القَادِرُ بِاللهِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ بنِ المُقْتَدِرِ
الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وَأُمُّه اسْمُهَا: تمني.
مولده: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَتْ أمه فِي دَوْلته، وَقَدْ عَجزَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبْيَضَ كثَّ اللِّحْيَة يَخْضِبُ ديِّناً عَالِماً متعبِّداً وَقُوْراً مِنْ جِلَّة الخُلَفَاءِ وَأَمثلِهِمْ.
عَدَّه ابْنُ الصَّلاَح فِي الشَّافِعِيَّة.
تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بِشْر أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مِنَ الدِّين، وَإِدَامَةِ التهجُّدِ، وَكَثْرَةِ الصَّدقَاتِ عَلَى صفَةٍ اشتُهِرَتْ عَنْهُ.وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأُصُوْلِ، ذَكَرَ فِيْهِ فضل الصَّحَابَةِ، وَإِكفَارَ مَنْ قَالَ: بِخَلْقِ القُرْآنِ.
وَكَانَ ذَلِكَ الكِتَاب يُقرأُ فِي كُلِّ جُمُعَة فِي حَلْقَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَيحضُرُه النَّاسُ مُدَّة خِلاَفته، وَهِيَ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً وَثَلاَثَة أَشهر.
قُلْتُ: قَامَ بِخِلاَفته بهَاءُ الدَّوْلَةِ كَمَا تقدَّم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتقدمُوهُ مِنَ البَطَائحِ فَجَهَّزَهُ أَمِيْرُهَا مهذِّبُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَحمَّله مِنَ الآلاَتِ وَالرخت بِمَا أَمكن، وَأَعطَاهُ طَيَّاراً فَلَمَّا قَدِمَ وَاسِطَ، أَتَاهُ الأَجْنَادُ، وَطَلَبُوا رسمَ البَيْعَة، وَهَاشُوا، فوعدهُم بِالجَمِيْلِ، فرضُوا، فَكَانَ مُقَامُه بِالبَطيحَة أَزيدَ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَقَدِمَ، وَاسْتَكْتب أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَدَ عَارض الدَّيْلَم، وَجَعَلَ أُسْتَاذَ دَارِه عَبْد الوَاحِدِ الشِّيْرَازِيَّ وَحلفَ هُوَ وَبهَاء الدَّوْلَة كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ثُمَّ سَلْطنه.
وَذكر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيُّ، أَنَّ القَادِرَ كَانَ يَلْبَسُ زيَّ العَامَّةِ، وَيَقْصِدُ الأَمَاكنَ المُبَارَكَةَ. وَطلب مِنْ أَبِي الحَسَنِ بن القَزْوِيْنِيّ
أَنْ ينفّذ لَهُ مِنْ طعَامه، فَنفَّذ باذِنجَاناً مقلُواً بخلٍّ وَبَاقِلَّى وَدِبْساً، فَأَكل مِنْهُ وَفَرَّق، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَائتَيْ دِيْنَار فَقبِلَها.ثُمَّ طلبَ مِنْهُ بَعْدُ طعَاماً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ زبَادِي فرَاريج وَدجَاج وَفَالوذج، فتعجَّب الخَلِيْفَةُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
لم أَتكلَّفْ، وَلَمَّا وَسِّع عَلِيّ وَسعتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعجبه، وَكَانَ يَتَفَقَّدهُ.
وعَمِلَت الرَّافِضَة عيدَ الْغدير، يَعْنِي: يَوْم المُؤَاخَاة، فثَارتِ السُّنَّةُ، وَقووا، وَخَرَّقُوا عَلَمَ السُّلْطَانِ.
وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَصُلِبَ آخرُوْنَ، فكفّوا.
وفِي هَذَا القُرب طَلَبَ أَمِيْرُ مَكَّة أَبُو الفُتُوْحِ العَلَوِيُّ الخِلاَفَةَ، وَتَسَمَّى بِالرَّاشد بِاللهِ، وَلَحِقَ بِآل جَرَّاح الطَّائِيّ بِالشَّامِ، وَمَعَهُ أَقَاربه، وَنحوٌ مِنْ أَلفِ عَبْدٍ، وَحَكَمَ بِالرَّمْلَةِ، فَانزعج العَزِيْزُ بِمِصْرَ، وَتلطَّف بِالطَّائِيين، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ، وَكَتَبَ بِإِمَارَةِ الحَرَمَيْنِ لاِبْنِ عَمِ الرَّاشدِ، فَوهَنَ أمْرُ الرَّاشدِ، فَأَجَارَه أَبُو حَسَّانَ الطَّائِيّ، وَتلطَّف لَهُ حَتَّى عَادَ إِلَى إِمرَة مَكَّة.
وَفِيْهَا: اسْتولَى بُزَال عَلَى دِمَشْق، وَهَزَم مُتَوَلِّيهَا منيراً.
وَنقَصَ التَّشَيُّع مِنْ بَغْدَادَ، وَاسْتضرَت الأُمَرَاءُ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَة، وَقهروهُ حَتَّى سَلَّم إِلَيْهِم أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المُعَلِّم الكوكَبِي، فَخُنق، وَعَظُمَ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.وَفِي سَنَةِ 383 تَزَوَّجَ القَادِر بِاللهِ سُكَيْنَة بنْت الْملك بهَاءِ الدَّوْلَة، وَاسْتفحل البلاَءُ بِالعَيَّارين بِبَغْدَادَ، وَلَمْ يَحجَّ أَحَدٌ مِنَ العِرَاقِ.
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ 87 فَخرُ الدَّوْلَة عَلِيُّ بنُ ركنِ الدَّوْلَةِ بن بُوَيه بِالرَّيّ، وَوزَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاد.
وَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، كَانَ الطَّائِع قَدْ لَقبه ملك الأُمَّة عَاشَ ستاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَترك أَلفِي أَلف دِيْنَار وَثَمَان مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَمِنَ الجَوَاهِرِ مَا قيمتُهُ ثَلاَثَة آلاَف أَلف، وَمِنْ آنيَة الذَّهبِ مَا وَزنُهُ أَلفُ أَلفٍ، وَمِنْ آنيَة الفِضَّةِ مَا وَزنه ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفٍ، وَمِنْ فَاخر الثِّيَابِ ثَلاَثَة آلاَفِ حِمْل.
وَكَانَتْ خَزَائِنهُ عَلَى ثَلاَثَة آلاَف وَخَمْسِ مائَة جَمَل.
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ هَلَكَ تِسْعَة مُلُوْك: صَاحِبُ مِصْرَ العَزِيْزُ، وَصَاحِب خُرَاسَان، وَفخر الدَّوْلَة المَذْكُوْرُ، وَصَاحِب خُوَارَزْم مَأْمُوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَاحِب بُسْت سُبُكْتِكيِن وَغَيْرُهُم.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ ظَهَرَ بسِجِسْتَان معدِنُ الذَّهَب.وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ عَقَدَ القَادِرُ بولاَيَةِ العَهْدِ لابْنِهِ الغَالِبِ بِاللهِ، وَهُوَ فِي تِسْعِ سِنِيْنَ، وَعجَّل بِذَلِكَ، لأَن الخَطِيْبَ الوَاثِق سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَافتعل كِتَاباً مِنَ القَادِر بِأَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِهِ.
وَاجْتَمَعَ ببَعْضِ المُلُوكِ فَاحْتَرَمَه، وَخطَبَ لَهُ بَعْدَ القَادِر، وَنفَّذ رَسُوْلاً إِلَى القَادِرِ بِمَا فَعَل، فَأَثْبتَ فِسْقِ الوَاثِقِيّ، وَمَاتَ غَرِيْباً.
وَكَانَ الرَّفضُ عَلاَنيَةً بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَة.
وَلَقَدْ أَخَذَ نَائِبُهَا تمصُولُت البَرْبَرِيُّ رَجُلاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فطيفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ: هَذَا جزَاء مَنْ يُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعمرَ، ثُمَّ قُتِل.
وفِي هَذَا الْحِين ظَهَرَ أَبُو ركْوةَ الأُمَوِيُّ، وَالتفَّ عَلَيْهِ مِنَ المغَاربَة وَالعَرَب خَلْق، وَحَارَبَ وَلَعَنَ الحَاكِمَ، فَجَهَّزَ الحَاكِمُ لِحَرْبِهِ ستّةَ عشرَ أَلْفاً، فَظفِرُوا بِهِ وَقُتِلَ.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَة عَمِلَ ابْنُ سَهلاَن سوراً مَنِيعاً عَلَى مشهدِ عليٍّ.وَافتَتَح مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكِين فتحاً عَظِيْماً مِنَ الهِنْد.
وفِي هَذَا الوَقْتِ انبثَّتْ دُعَاةُ الحَاكِمِ فِي الأَطرَافِ، فَأَمر القَادِرُ بِعَمَل مَحْضرٍ يتضمَّنُ القَدْحَ فِي نَسَبِ العُبَيْدِيَّة، وَأَنَّهُم منسوبُوْنَ إِلَى دَيصَان بن سَعِيْدٍ الخُرَّمِيّ، فَشَهِدُوا جَمِيْعاً أَنَّ النَّاجمَ بِمِصْرَ مَنْصُوْر بن نزَار الحَاكِم حَكَمَ الله عَلَيْهِ بِالبوَارِ، وَأَنَّ جدَّهُم لَمَّا صَارَ إِلَى الغَرْب تسمّى بِالمَهْدِيّ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ وَسَلَفُهُ أَرجَاسٌ أَنجَاسٌ خوَارجُ أَدْعيَاء، وَأَنْتُم تعلمُوْنَ أَنَّ أَحَداً مِنَ الطَّالبيين لَمْ يتوقفْ عَنْ إِطلاَقِ القَوْلِ بِأَنَّهُم أَدعيَاء، وَأَنَّ هَذَا النَّاجمَ وَسلفه كفَارٌ زَنَادقَة، وَلِمَذْهَب الثَّنَوِيَّة وَالمَجُوْسِيَّة معتقدُوْنَ، عطَّلُوا الحُدُوْدَ، وَأَباحُوا الفروجَ، وَسفكُوا الدِّمَاء، وَسبُّوا الأَنْبِيَاءَ، وَلعنُوا السَّلَفَ، وَادَّعَوُا الربوبيّة، وَكَتَبَ فِي الْمحْضر الشَّرِيْف الرَّضِيّ، وَالشَّرِيْف المُرْتَضَى، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، وَابْن الأَزْرَق العَلَويون، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَكفَانِي، وَالقَاسِم أَبُو القَاسِمِ الجَزَرِيّ، وَالشَّيخ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايينِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الكَشْفُلِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ
القُدورِي وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَان.وَوَرَدَ عَلَى الخَلِيْفَة كِتَابُ مَحْمُوْد أَنَّهُ غَزَا الكُفَّارَ، وَهُم خَلْقٌ مَعَهُم سِتّ مائَة فيل، وَأَنَّهُ نُصر عَلَيْهِم.
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ اسْتُبيحَ وَفْدُ العِرَاقِ، وَقلَّ مَنْ نَجَا، فيُقَال: هلكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَتُسَمَّى وَقعَة الفرعَاء.
