الخَطِيْبُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، العَلاَّمَةُ المُفْتِي، الحَافِظُ النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ الوَقْتِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَخَاتمَةُ الحُفَّاظ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو الحَسَنِ خَطِيْباً بقَرْيَة دَرْزِيجَان، وَمِمَّنْ تَلاَ القُرْآن عَلَى
أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي، فَحَضَّ وَلدَه أَحْمَدَ عَلَى السَّمَاع وَالفِقْهِ، فَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَارْتَحَلَ إِلَى البَصْرَةِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى نَيْسَابُوْرَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى الشَّامِ وَهُوَ كَهل، وَإِلَى مَكَّةَ، وَغَيْر ذَلِكَ.وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتَقدَّمَ فِي هَذَا الشَّأْن، وَبَذَّ الأَقرَان، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَصحَّح، وَعلَّلَ وَجرَّحَ، وَعدَّلَ وَأَرَّخ وَأَوضح، وَصَارَ أَحْفَظَ أَهْلِ عصره عَلَى الإِطلاَق.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُتَيَّم، وَحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ الجوَالِيقِي ابْن العرِيف يَرْوِي عَنِ ابْنِ مَخْلَد العَطَّار، وَسَعْدَ بنَ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيّ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحصَائِرِي، وَعَبْدِ العَزِيْزِ ابْني مُحَمَّدٍ السُّتُورِي حَدَّثَهُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّار، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مَخْلَدِ بنِ جَعْفَرٍ البَاقِرحِي، وَأَبَا الْفرج مُحَمَّدَ بنَ فَارِس الغُورِي، وَأَبَا الفَضْل عبدَ الوَاحِد بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بن أَبَانٍ الهيتِي، وَمُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ عِيْسَى الحَطِرَانِي،
حَدثهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَلَدِي، وَأَبَا نَصْر أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسَنُوْنَ النَّرْسِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ بنِ المُنْذِر، وَالحُسَيْنَ بنَ عُمَرَ بن بَرْهَان، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رَزْقُوَيْه، وَأَبَا الفَتْح هِلاَلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَفَّار، وَأَبَا الفَتْح بنَ أَبِي الفوَارس، وَأَبَا العَلاَء مُحَمَّدَ بن الحَسَنِ الوَرَّاق، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان.وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَكتب عَنْ عبد الصَّمد بن المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، بَلْ نَزل إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ تَلاَمِذتِهِ كَنَصر المَقْدِسِيّ، وَابْنِ مَاكُوْلا، وَالحُمَيْدِيّ - وَهَذَا شَأْن كُلِّ حَافظ يَرْوِي عَنِ الكِبَار وَالصِّغَار -.
وَسَمِعَ بعُكْبَرَا مِنَ: الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الصَّائِغ حَدَّثَهُ عَنْ نَافلَة عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ.
وَلحق بِالبَصْرَةِ أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ شَيْخَه فِي (السُّنَن) ، وَعَلِيُّ بنَ القَاسِمِ الشَّاهد، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ السَّابورِي، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ السَّرَّاج، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِي، وَالحَافِظ أَبَا حَازِمٍ العَبدُوِي، وَخَلْقاً.
وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ عبدكُويه، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الجَمَّال، وَمُحَمَّدَ
بن عَبْد اللهِ بن شَهْرِيَار، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ.وَبَالدَّينور: أَبَا نَصْر الكسَّار.
وَبهَمَذَان: مُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى، وَطَبَقَته.
وَسَمِعَ بِالرَّيّ وَالكُوْفَة وَصُوْر وَدِمَشْق وَمَكَّة.
وَكَانَ قدومُهُ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيّ، وَطَبَقَته.
وَاسْتوطنهَا، وَمِنْهَا حَجَّ، وَقرَأَ (صَحِيْح البُخَارِيّ) عَلَى كَرِيْمَة فِي أَيَّامِ المَوْسِم.
وَأَعْلَى مَا عِنْدَهُ حَدِيْثُ مَالِك، وَحَمَّاد بن زَيْد، بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلاَثَةُ أَنْفُس.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ؛ وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا، وَالفَقِيْهُ نَصْر، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَالمُبَارَكُ بنُ الطُّيُوْرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة، وَأُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَالمرتضَى مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيّ، وَغِيثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرمنَازِي، وَأَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ المتوكلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُجْلِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّروطِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سَعِيْد، وَطَاهِرُ بنُ سَهْلٍ الإِسفرَايينِيّ، وَبَرَكَات النّجَاد، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ قبيس المَالِكِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، وَقَاضِي المَارستَان أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المَزْرَفِي، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ؛ رَاوِي (تَارِيخه) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ المُقْرِئ، وَبَدْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشِّيحِي، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَأَخُوْهُ أَبُو السعُوْد أَحْمَد، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ بُوَيه، وَأَبُو الْبَدْر الكَرْخِيّ، وَمفلحٌ الدُّومِيُّ، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَّاح، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَعددٌ يَطولُ ذكرهُم.وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بن المَحَامِلِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبرِي.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ :حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة، وَأَوّل مَا سَمِعَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيلِي: تَفَقَّهَ الخَطِيْبُ، وَقرَأَ بِالقِرَاءات، وَارْتَحَلَ وَقَرب مِنْ رَئِيْس الرُّؤَسَاء، فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ البَسَاسِيرِيُّ اسْتَتر الخَطِيْبُ، وَخَرَجَ إِلَى صُوْر، وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة؛ أَحَدُ الأَجَوَاد، فَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً.
عمل نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ مُصَنّفاً، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ، شَيَّعه خلقٌ عَظِيْم، وَتَصدَّق بِمائتَيْ دِيْنَار، وَأَوْقَف كتبه، وَاحترق كَثِيْر مِنْهَا بَعْدَهُ بخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: اسْتشرتُ البَرْقَانِي فِي الرّحلَة إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بن النَّحَّاسِ بِمِصْرَ، أَوْ إِلَى نَيْسَابُوْرَ إِلَى أَصْحَاب الأَصَمّ، فَقَالَ: إِنَّك إِن خَرَجتَ إِلَى مِصْرَ إِنَّمَا تَخْرُجُ إِلَى وَاحِد، إِنْ فَاتَكَ، ضَاعت رِحْلَتَكَ، وَإِن خَرَجتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفِيْهَا جَمَاعَة، إِنَّ فَاتك وَاحِدٌ، أَدْرَكْتَ مَنْ بَقِيَ.فَخَرَجتُ إِلَى نَيْسَابُوْر.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) :كُنْتُ أُذَاكِرُ أَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِي بِالأَحَادِيْث، فِيكتُبُهَا عَنِّي، وَيُضمنهَا جُمُوْعَه، وَحَدَّثَ عَنِّي وَأَنَا أَسْمَعُ وَفِي غَيبتِي، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخُوَارَزْمِي سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، حَدَّثَنَا الأَصَمّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ آخِر الأَعيَان، مِمَّنْ شَاهدنَاهُ مَعْرِفَةً، وَحفظاً، وَإِتقَاناً، وَضبطاً لِحَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَفَنُّناً فِي عِلَلِهِ وَأَسَانِيْده، وَعِلماً بصَحِيْحه وَغرِيبه، وَفردِه وَمنكره وَمَطْرُوحِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلبغدَادِيين - بَعْد أَبِي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ - مِثْله.
سَأَلت أَبَا عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيّ عَنِ الخَطِيْب وَأَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيّ: أَيُّهُمَا أَحْفَظ؟ فَفَضَّل الخَطِيْب تَفْضِيْلاً بَيِّناً.
قَالَ المُؤتَمَن السَّاجِيّ: مَا أَخَرَجتْ بَغْدَادُ بَعْد الدَّارَقُطْنِيّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: لَعَلَّ الخَطِيْبَ لَمْ يَرَ مِثْل نَفْسه.
أَنْبَأَني بِالقولين المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَسَاكِر، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَخِي هِبَةُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيُّ الفَقِيْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ يُشَبَّهُ بِالدَّارَقُطْنِيّ وَنُظَرَائِهِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْث وَحفظه.
وَقَالَ أَبُو الفتيَان الحَافِظ: كَانَ الخَطِيْبُ إِمَامَ هَذِهِ الصّنعَة، مَا رَأَيْتُ مِثْله.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ: كتب مَعِي أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ كِتَاباً إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ يَقُوْلُ فِيْهِ: وَقَدْ رَحَلَ إِلَى مَا عِنْدَك أَخونَا أَبُو بَكْرٍ - أَيَّده الله وَسلَّمه - لِيقتبِسَ مِنْ علُوْمك، وَهُوَ - بِحَمْد الله - مِمَّنْ لَهُ فِي هَذَا الشَّأْن سَابِقَةٌ حَسَنَة، وَقَدَمٌ ثَابِت، وَقَدْ رَحل فِيْهِ وَفِي طلبه، وَحصل لَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَحصل لَكَثِيْرٍ مِنْ أَمثَاله، وَسيظهر لَكَ مِنْهُ عِنْد الاجتمَاع مِنْ ذَلِكَ مَعَ
التَّورُّع وَالتَّحفُّظ مَا يَحْسُنُ لديك موقعُه.قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الكَتَّانِي: سَمِعَ مِنَ الخَطِيْب شَيْخُه أَبُو القَاسِمِ عُبَيْد اللهِ الأَزْهَرِيّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَتَبَ عَنْهُ شَيْخُهُ البَرْقَانِيّ، وَرَوَى عَنْهُ.
وَعلَّقَ الفِقْهَ عَنْ أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ بن الصّبَّاغ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: صَدَقَ.
فَقَدْ صرَّح الخَطِيْبُ فِي أَخْبَار الصِّفَات أَنَّهَا تُمَرُّ كَمَا جَاءت بِلاَ تَأْويل.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (الذّيل) :كَانَ الخَطِيْب مَهِيْباً وَقُوْراً، ثِقَة مُتحرِياً، حُجّة، حَسَنَ الخطّ، كَثِيْرَ الضَّبْطِ، فَصِيْحاً، خُتِمَ بِهِ الحُفَّاظ، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ حَاجّاً، وَلقِي بِصُوْر أَبَا عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَقرَأَ (الصَّحِيْح) فِي خَمْسَة أَيَّام عَلَى كَرِيْمَة المروزِيَّة، وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا بَعْد فِتْنَة البسَاسيرِي لِتشويش الوَقْت إِلَى الشَّامِ، سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَكَانَ يَزورُ بَيْتَ المَقْدِس، وَيَعُوْدُ إِلَى صُوْر، إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فَتوجّه إِلَى طرَابُلُس، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى حلب، ثُمَّ إِلَى الرَّحبَة، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، فَدَخَلهَا فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَحَدَّثَ بِحَلَب وَغَيْرهَا.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ الخَطِيْب مَسْعُوْدَ بنَ مُحَمَّد بِمَرْو، سَمِعْتُ الفَضْلَ بن عُمَرَ النَّسَوِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِجَامِع صُوْر عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، فَدَخَلَ عَلوِي وَفِي كُمِّه دَنَانِيْر، فَقَالَ: هَذَا الذَّهبُ تَصرِفُهُ فِي مُهِمَّاتِكَ.
فَقطّب فِي
وَجهه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ.فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَقِلُّهُ، وَأَرْسَله مِنْ كُمِّهِ عَلَى سَجَّادَةَ الخَطِيْب.
وَقَالَ: هَذِهِ ثَلاَثُ مائَة دِيْنَارٍ.
فَقَامَ الخَطِيْبُ خَجِلاً مُحْمَراً وَجهُهُ، وَأَخَذَ سجَادَتَه، وَرَمَى الدَّنَانِيْر، وَرَاح.
فَمَا أَنَى عِزَّهُ وَذُلَّ العَلَوِيّ وَهُوَ يَلْتَقِطُ الدَّنَانِيْر مِنْ شُقُوق الحصِيْر.
