ضُرِبَ أَبِي:
لَوْ أَنَّكَ خَرَجتَ فَقُلْتَ: إِنِّي عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ.
فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ أَن أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ؟!
القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ:
دَخَلْتُ عَلَى ذِي النُّوْنِ السِّجنَ، وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ حَالُ سَيِّدِنَا؟
يَعْنِي: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الطِّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا ثَوْرٍ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَعْلَمُ - أَوْ أَفْقَهُ - مِنَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيُّ: أَحْمَدُ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِهِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ السَّكُوْنِيَّ يَقُوْلُ:مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ رَأَى هُوَ مِثْلَهُ.
وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ أَحْمَدَ، وَمَا كُنْتُ أُحِبُّ أَن أُقتَلَ فِي سَبِيْلِ اللهِ وَلَمْ أُصَلِّ عَلَى أَحْمَدَ، بلَغَ -وَاللهِ- فِي الإِمَامَةِ أَكْبَرَ مِنْ مَبْلَغِ سُفْيَانَ وَمَالِكٍ.
وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ: إِذَا وَافَقَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيْثٍ، لاَ أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، أَيُّهُمَا أَحْفَظُ؟
فَقَالَ: كَانَا فِي الحِفْظِ مُتَقَارِبَيْنِ، وَكَانَ أَحْمَدُ أَفْقَهَ، إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يُحِبُّ أَحْمَدَ، فَاعْلَمْ أَنهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ وَأَفْقَهُ، مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَكمَلَ مِنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: جَعَلتُ أَحْمَدَ إِمَاماً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ الجَمَّالُ: مَا بَقِيَ غَيْرُ أَحْمَدَ.
قَالَ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَحْتُوَيْه، سَمِعْتُ أَبَا عُمَيْرٍ بنَ النَّحَاسِ الرَّمْلِيَّ، وَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ:
رَحِمَهُ اللهُ، عَنِ الدُّنْيَا مَا كَانَ أَصْبَرَهُ! وَبَالمَاضِيْنَ مَا كَانَ أَشبَهَهُ!، وَبَالصَّالِحِيْنَ مَا كَانَ أَلْحَقَه! عُرِضَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَأَبَاهَا، وَالبِدَعُ فَنَفَاهَا.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ أَبُو عُمَيْرٍ مِنْ عُبَّادِ المُسْلِمِيْنَ.
قَالَ لِي: أَمِلَّ عَلَيَّ شَيْئاً عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
وَرَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ:مَا رَأَيْتُ أَجْمَعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَلاَ أَعْقَلَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: كَانَ أَحْمَدُ صَاحِبَ فِقْهٍ، صَاحِبَ حِفظٍ، صَاحِبَ مَعْرِفَةٍ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: جَمَعَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ المَعْرِفَةَ بِالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالوَرَعِ وَالزُّهْدِ وَالصَّبرِ.
وَعَنْ عَبْدِ الوَهَّابِ الوَرَّاقِ، قَالَ:
لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَرُدُّوْهُ إِلَى عَالِمِهِ ) ، رَدَدنَاهُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَتْ مَجَالِسُ أَحْمَدَ مَجَالِسَ الآخِرَةِ، لاَ يُذكَرُ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُهُ ذَكَرَ الدُّنْيَا قَطُّ.
قَالَ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةُ: أَفْقَهُ مَنْ أَدْرَكتُ فِي الحَدِيْثِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَلَفٍ: سَمِعْتُ الحُمَيْدِيَّ يَقُوْلُ:
مَا دُمْتُ بِالحِجَازِ، وَأَحْمَدُ بِالعِرَاقِ، وَابْنُ رَاهْوَيْه بِخُرَاسَانَ لاَ يَغْلِبُنَا أَحَدٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَاسِيْنَ البَلَدِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقِيْلَ لَهُ: ذَهَبَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَقَالَ:مَا أَبقَى اللهُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَذْهَبْ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ.
وَعَنِ ابْنِ المَدِيْنِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي سَيِّدِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ.
الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ أَبُو مَعِيْنٍ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
لَيْسَ فِي أَصْحَابِنَا أَحْفَظُ مِنْ أَحْمَدَ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لاَ يُحَدِّثُ إِلاَّ مِنْ كِتَابٍ، وَلَنَا فِيْهِ أُسوَةٌ.
وَعَنْهُ، قَالَ أَحْمَدُ: اليَوْمَ حُجّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، عَنْ أَبِي اليُمْنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبِي القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الجَوْزَقِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيَّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَاصِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ القَاسِمَ بنَ سَلاَّمٍ يَقُوْلُ:
انْتَهَى العِلْمُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - وَهُوَ أَفْقَهُهُم فِيْهِ - وَإلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ - وَهُوَ أَحْفَظُهُم لَهُ - وَإلَى عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ - وَهُوَ أَعْلَمُهُم بِهِ - وَإلَى يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ - وَهُوَ أَكتَبُهُم لَهُ -.
إِسْحَاقُ المِنْجَنِيْقِيُّ: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ:
أَتَيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: ائتِ أَبَا عُبَيْدٍ، فَإِنَّ لَهُ بَيَاناً لاَ تَسمَعُه مِنْ غَيْرِهِ.
فَأَتَيْتُه، فَشفَانِي جَوَابُه، فَأَخبَرتُه بِقَولِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ مِن عُمَّالِ اللهِ، نَشرَ اللهُ رِدَاءَ عَمَلِه، وَذَخَرَ لَهُ عِنْدَهُ الزُّلْفَى، أَمَا تَرَاهُ مُحبَّباً مَألُوْفاً، مَا رَأَتْ عَيْنِي بِالعِرَاقِ رَجُلاً اجْتَمَعتْ فِيْهِ خِصَالٌ هِيَ فِيْهِ، فَبارَكَ اللهُ لَهُ فِيْمَا أَعطَاهُ مِنَ الحِلْمِ وَالعِلْمِ وَالفَهمِ، فَإِنَّهُ لَكَمَا قِيْلَ:
يَزِينُكَ إِمَّا غَابَ عَنْكَ، فَإِنْ دَنَا ... رَأَيْتَ لَهُ وَجْهاً يَسُرُّكَ مُقْبِلايُعَلِّمُ هَذَا الخَلْقَ مَا شَذَّ عَنْهُمُ ... مِنَ الأَدَبِ المَجْهُولِ كَهْفاً وَمَعْقِلا
وَيَحْسُنُ فِي ذَاتِ الإلَهِ إِذَا رَأَى ... مَضيماً لأَهْلِ الحَقِّ لاَ يَسْأَمُ البَلاَ
وَإِخْوَانُهُ الأَدْنَوْنَ كُلُّ مُوَفَّقٍ بَصِيرٍ ... بِأَمْرِ الله يَسْمُو عَلَى العُلاَ
وَبِإِسْنَادِي إِلَى أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَبِي نَصْرٍ الطُّوْسِيُّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ أَحْمَدَ بنِ خُشَيْشٍ، سَمِعْتُ أَبَا الحَدِيْدِ الصُّوْفِيَّ بِمِصْرَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنِ المُزَنِيِّ، يَقُوْلُ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحنَةِ، أَبُو بَكْرٍ يَومَ الرِّدَّةِ، وَعُمَرُ يَوْمَ السَّقيفَةِ، وَعُثْمَانُ يَوْمَ الدَّارِ، وَعَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّشْدِيْنِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ المِصْرِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ بِالعِرَاقِ مِثْلَ هَذيْنِ: أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، رَجُلَيْنِ جَامِعَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُمَا بِالعِرَاقِ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ وَارَةَ، قَالَ:
أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ بِمِصْرَ، وَأَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ بِحَرَّانَ، وَابْنُ نُمَيْرٍ بِالْكُوْفَةِ، هَؤُلاَءِ أَركَانُ الدِّينِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بنُ الجُنَيْدِ الرَّازِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ أَعْلاَمِ الدِّينِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُصْعَبٍ العَابِدِ، قَالَ: لَسَوْطٌ ضُرِبَهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي اللهِ، أَكْبَرُ مِنْ أَيَّامِ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ.
قُلْتُ: بِشْرٌ: عَظِيْمُ القَدْرِ كَأَحْمَدَ، وَلاَ نَدْرِي وَزنَ الأَعْمَالِ، إِنَّمَا اللهُ يَعلَمُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّهَاوَنْدِيُّ: سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ الفَسَوِيَّ يَقُوْلُ:كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ، حُجَّتِي فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ رَجُلاَنِ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ.
وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ شَيْخِ الإِسْلاَمِ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا مَنْصُوْرُ بنُ عَبْد اللهِ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيَّ - وَذكرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ - فَقَالَ:
هُوَ عِنْدِي أَفْضَلُ وَأَفْقَهُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ سُفْيَانَ لَمْ يُمْتَحَنْ بِمِثلِ مَا امتُحِنَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلاَ عِلْمُ سُفْيَانَ وَمَنْ يُقدَّمُ مِنْ فُقَهَاءِ الأَمصَارِ كَعِلمِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؛ لأَنَّه كَانَ أَجْمَعَ لَهَا، وَأَبصَرَ بِأَغَاليطِهم وَصَدُوقِهم وَكَذُوْبِهم.
قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بِشْرِ بنِ الحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ:
قَامَ أَحْمَدُ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحْمَدُ عِنْدَنَا امْتُحِنَ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَكَانَ فِيْهِمَا مُعْتَصِماً بِاللهِ.
قَالَ أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ: كُنَّا عِنْدَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَرْعَرَةَ، فَذَكَرُوا يَعْلَى بنَ عَاصِمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يُضَعِّفُهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا يَضُرُّه إِذَا كَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ ابْنُ عَرْعَرَةَ: وَاللهِ لَوْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ فِي عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، لَضَرَّهُمَا.
وَقَالَ الحُنَيْنِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ الخَلِيْلِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، لَكَانَ آيَةً.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: عِنْدَنَا المَثَلُ الكَائِنُ فِي بَنِي إِسْرَائِيْلَ، مِنْ أَنَّ أَحَدَهُم كَانَ يُوضَعُ المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِه، مَا يَصْرِفُه ذَلِكَ عَنْ دِيْنِه، وَلَوْلاَ أَنَّ أَحْمَدَ قَامَ بِهَذَا الشَّأْنِ، لَكَانَ عَاراً عَلَيْنَا أَنَّ قَوْماً سُبِكُوا، فَلَمْ يَخرُجْ مِنْهُم أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ سَلْمٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ نَصْرٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: صِرْتُ إِلَى
دَارِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ مِرَاراً، وَسَأَلْتُه عَنْ مَسَائِلَ، فَقِيْلَ لَهُ: أَكَانَ أَكْثرَ حَدِيْثاً أَمْ إِسْحَاقُ؟قَالَ: بَلْ أَحْمَدُ أَكْثَرُ حَدِيْثاً وَأَوْرَعُ، أَحْمَدُ فَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ.
قُلْتُ: كَانَ أَحْمَدُ عَظِيْمَ الشَّأْنِ، رَأْساً فِي الحَدِيْثِ وَفِي الفِقْهِ، وَفِي التَّأَلُّهِ، أَثْنَى عَلَيْهِ خَلقٌ مِنْ خُصُومِهِ، فَمَا الظَّنُّ بِإِخْوَانِهِ وَأَقْرَانِه؟!
وَكَانَ مَهِيْباً فِي ذَاتِ اللهِ، حَتَّى لَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَا هِبْتُ أَحَداً فِي مَسْأَلَةٍ، مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: عَالِمُ وَقْتِهِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ فِي زَمَانِهِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي زَمَانِهِ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي زَمَانِهِ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْحَاقَ الأَسَدِيِّ: أَخبَرَكُمُ ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرْنَا اللَّبَّانُ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الحَدَّادِ، أَخْبَرْنَا أَبُو نُعَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّاذَكُوْنِيُّ، قَالَ:
يُشَبَّهُ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ بِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟ أَيْهَاتَ!! مَا أَشْبَهَ السُّكَّ بِاللُّكِّ، لَقَدْ حَضَرتُ مِنْ وَرَعِهِ شَيْئاً بِمَكَّةَ:
أَنَّهُ أَرْهَنَ سَطلاً عِنْد فَامِيٍّ، فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئاً لِيُقَوِّتَه، فَجَاءَ، فَأَعطَاهُ فِكَاكَهُ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ سَطلَينِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيَّهُمَا سَطْلُكَ؟
فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْهُ، وَمَا أَعْطَيتُكَ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ.
قَالَ الفَامِيُّ: وَاللهِ إِنَّهُ لَسَطْلُهُ، وَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَمْتَحِنَهُ فِيْهِ.
وَبِهِ: إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا الأَبَّارُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى النَّيْسَابُوْرِيَّ - حِيْنَ بَلَغَهُ وَفَاةُ أَحْمَدَ - يَقُوْلُ:
يَنْبَغِي لِكُلِّ أَهْلِ دَارٍ بِبَغْدَادَ أَنْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ النِّيَاحَةَ فِي دُورِهِم.
قُلْتُ: تَكَلَّمَ الذُّهْلِيُّ بِمُقتَضَى الحُزْنِ لاَ بِمُقتضَى الشَّرعِ.قَالَ أَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ الكَرَابِيْسِيَّ يَقُوْلُ:
مَثَلُ الَّذِيْنَ يَذْكُرُوْنَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، مَثَلُ قَوْمٍ يَجِيْئُونَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَهْدِمُوهُ بِنِعَالِهِم.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ المُقْرِئُ، قَالَ:
رَأَيْتُ عُلمَاءَنَا مِثْلَ الهَيْثَمِ بنِ خَارِجَةَ، وَمُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَخِيْهِ، وَعَبْدِ الأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ، وَابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مَعْمَرٍ، وَالوَرْكَانِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَكَّارٍ، وَعَمْرٍو النَّاقِدِ، وَيَحْيَى بنِ أَيُّوْبَ المَقَابِرِيِّ، وَسُرَيْجِ بنِ يُوْنُسَ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيِّ - فِيْمَنْ لاَ أُحصِيهِم - يُعَظِّمُوْنَ أَحْمَدَ وَيُجِلُّونَه وَيُوَقِّرُونَه وَيُبَجِّلُونَه وَيَقْصِدُوْنَهُ لِلسَّلاَمِ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ:
لَمَّا مَاتَ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، جَاءَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ: تَقُوْمُ إِلَيَّ؟
قَالَ: وَاللهِ لَوْ رَآكَ أَبِي، لَقَامَ إِلَيْكَ.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: وَاللهِ لَوْ رَأَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَبَاكَ، لَقَامَ إِلَيْهِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:التَّابِعُوْنَ كُلُّهُم، وَآخِرُهُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ - وَهُوَ عِنْدِي أَجَلُّهُم - يَقُوْلُوْنَ: مَنْ حلَفَ بِالطَّلاَقِ أَنْ لاَ يَفْعَلَ شَيْئاً ثُمَّ فَعَلَهُ نَاسِياً، كُلُّهُم يُلزِمُونَه الطَّلاَقَ.
وَعَنِ الأَثْرَمِ، قَالَ: نَاظرتُ رَجُلاً، فَقَالَ: مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ؟
قُلْتُ: مَنْ لَيْسَ فِي شَرقٍ وَلاَ غَربٍ مِثْلُهُ.
قَالَ: مَنْ؟
قُلْتُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَقد أثْنَى علَى أَبِي عَبْدِ اللهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَتَبَرَّكُوا بِهِ.
رَوَى ذَلِكَ: أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ، وَشَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَلَمْ يَصِحَّ سَنَدُ بَعْضِ ذَلِكَ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عُمَيْرَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ اليُوْسُفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، وَقِيْلَ لَهُ: اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَمْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؟
قَالَ: بَلِ اخْتِيَارُ أَحْمَدَ فَإِسْحَاقَ، مَا أَعْلَمُ فِي أَصْحَابِنَا أَسوَدَ الرَّأْسِ أَفْقَهَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ مِنْهُ.
فِي فَضْلِهِ وَتَأَلُّهِهِ وَشَمَائِلِه:
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي يَوْماً أَيَّامَ الوَاثِقِ - وَاللهُ يَعلَمُ عَلَى أَيِّ حَالٍ نَحْنُ - وَقَدْ خَرَجَ لِصَلاَةِ العَصرِ، وَكَانَ لَهُ لِبْدٌ يَجْلِسُ عَلَيْهِ، قَد أَتَى عَلَيْهِ سِنُوْنَ كَثِيْرَةٌ حَتَّى بَلِيَ، وَإِذَا تَحْتَه كِتَابٌ كَاغَدٌ فِيْهِ:
بَلَغَنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا أَنْتَ فِيْهِ مِنَ الضِّيقِ، وَمَا عَلَيْكَ مِنَ الدَّيْنِ، وَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ عَلَى يَدَيْ فُلاَنٍ، وَمَا هِيَ مِنْ صَدَقَةٍ وَلاَ زَكَاةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي. فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، وَوَضَعتُه،
فَلَمَّا دَخَلَ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا هَذَا الكِتَابُ؟فَاحْمَرَّ وَجْهُه، وَقَالَ: رَفَعْتُه مِنْكَ.
ثُمَّ قَالَ: تَذْهَبُ لِجَوَابِه ؟
فَكَتَبَ إِلَى الرَّجُلِ: وَصَلَ كِتَابُكَ إِلَيَّ، وَنَحْنُ فِي عَافِيَةٍ.
فَأَمَّا الدَّيْنُ، فَإِنَّهُ لِرَجُلٍ لاَ يُرهِقُنَا، وَأَمَّا عِيَالنَا، فَفِي نِعمَةِ اللهِ.
فَذَهَبتُ بِالكِتَابِ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَوصلَ كِتَابَ الرَّجُلِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ حِيْنٍ، وَردَ كِتَابُ الرَّجُلِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَردَّ عَلَيْهِ بِمِثلِ مَا ردَّ.
فَلَمَّا مَضتْ سَنَةٌ أَوْ نَحوُهَا، ذَكرنَاهَا، فَقَالَ: لَوْ كُنَّا قَبِلنَاهَا، كَانَتْ قَدْ ذَهَبتْ.
وَشَهدتُ ابْنَ الجَرَوِيِّ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقَالَ لأَبِي: أَنَا رَجُلٌ مَشْهُوْرٌ، وَقَدْ أَتَيْتُكَ فِي هَذَا الوَقْتِ، وَعِنْدِي شَيْءٌ قَدِ اعتَددتُه لَكَ، وَهُوَ مِيرَاثٌ، فَأُحِبُّ أَنْ تَقبلَه.
فَلَمْ يَزَلْ بِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، قَامَ وَدَخَلَ.
قَالَ صَالِحٌ: فَأُخْبِرْتُ عَنِ ابْنِ الجَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ هِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ.
فَقَامَ وَتَركنِي.
قَالَ صَالِحٌ: وَوجَّهَ رَجُلٌ مِنَ الصِّينِ بِكَاغَدٍ صِيْنِيٍّ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، وَوَجَّه بِقِمَطْرٍ إِلَى أَبِي، فَرَدَّهُ، وَوُلدَ لِي مَوْلُوْدٌ، فَأَهدَى صَدِيْقٌ لِي شَيْئاً، ثُمَّ أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَشهرٌ، وَأَرَادَ الخُرُوجَ إِلَى البَصْرَةِ، فَقَالَ لِي: تُكلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَكْتُبُ لِي إِلَى المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ؟
فَكَلَّمتُهُ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّهُ أَهدَى إِليكَ، كُنتُ أكتُبُ لهُ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ رَهنَ نَعْلَه عِنْد خَبَّازٍ بِاليَمَنِ، وَأَكرَى نَفْسَه مِنْ جَمَّالين عِنْدَ خُرُوْجِه، وَعَرضَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ دَرَاهِمَ صَالِحَةً، فَلَمْ يَقبلْهَا.
وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ حِيْنَ مَاتَ أَحْمَدُ بِأَكفَانٍ وَحَنُوطٍ، فَأَبَى صَالِحٌ أَنْ
يقبَلَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدْ أَعَدَّ كَفَنَه وَحَنوطَه.وَردَّه، فَرَاجَعَه، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ مِمَّا يَكْرَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَكْرَهُ، فَلَسْتُ أَقبَلُه.
وَبِهِ حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قَالَ أَبِي:
جَاءنِي يَحْيَى بنُ يَحْيَى - قَالَ أَبِي: وَمَا أَخرجَتْ خُرَاسَانُ بَعْدَ ابْنِ المُبَارَكِ رَجُلاً يُشبِه يَحْيَى بنَ يَحْيَى - فَجَاءنِي ابْنُه، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي أَوْصَى بِمَبْطَنَةٍ لَهُ لَكَ، وَقَالَ يُذَكِّرنِي بِهَا.
فَقُلْتُ: جِئْ بِهَا.
فَجَاءَ بِرُزمَةِ ثِيَابٍ، فَقُلْتُ لَهُ: اذهَبْ رَحِمَكَ اللهُ -يَعْنِي: وَلَمْ يَقبلْهَا-.
قُلْتُ: وَقِيْلَ: أَنَّهُ أَخذَ مِنْهَا ثَوباً وَاحِداً.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: إِنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلفَ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ القَارِيُّ، قَالَ:
دَخَلَ عَلَى أَحْمَدَ عَمُّه، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، أَيْشٍ هَذَا الغَمُّ؟
وَأَيْشٍ هَذَا الحُزْنُ؟
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: يَا عَمِّ، طُوبَى لِمَنْ أَخْمَلَ اللهُ ذِكْرَه.
وَبِهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ إِذَا رَأَيْتَه، تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُظهِرُ النُّسكَ، رَأَيْتُ عَلَيْهِ نَعلاً لاَ يُشبهِ نِعَالَ القُرَّاءِ، لَهُ رَأْسٌ كَبِيْرٌ مُعقَّدٌ، وَشِرَاكُه مُسْبَلٌ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ إِزَاراً وَجُبَّةَ بُردٍ مُخطَّطَةً.
أَي: لَمْ يَكُنْ بِزيِّ القُرَّاءِ.
وَبِهِ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي:
جَاءنِي أَمسُ رَجُلٌ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَرَاهُ، بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ فِي نَحرِ الظَّهيرَةِ، إِذَا بِرجُلٍ سَلَّمَ بِالبَابِ، فَكَأَنَّ قَلْبِي ارتَاحَ، فَفَتَحتُ، فَإِذَا أَنَا بِرجُلٍ عَلَيْهِ فَرْوَةٌ، وَعَلَى رَأْسِه خِرقَةٌ، مَا تَحْتَ فَرْوِهِ قَمِيْصٌ، وَلاَ مَعَهُ ركوَةٌ وَلاَ جِرَابٌ وَلاَ عُكَّازٌ، قَدْ لَوَّحَتْه الشَّمْسُ، فَقُلْتُ:
ادْخُلْ.فَدَخَلَ الدِّهليزَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ أَقبلتَ؟
قَالَ: مِنْ نَاحِيَةِ المَشْرِقِ أُرِيْدُ السَّاحِلَ، وَلَوْلاَ مكَانُكَ مَا دَخَلْتُ هَذَا البَلدَ، نَويتُ السَّلاَمَ عَلَيْكَ.
قُلْتُ: عَلَى هَذِهِ الحَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ، مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟
قُلْتُ: قِصَرُ الأَمَلِ.
قَالَ: فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا عِنْدِي ذَهبٌ وَلاَ فِضَّةٌ.
فَدَخَلْتُ البَيْتَ، فَأَخذتُ أَرْبَعَةَ أَرغِفَةٍ، فَخَرَجتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَوَ يَسُرُّك أَنْ أقبلَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَخَذَهَا، فَوَضَعهَا تَحْتَ حِضْنِه، وَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكْفيَنِي إِلَى الرَّقَّةِ، أسْتودِعُكَ اللهَ.
فَكَانَ يَذْكُرُه كَثِيْراً.
وَبِهِ: كَتبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ أَبِي، وَذَكَرَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: قَلِيْلُهَا يُجْزئُ، وَكَثِيْرُهَا لاَ يُجْزئُ.
وَقَالَ أَبِي - وَقَدْ ذُكرَ عِنْدَهُ الفَقْرُ - فَقَالَ: الفَقْرُ مَعَ الخَيْرِ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ:
أَمسَكَ أَبِي عَنْ مُكَاتَبَةِ ابْنِ رَاهْوَيْه، لمَا أَدْخَلَ كِتَابهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ وَقرَأَهُ.
وَبِهِ، قَالَ: ذَكَرَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي عُمَرَ البَكْرِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ المَلِكِ بنَ عَبْدِ الحَمِيْدِ المَيْمُوْنِيَّ، قَالَ:
مَا أَعْلَمُ أنِّي رَأَيْتُ أَحَداً أَنظفَ بَدناً، وَلاَ أَشَدَّ تَعَاهداً لِنَفْسِهِ فِي شَاربِهِ وَشعرِ رَأْسهُ وَشعرِ بَدنِه، وَلاَ أَنْقَى ثَوباً بشِدَّةِ بيَاضٍ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
كَانَ ثِيَابُهُ بَيْنَ الثَّوْبَيْنِ، تَسْوَى مَلْحَفَتُه خَمْسةَ عَشَرَ دِرْهَماً، وَكَانَ ثَوْبُ قَمِيصِه يُؤْخَذُ بِالدِّيْنَارِ وَنَحْوِه، لَمْ يَكُنْ لَهُ دِقَّةٌ تُنكرُ، وَلاَ غِلَظٌ يُنكرُ، وَكَانَ مَلْحَفَتُه مُهَذَّبَةٌ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا صَالِحٌ، قَالَ:
رُبَّمَا رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ الكِسَرَ، يَنفُضُ الغبارَ عَنْهَا، وَيُصيِّرُهَا فِي قَصعَةٍ، وَيَصُبُّ عَلَيْهَا مَاءً، ثُمَّ يَأْكُلُهَا بِالملحِ، وَمَا رَأَيْتهُ اشْتَرَى رُمَّاناً وَلاَ سَفَرْجلاً وَلاَ شَيْئاً مِنَ الفَاكهَةِ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ بطِّيخَةً - فَيَأكُلهَا
بِخُبزٍ - وَعِنباً وَتَمْراً.وَقَالَ لِي: كَانَتْ وَالِدتُك فِي الظَّلاَمِ تَغْزِلُ غزلاً دَقِيْقاً، فَتبيعُ الأسْتَارَ بدِرْهَمَيْنِ أَقَلَّ أَو أَكْثَرَ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا، وَكُنَّا إِذَا اشترينَا الشَّيْءَ، نَستُره عَنْهُ كَيلاَ يَرَاهُ، فَيُوبِّخُنَا، وَكَانَ رُبَّمَا خُبِزَ لَهُ، فَيجعلُ فِي فَخَّارَةٍ عَدساً وَشَحماً وَتَمَرَاتٍ شِهْريز، فَيجِيْءُ الصِّبْيَانُ، فَيُصوِّتُ ببَعْضهم، فَيدفعُه إِلَيْهِم، فَيَضحكُوْنَ وَلاَ يَأْكلُوْنَ.
وَكَانَ يَأْتَدِمُ بِالخلِّ كَثِيْراً.
قَالَ: وَقَالَ أَبِي: إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قِطعَةٌ، أَفْرَحُ.
وَكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، لاَ يَدَعُ مَنْ يَسْتَقِي لَهُ، وَرُبَّمَا اعتللتُ فَيَأْخُذُ قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ، فَيقرأُ فِيْهِ، ثُمَّ يَقُوْلُ: اشربْ مِنْهُ، وَاغسلْ وَجْهَكَ وَيَدَيكَ.
وكَانَتْ لَهُ قَلَنْسُوَةٌ خَاطَهَا بِيَدِهِ، فِيْهَا قُطْنٌ، فَإِذَا قَامَ بِاللَّيْلِ، لَبِسهَا.
وَكَانَ رُبَّمَا أَخَذَ القَدُّومَ، وَخَرَجَ إِلَى دَار السكَّانِ، يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ.
وَاعتلَّ فَتَعَالجَ.
وَكَانَ رُبَّمَا خَرَجَ إِلَى البَقَّالِ، فَيَشترِي الجُرْزَةَ الحَطَبَ وَالشَّيْءَ، فَيحملُه بِيَدِهِ.
وَكَانَ يَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ.
فَقَالَ لِي فِي يَوْمٍ شَتوِيٍّ: أُرِيْدُ أَدْخُلَ الحَمَّامَ بَعْدَ المَغْرِبِ، فَقُلْ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ.
ثُمَّ بَعثَ إِلَيَّ: إِنِّي قَد أَضربتُ عَنِ الدُّخُوْلِ.
وَتَنَوَّرَ فِي البَيْتِ.
وكُنْت أَسْمَعُه كَثِيْراً يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بُعِثَ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حَيْثُ كَانَ
عِنْدَنَا أَيَّامَ يَزِيْدَ جَوْزٌ وَنَبْقٌ كَثِيْرٌ، فَقَبِلَ، وَقَالَ لِي: كُلْ هَذَا.قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي - وَذُكرَ عِنْدَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ - فَقَالَ: مَا اسْتفَادَ مِنَّا أكثرَ مِمَّا اسْتفدنَا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ: كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ الشَّافِعِيِّ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ، فَهُوَ عَنْ أَبِي.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
قَدِمَ رَجُلٌ مِن الزُّهَادِ، فَأَدخَلتُه عَلَى أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ فَرْوٌ خَلَقٌ، وَخُرَيْقَةٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَهُوَ حَافٍ فِي بَردٍ شَدِيدٍ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جِئْتُ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيْدٍ، وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ السَّلاَمَ عَلَيْكَ، وَأُرِيْدُ عَبَّادَانَ، وَأُرِيْدُ إِنْ أَنَا رَجَعْتُ، أُسِلِّمَ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: إِنْ قُدِّرَ.
فَقَامَ الرَّجُلُ وَسَلَّمَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ قَاعِدٌ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً قَامَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ حَتَّى يَقُومَ هُوَ، إِلاَّ هَذَا الرَّجُلَ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا تَرَى مَا أَشبهَه بِالأَبدَالِ، أَوْ قَالَ: إِنِّي لأَذكُرُ بِهِ الأَبْدَالَ.
وَأَخْرَجَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَربعَةَ أرغِفَةٍ مَشطورَةٍ بِكَامَخَ، وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ، لَوَاسَينَاكَ.
وَأَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَكْثَرَ الدَّاعِي لَكَ!
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ هَذَا اسْتِدرَاجاً بِأَيِّ شَيْءٍ هَذَا؟
وَقُلْتُ لَهُ: قَدِمَ رَجُلٌ مِن طَرَسُوْسَ، فَقَالَ: كُنَّا فِي بِلاَدِ الرُّوْمِ فِي الغَزْوِ إِذَا هَدَأَ اللَّيْلُ، رَفَعُوا أَصوَاتَهُم بِالدُّعَاءِ، ادعُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَكُنَّا نَمُدُّ المِنْجَنِيْقَ، وَنَرمِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
وَلَقَدْ رُمِيَ عَنْهُ بِحَجَرٍ، وَالعِلْجُ عَلَى الحِصْنِ مُتَتَرِّسٌ بَدَرَقَةٍ، فَذَهَبَ برَأْسِهِ وَبَالدَّرَقَةِ.
قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: لَيتَه لاَ يَكُوْنُ اسْتدرَاجاً.
قُلْتُ: كَلاَّ.
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: عِنْدنَا بِخُرَاسَانَ يَظُنُّوْنَ أَنَّ أَحْمَدَ لاَ يُشبهُ البَشَرَ، يَظُنُّوْنَ أَنَّهُ مِنَ المَلاَئِكَةِ.وَقَالَ آخَرُ: نَظْرَةٌ عِنْدنَا مِنْ أَحْمَدَ تَعدِلُ عِبَادَةَ سَنَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا غُلُوٌّ لاَ يَنْبَغِي، لَكِنَّ البَاعثَ لَهُ حُبُّ وَلِيِّ اللهِ فِي اللهِ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ طَبِيباً نَصرَانيّاً خَرَجَ مِن عِنْدِ أَحْمَدَ وَمَعَهُ رَاهِبٌ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَأَلَنِي أَنْ يَجِيْءَ مَعِي لِيَرَى أَبَا عَبْدِ اللهِ.
وَأَدخلتُ نَصرَانيّاً عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لأَشتَهِي أَنْ أَرَاك مُنْذُ سِنِيْنَ، مَا بَقَاؤكَ صلاَحٌ لِلإِسْلاَمِ وَحدَهُم، بَلْ لِلْخَلقِ جَمِيْعاً، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابنَا أَحَدٌ إِلاَّ وَقَدْ رَضِيَ بِكَ.
فَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي لأَرجُو أَنْ يَكُوْنَ يُدعَى لَكَ فِي جَمِيْعِ الأَمْصَارِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِذَا عَرَفَ الرَّجُلُ نَفْسَه، فَمَا يَنْفَعُه كَلاَمُ النَّاسِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ مَاشِياً، وَحَجَّ حَجَّتينِ أَوْ ثَلاَثاً مَاشِياً، وَكَانَ أَصْبَرَ النَّاسِ عَلَى الوحدَةِ، وَبِشْرٌ لَمْ يَكُنْ يَصبرُ عَلَى الوحدَةِ، كَانَ يَخْرُجُ إِلَى ذَا وَإِلَى ذَا.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَبِي فَزَارَةَ - جَارُنَا - قَالَ:
كَانَتْ أُمِّي مُقْعَدَةً مِنْ نَحْوِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَقَالَتْ لِي يَوْماً: اذهَبْ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلْهُ أَنْ يَدعُوَ لِي.
فَأَتيتُ، فَدققتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي دِهليزِه، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
قُلْتُ: رَجُلٌ سَأَلَتْنِي أُمِّي - وَهِيَ مُقَعْدَةٌ - أَنْ أَسْأَلكَ الدُّعَاءَ.
فَسَمِعْتُ كَلاَمَه كَلاَمَ رَجُلٍ مُغْضَبٍ، فَقَالَ: نَحْنُ أَحْوَجُ أَنْ تَدعُوَ اللهَ لَنَا.
فَوَلَّيْتُ مُنْصَرِفاً، فَخَرَجَتْ عَجُوْزٌ، فَقَالَتْ: قَدْ تَركتُه يَدعُو لَهَا. فَجِئتُ إِلَى بَيتِنَا،
وَدَقَقْتُ البَابَ، فَخَرَجتْ أُمِّي عَلَى رِجْلَيْهَا تَمْشِي.هَذِهِ الوَاقعَةُ نَقَلَهَا: ثِقَتَانِ، عَنْ عَبَّاسٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلةٍ ثَلاَثَ مائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا مَرِضَ مِن تِلْكَ الأَسواطِ، أَضعفَتْه، فَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَليلَةٍ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
وَعَنْ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مِنْ رِبْحِ تِجَارتِه إِلَى أَحْمَدَ، فَرَدَّهَا.
وَقِيْلَ: إِنَّ صَيرفيّاً بذلَ لأَحْمَدَ خَمْسَ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يَقبَلْ.
وَمِنْ آدَابِهِ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: رَأَيْتُ أَبِي يَأْخُذُ شَعرةً مِن شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُهَا عَلَى فِيْهِ يُقبِّلُهَا.
وَأَحسِبُ أَنِّي رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ، وَيَغْمِسُهَا فِي المَاءِ وَيَشرَبُه يَسْتَشفِي بِهِ.
ورَأَيْتُهُ أَخذَ قَصْعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَسلهَا فِي حُبِّ المَاءِ، ثُمَّ شَرِبَ فِيْهَا، وَرَأَيْتُهُ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ يَسْتَشفِي بِهِ، وَيَمسحُ بِهِ يَدَيْهِ وَوَجهَه.
قُلْتُ: أَيْنَ المُتَنَطِّعُ المُنْكِرُ عَلَى أَحْمَدَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ سَأَلَ أَبَاهُ عَمَّنْ يَلمَسُ رُمَّانَةَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَمَسُّ الحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً.
أَعَاذنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ رَأْيِ الخَوَارِجِ وَمِنَ البِدَعِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: كَتَبَ إِلَيَّ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لأَبِي جَعْفَرٍ - أَكرمَه اللهُ - مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
مَضَى عَمِّي أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ، وَثَبَ قَائِماً وَأَكْرَمَهُ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ:مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ، وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِيْنَاراً، فَأَعطيتُ الحَجَّامَ دِيْنَاراً حِيْنَ احتَجمتُ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَدْخُلُ الحَمَّامَ، وَيَتَنَوَّرُ فِي البَيْتِ، وَأَصْلحتُ غَيْرَ مَرَّةٍ النُّورَةَ، وَاشتَرَيتُ لَهُ جِلداً لِيَدِهِ يُدخِلَ يَدَهُ فِيْهِ وَيَتَنَوَّرَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا أَرَادَ القِيَامَ، قَالَ لِجُلَسَائِه: إِذَا شِئْتُم.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ أَلقَى لِخَتَّانٍ دِرْهَمَيْنِ فِي الطَّسْتِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي حَدَّثَ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ إِلاَّ بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِذَا صَحَّ عِندَكُمُ الحَدِيْثُ، فَأَخبِرُونَا حَتَّى نَرجِعَ إِلَيْهِ، أَنْتُم أَعْلَمُ بِالأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مِنَّا، فَإِذَا كَانَ خَبَرٌ صَحِيْحٌ، فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَذهبَ إِلَيْهِ كُوْفِيّاً كَانَ أَوْ بَصْرِيّاً أَوْ شَامِيّاً.
قُلْتُ: لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَقُوْلُ: حِجَازيّاً، فَإِنَّهُ كَانَ بَصِيْراً بِحَدِيْثِ
الحِجَازِ، وَلاَ قَالَ: مِصْرِيّاً، فَإِنَّ غَيْرَهُمَا كَانَ أَقعَدَ بِحَدِيْثِ مِصْرَ مِنْهُمَا.الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سَمِعْتُ ابْنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ:
لَمَّا خَرَجَ أَحْمَدُ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، انقطَعتْ بِهِ النَّفقَةُ، فَأَكرَى نَفْسَه مِنْ بَعْضِ الجَمَّالِيْنَ إِلَى أَنْ وَافَى صَنْعَاءَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَصْحَابُه المُوَاسَاةَ، فَلَمْ يَأْخُذْ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي الحَارِثِ، قَالَ:
مَرَّ بِنَا أَحْمَدُ، فَقُلْنَا لإِنْسَانٍ: اتبَعْه، وَانظُرْ أَيْنَ يَذْهَبُ.
فَقَالَ: جَاءَ إِلَى حَنَّكٍ المَرْوَزِيِّ، فَمَا كَانَ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّى خَرَجَ.
فَقُلْتُ لِحَنَّكٍ بَعْدُ: جَاءك أَبُو عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: هُوَ صَدِيْقٌ لِي، وَاسْتَقرَضَ مِنِّي مائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَجَاءنِي بِهَا، فَقُلْتُ: مَا نَوَيْتُ أَخْذَهَا.
فَقَالَ: وَأَنَا مَا نَويتُ إِلاَّ أَنْ أَرُدَّهَا إِلَيْكَ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى البَرْبرِيُّ، قَالَ:
حُمِلَ إِلَى الحَسَنِ الجَرَوِيِّ مِيرَاثُهُ مِنْ مِصْرَ مائَةَ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَأَتَى أَحْمَدَ بِثَلاَثَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَمَا قَبِلهَا.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَاكِرُ بنُ جَعْفَرٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ التُّسْتَرِيَّ يَقُوْلُ:
ذَكَرُوا أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَتَى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مَا طَعِمَ فِيْهَا، فَبَعَثَ إِلَى صَدِيْقٍ لَهُ، فَاقتَرضَ مِنْهُ دَقِيْقاً، فَجَهَّزوهُ بِسُرعَةٍ، فَقَالَ: كَيْفَ ذَا؟
قَالُوا: تَنُّورُ صَالِحٍ مُسْجَرٌ، فَخَبَرْنَا فِيْهِ.
فَقَالَ: ارفَعُوا.
وَأَمَرَ بِسَدِّ بَابٍ بَينَهُ وَبَيْنَ صَالِحٍ.
قُلْتُ: لِكَوْنِهِ أَخَذَ جَائِزَةَ المُتَوَكِّلِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ أَحْمَدَ، صَحِبنَاهُ خَمْسِيْنَ سَنَةً، مَا افتَخَرَ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخَيْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سُبْعاً، وَكَانَ يَنَامُ نَومَةً
خَفِيْفَةً بَعْدَ العِشَاءِ، ثُمَّ يَقومُ إِلَى الصَّباحِ يُصَلِّي وَيَدعُو.وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، قَالَ:
لَيْسَ يُحرزُ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ إِلاَّ حُفرَتَه، الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا.
وَقَالَ أَبِي فِي مَرَضِه: أَخرِجْ كِتَابَ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ: اقرَأْ عَليَّ حَدِيْثَ لَيْثٍ: أَنَّ طَاوُوْساً كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ فِي المَرَضِ.
فَمَا سَمِعْتُ لأَبِي أَنِيناً حَتَّى مَاتَ.
وَسَمِعَهُ ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: تَمنَّيتُ المَوْتَ، وَهَذَا أَمرٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، ذَاكَ فِتْنَةُ الضَّرْبِ وَالحَبْسِ كُنْت أَحْمِلُه، وَهَذِهِ فِتْنَةُ الدُّنْيَا.
قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَأَيْتُ بِهِ شُحُوباً بِمَكَّةَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ، فَكَلَّمْتُه، فَقَالَ: هَيِّنٌ فِيْمَا اسْتَفَدنَا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ أَبِي: مَا كَتَبنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حِفْظِهِ إِلاَّ المَجْلِسَ الأَوّلَ، وَذَلِكَ أَنَّا دَخَلنَا بِاللَّيْلِ، فَأَملَى عَلَيْنَا سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ جَالَسَ مَعْمَراً تِسْعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ كُلَّ مَا يَقُوْلُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بَعْدَ المائَتَيْنِ، فَسمَاعُه ضَعِيْفٌ.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلُبُ البُدلاَءَ؟
فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أَدرِي.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، خَنَقَتْه العَبرَةُ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ يَمْنَعُنِي أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ، هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ، وَلِباسٌ دُوْنَ لِباسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ
قَلاَئِلُ، مَا أَعدِلُ بِالفَقْرِ شَيْئاً، وَلَوْ وَجَدتُ السَّبيلَ، لَخَرجتُ حَتَّى لاَ يَكُوْنَ لِي ذِكْرٌ.وَقَالَ: أُرِيْدُ أَنْ أَكُوْنَ فِي شِعْبٍ بِمَكَّةَ حَتَّى لاَ أُعرَفَ، قَدْ بُليتُ بِالشُّهرَةِ، إِنِّي أَتَمنَّى المَوْتَ صَبَاحاً وَمسَاءً.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَذُكِرَ لأَحْمَدَ أَنَّ رَجُلاً يُرِيْدُ لِقَاءهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمُ اللِّقَاءَ يَتَزَيَّنُ لِي وَأَتزيَّنُ لَهُ.
قَالَ: لَقَدِ اسْتَرَحتُ، مَا جَاءنِي الفَرَجُ إِلاَّ مُنْذُ حَلَفتُ أَنْ لاَ أُحِدِّثَ، وَلَيتنَا نُتْرَكُ، الطَّرِيْقُ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلاَناً قَالَ: لَمْ يَزهَدْ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي الدَّرَاهِمِ وَحدَهَا.
قَالَ: زَهِدَ فِي النَّاسِ.
فَقَالَ: وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَزهَدَ فِي النَّاسِ؟ النَّاسُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَزهَدُوا فِيَّ.
وسَمِعْتُه يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ النَّومَ بَعْدَ العصرِ، يَخَافُ عَلَى عَقلِهِ.
وَقَالَ: لاَ يُفْلِحُ مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، وَلاَ يَخلُو مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ.
وَسُئِلَ عَنِ القِرَاءةِ بِالأَلْحَانِ، فَقَالَ: هَذِهِ بِدعَةٌ لاَ تُسمعُ.وَمِنْ سِيْرَتِهِ:
قَالَ الخَلاَّلُ: قُلْتُ لِزُهَيْرِ بنِ صَالِحٍ: هَلْ رَأَيْتَ جَدَّكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، مَاتَ وَأَنَا فِي عَشْرِ سِنِيْنَ، كُنَّا نَدخُلُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ أَنَا وَأَخوَاتِي، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بَابٌ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا حَبَّتَيْنِ حَبَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ فِي رُقعَةٍ إِلَى فَامِيٍّ يُعَامِلُه.
وَرُبَّمَا مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الشَّمْسِ، وَظَهرُه مَكشُوفٌ، فِيْهِ أَثَرُ الضَّربِ بَيِّنٌ، وَكَانَ لِي أَخٌ أَصْغَرُ مِنِّي اسْمُهُ عَلِيٌّ، فَأَرَادَ أَبِي أَنْ يَخْتِنَهُ، فَاتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً كَثِيْراً، وَدَعَا قَوْماً.
فَوَجَّهَ إِلَيْهِ جَدِّي: بَلَغَنِي مَا أَحدَثْتَه لِهَذَا، وَإِنَّكَ أَسرفْتَ، فَابدَأْ بِالفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ.
فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الغَدِ، حَضَرَ الحَجَّامُ، وَحَضَرَ أَهْلُنَا، جَاءَ جَدِّي حَتَّى جَلَسَ عِنْدَ الصَّبِيِّ، وَأَخرَجَ صُرَيرَةً، فَدَفَعَهَا إِلَى الحَجَّامِ، وَقَامَ، فَنَظَرَ الحَجَّامُ فِي الصُّريرَةِ، فَإذَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ.
وَكُنَّا قَدْ رَفَعنَا كَثِيْراً مِنَ الفُرُشِ، وَكَانَ الصَّبِيُّ عَلَى مَصطَبَةٍ مُرتَفِعَةٍ مِنَ الثِّيَابِ المُلَوَّنَةِ، فَلَمْ يُنكِرْ ذَلِكَ.
وَقَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ خُرَاسَانَ ابْنُ خَالَةِ جَدِّي، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي، فَدَخَلْتُ مَعَهُ إِلَى جَدِّي، فَجَاءتِ الجَارِيَةُ بِطَبَقِ خِلاَفٍ، وَعَلَيْهِ خُبْزٌ وَبَقْلٌ وَمِلْحٌ، وَبِغُضَارَةٍِ، فَوَضَعتْهَا بَيْنَ أَيدينَا، فِيْهَا مَصْلِيَّةٌ فِيْهَا لَحمٌ وَصِلقٌ كَثِيْرٌ، فَأَكَلَ مَعَنَا، وَسَأَلَ ابْنَ خَالَتِه عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ أَهلِه بِخُرَاسَانَ فِي خِلاَلِ الأَكْلِ، فَرُبَّمَا
استَعجَمَ عَلَيْهِ، فَيُكَلِّمُهُ جَدِّي بِالفَارِسيَّةِ، وَيَضَعُ اللَّحْمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَيْنَ يَدِي.ثُمَّ أَخَذَ طَبَقاً إِلَى جَنْبِهِ، فَوُضعَ فِيْهِ تَمرٌ وَجَوزٌ، وَجَعَلَ يَأكُلُ وَيُنَاوِلُ الرَّجُلَ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ الشَّيْءِ، فَيَقُوْلُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: لَمْ أَرَ الفَقِيرَ فِي مَجْلِسٍ أَعَزَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ، كَانَ مَائِلاً إِلَيْهِم، مُقَصِّراً عَنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَكَانَ فِيْهِ حِلمٌ، وَلَمْ يَكُنْ بِالعَجُولِ، وَكَانَ كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، تَعْلُوهُ السَّكِينَةُ وَالوَقَارُ، وَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ العصرِ لِلْفُتْيَا، لاَ يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُسْأَلَ، وَإِذَا خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ، لَمْ يَتَصَدَّرْ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: رَأَيْتُ أَبِي حَرَّجَ عَلَى النَّملِ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ دَارِهِ، فَرَأَيْتُ النَّمْلَ قَدْ خَرَجنَ بَعْدُ نَمْلاً سُوداً، فَلَمْ أَرَهُم بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمِنْ كَرَمِهِ:
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ أَبِي حَنِيْفَةَ المُؤَدِّبُ: كُنْتُ آتِي أَبَاك، فَيَدفعُ إِلَيَّ الثَّلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، وَيَقَعُدُ مَعِي، فَيَتَحدَّثُ، وَرُبَّمَا أَعطَانِي الشَّيْءَ، وَيَقُوْلُ: أَعطَيتُكَ نِصْفَ مَا عِنْدَنَا.
فَجِئْتُ يَوْماً، فَأَطلْتُ القُعُودَ أَنَا وَهُوَ.
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ تَحْتَ كِسَائِه أَرْبَعَةُ أَرغِفَةٍ، فَقَالَ: هَذَا نِصْفُ مَا عِنْدَنَا.
فَقُلْتُ: هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مِن غَيْرِكَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَجَاءهُ بَعْضُ قَرَابَتِه، فَأَعطَاهُ دِرْهَمَيْنِ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَبَعَثَ إِلَى البَقَّالِ، فَأَعطَاهُ نِصْفَ دِرْهَمٍ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ هِلاَلٍ، قَالَ: جِئْتُ أَحْمَدَ، فَأَعطَانِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ.
وَقَالَ هَارُوْنُ المُسْتَمْلِي: لَقِيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ.فَأَعطَانِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: مَا عِنْدَنَا غَيْرُهَا.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ وَهبَ لِرَجُلٍ قَمِيصَه، وَقَالَ: رُبَّمَا وَاسَى مِنْ قُوْتِهِ.
وَكَانَ إِذَا جَاءهُ أَمرٌ يَهمُّه مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا، لَمْ يُفطِرْ وَوَاصلَ.
وجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الضَّرِيْرُ، وَكَانَ قَالَ قَصِيدَةً فِي ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَشَكَى إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، مَا عِنْدَنَا إِلاَّ هَذَا الجَذَعُ.
فَجِيْءَ بِحَمَّالٍ، قَالَ: فَبِعْتُه بِتِسعَةِ دَرَاهِمَ وَدَانِقَيْنِ.
وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَدِيدَ الحَيَاءِ، كَرِيْمَ الأَخْلاَقِ، يُعجِبُه السَّخَاءُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا الفَوَارِسِ سَاكَنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: يَا مُحَمَّدُ، أَلقَى الصَّبِيُّ المِقرَاضَ فِي البِئرِ.
فَنَزَلتُ، فَأَخرَجْتُه.
فَكَتَبَ لِي إِلَى البَقَّالِ: أَعطِه نِصْفَ دِرْهَمٍ.
قُلْتُ: هَذَا لاَ يَسْوَى قِيرَاطاً، وَاللهِ لاَ أَخَذتُه.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، دَعَانِي، فَقَالَ: كَمْ عَلَيْكَ مِنَ الكِرَاءِ؟
فَقُلْتُ: ثَلاَثَةُ أَشهرٍ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ: فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَلبَابِ وَالعِلْمِ، هَلْ تَجدُوْنَ أَحَداً بَلَغَكم عَنْهُ هَذِهِ الأَخْلاَقُ؟!!
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَهْلِ بنِ المُغِيْرَةِ، قَالَ: كُنَّا عِنْد عَفَّانَ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهم، وَصَنَعَ لَهُم عَفَّانُ حَمَلاً وَفَالُوْذَجَ، فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدَّمُوا، إِلاَّ الفَالُوذَجَ.
فَسَأَلْتُه، فَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: هُوَ أَرفَعُ الطَّعَامِ فَلاَ يَأْكلُه.
وَفِي حِكَايَةٍ أُخرَى: فَأَكَلَ لُقمَةَ فَالُوْذَجَ.
وَعَنِ ابْنِ صُبْحٍ، قَالَ: حَضَرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَى طَعَامٍ، فَجَاءوا بِأَرُزٍّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: نِعْمَ الطَّعَامُ، إِنْ أُكلَ فِي أَوِّلِ الطَّعَامِ أَشْبَعَ، وَإِنْ
أُكِلَ فِي آخرِهِ هُضِمَ.وَنُقِلَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِجَابَةُ غَيْرِ دَعْوَةٍ.
قَالَ حَمْدَانُ بنُ عَلِيٍّ: لَمْ يَكُنْ لِباسُ أَحْمَدَ بذَاكَ، إِلاَّ أَنَّهُ قُطْنٌ نَظِيْفٌ.
وَقَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصَيْنِ وَجُبَّةً مُلَوَّنَةً بَينَهُمَا، وَرُبَّمَا قَمِيصاً وَفَرْواً ثَقيلاً، وَرَأَيْتُه عَلَيْهِ عِمَامَةٌ فَوْقَ القَلَنْسُوَةِ، وَكِسَاءً ثَقِيْلاً.
فَسَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الوَرْكَانِيَّ يَقُوْلُ لَهُ يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا اللِّباسُ كُلُّه؟
فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَقِيقٌ فِي البَردِ، وَرُبَّمَا لَبسَ القَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةٍ.