فَسَارَ ابْنُ مَزْيَد، وَلحِقهُم بِالبريَّة، فَقَتل مِنْهُم مَقْتَلَةً، وَأَسَر أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ كِبَارهُم، فَأُهلكُوا بِبَغْدَادَ.
وَبَعَثَ ابْنُ سُبُكْتِكِين إِلَى القَادِرِ بِأَنَّهُ وَردَ إِلَيْهِ الدَّاعِي مِنَ الحَاكِمِ يدعُوهُ إِلَى طَاعته، فَخرَّق كِتَابَهُ، وَبَصَق عَلَيْهِ.
وَمَاتَ فِي حُدُوْدِهَا أَيلَك خَانُ صَاحِبُ مَا وَرَاء النهرِ الَّذِي أَخَذ البِلاَدَ مِنْ آلِ سَامَانَ مِنْ بضْع عَشْرَة سَنَةً.
وَكَانَ ظَالماً مَهِيْباً، شَدِيدَ الوطْأَة.
وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُغَانَ ملكِ التُّرْك حُرُوبٌ، فَوَرِثَ أَخُوْهُ طُغَانُ مملكتَه، وَمَالأَه ابْنُ سُبُكْتِكِين، فتحركتْ جيوشُ الصينِ لِحَرْبِ طُغَانَ فِي أَزيدَ مِنْ مائَة أَلْف خركَاة، فَالتفَاهُم طُغَان، وَنَصَرَهُ الله.
وَمَاتَ بهَاءُ الدَّوْلَة أَحْمَد بن عضد الدَّوْلَة، وَتسلطن ابْنه سُلْطَان الدَّوْلَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَجَلَسَ القَادِرُ لِذَلِكَ، وَقبَّل الأَرْضَ فَخر الْملك الوَزِيْر، وَقرأَ ابْنُ حَاجِب النُّعْمَان الْعَهْد، وَعَلَّم عَلَيْهِ القَادِر، وَأُحْضرت الخِلَعُ وَالتَّاجُ وَالطَّوقُ وَالسِّوَارَانِ وَاللوَاءانِ فعقدهُمَا الخَلِيْفَةُ بِيَدِهِ، وَأَعطَى سيفاً لِلْخَادم، فَقَالَ:قَلَّدْه بِهِ فَهُوَ فَخرٌ لَهُ وَلِعَقبه، وَبُعِثَ بِذَلِكَ إِلَى شِيرَاز.
وَفِيْهَا: أَبطَلَ الحَاكِمُ المنجِّمِين مِنْ ممَالكِهِ، وَأَعتق أَكْثَر مَمَالِيْكه، وَجَعَلَ وَلِيَّ عَهْدِهِ ابْن عَمِّهِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن إِليَاس، وَأَمر بِحَبْس النِّسَاءِ فِي البُيوتِ، فَاسْتمرَّ ذَلِكَ خَمْسَة أَعْوَام، وَصلُحت سيرتُه - لاَ أَصلَحَه الله - وَمَنَعَ بِبَغْدَادَ فَخرُ الْملك مِنْ عَمَل عَاشُورَاء.
ووقعَت القُبَّة الَّتِي عَلَى صخرَة بَيْت المَقْدِس، وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين خُوَارَزم، وَوقَعَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الشِّيْعَةِ وَالسُّنَّة فِتَنٌ عُظْمَى، وَاشْتَدَّ البلاَء، وَاسْتضرت عَلَيْهِم السُّنَّة، وَقُتِلَ جَمَاعَة.
وَاستتَابَ القَادُر فُقَهَاءَ المُعْتَزِلَة، فَتبرَّؤَا مِنَ الاعتزَال وَالرَّفضِ، وَأُخذت خُطُوطهُم بِذَلِكَ.
وَتَزَوَّجَ سُلْطَان الدَّوْلَة بِبِنْت صَاحِب المَوْصِلِ قِروَاش.وَقُتِلَ الدُّرْزِيّ الَّذِي ادَّعَى ربوبيَّة الحَاكِم.
وَامتَثَل ابْنُ سُبُكْتِكِين أَمرَ القَادِر، فَبَثَّ السُّنَّة بِممَالِكه، وَتهدَّد بِقَتْلِ الرَّافِضَة وَالإِسْمَاعِيْليَّة وَالقرَامطَة، وَالمشبِّهَة وَالجَهْمِيَّة وَالمُعْتَزِلَة.
وَلُعنُوا عَلَى المنَابِرِ.
وَفِيْهَا: أَعنِي سنَة تِسْعٍ، قَدِمَ سُلْطَان الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ.
وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين عِدَّةَ مدَائِن بِالهِنْدِ.
وَوَرَدَ كِتَابهُ فَفِيْهِ: صَدَرَ العَبْدُ مِنْ غَزْنَة فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَانتُدِبَ لتنفيذِ الأَوَامرِ، فرتَّب فِي غَزْنَة خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارس، وَأَنهضَ ابْنه فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَشَحنَ بَلْخ وَطَخَارُسْتَان بِاثْنَيْ عشرَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل، وَانتَخَبَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل لصحبه رَايَة الإِسْلاَم.
وَانضمَّ إِلَيْهِ المُطَّوِّعَةُ، فَافْتَتَحَ قِلاعاً وَحُصوناً، وَأَسلم زُهَاء عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَأَدَّوْا نَحْو أَلف أَلف مِنَ الوَرِق، وَثَلاَثِيْنَ فيلاً.
وَعِدَّةُ الهَلكَى خَمْسُوْنَ أَلْفاً.
