Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150244#30c6c6
أيوب بن يزيد بن قيس
ابن زرارة بن سلمة بن حنتم بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد بن مناة بن عوف بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، ويعرف بابن القرية النمري.
والقرية التي نسب إليها هي: خماعة بنت جشم بن ربيعة بن زيد مناة.
تزوجها مالك بن عمرو، فولدت له حنتم بن مالك.
وفد على عبد الملك بن مروان.
وصحب أيوب بن قرية بن مروان والحجاج بن يوسف.
يضرب به المثل في الفصاحة.
وكان أيوب خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج بن يوسف.
وبعض الناس ينفيه ويقول لم يكن.
قال الأصمعي: وأربعة لم يلحنوا في جدٍّ ولا هزل: الشعبي، وعبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف، وابن القرية.
والحجاج أفصحهم.
وسأل الحجاج ابن القرية عن الصبر؟ فقال: كظم ما يغيظك واحتمال ما ينوبك.
وقال الحجاج لابن القرية: ما الإرب؟ قال: الصبر على كظم الغيظ حتى تمكنك الفرصة.
قال أيوب بن القرية: الرجال ثلاثة: عاقل وأحمق وفاجر، فالعاقل إن تكلم أجاد، وإن سمع وعى، وإن نطق نطق بالصواب، والأحمق إن تكلم عجل، وإن حدث ذهل، وإن حمل على القبيح فعل.
والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حادثته شانك.
وفي حديث آخر: وإن استكتمته سراً لم يكتمه عليك.
قال الجاحظ:
سأل الحجاج ابن القرية عن أضيع الأشياء؟ فقال: سراج في شمس، ومطر في سبخة، وبكر تزف إلى عنين، وطعام متأنق فيه عند سكران ومعروف عند غير أهله.
وفي رواية: وامرأة حسناء تزف إلى أعمى، وطعام طيب يهيأ لشبعان، وصنيعةٌ عند من لا يشكرها.
قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني: وجه الحجاج بن يوسف أيوب بن القرية إلى عبد الرحمن بن الأشعث عيناً عليه بسجستان، فلم يلبث أن غمز به، فأدخل على عبد الرحمن.
فقال له: مرحباً بالموصوف عندنا بتزين البلاغة.
أأنت ابن القرية؟ قال: نعم. أصلح الله الأمير، فقال له عبد الرحمن: أخبرني عن أمر.
قال: يسأل الأمير عما أحب.
قال: أخبرني عن الحجاج ما أمره لديك؟ أعلى محجة القصد أم في مجانبة الرشد؟ قال: أسألك الأمان قبل البيان، قال: لك الأمان.
قال: إن الحجاج على احتجاج في قصد المنهاج يمنح الظفر ويجتنب الكدر، لا تفظعه الأمور، وليس فيها بعثور، في النعماء شكور، وفي الضراء صبور فإنهاك أن تقاوله، وأعيذك بالله أن تطاوله، وهو على تربة
العدل لا تزل به النعل، ولا يعرنك الجبن ولك الحق، فإنكم خير داعية وأوثق، قال له عبد الرحمن: كذبت يا عدو الله، والله لأقتلنك، قال: فأين اللعان قال: وكيف الاقان لمن كذب وفجر والله لاقتلنك أو لتظاهرني عليه.
قال له: أصلح الله الأمير.
إنما أنا رسول.
قال: هو ما أقول لك، فلما رأى أنه غير منتهٍ عنه تابعه وأقام معه يصدر له كتبه إلى الحجاج.
فجمع له عبد الرحمن الناس فأصعده على المنبر، فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إن الأمر الذي يدعوكم الحجاج إليه لم ينزل من السماء، ولم تقم به الخطباء ولم تسنه الأنبياء، ولم تصدر به إلينا من قبله كتب.
ثم نزل، فلم يلبث أن قتل عبد الرحمن وهزم الحجاج الناس، فبعث في طلب الفار، فأتي بابن القرية أسيراً، فلقيه عنبسة بن سعيد، فقال له: أيوب! قال: أيوب، فما وراءك؟ قال: ورائي أنك مقتول، قال: كلا.
إني قد أعددت للأمير كلمات صغاراً صلاباً كركب وقف قد قضين من حاجة وطراً، وقد استقبلن سفراً، قال: هو ما أقول لك.
فلما أدخل على الحجاج تجاهل عليه.
فقال: من أنت؟ قال: أنا أيوب.
قال: يا أيوب ألم تكن في خمول من الدعة، وعدمٍ من المال، وكدرٍ من العيش، وتضعضعٍ من الهيئة، ويأسٍ من بلوغ ما بلغت، فوليتك ولاية الوالد ولم أكن لك والداً، ووليتك ولاية الراجي عندك الخير ولم أرج عندك خيراً، ووليتك ولاية الجاري باليد ولم يكن عندي يد، وأجرتك بها ثم قمت عند عبد الرحمن فقلت: إن الأمر الذي يدعوكم إليه الحجاج لم ينزل من السماء ولم ولم، والله لتعلمنّ يا بن القرية أن قتلك قد نزل من السماء.
قال له: أصلح الله الأمير.
إني قد أتيت إنساناً في مسك شيطان يتهددني بتخونه ويقهرني بسلطانه، فنطق اللسان بغير ما في القلب، والنصيحة لك ثابتة، والمودة لك باقية.
قال: صدقت يا عدو الله، فلم كنت كاذباً وكان قلبك منافقاً وأردت كتمان ما كان الله معلنه منك، وإخفاء ما كان الله يعلمه من سريرتك، وكيف علمك بالأرض؟ قال: علمي بها كعلمي ببيتي، قال: فأخبرني عن الهند.