قَالَ الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي الصَّيْفِ قَمِيصاً وَسَرَاوِيلَ وَرِدَاءً، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَّشحُ فَوْقَ القَمِيصِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَيْمُوْنِيُّ:
مَا رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ طَيْلسَانُ قَطُّ، وَلاَ رِدَاءٌ، إِنَّمَا هُوَ إِزَارٌ صَغِيْرٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كُنْتُ أَرَى أَزرَارَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَحلُولَةً، وَرَأَيْتُ عَلَيْهِ مِنَ النِّعَالِ وَمِنَ الخِفَافِ غَيْرَ زَوجٍ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِ مُخَضَّراً وَلاَ شَيْئاً لَهُ قِبَالاَنِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ نَعْلَيْنِ حَمرَاوَينِ لَهُمَا قِبالٌ وَاحِدٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثَهُم فِي آدَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لاَ يَجْهَلُ، وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ، حَلُمَ
وَاحتَمَلَ، وَيَقُوْلُ: يَكفِي اللهُ.وَلَمْ يَكُنْ بِالحَقُودِ وَلاَ العَجُولِ، كَثِيْرَ التَّوَاضُعِ، حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، لَيِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ، وَكَانَ يُحِبُّ فِي اللهِ، وَيُبَغِضُ فِي اللهِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَمرٍ مِنَ الدِّينِ، اشتَدَّ لَهُ غَضبُهُ، وَكَانَ يَحتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجِيْرَانِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: صَلَّيْتُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ العَصرَ، فَصَلَّى مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بنُ سَعِيْدٍ الخُتَّلِيُّ، وَكَانَ يَعْرِفُه بِالسُّنَّةِ، فَقَعَدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَبقيتُ أَنَا وَهُوَ وَالخُتَّلِيُّ فِي المَسْجَدِ مَا مَعَنَا رَابِعٌ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: نَهيْتَ عَنْ زَيْدِ بنِ خَلَفٍ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ؟
قَالَ: كتبَ إِلَيَّ أَهْلُ الثَّغْرِ يَسْأَلُوْنِي عَنِ أمرِه، فكتبتُ إِلَيْهِم، فَأَخبرتُهُم بِمَذْهَبِه وَمَا أحْدَثَ، وَأَمرتُهُم أَنْ لاَ يُجَالِسوهُ، فَاندفعَ الخُتَّلِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَرُدَّنَّكَ إِلَى مَحبسِك، وَلأَدُقَّنَّ أضلاعَكَ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ: لاَ تُكَلِّمْه وَلاَ تُجِبْه.
وَأخذَ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَعْلَيه، وَقَامَ، فَدَخَلَ، وَقَالَ: مُرِ السُّكَانَ أَنْ لاَ يُكلِّمُوهُ وَلاَ يَردُّوا عَلَيْهِ.
فَمَا زَالَ يَصيحُ، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، ذهبَ هَذَا الخُتَّلِيُّ إِلَى شُعَيْبٍ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ عَلَى قَضَاءِ بَغْدَادَ، وَكَانَتْ لَهُ فِي يَدَيْهِ وَصِيَّةٌ، فَسَأَله عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ شُعَيْبٌ: يَا عَدُوَّ اللهِ، وَثبْتَ عَلَى أَحْمَدَ بِالأمسِ، ثُمَّ جِئْتَ تَطلُبُ الوَصيَّةَ، إِنَّمَا أَرَدْتَ أَنْ تَتقرَّبَ إِلَيَّ بِذَا.
فَزبَرَه، ثُمَّ أَقَامَه، فَخَرَجَ بَعْدُ إِلَى حِسْبَةِ العَسْكَرِ.
وَسردَ الخَلاَّلُ حِكَايَاتٍ فِيْمَنْ أَهدَى شَيْئاً إِلَى أَحْمَدَ، فَأَثَابَه بِأَكْثَرَ مِنْ هَدِيَّتِه.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرِ بنِ حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ الجُنَيْدِ، عَنْ هَارُوْنَ بنِ سُفْيَانَ المُسْتَمْلِي، قَالَ:
جِئْتُ إِلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ حِيْنَ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي جَاءتْه مِنَ المُتَوَكِّلِ، فَأَعطَانِي
مائَتَي دِرْهَمٍ، فَقُلْتُ: لاَ تَكفِينِي.قَالَ: لَيْسَ هُنَا غَيْرُهَا، وَلَكِن هُوَ ذَا، أَعملُ بِكَ شَيْئاً، أُعطيكَ ثَلاَثَ مائَةٍ تُفرِّقهَا.
قَالَ: فَلَمَّا أَخَذتُهَا، قُلْتُ: لَيْسَ -وَاللهِ- أُعْطِي أَحَداً مِنْهَا شَيْئاً، فَتَبَسَّمَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَبِي دَخَلَ الحَمَّامَ قَطُّ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ لَمَّا ضُرِبَ وَبرِئَ، وَكَانَتْ يَدُه وَجِعَةً مِمَّا علقَ، وَكَانَتْ تضربُ عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا لَهُ الحَمَّامَ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَبِي: يَا أَبَا يُوْسُفَ، كَلِّمْ صَاحِبَ الحَمَّامِ يُخْلِيهِ لِي.
فَفَعَلَ، ثُمَّ امتنعَ، وَقَالَ: مَا أُرِيْدُ أَن أَدْخُلَ الحَمَّامَ.
زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي كَثِيْراً يَتلُو سُوْرَةَ الكهفِ، وَكَثِيْراً مَا كُنْتُ أَسْمَعُه يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
وحَدَّثَنَا عَنْ يُوْنُسَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِحَدِيْثِ مَعُونَةَ فِي البَلاَءِ: اللَّهُمَّ رَضِينَا، اللَّهُمَّ رَضِينَا.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقومُ لوِردِه قَرِيْباً مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ حَتَّى يُقَارِبَ السَّحَرَ، وَرَأَيْتُه يَركعُ فِيْمَا بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعشَاءِ.وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: رُبَّمَا سَمِعْتُ أَبِي فِي السَّحَرِ يَدعُو لأَقوامٍ بِأَسمَائِهِم، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَيُخفِيه، وَيُصَلِّي بَيْنَ العِشَاءيْنِ، فَإِذَا صَلَّى عشَاءَ الآخِرَةِ، رَكعَ رَكَعَاتٍ صَالِحَةً، ثُمَّ يُوترُ، وَينَامُ نومَةً خَفِيْفَةً، ثُمَّ يَقومُ فيُصَلِّي.
وَكَانَتْ قِرَاءتُه ليِّنَةً، رُبَّمَا لَمْ أَفهَمْ بَعْضَهَا، وَكَانَ يَصُوْمُ وَيُدمِنُ، ثُمَّ يُفطرُ مَا شَاءَ اللهُ، وَلاَ يتركُ صومَ الاثْنَيْنِ وَالخَمِيْسِ وَأَيَّامِ البِيْضِ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ العَسْكَرِ، أَدمنَ الصَّوْمَ إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
حَجَجْتُ عَلَى قَدَمِي حَجَّتينِ، وَكَفَانِي إِلَى مَكَّةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَماً.
تَرْكُهُ لِلْجهَاتِ جُمْلَةً:
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى؛ خَادِمِ المُزَنِيِّ، عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى الرَّشِيْدِ، قَالَ: اليَمَنُ يَحْتَاجُ إِلَى حَاكِمٍ، فَانْظُرْ رَجُلاً نُوَلِّيْهِ.
فَلَمَّا رَجَعَ الشَّافِعِيُّ إِلَى مَجْلِسِهِ، وَرَأَى أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ مِنْ أَمثَلِهِم، كَلَّمَه فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: تَهَيَّأْ حَتَّى أُدْخِلَكَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.فَقَالَ: إِنَّمَا جِئْتُ لأَقتَبِسَ مِنْكَ العِلْمَ، وَتَأْمُرُنِي أَنْ أَدْخُلَ فِي القَضَاءِ!
وَوبَّخَهُ، فَاسْتَحْيَا الشَّافِعِيُّ.
قُلْتُ: إِسْنَادُه مُظلِمٌ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: قِيْلَ: كَانَ هَذَا فِي زَمَانِ الأَمِيْنِ.
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ القَادِر بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيْزِ، أَخْبَرَنَا الخَلاَّلُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، قَالَ:
أُخبِرْتُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ -يَعْنِي مُحَمَّداً- سَأَلَنِي أَنَّ أَلتَمِسَ لَهُ قَاضِياً لِليَمَنِ، وَأَنْت تُحِبُّ الخُرُوجَ إِلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، فَقَدْ نِلتَ حَاجَتَكَ، وَتَقْضِي بِالْحَقِّ.
فَقَالَ لِلشَّافِعِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْكَ ثَانيَةً، لَمْ تَرَنِي عِنْدَكَ.
فَظننتُ أَنَّهُ كَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، أَوْ سَبْعاً وَعِشْرِيْنَ.
الصَّنْدَلِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَلْخِيُّ:
أَنَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ كَثِيْراً عِنْدَ مُحَمَّدِ ابْنِ زُبَيْدَةَ -يَعْنِي: الأَمِيْنَ- فَذَكَرَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْماً اغتمَامَه بِرجلٍ يَصلُحُ لِلْقَضَاءِ صَاحِبِ سُنَّةٍ.
قَالَ: قَدْ وَجدتَ.
قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟
فَذَكَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَلَقِيَهُ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَخْمِلْ هَذَا، وَاعفنِي، وَإِلاَّ خَرَجتُ مِنَ البَلدِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كتبَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه:
إِنَّ الأَمِيْرَ عَبْدَ اللهِ بنَ طَاهِرٍ وَجَّهَ إِلَيَّ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَفِي يَدِي كِتَابُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قُلْتُ: كِتَابُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَأَخذَه وَقرَأهُ، وَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّه،
وَأُحِبُّ حَمْزَةَ بنَ الهَيْصَمِ البُوْشَنْجِيَّ؛ لأَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَلِطَا بِأَمرِ السُّلْطَانِ.قَالَ: فَأمسكَ أَبِي عَنْ مُكَاتِبَةِ إِسْحَاقَ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيَّ يَقُوْلُ:
قَدمتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَعَلَ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقُلْتُ:
يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنهُ يُكتبُ عَنِّي بِخُرَاسَانَ، وَإِنْ عَامَلتَنِي هَذِهِ المُعَامَلَةَ، رَمَوْا حَدِيْثِي.
قَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَلْ بُدٌّ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ وَأَتْبَاعُه؟ فَانْظُرْ أَيْنَ تَكُوْنُ مِنْهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّالْقَانِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ طَارِقٍ البَغْدَادِيَّ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: أَسْتمِدُّ مِن مِحْبَرَتِكَ.
فَنَظَر إِلَيَّ، وَقَالَ: لَمْ يَبلغْ وَرعِي وَرعَكَ هَذَا، وَتَبَسَّمَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الرَّجُلُ يُقَالُ فِي وَجْهِهِ: أَحببتَ السُّنَّةَ.
قَالَ: هَذَا فَسَادٌ لِقَلبِهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ خُرَاسَانِيٌّ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي رَأَيْتُكَ.
قَالَ: اقعُدْ، أَيُّ شَيْءٍ ذَا؟ مَنْ أَنَا؟
وَعَنْ رَجُلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ أَثرَ الغَمِّ فِي وَجْهِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَدْ أَثنَى عَلَيْهِ شَخصٌ، وَقِيْلَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلاَمِ خَيْراً.
قَالَ: بَلْ جَزَى اللهُ الإِسْلاَمَ عَنِّي خَيْراً، مَنْ أَنَا؟ وَمَا أَنَا؟!
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ:
مَسحتُ يَدِي عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَنْظُرُ، فَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَنفُضُ يَدَه، وَيَقُوْلُ: عَمَّنْ أَخذتُم هَذَا؟
وَقَالَ خَطَّابُ بنُ بِشْرٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الوَرَعِ، فَتَبَيَّنَ
الاغتمَامُ عَلَيْهِ إِزرَاءً عَلَى نَفْسِهِ.وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكرَ أَخْلاَقَ الوَرِعينَ، فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَمقُتَنَا، أَيْنَ نَحْنُ مِنْ هَؤُلاَءِ؟!!
فَقَالَ الأَبَّارُ: سَمِعْتُ رَجُلاً سَألَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَلفتُ بِيَمِيْنٍ لاَ أَدرِي أَيْشٍ هِيَ؟
فَقَالَ: لَيتَكَ إِذَا دَرَيْتَ، دَرَيْتُ أَنَا.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُجيبُ فِي العُرسِ وَالخِتَانِ، وَيَأْكُلُ.
وَذَكرَ غَيْرُه: أَنَّ أَحْمَدَ رُبَّمَا اسْتَعفَى مِنَ الإِجَابَةِ.
وَكَانَ إِنْ رَأَى إِنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ مُنْكَراً، خَرَجَ.
وَكَانَ يُحِبُّ الخمُوْلَ وَالانزوَاءَ عَنِ النَّاسِ، وَيَعُودُ المريضَ، وَكَانَ يَكْرَهُ المشْيَ فِي الأَسواقِ، وَيُؤثِرُ الوَحدَةَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُ فَتْحَ بنَ نُوْحٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَشتهِي مَا لاَ يَكُوْنُ، أَشْتَهِي مَكَاناً لاَ يَكُوْنُ فِيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ: رَأَيْتُ الخَلوَةَ أَروحَ لِقَلْبِي.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ:
قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي أَنَا قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ: رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا مَشَى فِي الطَّرِيْقِ، يَكْرَهُ أَنْ يَتبعَه أَحَدٌ.
قُلْتُ: إِيثَارُ الخُمُوْلِ وَالتَّوَاضُعِ وَكَثْرَةُ الوَجَلِ مِنْ عَلاَمَاتِ التَّقْوَى وَالفَلاَحِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، يَقُوْلُ: الأَعْمَالُ بِخَوَاتيمِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:وَدِدْتُ أَنِّي نَجَوتُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافاً، لاَ عَلِيَّ وَلاَ لِيَ.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَدْخلتُ إِبْرَاهِيْمَ الحُصْرِيَّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ - وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً - فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي رَأَتْ لَكَ مَنَاماً، هُوَ كَذَا وَكَذَا، وَذَكَرَتِ الجَنَّةَ.
فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنَّ سَهْلَ بنَ سَلاَمَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبرُونَه بِمِثلِ هَذَا، وَخَرَجَ إِلَى سَفكِ الدِّمَاءِ، وَقَالَ: الرُّؤيَا تَسُرُّ المُؤْمِنَ وَلاَ تَغُرُّهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: بَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي مَرَضِ المَوْتِ دَماً عَبِيطاً، فَأَرَيْتُه الطَّبِيْبَ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الغَمُّ - أَوِ الخَوْفُ - جَوفَه.
وَرُوِيَ عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحَ مَنْ رَبُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ، وَنَبِيُّهُ يُطَالِبُهُ بِأَدَاءِ السُّنَّةِ، وَالمَلَكَانِ يَطْلُبَانِهِ بِتَصْحِيْحِ العَمَلِ، وَنَفْسُهُ تُطَالِبُهُ بِهَوَاهَا، وَإِبْلِيْسُ يُطَالِبُهُ بِالفَحْشَاءِ، وَمَلَكُ المَوْتِ يُرَاقِبُ قَبْضَ رُوْحِهِ، وَعِيَالُهُ يُطَالِبُوْنَهُ بِالنَّفَقَةِ؟!
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
مَرَرْتُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِي، فَاسْتقبلَتْنَا امْرَأَةٌ بِيَدِهَا طُنُبورٌ، فَأَخَذْتُه، فَكَسَرتُه، وَجَعَلتُ أَدُوسُه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ وَاقفٌ مُنَكِّسُ الرَّأْسِ.
فَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً، وَانتشرَ أَمرُ الطُّنبورِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا عَلِمتُ أَنَّكَ كَسرتَ طُنُبوراً إِلَى السَّاعَةِ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي القَاضِي مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيْسَ الشَّافِعِيُّ:
قَالَ لِي أَحْمَدُ: أَبوكَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِيْنَ أَدعُو لَهُم سَحَراً.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ تَوَارَى مِنَ السُّلْطَانِ عِنْدِي ... ، وَذَكَرَ مِنْ اجْتِهَادِه فِي العِبَادَةِ أَمراً عَجباً.
قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَقوَى مَعَهُ عَلَى العِبَادَةِ، وَأَفْطَرَ يَوْماً وَاحِداً، وَاحْتَجَمَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ أَبِي طَالِبٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ شَمَّاسٍ، قَالَ:كُنْتُ أَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ وَهُوَ غُلاَمٌ، وَهُوَ يُحْيِي اللَّيْلَ.
قَالَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ رَجَاءَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو زُرْعَةَ نَزَلَ عِنْدَ أَبِي، فَكَانَ كَثِيْرَ المُذَاكرَةِ لَهُ؛ فَسَمِعْتُ أَبِي يَوْماً يَقُوْلُ: مَا صَلَّيْتُ اليَوْمَ غَيْرَ الفَرِيْضَةِ، اسْتَأثرتُ بِمُذَاكَرَةِ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى نَوَافلِي.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ فِي دِهلِيزنَا دُكَّانُ، إِذَا جَاءَ مَنْ يُرِيْدُ أَبِي أَنْ يَخلُوَ مَعَهُ، أَجْلَسَهُ ثَمَّ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ، أَخذَ بَعْضَادَتَيِ البَابِ، وَكَلَّمَهُ.
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، جَاءَ إِنْسَانٌ فَقَالَ لِي: قُلْ: أَبُو إِبْرَاهِيْمَ السَّائِحُ.
قَالَ: فَقَالَ أَبِي: سَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ.
فَسلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا إِبْرَاهِيْمَ.
قَالَ: خَرَجتُ إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَصَابتَنِي عِلَّةٌ، فَقُلْتُ: لَوْ تَقرَّبتُ إِلَى الدَّيرِ، لَعَلَّ مَنْ فِيْهِ مِنَ الرُّهبَانِ يُدَاوينِي.
فَإذَا بِسَبُعٍ عَظِيْمٍ يَقصِدُنِي، فَاحتَمَلنِي عَلَى ظَهْرِه حَتَّى أَلقَانِي عِنْدَ الدَّيرِ، فَشَاهَدَ الرُّهبَانُ ذَلِكَ، فَأَسْلَمُوا كُلُّهُم، وَهُمْ أَرْبَعُ مائَةٍ.
ثُمَّ قَالَ لأَبِي: حَدِّثْنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، حُجَّ.
فَانتبهتُ، وَجَعَلتُ فِي المِزْوَدِ فتيتاً، وَقَصدتُ نَحْوَ الكُوْفَةِ، فَلَمَّا تَقَضَّى بَعْضُ النَّهَارِ، إِذَا أَنَا بِالْكُوْفَةِ، فَدَخَلْتُ الجَامِعَ، فَإذَا أَنَا بِشَابٍّ حَسَنِ الوَجْهِ، طَيِّبِ الرِّيْحِ.
فَسلَّمتُ وَكَبَّرتُ، فَلَمَّا فَرَغتُ مِنْ صَلاَتِي، قُلْتُ: هَلْ بَقِيَ مَنْ يَخرجُ إِلَى الحَجِّ؟
فَقَالَ: انتظِرْ حَتَّى يَجِيءَ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِنَا، فَإذَا أَنَا بِرجلٍ فِي مِثْلِ حَالِي.
فَلَمْ نَزَلْ نَسِيْرُ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي مَعِي: رَحِمَكَ اللهُ، ارْفُقْ بِنَا.
فَقَالَ الشَّابُّ: إِنْ كَانَ مَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَسَوفَ يُرْفقُ بِنَا.
فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ الخَضِرُ، فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: هَلْ لَكَ فِي الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: كُلْ مِمَّا
تَعرِفُ، وَآكلُ مِمَّا أَعْرِفُ.فَلَمَّا أَكَلنَا، غَابَ الشَّابُّ، ثُمَّ كَانَ يَرْجِعُ بَعْدَ فَرَاغِنَا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثٍ، إِذَا نَحْنُ بِمَكَّةَ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ.
قَالَ القَاضِي أَبُو يَعْلَى: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ أَبِي إِسْحَاقَ بنِ شَاقْلاَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الرَّزَّازُ - جَارُنَا - سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ المَوْلَى، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ ... ، فَذَكَرَهَا.
فَلَعَلَّهَا مِنْ وَضْعِ الرَّزَّازِ.
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ المُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الصَّفَّارُ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللهَ لَنَا.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّكَ لَنَا عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا نُحِبُّ، فَاجعَلْنَا لَكَ عَلَى مَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ إِنَا نَسأَلُكَ بِالقدرَةِ الَّتِي قُلْتَ لِلسَّموَاتِ وَالأرضِ: {ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قَالَتَا: أَتَيْنَا طَائِعِيْنَ} [فُصِّلَت: 11] ، اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِمرضَاتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوْذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ إِلاَّ إِلَيْكَ، وَمِنَ الذُّلِّ إِلاَّ لَكَ.
رُوَاتُهَا أَئِمَّةٌ إِلَى الصَّفَّارِ، وَلاَ أَعرِفُه.
وَهِيَ مُنْكَرَةٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ، عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُبَشِّرٍ، سَمِعْتُ الرَّمَادِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ - وَذَكَرَ أَحْمَدَ، فَدَمَعَتْ عَينُه - وَقَالَ:
قَدِمَ وَبَلَغَنِي أَنَّ نَفَقَتَهُ نَفِدَتْ، فَأَخَذتُ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ، وَعَرَضتُهَا عَلَيْهِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ قَبِلتُ شَيْئاً مِنَ النَّاسِ، قَبِلتُ مِنْكَ، وَلَمْ يَقبلْ مِنِّي شَيْئاً.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي أَبُو غَالِبٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ،
قَالَ: جَاءتَنِي حُسْنُ، فَقَالَتْ: قَدْ جَاءَ رَجُلٌ بِتِلِّيسَةٍ فِيْهَا فَاكِهَةٌ يَابسَةٌ، وَبِكِتَابٍ.فَقُمْتُ، فَقَرَأْتُ الكِتَابَ، فَإِذَا فِيْهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَبضَعتُ لَكَ بِضَاعَةً إِلَى سَمَرْقَنْدَ، فَرَبِحتُ، فَبَعَثتُ بِذَلِكَ إِلَيْكَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَفَاكهَةً أَنَا لَقطتُهَا مِنْ بُستَانِي وَرِثتُه مِنْ أَبِي.
قَالَ: فَجَمَعتُ الصِّبْيَانَ، وَدَخلنَا، فَبكيتُ، وَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، مَا تَرِقُّ لِي مِنْ أَكلِ الزَّكَاةِ؟
ثُمَّ كَشفَ عَنْ رَأْسِ الصِّبْيَةِ، وَبَكَيْتُ.
فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمتَ؟ دَعْ حَتَّى أَسْتخيرَ اللهَ اللَّيْلَةَ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، قَالَ: اسْتخرتُ اللهَ، فَعَزمَ لِي أَنْ لاَ آخُذُهَا.
وَفَتحَ التَّلِّيسَةَ، فَفَرَّقهَا عَلَى الصِّبْيَانِ، وَكَانَ عِنْدَهُ ثَوْبٌ عُشَارِيٌّ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى الرَّجُلِ، وَرَدَّ المَالَ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ:
مَرضَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَعَادَهُ النَّاسُ -يَعْنِي: قَبْلَ المائَتَيْنِ- وَعَادَه عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، فَتَركَ عِنْدَ رَأْسِه صُرَّةً، فَقُلْتُ لَهُ عَنْهَا، فَقَالَ:
مَا رَأَيْتُ، اذهبْ فَرُدَّهَا إِلَيْهِ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى أَحْمَدُ بنُ يَعْقُوْبَ، حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، قَالَتْ:
وَقَعَ الحَرِيْقُ فِي بَيْتِ أَخِي صَالِحٍ، وَكَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِفَتِيَّةٍ، فَحَمَلُوا إِلَيْهِ جِهَازاً شَبِيهاً بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ، فَأَكَلَتْه النَّارُ، فَجَعَلَ صَالِحٌ يَقُوْلُ: مَا غَمَّنِي مَا ذَهَبَ إِلاَّ ثَوْبٌ لأَبِي كَانَ يُصَلِّي فِيْهِ أَتَبَرَّكُ بِهِ وَأُصَلِّي فِيْهِ.
قَالَتْ: فَطُفِئَ الحَرِيْقُ، وَدَخَلُوا، فَوَجَدُوا الثَّوْبَ عَلَى سَريرٍ قَدْ أَكلتِ النَّارُ مَا حَوْلَهُ وَسَلِمَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَبَلَغَنِي عَنْ قَاضِي القُضَاةِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيِّ:
أَنَّهُ حَكَى أَنَّ الحَرِيْقَ وَقَعَ فِي دَارِهِم، فَأَحرقَ مَا فِيْهَا إِلاَّ كِتَاباً كَانَ فِيْهِ شَيْءٌ بِخَطِّ الإِمَامِ أَحْمَدَ.
قَالَ: وَلَمَّا وَقَعَ الغَرقُ بِبَغْدَادَ فِي سَنَةِ 554 وَغَرِقتْ
كُتُبِي، سَلِمَ لِي مُجَلَّدٌ فِيْهِ وَرَقتَانِ بِخَطِّ الإِمَامِ.قُلْتُ: وَكَذَا اسْتفَاضَ وَثبتَ أَنَّ الغرقَ الكَائِنَ بَعْدَ العِشْرِيْنَ وَسَبْعِ مائَةٍ بِبَغْدَادَ عَامَ عَلَى مَقَابِرِ مَقْبَرَةِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ المَاءَ دَخَلَ فِي الدِّهلِيزِ عُلُوَّ ذِرَاعٍ، وَوَقَفَ بِقُدرَةِ اللهِ، وَبَقِيتِ الحُصُرُ حَولَ قَبْرِ الإِمَامِ بِغُبارِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً.
أَبُو طَالِبٍ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ مُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدَثٌ، وَمَا فِي وَجْهِهِ طَاقَةٌ، وَهُوَ يُذكَرُ.
وَرَوَى: حَرَمِيُّ بنُ يُوْنُسَ، عَنِ أَبِيْهِ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ أَيَّامَ هُشَيْمٍ وَلَهُ قَدْرٌ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَخَذْنَا هَذَا العِلْمَ بِالذُّلِّ، فَلاَ نَدفعُهُ إِلاَّ بِالذُّلِّ.
مُحَمَّدُ بنُ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شِهَابٍ الإِسْفَرَايِيْنِيُّ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ نَكتبُ فِي طَرِيْقنَا؟ فَقَالَ:
عَلَيْكُم بِهَنَّادٍ، وَبِسُفْيَانَ بنِ وَكِيْعٍ، وَبِمَكَّةَ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَإِيَّاكُم أَنْ تَكْتُبُوا -يَعْنِي: عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ الأَهوَاءِ، قَلِيْلاً وَلاَ كَثِيْراً- عَلَيْكُمُ بِأَصْحَابِ الآثَارِ وَالسُّنَنِ.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: كَتبَ إِلَيَّ الفَتْحُ بنُ شَخْرَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُوْسَى بنَ حِزَامٍ التِّرْمِذِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ أَختلِفُ إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الجَوْزَجَانِيِّ فِي كُتبِ مُحَمَّدٍ، فَاسْتَقبَلَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟
قُلْتُ: إِلَى أَبِي سُلَيْمَانَ.
فَقَالَ: العَجبُ مِنْكُم! تَرَكتمُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيْدَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ أَنَسٍ، وَأَقبَلتُم عَلَى ثَلاَثَةٍ إِلَى أَبِي حَنِيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- أَبُو سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يُوْسُفَ، عَنْهُ!
قَالَ: فَانحدرتُ إِلَى يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:وَاللهِ لَقَدْ أَعطيتُ المَجهودَ مِنْ نَفْسِي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو كَفَافاً.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُسَيَّبِ، سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى الضَّرِيْرَ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: كم يَكفِي الرَّجُلَ مِنَ الحَدِيْثِ حَتَّى يَكُوْنَ مُفتِياً؟ يَكْفِيه مائَةُ أَلْفٍ؟
فَقَالَ: لاَ.
... إِلَى أَنْ قَالَ: فَيَكْفِيه خَمْسُ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: أَرْجُو.
المِحْنَةُ :
قَالَ عَمْرُو بنُ حَكَّامٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ ٍعَبَّاس:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم - مَخَافَةُ النَّاسِ - أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ عَلِمَهُ) .
تَفَرَّدَ بِهِ: عَمْرٌو، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ ابْنُ بِنْتِ شُرَحْبِيْلَ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُم هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُوْلَ بِالحَقِّ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ ) .
غَرِيْبٌ، فَرْدٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَمُعَلَّى بنُ زِيَادٍ - وَهَذَا لَفْظُهُ - عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَحَبُِّ الجِهَادِ إِلَى اللهِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ لإِمَامٍ جَائِرٍ ) .
إِسْحَاقُ بنُ مُوْسَى الخَطْمِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَارِيُّ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَالزَمِ الحَقَّ، يُنْزِلْكَ الحَقُّ مَنَازِلَ أَهْلِ الحَقِّ، يَوْمَ لاَ يُقضَى إِلاَّ بِالْحَقِّ.
وبَإِسْنَادٍ وَاهٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَبَى الحَقُّ أَنْ يَترُكَ لَهُ صَدِيْقاً.
الصَّدعُ بِالْحَقِّ عَظِيْمٌ، يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ وَإِخْلاَصٍ، فَالمُخْلِصُ بِلاَ قُوَّةٍ يَعجِزُ عَنِ القِيَامِ بِهِ، وَالقَوِيُّ بِلاَ إِخلاَصٍ يُخْذَلُ، فَمَنْ قَامَ بِهِمَا كَامِلاً، فَهُوَ صِدِّيْقٌ، وَمَنْ ضَعُفَ، فَلاَ أَقَلَّ مِنَ التَّأَلُّمِ وَالإِنكَارِ بِالقَلْبِ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ إِيْمَانٌ - فَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ -.سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى حَكِيْمِ بنِ حِزَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُوْلَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعُ مِنْهُم ) .
هَكَذَا رَوَاهُ: جَمَاعَةٌ، عَنْ سُفْيَانَ.
وَرَوَاهُ: النَّضْرُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ: عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو، مَرْفُوْعاً.
وَرَوَاهُ: سَيْفُ بنُ هَارُوْنَ، عَنِ الحَسَنِ، فَقَالَ:
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو مَرْفُوْعاً.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي البَخْتَرِيِّ،
عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْراً للهِ فِيْهِ مَقَالٌ، فَلاَ يَقُوْلُ فِيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ؟
فَيَقُوْلُ: مَخَافَةُ النَّاسِ.
فَيَقُوْلُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخَافَ ) .
رَوَاهُ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَخَلاَّدٌ، عَنْهُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوْبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةُ المُضِلُّوْنَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ عَلَيْهِم، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُم إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِيْنَ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفُهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ ) .
الحُسَيْنُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ الفَضْلِ البَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ يَحْيَى المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ
عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (للهِ عِنْدَ إِحْدَاثِ كُلِّ بِدْعَةٍ تَكِيْدُ الإِسْلاَمَ وَلِيٌّ يَذُبُّ عَنْ دِيْنهِ) ... ، الحَدِيْثَ.
هَذَا مَوْضُوْعٌ، مَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ.
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَدِينُهُم قَائِماً فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ قُفْلُ بَابِ الفِتْنَةِ؛ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَانكسرَ البَابُ، قَامَ رُؤُوْسُ الشَّرِّ عَلَى الشَّهِيْدِ عُثْمَانَ حَتَّى ذُبِحَ صَبراً، وَتَفرَّقتِ الكَلِمَةُ، وَتَمَّتْ وَقعَةُ الجَمَلِ، ثُمَّ وَقعَةُ صِفِّيْنَ.
فَظَهَرَتِ الخَوَارِجُ، وَكَفَّرتْ سَادَةَ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتِ الرَّوَافِضُ وَالنَّوَاصِبُ.
وَفِي آخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ ظَهرتِ القَدَرِيَّةُ، ثُمَّ ظَهرتِ المُعْتَزِلَةُ بِالبَصْرَةِ، وَالجَهْمِيَّةُ وَالمُجَسِّمَةُ بِخُرَاسَانَ فِي أَثْنَاء عَصرِ التَّابِعِيْنَ مَعَ ظُهورِ السُّنَّةِ وَأَهْلِهَا إِلَى بَعْدِ المائَتَيْنِ، فَظَهَرَ المَأْمُوْنُ الخَلِيْفَةُ - وَكَانَ ذَكِيّاً مُتَكَلِّماً، لَهُ نَظَرٌ فِي المَعْقُوْلِ - فَاسْتجلَبَ كُتبَ الأوَائِلِ، وَعَرَّبَ حِكمَةَ اليُونَانِ، وَقَامَ فِي ذَلِكَ وَقَعَدَ، وَخَبَّ وَوَضَعَ، وَرَفَعَتِ الجَهْمِيَّةُ وَالمُعْتَزِلَةُ رُؤُوْسَهَا، بَلْ وَالشِّيْعَةُ، فَإنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ.
وَآلَ بِهِ الحَالُ أَنْ حَمَلَ الأُمَّةَ عَلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَامتَحنَ العُلَمَاءَ، فَلَمْ يُمْهَلْ.
وَهَلَكَ لِعَامِه، وَخَلَّى بَعْدَهُ شَرّاً وَبَلاَءً فِي الدِّيْنِ، فَإِنَّ الأُمَّةَ مَا زَالتْ عَلَى أَنَّ القُرْآنَ العَظِيْمَ كَلاَمُ اللهِ -تَعَالَى- وَوَحْيُه وَتَنْزِيْلُه، لاَ يَعْرِفُوْنَ غَيْرَ ذَلِكَ، حَتَّى نَبَغَ لَهُمُ القَوْلُ بِأَنَّهُ كَلاَمُ اللهِ مَخْلُوْقٌ مَجْعُولٌ، وَأنَّه إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى اللهِ -تَعَالَى- إِضَافَةَ تَشرِيفٍ، كَبَيتِ اللهِ، وَنَاقَةِ اللهِ.
فَأَنكرَ ذَلِكَ العُلَمَاءُ.
وَلَمْ تَكُنِ الجَهْمِيَّةُ يَظهرُوْنَ فِي دَوْلَةِ المَهْدِيِّ وَالرَّشِيْدِ وَالأَمِيْنِ، فَلَمَّا وَلِيَ المَأْمُوْنُ، كَانَ مِنْهُم، وَأَظهرَ المَقَالَةَ.
رَوَى: أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ:
أَنَّ الرَّشِيْدَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ بِشْرَ بنَ غِيَاثٍ المَرِيْسِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَلِلِّهِ عَلَيَّ
إِنْ أَظفَرَنِي بِهِ، لأقْتُلَنَّه.قَالَ الدَّوْرَقِيُّ: وَكَانَ مُتَوَارِياً أَيَّامَ الرَّشِيْدِ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّشِيْدُ، ظَهَرَ، وَدَعَا إِلَى الضَّلاَلَةِ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ المَأْمُوْنَ نَظَرَ فِي الكَلاَمِ، وَنَاظَرَ، وَبَقِيَ مُتوقِّفاً فِي الدُّعَاءِ إِلَى بِدعَتِهِ.
قَالَ أَبُو الفَرَجِ بنُ الجَوْزِيِّ: خَالَطَه قَوْمٌ مِنَ المُعْتَزِلَةِ، فَحَسَّنُوا لَهُ القَوْلَ بِخَلقِ القُرْآنِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ وَيُرَاقبُ بَقَايَا الشُّيُوْخِ، ثُمَّ قَوِيَ عَزْمُه، وَامتَحَنَ النَّاسَ.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحِيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَنِي الحَسَنُ بنُ شَاذَانَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَكْثَمَ، قَالَ:
قَالَ لَنَا المَأْمُوْنَ: لَوْلاَ مَكَانُ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، لأَظهرتُ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِه: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَمَنْ يَزِيْدُ حَتَّى يُتَّقَى؟
فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنِي أَخَافُ إِنْ أَظْهَرتُهُ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، يَخْتلِفُ النَّاسُ، وَتَكُوْنُ فِتْنَةٌ، وَأَنَا أَكرهُ الفِتْنَةَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَنَا أَخْبُرُ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ لَهُ: نَعَمْ.
فَخَرَجَ إِلَى وَاسِطَ، فَجَاءَ إِلَى يَزِيْدَ، وَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنِّي أُرِيْدُ أَن أُظْهِر خَلقَ القُرْآنِ.
فَقَالَ: كَذبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ لاَ يَحمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَاقعُدْ، فَإذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي المَجْلِسِ، فَقُلْ.
قَالَ: فَلَمَّا أَنْ كَانَ الغَدُ، اجْتَمَعُوا، فَقَامَ، فَقَالَ كَمَقَالتِه.
فَقَالَ يَزِيْدُ: كَذَبتَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه لاَ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى مَا لاَ يَعْرِفُوْنَهُ وَمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
قَالَ: فَقَدِمَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، كُنْتَ أَعْلَمَ، وَقَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَيْحَكَ يُلْعبُ بِكَ!!
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:لَمَّا دَخلنَا عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، قَرَأَ عَلَيْنَا كِتَابَ الَّذِي صَارَ إِلَى طَرَسُوْسَ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ- فَكَانَ فِيْمَا قُرِئَ عَلَيْنَا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى: 11] : {وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأَنعَامُ: 102] .
فَقُلْتُ: {وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} .
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ امْتُحِنَ القَوْمُ، وَوُجِّهَ بِمَنْ امتنعَ إِلَى الحَبْسِ، فَأجَابَ القَوْمُ جَمِيْعاً غَيْرَ أَرْبَعَةٍ: أَبِي، وَمُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، وَالقَوَارِيْرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ حَمَّادٍ سَجَّادَةَ.
ثُمَّ أَجَابَ هَذَانِ، وَبَقِيَ أَبِي وَمُحَمَّدٌ فِي الحَبْسِ أَيَّاماً، ثُمَّ جَاءَ كِتَابٌ مِنْ طَرَسُوْسَ بِحَمْلهِمَا مُقَيَّدَيْنِ زَمِيلَينِ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ القَطِيْعِيُّ، قَالَ:
لَمَّا أُحْضِرنَا إِلَى دَارِ السُّلْطَانِ أَيَّامَ المِحْنَةِ، وَكَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قد أحْضِرَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ يُجِيْبُوْنَ، وَكَانَ رَجُلاً لَيِّناً، فَانتفَخَتْ أَوْدَاجُه، وَاحْمرَّتْ عَينَاهُ، وَذَهَبَ ذَلِكَ اللِّيْنُ.
فَقُلْتُ: إِنَّه قَدْ غَضِبَ للهِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:
كَانَ مِن أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ إِذَا أُرِيدَ عَلَى شَيْءٍ مِن أَمرِ دِينِه، رَأَيْتَ حَمَالِيْقَ عَيْنَيْهِ فِي رَأْسهِ تَدُورُ كَأنَّه مَجنُوْنٌ.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ القَوَّاسِ: عَنِ الكِنْدِيِّ، أَخْبَرَنَا الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أُسَامَةَ يَقُوْلُ:
حُكِيَ لَنَا أَنَّ أَحْمَدَ قِيْلَ لَهُ أَيَّامَ المِحْنَةِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَوَلاَ تَرَى الحَقَّ كَيْفَ ظَهرَ عَلَيْهِ البَاطِلُ؟
قَالَ: كَلاَّ، إِن ظُهورَ البَاطِلِ عَلَى الحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ القُلُوْبُ مِنَ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ، وَقُلُوْبُنَا بَعْدُ لاَزمَةٌ لِلْحقِّ.
الأَصَمُّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيَّ يَقُوْلُ:
لَمَّا حُمِلَ أَحْمَدُ إِلَى المَأْمُوْنِ، أُخبرتُ، فَعَبَرْتُ الفُرَاتَ، فَإذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الخَانِ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، تَعَنَّيْتَ.فَقُلْتُ: يَا هَذَا، أَنْتَ اليَوْمَ رَأسٌ، وَالنَّاسُ يَقتدُوْنَ بِكَ، فَوَ اللهِ لَئِنْ أَجبتَ إِلَى خَلقِ القُرْآنِ، لَيُجِيْبَنَّ خَلقٌ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تُجِبْ، لَيَمْتَنِعَنَّ خَلْقٌ مِنَ النَّاسِ كَثِيْرٌ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْكَ فَإِنَّك تَمُوتُ، لاَبُدَّ مِنَ المَوْتِ، فَاتَّقِ اللهَ وَلاَ تُجِبْ.
فَجَعَلَ أَحْمَدُ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، أَعِدْ عَلَيَّ.
فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: مَا شَاءَ اللهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: حَدَّثَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
أَوّلُ يَوْمٍ امَتَحَنه إِسْحَاقُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَقعدَ فِي مَسْجِدِه، فَقَالَ لَهُ جَمَاعَةٌ: أَخْبِرْنَا بِمَنْ أَجَابَ.
فَكَأنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ أيْضاً.
قَالَ: فَلَمْ يُجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا - وَالحَمْدُ للهِ -.
ثُمَّ ذَكرَ مَنْ أَجَابَ وَمَنْ وَاتَاهُم عَلَى أَكْثَرِ مَا أَرَادُوا، فَقَالَ: هُوَ مَجْعُولٌ مُحْدَثٌ.
وَامتَحَنَهُم مَرَّةً مَرَّةً، وَامتَحَنَنِي مَرَّتينِ مَرَّتينِ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قُلْتُ: كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَقَامَنِي وَأَجْلَسَنِي فِي نَاحِيَةٍ، ثُمَّ سَأَلهُم، ثُمَّ رَدَّنِي ثَانيَةً، فَسَأَلنِي وَأَخَذَنِي فِي التَّشبيهِ.
فَقُلْتُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشُّورَى:11] .
فَقَالَ لِي: وَمَا السَّمِيعُ البَصِيرُ؟
فَقُلْتُ: هَكَذَا قَالَ تَعَالَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: جَعَلُوا يُذَاكرُوْنَ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِالرَّقَّةِ فِي التَّقِيَّةِ وَمَا رُوِيَ فِيْهَا.
فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُوْنَ بِحَدِيْثِ خَبَّابٍ: (إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ يُنْشَرُ أَحَدُهُمْ بِالمِنْشَارِ، لاَ يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِيْنِهِ ) .
فَأَيِسنَا مِنْهُ.
وَقَالَ: لَسْتُ أُبالِي بِالحَبْسِ، مَا هُوَ وَمَنْزِلِي إِلاَّ وَاحِدٌ، وَلاَ قَتلاً بِالسَّيْفِ، إِنَّمَا أَخَافُ فِتْنَةَ السَّوْطِ.فَسَمِعَهُ بَعْضُ أَهْل الحَبْسِ، فَقَالَ: لاَ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَمَا هُوَ إِلاَّ سَوْطَانِ، ثُمَّ لاَ تَدْرِي أَيْنَ يَقَعُ البَاقِي، فَكَأَنَّهُ سُرِّي عَنْهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُصْعَبٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ صَاحِبُ شُرطَةِ المُعْتَصِمِ خِلاَفَةً لأَخِيهِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً لَمْ يُدَاخِلِ السُّلْطَانَ، وَلاَ خَالَطَ المُلُوْكَ، كَانَ أَثبتَ قَلْباً مِنْ أَحْمَدَ يَوْمَئِذٍ، مَا نَحْنُ فِي عَيْنِهِ إِلاَّ كَأَمثَالِ الذُّبَابِ.
وحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيِّ، أَوْ هُوَ حَدَّثَنِي:
أنَّهُم أَنْفَذوهُ إِلَى أَحْمَدَ فِي مَحبسِه لِيُكَلِّمهُ فِي مَعْنَى التَّقيَّةِ، فَلَعَلَّهُ يُجِيْبُ.
قَالَ: فَصِرْتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرتُ وَهُوَ لاَ يُجِيبنِي.
ثُمَّ قَالَ لِي: مَا قَوْلُكَ اليَوْمَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهوِ؟
وَإِنَّمَا أَرسلُوهُ إِلَى أَحْمَدَ لِلإِلفِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحْمَدَ أَيَّامَ لُزُوْمِهِمُ الشَّافِعِيَّ.
فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِمَّنْ يَتَقَشَّفُ وَيَلْبَسُ الصُّوفَ، وَكَانَ أَحْفَظَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْحَدِيْثِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَبَطَّنَ بِمَذَاهِبِه المَذمُومَةِ.
ثُمَّ لَمْ يُحَدِّثْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا أَنْبَأتُكَ أَنَّهُ حَدَّثَنِي فِي أَوّلِ خِلاَفَةِ الوَاثِقِ، ثُمَّ قَطعَه إِلَى أَنْ مَاتَ، إِلاَّ مَا كَانَ فِي زَمَنِ المُتَوَكِّلِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: حُمِلَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ مِنْ بَغْدَادَ مُقَيَّدَيْنِ، فَصِرنَا مَعَهُمَا إِلَى الأَنْبَارِ.فَسَألَ أَبُو بَكْرٍ الأَحْوَلُ أَبِي: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنْ عُرِضتَ عَلَى السَّيْفِ، تُجيبُ؟
قَالَ: لاَ.
ثُمَّ سُيِّرَا، فَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: صِرنَا إِلَى الرَّحْبَةِ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَعَرَضَ لَنَا رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيُّكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَقِيْلَ لَهُ: هَذَا.
فَقَالَ لِلْجمَّالِ: عَلَى رِسْلكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا هَذَا، مَا عَلَيْكَ أَنْ تُقتلَ هَا هُنَا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟
ثُمَّ قَالَ: أَسْتودِعُكَ اللهَ، وَمَضَى.
فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيْلَ لِي: هَذَا رَجُلٌ مِن العَرَبِ مِنْ رَبِيْعَةَ يَعْمَلُ الشَّعْرَ فِي البَادِيَةِ، يُقَالُ لَهُ: جَابِرُ بنُ عَامِرٍ، يُذكَرُ بِخَيْرٍ.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا سَمِعْتُ كَلِمَةً مُنْذُ وَقعتُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَقوَى مِنْ كَلِمَةِ أَعْرَابِيٍّ كَلَّمنِي بِهَا فِي رَحبَةِ طَوقٍ.
قَالَ: يَا أَحْمَدُ، إِنْ يَقتلْكَ الحَقُّ مُتَّ شَهِيداً، وَإِنْ عِشتَ عِشتَ حَمِيداً.
فَقَوَّى قَلْبِي.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي:
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى أَذَنَةَ، وَرَحَلنَا مِنْهَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَفُتِحَ لَنَا بَابُهَا، إِذَا رَجُلٌ قَدْ دَخَلَ، فَقَالَ: البُشْرَىَ! قَدْ مَاتَ الرَّجُلُ -يَعْنِي: المَأْمُوْنَ-.
قَالَ أَبِي: وَكُنْتُ أَدعُو اللهَ أَنْ لاَ أَرَاهُ.
مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
تَبيّنتُ الإِجَابَةَ فِي دَعْوَتَيْنِ: دَعَوتُ اللهَ أَنْ لاَ يَجمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ المَأْمُوْنِ،
وَدَعَوتُه أَنْ لاَ أَرَى المُتَوَكِّلَ.فلمْ أرَ المَأْمُوْنَ، مَاتَ بِالبَذَنْدُوْنِ، قُلْتُ: وَهُوَ نهرُ الرُّوْمِ.
وَبَقِيَ أَحْمَدُ مَحبوساً بِالرَّقَّةِ حَتَّى بُوْيِعَ المُعْتَصِمُ إِثرَ مَوْتِ أَخِيْهِ، فَرُدَّ أَحْمَدُ إِلَى بَغْدَادَ.
وَأَمَّا المُتَوَكِّلُ فَإِنَّه نَوَّهَ بِذكرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالتمسَ الاجْتِمَاعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ حضَرَ أَحْمَدُ دَارَ الخِلاَفَةِ بِسَامَرَّاءَ لِيُحَدِّثَ وَلَدَ المُتَوَكِّلِ وَيُبرِّك عَلَيْهِ، جلسَ لَهُ المُتَوَكِّلُ فِي طَاقَةٍ، حَتَّى نظرَ هُوَ وَأُمُّهُ مِنْهَا إِلَى أَحْمَدَ، وَلَمْ يَرَهُ أَحْمَدُ.
قَالَ صَالِحٌ: لَمَّا صَدَرَ أَبِي وَمُحَمَّدُ بنُ نُوْحٍ إِلَى طَرَسُوْسَ، رُدَّا فِي أَقيَادِهِمَا.
فَلَمَّا صَارَ إِلَى الرَّقَّةِ، حُمِلا فِي سَفِيْنَةٍ، فَلَمَّا وَصَلاَ إِلَى عَانَةَ، تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ، وَفُكَّ قَيدُه، وَصَلَّى عَلَيْهِ أَبِي.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى حدَاثَةِ سِنِّهِ، وَقدْرِ عِلمِه أقومَ بأمرِ اللهِ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ نُوْحٍ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ قَدْ خُتمَ لَهُ بِخَيْرٍ.
قَالَ لِي ذَاتَ يَوْمٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الله الله، إِنَّكَ لَسْتَ مِثْلِي، أَنْتَ رَجُلٌ يُقْتَدَى بِكَ.
قَدْ مَدَّ الخَلْقُ أعنَاقَهُم إِلَيْكَ، لِمَا يَكُوْنُ مِنْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاثبُتْ لأمرِ اللهِ، أَوْ نَحْوِ هَذَا.
فَمَاتَ، وَصَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَدَفنتُه.
أَظُنُّ قَالَ: بِعَانَةَ.
قَالَ صَالِحٌ: وَصَارَ أَبِي إِلَى بَغْدَادَ مُقَيَّداً، فَمَكَثَ بِاليَاسريَّة أَيَّاماً،
ثُمَّ حُبِسَ فِي دَارٍ اكتُرِيَتْ عِنْد دَارِ عُمَارَةَ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى حَبْسِ العَامَّةِ فِي دَربِ المَوْصِليَّةِ.فَقَالَ: كُنْتُ أُصلِّي بأَهْلِ السجنِ، وَأَنَا مُقَيَّدٌ.
فَلَمَّا كَانَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَ - قُلْتُ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ المَأْمُوْنِ بأَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْراً - حُوِّلتُ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ-.
وَأَمَّا حَنْبَلٌ، فَقَالَ: حُبِسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي دَارِ عُمَارَةَ بِبَغْدَادَ، فِي إِصْطَبْلِ الأَمِيْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ؛ أَخِي إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ فِي حَبْسٍ ضَيِّقٍ، وَمَرِضَ فِي رَمَضَانَ.
ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ قَلِيْلٍ إِلَى سِجْنِ العَامَّةِ، فَمَكَثَ فِي السِّجنِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثِيْنَ شَهْراً.
وَكُنَّا نَأْتِيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ (الإِرْجَاءِ) وَغَيْرَهُ فِي الحَبْسِ، وَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي بِهِم فِي القَيْدِ، فَكَانَ يُخرِجُ رِجْلَهُ مِنْ حَلقَةِ القَيدِ وَقْتَ الصَّلاَةِ وَالنَّومِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: كَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كلَّ يَوْمٍ بِرَجلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، وَالآخرُ أَبُو شُعَيْبٍ الحجَّامُ، فَلاَ يَزَالاَنِ يُنَاظرَانِي، حَتَّى إِذَا قَامَا دُعِيَ بِقَيدٍ، فَزِيدَ فِي قُيُودِي، فَصَارَ فِي رِجْلِيَّ أَرْبَعَةُ أَقيَادٍِ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، دَخَلَ عَلَيَّ، فَنَاظرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ:
مَا تَقُوْلُ فِي عِلْمِ اللهِ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: كَفَرْتَ بِاللهِ.
فَقَالَ الرَّسُوْلُ الَّذِي كَانَ يَحضرُ مِنْ قَبْلِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: إِنَّ هَذَا رَسُوْلُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفرَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ، وَجَّهَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- بِبُغَا الكَبِيْرِ إِلَى إِسْحَاقَ، فَأَمرهُ بِحملِي إِلَيْهِ، فَأُدْخِلتُ عَلَى إِسْحَاقَ، فَقَالَ:
يَا أَحْمَدُ، إِنَّهَا -وَاللهِ- نَفْسُك، إِنَّه لاَ يَقتلُك بِالسَّيْفِ، إٍِنَّهُ قَدْ آلَى - إِنْ لَمْ تُجبْه - أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يَقْتُلكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُرَى فِيْهِ شَمسٌ وَلاَ قمرٌ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {إِنَّا
جَعَلْنَاهُ قُرْآنَا عَرَبِيّاً} [الزُّخْرُفُ: 3] ، أَفيَكُوْنُ مَجعولاً إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟فَقُلْتُ: فَقَدْ قَالَ -تَعَالَى-: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيلُ:5] أَفَخَلَقَهُم؟
قَالَ: فَسَكَتَ.
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى المَوْضِعِ المَعْرُوْفِ بِبَابِ البُسْتَانِ، أُخرجتُ، وَجيءَ بدَابَّةٍ، فَأُرْكبتُ وَعَلَيَّ الأَقيَادُ، مَا مَعِي مَنْ يُمْسِكُنِي، فَكِدتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ القُيودِ.
فَجِيءَ بِي إِلَى دَارِ المُعْتَصِمِ، فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، ثُمَّ أُدخلتُ بَيتاً، وَأُقفلَ البَابُ عَليَّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَلاَ سرَاجَ.
فَأردتُ الوضوءَ، فَمددتُ يَدِي، فَإذَا أَنَا بَإِنَاءٍ فِيْهِ مَاءٌ، وَطسْتٌ مَوْضُوْعٌ، فتوضَّأتُ وَصَلَّيْتُ.
فلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَخْرَجْتُ تِكَّتِي، وَشددتُ بِهَا الأقيَادَ أَحمِلُهَا، وَعَطفتُ سَرَاويلِي.
