الحسن بن عثمان بن حماد بن حسّان
ابن عبد الرحمن بن يزيد أبو حسان الزيادي البغدادي القاضي سمع بدمشق.
حدث عن سعيد بن زكريا المدائني بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن تركها كان أوفى لدينه وعرضه، ومن قارفها كان كالمرتعي إلى جانب الحمى، يوشك أن يقع فيه.
وحدث الحسن بن عثمان الزيادي عن شعيب بن صفوان بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان في بني إسرائيل جدي ترضعه أمه فترويه، فأفلت فارتضع الغنم ثم لم يشبع، قال: فأوحي إليهم، أو إلى رجل منهم أن مثل هذا كمثل قوم يأتون من بعدكم، يعطى الرجل منهم ما يكفي الأمة والقبيلة، ثم لا يشبع.
كان أبو حسان الزيادي أحد العلماء الأفاضل، من أهل المعرفة والثقة والأمانة، صالحاً، ديّناً، له معرفة بأيام الناس، وله تاريخ حسن، وكان كريماً واسعاً مفضالاً.
قال ابن أبي الدنيا: كنت في الجسر واقفاً وقد حضر أبو حسان الزّيادي القاضي، وقد وجه إليه المتوكل من سرّ من رأى بسياط جدد في منديل دبيقي مختومة، وأمره أن يضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم - وقيل أحمد بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم - ألف سوط، لأنه شهد عليه الثقات وأهل السّتر أنه شتم أبا بكر وعمر وقذف عائشة، فلم ينكر ذلك، ولم يتب، وكانت السياط بثمارها، فجعل يضرب بحضرة القاضي وأصحاب السوط قيام، فقال: أيها القاضي، قتلتني. فقال له أبو حسان: قتلك الحق، لقذفك زوجة الرسول، ولشتمك الخلفاء الراشدين المهديين. وقيل: لما ضرب ترك في الشمس حتى مات، ثم رمي به في دجلة.
قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأى رب العزة تبارك وتعالى في النوم، قال: فلقيته، فقلت: بالذي أراك ما أراك إلاّ حدثتني بالرؤيا. قال: نعم. رأيت نوراً عظيماً لا أحسن أصفه، ورأيت فيه شخصاً يخيل إلي أنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يشفع إلى ربه في رجل من أمته، وسمعت قائلاً يقول: ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد: " وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " ثم انتبهت.
قال أبو حسان الزيادي: ضقت ضيقة بلغت فيها إلى الغاية حتى ألحّ علي القصّاب والبقال والخباز وسائر المعاملين، ولم تبق لي حيلة. فإني على تلك الحال وأنا مفكر في الحيلة إذ دخل علي الغلام فقال حاجيّ بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له، فدخل الخراساني فسلم وقال: ألست أبا حسان؟ قلت: نعم، فما حاجتك؟ قال: أنا رجل غريب وأريد الحج، ومعي عشرة آلاف درهم، واحتجت أن تكون قبلك إلى أن أقضي حجي وأرجع. فقلت: هاتها. فأحضرها، وخرج بعد أن وزنها وختمها. فلما خرج فككت الخاتم على المكان، ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل من له عليّ دين واتسعت وأنفقت وقلت: أضمن هذا المال للخراساني فإلى أن يجيء قد أتى الله عزّ وجلّ بفرج من عنده. فكنت يومي ذلك في سعة، وأنا لا أشك في خروج الخراساني. فلما أصبحت من غد ذلك اليوم، دخل إلي الغلام فقال: الخراساني الحاج بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له فدخل، فقال: إني كنت عازماً على ما أعلمتك، ثم ورد علي الخبر بوفاة والدي، وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي، فتأمر لي بالمال الذي أعطيتك أمس. فورد علي أمر لم يرد علي مثله قط، فلم أدر بما أجيبه، وتحيرت وفكرت وقلت: ماذا أقول للرجل؟ ثم قلت له: نعم، عافاك الله، منزلي هذا ليس بالحريز، ولما أخذت مالك وجهت به إلى من هو قبله، فتعود في غد فتأخذه، فانصرف وبقيت متحيراً، لا أدري ما اعمل، إن جحدته قدمني واستحلفني،
وكانت الفضيحة في الدنيا والآخرة والهتك، وإن دافعته صاح وهتكني وغلظ الأمر عليّ جداً. وأدركني الليل وفكرت في بكور الخراساني إلي فلم يأخذني النوم، ولا قدرت على الغمض فقمت إلى الغلام فقلت: أسرج البغلة فقال: يا مولاي، هذه العتمة بعد، وما مضى من الليل شيء! فإلى أين تمضي؟ فرجعت إلى فراشي فإذا النوم ممتنع، فلم أزل أقوم إلى الغلام، وهو يردني، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، وأنا لا يأخذني القرار.
