الجنيد بن مُحَمَّدِ بْنِ الجنيد، أَبُو الْقَاسِمِ الخزاز، ويقال: القواريري :
وقيل: كان أبوه قواريريا، وكان هو خزازا، وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد وسمع بها الحديث، ولقي العلماء. ودرس الفقه عَلَى أَبِي ثور، وصحب جماعة من الصالحين، واشتهر منهم بصحبة الحارث المحاسبي، وسرى السّقطيّ، ثم اشتغل
بالعبادة ولازمها حتى علت سنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره فِي علم الأحوال والكلام عَلَى لسان الصوفية، وطريقة الوعظ، وله أخبار مشهورة وكرامات مأثورة.
وأسند الحديث عَنِ الْحَسَن بن عرفة.
أَخْبَرَنِي أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ- قِرَاءَةً- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن مقبل البغدادي حدّثنا جعفر بن محمّد الخلدي حَدَّثَنَا الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عرفة.
وأخبرني الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عبد الله بن عثمان الصّفّار حدّثنا ابن مخلد حدّثنا الحسن بن عرفة حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ربه» ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
[الحجر 75]
. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ:
سألت أبا القاسم النصرآباذي قُلْتُ لَهُ: الجنيد كان من أهل بغداد؟ قَالَ: هو بغدادي المنشأ والمولد، ولكني سمعت مشايخنا ببغداد يقولون: كان أصله من نهاوند قديما.
أخبرنا الأزهري أخبرنا أحمد بن موسى القرشيّ.
وأخبرنا الجوهريّ أخبرنا محمّد بن العبّاس قالا: حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمّد ابن عُبَيْد اللَّهِ المنادي قَالَ: كان الجنيد بن مُحَمَّدِ بْنِ الجنيد قد سمع الحديث الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورزق من الذكاء وصواب الجوابات فِي فنون العلم ما لم ير فِي زمانه مثله، عند أحد من قرنائه، ولا ممن أرفع سنا منه، ممن كان ينسب منهم إِلَى العلم الباطن والعلم الظاهر، فِي عفاف وعزوف عَنِ الدنيا وأبنائها، لقد قيل لي: إِنَّهُ قَالَ ذات يوم: كنت أفتي فِي حلقة أَبِي ثور الكلبي الفقيه ولي عشرون سنة.
أخبرنا إِسْمَاعِيل بن أحمد الحيري أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين النيسابوري قَالَ:
سمعتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا يقول سمعت أَحْمَد بن عطاء الصوفي يقول: كان الجنيد يتفقه لأبي ثور، ويفتي فِي حلقة أَبِي ثور بحضرته.
أخبرني أحمد بن على المحتسب حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الفقيه الهمذاني قَالَ:
سمعت جَعْفَر الخلدي يقول: قَالَ الجنيد ذات يوم: ما أخرج اللَّه إِلَى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا، إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا! قال وسمعت جعفر الخلدي يقول: بلغني عَنْ أَبِي القاسم الجنيد أَنَّهُ كان فِي سوقه، وكان ورده فِي كل يوم ثلاثمائة ركعة، وثلاثين ألف تسبيحة، وكان يقول لنا: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِلَّهِ عِلْمًا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَشْرَفَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ مَعَ أَصْحَابِنَا وَإِخْوَانِنَا، لَسَعَيْتُ إِلَيْهِ وَقَصَدْتُهُ.
حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عَلِيّ الوراق قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني يقول:
سمعت جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول: ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة.
أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: سمعت عَلِيّ بن هارون الحربي ومحمد بن أَحْمَدَ بْنِ يعقوب الْوَرَّاق يقولان: سمعنا أبا القاسم الجنيد بن مُحَمَّد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث ولم يتفقه، لا يقتدى به.
حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ السراج- بنيسابور- قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ السراج يقول سمعت عبد الواحد بن علوان الرحبي قَالَ سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يقول: علمنا هذا- يعني علم التصوف- مشبك بِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا إسماعيل الحيري أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بن فارس يقول سمعت أبا الْحُسَيْن عَلِيّ بن إِبْرَاهِيم الحداد يقول: حضرت مجلس أَبِي الْعَبَّاس بن سريج فتكلم فِي الفروع والأصول بكلام حسن أعجبت به، فلما رأى إعجابي قَالَ لي: تدري من أين هذا؟ قُلْتُ: يقول الْقَاضِي، فَقَالَ: هذا بركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد بن مُحَمَّد.