فَجَاءَ رَسُوْلُ المُعْتَصِمِ، فَقَالَ: أَجبْ.
فَأَخَذَ بِيَدِي، وَأَدخلَنِي عَلَيْهِ، وَالتِّكَّةُ فِي يَدِي، أَحْمِلُ بِهَا الأقيَادَ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ حَاضِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ خَلقاً كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِه.
فَقَالَ لِي المُعْتَصِمُ: ادنُه، ادنُه.
فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اجلسْ.
فَجَلَسْتُ، وَقَد أَثقلتْنِي الأقيَادُ، فَمكثْتُ قَلِيْلاً، ثُمَّ
قُلْتُ: أتَأذنُ فِي الكَلاَمِ؟
قَالَ: تَكَلَّمْ.
فَقُلْتُ: إِلَى مَا دَعَا اللهُ وَرَسُوْلُه؟
فَسَكَتَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.
فَقُلْتُ: فَأَنَا أشهدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ.
ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جدَّك ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْد القيسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنِ الإِيْمَانِ، فَقَالَ: (أَتَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ؟) .
قَالُوا: اللهُ
وَرَسُوْلُه أَعْلَمُ.قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنَّ تُعْطُوا الخُمُسَ مِنَ المَغْنَمِ ) .
قَالَ أَبِي: فَقَالَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ-: لَوْلاَ أَنِّي وَجَدْتُك فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبلِي، مَا عَرَضتُ لَكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ إِسْحَاقَ، أَلَم آمُرْكَ برفعِ المِحْنَةِ؟
فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّ فِي هَذَا لَفَرَجاً لِلْمُسْلِمِيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْه.
فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ فِي عِلمِ اللهِ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ لِي بَعْضُهُم: أَلَيْسَ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرَّعْدُ: 16] وَالقُرْآنُ أَلَيْسَ شَيْئاً؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأَحقَافُ: 25] فَدَمَّرتْ إِلاَّ مَا أَرَادَ اللهُ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: {مَا يَأْتِيْهِم مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأَنْبِيَاءُ: 2] أَفَيَكُوْنُ مُحدَثٌ إِلاَّ مَخْلُوْقاً؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {ص، وَالقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}
، فَالذِّكرُ هُوَ القُرْآنُ، وَتِلْكَ ليسَ فِيْهَا أَلفٌ وَلاَمٌ.
وَذَكرَ بَعْضُهُم حَدِيْثَ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ الذِّكْرَ) ،
فَقُلْتُ: هَذَا خَطأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الذِّكْرَ ) .
وَاحتجُوا بِحَدِيْثِ
ابْنِ مَسْعُوْدٍ: (مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ جَنَّةٍ وَلاَ نَارٍ وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الكُرْسِيِّ ) .فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَعَ الخَلْقُ عَلَى الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالأرضِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَى القُرْآنِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيْث خَبَّابٍ: (يَا هَنَتَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَّربَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِهِ ) .
فَقُلْتُ: هَكَذَا هُوَ.
قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَنْظُرُ إِلَى أَبِي كَالمُغْضَبِ.
قَالَ أَبِي: وَكَانَ يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُم، اعترضَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَيَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ -وَاللهِ- ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدِعٌ!
فَيَقُوْلُ: كَلِّمُوهُ، نَاظِروهُ.
فَيكلِّمُنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيكلُّمنِي هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، فَإذَا انقطَعوا، يَقُوْلُ المُعْتَصِمُ: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ! مَا تَقُوْلُ؟
فَأَقُوْلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ
أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقُوْلَ بِهِ.فَيَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ: أَنْتَ لاَ تَقُوْلُ إِلاَّ مَا فِي الكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ؟
فَقُلْتُ لَهُ: تَأَوَّلتَ تَأويلاً، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، وَمَا تَأَوَّلتُ مَا يُحبَسُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُقَيَّدُ عَلَيْهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدِ احتجُّوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ مَا يَقْوَى قَلْبِي، وَلاَ ينطَلِقُ لِسَانِي أَن أَحكِيَهُ.
أَنكرُوا الآثَارَ، وَمَا ظَنَنتُهُم عَلَى هَذَا حَتَّى سَمِعْتُه، وَجَعَلُوا يُرغُونَ، يَقُوْلُ الخَصْمُ كَذَا وَكَذَا، فَاحتججتُ عَلَيْهِم بِالقُرْآنِ بِقَولِه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ } [مَرْيَمُ: 42] ، أَفَهَذَا مُنكَرٌ عِندكُم؟
فَقَالُوا: شَبَّهَ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، شَبَّهَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا:
أَنَّ أَحْمَدَ بنَ أَبِي دُوَادَ أَقْبَلَ عَلَى أَحْمَدَ يُكَلِّمُهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، حَتَّى قَالَ المُعْتَصِمُ: يَا أَحْمَدُ، أَلاَ تُكَلِّمُ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَقُلْتُ: لَسْتُ أَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فَأُكلِّمَهُ!!
قَالَ صَالِحٌ: وَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَئِنْ أَجَابَكَ، لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَلفِ دِيْنَارٍ، وَمائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، فَيَعُدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَعُدَّ.
فَقَالَ: لَئِنْ أَجَابَنِي لأُطْلِقَكُنَّ عَنْهُ بِيَدِي، وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُندِي، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَهُ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، وَاللهِ إِنِّي عَلَيْكَ لَشَفِيْقٍ، وَإِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ
كَشَفقتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، مَا تَقُوْلُ؟فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، ضَجِرَ، وَقَالَ: قُومُوا، وَحَبَسَنِي -يَعْنِي عِنْدَهُ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ يُكَلِّمُنِي، وَقَالَ: وَيْحَكَ! أَجِبْنِي.
وَقَالَ: وَيْحَكَ! ألَمْ تَكنْ تَأتينَا؟
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَعْرِفُه مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، يَرَى طَاعتَكَ وَالحَجَّ وَالجِهَادَ مَعَكَ.
فَيَقُوْلُ: وَاللهِ إِنَّهُ لَعَالِمٌ، وَإِنَّهُ لَفَقِيْهٌ، وَمَا يَسوءُنِي أَنْ يَكُوْنَ مَعِي يَرُدُّ عَنِّي أَهْلَ المِلَلِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتَ تَعْرِفُ صَالِحاً الرَّشِيْدِيَّ؟
قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُ بِهِ.
قَالَ: كَانَ مُؤَدِّبِي، وَكَانَ فِي ذَلِكَ المَوْضِعِ جَالِساً - وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ - فَسَألنِي عَنِ القُرْآنِ، فَخَالَفَنِي، فَأَمرْتُ بِهِ، فُوُطِئَ وَسُحِبَ! يَا أَحْمَدُ، أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي.
قُلْتُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
فَطَالَ المَجْلِسُ، وَقَامَ، وَرُدِدْتُ إِلَى المَوْضِعِ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَجَّهَ إِلَيَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، يَبِيتَانِ عِنْدِي وَيُنَاظرَانِي وَيُقِيمَانِ مَعِي، حَتَّى إِذَا كَانَ وَقْتُ الإِفطَارِ، جِيْءَ بِالطَّعَامِ، وَيَجتَهِدَانِ بِي أَنْ أُفطِرَ فَلاَ أَفْعَلُ - قُلْتُ: وَكَانَتْ ليَالِيَ رَمَضَانَ -.
قَالَ: وَوجَّهَ المُعْتَصِمُ إِلَيَّ ابْنَ أَبِي دُوَادَ فِي اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ؟
فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْواً مِمَّا كُنْتُ أَرُدُّ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: وَاللهِ
لَقَدْ كَتَبَ اسْمَكَ فِي السَّبْعَةِ: يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ وَغَيْرِهِ، فَمَحَوتُهُ، وَلَقَدْ سَاءنِي أَخذُهُم إِيَّاكَ.ثُمَّ يَقُوْلُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْباً بَعْدَ ضَربٍ، وَأَنْ يُلْقِيَكَ فِي مَوْضِعٍ لاَ تَرَى فِيْهِ الشَّمْسَ.
وَيَقُوْلُ: إِنْ أَجَابَنِي، جِئْتُ إِلَيْهِ حَتَّى أُطْلِقَ عَنْهُ بِيَدِي، ثُمَّ انْصَرَفَ.
فَلَمَّا أَصبَحْنَا، جَاءَ رَسُولُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي حَتَّى ذَهَبَ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: نَاظِرُوهُ، وَكَلِّمُوهُ.
فجعلُوا يُنَاظرُونِي، فَأَردُّ عَلَيْهِم، فَإذَا جَاؤُوا بِشَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ مِمَّا لَيْسَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قُلْتُ: مَا أدرِي مَا هَذَا.
قَالَ: فَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الحجَّةُ عَلَيْنَا، ثَبَتَ، وَإِذَا كَلَّمنَاهُ بِشَيْءٍ، يَقُوْلُ: لاَ أدرِي مَا هَذَا.
فَقَالَ: نَاظِرُوهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَحْمَدُ، أَرَاكَ تَذْكُرُ الحَدِيْثَ وَتنتحلَهُ.
فَقُلْتُ: مَا تَقُوْلُ فِي قَوْلِهِ: {يُوْصِيْكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاءُ: 11] ؟
قَالَ: خصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِيْنَ.
قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ: إِنْ كَانَ قَاتلاً أَوْ عَبداً؟
فَسَكَتَ، وَإِنَّمَا احتججتُ عَلَيْهِم بِهَذَا، لأَنَّهُم كَانُوا يَحتجُّوْنَ بِظَاهِرِ القُرْآنِ.
فحَيْثُ قَالَ لِي: أرَاكَ تَنْتَحلُ الحَدِيْثَ، احتججتُ بِالقُرْآنِ -يَعْنِي: وَإِنَّ السُّنَّةَ خَصَّصَتِ القَاتِلَ وَالعبدَ، فَأَخْرَجَتْهُمَا مِنَ العمومِ-.
قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ إِلَى قُربِ الزَّوَالِ.
فَلَمَّا ضجرَ، قَالَ: قومُوا.
ثُمَّ خَلاَ بِي، وَبعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ، فَلَمْ يَزَلْ يُكلمنِي، ثُمَّ قَامَ وَدَخَلَ، وَرُددتُ إِلَى المَوْضِعِ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قُلْتُ: خليقٌ أَنْ يَحْدُثَ غَداً مِنْ أمرِي
شَيْءٌ، فَقُلْتُ لِلْموكَّلِ بِي: أُرِيْدُ خيطاً.فَجَاءنِي بخيطٍ، فشددتُ بِهِ الأقيَادَ، وَرددتُ التِّكَّةَ إِلَى سَرَاويلِي مَخَافَةَ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ أمرِي شَيْءٌ، فَأتعرَّى.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أُدخلتُ إِلَى الدَّارِ، فَإذَا هِيَ غَاصَّةٌ، فَجَعَلتُ أُدْخَلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيوفُ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَلَمْ يَكُنْ فِي اليَومِيْنِ المَاضيينِ كَبِيْرُ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: اقعدْ.
ثُمَّ قَالَ: نَاظِروهُ، كَلِّمُوهُ.
فَجَعَلُوا يُنَاظرُونِي، يَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَيَتَكَلَّمُ هَذَا، فَأردُّ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ صوتِي يعلُو أصوَاتَهُم.
فَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِي يُوْمئُ إِلَيَّ بِيَدِهِ، فَلَمَّا طَالَ المَجْلِسُ، نَحَّانِي، ثُمَّ خَلاَ بِهِم، ثُمَّ نَحَّاهُم، وَردَّنِي إِلَى عِنْدِهِ، وَقَالَ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجبنِي حَتَّى أُطلقَ عَنْكَ بِيَدِي.
فرددتُ عَلَيْهِ نَحْوَ ردِّي، فَقَالَ: عَلَيْكَ.. - وَذَكَرَ اللَّعنَ - خُذوهُ، اسحبُوهُ، خَلِّعُوهُ.
فسُحبتُ، وَخُلعتُ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كمِّ قَمِيصِي، فَوجَّهَ إِلَيَّ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ: مَا هَذَا المصرورُ؟
قُلْتُ: شَعْرٌ مِنْ شعرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسعَى بَعْضهُم ليخرقَ القمِيصَ عَنِّي.
فَقَالَ المُعْتَصِمُ: لاَ تَخرقُوهُ.
فَنُزعَ، فَظننتُ أَنَّهُ إِنَّمَا دُرِئَ عَنِ القمِيصِ الخَرْقُ بِالشّعرِ.
قَالَ: وَجَلَسَ المُعْتَصِمُ عَلَى كُرْسِيٍّ، ثُمَّ قَالَ: العُقَابَيْنِ وَالسِّيَاطُ.
فَجِيْءَ بِالعقَابينِ، فَمُدَّتْ يَدَايَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ خَلْفِي: خُذْ نَاتِئَ الخَشبتَينِ بِيَديكَ، وَشُدَّ عَلَيْهِمَا.
فلمْ أَفهَمْ مَا قَالَ، فَتخلَّعتْ يَدَاي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: ذَكرُوا أَنَّ المُعْتَصِمَ ألاَنَ فِي أَمرِ أَحْمَدَ لَمَّا علِّقَ فِي العُقَابينِ، وَرَأَى ثبَاتَه وَتصمِيمَه وَصلاَبتَه، حَتَّى أَغرَاهُ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَركتَه، قِيْلَ: قَدْ تركَ مَذْهَبَ المَأْمُوْنِ، وَسَخطَ قَوْلَه.فَهَاجه ذَلِكَ عَلَى ضَربِه.
وَقَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: وَلَمَّا جيءَ بِالسيَاطِ، نظرَ إِلَيْهَا المُعْتَصِمُ، فَقَالَ: ائتُونِي بِغَيْرِهَا.
ثُمَّ قَالَ لِلْجلاَّدِيْنَ: تقدَّمُوا.
فَجَعَلَ يتقدمُ إِلَيَّ الرَّجُلُ مِنْهُم، فيَضْرِبنِي سَوطينِ، فَيَقُوْلُ لَهُ: شُدَّ، قَطعَ اللهُ يدكَ!
ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيتقدمُ آخرُ، فيَضْرِبنِي سوطينِ، وَهُوَ يَقُوْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك!
فَلَمَّا ضُربتُ سَبْعَةَ عَشَرَ سوطاً، قَامَ إِلَيَّ -يَعْنِي: المُعْتَصِمُ- فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، عَلاَمَ تَقتلُ نَفْسَك؟ إِنِّي -وَاللهِ- عَلَيْكَ لَشفيقٌ.
وَجَعَلَ عُجَيْفٌ يَنخَسُنِي بقَائِمَةِ سيفِه، وَقَالَ: أَتُريدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟
وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَقُوْلُ: وَيْلَكَ! إِمَامُكَ عَلَى رَأْسكَ قَائِمٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، دمُه فِي عُنُقِي، اقْتُلْهُ.
وَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي الشَّمْسِ قَائِمٌ!
فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ، مَا تَقُوْلُ؟
فَأَقُوْلُ: أَعطُونِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ أَقُوْلُ بِهِ.
فَرَجَعَ، وَجَلَسَ، وَقَالَ لِلْجلاَّدِ: تقدمْ، وَأوجعْ، قطعَ اللهُ يدَك.
ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ، وَجَعَلَ يَقُوْلُ: وَيْحَك يَا أَحْمَدُ! أَجِبنِي.
فَجَعَلُوا يُقبلُوْنَ عَلَيَّ، وَيَقُوْلُوْنَ: يَا أَحْمَدُ، إِمَامُك عَلَى رَأسكَ قَائِمٌ!
وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: مَنْ صنعَ مِنْ أَصْحَابِك فِي هَذَا الأَمْرِ مَا تَصْنَعُ؟
وَالمُعْتَصِمُ يَقُوْلُ: أَجِبنِي إِلَى شَيْءٍ لَكَ
فِيْهِ أَدنَى فَرَجٍ حَتَّى أُطلِقَ عَنْكَ بِيَدِي.ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لِلْجَلاَّدِ: تقدَّمْ.
فَجَعَلَ يَضْرِبُنِي سَوطينِ، وَيتنحَّى، وَهُوَ فِي خلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُ: شُدَّ، قطعَ اللهُ يدَك.
فَذَهَبَ عَقلِي، ثُمَّ أَفقتُ بَعْدُ، فَإذَا الأقيَادُ قد أطلقتْ عَنِّي.
فَقالَ لِي رَجُلٌ مِمَّن حضَرَ: كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِك، وَطَرحنَا عَلَى ظَهركَ بَارِيَّةً وَدُسنَاكَ!
قَالَ أَبِي : فَمَا شعرتُ بِذَلِكَ، وَأَتَونِي بِسَوِيْقٍ، وَقَالُوا: اشربْ وَتَقَيَّأْ.
فَقُلْتُ: لاَ أُفطِرُ.
ثُمَّ جِيْءَ بِي إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَحضرتُ الظّهرَ، فَتَقَدَّمَ ابْنُ سِمَاعَةَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِه، وَقَالَ لِي: صَلَّيْتَ، وَالدَّمُ يَسيلُ فِي ثَوبِكَ؟
قُلْتُ: قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرحُه يَثعَبُ دَماً.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
وَكَانَ مَكثُه فِي السجنِ مُنْذُ أُخذَ إِلَى أَنْ ضُربَ وَخُلِّيَ عَنْهُ، ثَمَانِيَةً وَعِشْرِيْنَ شَهْراً.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَحَدُ الرَّجلَينِ اللَّذينِ كَانَا مَعَهُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، رَحْمَةُ اللهِ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَاللهِ مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُشبِهُه، وَلَقَدْ جَعَلتُ أَقُوْلُ لَهُ فِي وَقْتِ مَا يُوجَّه إِلَينَا بِالطَّعَامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنْتَ صَائِمٌ، وَأَنْتَ فِي مَوْضِعِ تَفِئَةٍ. وَلَقَدْ
عَطِشَ، فَقَالَ لِصَاحِبِ الشَّرَابِ: نَاوِلْنِي.فَنَاوَلَه قَدَحاً فِيْهِ مَاءٌ وثَلجٌ، فَأَخَذَهُ، وَنظرَ فِيْهِ، ثُمَّ رَدَّهُ، وَلَمْ يشربْ، فَجَعَلتُ أَعْجَبُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى الجُوْعِ وَالعطشِ، وَهُوَ فِيْمَا هُوَ فِيْهِ مِنَ الهولِ.
قَالَ صَالِحٌ: فَكُنْتُ أَلتمسُ وَأَحتَالُ أَنْ أُوصلَ إِلَيْهِ طعَاماً أَوْ رَغيفاً فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، فَلَمْ أَقْدِرْ.
وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ حَضَرَه: أَنَّهُ تَفقَّده فِي الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ وَهُم يُنَاظرونَه، فَمَا لَحَنَ فِي كَلِمَةٍ.
قَالَ: وَمَا ظَننتُ أَنَّ أَحَداً يَكُوْنُ فِي مِثْلِ شَجَاعَتِه وَشِدَّةِ قَلْبِه.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
ذَهبَ عقلِي مِرَاراً، فَكَانَ إِذَا رُفعَ عَنِّي الضَّربُ، رَجعتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَإِذَا اسْترخيتُ وَسقطتُ، رُفِعَ الضَّربُ، أَصَابَنِي ذَلِكَ مِرَاراً.
وَرَأَيْتُه -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- قَاعِداً فِي الشَّمْسِ بِغَيْرِ مِظَلَّةٍ، فَسَمِعْتُه - وَقَد أَفقتُ - يَقُوْلُ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ: لَقَدِ ارتكبتُ إِثْماً فِي أَمرِ هَذَا الرَّجُلِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ -وَاللهِ- كَافِرٌ مُشرِكٌ، قَدْ أَشرَكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
فَلاَ يزَالُ بِهِ حَتَّى يَصرِفَه عَمَّا يُرِيْدُ.
وَقَدْ كَانَ أَرَادَ تَخلِيَتِي بِلاَ ضَربٍ، فَلَمْ يَدعْه، وَلاَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْمَ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ المُعْتَصِمَ قَالَ لاِبْنِ أَبِي دُوَادَ بَعْدَ مَا ضُرِبَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: كَمْ ضُرِبَ؟
قَالَ: أَرْبَعَةً، أَوْ نَيِّفاً وَثَلاَثِيْنَ سَوطاً.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ الزُّهْرِيُّ: قَالَ المَرُّوْذِيُّ:
قُلْتُ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بَيْنَ الهُنْبازِينَ -: يَا أُسْتَاذُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {لاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم} [النِّسَاءُ: 29] .
قَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ، اخرجْ وَانظرْ.
فَخَرَجتُ إِلَى رحبَةِ دَارِ
الخِلاَفَةِ، فَرَأَيْتُ خَلقاً لاَ يُحصيهِم إِلاَّ اللهُ، وَالصُّحفُ فِي أَيديهِم، وَالأقلاَمُ وَالمَحَابِرُ، فَقَالَ لَهُمُ المَرُّوْذِيُّ: مَاذَا تَعْمَلُوْنَ؟قَالُوا: نَنظرُ مَا يَقُوْلُ أَحْمَدُ، فَنَكْتُبُه.
فَدَخَلَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: يَا مَرُّوْذِيُّ! أُضِلُّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُم؟!
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ الأَسَدِيُّ، قَالَ:
لَمَّا حُملَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، جَاؤُوا إِلَى بِشْرِ بنِ الحَارِثِ، وَقَالُوا: قَدْ وَجبَ عَلَيْكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ.
فَقَالَ: أَتُرِيدُوْنَ مِنِّي أَقُومَ مَقَامَ الأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ ذَا عِنْدِي، حَفِظَ اللهُ أَحْمَدَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِه.
الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا مَيْمُوْنُ بنُ أَصْبَغَ، قَالَ:
كُنْتُ بِبَغْدَادَ، وَامتُحِنَ أَحْمَدُ، فَأخذتُ مَالاً لَهُ خَطَرٌ، فَذَهَبتُ بِهِ إِلَى مَنْ يُدْخِلُنِي إِلَى المَجْلِسِ.
فَأُدخلتُ، فَإذَا السُّيوفُ قَدْ جُرِّدتْ، وَبِالرِّمَاحِ قَدْ رُكزَتْ، وَبَالتِّرَاسِ قَدْ صُفِّفتْ، وَبَالسِّيَاطِ قَدْ وُضعتْ، وَأُلبستُ قَبَاءً أَسودَ وَمِنطَقَةً وَسيفاً، وَوُقِّفتُ حَيْثُ أَسْمَعُ الكَلاَمَ.
فَأَتى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَجلسَ علَى كُرْسِيٍّ، وَأَتَى بِأَحْمَدَ، فَقَالَ
لَهُ: وَقَرَابتِي مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَضربنَّكَ بِالسِّيَاطِ، أَوْ تَقُوْلُ كَمَا أَقُوْلُ.ثُمَّ التفَتَ إِلَى جَلاَّدٍ، فَقَالَ: خُذْهُ إِلَيْكَ.
فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا ضُربَ سوطاً، قَالَ: بِاسْمِ اللهِ.
فَلَمَّا ضُربَ الثَّانِي، قَالَ: لاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ.
فَلَمَّا ضُربَ الثَّالِثَ، قَالَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَلَمَّا ضُربَ الرَّابِعَ، قَالَ: {قُلْ لَنْ يُصِيْبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} [التَّوبَةُ: 51] ، فَضُرِبَ تِسْعَةً وَعِشْرِيْنَ سوطاً.
وَكَانَتْ تِكَّتُهُ حَاشيَةَ ثَوْبٍ، فَانْقَطَعَتْ، فَنَزَلَ السَّرَاويلُ إِلَى عَانتِهِ، فَقُلْتُ: السَّاعَةَ يَنْهَتِكُ.
فَرمَى بِطرفِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَحَرَّكَ شَفتَيهِ، فَمَا كَانَ بِأسرَعَ مِنْ أَنْ بَقِيَ السَّرَاويلُ لَمْ يَنْزِلْ.
فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! رَأَيْتُكَ وَقَدِ انْحلَّ سرَاويلُكَ، فَرَفَعتَ طَرْفَك نَحْوَ السَّمَاءِ، فَمَا قُلْتَ؟
قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي مَلأتَ بِهِ العَرْشَ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي عَلَى الصَّوَابِ، فَلاَ تَهْتِكْ لِي سِتراً.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، أَخَافُ أَنْ يَكُوْنَ دَاوُدُ وَضعَهَا.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ فَارِسٍ الأصبهَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي عُبَيْد اللهِ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ الفَرَجِ: حضَرتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا ضُرِبَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو الدَّنِّ فَضربَهُ بِضْعةَ عَشرَ سَوطاً، فَأَقبلَ الدَّمُ مِنْ أكتَافِهِ، وَكَانَ عَلَيْهِ سَرَاويلُ، فَانقطَعَ خَيطُهُ، فَنَزَلَ.
فَلحظتُهُ وَقَدْ حَرَّكَ شَفتيهِ، فَعَادَ السَّرَاويلُ كَمَا كَانَ، فَسَأَلْتُهُ، قَالَ:
قُلْتُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي، وَقَفْتَنِي هَذَا المَوْقِفَ، فَتَهتِكُنِي عَلَى رُؤُوْسِ الخَلاَئِقِ!
وَهَذِهِ الحكَايَةُ لاَ تَصِحُّ.
وَقَدْ سَاقَ صَاحِبُ (الحِليَةِ) مِنَ الخرَافَاتِ السَّمِجَةِ هُنَا مَا يُسْتَحيَا مِنْ ذِكْرِهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ القَاضِي، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدٍ القُرَشِيَّ، قَالَ:لَمَّا جُرِّدَ أَحْمَدُ لِيُضْرَبَ، وَبَقِيَ فِي سَرَاويلِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُضْرَبُ، انحلَّ سَرَاويلُهُ، فَحرَّكَ شَفَتيه، فَرَأَيْتُ يَدَينِ خَرَجتَا مِنْ تَحْتِهِ، فَشَدَّتَا السَّرَاويلَ.
فَلَمَّا فَرغُوا مِنَ الضَّربِ، سَأَلنَاهُ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا مَنْ لاَ يَعلَمُ العَرْشُ مِنْهُ أَيْنَ هُوَ إِلاَّ هُوَ، إِنْ كُنْتُ عَلَى الحقِّ، فَلاَ تُبْدِ عَورتِي.
أَوردَهَا البَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ، وَمَا جَسَرَ عَلَى تَوْهِيَتِهَا، بَلْ رَوَى عَنْ: أَبِي مَسْعُوْدٍ البَجَلِيِّ، عَنِ ابْنِ جَهْضَمٍ - ذَاكَ الكَذَّابِ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ نَحْواً مِنْهَا.
وَفِيْهَا أَنَّ مِئزَرَهُ اضطربَ، فحرَّكَ شَفَتيه، فرَأيتُ كَفّاً مِنْ ذَهَبٍ خَرَجَ مِنْ تَحْتِ مِئزرِهِ بِقدرَةِ اللهِ، فصَاحَتِ العَامَّةُ.
أَخبَرنِي ابْنُ الفَرَّاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا البَرْمَكِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ:
أنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ المُعْتَصِمَ نظرَ عِنْدَ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ إِلَى شَيْءٍ مَصرورٍ فِي كُمِّهِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
قَالَ: شَعْرٌ مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قَالَ: هَاتِهِ، وَأَخذَهَا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرحَمَهُ عِنْدَمَا رَأَى شَعرَةً مِنْ شَعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ فِي تِلْكَ الحَالِ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو الفَضْلِ صَالِحٌ:
خُلِّيَ عَنْهُ، فَصَارَ إِلَى المَنْزِلِ، وَوُجِّهَ إِلَى المَطبقِ، فَجِيْءَ برجلٍ مِمَّنْ يبصرُ الضَّربَ وَالعلاجَ، فَنَظَر إِلَى ضربِه، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُربَ أَلفَ سوطٍ، مَا رأيتُ ضرباً مِثْلَ هَذَا، لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِه، وَمِن قُدَّامه، ثُمَّ أَخذَ مِيلاً، فَأدخَلَه فِي بَعْضِ
تِلْكَ الجرَاحَاتِ، فَنَظَر إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَمْ يُنْقَبْ؟وَجَعَلَ يَأتيه، وَيعَالِجُه.
وَكَانَ قد أصَابَ وَجْهَه غَيْرُ ضَربَة، وَمكثَ مُنكبّاً عَلَى وَجْهِه كم شَاءَ اللهُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا شَيْئاً أُرِيْدُ أَن أقطعَه.
فَجَاءَ بِحَديدَةٍ، فَجَعَلَ يُعلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا، فَيقطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ، وَهُوَ صَابرٌ لِذَلِكَ، يَجهرُ بِحمدِ اللهِ فِي ذَلِكَ، فَبَرَأَ مِنْهُ، وَلَمْ يَزَلْ يتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهُ، وَكَانَ أثرُ الضَّربِ بَيِّناً فِي ظَهْرِه إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
وَدخلتُ يَوْماً، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: اجعلنِي فِي حِلٍّ؛ إذْ لَمْ أقُمْ بِنُصرتِك.
فَقُلْتَ: لاَ أَجعلُ أحداً فِي حِلٍّ.
فَتَبَسَّمَ أَبِي، وَسكتَ، وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: لَقَدْ جَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِه إِيَّايَ.
ثُمَّ قَالَ: مَرَرْتُ بِهَذِه الآيَةِ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ، فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ} [الشُّورَى: 40] ، فَنَظَرتُ فِي تَفْسِيْرهَا، فَإذَا هُوَ مَا أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ يَقُوْلُ: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، جَثتِ الأُمَمُ كُلُّهَا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ رَبِّ العَالِمِيْنَ، ثُمَّ نُودِيَ أَنْ لاَ يقومَ إِلاَّ مَنْ أَجرُه عَلَى اللهِ، فَلاَ يَقومُ إِلاَّ مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا.
قَالَ: فَجَعَلتُ المَيِّتَ فِي حِلٍّ.
ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَلَى رَجُلٍ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ اللهُ بِسَبِبِهِ أَحَداً.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ جَعَلَ المُعْتَصِمَ فِي حِلٍّ يَوْمَ فتحِ عَاصمَةِ بَابَكَ، وَظفرَ بِهِ، أَوْ فِي
فَتحِ عَمُّوْرِيَّةَ، فَقَالَ: هُوَ فِي حِلٍّ مِنْ ضَربِي.وَسَمِعْتُ أَبِي؛ أَبَا حَاتِمٍ يَقُوْلُ:
أَتيتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدَ مَا ضُرِبَ بِثَلاَثِ سِنِيْنَ أَوْ نَحوِهَا، فَجرَى ذِكْرُ الضَّربِ، فَقُلْتُ لَهُ: ذهبَ عَنْكَ أَلَمُ الضَّربِ؟
فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ، وَقبضَ كُوعَيْهِ اليَمِيْنَ وَاليسَارَ، وَقَالَ: هَذَا، كَأَنَّهُ يَقُوْلُ: خُلعَ، وَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْهُمَا أَلَمَ ذَلِكَ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى صَاحِبُ بِشْرٍ، قَالَ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قِيلَ لِي: اكتبْ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ، وَيُخَلَّى سَبيلُكَ.
فَقُلْتُ: هَاتُوا.
قَالُوا: اكتبْ: اللهُ قَدِيْمٌ لَمْ يَزَلْ.
قَالَ: فكتبتُ.
فَقَالُوا: اكْتُبْ: كُلُّ شَيْءٍ دُوْنَ اللهِ مَخْلُوْقٌ.
وَقَالُوا: اكتبْ: اللهُ رَبُّ القُرْآنِ.
قُلْتُ: أَمَّا هَذِهِ فَلاَ، وَرَمَيتُ بِالقلمِ.
فَقَالَ بِشْرُ بنُ الحَارِثِ: لَوْ كَتَبهَا، لأَعطَاهُم مَا يُرِيْدُوْنَ.
وَبِهِ، قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ الحَارِثِ العُبَادِيُّ - وَكَانَ رَافَقَنَا فِي بلاَدِ الرُّوْمِ - قَالَ:
حضَرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الطُّفَاوِيُّ، فَذُكِرَ لَهُ حَدِيْثٌ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أُخْبِرَكَ بنَظِيْرِ هَذَا، لَمَّا أُخرجَ بِنَا، جَعَلتُ أُفكرُ فِيْمَا نَحْنُ
فِيْهِ، حَتَّى إِذَا صِرنَا إِلَى الرَّحبَةِ، أُنزِلنَا بِظَاهِرهَا، فمددتُ بَصَرِي، فَإذَا بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتثبتْه، فَلَمْ يَزَلْ يدنُو، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ جَعَلَ يَتخطَّى تِلْكَ المَحَاملَ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ، فَوَقَفَ عَليَّ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟فَسَكَتُّ تَعجُّباً!! ثُمَّ أعَادَ، فَسَكَتُّ، فَبركَ عَلَى رُكبتَيه، فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَال: أَبشرْ، وَاصْبرْ، فَإِنَّمَا هِيَ ضَربَةٌ هَا هُنَا، وَتَدْخُلُ الجَنَّةَ هَا هُنَا.
ثُمَّ مَضَى، فَقَال الطُّفَاوِيُّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنكَ محمودٌ عِنْدَ العَامَّةِ.
فَقَالَ: أَحْمَدُ اللهَ عَلَى دِيْنِي، إِنَّمَا هَذَا دِينٌ، لَوْ قُلْتُ لَهُم، كفرتُ.
فَقَال الطُّفَاوِيُّ: أَخْبِرْنِي بِمَا صَنعُوا بِكَ؟
قَالَ: لَمَّا ضُربتُ بِالسيَاطِ، جَعَلتُ أَذكرُ كَلاَمَ الأَعْرَابِيِّ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ الطَّوِيْلُ اللِّحْيَةِ -يَعْنِي: عُجَيفاً- فَضَربنِي بقَائِمِ السَّيْفِ، ثُمَّ جَاءَ ذَاكَ، فَقُلْتُ: قَدْ جَاءَ الفرجُ، يَضْرِبُ عُنُقِي، فَأَستريحُ.
فَقَال لَهُ ابْن سمَاعَةَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي رَقَبَتِي.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: لاَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لاَ تفعلْ، فَإِنَّه إِنْ قُتلَ أَوْ مَاتَ فِي دَارِكَ، قَالَ النَّاسُ: صَبَرَ حَتَّى قُتلَ، فَاتَّخذَه النَّاسُ إِمَاماً، وَثَبَتُوا عَلَى مَا هُم عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَطلِقْه السَّاعَةَ، فَإِنْ مَاتَ خَارجاً مِنْ مَنْزِلِكَ، شَكَّ النَّاسُ فِي أَمرِه، وَقَالَ بَعْضُهُم: أَجَابَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُجِبْ.
فَقَالَ الطُّفَاوِيُّ: وَمَا عَلَيْكَ لَوْ قُلْتَ؟
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَوْ قُلْتُ، لَكفرتُ.
وَبِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
دَعَا المُعْتَصِمُ بِعَمِّ أَحْمَدَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: تَعْرِفونَه؟
قَالُوا: نَعَمْ، هُوَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ: فَانظرُوا إِلَيْهِ، أَلَيْسَ هُوَ صَحِيْحَ البَدَنِ؟
قَالُوا: نَعَمْ، وَلَوْلاَ أَنَّهُ فعلَ ذَلِكَ، لكُنْتُ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ لاَ يُقَامُ لَهُ.
قَالَ: وَلَمَّا قَالَ: قَدْ سَلَّمْتُه إِلَيْكُم صَحِيْحَ البَدَنِ، هَدأَ النَّاسُ وَسَكَنُوا.
قُلْتُ: مَا قَالَ هَذَا مَعَ تَمكُّنِهِ فِي الخِلاَفَةِ وَشَجَاعتِهِ إِلاَّ عَنِ أمرٍ كَبِيْرٍ، كَأنَّهُ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ مِنَ الضَّربِ، فَتَخْرُجَ عَلَيْهِ العَامَّةُ.وَلَوْ خَرَجَ عَلَيْهِ عَامَّةُ بَغْدَادَ، لَرُبَّمَا عجِزَ عَنْهُم.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَمرَ المُعْتَصِمُ بِتخليَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، خَلعَ عَلَيْهِ مُبَطَّنَةً وَقَمِيصاً، وَطَيلسَاناً وَقَلَنْسُوَةً وَخُفّاً.
فَبَينَا نَحْنُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَالنَّاسُ فِي المَيدَانِ وَالدُّروبِ وَغَيْرِهَا، وَغُلَّقتِ الأسواقُ، إِذ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى دَابَّةٍ مِنْ دَارِ المُعْتَصِمِ فِي تِلْكَ الثِّيَابِ، وَأَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- عَنْ يسَارِهِ.
فَلَمَّا صَارَ فِي الدِّهلِيزِ قَبْلَ أَنْ يَخرُجَ، قَالَ لَهُمُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اكشفُوا رَأْسَهُ.
فَكشفُوهُ -يَعْنِي: مِنَ الطَّيلسَانِ- وَذَهَبُوا يَأْخُذُوْنَ بِهِ نَاحِيَةَ المَيدَانِ نَحْوَ طَرِيْقِ الحَبْسِ، فَقَالَ لَهُم إِسْحَاقُ: خُذُوا بِهِ هَا هُنَا - يُرِيْدُ دِجلَةَ -.
فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الزَّوْرَقِ، وَحُمِلَ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ صُلِّيَتِ الظُّهرُ، وَبَعَثَ إِلَى وَالِدِي وَإِلَى جِيرَاننَا وَمَشَايِخِ المَحَالِّ، فَجُمِعُوا، وَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإِنْ كَانَ فِيْكُم مَنْ يَعْرِفُهُ، وَإِلاَّ فَلْيَعْرِفْهُ.
قَالَ ابْنُ سمَاعَةَ - حِيْنَ دَخَلَ الجَمَاعَةُ - لَهُم: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَإنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ نَاظرَهُ فِي أَمرِهِ، وَقَدْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَهَا هُوَ ذَا، فَأُخْرِجَ عَلَى فَرَسٍ لإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ عِنْدَ غُروبِ الشَّمْسِ، فَصَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ السُّلْطَانُ وَالنَّاسُ، وَهُوَ مُنْحَنٍ، فَلَمَّا ذهبَ لِينزلَ، احتَضنْتُهُ، وَلَمْ أَعْلَمْ، فَوَقعَتْ يَدِي عَلَى مَوْضِعِ الضَّربِ، فَصَاحَ، فَنَحَّيْتُ يَدِي، فَنَزَلَ مُتَوَكِّئاً عَلَيَّ، وَأغلقَ البَابَ، وَدَخلنَا مَعَهُ، وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى وَجْهِهِ لاَ يَقدِرُ أَنْ يتحرَّكَ إِلاَّ بِجهدٍ،
وَنزعَ مَا كَانَ خُلِعَ عَلَيْهِ، فَأمرَ بِهِ، فَبِيعَ، وَتَصدَّقَ بِثمنِهِ.وَكَانَ المُعْتَصِمُ أمرَ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ أَنْ لاَ يقطعَ عَنْهُ خَبَرَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تُرِكَ فِيْمَا حُكِيَ لَنَا عِنْدَ الإِيَاسِ مِنْهُ.
وَبَلَغَنَا: أَنَّ المُعْتَصِمَ ندمَ، وَأُسقطَ فِي يَدِه، حَتَّى صلحَ، فَكَانَ صَاحِبُ خَبَرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ يَأتِينَا كُلَّ يَوْمٍ يَتَعرَّفُ خبرَه، حَتَّى صَحَّ، وَبقيتْ إِبهَامَاهُ مُنخلعَتينِ، يَضْرِبَانِ عَلَيْهِ فِي البَردِ، فَيُسَخَّنُ لَهُ المَاءُ، وَلَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يدسَّ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ سُمّاً إِلَى المُعَالِجِ، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ فِي مَنْزِلنَا.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُلُّ مَنْ ذَكَرنِي فَفِي حِلٍّ إِلاَّ مُبتدِعاً، وَقَدْ جَعَلتُ أَبَا إِسْحَاقَ -يَعْنِي: المُعْتَصِمَ- فِي حِلٍّ، وَرَأَيْتُ اللهَ يَقُوْلُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا، أَلاَ تُحِبُّوْنَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُم} [النُّورُ: 22] وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ بِالعفوِ فِي قِصَّةِ مِسْطَحٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَمَا ينفعُكَ أَنْ يُعَذِّبَ اللهُ أَخَاكَ المُسْلِمَ فِي سَبَبكَ؟!!
قَالَ حَنْبَلٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: قَالَ بُرْغُوْثُ -يَعْنِي: يَوْمَ المِحْنَةِ-: يَا
أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ كَافِرٌ حلاَلُ الدَّمِ، اضربْ عُنُقَه، وَدمُه فِي عُنُقِي.وَقَالَ شُعَيْبٌ كَذَلِكَ أَيْضاً: تَقَلَّدْ دَمِي، فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهِمَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَكُنْ فِي القَوْمِ أَشَدُّ تَكْفِيْراً لِي مِنْهُمَا، وَأَمَّا ابْنُ سِمَاعَةَ، فَقَالَ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّه مِنْ أَهْلِ بَيْتِ شَرفٍ ولَهُم قَدَمٌ، وَلَعَلَّهُ يَصيرُ إِلَى الَّذِي عَلَيْهِ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَأنَّه رقَّ عِنْدَهَا، وَكَانَ إِذَا كَلَّمنِي ابْنُ أَبِي دُوَادَ، لَمْ ألتفتْ إِلَى كَلاَمِه، وَإِذَا كلَّمنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَلَنْتُ لَهُ القَوْلَ.
قَالَ: فَقَالَ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ: أَجِبنِي يَا أَحْمَدُ، فَإِنَّه بَلَغَنِي أَنَّكَ تحبُّ الرِّئاسَةَ، وَذَلِكَ لَمَّا أوَغرُوا قَلْبَه عَلَيَّ.
وَجَعَلَ بَرْغُوْثُ يَقُوْلُ: قَالَ الجَبْرِيُّ: كَذَا وَكَذَا كَلاَمٌ هُوَ الكُفْرُ بِاللهِ.
فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا أَدرِي مَا هَذَا، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ أَحَدٌ صَمَدٌ لاَ شِبْهَ لَهُ وَلاَ عِدْلَ، وَهُوَ كَمَا وَصفَ نَفْسَهُ، فَسَكَتَ.
وَقَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ كَشفقَتِي عَلَى ابْنِي هَارُوْنَ، فَأَجِبْنِي، وَاللهِ لَودِدتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَرفتُكَ يَا أَحْمَدُ، اللهَ اللهَ فِي دَمِكَ.
فلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ ذَلِكَ، قَالَ: لَعنكَ اللهُ، لَقَدْ طَمعتُ أَنْ تُجِيبَنِي.
ثُمَّ قَالَ: خُذُوهُ، وَاسحَبُوهُ.
فَأُخذتُ ثُمَّ خُلِّعتُ، وَجِيْءَ بِعُقَابَيْنِ وَأَسيَاطٍ، وَكَانَ مَعِي شعرٌ مِنْ شعرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صُيِّرتُ بَيْنَ العُقَابينِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اللهَ اللهَ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنِّي رَسُوْلُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ) ، يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فِيمَ تَسْتحلُّ دَمِي؟ اللهَ اللهَ، لاَ تَلقَ اللهَ وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ مُطَالَبَةٌ، اذكرْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -تَعَالَى- كَوقُوفِي بَيْن يَدَيكَ، وَرَاقبِ اللهَ.
فَكَأَنَّهُ أَمسكَ، فَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ أَنْ يَكُوْنَ مِنْهُ عطفٌ أَوْ رَأفَةٌ، فَقَالَ: إِنَّه كَافِرٌ بِاللهِ، ضَالٌّ مُضِلٌّ.
قَالَ حَنْبَلٌ: لَمَّا أَردنَا علاجَه، خِفْنَا أَنْ يَدُسَّ ابْنُ أَبِي دُوَادَ إِلَى المُعَالِجِ، فَيُلقِيَ فِي دَوائِه سُمّاً، فَعمِلنَا الدَّوَاءَ وَالمرهَمَ عِنْدنَا، فَكَانَ فِي بَرنِيَّةٍ، فَإِذَا دَاوَاهُ رَفَعنَاهَا.قَالَ: وَكَانَ إِذَا أصَابَه البَرْدُ، ضُرِبَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ: لَقَدْ ظننتُ أَنِّي أَعطَيتُ المجهودَ مِنْ نَفْسِي.
مِحْنَةُ الوَاثِقِ:
قَالَ حَنْبَلٌ: لَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَرِئَ مِنَ الضَّربِ يَحضرُ الجُمُعَةَ وَالجَمَاعَةَ، وَيُحَدِّثُ وَيُفْتِي، حَتَّى مَاتَ المُعْتَصِمُ، وَوَلِيَ ابْنُهُ الوَاثِقُ، فَأَظهَرَ مَا أَظهرَ مِنَ المِحْنَةِ وَالمَيلِ إِلَى أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِه.
فَلَمَّا اشتدَّ الأَمْرُ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ، وَأَظْهَرتِ القُضَاةُ المِحْنَةَ بِخلقِ القُرْآنِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ فَضْلٍ الأَنْمَاطِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِه، وَبَيْنَ أَبِي صَالِحٍ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَشْهَدُ الجُمُعَةَ، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ إِذَا رَجَعَ، وَيَقُوْلُ: تُؤْتَى الجُمُعَةُ لِفَضلِهَا، وَالصَّلاَةُ تُعَادُ خَلْفَ مَنْ قَالَ بِهَذِهِ المَقَالَةِ.
وَجَاءَ نَفرٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَقَالُوا: هَذَا الأَمْرُ قَدْ فَشَا وَتفَاقمَ، وَنَحْنُ نَخَافُه عَلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَأَنَّهُ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ المُعَلِّمِيْنَ بِتعَلِيْمِ الصِّبْيَانِ فِي المكَاتِبِ : القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَنَحْنُ لاَ نَرضَى بِإِمَارَتِه.
فَمَنَعهُم مِنْ ذَلِكَ، وَنَاظَرَهُم.
وحَكَى أَحْمَدُ قَصدَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِم، وَأَمَرَهُم بِالصَّبْرِ. قَالَ: فَبَينَا
نَحنُ فِي أَيَّامِ الوَاثِقِ، إِذ جَاءَ يَعْقُوْبُ لَيلاً بِرِسَالَةِ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ:يَقُوْلُ لَكَ الأَمِيْرُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ ذَكَرَكَ، فَلاَ يَجتَمِعَنَّ إِلَيْكَ أَحَدٌ وَلاَ تُسَاكِنِّي بِأَرْضٍ وَلاَ مَدينَةٍ أَنَا فِيْهَا، فَاذهبْ حَيْثُ شِئْتَ مِنْ أَرضِ اللهِ.
قَالَ: فَاختَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ بَقِيَّةَ حَيَاةِ الوَاثِقِ.
وَكَانَتْ تِلْكَ الفِتْنَةُ، وَقُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ.
وَلَمْ يَزَلْ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُختفياً فِي البَيْتِ لاَ يَخرجُ إِلَى صَلاَةٍ وَلاَ إِلَى غَيْرهَا حَتَّى هلكَ الوَاثِقُ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ هَانِئٍ، قَالَ: اخْتَفَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدِي ثَلاَثاً، ثُمَّ قَالَ: اطلُبْ لِي مَوْضِعاً.
قُلْتُ: لاَ آمَنُ عَلَيْكَ.
قَالَ: افعلْ، فَإذَا فعلتَ، أَفَدتُكَ.
فَطَلَبتُ لَهُ مَوْضِعاً، فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: اخْتَفَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ.
العَجَبُ مِنْ أَبِي القَاسِمِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ الحَافِظِ، كَيْفَ ذَكرَ تَرْجَمَةَ أَحْمَدَ مُطَوَّلَةً كعوائِدِه، وَلَكِنْ مَا أوردَ مِنْ أمرِ المِحْنَةِ كَلِمَةً مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيْدِهَا، فَإِنَّ حَنْبَلاً أَلَّفهَا فِي جُزءينِ.
وَكَذَلِكَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ المُنَادِي: حَدَّثَنِي جَدِّي؛ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: لقيتُ أَبَا
عَبْدِ اللهِ، فرَأَيْتُ فِي يَدَيْهِ مَجمرَةً يُسخِّنُ خِرقَةً، ثُمَّ يَجْعَلُهَا عَلَى جَنْبِهِ مِنَ الضَّربِ، فَقَالَ:يَا أَبَا جَعْفَرٍ، مَا كَانَ فِي القَوْمِ أَرَأفُ بِي مِنَ المُعْتَصِمِ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُوْشَنْجِيِّ، قَالَ: حَدَّثَ أَحْمَدُ بِبَغْدَادَ جهرَةً حِيْنَ مَاتَ المُعْتَصِمُ.
فَرَجَعتُ مِنَ الكُوْفَةِ، فَأَدْرَكتُه فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، ثُمَّ قَطَعَ الحَدِيْثَ لِثَلاَثٍ بَقِيْنَ مِنْ شَعْبَانَ بِلاَ مَنعٍ.
بَلْ كَتَبَ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ قَاضِي بَغْدَادَ إِلَى ابْنِ أَبِي دُوَادَ:
إِنَّ أَحْمَدَ قَدِ انبَسَطَ فِي الحَدِيْثِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَحْمَدَ، فَقَطَعَ الحَدِيْثَ وَإِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
فَصْلٌ فِي حَالِ الإِمَامِ فِي دَوْلَةِ المُتَوَكِّلِ
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلِيَ المُتَوَكِّلُ جَعْفَرٌ، فَأَظهَرَ اللهُ السُّنَّةَ، وَفَرَّجَ عَنِ النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُنَا وَيُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ فِي أَيَّامِ المُتَوَكِّلِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَانَ النَّاسُ إِلَى الحَدِيْثِ وَالعِلْمِ أَحوجَ مِنْهُم إِلَيْهِ فِي زَمَانِنَا.
قَالَ حَنْبَلٌ: ثُمَّ إِنَّ المُتَوَكِّلَ ذَكَرَه، وَكَتَبَ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ فِي إِخْرَاجِه إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُوْلُ إِسْحَاقَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَأْمُرُه بِالحُضُوْرِ، فَمَضَى أَبُو عَبْدِ اللهِ ثُمَّ رَجَعَ، فَسَأَلَهُ أَبِي عَمَّا دُعِيَ لَهُ؟
فَقَالَ: قَرَأَ عَلَيَّ كِتَابَ جَعْفَرٍ يَأْمُرُنِي بِالخُرُوجِ إِلَى العَسكرِ -يَعْنِي: سُرَّ مَنْ رَأَى-.
قَالَ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
فَقُلْتُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ نَهَى عَنْ هَذَا.
قَالَ: وَخَرَجَ إِسْحَاقُ إِلَى العَسْكَرِ، وَقَدَّمَ ابْنَه مُحَمَّداً يَنُوبُ عَنْهُ بِبَغْدَادَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: لاَ تُعْلِمْ أَحَداً أَنِّي سَأَلتُكَ عَنِ القُرْآنِ!
فَقُلْتُ لَهُ: مَسْأَلَةُ مُستَرشِدٍ أَوْ مَسْأَلَةُ مُتَعَنِّتٍ؟
قَالَ: بَلْ مُستَرشِدٍ.
قُلْتُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: قَالَ لِي إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: اجعَلْنِي فِي حِلٍّ مِنْ حُضُوْرِي ضَرْبَكَ.فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلتُ كُلَّ مَنْ حَضَرَنِي فِي حِلٍّ.
وَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ: إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَقُلْتُ: قَالَ اللهُ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعرَافُ: 54] ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الخَلْقِ وَالأَمْرِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: الأَمْرُ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! أَمَخْلُوْقٌ يَخْلُقُ خَلقاً؟!!
قُلْتُ: يَعْنِي: إِنَّمَا خَلَقَ الكَائِنَاتِ بِأَمرِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (كُنْ} [الأَنعَامُ: 73] .
قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: عَمَّنْ تَحكِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ؟
قُلْتُ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلاَ مَخْلُوْقٍ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ أَوْ يُنفِقُه، وَكَانَتْ عِنْدِي مائَةُ دِرْهَمٍ، فَأَتيتُ بِهَا أَبِي، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ، فَأَصْلحَ بِهَا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، وَاكتَرَى وَخَرَجَ، وَلَمْ يَمضِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَلاَ سَلَّمَ عَلَيْهِ.
فَكَتَبَ بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَبِيْهِ، فَحَقَدَهَا إِسْحَاقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ أَحْمَدَ خَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ، وَلَمْ يَأْتِ مَولاَكَ مُحَمَّداً.
فَقَالَ المُتَوَكِّلُ: يُرَدُّ وَلَوْ وَطِئَ بِسَاطِي - وَكَانَ أَحْمَدُ قَدْ بَلَغَ بُصْرَى -.
فَرُدَّ، فَرَجَعَ وَامْتَنَعَ مِنَ الحَدِيْثِ إِلاَّ لِوَلَدِهِ وَلَنَا، وَرُبَّمَا قَرَأَ عَلَيْنَا فِي مَنْزِلِنَا.