ابْنُ نَاصِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا التبرِيزِيُّ اللُّغَوِيّ قَالَ: دَخَلْتُ دِمَشْق، فَكُنْتُ أَقرَأُ عَلَى الخَطِيْب بحلْقَته بِالجَامِع كُتُبَ الأَدب المسموعَة، وَكُنْت أَسكنُ منَارَة الجَامِع، فَصَعِدَ إِلَيَّ، وَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَزورَكَ فِي بَيْتك.
فَتحدّثنَا سَاعَةً.
ثُمَّ أَخرج وَرقَة، وَقَالَ: الهديَةُ مُسْتحبَة، تَشترِي بِهَذَا أَقلاَماً.
وَنهضَ، فَإِذَا خَمْسَةُ دَنَانِيْر مصرِيَّة، ثُمَّ صَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، وَوَضَعَ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ إِذَا قرَأَ الحَدِيْثَ فِي جَامِع دِمَشْق يُسْمَعُ صَوْتُهُ فِي آخِر الجَامِع، وَكَانَ يَقرَأ مُعْرَباً صَحِيْحاً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَفْساً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ يَحْيَى بن عَلِيٍّ الخَطِيْب، سَمِعَ مِنْهُ بِالأَنبار، قَرَأْتُ بخطِّ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بن الآبَنُوْسِيّ، سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ:
كُلَّمَا ذكرتُ فِي (التَّارِيْخ) رَجُلاً اخْتلفتْ فِيْهِ أَقَاويلُ النَّاسِ فِي الْجرْح وَالتَّعديل، فَالتَّعويلُ عَلَى مَا أَخَّرْتُ وَخَتَمْتُ بِهِ التَّرْجَمَة.
قَالَ ابْنُ شَافع: خَرَجَ الخَطِيْبُ إِلَى صُوْر، وَقصدهَا وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة، المَوْصُوْفُ بِالكرم، فَتقرب مِنْهُ، فَانْتَفَعَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً. قَالَ: وَانْتَهَى
إِلَيْهِ الحِفْظُ وَالإِتْقَان، وَالقِيَامُ بعلُوْم الحَدِيْث.قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بن مُحَمَّد يَحكِي، عَنِ ابْنِ خَيْرُوْنَ أَوْ غَيْره، أَنَّ الخَطِيْبَ ذكر أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ شَرِبَ مِنْ مَاء زَمْزَم ثَلاَث شَرْبَات، وَسَأَل الله ثَلاَث حَاجَات، أَنْ يُحَدِّث بـ (تَارِيخ بَغْدَاد) بِهَا، وَأَنَّ يُمْلِي الحَدِيْثَ بِجَامِع المَنْصُوْر، وَأَنَّ يُدْفَنَ عِنْد بشر الحَافِي.
فَقُضِيَت لَهُ الثَّلاَث.
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ الإِسفرَايينِي قَالَ: كَانَ الخَطِيْبُ مَعَنَا فِي الحَجِّ، فَكَانَ يَخْتِم كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً قِرَاءةَ تَرْتِيْل، ثُمَّ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِب يَقُوْلُوْنَ: حَدِّثْنَا فَيُحَدِّثُهُم.
أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ المُؤتَمَن: سَمِعْتُ عبد الْمُحسن الشِّيحِي يَقُوْلُ: كُنْتُ عديلَ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ، فَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَة خَتمَة.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيّ الضّرِير :حَجَّ وَحَدَّثَ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، وَلَمَّا حَجَّ، كَانَ مَعَهُ حِمل كتبٍ لِيُجَاور، مِنْهُ (صَحِيْح البُخَارِيّ) ؛سَمِعَهُ مِنَ الكُشْمِيهَنِي، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ جمِيْعه فِي ثَلاَثَة
مَجَالِس، فَكَانَ المَجْلِسُ الثَّالِث مِنْ أَوّل النَّهَار وَإِلَى اللَّيْل، فَفَرغ طُلُوْعَ الفَجْر.قُلْتُ: هَذِهِ - وَاللهِ - القِرَاءةُ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسرعَ مِنْهَا.
وَفِي (تَارِيخ) مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: تُوُفِّيَ الخَطِيْب فِي كَذَا، وَمَاتَ هَذَا العِلْم بِوَفَاته.
وَقَدْ كَانَ رَئِيْسُ الرُّؤَسَاء تَقَدَّمَ إِلَى الخُطَبَاء وَالوعَّاظ أَنْ لاَ يَروُوا حَدِيْثاً حَتَّى يَعرضوهُ عَلَيْهِ، فَمَا صَحَّحَهُ أَوْرَدُوْهُ، وَمَا رَدَّهُ لَمْ يذكروهُ.
وَأَظهر بَعْضُ اليَهُوْد كِتَاباً ادَّعَى أَنَّهُ كِتَابُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسقَاطِ الجِزْيَة عَنْ أَهْل خَيْبَر، وَفِيْهِ شهَادَةُ الصَّحَابَة، وَذكرُوا أَنَّ خطَّ عليّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِيْهِ.
وَحُمِلَ الكِتَابُ إِلَى رَئِيْس الرُّؤَسَاء، فَعَرضَه عَلَى الخَطِيْب، فَتَأَمَّلَه وَقَالَ: هَذَا مُزوَّر، قِيْلَ: مِنْ أَيْنَ قُلْت؟
قَالَ: فِيْهِ شهَادَةُ مُعَاوِيَة وَهُوَ أَسْلَم عَام الفَتْحِ، وَفُتحت خيبرُ سَنَة سَبْعٍ، وَفِيْهِ شهَادَةُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ وَمَاتَ يَوْمَ بنِي قُرِيظَة قَبْل خَيْبَر بِسنتين.
فَاسْتحسن ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ أَيُّوْبَ بِمَرْو يَقُوْلُ: حضَر الخَطِيْبُ درس شَيْخنَا أَبِي إِسْحَاقَ، فَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ حَدِيْثاً مِنْ رِوَايَةِ بَحْر بن كَنِيْزٍ السقَّاء، ثُمَّ قَالَ لِلْخطيب: مَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتَ لِي ذكرتُ حَاله.
فَانحرف أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَعَدَ كَالتِّلْمِيْذ، وَشرع الخَطِيْبُ يَقُوْلُ: وَشرح أَحْوَاله شرحاً حسناً، فَأَثْنَى الشَّيْخ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا دَارقُطنِيُّ عصرنَا.قَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: حَدَّثَنَا حَافظُ وَقْتِهِ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْله، وَلاَ أَظنّه رَأَى مِثْلَ نَفْسه.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ الخَطِيْب، فَقَالَ: إِمَامٌ مُصَنِّفٌ حَافظ، لَمْ نُدرك مِثْلَه.
وَعَنْ سَعِيْدٍ المُؤَدِّب قَالَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب عِنْد قُدُوْمِي: أَنْتَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ؟
قَالَ: انْتَهَى الحِفْظ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ ابْنُ الآبَنُوْسِيّ: كَانَ الحَافِظُ الخَطِيْب يَمْشِي وَفِي يَدِهِ جُزءٌ يُطَالعه.
وَقَالَ المُؤتَمَن: كَانَ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ:
مَنْ صَنّف فَقَدْ جَعَلَ عقله عَلَى طبق يَعرضه عَلَى النَّاسِ.
مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ عبد السَّلاَم الرُّمَيْلِي قَالَ: كَانَ سَبَبُ خُرُوْج الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى صُوْر، أَنَّهُ كَانَ يَخْتلف إِلَيْهِ صَبِيٌّ مليح، فَتكلّم
النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ أَمِيْرُ البَلَد رَافِضِيّاً مُتَعَصِّباً، فَبلغته القِصَّةُ، فَجَعَلَ ذَلِكَ سَبَباً إِلَى الفتكِ بِهِ، فَأَمر صَاحِبَ شُرطته أَنْ يَأْخذ الخَطِيْبَ بِاللَّيْلِ، فِيقتُلَهُ، وَكَانَ صَاحِبُ الشُّرطَة سُنِّياً، فَقصدهُ تِلْكَ اللَّيْلَة فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يُمكنه أَنْ يُخَالِف الأَمِيْر، فَأَخَذَهُ، وَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ فِيك بكَذَا وَكَذَا، وَلاَ أَجِدُ لَكَ حِيْلَةً إِلاَّ أَنِّي أَعبرُ بِك عِنْد دَار الشَّرِيْف ابْنِ أَبِي الجِنّ، فَإِذَا حَاذيتُ الدَّار، اقفِزْ وَادْخُل، فَإِنِّي لاَ أَطلُبكَ، وَأَرْجعُ إِلَى الأَمِيْر، فَأَخْبِرُهُ بِالقِصَّة.فَفَعَل ذَلِكَ، وَدَخَلَ دَار الشَّرِيْف، فَأَرْسَل الأَمِيْرُ إِلَى الشَّرِيْف أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْر! أَنْتَ تَعرف اعْتِقَادِي فِيْهِ وَفِي أَمثَاله، وَلَيْسَ فِي قَتْلِهِ مصلحَة، هَذَا مَشْهُوْرٌ بِالعِرَاقِ، إِن قَتَلْتَه، قُتِلَ بِهِ جَمَاعَة مِنَ الشِّيْعَة، وَخُرِّبَتِ المَشَاهِد.
قَالَ: فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَنْزَحَ مِنْ بَلَدك.
فَأَمر بِإِخرَاجه، فَرَاح إِلَى صُوْر، وَبَقِيَ بِهَا مُدَّة.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَعَى بِالخَطِيْب حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الدَّمَنْشِي إِلَى أَمِيْر الجُيُوْش، فَقَالَ: هُوَ نَاصبِيُّ يَرْوِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَفضَائِل العَبَّاس فِي الجَامِع.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِر عَمَّنْ ذَكَرَهُ أَنَّ الخَطِيْب وَقَعَ إِلَيْهِ جُزءٌ فِيْهِ سَمَاعُ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ، فَأَخَذَهُ، وَقصد دَارَ الخِلاَفَة، وَطلب الإِذن، فِي قِرَاءته.
فَقَالَ
الخَلِيْفَة: هَذَا رَجُل كَبِيْرٌ فِي الحَدِيْثِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي السَّمَاع حَاجَةٌ، فَلَعَلَّ لَهُ حَاجَةً أَرَادَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، فَسلُوْهُ مَا حَاجتُهُ؟فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يُؤذن لِي أَنْ أُملِي بِجَامِع المَنْصُوْر.
فَأَذِنَ لَهُ، فَأَملَى.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: سَأَلتُ هِبَةَ اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ الشيرَازِي: هَلْ كَانَ الخَطِيْبُ كتَصَانِيْفه فِي الحِفْظِ؟
قَالَ: لاَ، كُنَّا إِذَا سَأَلنَاهُ عَنْ شَيْءٍ أَجَابْنَا بَعْد أَيَّام، وَإِنْ أَلْحَحْنَا عَلَيْهِ غَضِبَ، كَانَتْ لَهُ بَادرَة وَحشَة، وَلَمْ يَكُنْ حَفِظهُ عَلَى قَدَر تَصَانِيْفه.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيورِي: أَكْثَر كُتُبُ الخَطِيْب - سِوَى (تَارِيخ بَغْدَاد) - مُسْتفَادَةٌ مِنْ كُتُبِ الصُّوْرِيّ، كَانَ الصُّوْرِيُّ ابْتدَأَ بِهَا، وَكَانَتْ لَهُ أُخْتٌ بِصُوْر، خلَّف أَخُوْهَا عِنْدَهَا اثْنَيْ عَشَرَ عِدْلاً مِنَ الكُتُب، فَحصَّل الخَطِيْبُ مِنْ كتبه أَشيَاء.
وَكَانَ الصُّوْرِيُّ قَدْ قَسَّمَ أَوقَاتَهُ فِي نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ شَيْئاً.