وطلع الفجر فأسرج البغلة وركبت، وأنا لا أدري أين أتوجه؟ وطرحت عنان البغلة، وأقبلت أفكر وهي تسير، حتى بلغت الجسر فعدلت بي إليه، فتركتها فعبرت ثم قلت: إلى أين أعبر؟ وإلى أين أمضي؟ ولكن إن رجعت وجدت الخراساني على بابي، أدعها تمضي حيث شاءت. فلما عبرت الجسر، أخذت بي يمنة نحو دار المأمون، فتركتها إلى أن قاربت باب المأمون، والدنيا بعد مظلمة، فإذا فارس يلقاني فنظر في وجهي، ثم سار وتركني، ثم رجع إلي فقال: ألست بأبي حسان الزيادي؟ قلت: بلى. قال: أجب الأمير الحسن بن سهل. فقلت في نفسي: وما يريد الحسن بن سهل مني؟ ثم سرت معه حتى حضرنا إلى بابه، واستأذن لي عليه فدخلت، فقال: أبا حسان، ما خبرك؟ وكيف حالك؟ ولم انقطعت عنا؟ فقلت: لأسباب. وذهبت لأعتذر. فقال: دع هذا عنك، أنت في لوثة، أو في أمر، فما هو؟ فإني رأيتك البارحة في النوم في تخليط كثير. فابتدأت فشرحت له قصتي من أولها إلى أن لقيني صاحبه ودخلت عليه. فقال لي: لا يغمّك الله يا أبا حسان، قد فرّج الله عنك، هذه بدرة للخراساني مكان بدرته، وبدرة أخرى لك تتسع بها، وإذا نفدت أعلمتنا. فرجعت من مكاني فقضيت الخراساني واتسعت، وفرج الله عزّ وجلّ، وله الحمد.
قال يعقوب بن شيبة: أظل عيد من الأعياد رجلاً يومى إليّ أنه من أهل عصره، وعنده مئة دينار لا يملك سواها، فكتب إليه أخ من إخوانه يقول له: قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ونستدعي منه ماننفقه. فجعل المئة دينار في صرة، وختمها وأنفذها إليه، فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيراً، حتى وردت عليه رقعة من أخ من إخوانه يذكر إضاقته في العيد، ويستدعي منه مثلما استدعاه هو، فوجه بالصرة إليه بختمها، وبقي الأول لا شيء
عنده، فكتب إلى صديق له وهو الثالث الذي صارت الدنانير إليه، يذكر حاله ويستدعي منه ما ينفقه في العيد، فأنفذ إليه الصرة بخاتمها. فلما عادت إليه صرته التي أنفذها بحالها، ركب إليه ومعه الصرة وقال له: ما شأن هذه الصرة التي أنفذتها إلي؟ فقال له: إنه أظلنا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا أستدعي منهما ننفقه فأنفذ إلي هذه الصرة. فلما وردت رقعتك علي أنفذتها إليك، فقال: لتقم بنا إليه، فركبا جميعاً إلى الثاني ومعهما الصرة، فتفاوضوا الحديث، ثم فتحوها واقتسموها أثلاثاً. قال: والثلاثة: يعقوب بن شيبة، وأبو حسان الزيادي القاضي، وأنسي الثالث.
مات أبو حسان الزيادي في رجب سنة اثنتين وأربعين ومئتين، وله تسع وثمانون سنة.
ابن عبد الرحمن بن يزيد أبو حسان الزيادي البغدادي القاضي سمع بدمشق.