ثُمَّ إِنَّ رَافِعاً رَفَعَ إِلَى المُتَوَكِّلِ: إِنَّ أَحْمَدَ رَبَّصَ عَلَوِيّاً فِي مَنْزِلِهِ، يُرِيْدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَيُبَايِعَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ عِنْدنَا عِلمٌ، فَبَينَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ نِيَامٌ فِي الصَّيْفِ، سَمِعنَا الجَلَبَةَ، وَرَأينَا النِّيرَانَ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَسرَعنَا،
وَإِذَا بِهِ قَاعِدٌ فِي إِزَارٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ الكَلْبِيِّ صَاحِبُ الخَبَرِ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُم، فَقَرَأَ صَاحِبُ الخَبَرِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ:وَرَدَ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّ عِندَكُم عَلَوِيّاً رَبَّصتَه لِتُبَايِعَ لَهُ وَتُظهِرَهُ ... ، فِي كَلاَمٍ طَوِيْلٍ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ مُظَفَّرٌ: مَا تَقُوْلُ؟
قَالَ: مَا أَعْرِفُ مِنْ هَذَا شَيْئاً، وَإِنِّي لأَرَى لَهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِي وَيُسْرِي، وَمَنْشَطِي وَمَكْرَهِي، وَأَثَرَةٍ عَلَيَّ، وَإِنِّي لأَدعُو اللهَ لَهُ بِالتَّسديدِ وَالتَّوفيقِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ... ، فِي كَلاَمٍ كَثِيْرٍ.
فَقَالَ مُظَفَّرٌ: قَدْ أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ أُحَلِّفَكَ.
قَالَ: فَأَحلَفَهُ بِالطَّلاَقِ ثَلاَثاً أَنَّ مَا عِنْدَهُ طَلِبَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
ثُمَّ فَتَّشوا مَنْزِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَالسربَ وَالغُرفَ وَالسطوحَ، وَفتَّشوا تَابوتَ الكُتُبِ، وَفتَّشوا النِّسَاءَ وَالمَنَازِلَ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئاً، وَلَمْ يُحِسُّوا بِشَيءٍ، وَرَدَّ اللهُ الَّذِيْنَ كَفرُوا بِغَيظهِم، وَكُتِبَ بِذَلِكَ إِلَى المُتَوَكِّلِ، فَوَقَعَ مِنْهُ مَوقِعاً حَسَناً، وَعَلِمَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَكْذُوْبٌ عَلَيْهِ.
وَكَانَ الَّذِي دَسَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ، وَلَمْ يَمُتْ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ أَمرَهُ لِلْمُسْلِمِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ الثَّلْجِيِّ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوْسٌ بِبَابِ الدَّارِ، إِذَا يَعْقُوْبُ - أَحَدُ حُجَّابِ المُتَوَكِّلِ - قَدْ جَاءَ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَدَخَلَ، وَدَخَلَ أَبِي وَأَنَا، وَمَعَ بَعْضِ غِلمَانِه بَدْرَةٌ عَلَى بَغلٍ، وَمَعَهُ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ، فَقَرَأَهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ:
إِنَّه صَحَّ عِنْدَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ بَرَاءةُ سَاحَتِكَ، وَقَدْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بِهَذَا المَالِ
تَسْتَعِينُ بِهِ.فَأَبَى أَنْ يَقبَلَهُ، وَقَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، اقبلْ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مَا أَمرَكَ بِهِ، فَإِنَّه خَيْرٌ لَكَ عِنْدَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ رَدَدتَه، خِفتُ أَنْ يَظُنَّ بِكَ سُوءاً.
فَحِيْنَئِذٍ قَبِلهَا.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: ارفعْ هَذِهِ الإِنْجَانَةَ وَضَعْهَا -يَعْنِي: البَدْرَةَ- تَحْتَهَا.
فَفَعَلتُ، وَخَرجْنَا.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، إِذَا أُمُّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَدقُّ عَلَيْنَا الحَائِطَ، فَقَالَتْ: مَوْلاَيَ يَدعُو عَمَّه.
فَأَعْلَمتُ أَبِي، وَخَرَجْنَا، فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا أَخَذَنِي النَّومُ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قَالَ: لِهَذَا المَالِ.
وَجَعَلَ يَتَوَجَّعُ لأَخذِهِ، وَأَبِي يُسَكِّنُهُ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: حَتَّى تُصبِحَ وَتَرَى فِيْهِ رَأْيَكَ، فَإِنَّ هَذَا لَيْلٌ، وَالنَّاسُ فِي المَنَازِلِ.
فَأَمسَكَ وَخَرَجنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ السَّحَرِ، وَجَّهَ إِلَى عُبْدُوْسِ بنِ مَالِكٍ، وَإِلَى الحَسَنِ بنِ البَزَّارِ، فَحضرَا، وَحَضَرَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: هَارُوْنُ الحَمَّالُ، وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيْعٍ، وَابْنُ الدَّوْرَقِيِّ، وَأَبِي، وَأَنَا، وَصَالِحٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَجَعَلْنَا نَكتُبُ مَنْ يَذْكُرُونَه مِنْ أَهْلِ السِّترِ وَالصَّلاَحِ بِبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ، فَوجَّهَ مِنْهَا إِلَى أَبِي كُرَيْبٍ، وَلِلأَشَجِّ، وَإِلَى مَنْ يَعْلَمُوْنَ حَاجتَه، فَفَرَّقهَا كُلَّهَا مَا بَيْنَ الخَمْسِيْنَ إِلَى المائَةِ، وَإِلَى المائَتَيْنِ، فَمَا بَقِيَ فِي الكِيْسِ دِرْهَمٌ.
فلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَاتَ الأَمِيْرُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ وَابْنُه مُحَمَّدٌ، ثُمَّ وَلِيَ بَغْدَادَ عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ، فَجَاءَ رَسُوْلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ المُتَوَكِّلِ، وَقَالَ لَهُ: يَأمرُكَ بِالخُرُوجِ -يَعْنِي: إِلَى سَامَرَّاءَ-.
فَقَالَ: أَنَا شَيْخٌ ضَعِيْفٌ عَليلٌ.فَكَتَبَ عَبْدُ اللهِ بِمَا رَدَّ عَلَيْهِ، فَوَردَ جَوَابُ الكِتَابِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمرُهُ بِالخُرُوجِ.
فَوجَّهَ عَبْدُ اللهِ أَجنَاداً، فَبَاتُوا عَلَى بَابِنَا أَيَّاماً، حَتَّى تَهَيَّأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْخُرُوْجِ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ وَأَبِي زُمَيلَةً.
وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ حَمْلُ أَبِي إِلَى المُتَوَكِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ، ثُمَّ وَإِلَى أَنْ مَاتَ أَبِي قَلَّ يَوْمٌ يَمضِي إِلاَّ وَرَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِيهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِي: الزمْ بَيتَكَ، وَلاَ تَخرجْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَلاَ جُمُعَةٍ، وَإِلاَّ نَزَلَ بِكَ مَا نَزلَ بِكَ أَيَّامَ أَبِي إِسْحَاقَ.
وَقَالَ ابْنُ الكَلْبِيِّ: أُرِيْدُ أَنْ أُفتِّشَ مَنْزِلَكَ وَمَنْزِلَ ابنِكَ.
فَقَامَ مُظَفَّرٌ وَابْنُ الكَلْبِيِّ، وَامْرَأَتَانِ مَعَهُمَا، فَفَتَّشوا، وَدَلَّوْا شَمعَةً فِي البِئرِ، وَنَظرُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، وَرَدَ كِتَابُ عَلِيِّ بنِ الجَهْمِ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ صَحَّ عِنْدَهُ بَرَاءتُكَ، وَذَكَرَ نَحْواً مِنْ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ.
قَالَ حَنْبَلٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ:
دَخلْنَا إِلَى العَسْكَرِ، فَإِذَا نَحْنُ بِمَوْكِبٍ عَظِيْمٍ مُقبلٍ، فَلَمَّا حَاذَى بِنَا، قَالُوا: هَذَا وَصِيْفٌ.
وَإِذَا بفَارِسٍ قَدْ أَقبلَ، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: الأَمِيْرُ وَصِيْفٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ لَكَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أَمكنَكَ مِنْ عَدُوِّكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يَقبَلُ مِنْكَ، فَلاَ تَدَعْ شَيْئاً إِلاَّ تَكَلَّمتَ بِهِ.
فَمَا رَدَّ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَجَعَلتُ أَنَا أَدعُو لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَدَعَوتُ لِوَصِيْفٍ، وَمَضَينَا، فَأُنزِلنَا فِي دَارِ
إِيتَاخَ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَسَأَلَ بَعْدُ: لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ؟قَالُوا: هَذِهِ دَارُ إِيتَاخَ.
قَالَ: حَوِّلُونِي، اكْتَرُوا لِي دَاراً.
قَالُوا: هَذِهِ دَارٌ أَنزَلَكَهَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: لاَ أَبِيتُ هَا هُنَا.
وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اكتَرَينَا لَهُ دَاراً، وَكَانَتْ تَأتِينَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَائِدَةٌ فِيْهَا أَلوَانٌ يَأمُرُ بِهَا المُتَوَكِّلُ وَالثَّلجُ وَالفَاكهَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَمَا ذَاقَ مِنْهَا أَبُو عَبْدِ اللهِ شَيْئاً، وَلاَ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَكَانَ نَفَقَةُ المَائِدَةِ فِي اليَوْمِ مائَةً وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً.
وَكَانَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، وَابْنُهُ عُبَيْدُ اللهِ، وَعَلِيُّ بنُ الجَهْمِ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِرِسَالَةِ المُتَوَكِّلِ، وَدَامتِ العِلَّةُ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَضَعُفَ شَدِيْداً.
وَكَانَ يُوَاصِلُ، وَمكثَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشربُ، فَفِي الثَّامِنِ دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يُطفَأَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةً، وَهَذَا لَكَ اليَوْمَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ!
قَالَ: إِنِّي مُطيقٌ.
قُلْتُ: بِحقِّي عَلَيْكَ.
قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ.
فَأَتَيْتُه بِسَوِيْقٍ، فَشربَ، وَوجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ بِمَالٍ عَظِيْمٍ، فَرَدَّهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْد اللهِ بنُ يَحْيَى: فَإِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَدفَعَهَا إِلَى وَلَدِكَ وَأَهلِكَ.
قَالَ: هُم مُستَغْنُوْنَ.
فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَخذَهَا عُبَيْدُ اللهِ، فَقَسَمَهَا عَلَى وَلَدِهِ، ثُمَّ أَجْرَى المُتَوَكِّلُ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّهُم فِي كِفَايَةٍ، وَلَيْسَتْ بِهِم حَاجَةٌ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ: إِنَّمَا هَذَا لِوَلَدِكَ، فَمَا لَكَ وَلِهَذَا؟
فَأمسَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُجرِي عَلَيْنَا حَتَّى مَاتَ المُتَوَكِّلُ.
وَجَرَى بَيْنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَبَيْنَ أَبِي كَلاَمٌ كَثِيْرٌ، وَقَالَ: يَا عَمِّ! مَا بَقِيَ مِنْ
أَعمَارِنَا، كَأَنَّكَ بِالأمرِ قَدْ نَزَلَ، فَاللهَ اللهَ، فَإِنَّ أَوْلاَدَنَا إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ قَلاَئِلُ، وَإِنَّمَا هَذِهِ فِتْنَةٌ.قَالَ أَبِي: فَقُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يُؤمِّنَكَ اللهُ مِمَّا تَحذَرُ.
فَقَالَ: كَيْفَ وَأَنْتُم لاَ تَترُكُوْنَ طَعَامَهُم وَلاَ جَوَائِزَهُم؟ لَوْ تَركتُمُوهَا، لَتَرَكُوكُم، مَاذَا نَنتَظِرُ؟ إِنَّمَا هُوَ المَوْتُ، فَإِمَّا إِلَى جنَّةٍ، وَإِمَّا إِلَى نَارٍ، فَطُوْبَى لِمَنْ قَدِمَ عَلَى خَيْرٍ.
قَالَ: فَقُلْتُ: أَلَيْسَ قَدْ أُمرتَ مَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَالِ مِنْ غَيْرِ إِشرَافِ نَفْسٍ وَلاَ مَسْأَلَةٍ أَنْ تَأْخُذَه؟
قَالَ: قَدْ أَخذتُ مَرَّةً بِلاَ إِشرَافِ نَفْسٍ، فَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؟ أَلَمْ تَسْتَشرِفْ نَفْسُكَ؟
قُلْتُ: أَفَلَمْ يَأْخُذِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟
فَقَالَ: مَا هَذَا وَذَاكَ!
وَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا المَالَ يُؤْخَذُ مِنْ وَجْهِه، وَلاَ يَكُوْنُ فِيْهِ ظُلمٌ وَلاَ حَيْفٌ، لَمْ أُبالِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: وَلَمَّا طَالتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، كَانَ المُتَوَكِّلُ يَبْعَثُ بِابْنِ مَاسَوَيْه المُتَطَبِّبِ، فَيَصِفُ لَهُ الأَدْوِيَةَ، فَلاَ يَتَعَالَجُ، وَيَدْخُلُ ابْنُ مَاسَوَيْه، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، لَيْسَتْ بِأَحْمَدَ عِلَّةٌ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ وَالصِّيَامِ وَالعِبَادَةِ.
فَسَكَتَ المُتَوَكِّلُ.
وَبَلَغَ أُمَّ المُتَوَكِّلِ خَبَرُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَتْ لاِبْنِهَا: أَشْتَهِي أَنْ أَرَى هَذَا الرَّجُلَ.
فَوَجَّهَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَيَجْعَلَهُ فِي حَجْرِهِ.
فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ، رَجَاءَ أَنْ يُطلَقَ وَيَنحَدِرَ إِلَى بَغْدَادَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ خِلْعَةً، وَأَتَوْهُ بِدَابَّةٍ يَرْكَبُهَا إِلَى المُعْتَزِّ، فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ مِيثرَةُ نُمُورٍ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ بَغلٌ لِتَاجرٍ، فَرَكِبَه، وَجَلَسَ المُتَوَكِّلُ مَعَ أُمِّهِ فِي مَجْلِسٍ مِنَ المَكَانِ، وَعَلَى المَجْلِسِ سِترٌ رَقِيْقٌ، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى المُعْتَزِّ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ المُتَوَكِّلُ وَأُمُّهُ.
فَلَمَّا رَأَتْهُ، قَالَتْ: يَا بُنَيَّ، اللهَ اللهَ فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّنْ يُرِيْدُ مَا عِنْدَكُم، وَلاَ المَصْلَحَةُ أَنْ تَحْبِسَه عَنْ مَنْزِلِهِ، فَائذَنْ لَهُ لِيَذْهَبَ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عَلَى
المُعْتَزِّ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم.وَجَلَسَ، وَلَمْ يُسلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمرَةِ، فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَعْدُ يَقُوْلُ:
لَمَّا دَخَلتُ عَلَيْهِ، وَجَلَسْتُ، قَالَ مُؤَدِّبُه: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، هَذَا هُوَ الَّذِي أَمَرَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُؤَدِّبُكَ وَيُعِلِّمُكَ؟
فَقَالَ الصَّبِيُّ: إِنْ عَلَّمَنِي شَيْئاً، تَعَلَّمتُهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَعَجِبتُ مِنْ ذَكَائِه وَجَوَابِه عَلَى صِغَرِه، وَكَانَ صَغِيْراً.
وَدَامَتْ عِلَّةُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَبَلَغَ المُتَوَكِّلَ مَا هُوَ فِيْهِ، وَكَلَّمَهُ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ أَيْضاً، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَأَذِنَ لَهُ فِي الانْصِرَافِ، فَجَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى وَقْتَ العَصْرِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمَرَ أَنْ يَفْرُشَ لَكَ حَرَّاقَةً تَنْحَدِرُ فِيْهَا.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: اطلبُوا لِي زَوْرَقاً أَنْحَدِرِ السَّاعَةَ.
فَطَلَبُوا لَهُ زَوْرَقاً، فَانْحَدَرَ لِوَقْتِهِ.
قَالَ حَنْبَلٌ: فَمَا عَلِمْنَا بِقُدُوْمِه حَتَّى قِيْلَ: إِنَّه قَدْ وَافَى.
فَاسْتَقبَلتُه بِنَاحِيَةِ القَطِيعَةِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الزَّوْرَقِ، فَمَشَيتُ مَعَهُ، فَقَالَ لِي: تَقَدَّمْ لاَ يَرَاكَ النَّاسُ فَيَعرِفُونِي، فَتَقَدَّمْتُهُ.
قَالَ: فَلَمَّا وَصَلَ، أَلْقَى نَفْسَهُ عَلَى قَفَاهُ مِنَ التَّعَبِ وَالعَيَاءِ.
وَكَانَ رُبَّمَا اسْتَعَارَ الشَّيْءَ مِنْ مَنْزِلِنَا وَمَنْزِلِ وَلَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْنَا مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مَا صَارَ، امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَقَدْ وُصِفَ لَهُ فِي عِلَّتِهِ قَرْعَةٌ تُشوَى، فَشُويتْ فِي تَنُّورِ صَالِحٍ، فَعَلِمَ، فَلَمْ يَسْتَعمِلْهَا، وَمِثلُ هَذَا كَثِيْرٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةَ خُرُوْجِ أَبِيْهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَرُجُوعِهِ، وَتَفْتِيْشِ بُيُوْتِهِم عَلَى العَلَوِيِّ، وَوُرُودِ يَعْقُوْبَ بِالبَدرَةِ، وَأَنَّ بَعْضَهَا كَانَ مائَتَيْ دِيْنَارٍ، وَأَنَّهُ بَكَى، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْهُم، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم، عَزمتُ عَلَيْكَ أَنْ تُفرِّقَهَا غَداً.فَلَمَّا أَصْبَحَ، جَاءهُ حَسَنُ بنُ البَزَّارِ، فَقَالَ: جِئنِي يَا صَالِحُ بِمِيْزَانٍ، وَجِّهُوا إِلَى أَبْنَاءِ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ، وَإِلَى فُلاَنٍ.
حَتَّى فَرَّقَ الجَمِيْعَ، وَنَحْنُ فِي حَالَةٍ اللهُ بِهَا عَلِيْمٌ، فَجَاءنِي ابْنٌ لِي، فَطَلَبَ دِرْهَماً، فَأَخْرَجتُ قِطْعَةً، فَأَعطيتُه، فَكَتَبَ صَاحِبُ البَرِيْدِ: إِنَّه تَصدَّقَ بِالكُلِّ لِيَومِهِ، حَتَّى بِالكِيْسِ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ تَصَدَّقَ بِهَا، وَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ قَبِلَ مِنْكَ، وَمَا يَصْنَعُ أَحْمَدُ بِالمَالِ؟! وَإِنَّمَا قُوتُهُ رَغِيْفٌ.
قَالَ: صَدَقتَ.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ أُخرِجَ أَبِي لَيلاً، وَمَعَنَا حُرَّاسٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: أَمَعَكَ دَرَاهِمُ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: أَعطِهِم.
وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ يَسِيْرُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ابْنُ الثَّلْجِيِّ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَذْكُرُكَ.
قَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، سَلِ اللهَ العَافِيَةَ.
قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تُرِيْدُ أَنْ نُؤَدِّيَ عَنْكَ رِسَالَةً إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَسَكَتَ، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الوَابِصِيَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي أَشهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَحْمَدَ يَعْبُدُ مَانِي !
فَقَالَ: يَا أَبَا
يُوْسُفَ، يَكْفِي اللهُ.فَغَضِبَ يَعْقُوْبُ، وَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، أَسْأَلُهُ أَنْ يُطلِقَ لِي كَلِمَةً أُخْبِرُ بِهَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلاَ يَفْعَلُ.
قَالَ: وَوَجَّهَ يَعْقُوْبُ إِلَى المُتَوَكِّلِ بِمَا عَمِلَ، وَدَخَلنَا العَسْكَرَ، وَأَبِي مُنَكِّسُ الرَّأْسِ، وَرَأْسُهُ مُغَطَّى، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوْبُ: اكشِفْ رَأْسَكَ.
فَكَشَفَهُ، ثُمَّ جَاءَ وَصِيْفٌ يُرِيْدُ الدَّارَ، وَوَجَّهَ إِلَى أَبِي بِيَحْيَى بنِ هَرْثَمَةَ، فَقَالَ: يُقرِئُكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُشْمِتْ بِكَ أَهْلَ البِدَعِ، قَدْ عَلِمتَ حَالَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَكَلَّمَ فِيْهِ بِمَا يَجِبُ للهِ.
وَمَضَى يَحْيَى، وَأُنْزِلَ أَبِي فِي دَارِ إِيتَاخَ، فَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، وَقَالَ: قَدْ أَمَرَ لَكُم أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِعَشْرَةِ آلاَفٍ مَكَانَ الَّتِي فَرَّقَهَا، وَأَنْ لاَ يَعلَمَ شَيْخُكُم بِذَلِكَ فَيَغتَمَّ.
ثُمَّ جَاءهُ مُحَمَّدُ بنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يُكثرُ ذِكرَكَ، وَيَقُوْلُ: تُقيمُ هُنَا تُحَدِّثُ.
فَقَالَ: أَنَا ضَعِيْفٌ.
وَصَارَ إِلَيْهِ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ أَمرَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ آتِيَكَ لِتَركَبَ إِلَى ابْنِهِ المُعْتَزِّ.
وَقَالَ لِي: أَمَرَنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُجرَى عَلَيْهِ وَعَلَى قَرَابَتِكُم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ.
ثُمَّ عَادَ يَحْيَى مِنَ الغَدِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تَركبُ؟
قَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم.
وَلَبِسَ إِزَارَه وَخُفَّه، وَكَانَ لِلْخُفِّ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَاماً، قَدْ رُقِّعَ بِرِقَاعٍ عِدَّةٍ، فَأَشَارَ يَحْيَى أَنْ يَلبَسَ قَلَنْسُوَةً.
قُلْتُ: مَا لَهُ قَلَنْسُوَةٌ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَدَخَلَ دَارَ المُعْتَزِّ، وَكَانَ
قَاعِداً عَلَى مَصطَبَةٍ فِي الدَّارِ، فَصَعَدَ، وَقَعَدَ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ جَاءَ بِكَ لِيُسَرَّ بِقُربِكَ، وَيُصَيِّرَ ابْنَهُ عَبْدَ اللهِ فِي حَجْرِكَ.فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الخُدَّامِ أَنَّ المُتَوَكِّلَ كَانَ قَاعِداً وَرَاءَ سِتْرٍ، فَقَالَ لأُمِّهِ: يَا أُمَّه، قَدْ أَنَارَتِ الدَّارُ.
ثُمَّ جَاءَ خَادِمٌ بِمِندِيلٍ، فَأَخَذَ يَحْيَى المِنْدِيلَ، وَذَكَرَ قِصَّةً فِي إِلبَاسِ أَبِي عَبْدِ اللهِ القَمِيصَ وَالقَلَنْسُوَةَ وَالطَّيْلَسَانَ، وَهُوَ لاَ يُحَرِّكُ يَدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ.
وَقَدْ كَانُوا تَحَدَّثُوا: أَنَّهُ يَخلعُ عَلَيْهِ سَوَاداً.
فَلَمَّا جَاءَ، نَزَعَ الثِّيَابَ، وَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: سَلِمتُ مِنْ هَؤُلاَءِ مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِي، بُلِيتُ بِهِم! مَا أَحسَبنِي سَلِمتُ مِنْ دُخُوْلِي عَلَى هَذَا الغُلاَمِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَجِبُ عَلَيَّ نُصحُه؟! يَا صَالِحُ، وَجِّهْ بِهَذِهِ الثِّيَابِ إِلَى بَغْدَادَ تُبَاعُ، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا، وَلاَ يَشتَرِي أَحَدٌ مِنْكُم مِنْهَا شَيْئاً.
فَوجَّهتُ بِهَا إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ، فَبَاعهَا، وَفرَّقَ ثَمنَهَا، وَبَقِيَتْ عِنْدِي القَلَنْسُوَةُ.
قَالَ: وَمَكثَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً يُفطِرُ كُلَّ ثَلاَثٍ عَلَى ثُمْنِ سَوِيْقٍ، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يُفطِرُ لَيْلَةً عَلَى رَغِيْفٍ، وَلَيْلَةً لاَ يُفْطِرُ، وَإِذَا جَاؤُوا بِالمَائِدَةِ، تُوضَعُ فِي الدِّهلِيْزِ لِئَلاَّ يَرَاهَا، وَكَانَ إِذَا أَجْهَدَهُ الحَرُّ، بَلَّ خِرقَةً، فَيَضَعُهَا عَلَى صَدْرِه، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يُوجَّهُ إِلَيْهِ بِابْنِ مَاسَوَيْهِ، فَينظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَنَا أَمِيلُ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَمَا بِكَ عِلَّةٌ سِوَى الضَّعْفِ وَقِلَّةِ الرِّزِّ.
قَالَ: وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَغِيَاثٌ يَصِيرَانِ إِلَيْهِ، وَيَقُوْلاَنِ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا تَقُوْلُ فِي ابْنِ أَبِي دُوَادَ وَفِي مَالِهِ؟فَلاَ يُجِيْبُ بِشَيْءٍ.
وَجَعَلَ يَعْقُوْبُ وَيَحْيَى يُخبِرَانِهِ بِمَا يَحدُثُ فِي أَمرِ ابْنِ دُوَادَ.
ثُمَّ بَعثَ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ مَا أَشهَدَ عَلَيْهِ بِبَيعِ ضِيَاعِهِ، وَكَانَ رُبَّمَا جَاءَ يَحْيَى بنُ خَاقَانَ - وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي - فَيَجْلسُ فِي الدِّهْلِيْزِ حَتَّى يَفرغَ مِنَ الصَّلاَةِ.
وَأَمرَ المُتَوَكِّلُ أَنْ تُشْتَرَى لَنَا دَارٌ، فَقَالَ: يَا صَالِحُ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: لَئِنْ أَقررتَ لَهُم بِشِرَاءِ دَارٍ، لَتَكُونَّنَ القَطيعَةُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يُصَيِّرُوا هَذَا البَلَدَ لِي مَأوَىً.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافعُ بِشرَاءِ الدَّارِ حَتَّى انْدَفَعَ.
وَجَعَلتْ رُسلُ المُتَوَكِّلِ تَأْتِيهِ يَسْأَلُوْنَه عَنْ خَبَرِهِ، وَيَرجِعُوْنَ، فَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ ضَعِيْفٌ.
وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَقُوْلُوْنَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَرَاكَ.
وَجَاءهُ يَعْقُوْبُ، فَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مُشتَاقٌ إِلَيْكَ، وَيَقُوْلُ: انْظُرْ يَوْماً تَصِيْرُ فِيْهِ - أَيَّ يَوْمٍ - حَتَّى أُعَرِّفَهَ.
فَقَالَ: ذَاكَ إِلَيْكُم.
فَقَالَ: يَوْمُ الأَربِعَاءِ، وَخَرَجَ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، جَاءَ، فَقَالَ: البُشْرَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ أَعفَيتُكَ مِنْ لُبسِ السُّودِ وَالرُّكوبِ إِلَى وُلاَةِ العُهُوْدِ وَإِلَى الدَّارِ، فَالبَسْ مَا شِئْتَ.
فَجَعَلَ يَحمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ يَعْقُوْبُ: إِنَّ لِي ابْناً بِهِ مُعْجَبٌ، وَإِنَّ لَهُ فِي قَلْبِي مَوقِعاً، فَأُحِبُّ أَنْ تُحَدِّثَه بأَحَادِيْثَ.
فَسَكَتَ، فلمَا خَرَجَ، قَالَ: أَتُرَاهُ لاَ يَرَى مَا أَنَا فِيْهِ؟!!
وَكَانَ يَختِمُ القُرْآنَ مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ، وَإِذَا خَتمَ، دَعَا، وَنَحْنُ
نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا كَانَ غَدَاةَ الجُمُعَةِ، وَجَّهَ إِلَيَّ وَإِلَى أَخِي.فَلَمَّا خَتمَ، جَعَلَ يَدعُو وَنَحْنُ نُؤَمِّنُ، فَلَمَّا فَرَغَ، جَعَلَ يَقُوْلُ: أَستَخِيرُ اللهَ مَرَّاتٍ.
فَجعلتُ أَقُوْلُ: مَا يُرِيْدُ؟
ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أُعْطِي اللهَ عَهداً، إِنَّ عَهدَه كَانَ مَسْؤُوْلاً، وَقَالَ -تَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُوْدِ} [المَائِدَةُ: 1] إِنِّي لاَ أُحدِّثُ بِحَدِيْثٍ تَمَامٍ أَبَداً حَتَّى أَلقَى اللهَ، وَلاَ أَسْتَثنِي مِنْكُم أَحَداً.
فَخَرَجْنَا، وَجَاءَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: إِنَا للهِ وَإِنَا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
وَأُخبِرَ المُتَوَكِّلُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ: إِنَّمَا يُرِيْدُوْنَ أُحدِّثُ، وَيَكُوْنُ هَذَا البَلَدُ حَبْسِي، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الَّذِيْنَ أَقَامُوا بِهَذَا البَلَدِ لَمَّا أُعطُوا فَقَبِلُوا، وَأُمِرُوا فَحَدَّثُوا، وَاللهِ لَقَدْ تَمنَّيتُ المَوْتَ فِي الأَمْرِ الَّذِي كَانَ، وَإِنِّي لأَتَمنَّى المَوْتَ فِي هَذَا وَذَاكَ، إِنَّ هَذَا فِتْنَةَ الدُّنْيا، وَذَاكَ كَانَ فِتنَةَ الدِّينِ.
ثُمَّ جَعَل يَضُمُّ أَصَابعَه، وَيَقُوْلُ: لَوْ كَانَ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.
ثُمَّ يَفتَحُ أَصَابِعَه.
وَكَانَ المُتَوَكِّلُ يُكثرُ السُّؤَالَ عَنْهُ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ يَأْمرُ لَنَا بِالمَالِ، وَيَقُوْلُ: لاَ يَعلَمْ شَيْخُهُم فَيَغْتَمَّ، مَا يُرِيْدُ مِنْهُم؟ إِنْ كَانَ هُوَ لاَ يُرِيْدُ الدُّنْيَا، فَلِمَ يَمْنَعُهُم؟!
وَقَالُوا لِلْمُتَوَكِّلِ: إِنَّه لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ، وَلاَ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِكَ، وَيُحرِّمُ الَّذِي تَشربُ.
فَقَالَ: لَوْ نُشِرَ لِيَ المُعْتَصِمُ، وَقَالَ فِيْهِ شَيْئاً، لَمْ أَقبَلْ مِنْهُ.
قَالَ صَالِحٌ: ثُمَّ انحدرتُ إِلَى بَغْدَادَ، وَخَلَّفتُ عَبْدَ اللهِ عِنْدَهُ، فَإذَا عَبْدُ اللهِ قَدْ قَدِمَ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟
قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أَنْحَدِرَ.
وَقَالَ: قُلْ لِصَالِحٍ:
لاَ تَخرُجْ، فَأَنْتُم كُنْتُم آفَتِي، وَاللهِ لَوْ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ، مَا أَخْرَجتُ وَاحِداً مِنْكُم مَعِي، لَولاَكُم لِمَنْ كانتْ تُوضَعُ هَذِهِ المَائِدَةُ، وَتُفرَشُ الفُرُشُ، وَتُجرَى الأَجْرَاءُ ؟فَكتبتُ إِلَيْهِ أُعْلِمُه بِمَا قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ بِخَطِّهِ:
أَحسنَ اللهُ عَاقبَتكَ، وَدَفَعَ عَنْكَ كُلَّ مَكرُوهٍ وَمَحذُورٍ، الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الكِتَابِ إِلَيْكَ الَّذِي قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ، لاَ يَأْتِينِي مِنْكُم أَحَدٌ رَجَاءَ أَنْ يَنقطِعَ ذِكْرِي وَيَخمُلَ، وَإِذَا كُنْتُم هَا هُنَا، فَشَا ذِكرِي، وَكَانَ يَجتمعُ إِلَيْكُم قَوْمٌ يَنقُلُوْنَ أَخبَارَنَا، وَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ خَيْرٌ، فَإِنْ أَقَمْتَ فَلَمْ يَأْتِنِي أَنْتَ وَلاَ أَخُوكَ، فَهُوَ رِضَائِي، وَلاَ تَجعلْ فِي نَفْسِكَ إِلاَّ خَيْراً، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ: وَلَمَّا سَافَرْنَا، رُفِعَتِ المَائِدَةُ وَالفُرُشُ، وَكُلُّ مَا أُقِيمَ لَنَا.
قَالَ صَالِحٌ: وَبَعَثَ المُتَوَكِّلُ إِلَى أَبِي بِأَلفِ دِيْنَارٍ لِيَقْسِمَهَا، فَجَاءهُ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ يُهَيِّئُ لَهُ حَرَّاقَةً، ثُمَّ جَاءَ عُبَيْدُ اللهِ بِأَلفِ دِيْنَارٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَذِنَ لَكَ، وَأَمرَ لَكَ بِهَذَا.
فَقَالَ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ.
فَرَدَّهَا، وَقَالَ: أَنَا رَقِيْقٌ عَلَى البَردِ، وَالظّهرُ أَرْفَقُ بِي.
فَكُتِبَ لَهُ جَوَازٌ، وَكُتِبَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ فِي بِرِّهِ وَتَعَاهُدِهِ.
فَقَدِمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا صَالِحُ.
قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَدعَ هَذَا الرِّزْقَ، فَإِنَّمَا تَأْخذُونَه بِسَبَبِي.
فَسَكَتَ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قُلْتُ: أَكرَهُ أَنْ أُعطِيَكَ بِلِسَانِي، وَأُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ فِي القَوْمِ أَكْثَرُ عِيَالاً مِنِّي، وَلاَ أُعذَرُ، وَقَدْ كُنْتُ أَشكُو إِلَيْكَ، وَتَقُوْلُ: أَمرُكَ مُنعقِدٌ بِأَمرِي، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَحُلَّ عَنِّي هَذِهِ العُقْدَةَ، وَقَدْ كُنْتَ تَدعُو لِي، فَأَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ اللهُ قَدِ اسْتَجَابَ لَكَ.
فَقَالَ: وَاللهِ لاَ تَفعَلُ.
فَقُلْتُ: لاَ.
فَقَالَ: لِمَ؟ فَعَلَ اللهُ بِكَ وَفَعَلَ!!
وَذَكَرَ قِصَّةً فِي دُخُوْلِ عَبْدِ اللهِ أَخِيْهِ عَلَيْهِ، وَقَولِه وَجَوَابِه لَهُ، ثُمَّ دُخُوْلِ عَمِّه عَلَيْهِ، وَإِنْكَارِه لِلأَخذِ.قَالَ: فَهَجَرَنَا أَبِي، وَسَدَّ الأَبْوَابَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَتَحَامَى مَنَازِلَنَا، ثُمَّ أُخْبِرَ بِأَخذِ عَمِّه، فَقَالَ: نَافَقْتَنِي وَكَذَبْتَنِي!!
ثُمَّ هَجَرَهُ، وَتَركَ الصَّلاَةَ فِي المَسْجَدِ، وَخَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ آخرَ يُصَلِّي فِيْهِ.
ثُمَّ ذَكرَ قِصَّةً فِي دُعَائِهِ صَالِحاً، وَمُعَاتَبَتِه لَهُ، ثُمَّ فِي كِتَابَتِهِ إِلَى يَحْيَى بنِ خَاقَانَ لِيترُكَ مَعُونَةَ أَوْلاَدِهِ، وَأَنَّ الخَبَرَ بَلَغَ المُتَوَكِّلَ، فَأَمرَ بِحَمْلِ مَا اجْتَمَعَ لَهُم مِنْ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ إِلَيْهِم، فَكَانَ أَرْبَعِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَسَكَتَ قَلِيْلاً، وَأَطرقَ، ثُمَّ قَالَ: مَا حِيلتِي إِنْ أَرَدْتُ أَمراً، وَأَرَادَ اللهُ أَمراً؟!
قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ يَأْتِي أَبِي يُبلغُه السَّلاَمَ، وَيَسْأَلُه عَنْ حَالِه.
قَالَ: فَتَأخُذُه قُشَعْرِيرَةٌ حَتَّى نُدَثِّرَهُ، ثُمَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ لَوْ أَنَّ نَفْسِي فِي يَدِي، لأَرسَلْتُهَا.
وَجَاءَ رَسُوْلُ المُتَوَكِّلِ إِلَيْهِ يَقُوْلُ: لَوْ سَلِمَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، سَلِمتَ أَنْتَ، رَفعَ رَجُلٌ إِلَيْنَا : أَنَّ عَلَوِيّاً قَدِمَ مِنْ خُرَاسَانَ، وَأَنَّكَ وَجَّهتَ إِلَيْهِ مَنْ يَلقَاهُ، وَقَدْ حَبستَ الرَّجُلَ، وَأَردتَ ضَربَه، فَكرهتُ أَنْ تَغتَمَّ، فَمُرْ فِيْهِ.
قَالَ: هَذَا بَاطِلٌ يُخَلَّى سَبِيلُهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ صَالِحٌ قِصَّةً فِي قُدُومِ المُتَوَكِّلِ بَغْدَادَ، وَإِشَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَى صَالِحٍ بِأَنْ لاَ يَذْهَبَ إِلَيْهِم، وَمَجِيْءِ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ مِنْ عِنْدِ المُتَوَكِّلِ،
وَقَولِهِ: قَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِنْ كُلِّ مَا أَكرَهُ، وَفِي تَوْجِيْهِ أَمِيْرِ بَغْدَادَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ إِلَى أَحْمَدَ لِيحضُرَ إِلَيْهِ، وَامتنَاعِ أَحْمَدَ، وَقَولِهِ: أَنَا رَجُلٌ لَمْ أُخَالطِ السُّلْطَانَ، وَقَدْ أَعفَانِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِمَّا أَكرَهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ.قَالَ: وَكَانَ قَدْ أَدمنَ الصَّوْمَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ سَامَرَّاءَ، وَجَعَلَ لاَ يَأْكُلُ الدَّسمَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُشترَى لَهُ الشّحمُ بِدِرْهَمٍ، فَيَأكلُ مِنْهُ شَهْراً !!
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ المَرُّوْذِيَّ حَدَّثهُم، قَالَ:
كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ يَقُوْلُ: انْظُرْ، هَلْ تَجدُ مَاءَ بَاقِلَّى ؟ فَكُنْتُ رُبَّمَا بَللتُ خُبزَه بِالمَاءِ، فَيَأْكلُهُ بِالملحِ.
وَمُنْذ دَخلْنَا العَسْكَرَ إِلَى أَنْ خَرَجْنَا، مَا ذَاقَ طَبيخاً وَلاَ دَسماً.
وَعَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: أَنبَهنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ لَيْلَةً، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطعِمْنِي شَيْئاً.
فَجِئتُه بِأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكلَهُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ العَوْنَ عَلَى نَفْسِي، مَا أَكلتُ.
وَكَانَ يَقومُ إِلَى المخرجِ، فَيقعدُ يَسْتَريحُ مِنَ الجُوعِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ، لِترجعَ نَفْسُه إِلَيْهِ، حَتَّى إِنَّه أَوْصَى مِنَ الضَّعْفِ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ - وَنَحْنُ بِالعَسْكَرِ هَذَا -:
مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: أَوْصَى أَبِي هَذِهِ:هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِله إِلاَّ اللهَ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَوْصَى أَنْ عَلَيَّ لِفُوْرَانَ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَهُوَ مُصدَّقٌ فِيْمَا قَالَ، فَيُقضَى مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ، فَإذَا اسْتَوفَى، أُعْطِيَ وَلَدُ عَبْدِ اللهِ وَصَالِحٍ، كُلُّ ذَكَرٍ وَأُنثَى عَشْرَةَ دَرَاهِمَ.
شَهِدَ: أَبُو يُوْسُفَ، وَعَبْدُ اللهِ وَصَالِحٌ؛ ابْنَا أَحْمَدَ.
أَنْبَؤُوْنَا عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ المُقْرِئَ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَتبَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى أَبِي يُخبرُه أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ أَمَرنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ أَسْأَلَكَ عَنِ القُرْآنِ، لاَ مَسْأَلَةَ امْتِحَانٍ، لَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبصِرَةٍ.
فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبِي: إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ يَحْيَى، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، أَحسنَ اللهُ عَاقبتَكَ أَبَا الحَسَنِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ المَكَارِهَ بِرَحْمَتِه، قَدْ كَتبتُ إِلَيْكَ - رَضِيَ اللهُ عَنْكَ - بِالَّذِي سَألَ عَنْهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِأَمرِ القُرْآنِ بِمَا حَضَرَنِي، وَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدِيْمَ تَوفيقَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي خَوضٍ مِنَ البَاطِلِ، وَاخْتِلاَفٍ شَدِيدٍ يَنغمسُوْنَ فِيْهِ، حَتَّى أَفضَتِ الخِلاَفَةُ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَنَفَى اللهُ بِهِ كُلَّ بِدعَةٍ، وَانْجلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُوا فِيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ المَحَابِسِ، فَصَرَفَ اللهُ ذَلِكَ كُلَّه، وَذَهَبَ بِهِ بِأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ مَوقِعاً عَظِيْماً، وَدَعَوُا اللهَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، وَأَسأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَجيبَ فِي أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ صَالِحَ الدُّعَاءِ، وَأَنْ يُتِمَّ ذَلِكَ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ،
وَأَنْ يَزِيْدَ فِي نِيَّتِه، وَأَنْ يُعِينَه عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.فَقَدْ ذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لاَ تَضرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ يُوقِعُ الشَّكَّ فِي قُلُوْبِكُم.
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ نَفَراً كَانُوا جُلُوْساً بِبَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
وَقَالَ بَعْضُهُم: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ كَذَا؟
فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ، فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم فِي مِثْلِ هَذَا، إِنَّكُم لَسْتُمْ مِمَّا هَا هُنَا فِي شَيْءٍ، انْظُرُوا الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْظُرُوا الَّذِي نُهِيْتُم عَنْهُ، فَانْتَهُوا عَنْهُ ) .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مِرَاءٌ فِي القُرْآنِ كُفْرٌ).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ:عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ تَمَارَوْا فِي القُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيْهِ كُفْرٌ ) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدِمَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُه عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَرَأَ القُرْآنَ مِنْهُم كَذَا وَكَذَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ يَتَسَارعُوا يَوْمَهُم فِي القُرْآنِ هَذِهِ المُسَارَعَةَ.
فَزَبَرَنِي عُمَرُ، وَقَالَ: مَهْ.
فَانطَلقتُ إِلَى مَنْزِلِي كَئِيباً حَزِيناً، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَخَرَجتُ، فَإذَا هُوَ بِالبَابِ يَنْتظِرُنِي، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَخَلاَ بِي، وَقَالَ: مَا الَّذِي كَرهتَ؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَتَى يَتَسَارعُوا هَذِهِ المُسَارَعَةَ، يَحْتَقُّوا، وَمَتَى مَا يَحْتَقُّوا، يَخْتَصِمُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَصِمُوا، يَخْتَلِفُوا، وَمَتَى مَا يَخْتَلِفُوا، يَقْتَتِلُوا.
قَالَ: للهِ أَبُوكَ! وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأَكتُمَهَا النَّاسَ حَتَّى جِئْتَ بِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعرِضُ نَفْسَه عَلَى النَّاسِ بِالمَوْقِفِ، فَيَقُوْلُ: (هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشاً قَدْ مَنَعُوْنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلاَمَ رَبِّي).
وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكُم لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ) .
يَعْنِي: القُرْآنَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ: جَرِّدُوا القُرْآنَ، لاَ تَكْتُبُوا فِيْهِ شَيْئاً إِلاَّ كَلاَمَ اللهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ، فَضَعُوهُ مَوَاضِعَه.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، إِنِّي إِذَا قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ وَتَدبَّرتُه، كِدتُ أَنْ آيَسَ، وَينقطعَ رَجَائِي.
فَقَالَ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، وَأَعمَالُ ابْنِ آدَمَ إِلَى الضَّعفِ وَالتَّقْصِيرِ، فَاعمَلْ، وَأَبْشِرْ.
وَقَالَ فَرْوَةُ بنُ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيُّ: كُنْتُ جَاراً لِخَبَّابٍ، فَخَرَجتُ يَوْماً مَعَهُ إِلَى المَسْجَدِ، وَهُوَ أَخذَ بِيَدِي، فَقَالَ: يَا هَنَاهُ، تَقَرَّبْ إِلَى اللهِ بِمَا اسْتطعتَ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلاَمِه.
وَقَالَ رَجُلٌ لِلْحَكَمِ: مَا حَمَلَ أَهْلَ الأَهوَاءِ عَلَى هَذَا؟
قَالَ: الخُصومَاتُ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ: إِيَّاكُم وَهَذِهِ الخُصُومَاتِ، فَإِنَّهَا تُحبطُ الأَعْمَالَ.
وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الأَهوَاءِ -أَوْ قَالَ: أَصْحَابَ الخُصُومَاتِ- فَإِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَغمِسُوكم فِي ضَلاَلتِهِم، وَيُلْبِسُوا عَلَيْكُم بَعْضَ مَا تَعْرِفُوْنَ.وَدَخَلَ رَجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ الأهوَاءِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، فَقَالاَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، نُحدَّثُكَ بِحَدِيْثٍ؟
قَالَ: لاَ.
قَالاَ: فَنَقرأُ عَلَيْكَ آيَةً؟
قَالَ: لاَ، لَتَقُوْمَانِ عَنِّي، أَوْ لأَقُومَنَّه.
فَقَامَا.
فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: يَا أَبَا بَكْرٍ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْ يُقرَأَ عَلَيْكَ آيَةٌ؟
قَالَ :.....، وَقَالَ: خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي.
وَقَالَ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ لأَيُّوبَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ؟
فَوَلَّى، وَهُوَ يَقُوْلُ بِيَدِهِ: لاَ، وَلاَ نِصْفَ كَلِمَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ طَاوُوْسٍ لاِبْنٍ لَهُ يُكَلِّمهُ رَجُلٌ مِن أَهْلِ البِدَعِ: يَا بُنَيَّ، أَدْخِلْ أُصبُعَيكَ فِي أُذُنَيكَ حَتَّى لاَ تَسْمَعَ مَا يَقُوْلُ.
ثُمَّ قَالَ: اشْدُدْ اشْدُدْ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرضاً لِلْخُصُوْمَاتِ، أَكْثَرَ التَّنقُّلَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ النَّخَعِيُّ: إِنَّ القَوْمَ لَمْ يُدَّخرْ عَنْهُم شَيْءٌ خُبِّئَ لَكُم لِفضلٍ عِنْدكُم.
وَكَانَ الحَسَنُ يَقُوْلُ: شَرُّ دَاءٍ خَالَطَ قَلْباً -يَعْنِي: الأَهوَاءَ-.
وَقَالَ حُذَيْفَةُ: اتَّقُوا اللهَ، وَخُذُوا طَرِيْقَ مَنْ كَانَ قَبلَكُم، وَاللهِ لَئِنْ اسْتَقَمتُم، لَقَدْ سَبَقتُم سَبْقاً بَعِيْداً، وَلَئِنْ تَرَكتُمُوهُ يَمِيْناً وَشِمَالاً، لَقَدْ ضَلَلْتُم
ضَلاَلاً بَعِيْداً -أَوْ قَالَ: مُبِيناً-.قَالَ أَبِي: وَإِنَّمَا تَركتُ الأَسَانِيْدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اليَمِيْنِ الَّتِي حَلَفتُ بِهَا مِمَّا قَدْ عَلِمَه أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، وَلَوْلاَ ذَاكَ، ذَكَرْتُهَا بأَسَانِيْدِهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [التَّوبَةُ: 6] .
وَقَالَ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأَعْرَافُ: 54] .
فَأَخبَرَ أَنَّ الأَمْرَ غَيْرُ الخَلقِ.
وَقَالَ: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ القُرْآنَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ البَيَانُ} [الرَّحمنُ: 1 - 4] .
فَأَخبرَ أَنَّ القُرْآنَ مِنْ عِلمِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُوْدُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم، قُلْ: إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى، وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيْرٍ} [البَقَرَةُ: 120]
وَقَالَ: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} [البَقَرَةُ: 145] .
وَإلَى قَوْلِهِ: {وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِنْ بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ العِلْمِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِيْنَ} [البَقَرَةُ: 145] .
فَالقُرْآنُ مِنْ عِلمِ اللهِ.
وَفِي الآيَاتِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي جَاءهُ هُوَ القُرْآنُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ أنَّهُم كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَهُوَ الَّذِي أَذهبُ إِلَيْهِ، لَسْتُ بِصَاحِبِ كَلاَمٍ، وَلاَ أَرَى الكَلاَمَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِلاَّ مَا كَانَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، أَوْ حَدِيْثٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ عَنِ أَصْحَابِهِ، أَوْ عَنِ التَّابِعِيْنَ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الكَلاَمَ فِيْهِ غَيْرُ مَحمودٍ.
فَهَذِهِ الرِّسَالَةُ إِسْنَادُهَا كَالشَّمْسِ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا النَّفَسِ النُّورَانِيِّ، لاَ كَرِسَالَةِ الإِصْطَخْرِيِّ، وَلاَ كَالرَّدِّ عَلَى الجَهْمِيَّةِ المَوْضُوْعِ عَلَى أَبِي عَبْدِ
اللهِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ كَانَ تَقيّاً وَرِعاً، لاَ يَتَفَوَّهُ بِمِثلِ ذَلِكَ.وَلَعَلَّهُ قَالَهُ، وَكَذَلِكَ رِسَالَةُ المُسِيءِ فِي الصَّلاَةِ بَاطلَةٌ.
وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَصلاً وَفَرعاً فَفِيْهِ كِفَايَةٌ، وَمِمَّا ثَبَتَ عَنْهُ مَسْأَلَةُ الإِيْمَانِ، وَقَدْ صَنَّفَ فِيْهَا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعَملٌ، يَزِيْدُ وَيَنقصُ، البِرُّ كُلُّهُ مِنَ الإِيْمَانِ، وَالمَعَاصِي تُنْقِصُ الإِيْمَانَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَسَمِعَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ أَحْمَدَ يَقُوْلُ ذَلِكَ، وَهَذَا مُتَوَاتِرٌ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَنْ قَالَ: القُرْآنُ مُحدَثٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ الحَسَنِ السَّرَّاجُ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَمَّنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، قَالَ: كَافِرٌ.
وَعَمَّنْ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ.
وَقَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: تَنَاهَى إِلَى أَبِي أَنَّ أَبَا طَالِبٍ يَحكِي أَنَّهُ يَقُوْلُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَخْبَرتُ بِذَلِكَ أَبِي، فَقَالَ: مَنْ حَدَّثَكَ؟
قُلْتُ: فُلاَنٌ.
قَالَ: ابعَثْ إِلَى أَبِي طَالِبٍ.
فَوَجَّهتُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ، وَجَاءَ فُوْرَانُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: أَنَا قُلْتُ لَكَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟!
وَغَضِبَ، وَجَعَلَ يَرْعُدُ، فَقَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْكَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَصُ: 1] ، فَقُلْتَ لِي: لَيْسَ هَذَا بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ: فَلِمَ حَكيتَ عَنِّي أَنِّي قُلْتُ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ كَتَبتَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْمٍ، فَامْحُهُ، وَاكتُبْ إِلَيْهِم أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ لَكَ.
فَجَعَلَ فُوْرَانُ يَعتذِرُ إِلَيْهِ، فَعَادَ أَبُو طَالِبٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى القَوْمِ يَقُوْلُ: وَهِمْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قُلْتُ: الَّذِي اسْتَقرَّ الحَالُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ يَقُوْلُ:
مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
فَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- لاَ يَقُوْلُ هَذَا وَلاَ هَذَا، وَرُبَّمَا أَوضحَ ذَلِكَ، فَقَالَ:
مَنْ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ - يُرِيْدُ بِهِ القُرْآنَ - فَهُوَ جَهْمِيٌّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ زَنْجُوْيَةَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: اللَّفظيَّةُ شَرٌّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ صَالِحٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
الجَهْمِيَّةُ ثَلاَثُ فِرَقٍ: فِرقَةٌ قَالَتْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ، وَفِرقَةٌ قَالُوا: كَلاَمُ اللهِ وَسَكَتُوا، وَفِرقَةٌ قَالُوا: لَفْظُنَا بِهِ مَخْلُوْقٌ.
ثُمَّ قَالَ أَبِي: لاَ يُصَلَّى خَلْفَ وَاقِفِيٍّ، وَلاَ لَفْظِيٍّ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: أَخبرتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ:
أَنَّ أَبَا شُعَيْبٍ السُّوْسِيَّ الرَّقِّيَّ، فَرَّقَ بَيْنَ بِنتِهِ وَزَوْجِهَا لَمَّا وَقَفَ فِي القُرْآنِ، فَقَالَ: أَحسَنَ - عَافَاهُ اللهُ -.
وَجَعَلَ يَدعُو لَهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَمَّا أَظهرَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ الوَقفَ، حَذَّرَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَأَمَرَ بِهُجْرَانِهِ.
لأَبِي عَبْدِ اللهِ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ نُقُوْلٌ عِدَّةٌ: فَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الكَرَابِيْسِيُّ، وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، وَوَضَعَ كِتَاباً فِي المُدَلِّسِينَ، يَحُطُّ عَلَى جَمَاعَةٍ: فِيْهِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ مِنَ الخَوَارِجِ.
وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ يُقَوِّي بِهِ الرَّافِضَةَ، فَأُعلِمَ أَحْمَدُ، فَحذَّرَ مِنْهُ، فَبلغَ الكَرَابِيْسِيَّ، فَتَنَمَّرَ، وَقَالَ: لأَقُولَنَّ مَقَالَةً حَتَّى يَقُوْلَ ابْنُ حَنْبَلٍ بِخِلاَفِهَا، فَيكْفُرُ.
فَقَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
فَقَالَ المَرُّوْذِيُّ فِي كِتَابِ (القَصَصِ) : فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ الكَرَابِيْسِيَّ قَالَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَأَنَّهُ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ إِلاَّ أَنَّ لَفْظي بِهِ مَخْلُوْقٌ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: بَلْ هُوَ الكَافِرُ - قَاتلَهُ اللهُ - وَأَيَّ شَيْءٍ قَالَتْ الجَهْمِيَّةُ إِلاَّ هَذَا؟ وَمَا يَنْفُعُهُ، وَقَدْ نَقَضَ كَلاَمُهُ الأَخِيْرُ كَلاَمَهُ الأَوّلَ؟!
ثُمَّ قَالَ: أَيْشٍ خَبَرُ أَبِي ثَوْرٍ، أُوَافِقَهُ عَلَى هَذَا؟
قُلْتُ: قَدْ هَجَرَهُ.
قَالَ: أَحسنَ، لَنْ يُفلِحَ أَصْحَابُ الكَلاَمِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سُئِلَ أَبِي، وَأَنَا أَسْمَعُ عَنِ اللَّفظيَّةِ وَالواقفَةِ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ مِنْهُم يُحسنُ الكَلاَمَ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ.الحَكَمُ بنُ مَعْبَدٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ، قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يَقُوْلُوْنَ: لَفْظي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ؟
فَرَأَيْتُه اسْتَوَى، وَاجْتَمَعَ، وَقَالَ: هَذَا شرٌّ مِنْ قَوْلِ الجَهْمِيَّةِ.
مَنْ زَعَمَ هَذَا، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ جِبْرِيْلَ تَكَلَّمَ بِمَخْلُوْقٍ، وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَخْلُوْقٍ.
فقد كَانَ هَذَا الإِمَامُ لاَ يَرَى الخَوضَ فِي هَذَا البَحثِ؛ خَوْفاً مِنْ أَنْ يَتَذرَّعَ بِهِ إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَالكَفُّ عَنْ هَذَا أَوْلَى، آمَنَّا بِاللهِ -تَعَالَى- وَبِمَلاَئِكتِهِ، وَبكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَأَقْدَارِهِ، وَالبَعْثِ وَالعَرضِ عَلَى اللهِ يَوْمَ الدِّينِ.
وَلَوْ بُسِطَ هَذَا السَّطرُ، وَحُرِّرَ وقُرِّرَ فِيْهَا بِأَدِلَّتِهِ، لَجَاءَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ، بَلْ ذَلِكَ مَوْجُوْدٌ مَشروحٌ لِمَنْ رَامَهُ، وَالقُرْآنُ فِيْهِ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ، وَمَعُلُوْمٌ أَنَّ التَّلفُّظَ شَيْءٌ مِنْ كَسبِ القَارِئِ غَيْرِ المَلْفُوْظِ، وَالقِرَاءةُ غَيْرُ الشَّيْءِ المَقرُوءِ، وَالتِّلاَوَةُ وَحُسنُهَا وَتَجويدُهَا غَيْرُ المَتْلُوِّ، وَصَوتُ القَارِئِ مِنْ كَسبِهِ فَهُوَ يُحْدِثُ التَّلفُّظَ وَالصَّوتَ وَالحَرَكَةَ وَالنُّطقَ، وَإِخْرَاجَ الكَلِمَاتِ مِنْ أَدَوَاتِهِ المَخْلُوْقَةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ كَلِمَاتِ القُرْآنَ، وَلاَ تَرْتِيْبَهُ، وَلاَ تَأْلِيفَهُ، وَلاَ مَعَانيهِ.
فَلَقَدْ أحسنَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَيْثُ مَنعَ مِنَ الخَوضِ فِي المَسْأَلَةِ مِنَ الطَّرفَينِ، إِذ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ إِطْلاَقِ الخَلْقيَّةِ وَعَدَمِهَا عَلَى اللَّفْظِ مُوهِمٌ، وَلَمْ يَأتِ بِهِ كِتَابٌ وَلاَ سُنَّةٌ، بَلِ الَّذِي لاَ نَرتَابُ فِيْهِ أَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ مَنْزَلٌ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا الأَصَمُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيَّ، سَمِعْتُ فُوْرَانَ صَاحِبَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:سَأَلَنِي الأَثْرَمُ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ المُعَيْطِيُّ أَنْ أَطلبَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ خَلوةً، فَأَسألُهُ فِيْهَا عنْ أَصْحَابِنَا الذينَ يُفرِّقونَ بينَ اللَّفْظِ وَالمحكِيِّ.
فَسَأَلتُه، فَقَالَ: القُرْآنُ كَيْفَ تُصُرِّفَ فِي أَقوَالِه وَأَفْعَالِه، فَغيرُ مَخْلُوْقٍ.
فَأَمَّا أَفْعَالُنَا فمَخْلُوْقَةٌ.
قُلْتُ: فَاللَّفظيَّةُ تَعدُّهُم يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي جُمْلَةِ الجَهْمِيَّةِ؟
فَقَالَ: لاَ، الجَهْمِيَّةُ الَّذِيْنَ قَالُوا: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ فُوْرَانَ يَقُوْلُ:
جَاءنِي ابْنُ شَدَّادٍ بِرقعَةٍ فِيْهَا مَسَائِلُ، وَفِيْهَا: إنَّ لَفْظي بِالقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، فَضَرَبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَلَى هَذِهِ، وَكَتَبَ: القُرْآنُ حَيْثُ تُصُرِّفَ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ أسمَاءَ اللهِ مَخْلُوْقَةٌ، فَقَدْ كَفَرَ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ لاَ يُفلِحُ، مَنْ تَعَاطَى الكَلاَمَ، لَمْ يَخلُ مِنْ أَنْ يَتَجَهَّمَ.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَنْ أَحَبَّ الكَلاَمَ لَمْ يُفلحْ، لأنَّهُ يَؤُوْلُ أَمرَهُم إِلَى حَيْرَةٍ، عَلَيْكُم بِالسُّنَّةِ وَالحَدِيْثِ، وَإِيَّاكُم وَالخوضَ فِي الجِدَالِ وَالمِرَاءِ، أَدْرَكنَا النَّاسَ وَمَا يَعْرِفُوْنَ هَذَا الكَلاَمَ، عَاقبَةً الكَلاَمِ لاَ تَؤُولُ إِلَى خَيْرٍ.
وَللإِمَامِ أَحْمَدَ كَلاَمٌ كَثِيْرٌ فِي التَحْذِيْرِ مِنَ البِدَعِ وَأَهلهَا، وَأَقْوَال فِي السُّنَّةِ.
وَمَنْ نظرَ فِي كِتَابِ (السُّنَّةِ) لأَبِي بَكْرٍ الخَلاَّلِ، رَأَى فِيْهِ عِلْماً غَزِيْراً وَنقلاً كَثِيْراً.
وَقد أوردتُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً فِي تَرْجَمَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي (تَارِيْخ الإِسْلاَم) ، وَفِي كِتَابِ (العِزَّةُ لِلْعَلِيِّ العَظِيْمِ) .
فَتَّرَنِي عَنِ إِعَادَتِه هُنَا عَدمُ النِّيَّةِ.
فَنسأَلُ اللهَ الهَدَى، وَحُسنَ القصدِ. وَإِلَى الإِمَامِ أَحْمَدَ المُنْتَهَى فِي
مَعْرِفَة السُّنَّةِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَفِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَفُنونِه، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِه.وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ وَالعِبَادَةِ وَالصِّدْقِ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ، فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّةَ، يُرِيْدُ المَدَائِنَ، فَقَالَ لِي أَبِي: أُحِبُّ أَنْ لاَ تَذْهَبَ إِلَيْهِم تُنَبِّهُ عَلَيَّ.
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْماً مَطيراً، فَإذَا بِيَحْيَى بنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَالمَطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: سُبْحَانَ اللهِ! لَمْ تَصرْ إِلَيْنَا حَتَّى تُبَلِّغَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ عَنْ شَيْخِك، حَتَّى وَجَّهَ بِي، ثُمَّ نَزَلَ خَارجَ الزُّقَاقِ، فَجهدتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَرَ.
فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوْقَهُ، وَدَخَلَ، وَأَبِي فِي الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاءٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقبَّلَ جَبهَتَه، وَسَاءلَه عَنْ حَالِه، وَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَنْتَ فِي نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُكَ؟ وَقَدْ أَنستُ بقُربِك، وَيَسْألُكَ أَنْ تَدعُوَ لَهُ.
فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَأَنَا أَدعُو اللهَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلفَ دِيْنَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَةِ.
فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، أَنَا فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ، وَقَدْ أَعفَانِي مِنْ كُلِّ مَا أَكرهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الخُلَفَاءُ لاَ يَحتملُوْنَ هَذَا.
فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تلطَّفْ فِي ذَلِكَ.
فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ، رَجَعَ، وَقَالَ: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفعَلُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا صِرنَا إِلَى الدِهْلِيْزِ، قَالَ: أَمرنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَدفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا.
فَقُلْتُ: تَكُوْنُ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ
بنِ حَبِيْبٍ، سَمِعْتُ المِسْعَرِيَّ مُحَمَّدَ بنَ وَهْبٍ، قَالَ:كُنْتُ مُؤَدِّباً لِلْمُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا اسْتُخلِفَ، أَدنَانِي، وَكَانَ يَسْأَلُنِي وَأُجِيبُهُ عَلَى مَذْهَبِ الحَدِيْثِ، وَالعِلْمِ.
وَإِنَّهُ جلَسَ لِلْخَاصَّةِ يَوْماً، ثُمَّ قَامَ، حَتَّى دَخَلَ بَيتاً لَهُ مِنْ قَوَارِيْرَ؛ سَقْفُهُ وَحيطَانُهُ وَأَرْضُهُ، وَقَدْ أُجْرِيَ لَهُ المَاءُ فِيْهِ، يَتَقَّلبُ فِيْهِ.
فَمَنْ دَخَلَهُ، فَكَأَنَّهُ فِي جَوفِ المَاءِ جَالِسٌ.
وَجَلَسَ عَنْ يَمِيْنِه: الفَتْحُ بنُ خَاقَانَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ.
وَعَنْ يَسَارِهِ: بُغَا الكَبِيْرُ، وَوَصِيْفٌ، وَأَنَا وَاقفٌ إِذ ضَحكَ، فَأَرمَّ القَوْمُ، فَقَالَ:
أَلاَ تَسْأَلونِي مِن مَا ضَحِكْتُ؟! إِنِّي ذَاتَ يَوْمٍ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ الوَاثِقِ، وَقَدْ قَعَدَ لِلْخَاصَّةِ، ثُمَّ دَخَلَ هُنَا، وَرُمْتُ الدُخُوْلَ، فَمُنِعتُ، وَوَقَفتُ حَيْثُ ذَاكَ الخَادِمُ وَاقِفٌ، وَعِنْدَهُ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَابْنُ الزَّيَّات، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ.
فَقَالَ الوَاثِقُ: لَقَدْ فكَّرتُ فِيْمَا دَعوتُ إِلَيْهِ النَّاسَ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَسُرعَةَِ إِجَابَةِ مَنْ أَجَابَنَا، وَشِدَّةِ خِلاَفِ مَنْ خَالَفَنَا مَعَ الضَّربِ وَالسَّيْفِ، فَوَجَدْتُ مَنْ أَجَابَنَا رَغبَ فِيْمَا فِي أَيدِينَا، وَوَجَدتُ مَنْ خَالَفَنَا مَنَعَهُ دِينٌ وَوَرَعٌ، فَدَخَلَ قَلْبِي مِنْ ذَلِكَ أَمرٌ وَشَكٌّ حَتَّى هَمَمْتُ بِتَرْكِ ذَلِكَ.
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: اللهَ اللهَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنْ تُمِيتَ سُنَّةً قَدْ أَحيَيتَهَا، وَأنْ تُبْطِلَ دِيْناً قَدْ أَقْمتَهُ.
ثُمَّ أَطرَقُوا، وَخَافَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّ هَذَا القَوْلَ الَّذِي تَدعُو النَّاسَ إِلَيْهِ لَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارتضَاهُ اللهُ لأنْبِيَائِهِ وَرُسلِه، وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّه، وَلَكِنَّ النَّاسَ عَمُوا عَنْ قَبُولِه.
قَالَ الوَاثِقُ: فَبَاهَلُوْنِي عَلَى ذَلِكَ.
فَقَالَ أَحْمَدُ: ضَرَبَه اللهُ بِالفَالِجِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً.
وَقَالَ ابْنُ الزَّيَّاتِ: وَهُوَ، فَسَمَّرَ اللهُ بَدَنَه بِمَسَامِيرَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَقّاً بَأنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: وَهُوَ، فَأَنْتَنَ اللهُ رِيْحَهُ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يَكُنْ
مَا يَقُوْلُ حَقّاً.وَقَالَ نَجَاحٌ: وَهُوَ، فَقَتَلَهُ اللهُ فِي أَضيَقِ مَحبِسٍ.
وَقَالَ إِيتَاخُ: وَهُوَ، فَغَرَّقَهُ اللهُ.
فَقَالَ الوَاثِقُ: وَهُوَ، فَأحرقَ اللهُ بَدنَه بِالنَّارِ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُوْلُ حَقّاً مِنْ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، فَأَضحَكُ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ أَحَدٌ مِنْهُم يَوْمَئِذٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ فِيْهِ.
أَمَّا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، فَقَدْ ضَربَه اللهُ بِالفَالِجِ، وَأَمَّا ابْنُ الزَّيَّاتِ، فَأنَا أَقعدتُه فِي تَنُّورٍِ مِنْ حَدِيدٍ، وَسَمَّرْتُ بَدَنَهُ بِمَسَامِيْرَ، وَأَمَّا إِسْحَاقُ، فَأقبلَ يَعْرَقُ فِي مَرضِهِ عَرَقاً مُنْتِناً حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ الحمِيمُ وَالقَرِيْبُ، وَأَمَّا نَجَاحٌ، فَأَنَا بَنيتُ عَلَيْهِ بَيتاً ذِرَاعاً فِي ذِرَاعَيْنِ حَتَّى مَاتَ، وَأَمَّا إِيتَاخُ، فَكتبتُ إِلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ الحَجِّ فَقيَّدَه وَغرَّقَه، وَأَمَّا الوَاثِقُ، فَكَانَ يُحِبُّ الجِمَاعَ، فَقَالَ: يَا مِخَائِيلَ: ابْغِنِي دَوَاءً لِلْبَاهِ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بَدَنَكَ فَلاَ تَهُدَّه، لاَ سِيَّمَا إِذَا تَكَّلفَ الرَّجُلُ الجِمَاعَ.
فَقَالَ: لاَ بُدَّ مِنْهُ، وَإِذَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَعَ ذَلِكَ وَصِيْفَةً.
فَقَالَ: مَنْ يَصبِرُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ؟
قَالَ: فَعَلَيْكَ بِلَحْمِ السَّبُعِ، يُوخَذُ رِطلٌ، فَيُغلَى سَبْعَ غليَاتٍ بِخَلِّ خَمْرٍ عَتِيقٍ، فَإذَا جلَسْتَ عَلَى شُربِك، فَخُذْ مِنْهُ زِنَةَ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّك تَجدُ بُغْيَتَكَ.
فَلَهَا أَيَّاماً، وَقَالَ: عَلِيَّ بِلحمِ سَبُعٍ السَّاعَةَ.
فَأُخْرجَ لَهُ سَبُعٌ، فذُبحَ وَاسْتعمَلَه.
قَالَ: فَسُقِي بَطنُه، فَجُمعَ لَهُ الأَطبَّاءُ، فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ دوَاءَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يُسجَرَ لَهُ تنُّورٌ بِحطبِ الزَّيتُوْنِ، حَتَّى يَمتلئَ جَمراً، ثُمَّ يَكسحُ مَا فِيْهِ، وَيُحشَى بِالرُّطبَةِ، وَيَقَعدَ فِيْهِ ثَلاَثَ سَاعَاتٍ، فَإِنْ طَلبَ مَاءً لَمْ يُسقَ، ثُمَّ يَخرجُ فَإِنَّه يَجِدُ وَجَعاً شَدِيْداً، وَلاَ يُعَادُ إِلَى التَّنُّورَ إِلَى بَعْدَ سَاعَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجرِي ذَلِكَ المَاءُ، وَيَخرجُ مِنْ مَخَارجِ البَولِ.
وَإِن هُوَ سُقِيَ أَوْ رُدَّ إِلَى التَّنُّورِ، تَلِفَ.
قَالَ: فَسُجِرَ لَهُ تَنُّورٌ، ثُمَّ أُخرجَ الجَمْرُ، وَجُعِلَ عَلَى ظَهرِ التَّنُّورِ، ثُمَّ حُشِيَ بِالرطبَةِ.
فَعُرِّيَ الوَاثِقُ، وَأُجلسَ فِيْهِ، فَصَاحَ، وَقَالَ: أَحرقتُمُونِي، اسقُونِي مَاءً.
فَمُنِعَ، فَتَنَفَّطَ بَدَنُه كُلُّه، وَصَارَ نُفَاخَاتٍ كَالبطِّيخِ، ثُمَّ أُخرِجَ وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحترقَ، فَأَجْلَسَه الأطبَّاءُ.
فَلَمَّا شَمَّ الهَوَاءَ، اشتدَّ بِهِ الأَلَمُ، فَأَقبلَ يَصيحُ
وَيَخُورُ كَالثَّورِ، وَيَقُوْلُ:رُدُّونِي إِلَى التَّنُّورِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاؤُه وَخوَاصُّه، وَرَدُّوهُ إِلَى التَّنُّورِ، وَرَجَوُا الفَرَجَ.
فَلَمَّا حَمِيَ، سَكَنَ صِيَاحُه، وَتَفَطَّرتْ تِلْكَ النُّفَاخَاتِ، وَأُخرِجَ وَقَدِ احْتَرَقَ وَاسودَّ، وَقضَى بَعْدَ سَاعَةٍ.
قُلْتُ: رَاويهَا لاَ أَعْرِفُه.
وَعَنْ جَرِيْر بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ، قَالَ: قَالَ أَبِي:
مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشَدَّ قَلْباً مِنْ هَذَا -يَعْنِي: أَحْمَدَ- جَعَلنَا نُكلِّمُهُ، جَعَلَ الخَلِيْفَةُ يُكَلِّمهُ، يُسَمِّيْهِ مَرَّةً وَيَكْنِيْهِ مرَّةً، وَهُوَ يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، أَوجِدْنِي شَيْئاً مِنْ كِتَابِ اللهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُوْلِه حَتَّى أُجيبَكَ إِلَيْهِ.
أَبُو يَعْقُوْبَ القَرَّابُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الصَّرَّامُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الحَسَنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيُّ، قَالَ:
دَخَلت أَنَا وَالحَارِثُ بنُ مِسْكِيْنٍ عَلَى أَحْمَدَ حِدثَانَ ضَرْبِهِ، فَقَالَ لَنَا: ضُربتُ فَسقطتُ وَسَمِعْتُ ذَاكَ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ- يَقُوْلُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هُوَ وَاللهِ ضَالٌّ مُضِلٌّ.
فَقَالَ لَهُ الحَارِثُ: أَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ عُمَرَ، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ سُعِي بِهِ حَتَّى ضُرِبَ بِالسِّيَاطِ.
وَقِيْلَ: عُلِّقتْ كُتُبه فِي عُنُقِهِ.
ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ ضُربَ سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّب، وَحُلِقَ رَأْسُه وَلِحيَتُه، وضُرِبَ أَبُو الزِّنَادِ، وضُربَ مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ، وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي حَمَّامٍ بِالسِّيَاطِ.
وَمَا ذكرَ مَالِكٌ نَفْسَه، فَأُعجبَ أَحْمَدُ بِقَولِ الحَارِثِ.
قَالَ مَكِّيُّ بنُ عَبْدَانَ: ضَربَ جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ مَالِكاً تِسْعِيْنَ سَوطاً سنَةَ 147.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سَمِيْنَةَ، عَنْ شَابَاصَ التَّائِبِ، قَالَ:
لَقَدْ ضُرِبَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ ثَمَانِيْنَ سَوطاً، لَوْ ضَربتَه عَلَى فِيلٍ، لَهَدَّتْهُ.
البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُوْلُ:دَخَلْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ المِحْنَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَاكرتُهُ رَجَاءَ أَنْ آخُذَ عَنْهُ حَدِيْثاً، إِلَى أَنْ قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، حَدِيْثُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (امرُؤُ القَيْسِ قَائِدُ الشُّعَرَاءِ إِلَى النَّارِ ) .
فَقَال: قِيْلَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، فَقُلْتُ: مَنْ عَنِ الزُّهْرِيِّ؟
قَالَ: أَبُو الجَهْمِ.
فَقُلْتُ: مَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الجَهْمِ؟
فَسَكَتَ، فَلَمَّا عَاودتُهُ فِيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ.
قَالَ المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: يَا أَبَا الحَسَنِ، إِيَّاكَ أَنْ تَتَكلّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيْهَا إِمَامٌ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
مَا كَتَبْتُ حَدِيْثاً إِلاَّ وَقَدْ عَمِلتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتَجَمَ وَأَعطَى أَبَا طيبَةَ دِيْنَاراً، فَاحتجمْتُ وَأَعطيتُ الحجَّامَ دِيْنَاراً.
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ إِجَازَةً، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ عَبْدِ الجَبَّارِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الخَيَّاطُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفَوَارِسِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْمٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَنْ مَاتَ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، مَاتَ عَلَى خَيْرٍ؟
فَقَالَ: اسكتْ، بَلْ مَاتَ عَلَى الخَيْرِ كُلِّهِ.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ البَزَّازُ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلبُ البُدَلاَءَ؟
فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أدرِي.قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الأَدَمِيُّ: أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ زِيَادٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَنْ ردَّ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهُوَ عَلَى شَفَا هَلكَةٍ.
قَالَ أَبُو مُزَاحمٍ الخَاقَانِيُّ: قَالَ لِي عمِّي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ:
أمرَ المُتَوَكِّلُ بِمَسْأَلَةِ أَحْمَدَ عَمَّنْ يُقلَّدُ القَضَاءَ، فَسَأَلْتُ عمِّي أَنْ يُخرِجَ إِلَيَّ جَوَابَهُ، فَوجَّهَ إِلَيَّ نسختَهُ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، نُسْخَةُ الرُّقْعَةِ الَّتِي عرضتُهَا عَلَى أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ بَعْدَ أَنْ سَأَلْتُهُ، فَأجَابنِي بِمَا قَدْ كَتَبْتُهُ.
سَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ رَبَاحٍ، فَقَالَ فِيْهِ: جَهْمِيُّ مَعْرُوْفٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قُلِّدَ شَيْئاً مِنْ أُمورِ المُسْلِمِيْنَ، كَانَ فِيْهِ ضررٌ عَلَيْهِم.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الخلَنْجِيِّ، فَقَالَ فِيْهِ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعَيْبِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مَعْرُوْفٌ بِذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ المَعْرُوْفِ بِأَبِي شُعَيْبٍ، فَقَالَ: كَذَلِكَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مَنْصُوْرٍ قَاضِي الأَهْوَازِ، فَقَالَ: كَانَ مَعَ ابْنِ أَبِي دُوَادَ، وَفِي نَاحِيَتِهِ وَأَعْمَالِهِ، إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أمثلِهِم.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ عَلِيِّ بنِ الجعْدِ، فَقَالَ: كَانَ مَعْرُوْفاً بِالتَّجَهُّمِ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّه رَجَعَ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الفَتْحِ بنِ سَهْلٍ، فَقَالَ: جَهْمِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ المَرِيسِيِّ.
وَسَأَلْتُهُ عَنِ الثَّلْجِيِّ، فَقَالَ: مُبتدعٌ، صَاحِبُ هوَى.
وَسَأَلْتُهُ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ عَتَّابٍ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُه إِلاَّ أَنَّه كَانَ مِنْ أَصْحَابِ بِشْرٍ المَرِيسِيِّ.
وَفِي الجُمْلَةِ أَنَّ أَهْلَ البِدَعِ وَالأهوَاءِ، لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِم فِي شَيْءٍ مِنْ أمورِ المُسْلِمِيْنَ، مَعَ مَا
عَلَيْهِ رَأْيُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ - أطَالَ اللهُ بقَاءَهُ - مِنَ التَّمسُّكِ بِالسُّنَّةِ وَالمُخَالَفَةِ لأَهْلِ البِدَعِ.يَقُوْلُ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ: قَدْ سَأَلَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى عَنْ جَمِيْعِ مَنْ فِي هَذَا الكِتَابِ، وَأَجبتُهُ بِمَا كتَبَ، وَكُنْتُ عليلَ العينِ، ضَعِيْفاً فِي بدنِي، فَلَمْ أَقْدِرْ أَن أَكْتُبَ بخطِّي، فَوَقَّعَ هَذَا التَّوقيعَ فِي أسفلِ القِرْطَاسِ عَبْدُ اللهِ ابْنِي بِأَمرِي، وَبَيْنَ يَديَّ.
وَمِنْ سِيْرَتِه:
قَالَ عَبْدُ المَلِكِ المَيْمُوْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ عِمَامَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ إِلاَّ تَحْتَ ذَقنِهِ، وَرَأَيْتهُ يَكْرَهُ غَيْرَ ذَلِكَ.
أَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: مضَيْتُ مَعَ أَبِي يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلَى الجَامِعِ، فَوَافقْنَا النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا.
فَدَخَلَ إِلَى المَسْجَدِ، وَكَانَ مَعَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هَانِئٍ، فَتَقَدَّم أَبِي فَصَلَّى بِنَا الظُّهرَ أربعاً.
وَقَالَ: قَدْ فعلَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ بعَلْقَمَةَ وَالأَسودِ.
وَكَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ مَقْبُرَةً، خلعَ نَعْلَيهِ، وَأَمسكَهُمَا بِيَدِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَةَ فِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) : أَخْبَرَنَا البَيْهَقِيُّ، أَخْبَرَنَا الحَاكِمُ، سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَنْصُوْرٍ، سَمِعْتُ خَالِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سَهْلِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، فَقَامَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ لِبَنِيْهِ وَأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَاكتُبُوا عَنْهُ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سُفْيَانَ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بنَ عِصَامٍ البَيْهَقِيَّ يَقُوْلُ:
بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَجَاءَ بِمَاءٍ فَوَضَعَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَظَرَ إِلَى المَاءِ بحَالِهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! رَجُلٌ يَطْلُبُ العِلْمَ لاَ يَكُوْنُ لَهُ وِردٌ بِاللَّيْلِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التِّرْمِذِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، ذَكَرُوا لاِبْنِ أَبِي قتيلَةَ بِمكَّةَ أَصْحَابَ الحَدِيْثِ، فَقَالَ: أَصْحَابُ الحَدِيْثِ قَوْمُ سوءٍ.فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ينفُضُ ثَوْبَه، وَيَقُوْلُ: زِنْدِيْقٌ زِنْدِيْقٌ، وَدَخَلَ البَيْتَ.
الطَّبَرَانِيُّ: أنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى بنِ حَمَّادٍ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ:
أَضْحَى ابْنُ حَنْبَلَ مِحْنَةً مَرْضِيَّةً ... وَبِحُبِّ أَحْمَدَ يُعْرَفُ المُتَنَسِّكُ
وَإِذَا رَأَيْتَ لأَحْمَدٍ مُتَنَقِّصاً ... فَاعْلَمْ بِأَنَّ سُتُورَهُ سَتُهَتَّكُ
قَالَ عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّرِامِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى كرَاهيَةِ الاَكتنَاءِ بِأَبِي القَاسِمِ.
أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيُّ: حَدَّثَنَا إِدْرِيْسُ الحَدَّادُ، قَالَ: كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ إِذَا ضَاقَ بِهِ الأَمْرُ آجرَ نَفْسَهُ مِنَ الحَاكَةِ، فَسَوَّى لَهُم، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامَ المحنَةِ، وَصُرِفَ إِلَى بيتِهِ، حُملَ إِلَيْهِ مَالٌ، فَرَدَّهُ وَهُوَ مُحتَاجٌ إِلَى رَغِيْفٍ، فَجَعَلَ عَمُّه إِسْحَاقُ يحسُبُ مَا يَرُدُّ، فَإِذَا هُوَ نَحْوُ خَمْسِ مائَةِ أَلفٍ.قَالَ: فَقَالَ: يَا عمِّ، لَوْ طلبنَاهُ لَمْ يَأْتِنَا، وَإِنَّمَا أتَانَا لَمَّا تركنَاهُ.
البَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عبدِ الوَاحِدِ البلدِيُّ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيَّ يَقُوْلُ:
صَلَّى أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَقَامَ قَاصٌّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ قَالاَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قتَادَةَ، عَنِ أَنَسٍ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، خَلَقَ اللهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ طَيْراً، مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَرِيْشُهُ مِنْ مَرْجَانَ) .
وَأخذَ فِي قِصَّةٍ نَحْواً مِنْ عِشْرِيْنَ وَرَقَةً، وَجَعَلَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ إِلَى يَحْيَى، وَيَحْيَى يَنْظُرُ إِلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: أَنْتَ حَدَّثتَهُ بِهَذَا؟
فَيَقُوْلُ: وَاللهِ مَا سَمِعْتُ بِهِ إِلاَّ السَّاعَةَ.
فسكتَا حَتَّى فرَغَ، وَأخذَ قِطَاعَهُ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بِيَدِهِ: أَنْ تعَالَ.
فَجَاءَ مُتَوهِّماً لنَوَالٍ.
فَقَالَ: مَنْ حدَّثَكَ بِهَذَا؟
فَقَالَ: أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِيْنٍ.
فَقَالَ: أَنَا يَحْيَى، وَهَذَا أَحْمَدُ، مَا
سَمِعْنَا بِهَذَا قَطُّ، فَإِنْ كَانَ وَلاَ بُدَّ وَالكَذِبَ، فَعَلَى غَيْرِنَا.فَقَالَ: أَنْتَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: لَمْ أزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَحْمَقُ، مَا عَلِمتُ إِلاَّ السَّاعَةَ، كَأَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ غَيْرَكمَا!! كَتَبْتُ عَنْ سَبْعَةَ عشرَ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ غَيْرَكمَا.
فوضعَ أَحْمَدُ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: دَعْهُ يقومُ، فَقَامَ كَالمستهزِئِ بِهِمَا.
هَذِهِ الحكَايَةُ اشتهرَتْ عَلَى أَلسنَةِ الجَمَاعَةِ، وَهِيَ باطلَةٌ، أظنُّ البلدِيَّ وضعهَا، وَيُعْرَفُ بِالمعصوبِ.
رَوَاهَا عَنْهُ أَيْضاً أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ فَارْتَفَعَتْ عَنْهُ الجَهَالَةُ.
ذكرَ المَرُّوْذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ بَقِيَ بِسَامَرَّاءَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يشربْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ سَوِيْقٍ.
أَحْمَدُ بنُ بُنْدَارٍ الشَّعَارُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بنُ الرَّازِيِّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ سَعِيْدٍ الرَّازِيَّ، قَالَ: صرنَا مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ إِلَى بَابِ المُتَوَكِّلِ، فَلَمَّا أدخلُوهُ مِنْ بَابِ الخَاصَّةِ، قَالَ: انْصَرِفُوا، عَافَاكُمُ اللهُ، فَمَا مرضَ مِنَّا أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ.
الكُدَيْمِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
إِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَصحبَكَ إِلَى مكَّةَ، وَمَا يَمْنَعنِي إِلاَّ خوفُ أَنْ أَملَّكَ أَوْ تَمَلَّنِي.
فَلَمَّا وَدعتُهُ، قُلْتُ: أوصنِي.
قَالَ: اجعلِ التَّقْوَى زَادَكَ، وَانصبِ الآخِرَةَ أمَامَك.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَوّلُ مَا لَقِيْتُ أَحْمَدَ سنهَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، فَإذَا قَدْ أَخرجَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ كِتَابَ (الأشرِبَةِ)، وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) فَصَلَّى، وَلَمْ
يَسْأَلْهُ أَحَدٌ، فَرَدَّهُ إِلَى بيتِهِ.وَأَتيتُه يَوْماً آخرَ، فَإِذَا قَدْ أَخرجَ الكِتَابينِ، فَظننتُ أَنَّهُ يحتسبُ فِي إِخْرَاجِ ذَلِكَ، لأنَّ كِتَابَ (الإِيْمَانِ) أصلُ الدِّينِ، وَكِتَابَ (الأشربَةِ) صَرْفُ النَّاسِ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّ كُلَّ الشَّرِّ مِنَ السُّكْرِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: أَهدَى إِلَى أَبِي رَجُلٌ - وُلِدَ لَهُ مَوْلُوْدٌ - خِوَانَ فَالوذجَ، فَكَافَأهُ بسُكَّرٍ بدَرَاهِمَ صَالِحَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ وَارَةَ: أَتيتُ أَحْمَدَ، فَأَخْرَجَ إِلَيَّ قَدَحاً فِيْهِ سَوِيْقٌ، وَقَالَ: اشربْهُ.
أَنْبَؤُونَا: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنْ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ الدَّرْبَنْدِيُّ سنَةَ أَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ الأسودِ بِدِمَشْقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ النَّهَاوَنْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنُ زُورَانَ لَفْظاً، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ الإِصْطَخْرِيُّ قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: هَذَا مَذَاهِبُ أَهْلِ العِلْمِ وَالأَثرِ، فَمَنْ خَالفَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ أَوْ عَابَ قَائِلَهَا، فَهُوَ مُبتدِعٌ.
وَكَانَ قَوْلُهُم: إِنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ وَعملٌ وَنيَّةٌ، وَتمسُّكٌ بِالسُّنَّةِ، وَالإِيْمَانُ يَزِيْدُ وَينقصُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الإِيْمَانَ قَوْلٌ، وَالأَعْمَالَ شرَائِعُ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يرَ الاسْتثنَاءَ فِي الإِيْمَانِ، فَهُوَ مُرجِئٌ، وَالزِّنَى وَالسرقَةُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالشِّرْكُ كُلُّهَا بقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُوْنَ لأحدٍ عَلَى اللهِ حُجّةٌ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ خُلِقَتَا، ثُمَّ الخَلقُ لَهُمَا لاَ تفنيَان، وَلاَ يفنَى مَا فِيْهِمَا أَبَداً.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَاللهُ -تَعَالَى- عَلَى العَرْشِ، وَالكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيهِ. إِلَى
أَنْ قَالَ: وَللعرشِ حَمَلَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ ألفَاظَنَا بِالقُرْآنِ، وَتلاَوتَنَا لَهُ مَخْلُوْقَةٌ، وَالقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ، فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يكفِّرْه، فَهُوَ مِثْلُهُ، وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تكليماً مِنْ فِيْهِ.إِلَى أَنْ ذَكرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الأُنموذجِ المُنْكَرِ، وَالأَشْيَاءَ الَّتِي -وَاللهِ- مَا قَالَهَا الإِمَامُ، فَقَاتلَ اللهُ وَاضعَهَا.
وَمِنْ أسمجِ مَا فِيْهَا قَوْلُه: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَرَى التَّقليدَ، وَلاَ يُقلِّدُ دينَه أَحَداً، فَهَذَا قَوْلُ فَاسقٍ عدوٍّ للهِ، فَانْظُرْ إِلَى جهلِ المُحَدِّثِيْنَ كَيْفَ يروُونَ هَذِهِ الخُرَافَةَ، وَيسكتُوْنَ عَنْهَا.
الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، أَخْبَرَنَا العَبَّاسُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنِي عمِّي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ العَلاَءِ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: دعَانِي رِزْقُ اللهِ بنُ الكَلْوَذَانِيِّ، فَقَدَّمَ إِلَيْنَا طعَاماً كَثِيْراً، وَفِينَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، فَقُدِّمَتْ لَوْزِينَجُ أنفقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيْنَ دِرْهَماً.
فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: هَذَا إِسرَافٌ.
فَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا فِي مِقْدَارِ لقمَةٍ، ثُمَّ أخذهَا مُسْلِمٌ، فَوَضَعهَا فِي فمِ أَخِيْهِ لمَا كَانَ مُسْرِفاً.
فَقَالَ لَهُ يَحْيَى: صدقتَ.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ.
قَالَ حَنْبَلُ بنُ إِسْحَاقَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، عَنِ الأَحَادِيْثِ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ) .
فَقَالَ: نُؤْمِنُ بِهَا، وَنُصدِّقُ
بِهَا، وَلاَ نَرُدُّ شَيْئاً مِنْهَا، إِذَا كَانَتْ أَسَانِيْدَ صِحَاحاً، وَلاَ نَردُّ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَه، وَنَعْلَمُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حقٌّ.الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: رَأَيْتُ كَثِيْراً مِنَ العُلَمَاءِ وَالفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَبَنِي هَاشِمٍ وَقُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ، يُقَبِّلُوْنَ أَبِي، بَعْضُهُم يدَهُ، وَبَعْضُهُم رَأْسَهُ، وَيُعَظِّمُونَهُ تعَظِيْماً لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُوْنَ ذَلِكَ بأحدٍ مِنَ الفُقَهَاءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ أَرَهُ يَشتهِي ذَلِكَ.
وَرَأَيْتُ الهَيْثَمَ بنَ خَارِجَةَ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَأَبَا مَعْمَرٍ، وَعَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ، وَبشَّاراً الخَفَّافَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَوْنٍ الخَرَّازَ، وَابْنَ أَبِي الشَّوَاربِ، وَإِبْرَاهِيْمَ الهَرَوِيَّ، وَمُحَمَّدَ بنَ بَكَّارٍ، وَيَحْيَى بنَ أَيُّوْبَ، وَسُريجَ بنَ يُوْنُسَ، وَأَبَا خَيْثَمَةَ، وَيَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ، وَابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَخَلَفَ بنَ هِشَامٍ، وَجَمَاعَةً لاَ أُحصِيهِم، يُعَظِّمونَهُ وَيُوقِّرونَهُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَارَّقَ يَقُوْلُ:
أَبُو عَبْدِ اللهِ إِمَامُنَا، وَهُوَ مِنَ الرَّاسخينَ فِي العِلْمِ، إِذَا وَقفتُ غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، فَسَأَلنِي بِمَنْ اقتدَيتَ، أَيَّ شَيْءٍ أَقُوْلُ؟ وَأَيَّ شَيْءٍ ذَهبَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنْ أَمرِ الإِسْلاَمِ؟!
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: نظرتُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ أَحْمَدَ أَفْضَلَ مِنْ سُفْيَانَ.
ثُمَّ قَالَ: أَحْمَدُ لَمْ يُخلِّفْ شَيْئاً، وَكَانَ يُقَدِّمُ عُثْمَانَ، وَكَانَ لاَ يَشربُ.
قَالَ صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الحَلَبِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا هَمَّامٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَى أَحْمَدُ مِثْلَ نَفْسِهِ.قَالَ الخَلاَّلُ: بُلينَا بِقَومٍ جُهَّالٍ، يَظُنُّونَ أَنَّهُم عُلَمَاءُ، فَإذَا ذَكرنَا فَضَائِلَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، يُخْرِجُهُمُ الحَسدُ إِلَى أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِيْمَا أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ عَنْهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ نَبِيُّهُم.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ كَأَنِّي فِي مَسْجِدِ الجَامِعِ، فَأقبلَ رَجُلٌ شِبْهَ الخَصِيِّ مِنْ نَاحِيَةِ المَقصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍَ وَفُلاَنٍ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَجَعَلتُ أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: هَذَا حَدِيْثٌ غَرِيْبٌ.
فَفَسَّرْتُهُ عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: الخَصِيُّ فِي المَنَامِ مَلَكٌ.
قَالَ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
الخَوْفُ مَنَعَنِي أَكلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَمَا اشتَهَيتُهُ، وَمَا أُبالِي أَنْ لاَ يَرَانِي أَحَدٌ وَلاَ أَرَاهُ، وَإِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَرَى عَبْدَ الوَهَّابِ، قُلْ لِعَبْدِ الوَهَّابِ: أَخْمِلْ ذِكرَكَ، فَإِنِّي قَدْ بُلِيتُ بِالشُّهرَةِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَزِيْدَ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
مَا شَبَّهْتُ الشَّبَابَ إِلاَّ بِشَيْءٍ كَانَ فِي كُمِّي، فَسَقَطَ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ: مَاتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَمَا خَلَّفَ إِلاَّ سِتَّ قِطَعٍ فِي خِرْقَةٍ قَدْرَ دَانِقَينِ.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَحْمَدُ:
كُنْتُ أُبَكِّرُ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ يَكُنْ لِي فِيْهِ تِلْكَ النِّيَّةُ فِي بَعْضِ مَا كُنْتُ فِيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رُبَّمَا أَرَدْتُ البُكورَ فِي الحَدِيْثِ، فَتَأْخُذُ أُمِّي بِثَوبِي، وَتَقُوْلُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ المُؤَذِّنُ.
وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ.
وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: أَوّلُ مَا طَلبْتُ اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ القَاضِي.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: كَتَبَ أَبِي عَنْ أَبِي يُوْسُفَ وَمُحَمَّدٍ الكُتُبَ، وَكَانَ يَحْفَظُهَا، فَقَالَ لِي مُهَنَّى: كُنْتُ أَسْأَلُه فَيقُولُ: لَيْسَ ذَا فِي كُتُبِهِم.
فَأَرْجِعُ إِلَيْهِم، فَيَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُكَ أَعْلَمُ مِنَّا بِالكُتُبِ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا خَرَجتُ إِلَى الشَّامِ إِلاَّ بَعْدَ مَا وُلِدَ لِي صَالِحٌ، أَظُنُّ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِيْنَ حِيْنَ خَرجْتُ.
قُلْتُ: مَا أَظنُّ خَرَجتَ بَعْدهَا؟
قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَكمْ أَقَمْتَ بِاليَمَنِ؟
قَالَ: ذَهَابِي وَمَجيئِي عَشْرَةُ أَشهرٍ، خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فِي صَفَرٍ، وَوَافَينَا المَوسمَ.
قُلْتُ: كَتبتَ عَنْ هِشَامِ بنِ يُوْسُفَ؟
قَالَ: لاَ، مَاتَ قَبلنَا.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ الهَمْدَانِيُّ أَنَّهُ ابْنُ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةِ سَنَةٍ:
قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ أَخُو الحَجَّاجِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَأتَينَا شَيْخاً خَارجاً مِنْ صَنْعَاءَ، كَانَ
عِنْدَهُ.عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّه، كَانَ يُقَالُ: لَهُ أَرْبَعُوْنَ وَمائَةُ سَنَةٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُوْسَى بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ، وَكَانَ رَجُلاً صَالِحاً.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ المَاجَشُوْنِ، وَمَا لَقِيْتُ فِي المُحَدِّثِيْنَ أَسَنَّ مِنْهُ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيتُ يُوْسُفَ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَكَانَ عِنْدَهُ قَرِيْبٌ مِنْ مائَتَيْ حَدِيْثٍ، وَلَمْ أَرَ مَعْناً القَزَّازَ.
المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا كَتبْتُ عَنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيْعٍ، وَسَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بنِ حَرْبٍ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَيْفِيٍّ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
قَدْ كتبْنَا عَنْهُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ المقْبُرِيِّ، وَعَنِ الحَكَمِ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ المُقْرِئَ بِالْكُوْفَةِ، وَغُلاَمٌ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بِالتَّحقِيقِ وَالهمزِ.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُجَالِدٍ هُنَا أَدْرَكتُهُ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ، وَرَأَيْتُ الأَشْجَعِيَّ.
وَأَتيتُ خَلَفَ بنَ خَلِيْفَةَ، فَتَكَلَّمَ، فَلَمْ أَفْهَمْ عَنْهُ، كَانَ يَرْعُدُ مِنَ الكِبَرِ.وكَتَبْتُ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وكَتَبْتُ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ نَحْوَ عَشْرَةِ آلاَفٍ.
وَكَتَبْنَا حَدِيْثَ غُنْدَرٍ عَلَى الوَجْهِ، وَأَعطَانَا الكُتُبَ، فَكُنَّا نَنسَخُ مِنْهَا.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ عَبَّادِ بنِ عَبَّادٍ سنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَمِنَ الطُّفَاوِيِّ سنَةَ إِحْدَى.
وَعَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ مُبَشِّرٍ الحَلَبِيِّ خَمْسَةَ أَحَادِيْثَ بِمَسْجِدِ حَلَبَ، كُنَّا خَرَجْنَا إِلَى طَرَسُوْسَ عَلَى أَرجُلِنَا.
وقَال: قدْ أَكثرْتُ عَنْ عُمَرَ بنِ هَارُوْنَ، وَلاَ أَرْوِي عَنْهُ شَيْئاً.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَذْكُرُ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عِصْمَةُ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ سنَةَ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي:
شَهِدْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعْدٍ، وَجَاءهُ رَجُلٌ مِن مَدِيْنَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، حَدِّثْنِي.
فَقَالَ: كَيْفَ أُحَدِّثُكَ وَهَذَا هَا هُنَا؟ - يَعْنِينِي -.
فَاسْتَحييتُ فَقُمْتُ.
وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عُمَرَ ابْنَةُ حَسَّانٍ، عَنِ أَبِيْهَا، قَالَ:
دَخَلْتُ المَسْجَدَ، فَإِذَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى المِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: إِنَّمَا مَثَلِي
وَمَثَلُ عُثْمَانَ كَمَا قَالَ اللهُ: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُوْرِهِمْ مِنْ غِلٍّ } [الأَعرَافُ: 43] وَ [الحِجْرُ: 47] .الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ صَدَقَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ:
أَتيتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ الجَمَّالُ، وَذَاكَ فِي آخِرِ سَنَةِ مائَتَيْنِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لِلْجَمَّالِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ أَقواماً يَسْأَلُوْنِي أَنْ أُحْدِّثَ، فَهَلْ تَرَى ذَاكَ؟
فَسَكَتَ، فَقُلْتُ: أَنَا أُجِيبُكَ.
قَالَ: تَكَلَّمْ.
قُلْتُ: أَرَى لَكَ إِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ تُحدِّثَ، فَلاَ تُحدِّثْ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي أَنْ لاَ تُحَدِّثَ، فَحَدِّثْ.
فَكَأَنَّهُ اسْتَحسَنَه.
عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ نُوْحَ بنَ حَبِيْبٍ القُوْمَسِيَّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ حَيٌّ، وَهُوَ يُفْتِي فَتْوَى وَاسِعَةً، فَسلَّمتُ عَلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي سَنَةَ 237 يَقُوْلُ:
قَدِ اسْتخرتُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ حَدِيْثاً عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ أَنْ لاَ أُحدِّثَ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ أَبَداً.
ثُمَّ قَالَ: وَلاَ لَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَشتهِي.
فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ: أَلَيْسَ يُرْوَى عَنْ شَرِيْكٍ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: العَهْدُ يَمِيْنٌ ؟
قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ سَكتَ، فَظننتُ
أَنَّهُ سَيُكَفِّرُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْد أَيَّامٍ، قُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَنشَطْ لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ لَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ بِحَدِيْثٍ عَلَى تَمَامِهِ.قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي العَسْكَرِ يَقُوْلُ لِولَدِهِ:
قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المَائدَةُ: 1] ، أَتدرُوْنَ مَا العُقودُ؟ إِنَّمَا هُوَ العُهُوْدُ، وَإِنِّي أُعَاهدُ اللهَ - جلَّ وَعَزَّ -.
ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ، وَاللهِ، وَاللهِ، وَعَلَيَّ عَهدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لاَ حَدَّثتُ بِحَدِيْثٍ لِقَرِيْبٍ وَلاَ لِبَعيدٍ حَدِيْثاً تَامّاً حَتَّى أَلقَى اللهَ.
ثُمَّ التَفَتَ إِلَى وَلدِهِ، وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ هَذَا يَشتهِي مِنْهُ مَا يَشتهِي.
ثُمَّ بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الدَّوْلَةِ - وَهُوَ ابْنُ أَكْثَمَ - أَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَردتُ أَنْ يَأمرَهُ الخَلِيْفَةُ أَنْ يُكفِّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ، وَيُحَدِّثَ.
فَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ لِرَجُلٍ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الكَلاَمِ: لَوْ ضَربتَ ظَهرِي بِالسِّيَاطِ، مَا حَدَّثْتُ.
مِنْ تَوَاضُعِهِ:
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَشترِي الخُبْزَ مِنَ السُّوْقِ، وَيَحملُهُ فِي الزَّنْبِيلِ، وَرَأَيْتُهُ يَشترِي البَاقِلاَّءَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَجْعَلُهُ فِي خِرقَةٍ، فَيحمِلُه آخذاً بِيَدِ عَبْدِ اللهِ ابْنِهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: أَرَادَ ذَاكَ
الَّذِي بِخُرَاسَانَ وَمَاتَ بِالثَّغْرِ أَنْ يُحَدِّثَ هَا هُنَا بِشَيءٍ، وَكَانَ يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ حَيّاً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ يَزِيْدَ حَيٌّ، وَإِنْ قَالَ: لاَ، فَهُوَ لاَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلَمْ يُظهِرْ شَيْئاً حَتَّى مَاتَ يَزِيْدُ.المَيْمُوْنِيُّ: قَالَ لِي أَبُو عُبَيْدٍ:
يَا أَبَا الحَسَنِ، قَدْ جَالَسْتُ أَبَا يُوْسُفَ وَمُحَمَّداً، وَأحسِبُهُ ذَكَرَ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ، مَا هِبتُ أَحَداً مَا هِبتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
مِنْ جِهَادِهِ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَحْمُوْدِ بنِ الفَرَجِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
خَرَجَ أَبِي إِلَى طَرَسُوْسَ، وَرَابَطَ بِهَا، وَغزَا.
ثُمَّ قَالَ أَبِي: رَأَيْتُ العِلْمَ بِهَا يَمُوْتُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّه قَالَ لِرَجُلٍ: عَلَيْك بِالثَّغْرِ، عَلَيْك بِقَزْوِيْنَ، وَكَانَتْ ثَغْراً.
بَابٌ
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ أَحْمَدَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَمَّارَ بنَ رَجَاءَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ:
طَلبُ إِسْنَادِ العُلُوِّ مِنَ السُّنَّةِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: قَالَ لِي رَجُلٌ:مِنْ هُنَا إِلَى بِلاَدِ التُّركِ يَدعُونَ لَكَ، فَكَيْفَ تُؤدِّي شُكرَ مَا أَنعمَ اللهُ عَلَيْكَ، وَمَا بَثَّ لَكَ فِي النَّاسِ؟
فَقَالَ: أَسْأَلُ اللهَ أَنْ لاَ يَجْعَلَنَا مُرَائِينَ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ البُسْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ فِي أَوَّلِهَا، وَقَدْ حَدَّثَ حَدِيْثَ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ بَلاَءٌ وَفِتْنَةٌ ) ، فَأَعِدُّوا لِلبَلاَءِ صَبراً، فَجَعَلَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ رَضِّنَا، اللَّهُمَّ رَضِّنَا.
أَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ عَلاَّنَ، وَغَيْرُهُ كِتَابَةً: أَنَّ أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَاسِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ شُعَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ طَاهِرَ بنَ خَلَفٍ، سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ مُحَمَّدَ ابْنَ الوَاثِقِ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ أَحَداً أَحضرَنَا، فَأُتِيَ بشَيْخٍ مَخضوبٍ مُقيَّدٍ، فَقَالَ أَبِي: ائذَنُوا لأَبِي عَبْدِ اللهِ وَأَصْحَابِهِ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي دُوَادَ-.قَالَ: فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، بِئسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوْهَا} [النِّسَاءُ: 86] .
فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: الرَّجُلُ مُتكَلِّمٌ.
قَالَ لَهُ: كَلِّمْهُ.
فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: لَمْ يُنْصِفْنِي، وَلِيَ السُّؤَالُ.
قَالَ: سَلْ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟
قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَالخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ؟
قَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعلَمُوهُ.
فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِمتَهُ أَنْتَ؟
فَخجِلَ، فَقَالَ: أَقِلْنِي.
قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا.
قَالَ: نَعَمْ، عَلِمُوهُ.
فَقَالَ: عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَفلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟
قَالَ: فَقَامَ أَبِي، فَدَخَلَ مَجْلِساً، وَاسْتَلْقَى وَهُوَ يَقُوْلُ:
شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلاَ الخُلَفَاءُ الرَّاشدُوْنَ، عَلِمْتَه أَنْتَ! سُبْحَانَ اللهِ! شَيْءٌ عَلِمُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ، أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم؟!
ثُمَّ أمرَ بِرفعِ قُيودِهِ، وَأَنْ يُعطَى أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَيُؤْذَنَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَسقَطَ مِنْ عينِهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ، وَلَمْ يَمتحِنْ بَعْدَهَا أَحَداً.
هَذِهِ قِصَّةٌ مَلِيْحَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيْقِهَا مَنْ يُجهَلُ، وَلَهَا شَاهدٌ.