قال: بحرها درٌ، وترابها مسك، وحطبها عود، وورقها عطر.
قال: فأخبرني عن مكة.
قال: تمرها دقل، ولصها بطل، إن كثر الجند بها جاعوا: وإن قلوا
بها ضاعوا.
قال: فأخبرني عن عمان.
قال: حرها شديد، وصيدها عتيد، يشدون الجلوف وينزلون الطفوف، وكأنهم بهائم ليس لهم راع، قال فأخبرني عن اليمامة. قال: أهل جفاء وطيرة ونكد قال: فأخبرني عن البصرة.
قال: ماؤها مالح، وشربها سانح، مأوى كل تاجر، وطريق كل عابر.
قال: فأخبرني عن واسط.
قال: جنة بين حماةٍ وكنة.
قال: وما حماتها وما كنتها؟ قال: البصرة والكوفة، ودجلة والفرات يحقران شأنها وينقصان الخير عنها.
قال: فأخبرني عن الكوفة.
قال: ارتفعت عن البحر، وسفلت عن الشام، فطاب ليلها، وكثر خيرها.
قال: فأخبرني عن المدينة.
قال: رسخ العلم فيها ووضح، وسناؤها قد طفح.
قال: فأخبرني عن مكة.
قال: رجالها علماء وفيهم جفاء، ونساؤها كساةٌ كعراة.
قال: فأخبرني عن اليمن.
قال: أصل العرب.
وأهل بيوتات الحسب.
قال: فأخبرني عن مصر.
قال: عروس نسوة، كلهن يزفها.
قال: وما ذاك بها؟ قال: فيها الثياب وإليها الأموال.
قال: فأمر به فحبس عشراً، ثم أخرجه يوم العيد، فأقعده إلى جانب المنبر، ثم صعد الحجاج فخطب الناس ونزل، ثم دعا به والناس مجتمعون على الموائد، فكفوا عن الطعام، وأقبلوا يستمعون ما يكون من محاورتهما.
فقال له الحجاج: يا بن القرية.
كيف رأيت خطبتي؟ قال: أصلح الله الأمير، أنت أخطب العرب.
قال: عزمت عليك إلا صدقتني.
قال: تكثر الرد، وتشير باليد، وتقول أما بعد.
قال له: ويلك! أو ما تستعين أنت بيدك في كلامك؟ قال: لا أصل كلامي بيدي حتى يضيق علي لحدي يوم أقضي نحبي.
قال: علمت أني قاتلك؟ قال: ليستبقني الأمير أكن له كما كنت عليه قبل أنا في طاعته أشد مبالغة وفي مناصحته أشد نصرة، قال له: هيهات، هيهات، كذبت نفسك، وساء ظنك، وطال أملك، وكان أملك مع سوء عملك الموت قبل ذلك ثم دعا بحربة فجمع بها يده ثم هزها، فجزع أيوب من ذلك جزعاً شديداً.
فقال: أصلح الله الأمير، دعني أتكلم بكلمات صعاب صلاب كركب وقف قد قضين من حاجة وطراً، وقد استقبلن سفراً، يكن مثلاً بعدي.
قال: هاتهن إنهن لن ينجيك مني.
قال: أصلح الله الأمير.
إن
لكل جواد عثرة، ولكل شجاع سهوة ولكل صارم نبوة، ولكل حليم زلة، ولكل مذنب توبة قال: لا نقيلك عثرتك، ولا تقبل توبتك، ولا يغفر ذنبك.
قال: أصغني سمعك.
قال: قد أصغيتك سمعي.
وأقبلت عليك وأنا ممضٍ فيك أمري.
قال: أصلح الله الأمير، أنت منهج السالكين، غليظ على الكافرين، رؤوف بالمؤمنين، تام السلاح، كامل الحلم، راسخ العلم، فكن كما قال الأخطل.
قال: وما قال؟ قال: قال: " من البسيط "
شمس العداوة حتى يستقاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا
قال: ليس هذا حين المزاح، اليوم أروي من دمك السلاح.
قال له: قد قال الله عز وجل: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " قال: فأطرق طويلاً ثم قال له: أخبرني بأصدق بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول: " من الطويل "
وما حملت من ناقةٍ فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمةً من محمد
ولا فقد الماضون مثل محمد ... ولا مثله حتى القيامة يفقد
قال: صدقت.
فرجا أيوب أن يكون له عنده فرج.
قال: أخبرني بأشكل بيت قاله الشاعر فأنشأ يقول:
حبذا رجعها يديها إليها ... في يدي درعها تحل الإزارا
ثم قال: أخبرني بأسير بيت قاله الشاعر.
قال:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
قال: فأخبرني بأكرم بيت قاله الشاعر.
قال: " من الوافر "
وكنا الأيمنين إذا التقينا ... وكان الأيسرين بنو أبينا
فصالوا صولةً فيمن يليهم ... وصلنا صولةً فيمن يلينا
فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا
فقال له: كذبت يا بن اللخناء، بل كنتم ألأم وأوضع، ثم رفع القناة فوضعها بين ثندوتة، ثم غمزها حتى طلع الدم، ثم قال: هكذا يقتل اللئيم يا بن اللخناء، ثم قال: ارفعوه فرفعوه، فجعل يقول: ثكلتك أمك يا بن القرية لقد فات منك كلام كثير، ومنطق بليغ، لله درك ودرايتك.
قيل: قتل الحجاج ابن القرية سنة أربع وثمانين.