قُلْتُ: مَا الخَطِيْبُ بِمُفتقر إِلَى الصُّوْرِيّ، هُوَ أَحْفَظُ وَأَوسعُ رحلَة وَحَدِيْثاً وَمَعْرِفَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْب قَالَ:أَمَّا الكَلاَمُ فِي الصِّفَات، فَإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السُّنَن الصِّحَاح، مَذْهَبُ السَّلَف إِثبَاتُهَا وَإِجرَاؤُهَا عَلَى ظوَاهرهَا، وَنَفْيُ الكَيْفِيَة وَالتَّشبيه عَنْهَا، وَقَدْ نَفَاهَا قَوْمٌ، فَأَبطلُوا مَا أَثبَتَهُ الله، وَحققهَا قَوْمٌ مِنَ المُثْبِتين، فَخَرَجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى ضَرْب مِنَ التَّشبيه وَالتَّكييف، وَالقصدُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوْك الطّرِيقَة المتوسطَة بَيْنَ الأَمرِيْن، وَدينُ الله تَعَالَى بَيْنَ الغَالِي فِيْهِ وَالمُقصِّر عَنْهُ.
وَالأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الكَلاَم فِي الصِّفَات فَرْعُ الكَلاَم فِي الذَّات، وَيُحتذَى فِي ذَلِكَ حَذْوُهُ وَمثَالُه، فَإِذَا كَانَ معلُوْماً أَن إِثْبَاتَ رَبِّ العَالِمِين إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ كَيْفِيَة، فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ تحديدٍ وَتَكييف.
فَإِذَا قُلْنَا: للهِ يَد وَسَمْع وَبصر، فَإِنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ أَثبتهَا الله لِنَفْسِهِ، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّ مَعْنَى اليَد القدرَة، وَلاَ إِنَّ مَعْنَى السَّمْع وَالبصر: العِلْم، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّهَا جَوَارح.
وَلاَ نُشَبِّهُهَا بِالأَيدي وَالأَسْمَاع وَالأَبْصَار الَّتِي هِيَ جَوَارح وَأَدوَاتٌ لِلفعل، وَنَقُوْلُ: إِنَّمَا وَجب إِثبَاتُهَا لأَنَّ التَّوقيف وَردَ بِهَا، وَوجب نَفِيُ التَّشبيه عَنْهَا لِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد } [الإِخلاَص:4] .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وُلِدَ الخَطِيْبُ بقَرْيَة مِنْ أَعْمَالِ نَهْر الْملك، وَكَانَ أَبُوْهُ خَطِيْباً بدَرْزِيجَان، وَنَشَأَ هُوَ بِبَغْدَادَ، وَقرَأَ القِرَاءات بِالروَايَات، وَتَفَقَّهَ عَلَى الطَّبَرِيّ، وَعلق عَنْهُ شَيْئاً مِنَ الخلاَف ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَرَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِي، وَمفلحُ بنُ
أَحْمَدَ الدومِي، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ - يَعْنِي: بِالسَّمَاع -.وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة طَائِفَةٌ عددتُ فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم) ، آخرُهم مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، ثُمَّ ظَهرت إِجَازتُه لَهُ ضَعِيْفَةٌ مطعوناً فِيْهَا، فَلْيُعْلَم ذَلِكَ.
وَكِتَابَة الخَطِيْبِ مليحَةٌ مُفسَّرَةٌ، كَامِلَةُ الضَّبط، بِهَا أَجزَاء بِدِمَشْقَ رَأَيَّتُهَا، وَقَرَأْت بخطِّه: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَار، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُظفر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحجَاج، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ نُوْح، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
مَا عَزَّتِ النِيَّةُ فِي الحَدِيْثِ إِلاَّ لِشرفه.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْن: لَمَّا رَجَعَ الخَطِيْبُ مِنَ الشَّام كَانَتْ لَهُ ثروَةٌ مِنَ الثِّيَاب وَالذَّهب، وَمَا كَانَ لَهُ عَقِبٌ، فَكَتَبَ إِلَى القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: إِن مَالِي يَصِيْرُ إِلَى بَيْت مَال، فَائذنْ لِي حَتَّى أُفَرِّقَهُ فِيْمَنْ شِئْتُ.
فَأَذنَ لَهُ، فَفَرَّقهَا عَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ: أَخْبَرتَنِي أُمِّي أَن أَبِي حدثهَا قَالَ: كُنْتُ أَدخل عَلَى الخَطِيْب، وَأُمَرِّضه، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا سَيِّدي! إِنَّ أَبَا الفَضْل بنَ خَيْرُوْنَ لَمْ يُعْطنِي شَيْئاً مِنَ الذَّهب الَّذِي أَمرتَه أَنْ يُفرِّقه عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْث.
فَرَفَعَ الخَطِيْبُ رَأْسَه مِنَ المخدَة، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الخِرقَة، باركَ
الله لَكَ فِيْهَا. فَكَانَ فِيْهَا أَرْبَعُوْنَ دِيْنَاراً، فَأَنفقتُهَا مُدَّة فِي طَلَبِ العِلْمِ.وَقَالَ مَكِّيّ الرُّمِيْلِي: مرض الخَطِيْبُ فِي نِصْفِ رَمَضَان، إِلَى أَنِ اشتدَّ الحَالُ بِهِ فِي غُرَّة ذِي الحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَوَقَّفَ كتبَهُ عَلَى يَده، وَفرَّقَ جمِيْعَ مَاله فِي وُجُوه البِرِّ وَعَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي رَابع سَاعَة مَنْ يَوْم الاَثْنَيْن سَابعِ ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ أُخرج بُكْرَةَ الثُّلاَثَاء، وَعبرُوا بِهِ إِلَى الجَانب الغربِي، وَحضره القُضَاةُ وَالأَشْرَافُ وَالخلق، وَتَقدَّم فِي الإِمَامَة أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً، وَدُفِنَ بِجنب قَبْر بِشرٍ الحَافِي.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: مَاتَ ضَحْوَةَ الاَثْنَيْن، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْب.
وَتَصدَّق بِمَاله وَهُوَ مئتَا دِيْنَار، وَأَوْصَى بِأَنَّ يُتَصَدَّق بِجمِيْع ثيَابه، وَوَقَفَ جمِيْع كتبه، وَأُخْرَجت جِنَازَته مِنْ حُجْرَة تلِي النّظَامِيَّة، وَشَيَّعَهُ الفُقَهَاءُ وَالخلقُ، وَحملُوْهُ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، وَكَانَ بَيْنَ يَدي الجَنَازَة جَمَاعَةٌ يَنَادُوْنَ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَذُبُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكذبَ، هَذَا الَّذِي كَانَ يَحفظُ حَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّة خَتمَات.
وَقَالَ الكَتَّانِي فِي (الوفِيَات) :وَرد كِتَابُ جَمَاعَة أَنَّ الحَافِظ أَبَا بَكْرٍ تُوُفِّيَ فِي سَابع ذِي الحِجَّةِ، وَحَمَلَ جِنَازَته الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِي.وَكَانَ ثِقَةً حَافِظاً، مُتْقِناً متحرِياً مُصَنّفاً.
قَالَ أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْل ابْنُ أَبِي سَعْدٍ الصُّوْفِيّ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ ابْن زَهْرَاء الصُّوْفِيّ بِرباطِنَا، قَدْ أَعدَّ لِنَفْسِهِ قَبْراً إِلَى جَانب قَبْر بشر الحَافِي، وَكَانَ يَمضِي إِلَيْهِ كُلّ أُسْبُوْع مرَّةً، وَيَنَامُ فِيْهِ، وَيَتلو فِيْهِ القُرْآن كُلَّهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، كَانَ قَدْ أَوْصَى أَنْ يُدفن إِلَى جَنْبِ قَبْر بشر، فَجَاءَ أَصْحَاب الحَدِيْث إِلَى ابْنِ زَهْرَاء، وَسَأَلُوْهُ أَنْ يَدفنُوا الخَطِيْب فِي قَبْره، وَأَنَّ يُؤثره بِهِ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: مَوْضِعٌ قَدْ أَعددتُه لِنَفْسِي يُؤْخَذ مِنِّي!
فَجَاؤُوا إِلَى وَالِدي، وَذكرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأَحضر ابْنَ زَهْرَاء وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيّ فَقَالَ: أَنَا لاَ أَقُوْل لَكَ أَعْطهم القَبْر، وَلَكِنْ أَقُوْل لَكَ: لَوْ أَنَّ بشراً الحَافِي فِي الأَحْيَاء وَأَنْتَ إِلَى جَانبه، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ ليقْعد دُونك، أَكَانَ يَحسُن بِك أَنْ تَقعدَ أَعْلَى مِنْهُ ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْت أُجْلِسُهُ مَكَانِي.
قَالَ: فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن السَّاعَةَ.
قَالَ: فَطَابَ قَلْبُه، وَأَذِن.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: جَاءنِي بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ وَأَخْبَرَنِي لَمَّا مَاتَ
الخَطِيْب أَنَّهُ رَآهُ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ حَالك؟قَالَ: أَنَا فِي روح وَرَيْحَان وَجنَّةِ نَعيم.
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا: رَأَيْتُ بَعْد مَوْتِ الخَطِيْب كَأَنَّ شَخْصاً قَائِماً بِحِذَائِي، فَأَردتُ أَنْ أَسَأَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب،
فَقَالَ لِي ابْتدَاءً: أُنزل وَسط الجَنَّة حَيْثُ يَتعَارِفُ الأَبرَار.
رَوَاهَا البردَانِي فِي كِتَابِ (المَنَامَات) عَنْهُ.
قَالَ غِيثٌ الأَرْمنَازِي: قَالَ مَكِّيُّ الرُّمِيْلِي: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَرَأَيْتُ كَأَنَا اجْتمَعَنَا عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب فِي مَنْزِلِهِ لقِرَاءة (التَّارِيْخ) عَلَى العَادَة، فَكَأَنَّ الخَطِيْب جَالِسٌ، وَالشَّيْخ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ عَنْ يَمِيْنه، وَعَنْ يَمِيْن نَصْرٍ رَجُلٌ لَمْ أَعْرفه، فَسَأَلت عَنْهُ، فَقِيْلَ: هَذَا رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ ليسمع (التَّارِيْخ) .
فقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ جَلاَلَةٌ لأَبِي بَكْرٍ إِذْ يَحضر رَسُوْلُ اللهِ مَجْلِسه، وَقُلْتُ: هَذَا ردٌّ لِقَوْل مَنْ يَعيب (التَّارِيْخ) وَيذكر أَن فِيْهِ تحَامِلاً عَلَى أَقْوَام.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ الصَّالِحُ حسنُ بنُ أَحْمَدَ البَصْرِيّ قَالَ: رَأَيْتُ الخَطِيْبُ فِي المَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بيضٌ حِسَان وَعِمَامَةٌ بيضَاء، وَهُوَ فَرحَانُ يَتبسَّمُ، فَلاَ أَدْرِي قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ أَوْ هُوَ بدَأَنِّي.
فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي، أَوْ رحمنِي، وَكُلّ مَنْ يَجِيْءُ - فَوَقَعَ لِي أَنَّهُ يَعْنِي بِالتَّوحيد - إِلَيْهِ يَرحمُه، أَوْ يغْفر لَهُ، فَأَبشِرُوا، وَذَلِكَ بَعْد وَفَاته بِأَيَّام.
قَالَ المُؤتَمن: تحَامِلتِ الحنَابلَةُ عَلَى الخَطِيْب حَتَّى مَال إِلَى مَا مَال إِلَيْهِ.قُلْتُ: تَنَاكد ابْنُ الجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - وَغضَّ مِنَ الخَطِيْبِ، وَنسبه إِلَى أَنَّهُ يَتَعَصَّبُ عَلَى أَصْحَابنَا الحنَابلَة.
قُلْتُ: لَيْتَ الخَطِيْبَ تركَ بَعْض الحطِّ عَلَى الكِبَار فَلَمْ يَرْوِهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لِلْخطيب سِتَّةٌ وَخَمْسُوْنَ مُصَنّفاً: (التَّارِيْخ) مائَة جُزْء وَسِتَّة أَجزَاء، (شرف أَصْحَاب الحَدِيْث ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الجَامِع ) خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (الكفَايَة ) ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (السَّابِق
وَاللاَحق) عَشْرَة أَجزَاء.(الْمُتَّفق وَالمفترق) ثَمَانِيَةَ عشرَ جُزْءاً، (الْمُكمل فِي الْمُهْمل ) سِتَّة أَجزَاء، (غنيَة الْمُقْتَبس فِي تَمِييز الْمُلْتَبس) ، (مِنْ وَافقت كُنْيَته اسْم أَبِيْهِ) ، (الأَسْمَاء المبهمَة ) مُجَلَّد، (الْموضح ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (منْ حَدَّثَ وَنسِي) جُزء، (التطفِيل ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القُنُوت ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الرُّوَاة عَنْ مَالِك) سِتَّة أَجزَاء.