حدث عن سعيد بن زكريا المدائني بسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات، فمن تركها كان أوفى لدينه وعرضه، ومن قارفها كان كالمرتعي إلى جانب الحمى، يوشك أن يقع فيه.
وحدث الحسن بن عثمان الزيادي عن شعيب بن صفوان بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان في بني إسرائيل جدي ترضعه أمه فترويه، فأفلت فارتضع الغنم ثم لم يشبع، قال: فأوحي إليهم، أو إلى رجل منهم أن مثل هذا كمثل قوم يأتون من بعدكم، يعطى الرجل منهم ما يكفي الأمة والقبيلة، ثم لا يشبع.
كان أبو حسان الزيادي أحد العلماء الأفاضل، من أهل المعرفة والثقة والأمانة، صالحاً، ديّناً، له معرفة بأيام الناس، وله تاريخ حسن، وكان كريماً واسعاً مفضالاً.
قال ابن أبي الدنيا: كنت في الجسر واقفاً وقد حضر أبو حسان الزّيادي القاضي، وقد وجه إليه المتوكل من سرّ من رأى بسياط جدد في منديل دبيقي مختومة، وأمره أن يضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم - وقيل أحمد بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم - ألف سوط، لأنه شهد عليه الثقات وأهل السّتر أنه شتم أبا بكر وعمر وقذف عائشة، فلم ينكر ذلك، ولم يتب، وكانت السياط بثمارها، فجعل يضرب بحضرة القاضي وأصحاب السوط قيام، فقال: أيها القاضي، قتلتني. فقال له أبو حسان: قتلك الحق، لقذفك زوجة الرسول، ولشتمك الخلفاء الراشدين المهديين. وقيل: لما ضرب ترك في الشمس حتى مات، ثم رمي به في دجلة.
قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأى رب العزة تبارك وتعالى في النوم، قال: فلقيته، فقلت: بالذي أراك ما أراك إلاّ حدثتني بالرؤيا. قال: نعم. رأيت نوراً عظيماً لا أحسن أصفه، ورأيت فيه شخصاً يخيل إلي أنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يشفع إلى ربه في رجل من أمته، وسمعت قائلاً يقول: ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد: " وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " ثم انتبهت.
قال أبو حسان الزيادي: ضقت ضيقة بلغت فيها إلى الغاية حتى ألحّ علي القصّاب والبقال والخباز وسائر المعاملين، ولم تبق لي حيلة. فإني على تلك الحال وأنا مفكر في الحيلة إذ دخل علي الغلام فقال حاجيّ بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له، فدخل الخراساني فسلم وقال: ألست أبا حسان؟ قلت: نعم، فما حاجتك؟ قال: أنا رجل غريب وأريد الحج، ومعي عشرة آلاف درهم، واحتجت أن تكون قبلك إلى أن أقضي حجي وأرجع. فقلت: هاتها. فأحضرها، وخرج بعد أن وزنها وختمها. فلما خرج فككت الخاتم على المكان، ثم أحضرت المعاملين فقضيت كل من له عليّ دين واتسعت وأنفقت وقلت: أضمن هذا المال للخراساني فإلى أن يجيء قد أتى الله عزّ وجلّ بفرج من عنده. فكنت يومي ذلك في سعة، وأنا لا أشك في خروج الخراساني. فلما أصبحت من غد ذلك اليوم، دخل إلي الغلام فقال: الخراساني الحاج بالباب يستأذن، فقلت: ائذن له فدخل، فقال: إني كنت عازماً على ما أعلمتك، ثم ورد علي الخبر بوفاة والدي، وقد عزمت على الرجوع إلى بلدي، فتأمر لي بالمال الذي أعطيتك أمس. فورد علي أمر لم يرد علي مثله قط، فلم أدر بما أجيبه، وتحيرت وفكرت وقلت: ماذا أقول للرجل؟ ثم قلت له: نعم، عافاك الله، منزلي هذا ليس بالحريز، ولما أخذت مالك وجهت به إلى من هو قبله، فتعود في غد فتأخذه، فانصرف وبقيت متحيراً، لا أدري ما اعمل، إن جحدته قدمني واستحلفني،
وكانت الفضيحة في الدنيا والآخرة والهتك، وإن دافعته صاح وهتكني وغلظ الأمر عليّ جداً. وأدركني الليل وفكرت في بكور الخراساني إلي فلم يأخذني النوم، ولا قدرت على الغمض فقمت إلى الغلام فقلت: أسرج البغلة فقال: يا مولاي، هذه العتمة بعد، وما مضى من الليل شيء! فإلى أين تمضي؟ فرجعت إلى فراشي فإذا النوم ممتنع، فلم أزل أقوم إلى الغلام، وهو يردني، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات، وأنا لا يأخذني القرار.