وبإِسْنَادِنَا إِلَى الخَطِيْبِ: أَخْبَرْنَا ابْنُ رَزْقُوَيْه، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنْدِي الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُمْتَنِعِ، أَخْبَرَنَا صَالِحُ بنُ عَلِيٍّ الهَاشِمِيُّ، قَالَ:
حَضَرتُ المُهْتَدِي بِاللهِ، وَجَلَسَ لِينظُرَ فِي أُمورِ المَظْلُوْمِيْنَ، فَنَظَرتُ فِي
القَصصِ تُقرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرهَا، فَيَأمرُ بِالتَّوقيعِ فِيْهَا، وَتُحَرَّرُ، وَتُدفعُ إِلَى صَاحِبهَا، فَيَسرُّنِي ذَلِكَ، فَجَعَلتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ، وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَغَضضْتُ عَنْهُ، حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَاراً، فَقَالَ: يَا صَالِحُ.قُلْتُ: لَبَّيكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَثَبْتُ.
فَقَالَ: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُرِيْدُ أَنْ تَقُولَه؟!
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ.
فَلَمَّا قَامَ، خَلاَ بِي، وَقَالَ: يَا صَالِحُ، تَقُوْلُ لِي مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ أَوِ أَقُوْلُ أَنَا؟
قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، مَا تَأْمرُ؟
قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّه دَارَ فِي نَفْسِكَ أَنَّكَ اسْتحسنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا.
فَقُلْتَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيفتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ.
فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ، هَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟
فَقُلْتُ: مَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلاَّ مَا قُلْتَ.
فَأَطرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! اسْمعْ، فَوَ اللهِ لَتَسْمَعنَّ الحَقَّ.
فَسُرِّيَ عَنِّي، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي، وَمَنْ أَوْلَى بِقَولِ الحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالِمِيْنَ.
قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: إِنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أَيَّامِ الوَاثِقِ - قُلْتُ: كَانَ صَغِيْراً أَيَّامَ الوَاثِقِ، وَالحِكَايَةُ فَمُنْكَرَةٌ -.
ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَقدَمَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي دُوَادَ عَلَيْنَا شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ، فَأُدخلَ عَلَى الوَاثِقِ مُقيَّداً، فَرَأَيْتُهُ اسْتَحيَا مِنْهُ، وَرَقَّ لَهُ، وَقَرَّبَه، فَسَلَّمَ، وَدَعَا، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، نَصَّبُوا ابْنَ أَبِي دُوَادَ، وَيَضعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ.
فَغَضِبَ الوَاثِقُ، وَقَالَ: أَيَضعُفُ عَنْ مُنَاظرتِكَ أَنْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظرتِهِ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ هَذِهِ، هِيَ مَقَالَةٌ وَاجبَةٌ دَاخلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ، فَلاَ يَكُوْنُ الدِّينُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ فِيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ بُعثَ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ أَمرِ دِينِهِم؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَدَعَا الأُمَّةَ إِلَى مَقَالتِكَ هَذِهِ؟
فَسَكَتَ، فَالتفتَ الشَّيْخُ إِلَى الوَاثِقِ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاحِدَةٌ. قَالَ:
نَعَمْ.فَقَالَ الشَّيْخُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ حِيْنَ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلِيْكُمْ نِعْمَتِي} [المَائدَةُ: 3] ، هَلْ كَانَ الصَّادِقُ فِي إِكمَالِ دِينِهِ، أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالتِكَ هَذِهِ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ: أَجِبْ، فَلَمْ يُجِبْ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، اثْنَتَانِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالتِكَ، أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْ لاَ؟
قَالَ: عَلِمَهَا.
قَالَ: فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا؟
فَسَكَتَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، ثَلاَثٌ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، فَاتَّسعَ لِرَسُوْلِ اللهِ أَنْ يَعلَمَهَا وَأَمسَكَ عَنْهَا كَمَا زَعمتَ، وَلَمْ يُطَالبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَاتَّسعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَأَعرضَ الشَّيْخُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، قَدْ قَدَّمْتُ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ، إِنْ لَمْ يَتَّسعْ لَنَا الإِمسَاكُ عَنْهَا، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُم.
فَقَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ، اقطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ.
فَلَمَّا قُطعَ، ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى القَيدِ ليَأْخُذَهُ، فَجَاذَبَهُ الحَدَّادُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ الوَاثِق: لِمَ أَخَذْتَهُ؟
قَالَ: لأَنِّي نَوَيتُ أَن أُوصِيَ أَنْ يُجعلَ فِي كَفَنِي حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَالِمَ غَداً.
وَبَكَى، فَبَكَى الوَاثِقُ وَبَكَيْنَا، ثُمَّ سَألَهُ الوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ، فَقَالَ: لَقَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ إِكرَاماً لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِكَونِكَ مِنْ أَهْلِهِ.
فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ قِبَلَنَا فَنَنْتَفِعْ بِكَ، وَتَنْتَفِعْ بِنَا.
قَالَ: إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى مَوْضِعِي أَنفعُ لَكَ، أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي، فَأَكُفَّ دُعَاءَهُم عَلَيْكَ، فَقَدْ خَلَّفتُهُم عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: فَتَقبلُ مِنَّا صِلَةً؟
قَالَ: لاَ تَحِلُّ لِي، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ.
قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظنُّ أَنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْهَا مُنْذُ ذَلِكَ الوَقْتِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشِّيْرَازِيُّ الحَافِظُ: هَذَا الأَذَنِيُّ هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ.قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنِي حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُهْتَدِي:
أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ.
فَصْلٌ
عَنِ الحُسَيْنِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ أَبِيْهِ، قَالَ:
كَانَ يَجتَمِعُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ زُهَاءُ خَمْسَةِ آلاَفٍ - أَوْ يَزِيدُوْنَ نَحْوَ خَمْسِ مائَةٍ - يَكْتُبُوْنَ، وَالبَاقُوْنَ يَتَعلَّمُوْنَ مِنْهُ حُسْنَ الأَدَبِ وَالسَّمْتِ.
ابْنُ بَطَّةَ: سَمِعَ النَّجَّادَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ المُطَّوِّعِيِّ يَقُوْلُ:
اخْتَلَفتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ ثِنْتَي عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ يَقْرَأُ (المُسْنَدَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَمَا كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، إِنَّمَا كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى هَدْيِهِ وَأَخلاَقِهِ.
قَالَ حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ: يُقَالُ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَشبَهَ هَدْياً وَسَمتاً وَدَلاًّ مِنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ بِالنَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عليَهِ وَسلَّمَ - وَكَانَ أَشبَهَ
النَّاسِ بِهِ عَلْقَمَةُ، وَكَانَ أَشبَهَ النَّاسِ بِعَلْقَمَةَ إِبْرَاهِيْمُ، وَكَانَ أَشبَهَهُم بَإِبْرَاهِيْمَ مَنْصُوْرُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بِهِ وَكِيْعٌ، وَأَشبَهَ النَّاسِ بوَكِيْعٍ - فِيْمَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الجَمَّالُ - أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقبَلتُم؟
قُلْنَا: مِنْ مَجْلِسِ أَبِي كُرَيْبٍ.
فَقَالَ: اكتُبُوا عَنْهُ، فَإِنَّه شَيْخٌ صَالِحٌ.
فَقُلْنَا: إِنَّه يَطْعُنُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ حِيلَتِي، شَيْخٌ صَالِحٌ قَدْ بُلِيَ بِي.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: سَمِعْتُ أَبِي سُئِلَ: لِمَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ كَثِيْراً، وَقَدْ نَزَلَ فِي جِوَارِكَ بِدَارِ عُمَارَةَ ؟
فَقَالَ: حَضَرْنَا مَجْلِسَهُ مَرَّةً فَحَدَّثَنَا، فَلَمَّا كَانَ المَجْلِسُ الثَّانِي، رَأَى شَبَاباً تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الشُّيُوْخِ، فَغَضِبَ، وَقَالَ: وَاللهِ لاَ حَدَّثْتُ سَنَةً.
فَمَاتَ وَلَمْ يُحَدِّثْ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
قَالَ جَارُنَا فُلاَنٌ: دَخَلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الأَمِيْرِ، وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ - ذَكَرَ سَلاَطِينَ - مَا رَأَيْتُ أَهيَبَ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، صِرتُ إِلَيْهِ أُكلِّمُهُ فِي شَيْءٍ، فَوَقَعَتْ عَلَيَّ الرِّعْدَةُ مِنْ هَيبَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ المَرُّوْذِيُّ: وَلَقَدْ طَرقَهُ الكَلْبِيُّ - صَاحِبُ خَبَرِ السِّرِّ - لَيلاً، فَمِنْ هَيبَتِهِ لَمْ يَقْرَعُوا، وَدَقُّوا بَابَ عَمِّهِ.
وَعَنِ المَيْمُوْنِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَنْقَى ثَوباً، وَلاَ أَشَدَّ بَيَاضاً مِنْ أَحْمَدَ.
ابْنُ المُنَادِي: عَنْ جَدِّهِ؛ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
كَانَ أَحْمَدُ مِنْ أَحيَى النَّاسِ وَأَكرمِهِم، وَأَحسَنهِم عِشْرَةً وَأَدباً، كَثِيْرَ الإِطْرَاقِ، لاَ يُسمَعُ مِنْهُ
إِلاَّ المُذَاكَرَةُ لِلْحَدِيْثِ، وَذِكْرُ الصَّالِحِيْنَ فِي وَقَارٍ وَسُكُوْنٍ، وَلَفْظٍ حَسَنٍ، وَإِذَا لَقِيَهُ إِنْسَانٌ، بَشَّ بِهِ، وَأَقبَلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَاضعُ لِلشُّيُوْخِ شَدِيْداً، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ بِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ مَا لَمْ أَرَهُ يَعْمَلُ بِغَيْرِهِ مِنَ التَّوَاضُعِ وَالتَّكْرِيْمِ وَالتَّبجِيلِ، كَانَ يَحْيَى أَكْبَرَ مِنْهُ بِسَبعِ سِنِيْنَ.الخُطَبِيُّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
كَانَ أَبِي إِذَا أَتَى البَيْتَ مِنَ المَسْجَدِ، ضَرَبَ بِرِجْلِهِ حَتَّى يَسمَعُوا صَوتَ نَعْلِهِ، وَرُبَّمَا تَنَحْنَحَ لِيَعلمُوا بِهِ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّى، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مَرَّاتٍ يُقَبَّلُ وَجْهُهُ وَرَأْسُهُ، وَلاَ يَقُوْلُ شَيْئاً وَلاَ يَمتَنِعُ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ الهَاشِمِيَّ يُقَبَّلُ رَأْسُهُ وَجَبهَتُهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَكرهُهُ.
وَقَالَ عَبْدُوْسٌ العَطَّارُ: وَجَّهْتُ بِابْنِي مَعَ الجَارِيَةِ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، وَسَاءلَهُ، وَاتَّخَذَ لَهُ خَبِيصاً، وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: كُلِي مَعَهُ، وَجَعَلَ يُبسِطُهُ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ حَسَنَ الخُلُقِ، دَائِمَ البِشْرِ، يَحْتَمِلُ الأَذَى مِنَ الجَارِ.
عُلْوَانُ بنُ الحُسَيْنِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ، قَالَ:
سُئِلَ أَبِي: لِمَ لاَ تَصحَبُ النَّاسَ؟
قَالَ: لِوَحشَةِ الفِرَاقِ.
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ لأَحْمَدَ الوَكِيْعِيِّ:يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنِّي لأُحِبُّكَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنِ المِقْدَامِ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُعْلِمْهُ ) .
ابْنُ بَطَّةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ القَافْلاَنِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ فِي مَنْزِلِهِ، وَمَعَهُ المَرُّوْذِيُّ، وَمُهَنَّى، فَدَقَّ دَاقٌّ البَابَ، وَقَالَ: آلمَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَكَأَنَّ المَرُّوْذِيَّ كَرِهَ أَنْ يُعلَمَ مَوْضِعُهُ، فَوَضَعَ مُهَنَّى أُصبُعَهُ فِي رَاحتِهِ، وَقَالَ: لَيْسَ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا، وَمَا يَصْنَعُ المَرُّوْذِيُّ هَا هُنَا؟
فَضَحِكَ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُنْكِرْ.
فِي مَعِيْشَتِهِ:
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: خَلَّفَ لَهُ أَبُوْهُ طرزاً وَدَاراً يَسْكُنُهَا، فَكَانَ يَكرِي تِلْكَ الطرزَ، وَيَتَعَفَّفُ بِهَا.
قَالَ ابْنُ المُنَادِي: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ لِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
أَنَا أَذْرَعُ هَذِهِ الدَّارَ، وَأُخرِجُ الزَّكَاةَ عَنْهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَذهَبُ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:الغَلَّةُ مَا يَكُوْنُ قُوْتُنَا، وَإِنَّمَا أَذهبُ فِيْهِ إِلَى أَنَّ لَنَا فِيْهِ شَيْئاً.
فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ رَجُلٌ: لَوْ تَرَكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الغَلَّةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ لَهُ صَدِيْقٌ لَهُ، كَانَ أَعْجَبَ إِلَيَّ.
فَقَالَ: هَذِهِ طُعْمَةُ سُوءٍ، وَمَنْ تَعَوَّدَ هَذَا، لَمْ يَصبِرْ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: هَذَا أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْ غَيْرِهِ -يَعْنِي: الغَلَّةَ- وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لاَ تُقِيمُنَا، وَإِنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى الاضطِرَارِ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: رُبَّمَا احْتَاجَ أَحْمَدُ، فَخَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّرَسُوْسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي الَّذِي نَزلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَيَّ، خَرَجَ إِلَى اللِّقَاطِ، فَجَاءَ وَقَدْ لَقَطَ شَيْئاً يَسِيْراً، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَكَلتَ أَكْثَرَ مِمَّا لَقَطْتَ!
فَقَالَ: رَأَيْتُ أَمراً اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ، رَأَيتُهُم يَلْتَقِطُوْنَ، فَيَقُوْمُ الرَّجُلُ عَلَى أَرْبَعٍ، وَكُنْتُ أَزْحَفُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الخَالِقِ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:
خَرَجْتُ إِلَى الثَّغْرِ عَلَى قَدَمَيَّ، فَالْتَقَطتُ، لَوْ قَدْ رَأَيْتَ قَوْماً يُفْسِدُوْنَ مَزَارِعَ النَّاسِ، قَالَ: وَكُنَّا نَخْرُجُ إِلَى اللِّقَاطِ.
قُلْتُ: وَرُبَّمَا نَسَخَ بِأُجْرَةٍ، وَرُبَّمَا عَمِلَ التِّكَكَ، وَأَجَّرَ نَفْسَهُ لِجمَّالٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
فَصْلٌقَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ المُسْلِمِ يَقُوْلُ لِلنَّصْرَانِيِّ: أَكرَمَكَ اللهُ.
قَالَ: نَعَمْ، يَنْوِي بِهَا الإِسْلاَمَ.
وَقِيْلَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَطُوْفَ عَلَى أَرْبَعٍ، فَقَالَ:
يَطُوْفُ طَوَافَيْنِ، وَلاَ يَطُفْ عَلَى أَرْبَعٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: مِنْ عَجِيْبِ مَا سَمِعتُه عَنْ هَؤُلاَءِ الأَحدَاثِ الجُهَّالِ أَنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: أَحْمَدُ لَيْسَ بِفَقِيْهٍ، لَكِنَّهُ مُحَدِّثٌ.
قَالَ: وَهَذَا غَايَةُ الجَهْلِ؛ لأَنَّ لَهُ اخْتِيَارَاتٍ بَنَاهَا عَلَى الأَحَادِيْثِ بِنَاءً لاَ يَعْرِفُهُ أَكْثَرُهُم، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَى كِبَارِهِم.
قُلْتُ: أَحسِبُهُم يَظُنُّوْنَهُ كَانَ مُحَدِّثاً وَبَسْ، بَلْ يَتَخَيَّلُونَه مِنْ بَابَةِ مُحَدِّثِي زَمَانِنَا، وَوَاللهِ لَقَدْ بَلَغَ فِي الفِقْهِ خَاصَّةً رُتْبَةَ اللَّيْثِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوْسُفَ، وَفِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ رُتْبَةَ الفَضْلِ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، وَفِي الحِفْظِ رُتْبَةَ شُعْبَةَ، وَيَحْيَى القَطَّانِ، وَابْنِ المَدِيْنِيِّ، وَلَكِنَّ الجَاهِلَ لاَ يَعلَمُ رُتْبَةَ نَفْسِه، فَكَيْفَ يَعْرِفُ رُتْبَةَ غَيْرِهِ.
حِكَايَةٌ مَوْضُوْعَةٌ:
لَمْ يَسْتَحِي ابْنُ الجَوْزِيِّ مِنْ إِيْرَادِهَا، فَقَالَ:
أَخْبَرْنَا ابْنُ نَاصِرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ الطُّيُوْرِيِّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا القَاضِي هَمَّامُ بنُ مُحَمَّدٍ الأُبُلِّيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ بَكْرٍ الوَرَّاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
لَمَّا أُطلِقَ أَبِي مِنَ المِحْنَةِ، خَشِيَ أَنْ يَجِيْءَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه، فَرَحَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا بَلَغَ الرَّيَّ، دَخَلَ مَسْجِداً، فَجَاءَ مَطَرٌ
كَأَفْوَاهِ القِرَبِ، فَقَالُوا لَهُ: اخْرُجْ مِنَ المَسْجَدِ لِنُغْلِقَهُ.فَأَبَى، فَقَالُوا: اخْرُجْ، أَوْ تُجَرَّ بِرِجْلِكَ.
فَقُلْتُ: سَلاَماً.
فَخَرَجتُ، وَالمَطَرُ وَالرَّعْدُ، وَلاَ أَدْرِي أَيْنَ أَضَعُ رِجْلِي، فَإذَا رَجُلٌ قَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، أَيْنَ تَمُرُّ؟
فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي.
قَالَ: فَأَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتٍ فِيْهِ كَانُوْنُ فَحْمٍ وَلُبُودٌ وَمَائِدَةٌ، فَأَكَلتُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ.
قَالَ: تَعْرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟
فَقُلْتُ: أَنَا هُوَ.
فَقَالَ: وَأَنَا إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه.
سَعِيْدُ بنُ عَمْرٍو البَرْذَعِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَحْمَدُ لاَ يَرَى الكِتَابَةَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ التَّمَّارِ، وَلاَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَلاَ أَحَدٍ مِمَّنْ امتُحِنَ فَأَجَابَ.
أَبُو عَوَانَةَ: سَمِعْتُ المَيْمُوْنِيَّ يَقُوْلُ:
صَحَّ عِنْدِي أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَحضُرْ أَبَا نَصْرٍ التَّمَّارَ لَمَّا مَاتَ، فَحَسِبتُ أَنَّ ذَلِكَ لإِجَابَتِهِ فِي المِحْنَةِ.
وَعَنْ حَجَّاجِ بنِ الشَّاعِرِ، سَمِعَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَوْ حَدَّثتُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّن أَجَابَ، لَحَدَّثتُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ وَأَبِي كُرَيْبٍ.
قُلْتُ: لأَنَّ أَبَا مَعْمَرٍ الهُذَلِيَّ نَدِمَ وَمَقَتَ نَفْسَهُ، وَالآخَرُ أَجْرَوْا لَهُ دِيْنَارَيْنِ بَعْدَ الإِجَابَةِ، فَرَدَّهُمَا مَعَ فَقْرِهِ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ قَهْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ لِلْمُعْتَصِمِ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا يَزْعُمُ -يَعْنِي: أَحْمَدَ- أَنَّ اللهَ يُرَى فِي الآخِرَةِ، وَالعَيْنُ لاَ تَقَعُ إِلاَّ عَلَى مَحْدُوْدٍ.
فَقَالَ: مَا عِنْدَك فِي هَذَا؟ قَالَ:
عِنْدِي قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَوَى حَدِيْثَ جَرِيْرٍ: (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُم كَمَا تَرَوْنَ هَذَا البَدْرَ) .فَقَالَ لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ: مَا عِنْدَكَ؟
فَقَالَ: انْظُرْ فِي إِسْنَادِهِ.
وَانْصَرَفَ، وَوَجَّهَ إِلَى ابْنِ المَدِيْنِيِّ وَهُوَ بِبَغْدَادَ مُمْلِقٌ، فَأَحضَرَهُ، وَوَصَلَهُ بِعَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا الحَسَنِ، حَدِيْثُ جَرِيْرٍ فِي الرُّؤْيَةِ، وَذَكَرَ قِصَّةً.
أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحَرْبِيُّ، سَمِعْتُ بِشْرَ بنَ الحَارِثِ يَقُوْلُ:
وَدِدْتُ أَنَّ رُؤُوْسَهُم خُضِبَتْ بِدِمَائِهِم، وَأَنَّهُم لَمْ يُجِيْبُوا.
نَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ البَنَّاءِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ آخَرَ، أَنَّ هَذِهِ الأَبْيَاتِ لأَحْمَدَ فِي عَلِيٍّ:
يَا ابْنَ المَدِيْنِيِّ الَّذِي عُرِضَتْ لَهُ ... دُنْيَا، فَجَادَ بِدِيْنِهِ لِيَنَالَهَامَاذَا دَعَاكَ إِلَى انْتِحَالِ مَقَالَةٍ ... قَدْ كُنْتَ تَزْعُمُ كَافِراً مَنْ قَالَهَا؟
أَمْرٌ بَدَا لَكَ رُشْدُهُ فَتَبِعْتَهُ ... أَمْ زَهْرَةُ الدُّنْيَا أَرَدْتَ نَوَالَهَا؟
وَلَقَدْ عَهِدْتُكَ مَرَّةً مُتَشَدِّداً ... صَعْبَ المَقَالَةِ لِلَّتِي تُدْعَى لَهَا
إِنَّ المُرَزَّى مَنْ يُصَابُ بِدِيْنِهِ ... لاَ مَنْ يُرَزَّى نَاقَةً وَفِصَالَهَا
ابْنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ المُؤَدِّبُ، قَالَ:
صَلَّيْتُ مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ التَّرَاوِيْحَ، وَكَانَ يُصَلِّي بِدَارِ عَمِّهِ، فَلَمَّا أَوْتَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى ثَدْيَيْهِ، وَمَا سَمِعنَا مِنْ دُعَائِهِ شَيْئاً، وَكَانَ فِي المَسْجَدِ سِرَاجٌ عَلَى الدَّرَجَةِ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ قَنَادِيلُ وَلاَ حَصِيْرٌ وَلاَ خَلُوقٌ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لأَبِي: بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيَّ أُعْطِيَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .
وَذَكَرْتُ لَهُ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدَ الأَعْلَى النَّرْسِيَّ، وَمَنْ قُدِمَ بِهِ إِلَى العَسْكَرِ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ أَيَّاماً قَلاَئِلَ، ثُمَّ تَلاَحَقُوا، وَمَا تَحَلَّوْا مِنْهَا بِكَبِيْرِ شَيْءٍ.
قَالَ صَالِحٌ: قَالَ لِي أَبِي: كَانَتْ أُمُّكَ فِي الغَلاَءِ تَغزِلُ غَزلاً دَقِيْقاً، فَتَبِيعُ الأَسْتَارَ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ نَحْوِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قُوتَنَا.
قَالَ صَالِحٌ: كُنَّا رُبَّمَا اشتَرَينَا الشَّيْءَ، فَنَسْتُرُهُ مِنْهُ، لِئَلاَّ يُوَبِّخَنَا عَلَيْهِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ عِيْسَى المِصْرِيَّ، وَمَعَهُ قَوْمٌ مِنَ المُحَدِّثِيْنَ، دَخَلُوا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بِالعَسْكَرِ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا هَذَا الغَمُّ؟ الإِسْلاَمُ حَنِيفِيَّةٌ سَمْحَةٌ، وَبَيتٌ وَاسِعٌ. فَنَظَرَ
إِلَيْهِم، وَكَانَ مُضطَجِعاً، فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ: مَا أُرِيْدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ هَؤُلاَءِ.الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ السِّمْسَارُ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بنُ هَانِئٍ، قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ:
بَكِّرْ حَتَّى نُعَارِضَ بشَيْءٍ مِنْ الزُّهْدِ.
فَبَكَّرْتُ إِلَيْهِ، وَقُلْتُ لأُمِّ وَلَدِهِ: أَعطِينِي حَصِيراً وَمِخَدَّةً.
وَبَسَطتُ فِي الدِّهْلِيْزِ، فَخَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَمَعَهُ الكُتُبُ وَالمِحْبرَةُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
فَقُلْتُ: لِنَجْلِسَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: ارفَعْهُ، الزُّهْدُ لاَ يَحْسُنُ إِلاَّ بِالزُّهْدِ.
فَرَفَعْتُه، وَجَلَسَ عَلَى التُّرَابِ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوْسُفُ بنُ الضَّحَّاكِ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَبَلَةَ، قَالَ:
كُنْتُ عَلَى بَابِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَالبَابُ مُجَافٌ، وَأُمُّ وَلَدِه تُكَلِّمُه، وَتَقُوْلُ: أَنَا مَعَكَ فِي ضِيقٍ، وَأَهْلُ صَالِحٍ يَأْكُلُوْنَ وَيَفْعَلُوْنَ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قُوْلِي خَيْراً.
وَخَرَجَ الصَّبِيُّ مَعَهُ، فَبَكَى، فَقَالَ: مَا تُرِيْدُ؟
قَالَ: زَبِيْبٌ.
قَالَ: اذْهَبْ، خُذْ مِنَ البَقَّالِ بِحَبَّةٍ.
وَقَالَ المَيْمُوْنِيُّ: كَانَ مَنْزِلُ أَبِي عَبْدِ اللهِ ضَيِّقاً صَغِيْراً، وَينَامُ فِي الحَرِّ فِي أَسْفَلِهِ.
وَقَالَ لِي عَمُّهُ: رُبَّمَا قُلْتُ لَهُ فَلاَ يَفْعَلُ، يَنَامُ فَوْقُ.
وَقَدْ رَأَيْتُ مَوْضِعَ مَضْجَعِهِ، وَفِيْهِ شَاذَكُوْنَةٌ وَبَرْذَعَةٌ، قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا الوَسَخُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي حَامِدُ بنُ أَحْمَدَ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ يَقُوْلُ:دَخَلْتُ دَارَ أَحْمَدَ، فَرَأَيْتُ فِي بَهْوِهِ حَصِيْراً خَلَقاً وَمِخَدَّةً - وَكُتُبُه مَطْرُوْحَةٌ حَوَالَيْهِ - وَحُبَّ خَزَفٍ.
وَقِيْلَ: كَانَ عَلَى بَابِهِ مِسْحٌ مِنْ شَعْرٍ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا المَرُّوْذِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ النَّيْسَابُوْرِيِّ، قَالَ لِي الأَمِيْرُ: إِذَا حَلَّ إِفطَارُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَأَرِنِيهِ.
قَالَ: فَجَاؤُوا بِرَغِيْفَيْنِ: خُبْزٍ وَخُبَّازَةٍ، فَأَريتُهُ الأَمِيْرَ، فَقَالَ: هَذَا لاَ يُجِيْبُنَا إِذَا كَانَ هَذَا يُعِفُّهُ.
قَالَ المَرُّوْذِيُّ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أَيَّامِ عِيدٍ: اشتَرَوْا لَنَا أَمْسِ بَاقِلَّى، فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ بِهِ مِنَ الجَوْدَةِ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: وَجَدتُ البَرْدَ فِي أَطرَافِي، مَا أُرَاهُ إلاَّ مِنْ إِدَامِي المِلْحِ وَالخَلِّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَسْرُوْقٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ:
دَخَلَ عَلَيَّ أَبِي يَعُوْدُنِي فِي مَرَضِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَةِ، عِنْدَنَا شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَبُرُّنَا بِهِ المُتَوَكِّلُ، أَفَأَحُجُّ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإذَا كَانَ هَذَا عِنْدَكَ هَكَذَا، فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُ؟
قَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي حَرَامٌ، وَلَكِنْ تَنَزَّهْتُ عَنْهُ.
رَوَاهُ: الخُلْدِيُّ، عَنْهُ.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو اليُمْنِ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَعْقُوْبَ، أَخْبَرَنَا الضَّبِّيُّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ إِسْحَاقَ السَّرَّاجَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْماً: يَبلُغُنِي أَنَّ الحَارِثَ هَذَا -يَعْنِي: المُحَاسِبِيَّ- يُكْثِرُ الكَونَ عِنْدَكَ، فَلَو أَحضَرْتَهُ، وَأَجْلَسَتْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ يَرَانِي، فَأَسْمَعُ كَلاَمَهُ.
قُلْتُ: السَّمْعَ
وَالطَّاعَةَ.وَسَرَّنِي هَذَا الابْتِدَاءُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَصَدتُ الحَارِثَ، وَسَأَلْتُه أَنْ يَحضُرَ، وَقُلْتُ: تَسأَلُ أَصْحَابَكَ أَنْ يَحضُرُوا.
فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيْلُ، فِيْهِم كَثْرَةٌ فَلاَ تَزِدْهُم عَلَى الكُسْبِ وَالتَّمْرِ، وَأَكْثِرْ مِنْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ.
فَفَعَلتُ مَا أَمَرَنِي، وَأَعْلَمتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَحَضَرَ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَصَعَدَ غُرفَةً، وَاجتَهَدَ فِي وِرْدِهِ، وَحَضَرَ الحَارِثُ وَأَصْحَابُهُ، فَأَكَلُوا، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا، وَقَعَدُوا بَيْنَ يَدَيِ الحَارِثِ وَهُم سُكُوتٌ إِلَى قَرِيْبٍ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَابتَدَأَ وَاحِدٌ مِنْهُم، وَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَأَخَذَ الحَارِثُ فِي الكَلاَمِ، وَهُم يَسْمَعُوْنَ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهُمُ الطَّيْرَ، فَمِنهُم مَنْ يَبْكِي، وَمِنْهُم مَنْ يَزعَقُ، فَصَعدْتُ لأَتَعَرَّفَ حَالَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ مُتَغَيَّرُ الحَالِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ؟
قَالَ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ القَوْمِ، وَلاَ سَمِعْتُ فِي عِلْمِ الحَقَائِقِ مِثْلَ كَلاَمِ هَذَا، وَعَلَى مَا وَصَفتُ، فَلاَ أَرَى لَكَ صُحْبَتَهُم.
ثُمَّ قَامَ، وَخَرَجَ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِم النَّصْرَابَاذِيَّ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي أَنَّ الحَارِثَ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَهَجَرَهُ أَحْمَدُ، فَاخْتَفَى فِي دَارٍ مَاتَ فِيْهَا، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ.
فَصْلٌ
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ الإِمَامُ لاَ يَرَى وَضْعَ الكُتُبِ، وَيَنْهَى عَنْ كِتْبَةِ كَلاَمِهِ وَمَسَائِلِهِ، وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ، لَكَانَتْ لَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَةٌ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ؛ وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، وَكَانَ يَقُوْلُ لاِبْنِهِ عَبْدِ اللهِ: احتَفِظْ بِهَذَا (المُسْنَدِ) ، فَإِنَّه سَيَكُوْنُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً،
وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخَ) ، وَ (التَّارِيْخَ) ، وَ (حَدِيْثَ شُعْبَةَ) ، وَ (المُقَدَّمَ وَالمُؤَخَّرَ فِي القُرْآنِ) ، وَ (جَوَابَاتِ القُرْآنِ) ، وَ (المَنَاسِكَ) الكَبِيْرَ وَالصَّغِيْرَ، وَأَشْيَاءَ أُخَرَ.قُلْتُ: وَكِتَابَ (الإِيْمَانِ) ، وَكِتَابَ (الأَشْرِبَةِ ) ، وَرَأَيْتُ لَهُ وَرَقَةً مِنْ كِتَابِ (الفَرَائِضِ) .
فَتَفْسِيْرُهُ المَذْكُوْرُ شَيْءٌ لاَ وُجُوْدَ لَهُ، وَلَوْ وُجِدَ، لاَجْتَهَدَ الفُضَلاَءُ فِي تَحْصِيْلِهِ، وَلاَشْتُهِرَ، ثُمَّ لَوْ أَلَّفَ تَفْسِيْراً، لَمَا كَانَ يَكُوْنُ أَزْيَدَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ أَثَرٍ، وَلاَقْتَضَى أَنْ يَكُوْنَ فِي خَمْسِ مُجَلَّدَاتٍ.
فَهَذَا (تَفْسِيْرُ ابْنِ جَرِيْرٍ) الَّذِي جَمَعَ فِيْهِ فَأَوعَى، لاَ يَبلُغُ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَمَا ذَكَرَ (تَفْسِيْرَ أَحْمَدَ) أَحَدٌ سِوَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ المُنَادِي، فَقَالَ فِي (تَارِيْخِهِ) : لَمْ
يكُنْ أَحَدٌ أَرْوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ أَبِيْهِ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ؛ لأَنَّه سَمِعَ مِنْهُ (المُسْنَدَ) وَهُوَ ثَلاَثُوْنَ أَلْفاً، وَ (التَّفْسِيْرَ) وَهُوَ مائَةٌ وَعِشْرُوْنَ أَلْفاً، سَمِعَ ثُلُثَيْهِ، وَالبَاقِي وِجَادَةٌ.ابْنُ السَّمَّاكِ: حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
جَمَعَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أَنَا وَصَالِحٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْنَا (المُسْنَدَ) ، مَا سَمِعَهُ غَيْرُنَا.
وَقَالَ: هَذَا الكِتَابُ جَمَعتُهُ وَانتَقَيتُهُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، فَمَا اختَلَفَ المُسْلِمُوْنَ فِيْهِ مِنْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْجِعُوا إِلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدتُمُوهُ فِيْهِ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ.
قُلْتُ: فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) أَحَادِيْثُ قَلِيْلَةٌ لَيْسَتْ فِي (المُسْنَدِ) .
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لاَ تَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنَّ المُسْلِمِيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيْهَا، ثُمَّ مَا يَلزَمُ مِنْ هَذَا القَوْلِ: أَنَّ مَا وُجِدَ فِيْهِ أَنْ يَكُوْنَ حُجَّةً، فَفِيْهِ جُمْلَةٌ مِنَ الأَحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ مِمَّا يَسُوغُ نَقلُهَا، وَلاَ يَجِبُ الاحْتِجَاجُ بِهَا، وَفِيْهِ أَحَادِيْثُ مَعْدُوْدَةٌ شِبْهُ مَوْضُوْعَةٍ، وَلَكِنَّهَا قَطْرَةٌ فِي بَحرٍ.
وَفِي غُضُوْنِ (المُسْنَدِ) زِيَادَاتٌ جَمَّةٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَلَهُ -يَعْنِي: أَبَا عَبْدِ اللهِ- مِنَ المُصَنَّفَاتِ:
كِتَابُ (نَفْيِ التَّشبِيهِ) مُجَلَّدَةٌ، وَكِتَابُ (الإِمَامَةِ) مُجَلَّدَةٌ صَغِيْرَةٌ، وَكِتَابُ (الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ) ثَلاَثَةُ أَجْزَاءٍ، وَكِتَابُ (الزُّهْدِ) مُجَلَّدٌ كَبِيْرٌ، وَكِتَابُ (الرِّسَالَةِ فِي الصَّلاَةِ) - قُلْتُ: هُوَ مَوْضُوْعٌ عَلَى الإِمَامِ -.قَالَ: وَكِتَابُ (فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ) مُجَلَّدَةٌ.
قُلْتُ: فِيْهِ زِيَادَاتٌ لِعَبْدِ اللهِ؛ ابْنِهِ، وَلأَبِي بَكْرٍ القَطِيْعِيِّ؛ صَاحِبِهِ.
وَقَدْ دَوَّنَ عَنْهُ كِبَارُ تَلاَمِذَتِهِ مَسَائِلَ وَافرَةً فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ، كَالمَرُّوْذِيِّ، وَالأَثْرَمِ، وَحَرْبٍ، وَابْنِ هَانِئٍ، وَالكَوْسَجِ، وَأَبِي طَالِبٍ، وَفُوْرَانَ، وَبَدْرٍ المَغَازِلِيِّ، وَأَبِي يَحْيَى النَّاقِدِ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى الحَرْبِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ العَطَّارِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ مُشَيْشٍ، وَيَعْقُوْبَ بنِ بُخْتَانَ، وَمُهَنَّى الشَّامِيِّ، وَصَالِحِ بنِ أَحْمَدَ، وَأَخِيْهِ، وَابْنِ عَمِّهِمَا؛ حَنْبَلٍ، وَأَبِي الحَارِثِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الصَّائِغِ، وَالفَضْلِ بنِ زِيَادٍ، وَأَبِي الحَسَنِ المَيْمُوْنِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ ثَوَابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ، وَهَارُوْنَ الحَمَّالِ، وَالقَاضِي أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ البِرْتِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ سَافِرِيٍّ، وَهَارُوْنَ المُسْتَمْلِي، وَبِشْرِ بنِ مُوْسَى، وَأَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ - صَاحِبِ أَبِي عُبَيْدٍ - وَيَعْقُوْبَ بنِ العَبَّاسِ الهَاشِمِيِّ، وَحُبَيْشِ بنِ سِنْدِيٍّ، وَأَبِي الصَّقْرِ يَحْيَى بنِ يَزْدَادَ الوَرَّاقِ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الكَحَّالِ، وَمُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ البَزَّازِ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى النَّهْرُتِيْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ وَاصلٍ المُقْرِئِ، وَأَحْمَدَ بنِ أَصْرَمَ المُزَنِيِّ، وَعُبْدُوْسٍ الحَرْبِيِّ - قَدِيْمٌ، عِنْدَهُ عَنْ أَحْمَدَ نَحْوٌ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ مَسْأَلَةٍ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا - وَإِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيِّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ هَارُوْنَ بنِ بَدِيْنَا، وَجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الهُذَيْلِ الكُوْفِيِّ - وَكَانَ يُشَبِّهُونَهُ فِي الجَلاَلَةِ بِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ - وَأَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ مُطَيَّنٍ، وَجَعْفَرِ بنِ
أَحْمَدَ الوَاسِطِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الإِسْكَافِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرِ بنِ بَرِّيٍّ القَطَّانِ، وَالحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَارِثِ السِّجِسْتَانِيِّ - قَالَ الخَلاَّلُ: يَقرُبُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ فِي المَعْرِفَةِ وَبَصَرِ الحَدِيْثِ وَالتَّفَقُّهِ - وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُمَرَ السِّجْزِيِّ الحَافِظِ، وَأَحْمَدَ بنِ الفُرَاتِ الرَّازِيِّ الحَافِظِ، وَخَلْقٍ سِوَى هَؤُلاَءِ، سَمَّاهُمُ الخَلاَّلُ فِي أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، نَقَلُوا المَسَائِلَ الكَثِيْرَةَ وَالقَلِيْلَةَ.وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الخَلاَّلُ سَائِرَ مَا عِنْدَ هَؤُلاَءِ مِنْ أَقْوَالِ أَحْمَدَ، وَفَتَاوِيهِ، وَكَلاَمِه فِي العِلَلِ وَالرِّجَالِ وَالسُّنَّةِ وَالفُرُوْعِ، حَتَّى حَصَلَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لاَ يُوصَفُ كَثْرَةً.
وَرَحَلَ إِلَى النَّوَاحِي فِي تَحْصِيْلِهِ، وَكَتَبَ عَنْ نَحْوٍ مِنْ مائَةِ نَفْسٍ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ.
ثُمَّ كَتَبَ كَثِيْراً مِنْ ذَلِكَ عَنِ أَصْحَابِ أَصْحَابِهِ، وَبَعْضُه عَنْ رَجُلٍ، عَنْ آخَرَ، عَنْ آخَرَ، عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَرْتِيْبِ ذَلِكَ وَتَهْذِيْبِهِ، وَتَبْوِيبِهِ.
وَعَمِلَ كِتَابَ (العِلْمِ) ، وَكِتَابَ (العِلَلِ) ، وَكِتَابَ (السُّنَّةِ) ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَة فِي ثَلاَثِ مُجَلَّدَاتٍ.
وَيَرْوِي فِي غُضُوْنِ ذَلِكَ مِنَ الأَحَادِيْثِ العَالِيَةِ عِنْدَهُ، عَنِ أَقرَانِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَوَكِيْعٍ، وَبَقِيَّةَ، مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ بِالإِمَامَةِ وَالتَّقَدُّمِ.
وَأَلَّفَ كِتَابَ (الجَامِعِ) فِي بِضْعَةَ عَشَرَ مُجَلَّدَةً، أَوْ أَكْثَرَ.
وَقَدْ قَالَ: فِي كِتَابِ (أَخْلاَقِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ) لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عَلِمتُ عُنِيَ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ قَطُّ، مَا عُنِيْتُ بِهَا أَنَا.
وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ لِي: إِنَّه لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِمَسَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مَا عُنِيْتَ بِهَا أَنْتَ، إِلاَّ رَجُلٌ بِهَمْدَانَ، يُقَالُ لَهُ مَتَّوَيْه، وَاسْمُهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ، جَمَعَ سَبْعِيْنَ جُزءاً كِبَاراً.
وَمَوْلِدُ الخَلاَّلِ كَانَ فِي حَيَاةِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، يُمكِنُ أَنْ يَكُوْنَ رَآهُ وَهُوَ صَبِيٌّ.
زَوْجَاتُهُ وَآلُهُ:قَالَ زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ: تَزَوَّجَ جَدِّي بِأُمِّ أَبِي عَبَّاسَةَ، فَلَمْ يُولَدْ لَهُ مِنْهَا سِوَى أَبِي، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَهَا رَيْحَانَةَ - امْرَأَةً مِنَ العَرَبِ - فَمَا وَلَدَتْ لَهُ سِوَى عَمِّي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَكَرَ أَهْلَه، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ:
مَكَثْنَا عِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا اخْتَلَفْنَا فِي كَلِمَةٍ، وَمَا عَلِمنَا أَحْمَدَ تَزَوَّجَ ثَالِثَةً.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ بُخْتَانَ: أَمَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ أَنْ نَشتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً، فَمَضَيتُ أَنَا وَفُوْرَانُ، فَتَبِعَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: يَا أَبَا يُوْسُفَ، يَكُوْنُ لَهَا لَحْمٌ.
وَقَالَ زُهَيْرٌ: لَمَّا تُوُفِّيَتْ أُمُّ عَبْدِ اللهِ، اشْتَرَى جَدِّي حُسْنَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَّ عَلِيٍّ زَيْنَبَ، وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ تَوْأَماً، وَمَاتَا بِالقُربِ مِنْ وِلاَدَتِهِمَا، ثُمَّ وَلَدَتِ الحَسَنَ وَمُحَمَّداً، فَعَاشَا نَحْوَ الأَرْبَعِيْنَ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهُمَا سَعِيْداً.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ حُسْنَ أُمَّ وَلَدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تَقُوْلُ: قُلْتُ لِمَولاَيَ: اصْرِفْ فَرْدَ خَلْخَالِي.
قَالَ: وَتَطِيبُ نَفْسُكِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَبِيعَ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيْرَ وَنِصْفٍ، وَفَرَّقهَا وَقْتَ حَمْلِي.
فَلَمَّا وَلَدتُ حَسَناً، أَعْطَى مَوْلاَتِي كَرَامَةً دِرْهَماً، فَقَالَ: اشتَرِي بِهَذَا رَأْساً.
فَجَاءتْ بِهِ، فَأَكَلْنَا، فَقَالَ: يَا حُسْنُ، مَا أَملِكُ غَيْرَ هَذَا الدِّرْهَمِ.
قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَرِحَ يَوْمَهُ.
وَقَالَ يَوْماً: أُرِيْد أَحْتَجِمُ، وَمَا مَعَهُ شَيْءٌ، فَبِعتُ نَصِيفاً مِنْ غَزلٍ
بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ، فَاشتَرَيتُ لَحماً بِنِصْفٍ، وَأَعطَى الحَجَّامَ دِرْهَماً.قَالَتْ: وَاشْتَرَيْتُ طِيْباً بِدِرْهَمٍ.
وَلَمَّا خَرَجَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى، كُنْتُ قَدْ غَزَلتُ غَزلاً لَيِّناً، وَعَمِلتُ ثَوباً حَسَناً، فَلَمَّا قَدِمَ، أَخْرَجتُه إِلَيْهِ، وَكُنْتُ قَدْ أُعطِيتُ كِرَاءهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَماً مِنَ الغَلَّةِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ، قَالَ: مَا أُرِيدُهُ.
قُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ، عِنْدِي غَيْرُ هَذَا.
فَدَفَعتُ الثَّوْبَ إِلَى فُوْرَانَ، فَبَاعَهَ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ دِرْهَماً، وَغَزَلتُ ثَوباً كَبِيْراً، فَقَالَ: لاَ تَقطَعِيهِ، دَعِيهِ، فَكَانَ كَفَنَهُ.
وَكَانَ أَسَنَّ بَنِي أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ صَالِحٌ، فَوَلِيَ قَضَاءَ أَصْبَهَانَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ نَيِّفٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً.
يَرْوِي عَنْ: أَبِي وَلِيْدٍ الطَّيَالِسِيِّ، وَالكِبَارِ.
وَخَلَّفَ ابْنَينِ: أَحَدُهُمَا زُهَيْرُ بنُ صَالِحٍ، مُحَدِّثٌ، ثِقَةٌ، مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَالآخَرُ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، لاَ أَعْلَم مَتَى تُوُفِّيَ، يَرْوِي عَنْهُ وَلَدُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ.
فَمَاتَ مُحَمَّدٌ هَذَا سَنَةَ ثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، كَهْلاً.
وَأَمَّا الوَلَدُ الثَّانِي، فَهُوَ الحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، رَاوِيَةُ أَبِيْهِ، مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، مَاتَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، عَنْ سَبْعٍ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَلَهُ تَرْجَمَةٌ أَفرَدتُهَا.
وَالوَلَدُ الثَّالِثُ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ، فَهَذَا وُلِدَ لأَحْمَدَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِيْنَ يَوْماً، فَكَبِرَ وَتَفَقَّهَ، وَمَاتَ قَبْلَ أَخِيْهِ عَبْدِ اللهِ.
وَأَمَّا حَسَنٌ وَمُحَمَّدٌ وَزَيْنَبُ، فَلَمْ يَبلُغْنَا شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِم، وَانْقَطَعَ عَقِبُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِيْمَا نَعْلَمُ.
وَصِيَّةُ أَحْمَدَ:عَنْ أَبِي بَكْرٍ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: نَبَّهَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَكَانَ قَدْ وَاصَلَ، فَإذَا هُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: هُوَ ذَا يُدَارُ بِي مِنَ الجُوْعِ، فَأَطْعِمْنِي شَيْئاً.
فَجِئتُهُ بأَقَلَّ مِنْ رَغِيْفٍ، فَأَكَلَه.
وَكَانَ يَقُومُ إِلَى الحَاجَةِ فَيَستَرِيحُ، وَيَقَعُدُ مِنْ ضَعفِهِ، حَتَّى إِنْ كُنْتُ لأَبُلُّ الخِرقَةَ، فَيُلقِيهَا عَلَى وَجْهِهِ لِتَرجِعَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَوْصَى، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ عِنْدَ وَصِيَّتِهِ - نَحْنُ بِالعَسْكَرِ - وَأَشهَدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ:
هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمِّدٍ، أَوصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُوْلُه.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: مَكَثَ أَبِي بِالعَسْكَرِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْماً، وَرَأَيْتُ مَآقِيَهُ دَخَلَتَا فِي حَدَقَتَيْهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: فَأَوْصَى أَبِي: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ ... ، فَذَكَرَ الوَصِيَّةَ - وَقَدْ مَرَّتْ -.
مَرَضُهُ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
استَكمَلْتُ سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَدَخَلتُ فِي ثَمَانٍ، فَحُمَّ مِنْ لَيلَتِهِ، وَمَاتَ اليَوْمَ العَاشِرَ.
وَقَالَ صَالِحٌ: لَمَّا كَانَ أَوّلُ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ مَنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حُمَّ أَبِي لَيْلَةَ الأَربِعَاءِ، وَبَاتَ وَهُوَ مَحمُومٌ، يَتَنَفَّسُ تَنَفُّساً شَدِيْداً، وَكُنْتُ قَدْ عَرَفتُ عِلَّتَه، وَكُنْتُ أُمَرِّضُه إِذَا اعْتَلَّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَةِ، عَلَى مَا أَفطَرتَ البَارِحَةَ؟
قَالَ: عَلَى مَاءِ باقِلَّى.
ثُمَّ أَرَادَ القِيَامَ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِي.
فَأَخَذتُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الخَلاَءِ، ضَعُفَ، وَتَوَكَّأَ عَلَيَّ، وَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ
غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُم مُسلِمُوْنَ، فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشوَى، وَيُسقَى مَاءَهَا - وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ - فَقَالَ: يَا صَالِحُ.قُلْتُ: لَبَّيكَ.
قَالَ: لاَ تُشْوَى فِي مَنْزِلِكَ، وَلاَ فِي مَنْزِلِ أَخِيكَ.
وَصَارَ الفَتْحُ بنُ سَهْلٍ إِلَى البَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبتُه، وَأَتَى ابْنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَحَبَسْتُه، وَكَثُرَ النَّاسُ، فَقَالَ: فَمَا تَرَى؟
قُلْتُ: تَأذَنُ لَهُم، فَيَدعُونَ لَكَ.
قَالَ: أَسْتَخيرُ اللهَ.
فَجَعَلُوا يَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، حَتَّى تَمتَلِئَ الدَّارُ، فَيَسْأَلُوْنَه، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَخرُجُوْنَ، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرُ النَّاسُ، وَامتَلأَ الشَّارِعُ، وَأَغلَقْنَا بَابَ الزُّقَاقِ، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ يُحيِي شَيْئاً مِنَ السُّنَّةِ، فَأَفْرَحُ بِهِ.
فَقَالَ لِي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْراً، وَكَفِّرْ عَنِّي كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ.
قَالَ: فَبَقِيَ فِي خُرَيْقَتِهِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ.
فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ.
وَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ الوَصِيَّةَ.
فَقَرَأْتُهَا، فَأَقَرَّهَا.
وكُنْت أَنَامُ إِلَى جَنْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً، حَرَّكَنِي فَأُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَه، وَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِماً، أُمْسِكُهُ فَيَركَعُ وَيَسجُدُ، وَأَرفَعُهُ فِي رُكُوْعِهِ.
قَالَ: وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحَصْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ عَقلُه ثَابِتاً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، لاِثْنَتَي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لِسَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ، تُوُفِّيَ.
وَقَالَ المَرُّوْذِيُّ: مَرضَ أَحْمَدُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ رُبَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ، فَيَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، يُسَلِّمُوْنَ وَيَردُّ بِيَدِهِ، وَتَسَامَعَ النَّاسُ وَكَثُرُوا.وَسَمِعَ السُّلْطَانُ بِكَثْرَةِ النَّاسِ، فَوَكَّلَ السُّلْطَانُ بِبَابِهِ وَبِبَابِ الزُّقَاقِ الرَّابطَةَ وَأَصْحَابَ الأَخْبَارِ، ثُمَّ أَغلقَ بَابَ الزُّقَاقِ، فَكَانَ النَّاسُ فِي الشَّوَارعِ وَالمَسَاجِدِ، حَتَّى تَعَطَّلَ بَعْضُ البَاعَةِ.
وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدخُلَ عَلَيْهِ، رُبَّمَا دَخَلَ مِنْ بَعْضِ الدُّورِ وَطُرزِ الحَاكَةِ، وَرُبَّمَا تَسَلَّقَ، وَجَاءَ أَصْحَابُ الأَخْبَارِ، فَقَعَدُوا عَلَى الأَبْوَابِ.
وَجَاءهُ حَاجبُ ابْنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَهُوَ يَشْتَهِي أَنْ يَرَاكَ.
فَقَالَ: هَذَا مِمَّا أَكرَهُ، وَأَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ قَد أَعفَانِي مِمَّا أَكرَهُ.
قَالَ: وَأَصْحَابُ الخَبَرِ يَكْتُبُوْنَ بِخَبَرِهِ إِلَى العَسْكَرِ، وَالبُرُدُ تَختَلِفُ كُلَّ يَوْمٍ.
وَجَاءَ بَنُو هَاشِمٍ، فَدَخلُوا عَلَيْهِ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ.
وَجَاءَ قَوْمٌ مِنَ القُضَاةِ وَغَيْرُهُم، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُم.
وَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ، فَقَالَ: اذكُرْ وُقُوْفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ.
فَشَهِقَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَسَالَتْ دُمُوعُهُ، فلَمَّا كَانَ قَبْلَ وَفَاتِه بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: ادْعُوا لِيَ الصِّبْيَانَ بِلِسَانٍ ثَقِيْلٍ.
قَالَ: فَجَعَلُوا يَنضَمُّوْنَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يَشُمُّهُم وَيَمسَحُ رُؤُوْسَهُم، وَعَينُهُ تَدمَعُ، وَأَدخَلتُ تَحْتَهُ الطَّسْتَ، فَرَأَيْتُ بَولَهُ دَماً عَبِيطاً، فَقُلْتُ لِلطَّبِيبِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ قَدْ فَتَّتَ الحُزْنُ وَالغَمُّ جَوْفَهُ.
وَاشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ يَوْمَ الخَمِيْسِ، وَوَضَّأْتُهُ، فَقَالَ: خَلِّلِ الأَصَابِعَ.فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الجُمُعَةِ، ثَقُلَ، وَقُبِضَ صَدْرَ النَّهَارِ، فَصَاحَ النَّاسُ، وَعَلَتِ الأَصوَاتُ بِالبكَاءِ، حَتَّى كَأَنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارتَجَّتْ، وَامتَلأَتِ السُّكَكُ وَالشَّوَارِعُ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
أَعطَى بَعْضُ وَلَدِ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ أَبَا عَبْدِ اللهِ - وَهُوَ فِي الحَبْسِ - ثَلاَثَ شَعرَاتٍ، فَقَالَ: هَذِهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَأَوْصَى أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُجعَلَ عَلَى كُلِّ عَيْنٍ شَعرَةٌ، وَشَعرَةٌ عَلَى لِسَانِهِ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، وَمُطَيَّنٌ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ لاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقَالَ ذَلِكَ: البُخَارِيُّ، وَعَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ.
فَقَدْ غَلِطَ ابْنُ قَانِعٍ حَيْثُ يَقُوْلُ: رَبِيْعٌ الآخِرُ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: أُخرِجَتِ الجَنَازَةُ بَعْد مُنصَرَفِ النَّاسِ مِنَ الجُمُعَةِ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوْتُ يَوْم الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلاَّ وَقَاهُ اللهُ فِتْنَةَ القَبْرِ).
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ -يَعْنِي: نَائِبَ بَغْدَادَ- بِحَاجِبِهِ مُظَفَّرٍ، وَمَعَهُ غُلاَمَانِ مَعَهُمَا مَنَادِيلُ فِيْهَا ثِيَابٌ وَطِيْبٌ، فَقَالُوا: الأَمِيْرُ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: قَدْ فَعَلتُ مَا لَوْ كَانَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ حَاضِرَهُ كَانَ يَفْعَلُهُ.فَقُلْتُ: أَقرِئِ الأَمِيْرَ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ أَعْفَى أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي حَيَاتِه مِمَّا يَكْرَهُ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُتْبِعَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَا كَانَ يَكرَهُهُ.
فَعَادَ، وَقَالَ: يَكُوْنُ شِعَارَهُ، فَأَعَدتُ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِي.
وَقَدْ كَانَ غَزَلَتْ لَهُ الجَارِيَةُ ثَوباً عُشَارِيّاً قُوِّمَ بِثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، لِيَقْطَعَ مِنْهُ قَمِيصَيْنِ، فَقَطَعنَا لَهُ لُفَافَتَيْنِ، وَأَخَذنَا مِنْ فُوْرَانَ لُفَافَةً أُخْرَى، فَأَدرَجْنَاهُ فِي ثَلاَثِ لَفَائِفَ.
وَاشتَرَينَا لَهُ حَنُوطاً، وَفُرِغَ مِنْ غَسلِهِ، وَكَفَّنَّاهُ، وَحَضَرَ نَحْوُ مائَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَنَحْنُ نُكَفِّنُهُ، وَجَعَلُوا يُقَبِّلُوْنَ جَبهَتَهُ حَتَّى رَفَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ: صَلَّى علَى أَبِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، غَلَبَنَا عَلَى الصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كُنَّا صَلَّينَا عَلَيْهِ نَحْنُ وَالهَاشَمِيُّونَ فِي الدَّارِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: وَجَّهَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَيَّ: مَنْ يُصَلِّي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ؟
قُلْتُ: أَنَا.
فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الصَّحْرَاءِ، إِذَا بِابْنِ طَاهِرٍ وَاقِفٌ، فَخَطَا إِلَيْنَا خُطُوَاتٍ، وَعَزَّانَا، وَوُضَعَ السَّرِيْرُ، فَلَمَّا انتَظَرتُ هُنَيَّةً، تَقَدَّمتُ، وَجَعَلنَا نُسَوِّي الصُّفُوفَ، فَجَاءَنِي ابْنُ طَاهِرٍ، فَقَبَضَ هَذَا عَلَى يَدِي، وَمُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَلَى يَدِي، وَقَالُوا: الأَمِيْرُ.
فَمَانَعْتُهُم، فَنَحَّيَانِي وَصَلَّى هُوَ، وَلَمْ يَعلَمِ
النَّاسُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الغَدِ، عَلِمُوا، فَجَعَلُوا يَجِيْئُونَ، وَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ، وَمَكَثَ النَّاسُ مَا شَاءَ اللهُ، يَأْتُوْنَ فَيُصَلُّوْنَ عَلَى القَبْرِ.قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ: سَمِعْتُ المُتَوَكِّلَ يَقُوْلُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ:
طُوْبَى لَكَ يَا مُحَمَّدُ، صَلَّيْتَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ -.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ:
مَا بَلَغنَا أَنَّ جَمعاً فِي الجَاهِلِيَّةِ وَلاَ الإِسْلاَمِ مِثْلُهُ -يَعْنِي: مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ- حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ المَوْضِعَ مُسِحَ وَحُزِرَ عَلَى الصَّحِيْحِ، فَإذَا هُوَ نَحْوٌ مِنْ أَلفِ أَلفٍ.
وَحَزرْنَا عَلَى القُبُوْرِ نَحْواً مِنْ سِتِّيْنَ أَلفَ امْرَأَةٍ، وَفَتَحَ النَّاسُ أَبوَابَ المَنَازِل فِي الشَّوَارِعِ وَالدُّرُوبِ، يُنَادُوْنَ مَنْ أَرَادَ الوُضُوءَ.
وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ الخُرَاسَانِيُّ: أَخْبَرَنَا بُنَانُ بنُ أَحْمَدَ القَصَبَانِيُّ :
أَنَّهُ حَضَرَ جِنَازَةَ أَحْمَدَ، فَكَانَتِ الصُّفُوفُ مِنَ المَيْدَانِ إِلَى قَنطَرَةِ بَابِ القطيعَةِ.
وَحُزِرَ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الرِّجَالِ بِثَمَانِ مائَةِ أَلْفٍ، وَمِنَ النِّسَاءِ بِسِتِّيْنَ أَلْفَ امْرَأَةٍ، وَنَظَرُوا فِيْمَنْ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَئِذٍ فِي مَسْجِدِ الرُّصَافَةِ، فَكَانُوا نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: يُقَالُ: إِنَّ أَحْمَدَ لَمَّا مَاتَ، مُسِحَتِ الأَمكِنَةُ المَبْسُوْطَةُ الَّتِي وَقَفَ النَّاسُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَحُزِرَ مَقَادِيرُ النَّاسِ بِالمَسَاحَةِ عَلَى التَّقْدِيْرِ سِتَّ مائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ، سِوَى مَا كَانَ فِي الأَطرَافِ وَالحوَالِي وَالسُّطُوحِ وَالمَوَاضِعِ المُتَفرِّقَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَلفِ أَلفٍ.
قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ النَّيْسَابُوْرِيُّ: حَدَّثَنِي فَتْحُ بنُ الحَجَّاجِ، قَالَ:سَمِعْتُ فِي دَارِ ابْنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرِ، أَنَّ الأَمِيْرَ بَعَثَ عِشْرِيْنَ رَجُلاً، فَحَزَرُوا كَمْ صَلَّى عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَحَزَرُوا، فَبَلَغَ أَلفَ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ أَلْفاً سِوَى مَنْ كَانَ فِي السُّفُنِ.
رَوَاهَا خُشْنَامُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: بَلَغُوا أَلفَ أَلفٍ وَثَلاَثَ مائَةٍ أَلْفٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُوْلُ:
بَلَغَنِي أَنَّ المُتَوَكِّلَ أَمَرَ أَنْ يُمسَحَ المَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَيْثُ صُلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ، فَبَلَغَ مَقَامَ أَلفَيْ أَلْفٍ وَخَمْسَةِ مائَةِ أَلْفٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي القَاسِمِ البَغَوِيِّ:
أَنَّ ابْنَ طَاهِرٍ أَمَرَ أَنْ يُحزَرَ الخَلقُ الَّذِيْنَ فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى سَبْعِ مائَةِ أَلْفِ نَفْسٍ.
قَالَ أَبُو هَمَّامٍ السَّكُوْنِيُّ: حَضَرتُ جَنَازَةَ شَرِيْكٍ، وَجَنَازَةَ أَبِي بَكْرٍ بنِ عَيَّاشٍ، وَرَأَيْتُ حُضُوْرَ النَّاسِ، فَمَا رَأَيْتُ جَمعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: جَنَازَةَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-.
قَالَ السُّلَمِيُّ: حَضَرتُ جِنَازَةَ أَبِي الفَتْحِ القَوَّاسِ مَعَ الدَّارَقُطْنِيِّ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الجَمعِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَهْلٍ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
قُولُوا لأَهْلِ البِدَعِ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم يَوْمَ الجنَائِزِ.
قَالَ صَالِحٌ: وَدَخَلَ عَلَى أَبِي مُجَاهِدُ بنُ مُوْسَى، فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، قَدْ جَاءَتْكَ البُشْرَى، هَذَا الخَلقُ يَشْهَدُوْنَ لَكَ، مَا تُبَالِي لَوْ وَرَدتَ عَلَى اللهِ السَّاعَةَ.
وَجَعَلَ يُقبِّلُ يَدَه وَيَبْكِي، وَيَقُوْلُ: أَوصِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.
وَدَخَلَ سَوَّارٌ القَاضِي، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُ وَيُخبِرُهُ بِالرُّخَصِ.
وَذُكرَ عَنْ مُعْتَمِرٍ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ: حَدِّثْنِي بِالرُّخَصِ.
وَقَالَ لِي أَبِي: جِئْنِي بِالكِتَابِ الَّذِي فِيْهِ حَدِيْثُ ابْنِ إِدْرِيْسَ، عَنِ أَبِيْهِ، عَنْ طَاوُوْسٍ:
أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ، فَقَرَأْتُه عَلَيْهِ، فَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ لَيْلَةَ وَفَاتِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: قَالَ أَبِي: أَخْرِجْ حَدِيْثَ الأَنِيْنِ.
فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، فَمَا سُمِعَ لَهُ أَنِينٌ حَتَّى مَاتَ.
وَفِي جُزْءِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلَمِ الدِّيْنِ: سَمِعنَاهُ قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ يَقُوْلُ:
لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي الوَفَاةُ، جَلَسْتُ عِنْدَهُ وَبِيَدِي الخِرْقَةُ لأَشُدَّ بِهَا لَحْيَيْهِ، فَجَعَلَ يَغْرَقُ ثُمَّ يُفيقُ، ثُمَّ يَفتَحُ عَينَيْهِ، وَيَقُوْلُ بِيَدِهِ هَكَذَا لاَ بَعْدُ لاَ بَعْدُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، قُلْتُ: يَا أَبَةِ، أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الَّذِي لَهِجْتَ بِهِ فِي هَذَا الوَقْتِ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا تَدْرِي؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: إِبْلِيْسُ - لَعَنَهُ الله - قَائِمٌ بِحِذَائِي، وَهُوَ عَاضٌّ عَلَى أَنَامِلِه، يَقُوْلُ:
يَا أَحْمَدُ فُتَّنِي، وَأَنَا أَقُوْلُ: لاَ بَعْدُ حَتَّى أَمُوتَ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ غَرِيْبَةٌ، تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عَلَمٍ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا الثِّقَةُ، عَنْ أَبِي المَكَارِمِ التَّيْمِيِّ، أَخْبَرَنَا الحَدَّادُ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ: هَلْ عَقَلَ أَبُوكَ عِنْدَ المُعَايَنَةِ؟قَالَ: نَعَمْ.
كُنَّا نُوَضِّئُهُ، فَجَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ، فَقَالَ لِي صَالِحٌ: أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ؟
فَقُلْتُ: هُوَ ذَا يَقُوْلُ: خَلِّلُوا أَصَابعِي، فَخلَّلْنَا أَصَابِعَه، ثُمَّ تَرَكَ الإِشَارَةَ، فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ.
وَقَالَ صَالِحٌ: جَعَلَ أَبِي يُحَرِّكُ لِسَانَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ الأَحْمَسِيِّ، قَالَ: رَفَعنَا جَنَازَةَ أَحْمَدَ مَعَ العَصرِ، وَدَفَنَّاهُ مَعَ الغُرُوبِ.
قَالَ صَالِحٌ: لَمْ يَحضُرْ أَبِي وَقْتَ غَسْلِهِ غَرِيْبٌ، فَأَرَدنَا أَنْ نُكَفِّنَهُ، فَغَلَبَنَا عَلَيْهِ بَنُو هَاشِمٍ، وَجَعَلُوا يَبْكُوْنَ عَلَيْهِ، وَيَأْتُوْنَ بِأَوْلاَدِهِم فَيُكِبُّونَهُم عَلَيْهِ، وَيُقَبِّلُونَه، وَوَضَعنَاهُ عَلَى السَّرِيْرِ، وَشَدَدنَا بِالعَمَائِمِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي صَالِحٍ القَنْطَرِيَّ يَقُوْلُ:
شَهِدتُ المَوسِمَ أَرْبَعِيْنَ عَاماً، فَمَا رَأَيْتُ جَمْعاً قَطُّ مِثْلَ هَذَا -يَعْنِي: مَشْهَدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ-.
الخَلاَّلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَهَّابِ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ:
أَظْهَرَ النَّاسُ فِي جَنَازَةِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ السُّنَّةَ وَالطَّعنَ عَلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَسَرَّ اللهُ المُسْلِمِيْنَ بِذَلِكَ عَلَى مَا عِنْدَهُم مِنَ المُصِيبَةِ لَمَّا رَأَوْا مِنَ العِزِّ وَعُلُوِّ الإِسْلاَمِ وَكَبْتِ أَهْلِ الزَّيغِ.
وَلَزِمَ بَعْضُ النَّاسِ القَبْرَ، وَبَاتُوا عِنْدَهُ، وَجَعَلَ النِّسَاءُ يَأْتِيْنَ حَتَّى مُنِعْنَ.
وَسَمِعْتُ المَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ عَنْ عَلِيِّ بنِ مَهْرُوَيْه، عَنْ خَالَتِهِ، قَالَتْ:
مَا صَلَّوْا بِبَغْدَادَ فِي مَسْجِدٍ العَصْرِ يَوْمَ وَفَاةِ أَحْمَدَ.
وَقِيْلَ: إِنَّ الزَّحمَةَ دَامَتْ عَلَى القَبْرِ أَيَّاماً.
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَخْبَرَنَا اللَّبَّانُ، عَنِ الحَدَّادِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، سَمِعْتُ ظفرَ بنَ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ الوَرَّاقِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ (ح) .وَأَخْبَرْنَا ابْنُ الفَرَّاءِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ قُدَامَةَ، أَخْبَرْنَا ابْنُ خُضَيْرٍ، أَخْبَرْنَا ابْنُ يُوْسُفَ، أَخْبَرَنَا البَرْمَكِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَرْدَكَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبَّاسٍ المَكِّيُّ، سَمِعْتُ الوَرْكَانِيَّ - جَارَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ:
يَوْم مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَقَعَ المَأْتَمُ وَالنَّوحُ فِي أَرْبَعَةِ أَصنَافٍ: المُسْلِمِيْنَ، وَاليَهُوْدِ، وَالنَّصَارَى، وَالمَجُوْسِ.
وَأَسلَمْ يَوْم مَاتَ عِشْرُوْنَ أَلْفاً.
وَفِي روَايَة ظفرٍ: عَشرَةُ آلاَفٍ مِنَ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ.
هَذِهِ حِكَايَةٌ مُنْكَرَةٌ، تَفَرَّدَ بِنَقلِهَا هَذَا المَكِّيُّ عَنْ هَذَا الوَرْكَانِيِّ، وَلاَ يُعْرَفُ، وَمَاذَا بِالوَرْكَانِيِّ المَشْهُوْرِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ بِثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيْهِ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ جَاراً لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
ثُمَّ العَادَةُ وَالعَقلُ تُحِيلُ وُقُوعَ مِثْلِ هَذَا، وَهُوَ إِسْلاَمُ أُلُوفٍ مِنَ النَّاسِ لِمَوتِ وَلِيٍّ للهِ، وَلاَ يَنقُلُ ذَلِكَ إِلاَّ مَجْهُوْلٌ لاَ يُعرَفُ.
فَلَو وَقَعَ ذَلِكَ، لاَشْتُهِرَ وَلَتَوَاتَرَ، لِتَوفُّرِ الهِمَمِ، وَالدَّواعِي عَلَى نَقلِ مِثْلِهِ.
بَلْ لَوْ أَسْلَمَ لِمَوْتِهِ مائَةُ نَفْسٍ، لَقُضِيَ مِنْ ذَلِكَ العَجَبُ، فَمَا ظَنُّكَ ؟!
قَالَ صَالِحٌ: وَبَعدَ أَيَّامٍ جَاءَ كِتَابُ المُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ إِلَى ابْنِ طَاهِرٍ، يَأْمُرُه بِتَعزِيَتِنَا، وَيَأْمُرُ بِحَملِ الكُتُبِ.قَالَ: فَحَمَلْتُهَا، وَقُلْتُ: إِنَّهَا لَنَا سَمَاعٌ، فَتَكُوْنُ فِي أَيدِينَا وَتُنسَخُ عِنْدَنَا.
فَقَالَ: أَقُوْلُ لأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
فَلَمْ يَزَلْ يُدَافِعُ الأَمِيْرَ، وَلَمْ تُخرج عَنِ أَيدِينَا - وَالحَمْدُ للهِ -.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ اليَمَانِيُّ بِطَرَسُوْسَ، قَالَ:
كُنْتُ بِاليَمَنِ، فَقَالَ لِي رَجُلٌ: إِنَّ بِنْتِي قَدْ عَرَضَ لَهَا عَارِضٌ، فَمَضَيتُ مَعَهُ إِلَى عَزَّامٍ بِاليَمَنِ، فَعَزَمَ عَلَيْهَا، وَأَخَذَ عَلَيَّ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ العَهْدَ أَنْ لاَ يَعُودَ، فَمَكَثَ نَحْواً مِنْ سِتَّةِ أَشهُرٍ.
ثُمَّ جَاءنِي أَبُوْهَا، فَقَالَ: قَدْ عَادَ إِلَيْهَا.
قُلْتُ: فَاذهَبِ العَزَّامَ.
فَذَهَبَ إِلَيْهِ، فَعَزَّمَ عَلَيْهَا، فَكَلَّمَه الجِنِّيُّ، فَقَالَ: وَيْلَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَخَذتُ عَلَيْكَ العَهْدَ أَنْ لاَ تَقْرَبَهَا؟
قَالَ: وَردَ عَلَيْنَا مَوْتُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ صَالِحِي الجِنِّ إِلاَّ حَضَرهُ إِلاَّ المَرَدَةُ، فَإِنِّي تَخَلَّفتُ مَعَهُم.
وَمِنْ المَنَامَاتِ:
وَبِالإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ مِهْرَانَ الجَمَّالَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ عَلَيْهِ بُرداً مُخَطَّطاً أَوْ مُغيراً، وَكَأَنَّهُ بِالرَّيِّ يُرِيْدُ المَصِيْرَ إِلَى الجَامِعِ.
قَالَ: فَاسْتَعبَرتُ بَعْضَ أَهْل التَّعْبِيْرِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ يُشتَهرُ بِالخَيْرِ.
وَبِهِ: إِلَى الجَمَّالِ، قَالَ: فَمَا أَتَى عَلَيْهِ إِلاَّ قَرِيْبٌ حَتَّى وَرَدَ مِنْ خَبَرِهِ مِنْ أَمْرِ المِحْنَةِ.
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي المَنَامِ، فَرَأَيْتُهُ أَضخَمَ مِمَّا كَانَ وَأَحسَنَ وَجْهاً وَسَحْناً مِمَّا كَانَ.
فَجَعَلتُ أَسْأَلُهُ الحَدِيْثَ وَأُذَاكِرُهُ.
وَبِهِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ الحُسَيْنِ بنِ مُوْسَى يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ تُوُفِّيَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
فَقُلْتُ: بِاللهِ؟!
قَالَ: بِاللهِ إِنَّه غَفَرَ لِي.
فَقُلْتُ: بِمَاذَا غَفَرَ اللهُ لَكَ؟
قَالَ: بِمَحَبَّتِي أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ.
وَبِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الطِّهْرَانِيُّ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عِيْسَى، عَنْ أَخِي أَبِي عَقِيْلٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ شَابّاً تُوُفِّيَ بِقَزْوِيْنَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
وَرَأَيْتُهُ مُستَعجِلاً فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لأَنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ قَدِ اشتَغَلُوا بِعَقْدِ الأَلْوِيَةِ لاستِقبَالِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَنَا أُرِيْدُ اسْتِقبَالَهُ.
وَكَانَ أَحْمَدُ تُوُفِّيَ تِلْكَ الأَيَّامَ.
قَالَ ابْنُ مُسْلِمٍ: ثُمَّ لَقِيْتُ أَخَا أَبِي عَقِيْلٍ، فَحَدَّثَنِي بِالرُّؤيَا.
وَبِهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الهَيْثَمُ بنُ خَالُوَيْه، قَالَ: رَأَيْتُ السِّنْدِيَّ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: مَا حَالُكَ؟
قَالَ: أَنَا بِخَيْرٍ، لَكِنِ اشتَغَلُوا عَنِّي بِمَجِيْءِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ مُسَافِرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المُغِيْثِ بنُ زُهَيْرٍ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ حَمْدِيَّةَ، وَأَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا
أَبُو غَالِبٍ بنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَبُو عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَنَّ ابْن مَخْلَدٍ أَخبَرَهُم، أَخْبَرَنَا يَزِيْدُ بنُ خَالِدِ بنِ طَهْمَانَ، أَخْبَرَنَا القَوَارِيْرِيُّ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قَالَ:جَاءنِي شَيْخٌ، فَخَلاَ بِي، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِداً، وَمَعَهُ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، فَقَالَ: عَلَى فُلاَنٍ لَعنَةُ اللهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَإِنَّهُمَا يَكِيدَانِ الدِّيْنَ وَأَهلَهُ، وَيَكِيدَانِ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَالقَوَارِيْرِيَّ، وَلَيْسَ يَصِلاَنِ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
ثُمَّ قَالَ: أَقرِأْ أَحْمَدَ وَالقَوَارِيْرِيَّ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُمَا: جَزَاكُمَا اللهُ عَنِّي خَيْراً وَعَنِ أُمَّتِي.
وَبِهِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُوَادَ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَيَّامَ المِحْنَةِ؛ كَأَنَّ رَجُلاً خَرَجَ مِنَ المَقْصُوْرَةِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَفُلاَنٍ.
وَقَالَ: نَسِيتُ اسْمَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ أَيَّامَ قُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ، -يَعْنِي: اقْتَدُوا فِي وَقْتِكُم هَذَا-.
وَبِهِ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ العَبَّاسِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قَالاَ:
كُنَّا نَقرَأُ عَلَى شَيْخٍ ضَرِيْرٍ، فَلَمَّا أَحدَثُوا بِبَغْدَادَ القَوْلَ بِخَلْقِ القُرْآنِ، قَالَ الشَّيْخُ: إِنْ لَمْ يَكُنِ القُرْآنُ مَخْلُوْقاً، فَمَحَى اللهُ القُرْآنَ مِنْ صَدْرِي.
فَلَمَّا سَمِعنَا هَذَا، تَرَكنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ، لَقِينَاهُ، فَقُلْنَا: يَا فُلاَنُ، مَا فَعَلَ القُرْآنُ؟
قَالَ: مَا بَقِيَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْءٌ.
قُلْنَا: وَلاَ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} .
قَالَ: وَلاَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} ، إِلاَّ أَنْ أَسْمَعَهَا مِنْ غَيْرِي يَقرَؤُهَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القَوَّاسِ، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ المَلِكِ الكَرُوْخِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الجَلِيْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ح) .وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مِقْسَمٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ العَزِيْزِ بنَ أَحْمَدَ النَّهَاوَنْدِيَّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَا أَفْضَلَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيْك المُتَقَرِّبُوْنَ؟
قَالَ: بِكَلاَمِي يَا أَحْمَدُ.
قُلْتُ: يَا رَبِّ، بِفَهْمٍ، أَوْ بِغَيْرِ فَهْمٍ؟
قَالَ: بِفَهْمٍ، وَبِغَيْرِ فَهْمٍ.
وَفِي (الحِليَةِ) بِإِسْنَادٍ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ بنِ خُرَّزَادَ، قَالَ:
رَأَى جَارٌ لَنَا كَأَنَّ مَلَكاً نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، مَعَهُ سَبْعَةُ تِيجَانٍ، فَأَوَّلُ مَنْ تَوَّجَ مِنَ الدُّنْيَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
أَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَطَالُوْتُ بنُ لُقْمَانَ، قَالاَ:
سَمِعْنَا زَكَرِيَّا بنَ يَحْيَى السِّمْسَارَ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُرَصَّعٌ بِالجَوْهَرِ، فِي رِجْلَيهِ نَعلاَنِ، وَهُوَ يَخطِرُ بِهِمَا.
قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي، وَأَدنَانِي، وَتَوَّجَنِي بِيَدِهِ بِهَذَا التَّاجِ، وَقَالَ لِي: هَذَا بِقَولِكَ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
قُلْتُ: مَا هَذِهِ الخَطْرَةُ الَّتِي لَمْ أَعرِفْهَا لَكَ فِي دَارِ الدُّنْيَا؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدٍ المَرْوَزِيُّ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ السُّلَمِيُّ، سَمِعْتُ طَالُوْتَ بنَ لُقْمَانَ، فَذَكَرَهَا.مُسَبِّحُ بنُ حَاتِمٍ العُكْلِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ جَعْفَرٍ المَرُّوْذِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَمْشِي فِي النَّوْمِ مِشيَةً يَخْتَالُ فِيْهَا، قُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشْيَةُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
عَنِ المَرُّوْذِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ فِي النَّوْمِ، وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ خَضرَاوَانِ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنَ النُّوْرِ، وَإِذَا هُوَ يَمْشِي مِشيَةً لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: هَذِهِ مِشيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
وَذَكَرَ القِصَّةَ فِي إِسْنَادِهَا المُفِيْدِ.
وَفِي (الحِلْيَةِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ الحَنْبَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّهْرُوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القُرَشِيُّ، حَدَّثَنَا المَرُّوْذِيُّ بِنَحْوٍ مِنْهَا.
أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ خَفِيْفٍ الصُّوْفِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ القَصْرِيُّ، سَمِعْتُ ابْنَ خُزَيْمَةَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ لَمَّا مَاتَ يَتَبَخْتَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ المِشيَةُ؟
قَالَ: مِشْيَةُ الخُدَّامِ فِي دَارِ السَّلاَمِ.
فَقُلْتُ: مَاذَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي، وَتَوَّجَنِي، وَأَلْبَسَنِي نَعْلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، هَذَا بِقَوْلِكَ: القُرْآنُ كَلاَمِي.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، لِمَ كَتَبتَ عَنْ حَرِيْزِ بنِ عُثْمَانَ؟، وَذَكَرَ حِكَايَةً طَوِيْلَةً مُنْكَرَةً.
وَمِنْ أَيْنَ يَلحقُ أَحْمَدُ حَرِيزاً؟!
أَنْبَأَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، عَنِ ابْنِ الجَوْزِيِّ، أَخْبَرَنَا المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ التَّكْرِيْتِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ بَهْرَامَ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ وَعَلَيْهِ نَعلاَنِ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ يَخْطِرُ ... ، الحِكَايَةَ.
ثُمَّ رَوَاهَا بِطُولِهَا ابْنُ الجَوْزِيِّ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ القَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ.وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ بَاخَرْزَ - وَهِيَ مِنْ نَوَاحِي نَيْسَابُوْرَ - يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ كأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَى فَرَسٍ بِهِ مِنَ الحُسْنِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيْمٌ، وَمُنَادٍ يُنَادِي: أَلاَ لاَ يَتَقَدَّمَنَّهُ اليَوْمَ أَحَدٌ.
قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ السَّمَّاكُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي المَنَامِ، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي.
وَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، ضُرِبْتَ فِيَّ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: هَذَا وَجْهِي، فَانْظُرْ إِلَيْهِ، قَدْ أَبَحْتُكَ النَّظَرَ إِلَيْهِ.
وَرَوَى مِثْلَهَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ بإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ رَأَى نَحْوَ ذَلِكَ.
وَفِي (مَنَاقِبِ أَحْمَدَ) لِشَيْخِ الإِسْلاَم بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ إِلَى عَلِيِّ بنِ المُوَفَّقِ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا بِثَلاَثَةٍ: رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى مَائِدَةٍ قَدْ وَكَّلَ اللهُ بِهِ مَلَكَيْنِ: فَمَلَكٌ يُطعِمُهُ، وَمَلَكٌ يَسقِيهِ، وَآخَرُ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ يَنْظُرُ فِي وُجُوْهِ قَوْمٍ فَيُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ، وَآخَرُ وَاقِفٌ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى العَرْشِ، يَنْظُرُ إِلَى الرَّبِّ -تَعَالَى-.
فَقُلْتُ لِرِضْوَانَ: مَنْ هَؤُلاَءِ؟
قَالَ: الأَوَّلُ بِشْرٌ الحَافِي، خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ جَائِعٌ عَطْشَانُ، وَالوَاقِفُ فِي الوَسَطِ هُوَ مَعْرُوْفٌ، عَبَدَ اللهَ شَوقاً لِلنَّظَرِ إِلَيْهِ، فَأُعْطِيَهُ، وَالوَاقِفُ فِي بَابِ الجَنَّةِ فَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، أُمِرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي وُجُوْهِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَيُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ بِإِسْنَادٍ طَوِيْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الرَّمْلِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ، قَالَ:دَخَلْتُ العِرَاقَ وَالحِجَازَ، وَكَتَبْتُ، فَمِنْ كَثْرَةِ الاخْتِلاَفِ لَمْ أَدْرِ بِأَيِّهَا آخُذُ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي.
فَنِمتُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَسنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، وَعَنْ يَمِيْنِهِ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ يَبْتَسِمُ إِلَيْهِمَا.
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، بِمَ آخُذُ؟
فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ: {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ وَالحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} [الأَنْعَامُ: 89] ، وَذَكَرَ القِصَّةَ.
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ كَأَنَّ القِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، وَكَأَنَّ النَّاسَ جَاؤُوا إِلَى قَنطَرَةٍ، وَرَجُلٌ يَختِمُ وَيُعْطِيهِم، فَمَنْ جَاءَ بِخَاتَمٍ جَازَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُعطِي النَّاسَ الخَوَاتِيمَ؟
قَالُوا: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَرِّمِيُّ، سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ لُؤْلُؤاً يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ مُتَّ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: غَفَرَ لِي وَلِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ.
قُلْتُ: فَقَدْ كَانَ فِيْهِم أَصْحَابُ بِدَعٍ.
قَالَ: أُوْلَئِكَ أُخِّرُوا.
أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ بن أَبِي عِصْمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ فِي النَّوْمِ كَالمُغْضَبِ، فَقُلْتُ: مَا لِي أَرَاكَ مُغْضَباً؟
قَالَ: وَكَيْفَ لاَ أَغضَبُ، وَجَاءنِي مُنْكَرٌ وَنَكِيْرٌ، يَسْأَلاَنِي مَنْ رَبُّكَ؟
فَقُلْتُ: وَلِمِثْلِي يُقَالُ هَذَا؟
فَقَالاَ: صَدَقتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، وَلَكِنْ بِهَذَا أُمِرنَا.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبْدُوْسِ بنِ كَامِلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ
بنُ الفَرَجِ - جَارُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ - قَالَ:لَمَّا نَزَلَ بِأَحْمَدَ مَا نَزَلَ، دَخَلَ عَلَيَّ مُصِيبَةٌ، فَأُتِيتُ فِي مَنَامِي، فَقِيْلَ لِي: أَلاَ تَرضَى أَنْ يَكُوْنَ أَحْمَدُ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةِ أَبِي السَّوَّارِ العَدَوِيِّ، أَوَ لَسْتَ تَروِي خَبَرَهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ بِسْطَامَ بنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ:
دَعَا بَعْضُ مُتْرَفِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَبَا السَّوَّارِ العَدَوِيَّ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمرِ دِينِهِ، فَأَجَابَهُ بِمَا يَعلَمُ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: وَإِلاَّ أَنْتَ بَرِيْءٌ مِنَ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: إِلَى أَيِّ دِينٍ أَفِرُّ؟
قَالَ: وَإِلاَّ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ.
قَالَ: فَإِلَى مَنْ آوِي بِاللَّيْلِ؟
فَضَرَبَه أَرْبَعِيْنَ سَوطاً.
قَالَ: فَأَتيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَخْبَرته بِذَلِكَ، فَسُرَّ بِهِ.
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الفَرَجِ مُخْتَصَرَةً.
وَأَبُو السَّوَّارِ: هُوَ حَسَّانُ بنُ حُرَيْثٍ، يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو السَّوَّارِ يَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ، فَيَشتِمُه، فَيَقُوْلُ: إِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتَ، إِنِّي إِذاً لَرَجُلُ سَوءٍ.
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْحَاقَ المَدَائِنِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ الحَجَرَ الأَسْوَدَ انْصَدَعَ، وَخَرَجَ مِنْهُ لِوَاءٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
فَقِيْلَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ قَدْ بَايَعَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.
جَمَاعَةٌ: سَمِعُوا سَلَمَةَ بنَ شَبِيْبٍ يَقُوْلُ:
كُنَّا جُلُوْساً مَعَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، إِذْ جَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَنْ مِنْكُم أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ؟
فَسَكَتنَا، فَقَالَ: أَنَا أَحْمَدُ، مَا حَاجَتُك؟
قَالَ: صِرْتُ إِلَيْكَ مِنْ أَرْبَعِ مائَةِ فَرْسَخٍ بَرِّهَا وَبَحْرِهَا، جَاءنِي الخَضِرُ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: تَعرِفُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: ائِتِ بَغْدَادَ، وَسَلْ عَنْهُ، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ الخَضِرَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ
سَاكِنَ السَّمَاءِ الَّذِي عَلَى عَرشِهِ رَاضٍ عَنْكَ، وَالمَلاَئِكَةَ رَاضُوْنَ عَنْكَ بِمَا صَيَّرْتَ نَفْسَكَ للهِ.فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا شَاءَ اللهُ، لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، أَلَكَ حَاجَةٌ غَيْرُ هَذِهِ؟
قَالَ: مَا جِئتُكَ إِلاَّ لِهَذَا، وَانْصَرَفَ.
رَوَاهَا: أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي الشَّيْخِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بِهَذَا.
ورَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَامِضُ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حُسَيْنٍ المَرْوَزِيُّ، سَمِعَ سَلَمَةَ بِنَحْوِهَا.
وَرَوَاهَا: شَيْخُ الإِسْلاَمِ - بإِسْنَادٍ لَهُ - عَنِ الحَسَنِ بنِ إِدْرِيْسَ، عَنْ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهَا: الخَطِيْبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي الفَوَارِسِ، عَنْ أَبِي حَيَّوَيْه، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ الخَطِيْبِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ دَاوُدَ المُؤَدِّبُ، عَنْ سَلَمَةَ.
وَتُرْوَى بِإِسْنَادٍ، عَنْ حَنْبَلٍ، عَنْ سَلَمَةَ مُخْتَصَرَةً.
وَقَالَ: إِنَّ اللهَ بَاهَى بِضَرْبِكَ المَلاَئِكَةَ.
الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، حَدَّثَنِي حُبَيْشُ بنُ أَبِي الوَرْدِ، قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا بَالُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ؟
قَالَ: سَيَأْتِيكَ مُوْسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَسَلْهُ.
فَإِذَا أَنَا بِمُوْسَى، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ بُلِيَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فَوُجِدَ صَادِقاً، فَأُلْحِقَ بِالصِّدِّيْقِيْنَ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى النَّاقِدُ، سَمِعْتُ حَجَّاجَ بنَ الشَّاعِرِ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ عَمّاً لِي فِي المَنَامِ، كَانَ قَدْ كَتَبَ عَنْ هُشَيْمٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَقَالَ: ذَاكَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي قُرَّةَ،
قَالَ:رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا قَصْرٌ مِنْ فِضَّة، فَانْفَتَحَ بَابُهُ، فَخَرَجَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ رِدَاءٌ مِنْ نُوْرٍ، فَقَالَ لِي: قَدْ جِئْتَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ حَتَّى انْتَهَيْتُ.
قَالَ: وَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ جِبَالَ المِسْكِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُوْنَ، وَهُم يَقُوْلُوْنَ: قَدْ جَاءَ الغَازِي، فَدَخَلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مُتَقَلِّداً السَّيْفَ، وَمَعَهُ رُمْحٌ، فَقَالَ: هَذِهِ الجَنَّةُ.
وَلَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فَأَوعَى مِنَ المَنَامَاتِ فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ وَرَقَةً.
وَأَفْرَدَ ابْنُ البَنَّاءِ جُزْءاً فِي ذَلِكَ.
وَلَيْسَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ تَقْرِيْرُ وِلاَيَتِهِ إِلَى مَنَامَاتٍ، وَلَكِنَّهَا جُنْدٌ مِنْ اللهِ، تَسُرُّ المُؤْمِنَ، وَلاَ سِيَّمَا إِذَا تَوَاتَرَتْ.
قَالَ الخَلاَّلُ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَحْمُوْدٍ، قَالَ:
كُنْتُ فِي البَحْرِ مُقْبِلاً مِنْ نَاحِيَةِ السِّنْدِ فِي اللَّيْلِ، فَإِذَا هَاتِفٌ يَقُوْلُ: مَاتَ العَبْدُ الصَّالِحُ.
فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ مَعَنَا: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: هَذَا مِنْ صَالِحِي الجِنِّ.
وَمَاتَ أَحْمَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
قَالَ الخَلاَّلُ: وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الجَهْمِ: لَمَّا قَدِمْتُ مِنْ عُمَانَ، أَرسَينَا إِلَى جَزِيْرَةٍ، وَقَوْمٌ جَاؤُوا مِنَ العِرَاقِ، إِنَّمَا نَستَعْذِبُ المَاءَ.
قَالَ: فَسَمِعْتُ صَيحَةً وَتَكبِيْراً وَصِيَاحاً.
قَالَ: قُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: فَقَالَ: قَدْ مَاتَ خَيْرُ البَغْدَادِيِّيْنَ - يَعْنُوْنَ: عَالِمَهُم أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ -.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ شَرِيْكٍ يَقُوْلُ:
مَاتَ مُخَنَّثٌ، فَرُئِيَ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لِي، دُفِنَ عِنْدَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، فَغُفِرَ لأَهْلِ القُبُوْرِ.
الخَلاَّلُ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بِالرَّقَّةِ، حَدَّثَنَا نَصْرُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ السِّنْجَارِيُّ، حَدَّثَنَا الأَثْرَمُ، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ فُوْرَانَ يَقُوْلُ: رَأَى إِنْسَانٌ رُؤْيَا، قَالَ:رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرْتَ؟
قَالَ: أَنَا مَعَ العَشْرَةِ.
قُلْتُ: أَنْتَ عَاشِرُ القَوْمِ؟
قَالَ: لاَ، أَنَا حَادِي عَشَرَ.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ الوَزَّانُ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الأَذْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا بُنْدَارُ بنُ بَشَّارٍ، قَالَ:
رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، فَقُلْتُ: إِلَى مَا صِرتَ؟
قَالَ: إِلَى أَكْثَرَ مِمَّا أَمَّلْتُ.
فَقُلْتُ: مَا هَذَا فِي كُمِّكَ؟
قَالَ: دُرٌّ وَيَاقُوتٌ، قَدِمتْ عَلَيْنَا رُوحُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَأَمَرَ اللهُ أَنْ يُنْثَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهَذَا نَصِيبِي.
الخَلاَّلُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حِصْنٍ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ لَمَّا مَاتَ فَوَصَلَ الخَبَرُ إِلَى الشَّاشِ، سَعَى بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: قُومُوا حَتَّى نُصَلِّيَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ كَمَا صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّجَاشِيِّ.
فَخَرَجُوا إِلَى المُصَلَّى، فَصَفُّوا، فَصَلُّوا عَلَيْهِ.
الرِّوَايَةُ عَنْهُ:قَرَأْتُ عَلَى أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ أَحْمَدَ بنِ نِعْمَةَ المَقْدِسِيِّ - مُفْتِي دِمَشْقَ وَخَطِيْبِهَا - عَنِ الإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدٍ السُّهْرَوَرْدِيِّ، ثُمَّ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي المَعَالِي أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ المُقْرِئِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو المُظَفَّرِ هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِيُّ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الذَّهَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلِ بنِ هِلاَلِ بنِ أَسَدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ شُعَيْبَةَ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُوْلُ:
قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُم بِالإِيْمَانِ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (تَدْرُوْنَ مَا الإِيْمَانُ بِاللهِ؟) .
قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُوْلُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا الخُمْسَ مِنَ المَغْنَمِ ) .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَخْرَجَهُ: أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ.
قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ عِمَادِ الدِّيْنِ عَبْدِ الحَافِظِ بنِ بَدْرَانَ بنِ شِبْلٍ النَّابُلُسِيِّ بِمَسْجِدِه، وَقَرَأْتُ بِدِمَشْقَ عَلَى يُوْسُفَ بنِ أَحْمَدَ بنِ عَالِيَةَ الحَجَّارِ، قَالاَ:أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُوْسَى بنُ عَبْدِ القَادِرِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ البُنْدَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ القَوَارِيْرِيُّ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، إِنِّي شَيْخٌ كَبِيْرٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ اللهَ يُوَفِّقُنِي فِيْهَا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَقَالَ: (عَلَيْكَ بِالسَّابِعَةِ ) .
لَفْظُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ البَغَوِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُ رَوَى هَذَا الحَدِيْثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ مُعَاذٍ.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ
بنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنِ النُّعْمَانِ بن أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ، قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَصُوْمُ عَبْدٌ يَوْماً فِي سَبِيْلِ اللهِ، إِلاَّ بَاعَدَ اللهُ بِذَلِكَ اليَوْمِ النَّارَ عَنْ وَجْهِهِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً ) .
أَخْرَجَه: النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوِّ دَرَجَتَيْنِ.
مِنْ (الطَّهَارَةِ) لِلْخَلاَّلِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبِي إِذَا بَالَ، لَهُ مَوَاضِعُ يَمسَحُ بِهَا ذَكَرَهُ، وَيَنْتُرُهُ مِرَاراً كَثِيْرَةً، وَرَأَيْتُهُ إِذَا بَالَ، اسْتَبْرَأَ اسْتِبْرَاءً شَدِيْداً.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا بَالَ، يَشُدُّ عَلَى فَرْجِهِ خِرْقَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ أَبِي: إِذَا كَانَتْ تَعَاهَدَهُ الأَبْرِدَةُ، فَإِنَّهُ يُسبِغُ الوُضُوءَ، ثُمَّ يَنْتَضِحُ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ يَظُنُّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنَّه يَذْهَبُ عَنْهُ - إِنْ شَاءَ اللهُ -.
حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا حَنْبَلٌ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ، تَرَدَّدَ فِي الدَّارِ، وَيَقَعُدُ قَعدَةً قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَظَنَنتُ أَنَّهُ يُرِيْدُ بِذَلِكَ الاسْتِبرَاءَ.
وَقُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: إِنِّي أَجِدُ بَلَّةً بَعْدَ الوُضُوءِ.فَقَالَ: ضَعْ يَدَكَ فِي سَفْلَتِكَ، وَاسلُتْ مَا ثَمَّ حَتَّى يَنْزِلَ، وَتَتَرَدَّدْ قَلِيْلاً، وَالْهُ عَنْهُ، وَلاَ تَجعَلْ ذَلِكَ مِنْ هَمِّكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ يُوَسْوِسُ.
حَدَّثَنِي مَنْصُوْرُ بنُ الوَلِيْدِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ -يَعْنِي: الَّذِي يَبُوْلُ-: إِذَا نَتَرَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، أَرْجُو أَنَّهُ يُجزِئُهُ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه عَنِ الاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَرَأَى أَنَّ الاسْتِبْرَاءَ كَذَلِكَ، وَذَهَبَ إِلَى ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى المَشْيِ.
أَحْمَد بْن منصور بْن سيار بْن معارك، أَبُو بَكْر الرمادي :
سمع عَبْد الرزاق بْن همام، وأبا النضر هاشم بْن الْقَاسِم، وزيد بْن الحباب، ويزيد ابن أَبِي حكيم وأبا داود الطيالسي، ويزيد بْن هارون، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، وأسود بْن عامر، ومعاذ بْن فضالة، وعلي بْن الجعد، وأبا سلمة التبوذكي، وأبا حذيفة النهدي، وعمرو بْن الْقَاسِم بْن حكام، وَالقعنبي، ونعيم بْن حماد الْمَرْوَزِيُّ، وسعيد بْن أَبِي مريم، ويحيى بْن بكير، وحرملة بْن يَحْيَى المصريين، وَعبد المجيد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي رواد، وعبد الملك بْن إِبْرَاهِيم الجدي، وأبا عاصم النبيل، وعفان بْن مسلم، وعبيد اللَّه بْن مُوسَى، ويحيى بْن الحماني، وأَحْمَد بْن حَنْبَل، وهناد بن
السري، وهارون بْن معروف، وعثمان بْن عُمَر بْن فارس، وهشام بْن عمار ودحيما، وغيرهم من أهل العراق، وَالحجاز، وَاليمن، وَالشام، ومصر.
وكَانَ قد رحل وأكثر السماع وَالكتابة، وصنف المسند، وروى عنه إسماعيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي، وقاسم المطرز، وأبو الْقَاسِم البغوي، وَيحيى بْن صاعد، وَالْقَاضِي المحاملي، وَمحمد بْن مخلد، وَالحسين بْن يَحْيَى بْن عياش، وَإسماعيل بْن مُحَمَّد الصفار.
وَقال ابْن أَبِي حاتم: كتبنا عنه مع أَبِي، وكَانَ أَبِي يوثقه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ الأهوازي، حدّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا أحمد بن منصور، حدّثنا عبد الرّزّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ، - أَوْ قَالَتْ: - حِينَ يُصْبِحُ الْفَجْرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، حدّثنا أحمد بن منصور بن سيار، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني ابن لهيعة، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عن بشر بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاءَهُ مِنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلا إِشْرَافٍ فَلْيَقْبَلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ »
. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حدّثنا أحمد ابن مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ- سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِيهَا مات- حدّثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَّمَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَيُعْطِي الآهِلَ حَظَّيْنِ وَيُعْطِي الْعَزَبَ حَظًّا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري، أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغني بْن سَعِيد بن علي الأزديّ- الحافظ- أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن جابر قَالَ: سمعت عباسا الدّوريّ يقول- وذكر عنده أحمد بن منصور الرمادي-
فقال: ومالنا نحن وَالرمادي؟ لقد أردت الخروج إِلَى البصرة أَنَا ورجل ذكره عَبَّاس، فَقَالَ الرجل: ترافقني. فقلت: بيني وبينك الرمادي، فقلنا له فَقَالَ: ليس هو من بابتك، أَنْتَ تكتب مالا يكتب، وَهُوَ يكتب مالا تكتب، فنحن نتحاكم إليه فِي ذلك الوقت.
وَقال ابن جابر: حَدَّثَنِي أَبُو يعلى الوراق عَن عَبَّاس الدوري. قَالَ: أَنَا أسكت من أمر الرمادي عَن شيء أخاف أن لا يسعني، كنت ربما سمعت يَحْيَى بْن معين يقول:
قَالَ أَبُو بَكْر الرمادي.
وَقال ابن جابر: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عَن إِبْرَاهِيم الأصبِهَاني قَالَ: لو أن رجلين قَالَ أحدهما: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شيبة وَقَالَ الآخر: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الرمادي، كَانَا سواء.
قَالَ ابْن جابر: وحدثنا بعض أصحابنا عَن أخي خطاب قَالَ: هو أثبت منه- يَعْنِي الرمادي أثبت من أَبِي بكر بن أبي شيبة-.
حدّثني الصوري، أخبرني عبد الغني بن سعيد، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن رجاء البصري قَالَ: قلت لأبي داود السجستاني:
لم أرك تحدث عَنِ الرمادي؟ قَالَ: رأيته يصحب الواقفة، فلم أحدث عنه.
حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن أَبِي الفتح، عَن أَبِي الْحَسَن الدارقطني قَالَ: أَحْمَد بْن منصور الرمادي ثقة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد، حَدَّثَنَا محمد بن العباس قال: قرئ على ابْن المنادي وأَنَا أسمع: أن أَحْمَد بْن منصور بْن سيار الرمادي مات يوم الخميس لأربع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومائتين، وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة، كَانَ ميلاده فِي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وصلى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن أرمه الأصبِهَاني.
سمع عَبْد الرزاق بْن همام، وأبا النضر هاشم بْن الْقَاسِم، وزيد بْن الحباب، ويزيد ابن أَبِي حكيم وأبا داود الطيالسي، ويزيد بْن هارون، ويحيى بن إسحاق السيلحيني، وأسود بْن عامر، ومعاذ بْن فضالة، وعلي بْن الجعد، وأبا سلمة التبوذكي، وأبا حذيفة النهدي، وعمرو بْن الْقَاسِم بْن حكام، وَالقعنبي، ونعيم بْن حماد الْمَرْوَزِيُّ، وسعيد بْن أَبِي مريم، ويحيى بْن بكير، وحرملة بْن يَحْيَى المصريين، وَعبد المجيد بْن عَبْد العزيز بْن أَبِي رواد، وعبد الملك بْن إِبْرَاهِيم الجدي، وأبا عاصم النبيل، وعفان بْن مسلم، وعبيد اللَّه بْن مُوسَى، ويحيى بْن الحماني، وأَحْمَد بْن حَنْبَل، وهناد بن
السري، وهارون بْن معروف، وعثمان بْن عُمَر بْن فارس، وهشام بْن عمار ودحيما، وغيرهم من أهل العراق، وَالحجاز، وَاليمن، وَالشام، ومصر.
وكَانَ قد رحل وأكثر السماع وَالكتابة، وصنف المسند، وروى عنه إسماعيل بْن إِسْحَاق الْقَاضِي، وقاسم المطرز، وأبو الْقَاسِم البغوي، وَيحيى بْن صاعد، وَالْقَاضِي المحاملي، وَمحمد بْن مخلد، وَالحسين بْن يَحْيَى بْن عياش، وَإسماعيل بْن مُحَمَّد الصفار.
وَقال ابْن أَبِي حاتم: كتبنا عنه مع أَبِي، وكَانَ أَبِي يوثقه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّلْتِ الأهوازي، حدّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي، حدّثنا أحمد بن منصور، حدّثنا عبد الرّزّاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ، - أَوْ قَالَتْ: - حِينَ يُصْبِحُ الْفَجْرَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ، حدّثنا أحمد بن منصور بن سيار، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني ابن لهيعة، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عن بشر بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاءَهُ مِنْ أَخِيهِ مَعْرُوفٌ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلا إِشْرَافٍ فَلْيَقْبَلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ »
. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، حدّثنا إسماعيل بن محمّد الصّفّار، حدّثنا أحمد ابن مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ- سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِيهَا مات- حدّثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ الْفَيْءُ قَسَّمَهُ مِنْ يَوْمِهِ فَيُعْطِي الآهِلَ حَظَّيْنِ وَيُعْطِي الْعَزَبَ حَظًّا.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري، أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّد عَبْد الغني بْن سَعِيد بن علي الأزديّ- الحافظ- أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الله، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن جابر قَالَ: سمعت عباسا الدّوريّ يقول- وذكر عنده أحمد بن منصور الرمادي-
فقال: ومالنا نحن وَالرمادي؟ لقد أردت الخروج إِلَى البصرة أَنَا ورجل ذكره عَبَّاس، فَقَالَ الرجل: ترافقني. فقلت: بيني وبينك الرمادي، فقلنا له فَقَالَ: ليس هو من بابتك، أَنْتَ تكتب مالا يكتب، وَهُوَ يكتب مالا تكتب، فنحن نتحاكم إليه فِي ذلك الوقت.
وَقال ابن جابر: حَدَّثَنِي أَبُو يعلى الوراق عَن عَبَّاس الدوري. قَالَ: أَنَا أسكت من أمر الرمادي عَن شيء أخاف أن لا يسعني، كنت ربما سمعت يَحْيَى بْن معين يقول:
قَالَ أَبُو بَكْر الرمادي.
وَقال ابن جابر: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا عَن إِبْرَاهِيم الأصبِهَاني قَالَ: لو أن رجلين قَالَ أحدهما: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شيبة وَقَالَ الآخر: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الرمادي، كَانَا سواء.
قَالَ ابْن جابر: وحدثنا بعض أصحابنا عَن أخي خطاب قَالَ: هو أثبت منه- يَعْنِي الرمادي أثبت من أَبِي بكر بن أبي شيبة-.
حدّثني الصوري، أخبرني عبد الغني بن سعيد، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّهِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن رجاء البصري قَالَ: قلت لأبي داود السجستاني:
لم أرك تحدث عَنِ الرمادي؟ قَالَ: رأيته يصحب الواقفة، فلم أحدث عنه.