وأخبرنا إسماعيل أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن قَالَ سمعت أبا سعيد البلخي يقول سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا القاسم الكعبي. قَالَ: رأيت لكم شيخا ببغداد يقال لَهُ الجنيد بن مُحَمَّد، ما رأت عيناي مثله كان الكتبة يحضرونه، لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عَنْ فهمهم وكلامهم وعلمهم.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ يقول سمعت الجنيد يقول:
رأيت فِي المنام كأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بعضدي من خلفي، فما زال يدفعني حتى أوقفني بين يدي اللَّه تعالى، فسألت جماعة من أهل العلم فقالوا: إنك رجل تقود العلم إِلَى أن تلقى اللَّه تعالى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْد الكريم بْن هوازن الْقُشَيْرِي النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حاتِم مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى السجستاني يَقُولُ سَمِعْتُ أبا نصر السراج الطوسي يقول سمعت الوجيهي يقول: قال الجريري: قدمت مكة فبدأت بالجنيد لكيلا يتعنى إلي فسلمت عليه ثم مضيت إِلَى المنزل، فلما صليت الصبح فِي المسجد إذا أنا به خلفي فِي الصف. فقلت: إنما جئتك أمس لئلا تتعنى. فَقَالَ: ذاك فضلك- وهذا حقك-.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْل عَبْد الصمد بْن مُحَمَّد الخطيب حَدَّثَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن الشافعي قَالَ: سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: لم نر فِي شيوخنا من اجتمع لَهُ علم وحال غير أَبِي القاسم الجنيد، وإلا فأكثرهم كان يكون لأحدهم علم كثير ولا يكون لَهُ حال، وآخر يكون لَهُ حال كثير وعلم يسير، وأبو القاسم الجنيد، كانت لَهُ حال خطيرة، وعلم غزير، فإذا رأيت حاله رجحته عَلَى علمه، وإذا رأيت علمه رجحته عَلَى حاله.
أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ أَخْبَرَنِي جَعْفَر الخلدي- فِي كتابه- قَالَ: سمعت الجنيد يقول مكثت مدة طويلة لا يقدم البلد أحد من الفقراء إلا سلبت حالي ودفعت إِلَى حاله،، فأطلبه حتى إذا وجدته تكلمت بحاله ورجعت إِلَى حالي. وكنت لا أري فِي النوم شيئا إلا رأيته فِي اليقظة! أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري قال: سمعت معروف بن محمد بْنِ معروف- بالري- يقول: سمعت عِيسَى بن كاسة يقول قَالَ الجنيد: سألني سري السقطي ما الشكر؟ فقلت ألا يستعان بنعمه عَلَى معاصيه. فَقَالَ: هو ذاك يا أبا القاسم.
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم عُمَر بن أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيم العبدوي قَالَ: سمعت الإمام أبا سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان يقول سمعت أبا مُحَمَّد المرتعش يقول. قَالَ الجنيد: كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فِي الشكر، فَقَالَ
لي: يا غلام ما الشكر؟ فقلت أن لا يعصى اللَّه بنعمه، فَقَالَ لي: أخشى أن يكون حظك من اللَّه لسانك. قَالَ الجنيد: فلا أزال أبكي عَلَى هذه الكلمة التي قالها السرى لي.
وأخبرنا أَبُو حازم قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم يقول:
سمعت مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حبيش يقول: سئل أَبُو الْقَاسِمِ الجنيد بن مُحَمَّد عَنْ مسألة فَقَالَ: حتى أسأل معلمي، ثم دخل منزله وصلى ركعتين وخرج فأجاب عنها.
أَخْبَرَنَا عَبْد الكريم بْن هوازن قَالَ سمعتُ أبا عَلِيّ الْحَسَن بْن عَلِيّ الدَّقَّاق يقول رؤي فِي يد الجنيد سبحة، فقيل لَهُ: أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فَقَالَ: طريق به وصلت إِلَى ربي لا أفارقه.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الطّبريّ يقول سمعت أبا الحسن المحلبي يقول قيل للجنيد: ممن استفدت هذا العلم؟ قَالَ: من جلوسي بين يدي اللَّه ثلاثين سنة، تحت تلك الدرجة- وأومأ إلى هذه الدرجة فِي داره-.
وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ: سمعت جدي إِسْمَاعِيل بن نجيد يقول: كان يجيء كل يوم إِلَى السوق فيفتح باب حانوته فيدخله، ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة، ثم يرجع إِلَى بيته.
قَالَ: وسمعت جدي يقول دخل عليه أبو العبّاس بن عطاء وهو فِي النزع، فسلم عليه فلم يرد عليه، ثم رد عليه بعد ساعة وقال: اعذرني كنت فِي وردي، ثم حول وجهه إِلَى القبلة وكبر ومات! أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد الْوَرَّاق قَالَ: سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يقول: أعلى درجة الكبر وشرها أن ترى نفسك، وأدناها ودونها فِي الشر أن تخطر ببالك.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بكران بْن الطيب بْن الْحَسَن بن سمعون السّقطيّ- بجرجرايا- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد الْمُفِيدُ قَالَ سمعت الجنيد- وَقَالَ لَهُ رجل أوصني- فَقَالَ الجنيد: أرض القيامة كلها نار، فانظر أين تكون رجلك.
قَالَ: وسمعت الجنيد يقول: لا تكون من الصادقين أو تصدق مكانا لا ينجيك إلا الكذب فيه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَان البجلي قَالَ سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي قَالَ حضرت شيخنا جنيدا- وسأله ابن كيسان النحوي عَنْ قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى
[الأعلى 6] فقال له جنيد: لا تنسى العمل به. قَالَ: وسأله أيضا فَقَالَ لَهُ فِي قوله تعالى: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ
[الأعراف 169] فَقَالَ لَهُ الجنيد: تركوا العمل به. فَقَالَ ابن كيسان لجنيد: لا يفضض اللَّه فاك.
أخبرنا أَبُو حازم الأعرج- عُمَر بن أَحْمَدَ بن إبراهيم الحافظ بنيسابور- أخبرني محمّد بن نعيم الضبي أخبرني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي نصر المروزي. قَالَ: سمعت فارسا الْبَغْدَادِيّ يَقُولُ قَالَ الجنيد بن مُحَمَّد: كنت إذا سئلت عَنْ مسألة فِي الحقيقة لم يكن لي- يعني فيها- منازلة أقول قفوا علي. قَالَ فارس: فكان يدخل فيعامل اللَّه بها ثم يخرج ويتكلم فِي علمها! أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُحْتَسِبُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ. قَالَ سمعت مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الرَّازِيّ يقول سمعت الحريري يقول سمعت الجنيد يقول: ما أخذنا التصوف عَنِ القال والقيل: لكن عَنِ الجوع وترك الدنيا، وقطع المألوفات والمستحسنات، لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله، وأصله التعزف عَنِ الدنيا، كما قَالَ حارثة: عزفت نفسي عَنِ الدنيا. فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري.
أخبرني عبد الصّمد بن محمّد بن الخطيب حَدَّثَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن الشافعي قَالَ سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول: سمعت الجنيد يقول: رأيت إبليس فِي النوم فقلت يا لص أيش مقامك هاهنا؟ فَقَالَ: وأيش ينفعني قيامي لو أن الناس كلهم مثلك ما نفعتني لصوصيتي شيئا.
أخبرنا إِسْمَاعِيل الحيري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن قَالَ سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول كان يقول كان يقال: إن فِي الدنيا من هذه الطبقة ثلاثة لا رابع لهم، الجنيد ببغداد، وأبو عُثْمَان بنيسابور، وأبو عَبْد اللَّهِ بن الجلا بالشام.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن سمعت عبد الواحد بن عَلِيّ يَقُولُ سمعت عُبَيْد اللَّهِ بن إِبْرَاهِيم السوسي يقول: لما حضرت سريا السقطي الوفاة قَالَ لَهُ الجنيد: يا سري، لا يرون بعدك مثلك. قَالَ: ولا أخلف عليهم بعدي مثلك! أخبرنا أَبُو حازم العبدوي- بنيسابور قراءة- وعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْخَيَّاطُ- لَفْظًا- قَالَ أَبُو حازم: أخبرني، وَقَالَ الآخر حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن الهمذاني
حَدَّثَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّد الحلواني قَالَ: حَدَّثَنِي خير. قَالَ: كنت يوما جالسا فِي بيتي، فخطر لي خاطر أن أبا القاسم جنيدا بالباب اخرج إليه، فنفيت ذلك عَنْ قلبي وقلت وسوسة، فوقع لي خاطر ثانٍ يقتضي مني الخروج أن الجنيد عَلَى الباب فاخرج إليه، فنفيت ذلك عَنْ سري، فوقع لي خاطر ثالث فعلمت أَنَّهُ حق وليس بوسوسة، ففتحت الباب فإذا بالجنيد قائم، فسلم عَلِيّ وَقَالَ: يا خير، ألا خرجت مع الخاطر الأول؟! اللفظان متقاربان.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أَبِي الْحَسَن الساحلي أخبرنا عمار بن عبد الله الصيرفي- بالرحبة- قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن حماد- المعروف بالحميدي الرحبي بالرحبة- يقول سمعت أبا عمرو بْنِ علوان يقول: خرجت يوما إِلَى سوق الرحبة فِي حاجة، فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها، ووقفت حتى يدفن الميت فِي جملة الناس، فوقعت عيني عَلَى امرأة مسفرة من غير تعمد، فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت اللَّه، وعدت إلى منزلي، فقالت لي عجوز لي: يا سيدي مالي أرى وجهك أسود؟ فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود، فرجعت إِلَى سري أنظر من أين دهيت. فذكرت النظرة فانفردت فِي موضع أستغفر اللَّه وأسأله الإقالة أربعين يوما، فخطر فِي قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إِلَى بغداد، فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فَقَالَ لي: ادخل يا أبا عمرو، تذنب بالرحبة، ونستغفر لك ببغداد! حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن هبة اللَّه الجرباذقاني حَدَّثَنَا معمر بن أَحْمَد الأَصْبَهَانِيّ قَالَ: قَالَ أَبُو زرعة الطبري قَالَ لي جَعْفَر الخلدي: رأيت شابا دخل عَلَى الجنيد- وهو فِي مرضه الذي مات فيه- ووجهه قد تورم، وبين يديه مخدة يصلى إليها. فَقَالَ لَهُ الشاب: وفي هذه الساعة أيضا لا تترك الصلاة؟ فلما سلم دعاه وَقَالَ: هذا شيء وصلت به إِلَى اللَّه، ولا أحب أن أتركه. فمات بعد ساعة.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي. قَالَ سَمِعْتُ أبا بكر البجلي يقول: سمعت أبا مُحَمَّد الحريري يقول: كنت واقفا عَلَى رأس الجنيد فِي وقت وفاته، وكان يوم جمعة، ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن، فقلت لَهُ:
يا أبا القاسم ارفق بنفسك. فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد رأيت أحدا أحوج إليه مني فِي هذا الوقت؟ وهو ذا تطوى صحيفتي.
أخبرنا أَبُو نعيم الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى يقول: سمعت
أبا عَبْد اللَّهِ الرَّازِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر العطوي يقول: كنت عند الجنيد حين مات، فختم القرآن، ثم ابتدأ من البقرة فقرأ سبعين أية ثم مات.
وأخبرنا أَبُو نعيم أخبرنا جَعْفَر الخلدي- فِي كتابه- قَالَ: رأيت الجنيد فِي النوم فقلتُ ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها فِي الأسحار.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن علي الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني- بمكة- حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حاتم. قَالَ لما حضر جنيد بن مُحَمَّد الوفاة، أوصى بدفن جميع ما هو منسوب إليه من علمه، فقيل: ولم ذلك؟ فَقَالَ: أحببت أن لا يراني اللَّه وقد تركت شيئا منسوبا إلي، وعلم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين ظهرانيهم.
أخبرنا الأزهري أخبرنا أحمد بن حمد بن موسى.
وأخبرنا الجوهريّ أخبرنا محمد بن العباس. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الحسين بْن المنادي.
قَالَ: مات الجنيد بن مُحَمَّد ليلة النيروز، ودفن من الغد، وكان ذلك فِي سنة ثمان وتسعين ومائتين، فذكر لي أنهم حزروا الجمع يومئذ الذين صلوا عليه نحو ستين ألف إنسان، ثم ما زال الناس ينتابون قبره فِي كل يوم نحو الشهر أو أكثر، ودفن عند قبر سري السقطي فِي مقابر الشونيزي.
أخبرنا إسماعيل الحيري حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ النيسابوري قَالَ سمعت عَلِيّ بن سعيد الشيرازي- بالكوفة- يقول سمعت أبا محمّد الحريري يقول: كان فِي جوار الجنيد رجل مصاب فِي خربة، فلما مات الجنيد ودفناه ورجعنا من جنازته، تقدمنا ذلك المصاب وصعد موضعا رفيعا واستقبلني وَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد أتراني أرجع إِلَى تلك الخربة، وقد فقدت ذلك السيد؟ ثم أنشأ يقول:
وا أسفي من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون
والمدن والمزن والرواسي ... والخير والأمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ... حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
ذكر الأسماء المفردة فِي هذا الباب
وقيل: كان أبوه قواريريا، وكان هو خزازا، وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد وسمع بها الحديث، ولقي العلماء. ودرس الفقه عَلَى أَبِي ثور، وصحب جماعة من الصالحين، واشتهر منهم بصحبة الحارث المحاسبي، وسرى السّقطيّ، ثم اشتغل
بالعبادة ولازمها حتى علت سنه، وصار شيخ وقته، وفريد عصره فِي علم الأحوال والكلام عَلَى لسان الصوفية، وطريقة الوعظ، وله أخبار مشهورة وكرامات مأثورة.
وأسند الحديث عَنِ الْحَسَن بن عرفة.
أَخْبَرَنِي أَبُو سَعْدٍ الْمَالِينِيُّ- قِرَاءَةً- أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن مقبل البغدادي حدّثنا جعفر بن محمّد الخلدي حَدَّثَنَا الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عرفة.
وأخبرني الحسين بن علي الطناجيري أخبرنا عبد الله بن عثمان الصّفّار حدّثنا ابن مخلد حدّثنا الحسن بن عرفة حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور ربه» ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ
[الحجر 75]
. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ:
سألت أبا القاسم النصرآباذي قُلْتُ لَهُ: الجنيد كان من أهل بغداد؟ قَالَ: هو بغدادي المنشأ والمولد، ولكني سمعت مشايخنا ببغداد يقولون: كان أصله من نهاوند قديما.
أخبرنا الأزهري أخبرنا أحمد بن موسى القرشيّ.
وأخبرنا الجوهريّ أخبرنا محمّد بن العبّاس قالا: حدّثنا أحمد بن جعفر بن محمّد ابن عُبَيْد اللَّهِ المنادي قَالَ: كان الجنيد بن مُحَمَّدِ بْنِ الجنيد قد سمع الحديث الكثير من الشيوخ، وشاهد الصالحين وأهل المعرفة، ورزق من الذكاء وصواب الجوابات فِي فنون العلم ما لم ير فِي زمانه مثله، عند أحد من قرنائه، ولا ممن أرفع سنا منه، ممن كان ينسب منهم إِلَى العلم الباطن والعلم الظاهر، فِي عفاف وعزوف عَنِ الدنيا وأبنائها، لقد قيل لي: إِنَّهُ قَالَ ذات يوم: كنت أفتي فِي حلقة أَبِي ثور الكلبي الفقيه ولي عشرون سنة.
أخبرنا إِسْمَاعِيل بن أحمد الحيري أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الحسين النيسابوري قَالَ:
سمعتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا يقول سمعت أَحْمَد بن عطاء الصوفي يقول: كان الجنيد يتفقه لأبي ثور، ويفتي فِي حلقة أَبِي ثور بحضرته.
أخبرني أحمد بن على المحتسب حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُسَيْن الفقيه الهمذاني قَالَ:
سمعت جَعْفَر الخلدي يقول: قَالَ الجنيد ذات يوم: ما أخرج اللَّه إِلَى الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا، إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا! قال وسمعت جعفر الخلدي يقول: بلغني عَنْ أَبِي القاسم الجنيد أَنَّهُ كان فِي سوقه، وكان ورده فِي كل يوم ثلاثمائة ركعة، وثلاثين ألف تسبيحة، وكان يقول لنا: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ لِلَّهِ عِلْمًا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَشْرَفَ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الَّذِي نَتَكَلَّمُ فِيهِ مَعَ أَصْحَابِنَا وَإِخْوَانِنَا، لَسَعَيْتُ إِلَيْهِ وَقَصَدْتُهُ.
حَدَّثَنَا عَبْد العزيز بْن عَلِيّ الوراق قَالَ: سمعت عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني يقول:
سمعت جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول: ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة.
أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ قَالَ: سمعت عَلِيّ بن هارون الحربي ومحمد بن أَحْمَدَ بْنِ يعقوب الْوَرَّاق يقولان: سمعنا أبا القاسم الجنيد بن مُحَمَّد غير مرة يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب، ويكتب الحديث ولم يتفقه، لا يقتدى به.
حدثنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّهِ السراج- بنيسابور- قَالَ سَمِعْتُ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ السراج يقول سمعت عبد الواحد بن علوان الرحبي قَالَ سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يقول: علمنا هذا- يعني علم التصوف- مشبك بِحَدِيثِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَخْبَرَنَا إسماعيل الحيري أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بن فارس يقول سمعت أبا الْحُسَيْن عَلِيّ بن إِبْرَاهِيم الحداد يقول: حضرت مجلس أَبِي الْعَبَّاس بن سريج فتكلم فِي الفروع والأصول بكلام حسن أعجبت به، فلما رأى إعجابي قَالَ لي: تدري من أين هذا؟ قُلْتُ: يقول الْقَاضِي، فَقَالَ: هذا بركة مجالستي لأبي القاسم الجنيد بن مُحَمَّد.
وأخبرنا إسماعيل أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن قَالَ سمعت أبا سعيد البلخي يقول سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا القاسم الكعبي. قَالَ: رأيت لكم شيخا ببغداد يقال لَهُ الجنيد بن مُحَمَّد، ما رأت عيناي مثله كان الكتبة يحضرونه، لألفاظه، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه، وكلامه بائن عَنْ فهمهم وكلامهم وعلمهم.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن سمعت عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ يقول سمعت الجنيد يقول:
رأيت فِي المنام كأن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بعضدي من خلفي، فما زال يدفعني حتى أوقفني بين يدي اللَّه تعالى، فسألت جماعة من أهل العلم فقالوا: إنك رجل تقود العلم إِلَى أن تلقى اللَّه تعالى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْد الكريم بْن هوازن الْقُشَيْرِي النيسابوري قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حاتِم مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى السجستاني يَقُولُ سَمِعْتُ أبا نصر السراج الطوسي يقول سمعت الوجيهي يقول: قال الجريري: قدمت مكة فبدأت بالجنيد لكيلا يتعنى إلي فسلمت عليه ثم مضيت إِلَى المنزل، فلما صليت الصبح فِي المسجد إذا أنا به خلفي فِي الصف. فقلت: إنما جئتك أمس لئلا تتعنى. فَقَالَ: ذاك فضلك- وهذا حقك-.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَضْل عَبْد الصمد بْن مُحَمَّد الخطيب حَدَّثَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن الشافعي قَالَ: سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي يقول: لم نر فِي شيوخنا من اجتمع لَهُ علم وحال غير أَبِي القاسم الجنيد، وإلا فأكثرهم كان يكون لأحدهم علم كثير ولا يكون لَهُ حال، وآخر يكون لَهُ حال كثير وعلم يسير، وأبو القاسم الجنيد، كانت لَهُ حال خطيرة، وعلم غزير، فإذا رأيت حاله رجحته عَلَى علمه، وإذا رأيت علمه رجحته عَلَى حاله.
أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ أَخْبَرَنِي جَعْفَر الخلدي- فِي كتابه- قَالَ: سمعت الجنيد يقول مكثت مدة طويلة لا يقدم البلد أحد من الفقراء إلا سلبت حالي ودفعت إِلَى حاله،، فأطلبه حتى إذا وجدته تكلمت بحاله ورجعت إِلَى حالي. وكنت لا أري فِي النوم شيئا إلا رأيته فِي اليقظة! أَخْبَرَنَا رضوان بن مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَن الدينوري قال: سمعت معروف بن محمد بْنِ معروف- بالري- يقول: سمعت عِيسَى بن كاسة يقول قَالَ الجنيد: سألني سري السقطي ما الشكر؟ فقلت ألا يستعان بنعمه عَلَى معاصيه. فَقَالَ: هو ذاك يا أبا القاسم.
أَخْبَرَنَا أَبُو حازم عُمَر بن أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيم العبدوي قَالَ: سمعت الإمام أبا سهل مُحَمَّد بن سُلَيْمَان يقول سمعت أبا مُحَمَّد المرتعش يقول. قَالَ الجنيد: كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون فِي الشكر، فَقَالَ
لي: يا غلام ما الشكر؟ فقلت أن لا يعصى اللَّه بنعمه، فَقَالَ لي: أخشى أن يكون حظك من اللَّه لسانك. قَالَ الجنيد: فلا أزال أبكي عَلَى هذه الكلمة التي قالها السرى لي.
وأخبرنا أَبُو حازم قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم يقول:
سمعت مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حبيش يقول: سئل أَبُو الْقَاسِمِ الجنيد بن مُحَمَّد عَنْ مسألة فَقَالَ: حتى أسأل معلمي، ثم دخل منزله وصلى ركعتين وخرج فأجاب عنها.
أَخْبَرَنَا عَبْد الكريم بْن هوازن قَالَ سمعتُ أبا عَلِيّ الْحَسَن بْن عَلِيّ الدَّقَّاق يقول رؤي فِي يد الجنيد سبحة، فقيل لَهُ: أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة؟ فَقَالَ: طريق به وصلت إِلَى ربي لا أفارقه.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز الطّبريّ يقول سمعت أبا الحسن المحلبي يقول قيل للجنيد: ممن استفدت هذا العلم؟ قَالَ: من جلوسي بين يدي اللَّه ثلاثين سنة، تحت تلك الدرجة- وأومأ إلى هذه الدرجة فِي داره-.
وَقَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ: سمعت جدي إِسْمَاعِيل بن نجيد يقول: كان يجيء كل يوم إِلَى السوق فيفتح باب حانوته فيدخله، ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة، ثم يرجع إِلَى بيته.
قَالَ: وسمعت جدي يقول دخل عليه أبو العبّاس بن عطاء وهو فِي النزع، فسلم عليه فلم يرد عليه، ثم رد عليه بعد ساعة وقال: اعذرني كنت فِي وردي، ثم حول وجهه إِلَى القبلة وكبر ومات! أخبرنا أَبُو نعيم الحافظ أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد الْوَرَّاق قَالَ: سمعت الجنيد بن مُحَمَّد يقول: أعلى درجة الكبر وشرها أن ترى نفسك، وأدناها ودونها فِي الشر أن تخطر ببالك.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بكران بْن الطيب بْن الْحَسَن بن سمعون السّقطيّ- بجرجرايا- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد الْمُفِيدُ قَالَ سمعت الجنيد- وَقَالَ لَهُ رجل أوصني- فَقَالَ الجنيد: أرض القيامة كلها نار، فانظر أين تكون رجلك.
قَالَ: وسمعت الجنيد يقول: لا تكون من الصادقين أو تصدق مكانا لا ينجيك إلا الكذب فيه.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَان البجلي قَالَ سمعت جَعْفَر بن مُحَمَّد الخلدي قَالَ حضرت شيخنا جنيدا- وسأله ابن كيسان النحوي عَنْ قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى
[الأعلى 6] فقال له جنيد: لا تنسى العمل به. قَالَ: وسأله أيضا فَقَالَ لَهُ فِي قوله تعالى: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ
[الأعراف 169] فَقَالَ لَهُ الجنيد: تركوا العمل به. فَقَالَ ابن كيسان لجنيد: لا يفضض اللَّه فاك.
أخبرنا أَبُو حازم الأعرج- عُمَر بن أَحْمَدَ بن إبراهيم الحافظ بنيسابور- أخبرني محمّد بن نعيم الضبي أخبرني أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي نصر المروزي. قَالَ: سمعت فارسا الْبَغْدَادِيّ يَقُولُ قَالَ الجنيد بن مُحَمَّد: كنت إذا سئلت عَنْ مسألة فِي الحقيقة لم يكن لي- يعني فيها- منازلة أقول قفوا علي. قَالَ فارس: فكان يدخل فيعامل اللَّه بها ثم يخرج ويتكلم فِي علمها! أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُحْتَسِبُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى الصُّوفِيُّ. قَالَ سمعت مُحَمَّد بن عَبْد اللَّهِ الرَّازِيّ يقول سمعت الحريري يقول سمعت الجنيد يقول: ما أخذنا التصوف عَنِ القال والقيل: لكن عَنِ الجوع وترك الدنيا، وقطع المألوفات والمستحسنات، لأن التصوف هو صفاء المعاملة مع الله، وأصله التعزف عَنِ الدنيا، كما قَالَ حارثة: عزفت نفسي عَنِ الدنيا. فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري.
أخبرني عبد الصّمد بن محمّد بن الخطيب حَدَّثَنَا الْحَسَن بن الْحُسَيْن الشافعي قَالَ سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول: سمعت الجنيد يقول: رأيت إبليس فِي النوم فقلت يا لص أيش مقامك هاهنا؟ فَقَالَ: وأيش ينفعني قيامي لو أن الناس كلهم مثلك ما نفعتني لصوصيتي شيئا.
أخبرنا إِسْمَاعِيل الحيري أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْن قَالَ سمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول كان يقول كان يقال: إن فِي الدنيا من هذه الطبقة ثلاثة لا رابع لهم، الجنيد ببغداد، وأبو عُثْمَان بنيسابور، وأبو عَبْد اللَّهِ بن الجلا بالشام.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن سمعت عبد الواحد بن عَلِيّ يَقُولُ سمعت عُبَيْد اللَّهِ بن إِبْرَاهِيم السوسي يقول: لما حضرت سريا السقطي الوفاة قَالَ لَهُ الجنيد: يا سري، لا يرون بعدك مثلك. قَالَ: ولا أخلف عليهم بعدي مثلك! أخبرنا أَبُو حازم العبدوي- بنيسابور قراءة- وعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ الْخَيَّاطُ- لَفْظًا- قَالَ أَبُو حازم: أخبرني، وَقَالَ الآخر حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن الهمذاني
حَدَّثَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّد الحلواني قَالَ: حَدَّثَنِي خير. قَالَ: كنت يوما جالسا فِي بيتي، فخطر لي خاطر أن أبا القاسم جنيدا بالباب اخرج إليه، فنفيت ذلك عَنْ قلبي وقلت وسوسة، فوقع لي خاطر ثانٍ يقتضي مني الخروج أن الجنيد عَلَى الباب فاخرج إليه، فنفيت ذلك عَنْ سري، فوقع لي خاطر ثالث فعلمت أَنَّهُ حق وليس بوسوسة، ففتحت الباب فإذا بالجنيد قائم، فسلم عَلِيّ وَقَالَ: يا خير، ألا خرجت مع الخاطر الأول؟! اللفظان متقاربان.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن أَبِي الْحَسَن الساحلي أخبرنا عمار بن عبد الله الصيرفي- بالرحبة- قَالَ: سمعت مُحَمَّد بن حماد- المعروف بالحميدي الرحبي بالرحبة- يقول سمعت أبا عمرو بْنِ علوان يقول: خرجت يوما إِلَى سوق الرحبة فِي حاجة، فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها، ووقفت حتى يدفن الميت فِي جملة الناس، فوقعت عيني عَلَى امرأة مسفرة من غير تعمد، فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت اللَّه، وعدت إلى منزلي، فقالت لي عجوز لي: يا سيدي مالي أرى وجهك أسود؟ فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود، فرجعت إِلَى سري أنظر من أين دهيت. فذكرت النظرة فانفردت فِي موضع أستغفر اللَّه وأسأله الإقالة أربعين يوما، فخطر فِي قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إِلَى بغداد، فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فَقَالَ لي: ادخل يا أبا عمرو، تذنب بالرحبة، ونستغفر لك ببغداد! حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن هبة اللَّه الجرباذقاني حَدَّثَنَا معمر بن أَحْمَد الأَصْبَهَانِيّ قَالَ: قَالَ أَبُو زرعة الطبري قَالَ لي جَعْفَر الخلدي: رأيت شابا دخل عَلَى الجنيد- وهو فِي مرضه الذي مات فيه- ووجهه قد تورم، وبين يديه مخدة يصلى إليها. فَقَالَ لَهُ الشاب: وفي هذه الساعة أيضا لا تترك الصلاة؟ فلما سلم دعاه وَقَالَ: هذا شيء وصلت به إِلَى اللَّه، ولا أحب أن أتركه. فمات بعد ساعة.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السلمي. قَالَ سَمِعْتُ أبا بكر البجلي يقول: سمعت أبا مُحَمَّد الحريري يقول: كنت واقفا عَلَى رأس الجنيد فِي وقت وفاته، وكان يوم جمعة، ويوم نيروز وهو يقرأ القرآن، فقلت لَهُ:
يا أبا القاسم ارفق بنفسك. فَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد رأيت أحدا أحوج إليه مني فِي هذا الوقت؟ وهو ذا تطوى صحيفتي.
أخبرنا أَبُو نعيم الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُوسَى يقول: سمعت
أبا عَبْد اللَّهِ الرَّازِيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْر العطوي يقول: كنت عند الجنيد حين مات، فختم القرآن، ثم ابتدأ من البقرة فقرأ سبعين أية ثم مات.
وأخبرنا أَبُو نعيم أخبرنا جَعْفَر الخلدي- فِي كتابه- قَالَ: رأيت الجنيد فِي النوم فقلتُ ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، ونفدت تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها فِي الأسحار.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن علي الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني- بمكة- حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّدِ بْنِ حاتم. قَالَ لما حضر جنيد بن مُحَمَّد الوفاة، أوصى بدفن جميع ما هو منسوب إليه من علمه، فقيل: ولم ذلك؟ فَقَالَ: أحببت أن لا يراني اللَّه وقد تركت شيئا منسوبا إلي، وعلم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين ظهرانيهم.
أخبرنا الأزهري أخبرنا أحمد بن حمد بن موسى.
وأخبرنا الجوهريّ أخبرنا محمد بن العباس. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الحسين بْن المنادي.
قَالَ: مات الجنيد بن مُحَمَّد ليلة النيروز، ودفن من الغد، وكان ذلك فِي سنة ثمان وتسعين ومائتين، فذكر لي أنهم حزروا الجمع يومئذ الذين صلوا عليه نحو ستين ألف إنسان، ثم ما زال الناس ينتابون قبره فِي كل يوم نحو الشهر أو أكثر، ودفن عند قبر سري السقطي فِي مقابر الشونيزي.
أخبرنا إسماعيل الحيري حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ النيسابوري قَالَ سمعت عَلِيّ بن سعيد الشيرازي- بالكوفة- يقول سمعت أبا محمّد الحريري يقول: كان فِي جوار الجنيد رجل مصاب فِي خربة، فلما مات الجنيد ودفناه ورجعنا من جنازته، تقدمنا ذلك المصاب وصعد موضعا رفيعا واستقبلني وَقَالَ: يا أبا مُحَمَّد أتراني أرجع إِلَى تلك الخربة، وقد فقدت ذلك السيد؟ ثم أنشأ يقول:
وا أسفي من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون
والمدن والمزن والرواسي ... والخير والأمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ... حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
ذكر الأسماء المفردة فِي هذا الباب