وطلع الفجر فأسرج البغلة وركبت، وأنا لا أدري أين أتوجه؟ وطرحت عنان البغلة، وأقبلت أفكر وهي تسير، حتى بلغت الجسر فعدلت بي إليه، فتركتها فعبرت ثم قلت: إلى أين أعبر؟ وإلى أين أمضي؟ ولكن إن رجعت وجدت الخراساني على بابي، أدعها تمضي حيث شاءت. فلما عبرت الجسر، أخذت بي يمنة نحو دار المأمون، فتركتها إلى أن قاربت باب المأمون، والدنيا بعد مظلمة، فإذا فارس يلقاني فنظر في وجهي، ثم سار وتركني، ثم رجع إلي فقال: ألست بأبي حسان الزيادي؟ قلت: بلى. قال: أجب الأمير الحسن بن سهل. فقلت في نفسي: وما يريد الحسن بن سهل مني؟ ثم سرت معه حتى حضرنا إلى بابه، واستأذن لي عليه فدخلت، فقال: أبا حسان، ما خبرك؟ وكيف حالك؟ ولم انقطعت عنا؟ فقلت: لأسباب. وذهبت لأعتذر. فقال: دع هذا عنك، أنت في لوثة، أو في أمر، فما هو؟ فإني رأيتك البارحة في النوم في تخليط كثير. فابتدأت فشرحت له قصتي من أولها إلى أن لقيني صاحبه ودخلت عليه. فقال لي: لا يغمّك الله يا أبا حسان، قد فرّج الله عنك، هذه بدرة للخراساني مكان بدرته، وبدرة أخرى لك تتسع بها، وإذا نفدت أعلمتنا. فرجعت من مكاني فقضيت الخراساني واتسعت، وفرج الله عزّ وجلّ، وله الحمد.
قال يعقوب بن شيبة: أظل عيد من الأعياد رجلاً يومى إليّ أنه من أهل عصره، وعنده مئة دينار لا يملك سواها، فكتب إليه أخ من إخوانه يقول له: قد أظلنا هذا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، ونستدعي منه ماننفقه. فجعل المئة دينار في صرة، وختمها وأنفذها إليه، فلم تلبث الصرة عند الرجل إلا يسيراً، حتى وردت عليه رقعة من أخ من إخوانه يذكر إضاقته في العيد، ويستدعي منه مثلما استدعاه هو، فوجه بالصرة إليه بختمها، وبقي الأول لا شيء
عنده، فكتب إلى صديق له وهو الثالث الذي صارت الدنانير إليه، يذكر حاله ويستدعي منه ما ينفقه في العيد، فأنفذ إليه الصرة بخاتمها. فلما عادت إليه صرته التي أنفذها بحالها، ركب إليه ومعه الصرة وقال له: ما شأن هذه الصرة التي أنفذتها إلي؟ فقال له: إنه أظلنا العيد ولا شيء عندنا ننفقه على الصبيان، فكتبت إلى فلان أخينا أستدعي منهما ننفقه فأنفذ إلي هذه الصرة. فلما وردت رقعتك علي أنفذتها إليك، فقال: لتقم بنا إليه، فركبا جميعاً إلى الثاني ومعهما الصرة، فتفاوضوا الحديث، ثم فتحوها واقتسموها أثلاثاً. قال: والثلاثة: يعقوب بن شيبة، وأبو حسان الزيادي القاضي، وأنسي الثالث.
مات أبو حسان الزيادي في رجب سنة اثنتين وأربعين ومئتين، وله تسع وثمانون سنة.