(الفَقِيْه وَالمتفقه ) مُجَلَّد، (تَمِييز مُتَّصِل الأَسَانِيْد ) مُجَلد، (الْحِيَل ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِنبَاء عَنِ الأَبْنَاء ) جُزْء، (الرّحلَة ) جُزْء، (الاحْتِجَاج بِالشَّافِعِيّ ) جُزْء، (البخلاَء ) فِي أَرْبَعَة أَجزَاء، (المُؤتنف فِي تَكمِيْل المُؤتلف) ، (كِتَاب البسملَة وَأَنَّهَا مِنَ الفَاتِحَة ) ، (الْجَهْر بِالبسملَة) جُزآن، (مقُلُوْب الأَسْمَاء وَالأَنسَاب) مُجَلَّد، (جُزْء اليَمِين مَعَ الشَّاهد ) ، (أَسْمَاء المُدَلِّسين ) ، (اقتضَاء العِلْم الْعَمَل ) ، (تَقييد العِلْم ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القَوْل فِي
النُّجُوْم) جُزء، (رِوَايَة الصَّحَابَة عَنْ تَابِعِيّ) جُزْء، (صَلاَة التّسبيح) جُزْء، (مُسْنَد نُعَيْم بن حَمَّاد ) جُزْء، (النَّهْي عَنْ صَوْم يَوْم الشّك) ، (إِجَازَة الْمَعْدُوم وَالمَجْهُول ) جُزْء، (مَا فِيْهِ سِتَّة تَابعيون ) جُزْء.وَقَدْ سرد ابْنُ النَّجَّار أَسْمَاء تَوَالِيف الخَطِيْب، وَزَادَ أَيْضاً لَهُ: (مُعْجَم الرُّوَاة عَنْ شُعْبَةَ) ثَمَانِيَة أَجزَاء، (المُؤتلف وَالمختلف) أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ جُزْءاً، (حَدِيْث مُحَمَّد بن سُوْقَةَ) أَرْبَعَة أَجزَاء، (المسلسلاَت) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الربَاعِيَات) ثَلاَثَة أَجزَاء، (طرق قبض العِلْم) ثَلاَثَة أَجزَاء، (غسل الجُمُعَة) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِجَازَة لِلمَجْهُول ) .
أَنشدنِي أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ، أَنشدنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْر، أَنشدنَا السِّلَفِيّ لِنَفْسِهِ :
تَصَانِيْفُ ابْنِ ثَابِتٍ الخَطِيْبِ ... أَلَذُّ مِنَ الصِّبَا الغَضِّ الرَّطِيْبِيَرَاهَا إِذْ رَوَاهَا مَنْ حَوَاهَا ... رِيَاضاً لِلفتَى اليَقِظِ اللَّبِيْبِ
وَيَأْخُذُ حُسْنُ مَا قَدْ صَاغَ مِنْهَا ... بِقَلْبِ الحَافِظِ الفَطِنِ الأَرِيْبِ
فَأَيَّةُ رَاحَةٍ وَنَعِيْمِ عَيْشٍ ... يُوَازِي كَتْبَهَا ؟ بَلْ أَيُّ طِيْبِ؟
رَوَاهَا: السَّمْعَانِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ يَحْيَى بنِ سعدُوْنَ، عَنِ السِّلَفِيّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المطيرِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عبيدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ عِرَاكِ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَيْسَ فِي الخَيْلِ وَالرَّقِيْقِ زَكَاةٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي الرَّقيق صَدَقَةَ الفِطْرِ).
وَبِهِ: قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الشَّاهد مِنْ حِفْظِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق الهِزانِي، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِر، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَس قَالَ:كَانَتْ أُمُّ سُلَيْم مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ نسَاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سفر، وَكَانَ حَادِيهم يُقَالَ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَنَادَاهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رُوَيْداً يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَك بِالقَوَارِيرِ ) .
قَالَ أَبُو الخَطَّاب بن الجَرَّاحِ المُقْرِئ يَرْثِي الخَطِيْب بِأَبيَات مِنْهَا :
فَاقَ الخَطِيْبُ الوَرَى صِدْقاً وَمَعْرِفَةً ... وَأَعْجَزَ النَّاسَ فِي تَصْنِيْفِهِ الكُتُبَا
حَمَى الشَّرِيعَةِ مِنْ غَاوٍ يُدَنِّسُهَا ... بِوَضْعِهِ وَنفَى التَّدْلِيْسَ وَالكَذِبَا
جَلَى مَحَاسِن بَغْدَادَ فَأَوْدَعَهَا ... تَارِيخَه مُخْلِصاً للهِ مُحْتَسِبا
وَقَالَ فِي النَّاسِ بِالقِسْطَاسِ مُنْحَرِفاً... عَنِ الهَوَى وَأَزَالَ الشَّكَّ وَالرِّيَباسَقَى ثَرَاكَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى ظَمَأٍ ... جَوْنٌ ركَامٌ تَسُحُّ الوَاكَفَ السَّرِبا
وَنِلْتَ فَوْزاً وَرِضْوَاناً وَمَغْفِرَةً ... إِذَا تَحَقَّقَ وَعدُ اللهِ وَاقْتَرَبا
يَا أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ طِبْتَ مُضْطَجَعاً ... وَبَاءَ شَانِيكَ بِالأَوْزَارِ مُحْتَقِبا
وَللخطيب نَظْمٌ جَيِّد، فَرَوَى المُبَارَك بن الطُّيورِي عَنْهُ لِنَفْسِهِ :
تَغَيَّبَ الخَلْقُ عَنْ عَيْنِي سِوَى قَمَرٍ ... حَسْبِي مِنَ الخَلْقِ ط?رّاً ذَلِكَ القَمَرُ
مَحَلُّهُ فِي فُؤَادِي قَدْ تَمَلَّكَهُ ... وَحَازَ رُوحِي فَمَا لِي عَنْهُ مُصْطَبَرُ
وَالشَّمْسُ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي تَنَاوُلهَا ... وَغَايَةُ الحظِّ مِنْهُ لِلورَى نَظَرُ
وَدِدتُ تَقبيلَه يَوْماً مُخَالسَةً... فَصَارَ مِنْ خَاطرِي فِي خَدِّهِ أَثَرُ
وَكَمْ حَلِيْمٍ رَآهُ ظَنَّهُ مَلَكاً ... وَرَدَّدَ الفِكْرَ فِيْهِ أَنَّهُ بَشَرُ
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيّ: أَنشدنَا الخَطِيْب لِنَفْسِهِ:
إِنْ كُنْتَ تَبغِي الرَّشَادَ مَحْضاً ... لأَمْرِ دُنْيَاكَ وَالمَعَاد
فَخَالِفِ النَفْسَ فِي هَوَاهَا ... إِنَّ الهَوَى جَامِعُ الفَسَادِ أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: أَنشدنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ لِنَفْسِهِ :
لاَ تَغْبِطَنَّ أَخَا الدُّنْيَا لِزُخْرُفِهَا... وَلاَ لِلَذَّةِ وَقْتٍ عَجَّلَتْ فَرحَا
فَالدَّهْرُ أَسرَعُ شَيْءٍ فِي تَقَلُّبِهِ ... وَفِعْلُهُ بَيِّنٌ لِلْخَلْقِ قَدْ وَضَحَا
كَمْ شَارِبٍ عَسَلاً فِيْهِ مَنِيَّتُهُ ... وَكمْ تَقَلَّدَ سَيْفاً مَنْ بِهِ ذُبِحَا
وَمَاتَ مَعَ الخَطِيْب: حَسَّانُ بنُ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ زِيدُوْنَ شَاعِر الأَنْدَلُس، وَأَبُو سَهْلٍ حَمْدُ بنُ وَلْكيز بِأَصْبَهَانَ، وَعبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ المَلِيْحِي، وَأَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّجَاجِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ التُّرَابِي بِمَرْو، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ وشَاح الزَّيْنَبِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبد البَر، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيّ، عَنْ ثَلاَث وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَخُو أَبِي مَنْصُوْرٍ النّديم،
وَشيخُ الشِّيْعَة أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ حَسَنِ بنِ حَمْزَةَ الطَّالكِي الجَعْفَرِيّ؛ صِهر الشَّيْخ المُفِيد.
الإِمَامُ الأَوْحَدُ، العَلاَّمَةُ المُفْتِي، الحَافِظُ النَّاقِدُ، مُحَدِّثُ الوَقْتِ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مَهْدِيٍّ البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وَخَاتمَةُ الحُفَّاظ.
وُلِدَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَكَانَ أَبُوْهُ أَبُو الحَسَنِ خَطِيْباً بقَرْيَة دَرْزِيجَان، وَمِمَّنْ تَلاَ القُرْآن عَلَى
أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِي، فَحَضَّ وَلدَه أَحْمَدَ عَلَى السَّمَاع وَالفِقْهِ، فَسَمِعَ وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، وَارْتَحَلَ إِلَى البَصْرَةِ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى نَيْسَابُوْرَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَإِلَى الشَّامِ وَهُوَ كَهل، وَإِلَى مَكَّةَ، وَغَيْر ذَلِكَ.وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَتَقدَّمَ فِي هَذَا الشَّأْن، وَبَذَّ الأَقرَان، وَجَمَعَ وَصَنَّفَ وَصحَّح، وَعلَّلَ وَجرَّحَ، وَعدَّلَ وَأَرَّخ وَأَوضح، وَصَارَ أَحْفَظَ أَهْلِ عصره عَلَى الإِطلاَق.
سَمِعَ: أَبَا عُمَر بن مَهْدِيّ الفَارِسِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَّلْت الأَهْوَازِيّ، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ المُتَيَّم، وَحُسَيْنَ بنَ الحَسَنِ الجوَالِيقِي ابْن العرِيف يَرْوِي عَنِ ابْنِ مَخْلَد العَطَّار، وَسَعْدَ بنَ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيّ سَمِعَ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ الحصَائِرِي، وَعَبْدِ العَزِيْزِ ابْني مُحَمَّدٍ السُّتُورِي حَدَّثَهُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّار، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ مَخْلَدِ بنِ جَعْفَرٍ البَاقِرحِي، وَأَبَا الْفرج مُحَمَّدَ بنَ فَارِس الغُورِي، وَأَبَا الفَضْل عبدَ الوَاحِد بنَ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ، وَأَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بن أَبَانٍ الهيتِي، وَمُحَمَّدَ بنَ عُمَرَ بنِ عِيْسَى الحَطِرَانِي،
حَدثهُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَلَدِي، وَأَبَا نَصْر أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حَسَنُوْنَ النَّرْسِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ بنِ المُنْذِر، وَالحُسَيْنَ بنَ عُمَرَ بن بَرْهَان، وَأَبَا الحَسَنِ بنَ رَزْقُوَيْه، وَأَبَا الفَتْح هِلاَلَ بنَ مُحَمَّدٍ الحَفَّار، وَأَبَا الفَتْح بنَ أَبِي الفوَارس، وَأَبَا العَلاَء مُحَمَّدَ بن الحَسَنِ الوَرَّاق، وَأَبَا الحُسَيْنِ بنَ بِشْرَان.وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَكتب عَنْ عبد الصَّمد بن المَأْمُوْنِ، وَأَبِي الحُسَيْنِ بنِ النَّقُّوْرِ، بَلْ نَزل إِلَى أَنْ رَوَى عَنْ تَلاَمِذتِهِ كَنَصر المَقْدِسِيّ، وَابْنِ مَاكُوْلا، وَالحُمَيْدِيّ - وَهَذَا شَأْن كُلِّ حَافظ يَرْوِي عَنِ الكِبَار وَالصِّغَار -.
وَسَمِعَ بعُكْبَرَا مِنَ: الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ الصَّائِغ حَدَّثَهُ عَنْ نَافلَة عَلِيِّ بنِ حَرْبٍ.
وَلحق بِالبَصْرَةِ أَبَا عُمَر الهَاشِمِيّ شَيْخَه فِي (السُّنَن) ، وَعَلِيُّ بنَ القَاسِمِ الشَّاهد، وَالحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ السَّابورِي، وَطَائِفَة.
وَسَمِعَ بِنَيْسَابُوْرَ: القَاضِي أَبَا بَكْرٍ الحِيْرِيّ، وَأَبَا سَعِيْدٍ الصَّيْرَفِيّ، وَأَبَا القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ السَّرَّاج، وَعَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطِّرَازِي، وَالحَافِظ أَبَا حَازِمٍ العَبدُوِي، وَخَلْقاً.
وَبِأَصْبَهَانَ: أَبَا الحَسَنِ بنَ عبدكُويه، وَأَبَا عَبْدِ اللهِ الجَمَّال، وَمُحَمَّدَ
بن عَبْد اللهِ بن شَهْرِيَار، وَأَبَا نُعَيْمٍ الحَافِظ.وَبَالدَّينور: أَبَا نَصْر الكسَّار.
وَبهَمَذَان: مُحَمَّدَ بنَ عِيْسَى، وَطَبَقَته.
وَسَمِعَ بِالرَّيّ وَالكُوْفَة وَصُوْر وَدِمَشْق وَمَكَّة.
وَكَانَ قدومُهُ إِلَى دِمَشْقَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ، فَسَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيّ، وَطَبَقَته.
وَاسْتوطنهَا، وَمِنْهَا حَجَّ، وَقرَأَ (صَحِيْح البُخَارِيّ) عَلَى كَرِيْمَة فِي أَيَّامِ المَوْسِم.
وَأَعْلَى مَا عِنْدَهُ حَدِيْثُ مَالِك، وَحَمَّاد بن زَيْد، بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَلاَثَةُ أَنْفُس.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ؛ وَهُوَ مِنْ شُيُوْخِهِ، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا، وَالفَقِيْهُ نَصْر، وَالحُمَيْدِيُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ، وَالمُبَارَكُ بنُ الطُّيُوْرِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ الخَاضبَة، وَأُبَيٌّ النَّرْسِيّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَالمرتضَى مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحُسَيْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، وَأَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب، وَهِبَةُ اللهِ بنُ الأَكْفَانِي، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيّ، وَغِيثُ بنُ عَلِيٍّ الأَرمنَازِي، وَأَحْمَدُ بنُ أَحْمَدَ المتوكلِي، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُجْلِي، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ الشُّروطِي، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ سَعِيْد، وَطَاهِرُ بنُ سَهْلٍ الإِسفرَايينِيّ، وَبَرَكَات النّجَاد، وَعَبْدُ الكَرِيْمِ بنُ حَمْزَةَ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ قبيس المَالِكِيّ، وَأَبُو الفَتْحِ نَصْرُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيّ، وَقَاضِي المَارستَان أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ
أَحْمَدَ بنِ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ المَزْرَفِي، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ؛ رَاوِي (تَارِيخه) ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ المُقْرِئ، وَبَدْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشِّيحِي، وَالزَّاهِدُ يُوْسُفُ بنُ أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ المُجْلِي، وَأَخُوْهُ أَبُو السعُوْد أَحْمَد، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ أَبِي يَعْلَى، وَأَبُو الحُسَيْنِ بنُ بُوَيه، وَأَبُو الْبَدْر الكَرْخِيّ، وَمفلحٌ الدُّومِيُّ، وَيَحْيَى بنُ الطَّرَّاح، وَأَبُو الفَضْلِ الأُرْمَوِيُّ، وَعددٌ يَطولُ ذكرهُم.وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّة، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الحَسَنِ بن المَحَامِلِيّ، وَالقَاضِي أَبِي الطَّيِّب الطَّبرِي.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ بنُ خَيْرُوْنَ :حَدَّثَنَا الخَطِيْبُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي جُمَادَى الآخِرَة سَنَة، وَأَوّل مَا سَمِعَ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ الجِيلِي: تَفَقَّهَ الخَطِيْبُ، وَقرَأَ بِالقِرَاءات، وَارْتَحَلَ وَقَرب مِنْ رَئِيْس الرُّؤَسَاء، فَلَمَّا قبض عَلَيْهِ البَسَاسِيرِيُّ اسْتَتر الخَطِيْبُ، وَخَرَجَ إِلَى صُوْر، وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة؛ أَحَدُ الأَجَوَاد، فَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً.
عمل نَيِّفاً وَخَمْسِيْنَ مُصَنّفاً، وَانْتَهَى إِلَيْهِ الحِفْظُ، شَيَّعه خلقٌ عَظِيْم، وَتَصدَّق بِمائتَيْ دِيْنَار، وَأَوْقَف كتبه، وَاحترق كَثِيْر مِنْهَا بَعْدَهُ بخَمْسِيْنَ سَنَةً.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: اسْتشرتُ البَرْقَانِي فِي الرّحلَة إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ بن النَّحَّاسِ بِمِصْرَ، أَوْ إِلَى نَيْسَابُوْرَ إِلَى أَصْحَاب الأَصَمّ، فَقَالَ: إِنَّك إِن خَرَجتَ إِلَى مِصْرَ إِنَّمَا تَخْرُجُ إِلَى وَاحِد، إِنْ فَاتَكَ، ضَاعت رِحْلَتَكَ، وَإِن خَرَجتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فَفِيْهَا جَمَاعَة، إِنَّ فَاتك وَاحِدٌ، أَدْرَكْتَ مَنْ بَقِيَ.فَخَرَجتُ إِلَى نَيْسَابُوْر.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) :كُنْتُ أُذَاكِرُ أَبَا بَكْرٍ البَرْقَانِي بِالأَحَادِيْث، فِيكتُبُهَا عَنِّي، وَيُضمنهَا جُمُوْعَه، وَحَدَّثَ عَنِّي وَأَنَا أَسْمَعُ وَفِي غَيبتِي، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي عِيْسَى بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخُوَارَزْمِي سَنَة عِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى الصَّيْرَفِيّ، حَدَّثَنَا الأَصَمّ ... ، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ آخِر الأَعيَان، مِمَّنْ شَاهدنَاهُ مَعْرِفَةً، وَحفظاً، وَإِتقَاناً، وَضبطاً لِحَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَفَنُّناً فِي عِلَلِهِ وَأَسَانِيْده، وَعِلماً بصَحِيْحه وَغرِيبه، وَفردِه وَمنكره وَمَطْرُوحِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلبغدَادِيين - بَعْد أَبِي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ - مِثْله.
سَأَلت أَبَا عَبْدِ اللهِ الصُّوْرِيّ عَنِ الخَطِيْب وَأَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيّ: أَيُّهُمَا أَحْفَظ؟ فَفَضَّل الخَطِيْب تَفْضِيْلاً بَيِّناً.
قَالَ المُؤتَمَن السَّاجِيّ: مَا أَخَرَجتْ بَغْدَادُ بَعْد الدَّارَقُطْنِيّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب.وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: لَعَلَّ الخَطِيْبَ لَمْ يَرَ مِثْل نَفْسه.
أَنْبَأَني بِالقولين المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَسَاكِر، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَخِي هِبَةُ اللهِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِيُّ الفَقِيْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ يُشَبَّهُ بِالدَّارَقُطْنِيّ وَنُظَرَائِهِ فِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْث وَحفظه.
وَقَالَ أَبُو الفتيَان الحَافِظ: كَانَ الخَطِيْبُ إِمَامَ هَذِهِ الصّنعَة، مَا رَأَيْتُ مِثْله.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ: كتب مَعِي أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيّ كِتَاباً إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ الحَافِظ يَقُوْلُ فِيْهِ: وَقَدْ رَحَلَ إِلَى مَا عِنْدَك أَخونَا أَبُو بَكْرٍ - أَيَّده الله وَسلَّمه - لِيقتبِسَ مِنْ علُوْمك، وَهُوَ - بِحَمْد الله - مِمَّنْ لَهُ فِي هَذَا الشَّأْن سَابِقَةٌ حَسَنَة، وَقَدَمٌ ثَابِت، وَقَدْ رَحل فِيْهِ وَفِي طلبه، وَحصل لَهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَحصل لَكَثِيْرٍ مِنْ أَمثَاله، وَسيظهر لَكَ مِنْهُ عِنْد الاجتمَاع مِنْ ذَلِكَ مَعَ
التَّورُّع وَالتَّحفُّظ مَا يَحْسُنُ لديك موقعُه.قَالَ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ الكَتَّانِي: سَمِعَ مِنَ الخَطِيْب شَيْخُه أَبُو القَاسِمِ عُبَيْد اللهِ الأَزْهَرِيّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَكَتَبَ عَنْهُ شَيْخُهُ البَرْقَانِيّ، وَرَوَى عَنْهُ.
وَعلَّقَ الفِقْهَ عَنْ أَبِي الطَّيِّب الطَّبَرِيّ، وَأَبِي نَصْرٍ بن الصّبَّاغ، وَكَانَ يَذْهَبُ إِلَى مَذْهَب أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ - رَحِمَهُ اللهُ -.
قُلْتُ: صَدَقَ.
فَقَدْ صرَّح الخَطِيْبُ فِي أَخْبَار الصِّفَات أَنَّهَا تُمَرُّ كَمَا جَاءت بِلاَ تَأْويل.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ فِي (الذّيل) :كَانَ الخَطِيْب مَهِيْباً وَقُوْراً، ثِقَة مُتحرِياً، حُجّة، حَسَنَ الخطّ، كَثِيْرَ الضَّبْطِ، فَصِيْحاً، خُتِمَ بِهِ الحُفَّاظ، رَحَلَ إِلَى الشَّامِ حَاجّاً، وَلقِي بِصُوْر أَبَا عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي، وَقرَأَ (الصَّحِيْح) فِي خَمْسَة أَيَّام عَلَى كَرِيْمَة المروزِيَّة، وَرجع إِلَى بَغْدَادَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا بَعْد فِتْنَة البسَاسيرِي لِتشويش الوَقْت إِلَى الشَّامِ، سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَكَانَ يَزورُ بَيْتَ المَقْدِس، وَيَعُوْدُ إِلَى صُوْر، إِلَى سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ، فَتوجّه إِلَى طرَابُلُس، ثُمَّ مِنْهَا إِلَى حلب، ثُمَّ إِلَى الرَّحبَة، ثُمَّ إِلَى بَغْدَادَ، فَدَخَلهَا فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَحَدَّثَ بِحَلَب وَغَيْرهَا.
السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ الخَطِيْب مَسْعُوْدَ بنَ مُحَمَّد بِمَرْو، سَمِعْتُ الفَضْلَ بن عُمَرَ النَّسَوِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ بِجَامِع صُوْر عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب، فَدَخَلَ عَلوِي وَفِي كُمِّه دَنَانِيْر، فَقَالَ: هَذَا الذَّهبُ تَصرِفُهُ فِي مُهِمَّاتِكَ.
فَقطّب فِي
وَجهه، وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهِ.فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَسْتَقِلُّهُ، وَأَرْسَله مِنْ كُمِّهِ عَلَى سَجَّادَةَ الخَطِيْب.
وَقَالَ: هَذِهِ ثَلاَثُ مائَة دِيْنَارٍ.
فَقَامَ الخَطِيْبُ خَجِلاً مُحْمَراً وَجهُهُ، وَأَخَذَ سجَادَتَه، وَرَمَى الدَّنَانِيْر، وَرَاح.
فَمَا أَنَى عِزَّهُ وَذُلَّ العَلَوِيّ وَهُوَ يَلْتَقِطُ الدَّنَانِيْر مِنْ شُقُوق الحصِيْر.
ابْنُ نَاصِرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا التبرِيزِيُّ اللُّغَوِيّ قَالَ: دَخَلْتُ دِمَشْق، فَكُنْتُ أَقرَأُ عَلَى الخَطِيْب بحلْقَته بِالجَامِع كُتُبَ الأَدب المسموعَة، وَكُنْت أَسكنُ منَارَة الجَامِع، فَصَعِدَ إِلَيَّ، وَقَالَ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَزورَكَ فِي بَيْتك.
فَتحدّثنَا سَاعَةً.
ثُمَّ أَخرج وَرقَة، وَقَالَ: الهديَةُ مُسْتحبَة، تَشترِي بِهَذَا أَقلاَماً.
وَنهضَ، فَإِذَا خَمْسَةُ دَنَانِيْر مصرِيَّة، ثُمَّ صَعِدَ مَرَّةً أُخْرَى، وَوَضَعَ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ إِذَا قرَأَ الحَدِيْثَ فِي جَامِع دِمَشْق يُسْمَعُ صَوْتُهُ فِي آخِر الجَامِع، وَكَانَ يَقرَأ مُعْرَباً صَحِيْحاً.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ نَفْساً مِنْ أَصْحَابِهِ، وَحَدَّثَنَا عَنْهُ يَحْيَى بن عَلِيٍّ الخَطِيْب، سَمِعَ مِنْهُ بِالأَنبار، قَرَأْتُ بخطِّ أَبِي، سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ بن الآبَنُوْسِيّ، سَمِعْتُ الخَطِيْب يَقُوْلُ:
كُلَّمَا ذكرتُ فِي (التَّارِيْخ) رَجُلاً اخْتلفتْ فِيْهِ أَقَاويلُ النَّاسِ فِي الْجرْح وَالتَّعديل، فَالتَّعويلُ عَلَى مَا أَخَّرْتُ وَخَتَمْتُ بِهِ التَّرْجَمَة.
قَالَ ابْنُ شَافع: خَرَجَ الخَطِيْبُ إِلَى صُوْر، وَقصدهَا وَبِهَا عِزُّ الدَّوْلَة، المَوْصُوْفُ بِالكرم، فَتقرب مِنْهُ، فَانْتَفَعَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالاً كَثِيْراً. قَالَ: وَانْتَهَى
إِلَيْهِ الحِفْظُ وَالإِتْقَان، وَالقِيَامُ بعلُوْم الحَدِيْث.قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بن مُحَمَّد يَحكِي، عَنِ ابْنِ خَيْرُوْنَ أَوْ غَيْره، أَنَّ الخَطِيْبَ ذكر أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ شَرِبَ مِنْ مَاء زَمْزَم ثَلاَث شَرْبَات، وَسَأَل الله ثَلاَث حَاجَات، أَنْ يُحَدِّث بـ (تَارِيخ بَغْدَاد) بِهَا، وَأَنَّ يُمْلِي الحَدِيْثَ بِجَامِع المَنْصُوْر، وَأَنَّ يُدْفَنَ عِنْد بشر الحَافِي.
فَقُضِيَت لَهُ الثَّلاَث.
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ الإِسفرَايينِي قَالَ: كَانَ الخَطِيْبُ مَعَنَا فِي الحَجِّ، فَكَانَ يَخْتِم كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً قِرَاءةَ تَرْتِيْل، ثُمَّ يَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِب يَقُوْلُوْنَ: حَدِّثْنَا فَيُحَدِّثُهُم.
أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ المُؤتَمَن: سَمِعْتُ عبد الْمُحسن الشِّيحِي يَقُوْلُ: كُنْتُ عديلَ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَغْدَادَ، فَكَانَ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَة خَتمَة.
قَالَ الخَطِيْبُ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُوْرِيّ الضّرِير :حَجَّ وَحَدَّثَ، وَنِعْمَ الشَّيْخُ كَانَ، وَلَمَّا حَجَّ، كَانَ مَعَهُ حِمل كتبٍ لِيُجَاور، مِنْهُ (صَحِيْح البُخَارِيّ) ؛سَمِعَهُ مِنَ الكُشْمِيهَنِي، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ جمِيْعه فِي ثَلاَثَة
مَجَالِس، فَكَانَ المَجْلِسُ الثَّالِث مِنْ أَوّل النَّهَار وَإِلَى اللَّيْل، فَفَرغ طُلُوْعَ الفَجْر.قُلْتُ: هَذِهِ - وَاللهِ - القِرَاءةُ الَّتِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسرعَ مِنْهَا.
وَفِي (تَارِيخ) مُحَمَّد بن عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: تُوُفِّيَ الخَطِيْب فِي كَذَا، وَمَاتَ هَذَا العِلْم بِوَفَاته.
وَقَدْ كَانَ رَئِيْسُ الرُّؤَسَاء تَقَدَّمَ إِلَى الخُطَبَاء وَالوعَّاظ أَنْ لاَ يَروُوا حَدِيْثاً حَتَّى يَعرضوهُ عَلَيْهِ، فَمَا صَحَّحَهُ أَوْرَدُوْهُ، وَمَا رَدَّهُ لَمْ يذكروهُ.
وَأَظهر بَعْضُ اليَهُوْد كِتَاباً ادَّعَى أَنَّهُ كِتَابُ رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسقَاطِ الجِزْيَة عَنْ أَهْل خَيْبَر، وَفِيْهِ شهَادَةُ الصَّحَابَة، وَذكرُوا أَنَّ خطَّ عليّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِيْهِ.
وَحُمِلَ الكِتَابُ إِلَى رَئِيْس الرُّؤَسَاء، فَعَرضَه عَلَى الخَطِيْب، فَتَأَمَّلَه وَقَالَ: هَذَا مُزوَّر، قِيْلَ: مِنْ أَيْنَ قُلْت؟
قَالَ: فِيْهِ شهَادَةُ مُعَاوِيَة وَهُوَ أَسْلَم عَام الفَتْحِ، وَفُتحت خيبرُ سَنَة سَبْعٍ، وَفِيْهِ شهَادَةُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ وَمَاتَ يَوْمَ بنِي قُرِيظَة قَبْل خَيْبَر بِسنتين.
فَاسْتحسن ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ أَيُّوْبَ بِمَرْو يَقُوْلُ: حضَر الخَطِيْبُ درس شَيْخنَا أَبِي إِسْحَاقَ، فَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ حَدِيْثاً مِنْ رِوَايَةِ بَحْر بن كَنِيْزٍ السقَّاء، ثُمَّ قَالَ لِلْخطيب: مَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟ فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتَ لِي ذكرتُ حَاله.
فَانحرف أَبُو إِسْحَاقَ، وَقَعَدَ كَالتِّلْمِيْذ، وَشرع الخَطِيْبُ يَقُوْلُ: وَشرح أَحْوَاله شرحاً حسناً، فَأَثْنَى الشَّيْخ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا دَارقُطنِيُّ عصرنَا.قَالَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي: حَدَّثَنَا حَافظُ وَقْتِهِ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْله، وَلاَ أَظنّه رَأَى مِثْلَ نَفْسه.
وَقَالَ السِّلَفِيّ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنِ الخَطِيْب، فَقَالَ: إِمَامٌ مُصَنِّفٌ حَافظ، لَمْ نُدرك مِثْلَه.
وَعَنْ سَعِيْدٍ المُؤَدِّب قَالَ: قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب عِنْد قُدُوْمِي: أَنْتَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ؟
قَالَ: انْتَهَى الحِفْظ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ ابْنُ الآبَنُوْسِيّ: كَانَ الحَافِظُ الخَطِيْب يَمْشِي وَفِي يَدِهِ جُزءٌ يُطَالعه.
وَقَالَ المُؤتَمَن: كَانَ الخَطِيْبُ يَقُوْلُ:
مَنْ صَنّف فَقَدْ جَعَلَ عقله عَلَى طبق يَعرضه عَلَى النَّاسِ.
مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ: حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بنُ عبد السَّلاَم الرُّمَيْلِي قَالَ: كَانَ سَبَبُ خُرُوْج الخَطِيْب مِنْ دِمَشْقَ إِلَى صُوْر، أَنَّهُ كَانَ يَخْتلف إِلَيْهِ صَبِيٌّ مليح، فَتكلّم
النَّاسُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ أَمِيْرُ البَلَد رَافِضِيّاً مُتَعَصِّباً، فَبلغته القِصَّةُ، فَجَعَلَ ذَلِكَ سَبَباً إِلَى الفتكِ بِهِ، فَأَمر صَاحِبَ شُرطته أَنْ يَأْخذ الخَطِيْبَ بِاللَّيْلِ، فِيقتُلَهُ، وَكَانَ صَاحِبُ الشُّرطَة سُنِّياً، فَقصدهُ تِلْكَ اللَّيْلَة فِي جَمَاعَةٍ، وَلَمْ يُمكنه أَنْ يُخَالِف الأَمِيْر، فَأَخَذَهُ، وَقَالَ: قَدْ أُمِرْتُ فِيك بكَذَا وَكَذَا، وَلاَ أَجِدُ لَكَ حِيْلَةً إِلاَّ أَنِّي أَعبرُ بِك عِنْد دَار الشَّرِيْف ابْنِ أَبِي الجِنّ، فَإِذَا حَاذيتُ الدَّار، اقفِزْ وَادْخُل، فَإِنِّي لاَ أَطلُبكَ، وَأَرْجعُ إِلَى الأَمِيْر، فَأَخْبِرُهُ بِالقِصَّة.فَفَعَل ذَلِكَ، وَدَخَلَ دَار الشَّرِيْف، فَأَرْسَل الأَمِيْرُ إِلَى الشَّرِيْف أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْر! أَنْتَ تَعرف اعْتِقَادِي فِيْهِ وَفِي أَمثَاله، وَلَيْسَ فِي قَتْلِهِ مصلحَة، هَذَا مَشْهُوْرٌ بِالعِرَاقِ، إِن قَتَلْتَه، قُتِلَ بِهِ جَمَاعَة مِنَ الشِّيْعَة، وَخُرِّبَتِ المَشَاهِد.
قَالَ: فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَنْزَحَ مِنْ بَلَدك.
فَأَمر بِإِخرَاجه، فَرَاح إِلَى صُوْر، وَبَقِيَ بِهَا مُدَّة.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ ابْنُ عَسَاكِرَ: سَعَى بِالخَطِيْب حُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الدَّمَنْشِي إِلَى أَمِيْر الجُيُوْش، فَقَالَ: هُوَ نَاصبِيُّ يَرْوِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَفضَائِل العَبَّاس فِي الجَامِع.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِر عَمَّنْ ذَكَرَهُ أَنَّ الخَطِيْب وَقَعَ إِلَيْهِ جُزءٌ فِيْهِ سَمَاعُ القَائِم بِأَمْرِ اللهِ، فَأَخَذَهُ، وَقصد دَارَ الخِلاَفَة، وَطلب الإِذن، فِي قِرَاءته.
فَقَالَ
الخَلِيْفَة: هَذَا رَجُل كَبِيْرٌ فِي الحَدِيْثِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي السَّمَاع حَاجَةٌ، فَلَعَلَّ لَهُ حَاجَةً أَرَادَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، فَسلُوْهُ مَا حَاجتُهُ؟فَقَالَ: حَاجَتِي أَنْ يُؤذن لِي أَنْ أُملِي بِجَامِع المَنْصُوْر.
فَأَذِنَ لَهُ، فَأَملَى.
قَالَ ابْنُ طَاهِر: سَأَلتُ هِبَةَ اللهِ بن عَبْدِ الوَارِثِ الشيرَازِي: هَلْ كَانَ الخَطِيْبُ كتَصَانِيْفه فِي الحِفْظِ؟
قَالَ: لاَ، كُنَّا إِذَا سَأَلنَاهُ عَنْ شَيْءٍ أَجَابْنَا بَعْد أَيَّام، وَإِنْ أَلْحَحْنَا عَلَيْهِ غَضِبَ، كَانَتْ لَهُ بَادرَة وَحشَة، وَلَمْ يَكُنْ حَفِظهُ عَلَى قَدَر تَصَانِيْفه.
وَقَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الطُّيورِي: أَكْثَر كُتُبُ الخَطِيْب - سِوَى (تَارِيخ بَغْدَاد) - مُسْتفَادَةٌ مِنْ كُتُبِ الصُّوْرِيّ، كَانَ الصُّوْرِيُّ ابْتدَأَ بِهَا، وَكَانَتْ لَهُ أُخْتٌ بِصُوْر، خلَّف أَخُوْهَا عِنْدَهَا اثْنَيْ عَشَرَ عِدْلاً مِنَ الكُتُب، فَحصَّل الخَطِيْبُ مِنْ كتبه أَشيَاء.
وَكَانَ الصُّوْرِيُّ قَدْ قَسَّمَ أَوقَاتَهُ فِي نَيِّفٍ وَثَلاَثِيْنَ شَيْئاً.
قُلْتُ: مَا الخَطِيْبُ بِمُفتقر إِلَى الصُّوْرِيّ، هُوَ أَحْفَظُ وَأَوسعُ رحلَة وَحَدِيْثاً وَمَعْرِفَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ، حَدَّثَنَا الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ
الخَطِيْب قَالَ:أَمَّا الكَلاَمُ فِي الصِّفَات، فَإِنَّ مَا رُوِيَ مِنْهَا فِي السُّنَن الصِّحَاح، مَذْهَبُ السَّلَف إِثبَاتُهَا وَإِجرَاؤُهَا عَلَى ظوَاهرهَا، وَنَفْيُ الكَيْفِيَة وَالتَّشبيه عَنْهَا، وَقَدْ نَفَاهَا قَوْمٌ، فَأَبطلُوا مَا أَثبَتَهُ الله، وَحققهَا قَوْمٌ مِنَ المُثْبِتين، فَخَرَجُوا فِي ذَلِكَ إِلَى ضَرْب مِنَ التَّشبيه وَالتَّكييف، وَالقصدُ إِنَّمَا هُوَ سُلُوْك الطّرِيقَة المتوسطَة بَيْنَ الأَمرِيْن، وَدينُ الله تَعَالَى بَيْنَ الغَالِي فِيْهِ وَالمُقصِّر عَنْهُ.
وَالأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الكَلاَم فِي الصِّفَات فَرْعُ الكَلاَم فِي الذَّات، وَيُحتذَى فِي ذَلِكَ حَذْوُهُ وَمثَالُه، فَإِذَا كَانَ معلُوْماً أَن إِثْبَاتَ رَبِّ العَالِمِين إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ كَيْفِيَة، فَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ صِفَاته إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ وَجُوْدٍ لاَ إِثْبَاتُ تحديدٍ وَتَكييف.
فَإِذَا قُلْنَا: للهِ يَد وَسَمْع وَبصر، فَإِنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ أَثبتهَا الله لِنَفْسِهِ، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّ مَعْنَى اليَد القدرَة، وَلاَ إِنَّ مَعْنَى السَّمْع وَالبصر: العِلْم، وَلاَ نَقُوْل: إِنَّهَا جَوَارح.
وَلاَ نُشَبِّهُهَا بِالأَيدي وَالأَسْمَاع وَالأَبْصَار الَّتِي هِيَ جَوَارح وَأَدوَاتٌ لِلفعل، وَنَقُوْلُ: إِنَّمَا وَجب إِثبَاتُهَا لأَنَّ التَّوقيف وَردَ بِهَا، وَوجب نَفِيُ التَّشبيه عَنْهَا لِقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّوْرَى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد } [الإِخلاَص:4] .
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: وُلِدَ الخَطِيْبُ بقَرْيَة مِنْ أَعْمَالِ نَهْر الْملك، وَكَانَ أَبُوْهُ خَطِيْباً بدَرْزِيجَان، وَنَشَأَ هُوَ بِبَغْدَادَ، وَقرَأَ القِرَاءات بِالروَايَات، وَتَفَقَّهَ عَلَى الطَّبَرِيّ، وَعلق عَنْهُ شَيْئاً مِنَ الخلاَف ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَرَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِي، وَمفلحُ بنُ
أَحْمَدَ الدومِي، وَالقَاضِي مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنْهُ - يَعْنِي: بِالسَّمَاع -.وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَة طَائِفَةٌ عددتُ فِي (تَارِيخ الإِسْلاَم) ، آخرُهم مَسْعُوْد بن الحَسَنِ الثَّقَفِيّ، ثُمَّ ظَهرت إِجَازتُه لَهُ ضَعِيْفَةٌ مطعوناً فِيْهَا، فَلْيُعْلَم ذَلِكَ.
وَكِتَابَة الخَطِيْبِ مليحَةٌ مُفسَّرَةٌ، كَامِلَةُ الضَّبط، بِهَا أَجزَاء بِدِمَشْقَ رَأَيَّتُهَا، وَقَرَأْت بخطِّه: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ السِّمْسَار، أَخْبَرْنَا ابْنُ المُظفر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحجَاج، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ نُوْح، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى، سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
مَا عَزَّتِ النِيَّةُ فِي الحَدِيْثِ إِلاَّ لِشرفه.
قَالَ أَبُو مَنْصُوْرٍ عَلِيُّ بنُ عَلِيٍّ الأَمِيْن: لَمَّا رَجَعَ الخَطِيْبُ مِنَ الشَّام كَانَتْ لَهُ ثروَةٌ مِنَ الثِّيَاب وَالذَّهب، وَمَا كَانَ لَهُ عَقِبٌ، فَكَتَبَ إِلَى القَائِم بِأَمْرِ اللهِ: إِن مَالِي يَصِيْرُ إِلَى بَيْت مَال، فَائذنْ لِي حَتَّى أُفَرِّقَهُ فِيْمَنْ شِئْتُ.
فَأَذنَ لَهُ، فَفَرَّقهَا عَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ نَاصِرٍ: أَخْبَرتَنِي أُمِّي أَن أَبِي حدثهَا قَالَ: كُنْتُ أَدخل عَلَى الخَطِيْب، وَأُمَرِّضه، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً: يَا سَيِّدي! إِنَّ أَبَا الفَضْل بنَ خَيْرُوْنَ لَمْ يُعْطنِي شَيْئاً مِنَ الذَّهب الَّذِي أَمرتَه أَنْ يُفرِّقه عَلَى أَصْحَابِ الحَدِيْث.
فَرَفَعَ الخَطِيْبُ رَأْسَه مِنَ المخدَة، وَقَالَ: خُذْ هَذِهِ الخِرقَة، باركَ
الله لَكَ فِيْهَا. فَكَانَ فِيْهَا أَرْبَعُوْنَ دِيْنَاراً، فَأَنفقتُهَا مُدَّة فِي طَلَبِ العِلْمِ.وَقَالَ مَكِّيّ الرُّمِيْلِي: مرض الخَطِيْبُ فِي نِصْفِ رَمَضَان، إِلَى أَنِ اشتدَّ الحَالُ بِهِ فِي غُرَّة ذِي الحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى ابْنِ خَيْرُوْنَ، وَوَقَّفَ كتبَهُ عَلَى يَده، وَفرَّقَ جمِيْعَ مَاله فِي وُجُوه البِرِّ وَعَلَى المُحَدِّثِيْنَ.
وَتُوُفِّيَ: فِي رَابع سَاعَة مَنْ يَوْم الاَثْنَيْن سَابعِ ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ، ثُمَّ أُخرج بُكْرَةَ الثُّلاَثَاء، وَعبرُوا بِهِ إِلَى الجَانب الغربِي، وَحضره القُضَاةُ وَالأَشْرَافُ وَالخلق، وَتَقدَّم فِي الإِمَامَة أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الْمُهْتَدي بِاللهِ، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعاً، وَدُفِنَ بِجنب قَبْر بِشرٍ الحَافِي.
وَقَالَ ابْنُ خَيْرُوْنَ: مَاتَ ضَحْوَةَ الاَثْنَيْن، وَدُفِنَ بِبَابِ حَرْب.
وَتَصدَّق بِمَاله وَهُوَ مئتَا دِيْنَار، وَأَوْصَى بِأَنَّ يُتَصَدَّق بِجمِيْع ثيَابه، وَوَقَفَ جمِيْع كتبه، وَأُخْرَجت جِنَازَته مِنْ حُجْرَة تلِي النّظَامِيَّة، وَشَيَّعَهُ الفُقَهَاءُ وَالخلقُ، وَحملُوْهُ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، وَكَانَ بَيْنَ يَدي الجَنَازَة جَمَاعَةٌ يَنَادُوْنَ: هَذَا الَّذِي كَانَ يَذُبُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الكذبَ، هَذَا الَّذِي كَانَ يَحفظُ حَدِيْث رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّة خَتمَات.
وَقَالَ الكَتَّانِي فِي (الوفِيَات) :وَرد كِتَابُ جَمَاعَة أَنَّ الحَافِظ أَبَا بَكْرٍ تُوُفِّيَ فِي سَابع ذِي الحِجَّةِ، وَحَمَلَ جِنَازَته الإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشيرَازِي.وَكَانَ ثِقَةً حَافِظاً، مُتْقِناً متحرِياً مُصَنّفاً.
قَالَ أَبُو البَرَكَات إِسْمَاعِيْل ابْنُ أَبِي سَعْدٍ الصُّوْفِيّ: كَانَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ ابْن زَهْرَاء الصُّوْفِيّ بِرباطِنَا، قَدْ أَعدَّ لِنَفْسِهِ قَبْراً إِلَى جَانب قَبْر بشر الحَافِي، وَكَانَ يَمضِي إِلَيْهِ كُلّ أُسْبُوْع مرَّةً، وَيَنَامُ فِيْهِ، وَيَتلو فِيْهِ القُرْآن كُلَّهُ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، كَانَ قَدْ أَوْصَى أَنْ يُدفن إِلَى جَنْبِ قَبْر بشر، فَجَاءَ أَصْحَاب الحَدِيْث إِلَى ابْنِ زَهْرَاء، وَسَأَلُوْهُ أَنْ يَدفنُوا الخَطِيْب فِي قَبْره، وَأَنَّ يُؤثره بِهِ، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: مَوْضِعٌ قَدْ أَعددتُه لِنَفْسِي يُؤْخَذ مِنِّي!
فَجَاؤُوا إِلَى وَالِدي، وَذكرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَأَحضر ابْنَ زَهْرَاء وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الطُّرَيْثِيْثِيّ فَقَالَ: أَنَا لاَ أَقُوْل لَكَ أَعْطهم القَبْر، وَلَكِنْ أَقُوْل لَكَ: لَوْ أَنَّ بشراً الحَافِي فِي الأَحْيَاء وَأَنْتَ إِلَى جَانبه، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ ليقْعد دُونك، أَكَانَ يَحسُن بِك أَنْ تَقعدَ أَعْلَى مِنْهُ ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْت أُجْلِسُهُ مَكَانِي.
قَالَ: فَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن السَّاعَةَ.
قَالَ: فَطَابَ قَلْبُه، وَأَذِن.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: جَاءنِي بَعْضُ الصَّالِحِيْنَ وَأَخْبَرَنِي لَمَّا مَاتَ
الخَطِيْب أَنَّهُ رَآهُ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ حَالك؟قَالَ: أَنَا فِي روح وَرَيْحَان وَجنَّةِ نَعيم.
وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ جَدَّا: رَأَيْتُ بَعْد مَوْتِ الخَطِيْب كَأَنَّ شَخْصاً قَائِماً بِحِذَائِي، فَأَردتُ أَنْ أَسَأَلَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب،
فَقَالَ لِي ابْتدَاءً: أُنزل وَسط الجَنَّة حَيْثُ يَتعَارِفُ الأَبرَار.
رَوَاهَا البردَانِي فِي كِتَابِ (المَنَامَات) عَنْهُ.
قَالَ غِيثٌ الأَرْمنَازِي: قَالَ مَكِّيُّ الرُّمِيْلِي: كُنْتُ نَائِماً بِبَغْدَادَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَرَأَيْتُ كَأَنَا اجْتمَعَنَا عِنْد أَبِي بَكْرٍ الخَطِيْب فِي مَنْزِلِهِ لقِرَاءة (التَّارِيْخ) عَلَى العَادَة، فَكَأَنَّ الخَطِيْب جَالِسٌ، وَالشَّيْخ أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المَقْدِسِيّ عَنْ يَمِيْنه، وَعَنْ يَمِيْن نَصْرٍ رَجُلٌ لَمْ أَعْرفه، فَسَأَلت عَنْهُ، فَقِيْلَ: هَذَا رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ ليسمع (التَّارِيْخ) .
فقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ جَلاَلَةٌ لأَبِي بَكْرٍ إِذْ يَحضر رَسُوْلُ اللهِ مَجْلِسه، وَقُلْتُ: هَذَا ردٌّ لِقَوْل مَنْ يَعيب (التَّارِيْخ) وَيذكر أَن فِيْهِ تحَامِلاً عَلَى أَقْوَام.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوْق الزَّعْفَرَانِيّ: حَدَّثَنِي الفَقِيْهُ الصَّالِحُ حسنُ بنُ أَحْمَدَ البَصْرِيّ قَالَ: رَأَيْتُ الخَطِيْبُ فِي المَنَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بيضٌ حِسَان وَعِمَامَةٌ بيضَاء، وَهُوَ فَرحَانُ يَتبسَّمُ، فَلاَ أَدْرِي قُلْتُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ أَوْ هُوَ بدَأَنِّي.
فَقَالَ: غَفَرَ اللهُ لِي، أَوْ رحمنِي، وَكُلّ مَنْ يَجِيْءُ - فَوَقَعَ لِي أَنَّهُ يَعْنِي بِالتَّوحيد - إِلَيْهِ يَرحمُه، أَوْ يغْفر لَهُ، فَأَبشِرُوا، وَذَلِكَ بَعْد وَفَاته بِأَيَّام.
قَالَ المُؤتَمن: تحَامِلتِ الحنَابلَةُ عَلَى الخَطِيْب حَتَّى مَال إِلَى مَا مَال إِلَيْهِ.قُلْتُ: تَنَاكد ابْنُ الجَوْزِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ - وَغضَّ مِنَ الخَطِيْبِ، وَنسبه إِلَى أَنَّهُ يَتَعَصَّبُ عَلَى أَصْحَابنَا الحنَابلَة.
قُلْتُ: لَيْتَ الخَطِيْبَ تركَ بَعْض الحطِّ عَلَى الكِبَار فَلَمْ يَرْوِهِ.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: لِلْخطيب سِتَّةٌ وَخَمْسُوْنَ مُصَنّفاً: (التَّارِيْخ) مائَة جُزْء وَسِتَّة أَجزَاء، (شرف أَصْحَاب الحَدِيْث ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الجَامِع ) خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (الكفَايَة ) ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (السَّابِق
وَاللاَحق) عَشْرَة أَجزَاء.(الْمُتَّفق وَالمفترق) ثَمَانِيَةَ عشرَ جُزْءاً، (الْمُكمل فِي الْمُهْمل ) سِتَّة أَجزَاء، (غنيَة الْمُقْتَبس فِي تَمِييز الْمُلْتَبس) ، (مِنْ وَافقت كُنْيَته اسْم أَبِيْهِ) ، (الأَسْمَاء المبهمَة ) مُجَلَّد، (الْموضح ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً، (منْ حَدَّثَ وَنسِي) جُزء، (التطفِيل ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القُنُوت ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الرُّوَاة عَنْ مَالِك) سِتَّة أَجزَاء.
(الفَقِيْه وَالمتفقه ) مُجَلَّد، (تَمِييز مُتَّصِل الأَسَانِيْد ) مُجَلد، (الْحِيَل ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِنبَاء عَنِ الأَبْنَاء ) جُزْء، (الرّحلَة ) جُزْء، (الاحْتِجَاج بِالشَّافِعِيّ ) جُزْء، (البخلاَء ) فِي أَرْبَعَة أَجزَاء، (المُؤتنف فِي تَكمِيْل المُؤتلف) ، (كِتَاب البسملَة وَأَنَّهَا مِنَ الفَاتِحَة ) ، (الْجَهْر بِالبسملَة) جُزآن، (مقُلُوْب الأَسْمَاء وَالأَنسَاب) مُجَلَّد، (جُزْء اليَمِين مَعَ الشَّاهد ) ، (أَسْمَاء المُدَلِّسين ) ، (اقتضَاء العِلْم الْعَمَل ) ، (تَقييد العِلْم ) ثَلاَثَة أَجزَاء، (القَوْل فِي
النُّجُوْم) جُزء، (رِوَايَة الصَّحَابَة عَنْ تَابِعِيّ) جُزْء، (صَلاَة التّسبيح) جُزْء، (مُسْنَد نُعَيْم بن حَمَّاد ) جُزْء، (النَّهْي عَنْ صَوْم يَوْم الشّك) ، (إِجَازَة الْمَعْدُوم وَالمَجْهُول ) جُزْء، (مَا فِيْهِ سِتَّة تَابعيون ) جُزْء.وَقَدْ سرد ابْنُ النَّجَّار أَسْمَاء تَوَالِيف الخَطِيْب، وَزَادَ أَيْضاً لَهُ: (مُعْجَم الرُّوَاة عَنْ شُعْبَةَ) ثَمَانِيَة أَجزَاء، (المُؤتلف وَالمختلف) أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ جُزْءاً، (حَدِيْث مُحَمَّد بن سُوْقَةَ) أَرْبَعَة أَجزَاء، (المسلسلاَت) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الربَاعِيَات) ثَلاَثَة أَجزَاء، (طرق قبض العِلْم) ثَلاَثَة أَجزَاء، (غسل الجُمُعَة) ثَلاَثَة أَجزَاء، (الإِجَازَة لِلمَجْهُول ) .
أَنشدنِي أَبُو الحُسَيْنِ الحَافِظ، أَنشدنَا جَعْفَرُ بنُ مُنِيْر، أَنشدنَا السِّلَفِيّ لِنَفْسِهِ :
تَصَانِيْفُ ابْنِ ثَابِتٍ الخَطِيْبِ ... أَلَذُّ مِنَ الصِّبَا الغَضِّ الرَّطِيْبِيَرَاهَا إِذْ رَوَاهَا مَنْ حَوَاهَا ... رِيَاضاً لِلفتَى اليَقِظِ اللَّبِيْبِ
وَيَأْخُذُ حُسْنُ مَا قَدْ صَاغَ مِنْهَا ... بِقَلْبِ الحَافِظِ الفَطِنِ الأَرِيْبِ
فَأَيَّةُ رَاحَةٍ وَنَعِيْمِ عَيْشٍ ... يُوَازِي كَتْبَهَا ؟ بَلْ أَيُّ طِيْبِ؟
رَوَاهَا: السَّمْعَانِيّ فِي (تَارِيْخِهِ) ، عَنْ يَحْيَى بنِ سعدُوْنَ، عَنِ السِّلَفِيّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الغَنَائِمِ المُسَلَّم بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ كِتَابَةً قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّاز، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الأَهْوَازِيّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ المطيرِي، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عبيدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ، عَنْ عِرَاكِ بن مَالِكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (لَيْسَ فِي الخَيْلِ وَالرَّقِيْقِ زَكَاةٌ، إِلاَّ أَنَّ فِي الرَّقيق صَدَقَةَ الفِطْرِ).
وَبِهِ: قَالَ الخَطِيْبُ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ القَاسِمِ الشَّاهد مِنْ حِفْظِهِ، حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق الهِزانِي، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِر، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَنَس قَالَ:كَانَتْ أُمُّ سُلَيْم مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ نسَاء النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سفر، وَكَانَ حَادِيهم يُقَالَ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَنَادَاهُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (رُوَيْداً يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَك بِالقَوَارِيرِ ) .
قَالَ أَبُو الخَطَّاب بن الجَرَّاحِ المُقْرِئ يَرْثِي الخَطِيْب بِأَبيَات مِنْهَا :
فَاقَ الخَطِيْبُ الوَرَى صِدْقاً وَمَعْرِفَةً ... وَأَعْجَزَ النَّاسَ فِي تَصْنِيْفِهِ الكُتُبَا
حَمَى الشَّرِيعَةِ مِنْ غَاوٍ يُدَنِّسُهَا ... بِوَضْعِهِ وَنفَى التَّدْلِيْسَ وَالكَذِبَا
جَلَى مَحَاسِن بَغْدَادَ فَأَوْدَعَهَا ... تَارِيخَه مُخْلِصاً للهِ مُحْتَسِبا
وَقَالَ فِي النَّاسِ بِالقِسْطَاسِ مُنْحَرِفاً... عَنِ الهَوَى وَأَزَالَ الشَّكَّ وَالرِّيَباسَقَى ثَرَاكَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى ظَمَأٍ ... جَوْنٌ ركَامٌ تَسُحُّ الوَاكَفَ السَّرِبا
وَنِلْتَ فَوْزاً وَرِضْوَاناً وَمَغْفِرَةً ... إِذَا تَحَقَّقَ وَعدُ اللهِ وَاقْتَرَبا
يَا أَحْمَدَ بنَ عَلِيٍّ طِبْتَ مُضْطَجَعاً ... وَبَاءَ شَانِيكَ بِالأَوْزَارِ مُحْتَقِبا
وَللخطيب نَظْمٌ جَيِّد، فَرَوَى المُبَارَك بن الطُّيورِي عَنْهُ لِنَفْسِهِ :
تَغَيَّبَ الخَلْقُ عَنْ عَيْنِي سِوَى قَمَرٍ ... حَسْبِي مِنَ الخَلْقِ ط?رّاً ذَلِكَ القَمَرُ
مَحَلُّهُ فِي فُؤَادِي قَدْ تَمَلَّكَهُ ... وَحَازَ رُوحِي فَمَا لِي عَنْهُ مُصْطَبَرُ
وَالشَّمْسُ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي تَنَاوُلهَا ... وَغَايَةُ الحظِّ مِنْهُ لِلورَى نَظَرُ
وَدِدتُ تَقبيلَه يَوْماً مُخَالسَةً... فَصَارَ مِنْ خَاطرِي فِي خَدِّهِ أَثَرُ
وَكَمْ حَلِيْمٍ رَآهُ ظَنَّهُ مَلَكاً ... وَرَدَّدَ الفِكْرَ فِيْهِ أَنَّهُ بَشَرُ
قَالَ غِيثُ بنُ عَلِيّ: أَنشدنَا الخَطِيْب لِنَفْسِهِ:
إِنْ كُنْتَ تَبغِي الرَّشَادَ مَحْضاً ... لأَمْرِ دُنْيَاكَ وَالمَعَاد
فَخَالِفِ النَفْسَ فِي هَوَاهَا ... إِنَّ الهَوَى جَامِعُ الفَسَادِ أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْب: أَنشدنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ لِنَفْسِهِ :
لاَ تَغْبِطَنَّ أَخَا الدُّنْيَا لِزُخْرُفِهَا... وَلاَ لِلَذَّةِ وَقْتٍ عَجَّلَتْ فَرحَا
فَالدَّهْرُ أَسرَعُ شَيْءٍ فِي تَقَلُّبِهِ ... وَفِعْلُهُ بَيِّنٌ لِلْخَلْقِ قَدْ وَضَحَا
كَمْ شَارِبٍ عَسَلاً فِيْهِ مَنِيَّتُهُ ... وَكمْ تَقَلَّدَ سَيْفاً مَنْ بِهِ ذُبِحَا
وَمَاتَ مَعَ الخَطِيْب: حَسَّانُ بنُ سَعِيْدٍ المَنِيْعِيّ، وَأَبُو الوَلِيْدِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بن أَحْمَدَ بنِ زِيدُوْنَ شَاعِر الأَنْدَلُس، وَأَبُو سَهْلٍ حَمْدُ بنُ وَلْكيز بِأَصْبَهَانَ، وَعبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ المَلِيْحِي، وَأَبُو الغَنَائِمِ مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الدَّجَاجِي، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ التُّرَابِي بِمَرْو، وَأَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ وشَاح الزَّيْنَبِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبد البَر، وَأَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُكْبَرِيّ، عَنْ ثَلاَث وَسَبْعِيْنَ سَنَةً، وَهُوَ أَخُو أَبِي مَنْصُوْرٍ النّديم،
وَشيخُ الشِّيْعَة أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بنُ حَسَنِ بنِ حَمْزَةَ الطَّالكِي الجَعْفَرِيّ؛ صِهر الشَّيْخ المُفِيد.