وَوَافَى العَبْدُ مَدِيْنَةً لَهُم عَاينَ فِيْهَا نَحْوَ أَلف قَصْر، وَأَلفَ بَيْتٍ لِلأَصْنَام.
وَمَبْلَغُ مَا عَلَى الصَّنَم ثَمَانيَةٌ وَتِسْعُوْنَ أَلف دِيْنَار، وَقَلَع أَزيدَ مِنْ أَلفِ صَنَمٍ. وَلهُم صنمٌ
معظَّم يُؤرخون مُدَّته بجهَالتهم بِثَلاَث مائَة أَلْف سنَة، وَحصَّلنَا مِنَ الغَنَائِم عِشْرِيْنَ أَلْف أَلف دِرْهَم، وَأَفْرَدَ الخُمْس مِنَ الرَّقيق.فَبلغ ثَلاَثَةٌ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَاسْتعرضنَا ثَلاَث مائَة وَسِتَّةً وَخَمْسِيْنَ فِيلاً.
وَنفذت مِنَ القَادِر باللهِ خِلَع السَّلْطنَة لقوَام الدَّوْلَة بولاَيَةِ كَرْمَان.
ونَاب بِدِمَشْقَ عَبْد الرَّحِيْمِ وَلِيُّ عهْدِ الحَاكِمِ.
وَقُتِلَ بِمِصْرَ الحَاكِمُ وَأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ فِي سَنَة إِحدى عَشْرَة.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَقبَلَ الْملك مشرِّف الدَّوْلَة مصعِّداً إِلَى بَغْدَادَ مِنْ نَاحِيَة وَاسِط، وَطَلَب مِنَ القَادِرِ بِاللهِ أَنْ يخرُجَ لتلقِّيه، فتلقَّاهُ فِي الطَّيَّار وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِملكٍ قَبْلَه، وَجَاءَ مَشرِّفُ الدَّوْلَة، فَصَعَدَ مِنْ زبزبه إِلَى الطَّيَّار، فَقبَّل الأَرْض، وَأُجلس عَلَى كُرْسِيّ، وَكَانَ موت مُشرِّف الدَّوْلَة بن بهَاء الدَّوْلَة فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ، فنُهِبَتْ خَزَائِنه.
وَخُطب لجلاَلِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الأُمَرَاء عَدَلُوا إِلَى الْملك أَبِي كَاليجَار، وَنوَّهوا باسمِهِ، وَكَانَ وَلِيَّ عهد أَبِيْهِ سُلْطَان الدَّوْلَةِ فَخُطِبَ لِهَذَا بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَت العَمْلاَت بِبَغْدَادَ جِدّاً، وَاسْتبَاحَ جلاَلُ الدَّوْلَةِ الأَهْوَازَ فَنَهَبَ مِنْهَا مَا قيمتُه
خَمْسَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَأُحرقت فِي أَمَاكن، وَدثرت.وَمَرِضَ القَادِرُ بِاللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَلَس لِلنَّاسِ، وَأَظهرَ وَلاَيَة الْعَهْد لوَلَده أَبِي جَعْفَرٍ.
وَكَانَ طَاغيَةُ الرُّوْم قَدْ قَصَدَ الشَّام فِي ثَلاَث مائَة أَلْف، وَمَعَهُ المَالُ عَلَى سَبْعِيْنَ جَمَّازَة، فَأَشرَفَ عَلَى عسكرِه مائَةُ فَارس مِنَ الأَعرَابِ، وَأَلفُ رَاجلٍ فَظَنُّوا أَنَّهَا كَبْسَةٌ، فَلَبِسَ ملكُهُم خُفّاً أَسوَد لكِي يختفِي، وَهَرَبَ فنُهِبَ مِنْ حوَاصِله أَرْبَع مائَة بغل بِأَحْمَالهِا.
وَقُتِلَ مِنْ جَيْشه خَلْقٌ، وَأَخَذَ البُرْجُميُّ اللِّصُّ وَأَعوَانُه العَمْلاَت وَالمخَازن الكِبَار، وَنهبَوا الأَسوَاق، وَعَمَّ البلاَء، وَخَرَجَ عَلَى جلاَل الدَّوْلَة جندُهُ لِمَنْع الأَرزَاق.
وفِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، مَاتَ القَادِرُ بِاللهِ فِي أَوَّلِ أَيَّام التَّشْريق.
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه القَائِمُ بِأَمرِ اللهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَربعاً.
وَدُفِنَ فِي الدَّارِ، ثُمَّ بَعْد عَشْرَة أَشهر نُقل تَابوتُه إِلَى الرُّصَافَة، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً سِوَى شَهْرٍ وَثَمَانيَة أَيَّام وَمَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنْ خُلفَاء هَذِهِ الأُمَّة بَلَغَ هَذَا السِّنّ، حَتَّى وَلاَ عُثْمَان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ الأَمِيْرِ إِسْحَاقَ ابنِ المقتدِرِ جَعْفَرِ بنِ المُعْتَضِدِ العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ.
وَأُمُّه اسْمُهَا: تمني.
مولده: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَتْ أمه فِي دَوْلته، وَقَدْ عَجزَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَكَانَ أَبْيَضَ كثَّ اللِّحْيَة يَخْضِبُ ديِّناً عَالِماً متعبِّداً وَقُوْراً مِنْ جِلَّة الخُلَفَاءِ وَأَمثلِهِمْ.
عَدَّه ابْنُ الصَّلاَح فِي الشَّافِعِيَّة.
تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بِشْر أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيِّ.
قَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ مِنَ الدِّين، وَإِدَامَةِ التهجُّدِ، وَكَثْرَةِ الصَّدقَاتِ عَلَى صفَةٍ اشتُهِرَتْ عَنْهُ.وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي الأُصُوْلِ، ذَكَرَ فِيْهِ فضل الصَّحَابَةِ، وَإِكفَارَ مَنْ قَالَ: بِخَلْقِ القُرْآنِ.
وَكَانَ ذَلِكَ الكِتَاب يُقرأُ فِي كُلِّ جُمُعَة فِي حَلْقَةِ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، وَيحضُرُه النَّاسُ مُدَّة خِلاَفته، وَهِيَ إِحْدَى وَأَرْبَعُوْنَ سنَةً وَثَلاَثَة أَشهر.
قُلْتُ: قَامَ بِخِلاَفته بهَاءُ الدَّوْلَةِ كَمَا تقدَّم فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ، وَاسْتقدمُوهُ مِنَ البَطَائحِ فَجَهَّزَهُ أَمِيْرُهَا مهذِّبُ الدَّوْلَةِ عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ، وَحمَّله مِنَ الآلاَتِ وَالرخت بِمَا أَمكن، وَأَعطَاهُ طَيَّاراً فَلَمَّا قَدِمَ وَاسِطَ، أَتَاهُ الأَجْنَادُ، وَطَلَبُوا رسمَ البَيْعَة، وَهَاشُوا، فوعدهُم بِالجَمِيْلِ، فرضُوا، فَكَانَ مُقَامُه بِالبَطيحَة أَزيدَ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَقَدِمَ، وَاسْتَكْتب أَبَا الفَضْل مُحَمَّد بن أَحْمَدَ عَارض الدَّيْلَم، وَجَعَلَ أُسْتَاذَ دَارِه عَبْد الوَاحِدِ الشِّيْرَازِيَّ وَحلفَ هُوَ وَبهَاء الدَّوْلَة كُلّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ ثُمَّ سَلْطنه.
وَذكر مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيُّ، أَنَّ القَادِرَ كَانَ يَلْبَسُ زيَّ العَامَّةِ، وَيَقْصِدُ الأَمَاكنَ المُبَارَكَةَ. وَطلب مِنْ أَبِي الحَسَنِ بن القَزْوِيْنِيّ
أَنْ ينفّذ لَهُ مِنْ طعَامه، فَنفَّذ باذِنجَاناً مقلُواً بخلٍّ وَبَاقِلَّى وَدِبْساً، فَأَكل مِنْهُ وَفَرَّق، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِمَائتَيْ دِيْنَار فَقبِلَها.ثُمَّ طلبَ مِنْهُ بَعْدُ طعَاماً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ زبَادِي فرَاريج وَدجَاج وَفَالوذج، فتعجَّب الخَلِيْفَةُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
لم أَتكلَّفْ، وَلَمَّا وَسِّع عَلِيّ وَسعتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعجبه، وَكَانَ يَتَفَقَّدهُ.
وعَمِلَت الرَّافِضَة عيدَ الْغدير، يَعْنِي: يَوْم المُؤَاخَاة، فثَارتِ السُّنَّةُ، وَقووا، وَخَرَّقُوا عَلَمَ السُّلْطَانِ.
وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَصُلِبَ آخرُوْنَ، فكفّوا.
وفِي هَذَا القُرب طَلَبَ أَمِيْرُ مَكَّة أَبُو الفُتُوْحِ العَلَوِيُّ الخِلاَفَةَ، وَتَسَمَّى بِالرَّاشد بِاللهِ، وَلَحِقَ بِآل جَرَّاح الطَّائِيّ بِالشَّامِ، وَمَعَهُ أَقَاربه، وَنحوٌ مِنْ أَلفِ عَبْدٍ، وَحَكَمَ بِالرَّمْلَةِ، فَانزعج العَزِيْزُ بِمِصْرَ، وَتلطَّف بِالطَّائِيين، وَبَذَلَ لَهُم الأَمْوَالَ، وَكَتَبَ بِإِمَارَةِ الحَرَمَيْنِ لاِبْنِ عَمِ الرَّاشدِ، فَوهَنَ أمْرُ الرَّاشدِ، فَأَجَارَه أَبُو حَسَّانَ الطَّائِيّ، وَتلطَّف لَهُ حَتَّى عَادَ إِلَى إِمرَة مَكَّة.
وَفِيْهَا: اسْتولَى بُزَال عَلَى دِمَشْق، وَهَزَم مُتَوَلِّيهَا منيراً.
وَنقَصَ التَّشَيُّع مِنْ بَغْدَادَ، وَاسْتضرَت الأُمَرَاءُ عَلَى بهَاءِ الدَّوْلَة، وَقهروهُ حَتَّى سَلَّم إِلَيْهِم أَبَا الحَسَنِ ابْنَ المُعَلِّم الكوكَبِي، فَخُنق، وَعَظُمَ القَحْطُ بِبَغْدَادَ.وَفِي سَنَةِ 383 تَزَوَّجَ القَادِر بِاللهِ سُكَيْنَة بنْت الْملك بهَاءِ الدَّوْلَة، وَاسْتفحل البلاَءُ بِالعَيَّارين بِبَغْدَادَ، وَلَمْ يَحجَّ أَحَدٌ مِنَ العِرَاقِ.
وَمَاتَ: فِي سَنَةِ 87 فَخرُ الدَّوْلَة عَلِيُّ بنُ ركنِ الدَّوْلَةِ بن بُوَيه بِالرَّيّ، وَوزَرَ لَهُ ابْنُ عَبَّاد.
وَكَانَ شَهْماً شُجَاعاً، كَانَ الطَّائِع قَدْ لَقبه ملك الأُمَّة عَاشَ ستاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
وَكَانَتْ دَوْلَته أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَترك أَلفِي أَلف دِيْنَار وَثَمَان مائَةِ أَلْف دِيْنَار، وَمِنَ الجَوَاهِرِ مَا قيمتُهُ ثَلاَثَة آلاَف أَلف، وَمِنْ آنيَة الذَّهبِ مَا وَزنُهُ أَلفُ أَلفٍ، وَمِنْ آنيَة الفِضَّةِ مَا وَزنه ثَلاَثَة آلاَفِ أَلفٍ، وَمِنْ فَاخر الثِّيَابِ ثَلاَثَة آلاَفِ حِمْل.
وَكَانَتْ خَزَائِنهُ عَلَى ثَلاَثَة آلاَف وَخَمْسِ مائَة جَمَل.
وفِي سَنَة ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ هَلَكَ تِسْعَة مُلُوْك: صَاحِبُ مِصْرَ العَزِيْزُ، وَصَاحِب خُرَاسَان، وَفخر الدَّوْلَة المَذْكُوْرُ، وَصَاحِب خُوَارَزْم مَأْمُوْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَصَاحِب بُسْت سُبُكْتِكيِن وَغَيْرُهُم.
وَفِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ ظَهَرَ بسِجِسْتَان معدِنُ الذَّهَب.وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ عَقَدَ القَادِرُ بولاَيَةِ العَهْدِ لابْنِهِ الغَالِبِ بِاللهِ، وَهُوَ فِي تِسْعِ سِنِيْنَ، وَعجَّل بِذَلِكَ، لأَن الخَطِيْبَ الوَاثِق سَارَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَافتعل كِتَاباً مِنَ القَادِر بِأَنَّهُ وَلِيُّ عَهْدِهِ.
وَاجْتَمَعَ ببَعْضِ المُلُوكِ فَاحْتَرَمَه، وَخطَبَ لَهُ بَعْدَ القَادِر، وَنفَّذ رَسُوْلاً إِلَى القَادِرِ بِمَا فَعَل، فَأَثْبتَ فِسْقِ الوَاثِقِيّ، وَمَاتَ غَرِيْباً.
وَكَانَ الرَّفضُ عَلاَنيَةً بِدِمَشْقَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِ مائَة.
وَلَقَدْ أَخَذَ نَائِبُهَا تمصُولُت البَرْبَرِيُّ رَجُلاً فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ فطيفَ بِهِ عَلَى حمَارٍ: هَذَا جزَاء مَنْ يُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعمرَ، ثُمَّ قُتِل.
وفِي هَذَا الْحِين ظَهَرَ أَبُو ركْوةَ الأُمَوِيُّ، وَالتفَّ عَلَيْهِ مِنَ المغَاربَة وَالعَرَب خَلْق، وَحَارَبَ وَلَعَنَ الحَاكِمَ، فَجَهَّزَ الحَاكِمُ لِحَرْبِهِ ستّةَ عشرَ أَلْفاً، فَظفِرُوا بِهِ وَقُتِلَ.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مائَة عَمِلَ ابْنُ سَهلاَن سوراً مَنِيعاً عَلَى مشهدِ عليٍّ.وَافتَتَح مَحْمُوْدُ بنُ سُبُكْتِكِين فتحاً عَظِيْماً مِنَ الهِنْد.
وفِي هَذَا الوَقْتِ انبثَّتْ دُعَاةُ الحَاكِمِ فِي الأَطرَافِ، فَأَمر القَادِرُ بِعَمَل مَحْضرٍ يتضمَّنُ القَدْحَ فِي نَسَبِ العُبَيْدِيَّة، وَأَنَّهُم منسوبُوْنَ إِلَى دَيصَان بن سَعِيْدٍ الخُرَّمِيّ، فَشَهِدُوا جَمِيْعاً أَنَّ النَّاجمَ بِمِصْرَ مَنْصُوْر بن نزَار الحَاكِم حَكَمَ الله عَلَيْهِ بِالبوَارِ، وَأَنَّ جدَّهُم لَمَّا صَارَ إِلَى الغَرْب تسمّى بِالمَهْدِيّ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ وَسَلَفُهُ أَرجَاسٌ أَنجَاسٌ خوَارجُ أَدْعيَاء، وَأَنْتُم تعلمُوْنَ أَنَّ أَحَداً مِنَ الطَّالبيين لَمْ يتوقفْ عَنْ إِطلاَقِ القَوْلِ بِأَنَّهُم أَدعيَاء، وَأَنَّ هَذَا النَّاجمَ وَسلفه كفَارٌ زَنَادقَة، وَلِمَذْهَب الثَّنَوِيَّة وَالمَجُوْسِيَّة معتقدُوْنَ، عطَّلُوا الحُدُوْدَ، وَأَباحُوا الفروجَ، وَسفكُوا الدِّمَاء، وَسبُّوا الأَنْبِيَاءَ، وَلعنُوا السَّلَفَ، وَادَّعَوُا الربوبيّة، وَكَتَبَ فِي الْمحْضر الشَّرِيْف الرَّضِيّ، وَالشَّرِيْف المُرْتَضَى، وَمُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ، وَابْن الأَزْرَق العَلَويون، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الأَكفَانِي، وَالقَاسِم أَبُو القَاسِمِ الجَزَرِيّ، وَالشَّيخ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفَرَايينِي، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الكَشْفُلِيُّ، وَأَبُو الحُسَيْنِ
القُدورِي وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ حَمَكَان.وَوَرَدَ عَلَى الخَلِيْفَة كِتَابُ مَحْمُوْد أَنَّهُ غَزَا الكُفَّارَ، وَهُم خَلْقٌ مَعَهُم سِتّ مائَة فيل، وَأَنَّهُ نُصر عَلَيْهِم.
وفِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ اسْتُبيحَ وَفْدُ العِرَاقِ، وَقلَّ مَنْ نَجَا، فيُقَال: هلكَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَتُسَمَّى وَقعَة الفرعَاء.
فَسَارَ ابْنُ مَزْيَد، وَلحِقهُم بِالبريَّة، فَقَتل مِنْهُم مَقْتَلَةً، وَأَسَر أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ كِبَارهُم، فَأُهلكُوا بِبَغْدَادَ.
وَبَعَثَ ابْنُ سُبُكْتِكِين إِلَى القَادِرِ بِأَنَّهُ وَردَ إِلَيْهِ الدَّاعِي مِنَ الحَاكِمِ يدعُوهُ إِلَى طَاعته، فَخرَّق كِتَابَهُ، وَبَصَق عَلَيْهِ.
وَمَاتَ فِي حُدُوْدِهَا أَيلَك خَانُ صَاحِبُ مَا وَرَاء النهرِ الَّذِي أَخَذ البِلاَدَ مِنْ آلِ سَامَانَ مِنْ بضْع عَشْرَة سَنَةً.
وَكَانَ ظَالماً مَهِيْباً، شَدِيدَ الوطْأَة.
وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُغَانَ ملكِ التُّرْك حُرُوبٌ، فَوَرِثَ أَخُوْهُ طُغَانُ مملكتَه، وَمَالأَه ابْنُ سُبُكْتِكِين، فتحركتْ جيوشُ الصينِ لِحَرْبِ طُغَانَ فِي أَزيدَ مِنْ مائَة أَلْف خركَاة، فَالتفَاهُم طُغَان، وَنَصَرَهُ الله.
وَمَاتَ بهَاءُ الدَّوْلَة أَحْمَد بن عضد الدَّوْلَة، وَتسلطن ابْنه سُلْطَان الدَّوْلَةِ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَجَلَسَ القَادِرُ لِذَلِكَ، وَقبَّل الأَرْضَ فَخر الْملك الوَزِيْر، وَقرأَ ابْنُ حَاجِب النُّعْمَان الْعَهْد، وَعَلَّم عَلَيْهِ القَادِر، وَأُحْضرت الخِلَعُ وَالتَّاجُ وَالطَّوقُ وَالسِّوَارَانِ وَاللوَاءانِ فعقدهُمَا الخَلِيْفَةُ بِيَدِهِ، وَأَعطَى سيفاً لِلْخَادم، فَقَالَ:قَلَّدْه بِهِ فَهُوَ فَخرٌ لَهُ وَلِعَقبه، وَبُعِثَ بِذَلِكَ إِلَى شِيرَاز.
وَفِيْهَا: أَبطَلَ الحَاكِمُ المنجِّمِين مِنْ ممَالكِهِ، وَأَعتق أَكْثَر مَمَالِيْكه، وَجَعَلَ وَلِيَّ عَهْدِهِ ابْن عَمِّهِ عَبْد الرَّحِيْمِ بن إِليَاس، وَأَمر بِحَبْس النِّسَاءِ فِي البُيوتِ، فَاسْتمرَّ ذَلِكَ خَمْسَة أَعْوَام، وَصلُحت سيرتُه - لاَ أَصلَحَه الله - وَمَنَعَ بِبَغْدَادَ فَخرُ الْملك مِنْ عَمَل عَاشُورَاء.
ووقعَت القُبَّة الَّتِي عَلَى صخرَة بَيْت المَقْدِس، وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين خُوَارَزم، وَوقَعَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ الشِّيْعَةِ وَالسُّنَّة فِتَنٌ عُظْمَى، وَاشْتَدَّ البلاَء، وَاسْتضرت عَلَيْهِم السُّنَّة، وَقُتِلَ جَمَاعَة.
وَاستتَابَ القَادُر فُقَهَاءَ المُعْتَزِلَة، فَتبرَّؤَا مِنَ الاعتزَال وَالرَّفضِ، وَأُخذت خُطُوطهُم بِذَلِكَ.
وَتَزَوَّجَ سُلْطَان الدَّوْلَة بِبِنْت صَاحِب المَوْصِلِ قِروَاش.وَقُتِلَ الدُّرْزِيّ الَّذِي ادَّعَى ربوبيَّة الحَاكِم.
وَامتَثَل ابْنُ سُبُكْتِكِين أَمرَ القَادِر، فَبَثَّ السُّنَّة بِممَالِكه، وَتهدَّد بِقَتْلِ الرَّافِضَة وَالإِسْمَاعِيْليَّة وَالقرَامطَة، وَالمشبِّهَة وَالجَهْمِيَّة وَالمُعْتَزِلَة.
وَلُعنُوا عَلَى المنَابِرِ.
وَفِيْهَا: أَعنِي سنَة تِسْعٍ، قَدِمَ سُلْطَان الدَّوْلَةِ بَغْدَادَ.
وَافتَتَح ابْنُ سُبُكْتِكِين عِدَّةَ مدَائِن بِالهِنْدِ.
وَوَرَدَ كِتَابهُ فَفِيْهِ: صَدَرَ العَبْدُ مِنْ غَزْنَة فِي أَوَّلِ سَنَةِ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَانتُدِبَ لتنفيذِ الأَوَامرِ، فرتَّب فِي غَزْنَة خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف فَارس، وَأَنهضَ ابْنه فِي عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَشَحنَ بَلْخ وَطَخَارُسْتَان بِاثْنَيْ عشرَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل، وَانتَخَبَ ثَلاَثِيْنَ أَلف فَارس، وَعشرَة آلاَف رَاجل لصحبه رَايَة الإِسْلاَم.
وَانضمَّ إِلَيْهِ المُطَّوِّعَةُ، فَافْتَتَحَ قِلاعاً وَحُصوناً، وَأَسلم زُهَاء عِشْرِيْنَ أَلْفاً، وَأَدَّوْا نَحْو أَلف أَلف مِنَ الوَرِق، وَثَلاَثِيْنَ فيلاً.
وَعِدَّةُ الهَلكَى خَمْسُوْنَ أَلْفاً.
وَوَافَى العَبْدُ مَدِيْنَةً لَهُم عَاينَ فِيْهَا نَحْوَ أَلف قَصْر، وَأَلفَ بَيْتٍ لِلأَصْنَام.
وَمَبْلَغُ مَا عَلَى الصَّنَم ثَمَانيَةٌ وَتِسْعُوْنَ أَلف دِيْنَار، وَقَلَع أَزيدَ مِنْ أَلفِ صَنَمٍ. وَلهُم صنمٌ
معظَّم يُؤرخون مُدَّته بجهَالتهم بِثَلاَث مائَة أَلْف سنَة، وَحصَّلنَا مِنَ الغَنَائِم عِشْرِيْنَ أَلْف أَلف دِرْهَم، وَأَفْرَدَ الخُمْس مِنَ الرَّقيق.فَبلغ ثَلاَثَةٌ وَخَمْسِيْنَ أَلْفاً، وَاسْتعرضنَا ثَلاَث مائَة وَسِتَّةً وَخَمْسِيْنَ فِيلاً.
وَنفذت مِنَ القَادِر باللهِ خِلَع السَّلْطنَة لقوَام الدَّوْلَة بولاَيَةِ كَرْمَان.
ونَاب بِدِمَشْقَ عَبْد الرَّحِيْمِ وَلِيُّ عهْدِ الحَاكِمِ.
وَقُتِلَ بِمِصْرَ الحَاكِمُ وَأَرَاحَ اللهُ مِنْهُ فِي سَنَة إِحدى عَشْرَة.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ أَقبَلَ الْملك مشرِّف الدَّوْلَة مصعِّداً إِلَى بَغْدَادَ مِنْ نَاحِيَة وَاسِط، وَطَلَب مِنَ القَادِرِ بِاللهِ أَنْ يخرُجَ لتلقِّيه، فتلقَّاهُ فِي الطَّيَّار وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِملكٍ قَبْلَه، وَجَاءَ مَشرِّفُ الدَّوْلَة، فَصَعَدَ مِنْ زبزبه إِلَى الطَّيَّار، فَقبَّل الأَرْض، وَأُجلس عَلَى كُرْسِيّ، وَكَانَ موت مُشرِّف الدَّوْلَة بن بهَاء الدَّوْلَة فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ، فنُهِبَتْ خَزَائِنه.
وَخُطب لجلاَلِ الدَّوْلَةِ، ثُمَّ إِنَّ الأُمَرَاء عَدَلُوا إِلَى الْملك أَبِي كَاليجَار، وَنوَّهوا باسمِهِ، وَكَانَ وَلِيَّ عهد أَبِيْهِ سُلْطَان الدَّوْلَةِ فَخُطِبَ لِهَذَا بِبَغْدَادَ، وَكَثُرَت العَمْلاَت بِبَغْدَادَ جِدّاً، وَاسْتبَاحَ جلاَلُ الدَّوْلَةِ الأَهْوَازَ فَنَهَبَ مِنْهَا مَا قيمتُه
خَمْسَة آلاَف أَلف دِيْنَار، وَأُحرقت فِي أَمَاكن، وَدثرت.وَمَرِضَ القَادِرُ بِاللهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ، ثُمَّ جَلَس لِلنَّاسِ، وَأَظهرَ وَلاَيَة الْعَهْد لوَلَده أَبِي جَعْفَرٍ.
وَكَانَ طَاغيَةُ الرُّوْم قَدْ قَصَدَ الشَّام فِي ثَلاَث مائَة أَلْف، وَمَعَهُ المَالُ عَلَى سَبْعِيْنَ جَمَّازَة، فَأَشرَفَ عَلَى عسكرِه مائَةُ فَارس مِنَ الأَعرَابِ، وَأَلفُ رَاجلٍ فَظَنُّوا أَنَّهَا كَبْسَةٌ، فَلَبِسَ ملكُهُم خُفّاً أَسوَد لكِي يختفِي، وَهَرَبَ فنُهِبَ مِنْ حوَاصِله أَرْبَع مائَة بغل بِأَحْمَالهِا.
وَقُتِلَ مِنْ جَيْشه خَلْقٌ، وَأَخَذَ البُرْجُميُّ اللِّصُّ وَأَعوَانُه العَمْلاَت وَالمخَازن الكِبَار، وَنهبَوا الأَسوَاق، وَعَمَّ البلاَء، وَخَرَجَ عَلَى جلاَل الدَّوْلَة جندُهُ لِمَنْع الأَرزَاق.
وفِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَة اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، مَاتَ القَادِرُ بِاللهِ فِي أَوَّلِ أَيَّام التَّشْريق.
وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُه القَائِمُ بِأَمرِ اللهِ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَربعاً.
وَدُفِنَ فِي الدَّارِ، ثُمَّ بَعْد عَشْرَة أَشهر نُقل تَابوتُه إِلَى الرُّصَافَة، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً سِوَى شَهْرٍ وَثَمَانيَة أَيَّام وَمَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنْ خُلفَاء هَذِهِ الأُمَّة بَلَغَ هَذَا السِّنّ، حَتَّى وَلاَ عُثْمَان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.