حَدَّثَنِي عبيد اللَّه بْن أَبِي الفتح، عَن أَبِي الْحَسَن الدارقطني قَالَ: أَحْمَد بْن منصور الرمادي ثقة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد، حَدَّثَنَا محمد بن العباس قال: قرئ على ابْن المنادي وأَنَا أسمع: أن أَحْمَد بْن منصور بْن سيار الرمادي مات يوم الخميس لأربع بقين من ربيع الآخر سنة خمس وستين ومائتين، وقد استكمل ثلاثا وثمانين سنة، كَانَ ميلاده فِي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وصلى عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم بْن أرمه الأصبِهَاني.
أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي أَبُو بكر يروي عَن عبد الرَّزَّاق وَيزِيد بن هَارُون حَدَّثنا عَنهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة مُسْتَقِيم الْأَمر فِي الحَدِيث
أحمد بن منصور بن سيار بن معارك أبو بكر البغدادي
المعروف بالرمادي محدث مشهور.
حدث عن عثمان بن عمر بسنده عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي يعافيني فقال له: إن شئت أخرت ذلك، وإن شئت دعوت قال: ادع، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الهدى والرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضي لي اللهم شفعه في.
وحدث عن أبي إسحاق إبراهيم الطالقاني سنة خمس وستين ومئتين وفيها مات بسنده عن عوف بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فيعطي الآهل حظين، ويعطي العزب حظاً.
وحدث عن يزيد يعني ابن هارون بسنده عن عبد الله بن سرخس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في النفس والأهل والمال.
قال محمد بن مخلد: كان الرمادي إذا اشتكى شيئاً قال: هاتوا أصحاب الحديث فإذا حضروا عنده قال: اقرؤوا علي الحديث.
المعروف بالرمادي محدث مشهور.
حدث عن عثمان بن عمر بسنده عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ادع الله لي يعافيني فقال له: إن شئت أخرت ذلك، وإن شئت دعوت قال: ادع، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبيك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي الهدى والرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه ليقضي لي اللهم شفعه في.
وحدث عن أبي إسحاق إبراهيم الطالقاني سنة خمس وستين ومئتين وفيها مات بسنده عن عوف بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتاه الفيء قسمه من يومه، فيعطي الآهل حظين، ويعطي العزب حظاً.
وحدث عن يزيد يعني ابن هارون بسنده عن عبد الله بن سرخس قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سافر قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في النفس والأهل والمال.
قال محمد بن مخلد: كان الرمادي إذا اشتكى شيئاً قال: هاتوا أصحاب الحديث فإذا حضروا عنده قال: اقرؤوا علي الحديث.
أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُجَاهِدٍ، أبو بكر المقري :
كَانَ شيخ القراء فِي وقته، وَالمقدم منهم عَلَى أهل عصره، وحدث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوب المخرمي ومحمد بْن عَبْد اللَّهِ الزهيري، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وسعدان بْن نصر، وأَحْمَد بْن منصور الرمادي، ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصاغاني، وعباس الترقفِي وعباس الدوري، ومحمد بْن الجهم السمري، ومحمد بْن سعد العوفِي، وأبي يُوسُف القلوسي، وأبي رفاعة العدوي، وخلق كثير من طبقتهم وممن بعدهم. رَوَى عَنْهُ أَبُو طَاهِرِ بْن أَبِي هَاشِمٍ، وأَحْمَد بْن عِيسَى بْن جنية، وأبو بكر بْن الجعابي، وأبو القاسم ابن النخاس، وأبو الحسين بن البواب، وأبو بكر بْن شاذان، وطلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص بْن شاهين، وعِيسَى بْن عَلِيّ، وأبو حفص الكتاني، فِي آخرين.
وكَانَ ثقة مأمونا، يسكن بالجانب الشرقي نحو مربعة الخرسي.
حدثت عَن طلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ: ولد أَبُو بَكْر بْن مجاهد فِي شهر ربيع
الآخر من سنة خمس وأربعين ومائتين، كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن الْمُعَدَّل من الكوفة يذكر أن أبا الْحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَان الحافظ حدثهم قَالَ: حَدَّثَنِي بعض البغداديين عَن أَحْمَد بن يحيى النّحويّ قَالَ: فِي سنة ست وثمانين- يَعْنِي ومائتين- ما بقي فِي عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب اللَّه من أَبِي بكر بْن مجاهد! أَخْبَرَنِي عُبَيْد الله بْن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا أبو الفضل الزّهريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن عُمَر الرفاء قال: سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان قَالَ: صليت خلف أَبِي بكر بْن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت، ثم استفتح ثانية ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة. فقلت: أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فَقَالَ لي:
شهدت المكَانَ؟ فقلت: نعم. فَقَالَ أشهدتك اللَّه إن حدثت بِهِ عني إِلَى أن أواري تحت أطباق الثرى. فَقَالَ لي: يا بني ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الأحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني وبين رب العزة تَعَالَى، سرا بسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد لِلَّهِ فِي كتابه ما بين عيني، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النِّيسَابُورِيّ الحافظ- بالري- قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب الشيباني يقول: تقدمت إِلَى أَبِي بكر بْن مجاهد لأقرأ عَلَيْهِ، فتقدم إليه رَجُل وافر اللحية، كبير الهامة، فابتدأ ليقرأ فَقَالَ: ترفق يا خليلي.
سمعت مُحَمَّد بْن الجهم السمري يقول: سمعت الفراء يقول: أدب النفس، ثم أدب الدرس.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت عِيسَى بْن عَلِيّ بْن عِيسَى الوزير يَقُولُ: أنشدني أَبُو بَكْر بن مجاهد- وقد جئته عائدا وأطال عنده قوم كَانُوا قد حضروا للعيادة- فَقَالَ لي:
يا أبا الْقَاسِم عيادة ثم ماذا؟ فصرف من حضر وهممت بالانصراف معهم، فأمرني بالرجوع إليه ثم أنشدني عَن مُحَمَّد بْن الجهم:
لا تضجرن مريضا جئت عائده ... إن العيادة يوم إثر يومين
بل سله عَن حاله وادع الإله له ... واقعد بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
حدّثني علي بن أبي علي البصريّ، حدثني أبو محمد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن إبراهيم القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن الجعابي. قَالَ: كنت يوما عند أبي بكر ابن مجاهد فِي مسجده، فأتاه بعض غلمانه فَقَالَ له: يا أستاذ. إن رأيت أن تجملني بحضورك غدا دارنا! فَقَالَ له أَبُو بَكْر: ومن معنا؟ فَقَالَ له: أصحابنا المسجدية، ومن يرى الشيخ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: ينبغي أن تدعو أبا بكر- يَعْنِيني- فأقبل الفتى عَلِيّ يسألني، فقلت له: هوذا تطفل بي، لو أرادني الرجل لأفردني بالسؤال، فَقَالَ: دع هذا يا بغيض. فقلت له: السمع وَالطاعة. فَقَالَ لي الرجل: إن الأستاذ قد آثرك فمن تؤثر أَنْتَ أن أدعو لَكَ؟ فقلت له: الحسين بْن غريب. قَالَ: السمع وَالطاعة، ونهض الفتى، فلما كان من الغد وافى إلى مسجد أبي بكر، فسألنا النهوض معه إلى منزله، فقال أبو بكر لأصحابه: قوموا وامضوا متقطعين وخالفوا الطرق، ففعلوا، ثم أقبل على الفتى فقال له: اسبقنا، فإني أَنَا وأبو بكر نجيئك. فقلت أَنَا له: إيش عملت فِي إحضار ابْن غريب؟ فَقَالَ لي: قد أخذت الوعد عَلَيْهِ من أمس وأَنَا أنفذ إليه رسولا ثانيا. ومضى وجلس أَبُو بَكْر ففرغ من شغيلات له، ثم إنا نهضنا جميعا وعبرنا الجانب الغربي وصعدنا درب النخلة وكانت دار الفتى فِيهِ، فوجدناه مترقبا لنا.
فدخلنا فدعا بماء فغسلنا أيدينا، ثم أتى بجونة فوضعها بين أيدينا، فقلت في نفسي: ما أدري مروءة هذا الفتى؟ أيش فِي الجونة مما يعمنا! ففتحها فإذا فِيهَا بزماورد، وأوساط ولفات، وسنبوسج، فأكلنا أكلا عظيما مفرطا، وَالجونة عَلَى حالها وما فِيهَا من هذا الطعام عَلَى غاية الكثرة وَالوفور، وشلنا أيدينا فاستدعى الحلوى، فأتى بفالوذج غرف حار بماء ورد عَلَى مائدة كبيرة، فاستكثرنا منه، فعجبت من ظرف طعامه، ونظافته وطيبه، وحسنه وتمام مروءته، من غير إجحاف ولا إسراف، وغسلنا أيدينا فقلت له: أين ابْن غريب؟ فَقَالَ لي عند بعض الرؤساء وقد حال بيننا وبينه، فشق عَلِيّ وتبين أَبُو بَكْر بْن مجاهد ذلك مني، فَقَالَ لي: هاهنا من ينوب عَن ابْن غريب. فتحدّثنا ساعة. فقلت له: لا أرى للنائب عَن ابْن غريب خبرا ولا أثرا، فدافعني فصبرت ساعة، ثم كررت الخطاب عَلَيْهِ وألححت، ولست أعلم من هو النائب بالحقيقة عَن ابْن غريب. فَقَالَ للفتى: هات قضيبا، فأتاه بِهِ، فأخذه أَبُو بَكْر ووقع واندفع يغني، فغناني نيفا وأربعين صوتا فِي غاية الْحَسَن وَالطيبة وَالإطراب، فأشجاني وحيرني فقلت له: يا أستاذ متى تعلمت هذا وكيف تعلمته! فَقَالَ: يا بارد تعلمته لبغيض مثلك لا يحضر الدعوة إلا بمغن، ومضى لنا يوم طيب معه.
حَدَّثَنِي أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز المهدي الخطيب قَالَ: سمعت الحسين بْن مُحَمَّد بْن خلف المقرئ- جارنا- يقول: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: انتبه أَبِي فِي الليلة التي مات فِيهَا أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ فَقَالَ: يا بني ترى من مات الليلة؟
فإني قد رأيت فِي منامي كَانَ قائلا يقول: قد مات الليلة مقوم وحي اللَّه منذ خمسين سنة، فلما أصبحنا إذا ابْن مجاهد قد مات.
قرأت عَلى الْحَسَن بن أبي بكر عن أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي. قَالَ: توفي أَبُو بكر ابن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء ودفن فِي يوم الخميس لعشر بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
حدّثني الأزهري، حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: مات أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء وقت العصر، وأخرج يوم الخميس ضحوة. وصلى عَلَيْهِ الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الهاشمي الإمام عند باب البستان فِي الجانب الشرقي، ودفن فِي مقبرة له بباب البستان، وذلك لتسع بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَلانَ الشُّرُوطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الطوماري- قراءة عَلَيْهِ- قَالَ: رأيت أبا بكر بْن مجاهد فِي النوم كأنه يقرأ فكأني أقول له: يا سيدي أَنْتَ ميت وتقرأ؟ فكأنه يقول لي: كنت أدعو فِي دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ فِي قبره، فأَنَا ممن يقرأ فِي قبره.
كَانَ شيخ القراء فِي وقته، وَالمقدم منهم عَلَى أهل عصره، وحدث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوب المخرمي ومحمد بْن عَبْد اللَّهِ الزهيري، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وسعدان بْن نصر، وأَحْمَد بْن منصور الرمادي، ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق الصاغاني، وعباس الترقفِي وعباس الدوري، ومحمد بْن الجهم السمري، ومحمد بْن سعد العوفِي، وأبي يُوسُف القلوسي، وأبي رفاعة العدوي، وخلق كثير من طبقتهم وممن بعدهم. رَوَى عَنْهُ أَبُو طَاهِرِ بْن أَبِي هَاشِمٍ، وأَحْمَد بْن عِيسَى بْن جنية، وأبو بكر بْن الجعابي، وأبو القاسم ابن النخاس، وأبو الحسين بن البواب، وأبو بكر بْن شاذان، وطلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، وأبو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ، وأبو حفص بْن شاهين، وعِيسَى بْن عَلِيّ، وأبو حفص الكتاني، فِي آخرين.
وكَانَ ثقة مأمونا، يسكن بالجانب الشرقي نحو مربعة الخرسي.
حدثت عَن طلحة بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر قَالَ: ولد أَبُو بَكْر بْن مجاهد فِي شهر ربيع
الآخر من سنة خمس وأربعين ومائتين، كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن الْمُعَدَّل من الكوفة يذكر أن أبا الْحَسَن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ سُفْيَان الحافظ حدثهم قَالَ: حَدَّثَنِي بعض البغداديين عَن أَحْمَد بن يحيى النّحويّ قَالَ: فِي سنة ست وثمانين- يَعْنِي ومائتين- ما بقي فِي عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب اللَّه من أَبِي بكر بْن مجاهد! أَخْبَرَنِي عُبَيْد الله بْن أبي الفتح الفارسي، حدّثنا أبو الفضل الزّهريّ، حَدَّثَنَا أَبُو الفتح مُحَمَّد بْن عُمَر الرفاء قال: سمعت أبا بكر المحبري بالنهروان قَالَ: صليت خلف أَبِي بكر بْن مجاهد صلاة الغداة فاستفتح بقراءة الحمد ثم سكت، ثم استفتح ثانية ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة. فقلت: أيها الشيخ رأيت اليوم منك عجبا! فَقَالَ لي:
شهدت المكَانَ؟ فقلت: نعم. فَقَالَ أشهدتك اللَّه إن حدثت بِهِ عني إِلَى أن أواري تحت أطباق الثرى. فَقَالَ لي: يا بني ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الأحرام حتى كأني بالحجب قد انكشفت ما بيني وبين رب العزة تَعَالَى، سرا بسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد فاستجمع كل حمد لِلَّهِ فِي كتابه ما بين عيني، فلم أدر بأي الحمد أبتدئ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النِّيسَابُورِيّ الحافظ- بالري- قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المطلب الشيباني يقول: تقدمت إِلَى أَبِي بكر بْن مجاهد لأقرأ عَلَيْهِ، فتقدم إليه رَجُل وافر اللحية، كبير الهامة، فابتدأ ليقرأ فَقَالَ: ترفق يا خليلي.
سمعت مُحَمَّد بْن الجهم السمري يقول: سمعت الفراء يقول: أدب النفس، ثم أدب الدرس.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت عِيسَى بْن عَلِيّ بْن عِيسَى الوزير يَقُولُ: أنشدني أَبُو بَكْر بن مجاهد- وقد جئته عائدا وأطال عنده قوم كَانُوا قد حضروا للعيادة- فَقَالَ لي:
يا أبا الْقَاسِم عيادة ثم ماذا؟ فصرف من حضر وهممت بالانصراف معهم، فأمرني بالرجوع إليه ثم أنشدني عَن مُحَمَّد بْن الجهم:
لا تضجرن مريضا جئت عائده ... إن العيادة يوم إثر يومين
بل سله عَن حاله وادع الإله له ... واقعد بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا أخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للخليلين
حدّثني علي بن أبي علي البصريّ، حدثني أبو محمد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن إبراهيم القاضي، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن الجعابي. قَالَ: كنت يوما عند أبي بكر ابن مجاهد فِي مسجده، فأتاه بعض غلمانه فَقَالَ له: يا أستاذ. إن رأيت أن تجملني بحضورك غدا دارنا! فَقَالَ له أَبُو بَكْر: ومن معنا؟ فَقَالَ له: أصحابنا المسجدية، ومن يرى الشيخ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: ينبغي أن تدعو أبا بكر- يَعْنِيني- فأقبل الفتى عَلِيّ يسألني، فقلت له: هوذا تطفل بي، لو أرادني الرجل لأفردني بالسؤال، فَقَالَ: دع هذا يا بغيض. فقلت له: السمع وَالطاعة. فَقَالَ لي الرجل: إن الأستاذ قد آثرك فمن تؤثر أَنْتَ أن أدعو لَكَ؟ فقلت له: الحسين بْن غريب. قَالَ: السمع وَالطاعة، ونهض الفتى، فلما كان من الغد وافى إلى مسجد أبي بكر، فسألنا النهوض معه إلى منزله، فقال أبو بكر لأصحابه: قوموا وامضوا متقطعين وخالفوا الطرق، ففعلوا، ثم أقبل على الفتى فقال له: اسبقنا، فإني أَنَا وأبو بكر نجيئك. فقلت أَنَا له: إيش عملت فِي إحضار ابْن غريب؟ فَقَالَ لي: قد أخذت الوعد عَلَيْهِ من أمس وأَنَا أنفذ إليه رسولا ثانيا. ومضى وجلس أَبُو بَكْر ففرغ من شغيلات له، ثم إنا نهضنا جميعا وعبرنا الجانب الغربي وصعدنا درب النخلة وكانت دار الفتى فِيهِ، فوجدناه مترقبا لنا.
فدخلنا فدعا بماء فغسلنا أيدينا، ثم أتى بجونة فوضعها بين أيدينا، فقلت في نفسي: ما أدري مروءة هذا الفتى؟ أيش فِي الجونة مما يعمنا! ففتحها فإذا فِيهَا بزماورد، وأوساط ولفات، وسنبوسج، فأكلنا أكلا عظيما مفرطا، وَالجونة عَلَى حالها وما فِيهَا من هذا الطعام عَلَى غاية الكثرة وَالوفور، وشلنا أيدينا فاستدعى الحلوى، فأتى بفالوذج غرف حار بماء ورد عَلَى مائدة كبيرة، فاستكثرنا منه، فعجبت من ظرف طعامه، ونظافته وطيبه، وحسنه وتمام مروءته، من غير إجحاف ولا إسراف، وغسلنا أيدينا فقلت له: أين ابْن غريب؟ فَقَالَ لي عند بعض الرؤساء وقد حال بيننا وبينه، فشق عَلِيّ وتبين أَبُو بَكْر بْن مجاهد ذلك مني، فَقَالَ لي: هاهنا من ينوب عَن ابْن غريب. فتحدّثنا ساعة. فقلت له: لا أرى للنائب عَن ابْن غريب خبرا ولا أثرا، فدافعني فصبرت ساعة، ثم كررت الخطاب عَلَيْهِ وألححت، ولست أعلم من هو النائب بالحقيقة عَن ابْن غريب. فَقَالَ للفتى: هات قضيبا، فأتاه بِهِ، فأخذه أَبُو بَكْر ووقع واندفع يغني، فغناني نيفا وأربعين صوتا فِي غاية الْحَسَن وَالطيبة وَالإطراب، فأشجاني وحيرني فقلت له: يا أستاذ متى تعلمت هذا وكيف تعلمته! فَقَالَ: يا بارد تعلمته لبغيض مثلك لا يحضر الدعوة إلا بمغن، ومضى لنا يوم طيب معه.
حَدَّثَنِي أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز المهدي الخطيب قَالَ: سمعت الحسين بْن مُحَمَّد بْن خلف المقرئ- جارنا- يقول: سمعت أبا الفضل الزهري يقول: انتبه أَبِي فِي الليلة التي مات فِيهَا أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ فَقَالَ: يا بني ترى من مات الليلة؟
فإني قد رأيت فِي منامي كَانَ قائلا يقول: قد مات الليلة مقوم وحي اللَّه منذ خمسين سنة، فلما أصبحنا إذا ابْن مجاهد قد مات.
قرأت عَلى الْحَسَن بن أبي بكر عن أَحْمَد بن كامل الْقَاضِي. قَالَ: توفي أَبُو بكر ابن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء ودفن فِي يوم الخميس لعشر بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
حدّثني الأزهري، حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: مات أَبُو بَكْر بْن مجاهد المقرئ يوم الأربعاء وقت العصر، وأخرج يوم الخميس ضحوة. وصلى عَلَيْهِ الْحَسَن بْن عَبْد العزيز الهاشمي الإمام عند باب البستان فِي الجانب الشرقي، ودفن فِي مقبرة له بباب البستان، وذلك لتسع بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن عَلانَ الشُّرُوطِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد الطوماري- قراءة عَلَيْهِ- قَالَ: رأيت أبا بكر بْن مجاهد فِي النوم كأنه يقرأ فكأني أقول له: يا سيدي أَنْتَ ميت وتقرأ؟ فكأنه يقول لي: كنت أدعو فِي دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ فِي قبره، فأَنَا ممن يقرأ فِي قبره.
أَحْمَد بْن صالح أَبُو جَعْفَر الْمَصْرِيّ
مات فِي ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين سمع ابْن وهب وعنبسة بْن خَالِد.
مات فِي ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين سمع ابْن وهب وعنبسة بْن خَالِد.
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري
الحافظ المعروف بابن الطبري روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. قدم دمشق.
حدث عن ابن وهب بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن بمحجن.
وروى أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس قال:
سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما يذكر في ذلك فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون
الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال: قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأما لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحه. كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم.
وروى أحمد بن صالح عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: لما زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي عليهما السلام قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما ترضين أن الله اختار لك من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك؟.
قال أبو زرعة: ذاكرت أحمد بن صالح مقدمة دمشق سنة سبع عشرة ومئتين قال: وسألني أحمد بن حنبل قديماً: من بمصر؟ قلت: بها أحمد بن صالح، فسر بذكره وذكر خيراً ودعا له.
قال صالح بن محمد بن حبيب: قال أحمد بن صالح المصري: كان عند ابن وهب مئة ألف حديث. كتبت عنه خمسين ألف حديث، ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث والحفظ غير أحمد بن صالح. كان يعقل الحديث ويحسن أن يأخذ. وكان رجلاً جامعاً يعرف الفقه والحديث والنحو، ويتكلم في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق. وكان قدم العراق، وكتب عن عفان وهؤلاء. وكان يذاكر بحديث الزهري ويحفظه.
وقال أحمد: كتبت عن ابن زبالة مئة ألف حديث، ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي: كتبت عن ألف شيخ وكسرٍ كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخذه عند الله عز وجل حجة إلا رجلين أحمد بن صالح بمصر وأحمد بن حنبل بالعراق.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة.
قال محمد بن مسلم بن واره: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران. هؤلاء أركان الدين.
قال أحمد بن شعيب النسائي: أحمد بن صالح مقرىء ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب وقال: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف.
قال مسلمة بن القاسم الأندلسي: الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح لعلمه وخيره وفضله. وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه، وكان سبب تضعيف النسائي له أن أحمد بن صالح رحمه الله كان لا يحدث أحداً حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة، فكان يحدثه ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة، فأتى النسائي ليسمع منه فدخل بلا إذن ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة. فلما رآه في مجلسه أنكره وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا.
وقال الخطيب: ليس الأمر على ما ذكر النسائي. وكان يقال: آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق. ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما.
قال بندار: كتبت إلى أحمد بن صالح خمسين ألف حديث أي: إجازة، وسألته أن يجيز لي أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي.
قال الخطيب: ترى أن هذا الذي قاله بندار في أحمد بن صالح في تركه مكاتبته مع مسألته إياه ذلك
إنما حمله عليه سوء الخلق. ولقد بلغني أنه كان لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه. فلما حمل أبو داود السجستاني ابنه إليه ليسمع منه وكان إذ ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره ابنه المجلس، فقال له أبو داود: هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى فامتحنه بما أردت، فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره.
ولد أحمد بمصر سنة سبعين ومئة. وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومئتين.
الحافظ المعروف بابن الطبري روى عن جماعة، وروى عنه جماعة. قدم دمشق.
حدث عن ابن وهب بسنده عن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن بمحجن.
وروى أحمد بن صالح عن عنبسة عن يونس قال:
سألت أبا الزناد عن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه وما يذكر في ذلك فقال: كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة عن زيد بن ثابت قال: كان الناس يتبايعون
الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم، قال: قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان، وأصابه قشام، وأصابه مراض، عاهات يحتجون بها. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأما لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحه. كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم.
وروى أحمد بن صالح عن إبراهيم بن الحجاج بسنده عن ابن عباس قال: لما زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي عليهما السلام قالت فاطمة: يا رسول الله، زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أما ترضين أن الله اختار لك من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك؟.
قال أبو زرعة: ذاكرت أحمد بن صالح مقدمة دمشق سنة سبع عشرة ومئتين قال: وسألني أحمد بن حنبل قديماً: من بمصر؟ قلت: بها أحمد بن صالح، فسر بذكره وذكر خيراً ودعا له.
قال صالح بن محمد بن حبيب: قال أحمد بن صالح المصري: كان عند ابن وهب مئة ألف حديث. كتبت عنه خمسين ألف حديث، ولم يكن بمصر أحد يحسن الحديث والحفظ غير أحمد بن صالح. كان يعقل الحديث ويحسن أن يأخذ. وكان رجلاً جامعاً يعرف الفقه والحديث والنحو، ويتكلم في حديث الثوري وشعبة وأهل العراق. وكان قدم العراق، وكتب عن عفان وهؤلاء. وكان يذاكر بحديث الزهري ويحفظه.
وقال أحمد: كتبت عن ابن زبالة مئة ألف حديث، ثم تبين لي أنه كان يضع الحديث فتركت حديثه.
قال يعقوب بن سفيان الفسوي: كتبت عن ألف شيخ وكسرٍ كلهم ثقات، ما أحد منهم أتخذه عند الله عز وجل حجة إلا رجلين أحمد بن صالح بمصر وأحمد بن حنبل بالعراق.
قال أحمد بن عبد الله العجلي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة.
قال محمد بن مسلم بن واره: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران. هؤلاء أركان الدين.
قال أحمد بن شعيب النسائي: أحمد بن صالح مقرىء ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن معين بالكذب وقال: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف.
قال مسلمة بن القاسم الأندلسي: الناس مجمعون على ثقة أحمد بن صالح لعلمه وخيره وفضله. وإن أحمد بن حنبل وغيره كتبوا عنه ووثقوه، وكان سبب تضعيف النسائي له أن أحمد بن صالح رحمه الله كان لا يحدث أحداً حتى يشهد عنده رجلان من المسلمين أنه من أهل الخير والعدالة، فكان يحدثه ويبذل له علمه، وكان يذهب في ذلك مذهب زائدة بن قدامة، فأتى النسائي ليسمع منه فدخل بلا إذن ولم يأته برجلين يشهدان له بالعدالة. فلما رآه في مجلسه أنكره وأمر بإخراجه، فضعفه النسائي لهذا.
وقال الخطيب: ليس الأمر على ما ذكر النسائي. وكان يقال: آفة أحمد بن صالح الكبر وشراسة الخلق. ونال النسائي منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما.
قال بندار: كتبت إلى أحمد بن صالح خمسين ألف حديث أي: إجازة، وسألته أن يجيز لي أو يكتب إلي بحديث مخرمة بن بكير فلم يكن عنده من المروءة ما يكتب بذلك إلي.
قال الخطيب: ترى أن هذا الذي قاله بندار في أحمد بن صالح في تركه مكاتبته مع مسألته إياه ذلك
إنما حمله عليه سوء الخلق. ولقد بلغني أنه كان لا يحدث إلا ذا لحية، ولا يترك أمرد يحضر مجلسه. فلما حمل أبو داود السجستاني ابنه إليه ليسمع منه وكان إذ ذاك أمرد أنكر أحمد بن صالح على أبي داود إحضاره ابنه المجلس، فقال له أبو داود: هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى فامتحنه بما أردت، فسأله عن أشياء أجابه ابن أبي داود عن جميعها، فحدثه حينئذ ولم يحدث أمرد غيره.
ولد أحمد بمصر سنة سبعين ومئة. وتوفي بمصر يوم الاثنين لثلاث خلون من ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومئتين.
أحمد بن صالح أبو جعفر المصري يعرف بابن (الطبراني) كان من أهل طبرستان من الجند، ما في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين ومائتين، قاله البخاري.
روى عن: أبي محمد عبد الله بن وهب بن (مسلم) القرشي المصري، وعنبسة بن خالد بن يزيد بن أبي النجار الأيلي ابن (....) بن يزيد.
تفرد به البخاري روى عنه في الأضاحي وفي غير موضع.
وروى عن محمد ـ غير منسوب ـ قيل: هو محمد بن يحيى الذهلي عنده في أول التوحيد.
وقد روى أيضًا عن: أبي محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، وأبي بكر عبد الرازق بن همام الحميري، وأبي سعيد أسد بن موسى المصري وغيرهم.
روى عنه: أبو موسى محمد بن المثني العنزي، وأبو الحسن أحمد بن عبد الله ابن صالح الكوفي، وأبو عبد الله محمد بن يحيى الذهلي وأبو بكر أحمد بن
منصور ابن سيار الرمادي، وأبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة الرازي، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي وابو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد بن واقد القاضي، وأبو القاسم عبيد بن محمد بن موسى البزاز المعروف بابن رجال، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني وغيرهم.
وروى الحسن بن رشيق عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال: أحمد بن صالح المصري ليس بثقة.
وقال أبو أحمد بن عدي: سمعت محمد بن سعد الساعدي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي أحمد بن شعيب يقول: سمعت معاوية بن صالح يقول: سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال: رايته كذابًا (يخطب) في جامع مصر، قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من حفاظ الحديث وخاصة حديث الحجاز، ومن المشهورين بمعرفته، وكلام ابن معين فيه تحامل.
وأما سوء ثناء النسائي عليه فسمعت محمد بن هارون بن حسان يقول: هذا الخراساني يعني النسائي يتكلم في أحمد بن صالح وحضرت مجلس أحمد بن صالح وطرده من مجلسه فحمله على ذلك أن تكلم فيه، هذا أحمد بن حنبل قد أثنى عليه، فالقول فيه ما قال أحمد لا ما قاله غيره فيه.
وقال أبو جعفر العقيلي: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدًا حتى يسال عنه فجاءه النسائي وكان يصحب قومًا من أصحاب الحديث ليسوا هناك، أو كما قال أبو جعفر قال: فأبى أحمد بن صالح أن يأذن له فلم يره بكل شيء فرد عليه النسائي أن جمع أحاديث قد غلط فيها أحمد بن صالح فشنع بها ولم يضره ذلك شيئًا هو إمام ثقة.
قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري: والصواب ما قاله أبو جعفر لأنه إمام ثقة من أئمة المسلمين، لا يؤثر فيه تجريح، وإن هذا القول ليحط من النسائي أكثر مما حط من أحمد بن صالح، وكذلك التحامل يعود على أربابه.
قال محمد: أحمد بن صالح هذا أحد الأئمة في الحديث وكان من أحفظ الناس لحديث الزهري، ذكره أبو جعفر (النحاس) فقال: أحد الأئمة الثقات.
وذكر أبو أحمد بن عدي قال: نا عبد الملك بن محمد قال: نا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن تميم يقول: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى ـ يريد أحمد بن صالح ـ
قال ابن عدي: سمعت أحمد بن عاصم الأقرع المصري يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن أحمد بن صالح فأثنى عليه خيرًا.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: ثنا أحمد بن صالح وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كتبت عنه بمصر وبدمشق وبأنطاكية، سئل أبي عن أحمد بن صالح المصري فقال: ثقة.
وقال أبو عبد الله البخاري في التاريخ: أحمد بن صالح أبو جعفر المصري ثقة صدوق، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة.
كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، وابن نمير وغيرهم بثبوت أحمد بن صالح.
كان يحيى يقول: سلوا أحمد فإنه أثبت، وقال أبو الحسن أحمد بن عبد الله ابن صالح الكوفي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة.
وقال الصدفي: سألت أبا الحسن محمد بن محمد الباهلي عن أحمد بن صالح المصري فقال: ثقة، إمام من أئمة المسلمين.
وسألت عن أبا جعفر العقيلي فقال: ثقة.
وقال أبو عمر النمري: أحمد بن صالح ثقة مأمون أحد أئمة الحديث لا يقبل فيه قول النسائي، كان أحمد بن حنبل يثني عليه، وكان أبو زرعة يعده في أئمة الحديث.
روى عن: أبي محمد عبد الله بن وهب بن (مسلم) القرشي المصري، وعنبسة بن خالد بن يزيد بن أبي النجار الأيلي ابن (....) بن يزيد.
تفرد به البخاري روى عنه في الأضاحي وفي غير موضع.
وروى عن محمد ـ غير منسوب ـ قيل: هو محمد بن يحيى الذهلي عنده في أول التوحيد.
وقد روى أيضًا عن: أبي محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، وأبي بكر عبد الرازق بن همام الحميري، وأبي سعيد أسد بن موسى المصري وغيرهم.
روى عنه: أبو موسى محمد بن المثني العنزي، وأبو الحسن أحمد بن عبد الله ابن صالح الكوفي، وأبو عبد الله محمد بن يحيى الذهلي وأبو بكر أحمد بن
منصور ابن سيار الرمادي، وأبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة الرازي، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو بن صفوان الدمشقي وابو الأحوص محمد بن الهيثم بن حماد بن واقد القاضي، وأبو القاسم عبيد بن محمد بن موسى البزاز المعروف بابن رجال، وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني وغيرهم.
وروى الحسن بن رشيق عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه قال: أحمد بن صالح المصري ليس بثقة.
وقال أبو أحمد بن عدي: سمعت محمد بن سعد الساعدي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي أحمد بن شعيب يقول: سمعت معاوية بن صالح يقول: سألت يحيى بن معين عن أحمد بن صالح فقال: رايته كذابًا (يخطب) في جامع مصر، قال ابن عدي: وأحمد بن صالح من حفاظ الحديث وخاصة حديث الحجاز، ومن المشهورين بمعرفته، وكلام ابن معين فيه تحامل.
وأما سوء ثناء النسائي عليه فسمعت محمد بن هارون بن حسان يقول: هذا الخراساني يعني النسائي يتكلم في أحمد بن صالح وحضرت مجلس أحمد بن صالح وطرده من مجلسه فحمله على ذلك أن تكلم فيه، هذا أحمد بن حنبل قد أثنى عليه، فالقول فيه ما قال أحمد لا ما قاله غيره فيه.
وقال أبو جعفر العقيلي: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدًا حتى يسال عنه فجاءه النسائي وكان يصحب قومًا من أصحاب الحديث ليسوا هناك، أو كما قال أبو جعفر قال: فأبى أحمد بن صالح أن يأذن له فلم يره بكل شيء فرد عليه النسائي أن جمع أحاديث قد غلط فيها أحمد بن صالح فشنع بها ولم يضره ذلك شيئًا هو إمام ثقة.
قال أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري: والصواب ما قاله أبو جعفر لأنه إمام ثقة من أئمة المسلمين، لا يؤثر فيه تجريح، وإن هذا القول ليحط من النسائي أكثر مما حط من أحمد بن صالح، وكذلك التحامل يعود على أربابه.
قال محمد: أحمد بن صالح هذا أحد الأئمة في الحديث وكان من أحفظ الناس لحديث الزهري، ذكره أبو جعفر (النحاس) فقال: أحد الأئمة الثقات.
وذكر أبو أحمد بن عدي قال: نا عبد الملك بن محمد قال: نا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن تميم يقول: سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى ـ يريد أحمد بن صالح ـ
قال ابن عدي: سمعت أحمد بن عاصم الأقرع المصري يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن أحمد بن صالح فأثنى عليه خيرًا.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا علي بن الحسين بن الجنيد قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: ثنا أحمد بن صالح وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثله.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كتبت عنه بمصر وبدمشق وبأنطاكية، سئل أبي عن أحمد بن صالح المصري فقال: ثقة.
وقال أبو عبد الله البخاري في التاريخ: أحمد بن صالح أبو جعفر المصري ثقة صدوق، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة.
كان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين، وابن نمير وغيرهم بثبوت أحمد بن صالح.
كان يحيى يقول: سلوا أحمد فإنه أثبت، وقال أبو الحسن أحمد بن عبد الله ابن صالح الكوفي: أحمد بن صالح ثقة صاحب سنة.
وقال الصدفي: سألت أبا الحسن محمد بن محمد الباهلي عن أحمد بن صالح المصري فقال: ثقة، إمام من أئمة المسلمين.
وسألت عن أبا جعفر العقيلي فقال: ثقة.
وقال أبو عمر النمري: أحمد بن صالح ثقة مأمون أحد أئمة الحديث لا يقبل فيه قول النسائي، كان أحمد بن حنبل يثني عليه، وكان أبو زرعة يعده في أئمة الحديث.
أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن كثير بْن زَيْد بْن أفلح بْن مَنْصُور بْن مزاحم، أَبُو عَبْد اللَّه العبدي الْمَعْرُوف بالدورقي، أخو يَعْقُوب :
وَكَانَ أبوه ناسكا فِي زمانه، ومن كان تنسك فِي ذلك الزمان سمى دورقيا. وقيل بل كَانَ الناس ينسبون الدورقيين إلي لبسهما القلانس الطوال التي تسمى الدورقية وَكَانَ أَحْمَد أصغر من أخيه يَعْقُوب. سمع إسماعيلَ بن علية، ويزيد بْن زريع، وهشيما، وعبد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ، وبهز بْن أسد، وَأَبَا دَاوُد الطيالسي، ووهب بْن جرير، وعبد الصمد بْن عَبْد الوارث. رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، ومسلم ابن الحجاج النَّيْسَابُورِيّ، وَمحمد بْن أَحْمَدَ بْن البراء، وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدنيا، وعَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حنبل، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن مَسْرُوق الطوسي، والهيثم بْن خلف الدوري، وغيرهم.
وَقَالَ ابن أَبِي حاتم سئل أَبِي عَنْهُ فَقَالَ: صدوق.
قرأت عَلَى أَبِي بَكْر البرقاني عَنْ إِبْرَاهِيم بن محمد بن يحيى المزكي قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي السراج. قَالَ قَالَ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم: ولدت سنة ثمان وستين ومائة، وَكَانَ لا يخضب. قَالَ: وإنما سمينا دوارقة لحال قلانسنا الدورقية الطوال، ونحن موالي عبد القيس.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري أَخْبَرَنَا محمّد بن عبد الله الشافعي أخبرنا جعفر بن محمّد بن الأزهر حدّثنا الغلابي قَالَ وقيل ليحيى بْن معين: إنَّ ابْن الدورقي يزعم أنك كتبت عَنْهُ حديثا؟ قَالَ: ما كتبت عَنْهُ حديثا قط. وَكَانَ يَقُولُ هو فِي حد المجانين.
قرأت فِي كتاب أَبِي الْحَسَن بْن الفرات بخطه: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس الضبي الهروي حدّثنا يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيع قَالَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ صالح بْن مُحَمَّد: كَانَ أَحْمَد الدورقي يلقب «بيا حداد أوثق» لخفته، فذهب يوما فِي حاجة فاعترض لَهُ قوم من أصحاب الحديث فِي طريقه فاختفوا، فلما مر بهم صاحوا: يا حداد أوثق، وتواروا، فالتفت ووقف فلم ير أحدا فمضى، فصاحوا يا حداد أوثق، فوقف فنظر فلم ير أحدا، قَالَ فجعلوا يتعجبون من خفته تلك.
أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الكاتب أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن أَحْمَدَ الْهَرَوِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن محمود قَالَ سألت صالحا عَنْ يَعْقُوب وأحمد الدورقيين فَقَالَ: كان أحمد أكثرهما حديثا وأعلمهما بالحديث، وَكَانَ يَعْقُوب أسندهما، وكانا جميعا ثقتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن رزق أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن إِسْحَاق بْن وهب البندار حَدَّثَنَا أَبُو غالب عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن النَّضْر.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْفَضْل القطان أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي. قَالا: ومات أَحْمَد بْن الدورقي فِي سنة ست وأربعين ومائتين.
قرأت على البرقاني عن الزركشي قَالَ أَخْبَرَنَا السراج. قَالَ: مات أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن كثير بْن زَيْد الدورقي بالعسكر، يوم السبت لسبع بقين من شعبان سنة ست وأربعين ومائتين.
وَكَانَ أبوه ناسكا فِي زمانه، ومن كان تنسك فِي ذلك الزمان سمى دورقيا. وقيل بل كَانَ الناس ينسبون الدورقيين إلي لبسهما القلانس الطوال التي تسمى الدورقية وَكَانَ أَحْمَد أصغر من أخيه يَعْقُوب. سمع إسماعيلَ بن علية، ويزيد بْن زريع، وهشيما، وعبد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ، وبهز بْن أسد، وَأَبَا دَاوُد الطيالسي، ووهب بْن جرير، وعبد الصمد بْن عَبْد الوارث. رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، ومسلم ابن الحجاج النَّيْسَابُورِيّ، وَمحمد بْن أَحْمَدَ بْن البراء، وأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدنيا، وعَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَدَ بْن حنبل، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن مَسْرُوق الطوسي، والهيثم بْن خلف الدوري، وغيرهم.
وَقَالَ ابن أَبِي حاتم سئل أَبِي عَنْهُ فَقَالَ: صدوق.
قرأت عَلَى أَبِي بَكْر البرقاني عَنْ إِبْرَاهِيم بن محمد بن يحيى المزكي قال حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الثقفي السراج. قَالَ قَالَ أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم: ولدت سنة ثمان وستين ومائة، وَكَانَ لا يخضب. قَالَ: وإنما سمينا دوارقة لحال قلانسنا الدورقية الطوال، ونحن موالي عبد القيس.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري أَخْبَرَنَا محمّد بن عبد الله الشافعي أخبرنا جعفر بن محمّد بن الأزهر حدّثنا الغلابي قَالَ وقيل ليحيى بْن معين: إنَّ ابْن الدورقي يزعم أنك كتبت عَنْهُ حديثا؟ قَالَ: ما كتبت عَنْهُ حديثا قط. وَكَانَ يَقُولُ هو فِي حد المجانين.
قرأت فِي كتاب أَبِي الْحَسَن بْن الفرات بخطه: أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس الضبي الهروي حدّثنا يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيع قَالَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ صالح بْن مُحَمَّد: كَانَ أَحْمَد الدورقي يلقب «بيا حداد أوثق» لخفته، فذهب يوما فِي حاجة فاعترض لَهُ قوم من أصحاب الحديث فِي طريقه فاختفوا، فلما مر بهم صاحوا: يا حداد أوثق، وتواروا، فالتفت ووقف فلم ير أحدا فمضى، فصاحوا يا حداد أوثق، فوقف فنظر فلم ير أحدا، قَالَ فجعلوا يتعجبون من خفته تلك.
أَنْبَأَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الكاتب أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن أَحْمَدَ الْهَرَوِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن محمود قَالَ سألت صالحا عَنْ يَعْقُوب وأحمد الدورقيين فَقَالَ: كان أحمد أكثرهما حديثا وأعلمهما بالحديث، وَكَانَ يَعْقُوب أسندهما، وكانا جميعا ثقتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن رزق أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن إِسْحَاق بْن وهب البندار حَدَّثَنَا أَبُو غالب عَلِيّ بْن أَحْمَدَ بْن النَّضْر.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْفَضْل القطان أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي. قَالا: ومات أَحْمَد بْن الدورقي فِي سنة ست وأربعين ومائتين.
قرأت على البرقاني عن الزركشي قَالَ أَخْبَرَنَا السراج. قَالَ: مات أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن كثير بْن زَيْد الدورقي بالعسكر، يوم السبت لسبع بقين من شعبان سنة ست وأربعين ومائتين.
أَحْمَد بْن سُلَيْمَان بْن أَيُّوب بْن إِسْحَاق بْن عبدة بْن الربيع بن صبح، أَبُو بَكْر العباداني :
قدم بغداد وَحَدَّثَ بها عَنِ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصباح الزعفراني، وأَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطائي، ومحمد بْن عَبْد الملك الدقيقي وعباس بْن عَبْد اللَّه الترقفي، وَيحيى بْن أَبِي طالب، وهلال بْن العلاء الرقي، وجعفر بْن مُحَمَّد بْن حرب العباداني، وغيرهم. حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ.
وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَغْمِزُونَهُ بِلا حُجَّةٍ، فَإِنَّ أَحَادِيثَهُ كُلَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، خَلا حَدِيثٍ وَاحِدٍ خَلَطَ فِي إِسْنَادِهِ وَهُوَ مَا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ- من أصل كتابه- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَبَّادَانِيُّ- في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة- قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن علي بن حبّان بن مازن الْعضُوبَةِ الطَّائِيُّ بِسِرّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ- قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غَيَّاثِ عن حَكِيمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَكِيمِ الْمُلائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن في الجنة غرفا إِذَا كَانَ سَاكِنُهَا فِيهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ ما فِي خَارِجِهَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يخف عليها مَا فِيهَا» . قَالَ قُلْتُ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ» قَالَ قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا طَيِّبُ الكلام؟ قال «سُبْحَانَ اللَّهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. إِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهَا مُقَدِّمَاتٌ وَمُعَقِّبَاتٌ وَمَحَامِدٌ» . قَالَ قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِدَامَةِ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ» . قَالَ قُلْتُ: يَا رسول فَمَا إِطْعَامُ الطَّعَامِ؟ قَالَ «كُلُّ مَنْ قَاتَ عياله وأطعمهم» .
قال قلت يا رسول فَمَا إِفْشَاءُ السَّلامِ؟ قَالَ: «مُصَافَحَةُ أَخِيكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَتَحَيَّتُهُ» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الصَّلاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؟ قَالَ: «صَلاةُ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نِيَامٌ»
. هكذا رواه العباداني عَنْ عَلِيِّ بْن حرب، وأخطأ فيه.
والصواب ما:
أخبرنا أبو بكر البرقاني حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ أخبرنا الحضرمي- يعنى مطينا- حدّثنا على بن حرب الموصلي حدّثنا حفص بن عمرو بن حكيم بن عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا، إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا خَلْفَهَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا فِيهَا» قِيلَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسِ نِيَامٌ» . قِيلَ: وَمَا طَيِّبُ الْكَلامِ قال: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ »
. قَالَ الإِسْمَاعِيلِيُّ: وَفِيهِ كَلامٌ حَذَفَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ. قَالَ لنا محمّد بْن رزق سَمِعْتُ العباداني يَقُولُ: ولدت أول يوم من رجب سنة ثمان وأربعين ومائتين، وحملني غلام لأبي إِلَى الْحَسَن بْن عرفة سنة ست وخمسين ومائتين بسامرا، وعنده جماعة من أصحاب الحديث وهو قاعد فِي المحفة، فحول وجهه إِلَى أصحاب الحديث فَقَالَ: خذوا عنى: حَدَّثَنَا المحاربي. ونسيت الباقي.
سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن يوسف القطان النَّيْسَابُورِيّ يَقُولُ: أَحْمَد بْن سُلَيْمَان العباداني صدوق، غير أنه سمع وهو صغير.
قدم بغداد وَحَدَّثَ بها عَنِ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصباح الزعفراني، وأَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطائي، ومحمد بْن عَبْد الملك الدقيقي وعباس بْن عَبْد اللَّه الترقفي، وَيحيى بْن أَبِي طالب، وهلال بْن العلاء الرقي، وجعفر بْن مُحَمَّد بْن حرب العباداني، وغيرهم. حَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ رِزْقَوَيْهِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ.
وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا يَغْمِزُونَهُ بِلا حُجَّةٍ، فَإِنَّ أَحَادِيثَهُ كُلَّهَا مُسْتَقِيمَةٌ، خَلا حَدِيثٍ وَاحِدٍ خَلَطَ فِي إِسْنَادِهِ وَهُوَ مَا:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ- من أصل كتابه- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَبَّادَانِيُّ- في سنة خمس وأربعين وثلاثمائة- قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن علي بن حبّان بن مازن الْعضُوبَةِ الطَّائِيُّ بِسِرّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الثُّلاثَاءِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ- قَالَ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ غَيَّاثِ عن حَكِيمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَكِيمِ الْمُلائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إن في الجنة غرفا إِذَا كَانَ سَاكِنُهَا فِيهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ ما فِي خَارِجِهَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يخف عليها مَا فِيهَا» . قَالَ قُلْتُ: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ» قَالَ قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا طَيِّبُ الكلام؟ قال «سُبْحَانَ اللَّهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. إِنَّهَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهَا مُقَدِّمَاتٌ وَمُعَقِّبَاتٌ وَمَحَامِدٌ» . قَالَ قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِدَامَةِ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ» . قَالَ قُلْتُ: يَا رسول فَمَا إِطْعَامُ الطَّعَامِ؟ قَالَ «كُلُّ مَنْ قَاتَ عياله وأطعمهم» .
قال قلت يا رسول فَمَا إِفْشَاءُ السَّلامِ؟ قَالَ: «مُصَافَحَةُ أَخِيكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَتَحَيَّتُهُ» قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الصَّلاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؟ قَالَ: «صَلاةُ عِشَاءِ الآخِرَةِ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نِيَامٌ»
. هكذا رواه العباداني عَنْ عَلِيِّ بْن حرب، وأخطأ فيه.
والصواب ما:
أخبرنا أبو بكر البرقاني حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ أخبرنا الحضرمي- يعنى مطينا- حدّثنا على بن حرب الموصلي حدّثنا حفص بن عمرو بن حكيم بن عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا، إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا خَلْفَهَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا فِيهَا» قِيلَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسِ نِيَامٌ» . قِيلَ: وَمَا طَيِّبُ الْكَلامِ قال: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ »
. قَالَ الإِسْمَاعِيلِيُّ: وَفِيهِ كَلامٌ حَذَفَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُطَيَّنٌ. قَالَ لنا محمّد بْن رزق سَمِعْتُ العباداني يَقُولُ: ولدت أول يوم من رجب سنة ثمان وأربعين ومائتين، وحملني غلام لأبي إِلَى الْحَسَن بْن عرفة سنة ست وخمسين ومائتين بسامرا، وعنده جماعة من أصحاب الحديث وهو قاعد فِي المحفة، فحول وجهه إِلَى أصحاب الحديث فَقَالَ: خذوا عنى: حَدَّثَنَا المحاربي. ونسيت الباقي.
سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن يوسف القطان النَّيْسَابُورِيّ يَقُولُ: أَحْمَد بْن سُلَيْمَان العباداني صدوق، غير أنه سمع وهو صغير.
أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبيدة بْن زياد بْن عَبْد الخالق، أَبُو بَكْر الشعراني النيسابوري :
سافر الكثير، ورحل فِي الحديث إِلَى العراق، وَالشام، ومصر، وسمع من عَلِيّ بْن خشرم المروزيّ، وأحمد بن حفص بن عبيد اللَّه الْقَاضِي، ومحمد بْن رافع القشيري، ومحمد بْن يَحْيَى الذهلي، وموسى بْن نصر الرازي، ويحيى بْن حكيم المقوم، وعمر بْن شبة، وأَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطّائيّ، ويونس بن حبيب الأصبهاني، وعمر بْن عَبْد اللَّه الأودي، ومحمد بْن عوف الحمصي ويونس بْن عَبْد الأعلى المصري، وغيرهم. وورد بغداد وحدث بِهَا فروى عنه الحسين بْن إسماعيل المحاملي، وأبو بكر الشَّافِعِيّ، وَمحمد بْن عُمَر بْن الجعابي، وعبد الله بن إبراهيم الزينبي. وكَانَ ثقة.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ- إِمْلاءً- حدّثنا أبو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، حدّثنا أبو بشر يونس بن حبيب، حدّثنا بكر بن بكار، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ رَيْحَانَ الْجَنَّةُ الْحِنَّاءُ »
. تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَلَمْ أَكْتُبْهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
سافر الكثير، ورحل فِي الحديث إِلَى العراق، وَالشام، ومصر، وسمع من عَلِيّ بْن خشرم المروزيّ، وأحمد بن حفص بن عبيد اللَّه الْقَاضِي، ومحمد بْن رافع القشيري، ومحمد بْن يَحْيَى الذهلي، وموسى بْن نصر الرازي، ويحيى بْن حكيم المقوم، وعمر بْن شبة، وأَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطّائيّ، ويونس بن حبيب الأصبهاني، وعمر بْن عَبْد اللَّه الأودي، ومحمد بْن عوف الحمصي ويونس بْن عَبْد الأعلى المصري، وغيرهم. وورد بغداد وحدث بِهَا فروى عنه الحسين بْن إسماعيل المحاملي، وأبو بكر الشَّافِعِيّ، وَمحمد بْن عُمَر بْن الجعابي، وعبد الله بن إبراهيم الزينبي. وكَانَ ثقة.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ- إِمْلاءً- حدّثنا أبو
بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَةَ النَّيْسَابُورِيُّ، حدّثنا أبو بشر يونس بن حبيب، حدّثنا بكر بن بكار، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيِّدُ رَيْحَانَ الْجَنَّةُ الْحِنَّاءُ »
. تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ عَنْ شُعْبَةَ، وَلَمْ أَكْتُبْهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
أَحْمَد بْن محمّد بن راشد، أَبُو بَكْر :
مروزي الأصل. حدث عَن أَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطائي،
ومحمد بْن إسرائيل الجوهري. روى عنه مُحَمَّد بْن المظفر.
أخبرنا الأزهري، حدّثنا محمّد بن المظفر الحافظ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن راشد، حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُول: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ »
مروزي الأصل. حدث عَن أَحْمَد بْن مَنْصُور الرمادي، وعلي بْن حرب الطائي،
ومحمد بْن إسرائيل الجوهري. روى عنه مُحَمَّد بْن المظفر.
أخبرنا الأزهري، حدّثنا محمّد بن المظفر الحافظ، أَخْبَرَنَا أحمد بن محمد بن راشد، حدّثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدّثنا يحيى بن أبي بكير، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُول: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ »