عَليّ بن عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْهَاشِمِي من أهل الْمَدِينَة يروي عَن أَبِيه عَن عَليّ بن الْحُسَيْن روى عَنهُ بن الْهَاد لست أحفظ لَهُ عَن تَابِعِيّ سَمَاعا قد رَآهُ فَلذَلِك أدخلْنَاهُ فِي هَذِه الطَّبَقَة يعْتَبر حَدِيثه من غير رِوَايَة أَوْلَاده عَنهُ
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
علي بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن يَحْيَى بن الحسين ابن أَحْمَدَ بْنِ عُمَر بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن علي بْن الحسين بْن علي بن أبي طالب، أبو القاسم الزيدي الحسيني :
من أهل الكوفة، شاعر مجيد، قدم بغداد ومدح الإمام المقتفي لأمر الله والوزير ابن هبيرة.
قرأت في كتاب «خريدة القصر» لأبي عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني بخطه وأجاز لي روايته عنه قَالَ: أَبُو القاسم عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن يحيى الزيدي الكوفي شيخ طويل، شريف جليل، نبيه، كأن نظمه نسيم عليل، أبو نسيم وسلسبيل، أرق عبارة من غيرة من أرقه السوق وأحسن حلية من جيد ورقاء حلاها الطوق، وفد الديوان العزيز في صفر سنة سبع وخمسين يخاطب على ملك له قد انتزع . ورسم له قطع، وكنا نجتمع في دار الوزير ابن هبيرة كل ليلة ننتظر إذنه للخواص في اللقاء وجلوسه لأهل الفضل، وأما الرخا فاستأنس الشريف بمجاورتي استيناسي بمجاورته وأتحفني من رقيق عبارته بيتين له في عمي العزيز رحمه الله في تكيته وهما:
بني حامد إن حار دهر أو اعتدى ... عليكم فكم للدهر عندكم وتر
أجرتم عليه من أخافت صرونه ... فأصبح يستقصيكم وله العذر
قال: ولم يزل الشريف لي جليسا، يهدي إليّ من أعيان كلامه نفيسا، إلى أن يتحر توقيعا لما توقعه، واستخلص بملكه واسترجعه، فركب إلى الكوفة مطى النوفة ،
وعاد في سنة تسع وخمسين إلى الوزير متظلما شاكيا متألما، وأنشده وأنا حاضر قصيدة مقتصدة في أسلوبها، مستجيرا به من الليالي وخطوبها، فيها بيتان جعلهما لتلك الكلمة مقطعا، ما ألطفهما معا، وهما:
أجرني على الدهر فيما بقي ... بقيت فما قد مضى قد مضى
فلست أبالي بسخط الزمان ... وأنت تراني بعين الرضا
قال: ويبدد سلكه ولد بعد ملكه وسافر إلى مصر، كأنما ساقه القدر بها إلى القبر، لكنه عاش فيها مديدة في ظل الكرامة، وانتقل إلى دار الخلد والبقا، والسلامة.
أنبأنا أبو سعد الحسن بن مُحَمَّد بن حمدون الكاتب ونقلته من خطه، قال لأبي القاسم علي بن محمد بن يحيى العلوي الكوفي في معذر:
خلعت في حبه عذارى ... للبسه خلعة العذار
كأنها إذا بدت عليه ... خطة ليل على نهار
قال: وله أيضا:
لله معسول الثنايا وأصبح ... مجدول ما تحوى الغلائل أهيف
ظلمت محياه اللحاظ بما جنت ... فيه فالأولى أنه لا ينصف
أنكرت قلبي حين أنكر وده ... وعرفت في جنبيه من لا أعرف
من أهل الكوفة، شاعر مجيد، قدم بغداد ومدح الإمام المقتفي لأمر الله والوزير ابن هبيرة.
قرأت في كتاب «خريدة القصر» لأبي عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني بخطه وأجاز لي روايته عنه قَالَ: أَبُو القاسم عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن يحيى الزيدي الكوفي شيخ طويل، شريف جليل، نبيه، كأن نظمه نسيم عليل، أبو نسيم وسلسبيل، أرق عبارة من غيرة من أرقه السوق وأحسن حلية من جيد ورقاء حلاها الطوق، وفد الديوان العزيز في صفر سنة سبع وخمسين يخاطب على ملك له قد انتزع . ورسم له قطع، وكنا نجتمع في دار الوزير ابن هبيرة كل ليلة ننتظر إذنه للخواص في اللقاء وجلوسه لأهل الفضل، وأما الرخا فاستأنس الشريف بمجاورتي استيناسي بمجاورته وأتحفني من رقيق عبارته بيتين له في عمي العزيز رحمه الله في تكيته وهما:
بني حامد إن حار دهر أو اعتدى ... عليكم فكم للدهر عندكم وتر
أجرتم عليه من أخافت صرونه ... فأصبح يستقصيكم وله العذر
قال: ولم يزل الشريف لي جليسا، يهدي إليّ من أعيان كلامه نفيسا، إلى أن يتحر توقيعا لما توقعه، واستخلص بملكه واسترجعه، فركب إلى الكوفة مطى النوفة ،
وعاد في سنة تسع وخمسين إلى الوزير متظلما شاكيا متألما، وأنشده وأنا حاضر قصيدة مقتصدة في أسلوبها، مستجيرا به من الليالي وخطوبها، فيها بيتان جعلهما لتلك الكلمة مقطعا، ما ألطفهما معا، وهما:
أجرني على الدهر فيما بقي ... بقيت فما قد مضى قد مضى
فلست أبالي بسخط الزمان ... وأنت تراني بعين الرضا
قال: ويبدد سلكه ولد بعد ملكه وسافر إلى مصر، كأنما ساقه القدر بها إلى القبر، لكنه عاش فيها مديدة في ظل الكرامة، وانتقل إلى دار الخلد والبقا، والسلامة.
أنبأنا أبو سعد الحسن بن مُحَمَّد بن حمدون الكاتب ونقلته من خطه، قال لأبي القاسم علي بن محمد بن يحيى العلوي الكوفي في معذر:
خلعت في حبه عذارى ... للبسه خلعة العذار
كأنها إذا بدت عليه ... خطة ليل على نهار
قال: وله أيضا:
لله معسول الثنايا وأصبح ... مجدول ما تحوى الغلائل أهيف
ظلمت محياه اللحاظ بما جنت ... فيه فالأولى أنه لا ينصف
أنكرت قلبي حين أنكر وده ... وعرفت في جنبيه من لا أعرف
عليّ بْن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد بْن عُمَر بن مسلم بن عبيد الله بْن الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْنِ عُمَر بْن يَحْيَى بْن الْحُسَيْن بْن زيد بْن علي بْن الحسين بن علي ابن أبي طالب، أبو الحسن العلوي الحسني الزيدي نسبا الشافعي مذهبا.
وكذا رأيت نسبه بخط يده، كان أحد الأعيان المشار إليهم بالزهد والعبادة، والفضل والعفة والنزاهة، وحسن الطريقة وصحة العقيدة، وسلامة الطوية، قطع أوقاته في العبادة، ومواصلة الطاعة، وطلب العلم ودرسه وكتابته والسعي في تحصيله، حتى
مكن الله منزلته في قلوب الناس، فأحبه الخاص والعام، ووقع له القبول في الأرض حتى كان يقصده الأماثل والأعيان لزيارته والتبرك به، وهو مع ذلك متواضع في طلب العلم وحضور مجالس الحديث والسماع من كل راو وصحبة طلبة العلم والنسخ والتحصيل لا يفتر من ذلك، وكان موصوفًا بحسن الخَلق والْخُلق وطيب الملقى وحسن العشرة وحلاوة الألفاظ والجود والمروءة وبذل ما بيده، وتفقد المتحملين والأفضال عَلَى الناس، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره، وحصل الأصول الكثيرة حتى صار له من الكتب المصنفة والمسانيد والأجزاء شيء كثير، فوقفه بمسجده الذي استجده بدار دينار الصغيرة، وشاركه في الوقفية شريكه رفيقه صبيح النصري ، وأضاف إلى كتبه ما حصله من كتب وما كتبه بخطه واستكتبه بخط غيره، وكانا عَلَى طريقة جميلة من حسن الصحبة وصحة النية وسلامة الطوية حتى كأنهما روحان في جسد.
سمع أبا بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن الزاغوني وأبا عبد الله محمد بن عبيد الله ابن سلامة الكرخي وأبا الفضل مُحَمَّد بن ناصر الحافظ وأبوي القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء ونصر بن نصر العكبري والشريفين أبا المظفر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز العباسي وأبا الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي وأبا المظفر هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الشبلي وأبا محمد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الكريم بْن المادح وخلقًا كثيرًا من أصحاب طراد الزينبي وعاصم بن الحسن وأبي الخطاب بن البطر وأبي عبد الله بن طلحة وأبي القاسم الربعي وأبي الحسن بن العلاف، وأكثر عن أصحاب ابن الطيوري وابن بيان وابن نبهان وابن المهدي وابن المهتدي وأبي العباس بن النّرسيّ وأبي طالب ابن يوسف، ولم يزل يسمع ويطلب حتى كتب عن أصحاب ابن الحصين وأبي غالب بن البناء وابن كادش ومُحَمَّد بن عبد الباقي الأنصاري وأمثالهم، وبالغ في الطلب حتى طلب عن أقرانه وعمن هو دونه، وحدث باليسير لأنه مات شابا قبل أوان
الرواية، سمع منه أقرانه كإبراهيم بن محمود بن الشغار وأبي الخطاب عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله العليمي وأبي حفص عمر بن أَحْمَد بن بكرون وصبيح بن عبد الله النصري وغيرهم، وكان من الثقات الأثبات.
أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ محمد بن هبة الله بن المسلمة، أنبأنا الشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي قراءة عليه [و] أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْخَازِنُ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَزَجِيُّ قالوا: أنبأنا الشَّرِيفُ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن عَبْد العزيز العباسي [و] أبو محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي قالا: أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجَدِّي وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وشريح بن يونس وابن المقرئ قالوا: أنبأنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ» .
كتب إلي أبو غالب عَبْد الواحد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بن الحصين قال: سمعت الشريف الزاهد أبا الحسن علي بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الزيدي يقول: اجعل النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالسموم ومخالطة الناس كالنار والغذاء كالدواء.
ذكر شيخنا عبد العزيز بن الأخضر أن الشريف أبا الحسن الزيدي أول سماعه للحديث كان في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وأنه لم يسمع من القاضي أبي الفضل الأرموي شيئا. سمعت الشريف أبا البركات عمر بن أحمد بن مُحَمَّد الزيدي يقول: ولد أخي أبو الحسن علي بن أَحْمَد في سنة تسع وعشرين وخمسمائة. سمعت أبا الفتوح نصر بن الفرج الحصري الْحَافِظ بمكة يقول: توفي الشريف الزيدي رَضِيَ اللهُ عنه يوم الثلاثاء قبل غروب الشمس سادس عشري شوال من سنة خمس وسبعين وخمسمائة،
ودفن سحرا في بيت ملاصق لمسجده، وغسله العدل بن بكرون والشيخ صبيح ودفناه ليلا.
قرأت في كتاب القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي بخطه قال: وممن مات في شوال في هذه السنة في هذا الطاعون- يعني سنة خمس وسبعين وخمسمائة- الشريف الزاهد ولي الله أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الزيدي، وكان عالمًا فاضلا حافظًا عارفًا، له المجاهدات الكثيرة والمعرفة التامة، والأحوال الحسنة والكرامات الظاهرة، لو أتيت ما شاهدت له من الكرامات وما حدثني به الثقات من ذلك لقام من ذلك كراريس، ومات عن قريب من سبع وأربعين سنة، وكان رفيقي في السماع سنين كثيرة- رحمة الله عليه ورضوانه، مرض ستة أيام، ومات في أواخر يوم الثلاثاء السادس عشري الشهر ودفن ليلا بموضع وقفه جوار مسجده.
وكذا رأيت نسبه بخط يده، كان أحد الأعيان المشار إليهم بالزهد والعبادة، والفضل والعفة والنزاهة، وحسن الطريقة وصحة العقيدة، وسلامة الطوية، قطع أوقاته في العبادة، ومواصلة الطاعة، وطلب العلم ودرسه وكتابته والسعي في تحصيله، حتى
مكن الله منزلته في قلوب الناس، فأحبه الخاص والعام، ووقع له القبول في الأرض حتى كان يقصده الأماثل والأعيان لزيارته والتبرك به، وهو مع ذلك متواضع في طلب العلم وحضور مجالس الحديث والسماع من كل راو وصحبة طلبة العلم والنسخ والتحصيل لا يفتر من ذلك، وكان موصوفًا بحسن الخَلق والْخُلق وطيب الملقى وحسن العشرة وحلاوة الألفاظ والجود والمروءة وبذل ما بيده، وتفقد المتحملين والأفضال عَلَى الناس، وسمع الحديث الكثير، وقرأ بنفسه، وكتب بخطه، واستكتب بخط غيره، وحصل الأصول الكثيرة حتى صار له من الكتب المصنفة والمسانيد والأجزاء شيء كثير، فوقفه بمسجده الذي استجده بدار دينار الصغيرة، وشاركه في الوقفية شريكه رفيقه صبيح النصري ، وأضاف إلى كتبه ما حصله من كتب وما كتبه بخطه واستكتبه بخط غيره، وكانا عَلَى طريقة جميلة من حسن الصحبة وصحة النية وسلامة الطوية حتى كأنهما روحان في جسد.
سمع أبا بكر مُحَمَّد بن عبيد الله بن الزاغوني وأبا عبد الله محمد بن عبيد الله ابن سلامة الكرخي وأبا الفضل مُحَمَّد بن ناصر الحافظ وأبوي القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء ونصر بن نصر العكبري والشريفين أبا المظفر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد العزيز العباسي وأبا الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي وأبا المظفر هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الشبلي وأبا محمد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الكريم بْن المادح وخلقًا كثيرًا من أصحاب طراد الزينبي وعاصم بن الحسن وأبي الخطاب بن البطر وأبي عبد الله بن طلحة وأبي القاسم الربعي وأبي الحسن بن العلاف، وأكثر عن أصحاب ابن الطيوري وابن بيان وابن نبهان وابن المهدي وابن المهتدي وأبي العباس بن النّرسيّ وأبي طالب ابن يوسف، ولم يزل يسمع ويطلب حتى كتب عن أصحاب ابن الحصين وأبي غالب بن البناء وابن كادش ومُحَمَّد بن عبد الباقي الأنصاري وأمثالهم، وبالغ في الطلب حتى طلب عن أقرانه وعمن هو دونه، وحدث باليسير لأنه مات شابا قبل أوان
الرواية، سمع منه أقرانه كإبراهيم بن محمود بن الشغار وأبي الخطاب عمر بن مُحَمَّد بن عبد الله العليمي وأبي حفص عمر بن أَحْمَد بن بكرون وصبيح بن عبد الله النصري وغيرهم، وكان من الثقات الأثبات.
أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ محمد بن هبة الله بن المسلمة، أنبأنا الشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي قراءة عليه [و] أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْخَازِنُ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَزَجِيُّ قالوا: أنبأنا الشَّرِيفُ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن عَبْد العزيز العباسي [و] أبو محمد محمد بن أحمد بن عبد الكريم التميمي قالا: أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد بن علي الزينبي، أنبأنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الورّاق، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَجَدِّي وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وشريح بن يونس وابن المقرئ قالوا: أنبأنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ» .
كتب إلي أبو غالب عَبْد الواحد بْن مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بن الحصين قال: سمعت الشريف الزاهد أبا الحسن علي بن أَحْمَد بن مُحَمَّد الزيدي يقول: اجعل النوافل كالفرائض والمعاصي كالكفر والشهوات كالسموم ومخالطة الناس كالنار والغذاء كالدواء.
ذكر شيخنا عبد العزيز بن الأخضر أن الشريف أبا الحسن الزيدي أول سماعه للحديث كان في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، وأنه لم يسمع من القاضي أبي الفضل الأرموي شيئا. سمعت الشريف أبا البركات عمر بن أحمد بن مُحَمَّد الزيدي يقول: ولد أخي أبو الحسن علي بن أَحْمَد في سنة تسع وعشرين وخمسمائة. سمعت أبا الفتوح نصر بن الفرج الحصري الْحَافِظ بمكة يقول: توفي الشريف الزيدي رَضِيَ اللهُ عنه يوم الثلاثاء قبل غروب الشمس سادس عشري شوال من سنة خمس وسبعين وخمسمائة،
ودفن سحرا في بيت ملاصق لمسجده، وغسله العدل بن بكرون والشيخ صبيح ودفناه ليلا.
قرأت في كتاب القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي بخطه قال: وممن مات في شوال في هذه السنة في هذا الطاعون- يعني سنة خمس وسبعين وخمسمائة- الشريف الزاهد ولي الله أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الزيدي، وكان عالمًا فاضلا حافظًا عارفًا، له المجاهدات الكثيرة والمعرفة التامة، والأحوال الحسنة والكرامات الظاهرة، لو أتيت ما شاهدت له من الكرامات وما حدثني به الثقات من ذلك لقام من ذلك كراريس، ومات عن قريب من سبع وأربعين سنة، وكان رفيقي في السماع سنين كثيرة- رحمة الله عليه ورضوانه، مرض ستة أيام، ومات في أواخر يوم الثلاثاء السادس عشري الشهر ودفن ليلا بموضع وقفه جوار مسجده.
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
أبو الحسن ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله زين العابدين عليهم الصلاة والسلام قدم دمشق بعد قتل أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، ومسجده المنسوب إليه فيها معروف.
واستقدمه عبد الملك بن مروان في خلافته، يستشيره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة وطراز القراطيس.
حدث عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: طرقني النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأنا مع فاطمة، فقال: " ألا تقومان فتصليان؟ " فقلت: إن أنفسنا بيد الله عزّ وجلّ، فإذا شاء أن ينبهنا نبّهنا، فضرب برجله الأرض فقال: " وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً ".
ولد علي بن الحسين عليهما السلام سنة ثلاث وثلاثين، وأمه فتاه يقال لها سلامة، وقيل اسمها غزالة، وخلف عليها بعد حسين زبيد مولى الحسين، فولدت له عبد الله بن زبيد.
وهو علي الأصغر، وأما علي الأكبر فإنه قتل مع أبيه علي بن أبي طالب بالطف. وأم علي الأكبر ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود.
ولعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين، وهو علي الأصغر بن الحسين.
قال محمد بن هلال: رأيت علي بن الحسين يعتم بعمامة بيضاء، فيرخي عمامته من وراء ظهره.
قال أبو المناهل نصر بن أوس الطائي: رأيت علي بن الحسين، وله شعر طويل، فقال: إلى من يذهب الناس؟ قال: قلت: يذهبون ههنا وههنا، قال: قل لهم يجيئون إليّ، وكان يعطيهم التمر.
وحدث محمد بن القاسم الثقفي عن أبيه: أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب ثناياه ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، وطالما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلثم موضعه، فقال: إنك شيخ قد خرفت، فقام زيد يجرّ ثوبه. ثم عرضوا عليه، فأمر بضرب عنق علي بن الحسين، فقال له علي: إن كان بينك وبين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن، فقال: تؤديهن أنت، وكأنه استحيا، وصرف الله عن علي بن الحسين القتل.
قال القاسم محمد: ما رأيت منظراً قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بن يديه وهو ينكته.
قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين، وكان علي بن الحسين مع أبيه يوم قتل، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشري، وهو مريض، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض.
ومن ولد علي بن الحسين زيد بن علي ين الحسين، وقتله يوسف بن عمر زمن هشام بن عبد الملك.
قال علي بن الحسين: لما قال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض غنمني رجل منهم، وأكرم نزلي، واختصني، وجعل يبكي كلما دخل وخرج حتى قلت: إن يكن عند أحد خير فعند هذا، إلى أن نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به، فقد جعلنا فيه
ثلاث مئة درهم. فدخل عليّ وهو يبكي، وجعلي يربط يدي إلى عنقي، وهو يقول: أخاف. فأخرجني إليهم مربوطاً حتى دفعني إليهم فأخذ ثلاث مئة درهم وأنا أنظر.
فأدخلت على ابن زياد، فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن حسين. قال: أولم يقتل الله علياً؟ قال: قلت: كان أخي أكبر مني يقال له علي، قتله الناس، قال: بل الله قتله، قلت: " الله يتوفّى الأنفس حين موتها " فأمر بقتله، فصاحت زينب بنت علي: يا زياد حسبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فتركه.
فلما صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال: إن سباءهم لنا حلال، فقال علي بن حسين: كذبت، ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا.
فأطرق يزيد ملياً، ثم قال لعلي بن حسين: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك فعلت، وإن أحببت وصلتك ورددتك إلى بلدك، قال: بل تردني إلى المدينة، فرده ووصله.
قال نصر بن أوس: دخلت على علي بن حسين، فقال: من أنت؟ قلت: من طيّئ، قال: حيّاك الله، وحيّا قوماً اعتزيت إليهم، نعم الحي حيك. قال: قلت: من أنت؟ قال: أنا علي بن الحسين، قلت: أو لم تقتل مع أبيه؟ قال: لو قتل يا بني لم تره.
وكان علي بن الحسين رجلاً له فضل في الدين، وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من علماء الناس، وكان إذا دخل في صلاته فقعد إليه إنسان لم يقبل عليه حتى يفرغ من صلاته على نحو ما يرى من طولها، وكان علي بن الحسين يأتيه فيجلس إليه، فيطول عبيد الله في صلاته، ولا يلتفت إليه، فقال له علي بن الحسين وهو ممن هو منه فقال: لابد لمن طلب هذا الأمر يعنى به.
وكان ابن شهاب يصحب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حتى إنه كان لينزع له الماء.
قال هشام بن عروة: كان علي بن حسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها.
وكان يجالس أسلم مولى عمر، فقال له رجل من قريش: تدع قريشاً وتجالس عبد بني عدي؟ فقال علي: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.
قال عبد الرحمن بن أردك: كان علي بن الحسين يدخل المسجد فيشق الناس، حتى يجلس مع زيد بن أسلم في حلقته، فقال له نافع بن جبير بن مطعم: غفر الله لك، أنت سيد الناس، تأتي تخطّى حتى تجلس مع هذا العبد؟ فقال علي بن الحسين: إن العلم يبتغى فيؤتى ويطلب من حيث كان.
وعبد الرحمن بن أردك أخو علي بن الحسين لأمه.
قال مسعود بن مالك: قال لي علي بن الحسين: تستطيع أن تجمع بيني وبين سعد بن جبير؟ قال: قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
وقال مسعود بن مالك: قال علي بن حسين: ما فعل سعيد بن جبير؟ قال: قلت: صالح، قال: ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق.
قال أبو الزبير: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليه الحسين بن علي، فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه، ثم قال: "
يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم هو ".
قال رزين بن عبيد: كنت عند ابن عباس، فأتى علي بن الحسين، فقال ابن عباس: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب.
قال الزهري: لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن حسين، قال: وكان من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن عبد الملك.
قال ابن شهاب الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً في عدّةٍ وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فدخلت عليه، وهو في قبة، والأقياد في رجليه والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أوتظن هذا ممّا ترى عليّ وفي عنقي يكرثني؟ أما لو شئت ما كان، فإنه وإن بلغ فيك وفي أمثالك ليذكرني عذاب الله.
ثم أخرج يديه من الغلّ، ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة.
قال: فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يظنون أنه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعاً، إنه لنازل، ونحن حوله لا ننام نرصده، إذ أصبحنا، فما وجدنا بين محمليه إلا حديده.
قال الزهري: فقدمت بين ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته، فقال لي: إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان، فدخل عليّ فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به.
وكان الزهري إذا ذكر عليّ بن الحسين يبكي، ويقول: زين العابدين.
قال يحيى بن سعد: سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً.
قال الأصمعي: لم يكن للحسين بن علي عقب إلا من ابنه علي بن الحسين، ولم يكن لعلي ولد إلا من أم عبد الله بنة الحسن، وهي ابنة عمه، فقال له مروان بن الحكم: أرى نسل أبيك قد انقطع، فلو اتخذت السراري، لعل الله أن يرزقك منهن، فقال: ما عندي ما أشتري به السراري، قال: أنا أقرضك، فأقرضه مئة ألف درهم، فاتخذ السراري، وولد له جماعة من الولد. ثم أوصى مروان لما حضرته الوفاة أن لا يؤخذ منه ذلك المال.
قال الزهري: ما رأيت هاشمياً قط أفضل من علي بن حسين. وهو أبو الحسينيين كلهم.
ويقال: إن قريشاً رغبت في أمهات الأولاد واتخذهن بعد زهادة فيهن، حيث ولد علي بن حسين، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
قال صالح بن حسان: قال رجل لسعيد بن المسيّب:
ما رأيت أحداً أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحداً أورع منه.
قال المقبري: بعث المختار إلى علي بن حسين بمئة ألف، فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فأخذها فاحتبسها عنده. فلما قتل المختار كتب علي بن الحسين إلى عبد الملك بن مروان: إن المختار بعث إليّ بمئة ألف درهم، فكرهت أن أردها، وكرهت أن آخذها، فهي عندي، فابعث من يقبضها. فكتب إليه عبد الملك: يا بن عم خذها فقد طيبتها لك، فقبلها.
قال أبو نوح الأنصاري: قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا بن رسول الله، النار، يا بن رسول الله، النار. فما وقع رأسه حتى طفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الأخرى.
كان علي بن الحسين إذا مشى لا يجاوز يديه فخذيه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قدام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ وقيل: إنه كان إذا توضأ اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ قال سفيان بن عيينة: حج علي بن الحسين، فلما حرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض، ودفع، غلته الرعدة، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك لا تلبي؟ فقال: أخشى أن أقول:
لبيك، فيقول لي: لا لبيك، فقيل له: لابدّ من هذا، فلما لبى غشي عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه.
قال مالك بن أنس: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك اللهم لبيك قالها، فأغمي عليه حتى سقط من راحلته فهشم.
قال: وبلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات.
وكان يسمى بالمدينة زين العابدين لعبادته.
قال أبو جعفر: كان أبي علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فلما حضرته الوفاة بكى، قال: فقلت: يا أبه ما يبكيك؟ فوالله ما رأيت أحداً طلب الله طلبك، ما أقول هذا أنك أبي؛ فقال: يا بني إنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا كان لله عزّ وجلّ فيه المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
قال طاووس: إني لفي الحجر ذات ليلة إذ دخل علي بن الحسين فقام يصلي، فقلت: رجل صالح من أهل بيت خير، لأصغين إلى دعائه الليلة، فسجد، فسمعته يقول: اللهم عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك.
قال: فحفظتها، فوالله ما دعوتها في كرب إلا فرج عني.
قال زيد بن أسلم: كان من دعاء علي بن الحسين يقول: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
قال علي بن الحسين: لم أر للعبد مثل التقدم في الدعاء؛ فإنه ليس كلما نزلت بليّة يستجاب له عندها. وكان إذا خاف شيئاً اجتهد في الدعاء.
قال أبو حمزة الثّمالي: أتيت باب علي بن الحسين، فكرهت أن أصوت، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه، فردّ عليّ السلام، ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط له، فقال: يا أبا حمزة ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا بن رسول الله، قال: فإن اتكأت عليه يوماً وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه والثياب ينظر تجاه وجهي، ثم قال: ما لي أراك حزيناً كئيباً؟ أعلى الدنيا؟ فهو رزق حاضر، يأكل منه البرّ والفاجر، فقلت: ما عليها أحزن كما تقول، فقال: أعلى الآخرة؟ هو وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر. قلت: ما على هذا أحزن لأنه كما تقول؛ قال: فما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: أتخوف من فتنة ابن الزبير. قال: يا علي، هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا، ثم غاب عني.
فيقول لي: يا علي هذا الخضر عليه السلام ناجاك.
وعن أبي جعفر: أن أباه علي بن حسين قاسم الله ماله مرتين، وقال: إن الله يحب المذنب التواب.
وعن أبي حمزة الثّمالي: أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في ظلمة الليل ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثراً، فسألوا عنه، فقالوا: هذا مما كان ينقل الجرب على ظهره إلى منازل الأرامل.
قال شيبة بن نعامة: كان علي بن حسين يبخّل، فلما مات وجدوه يعول مئة أهل بيت بالمدينة.
وحدث ابن عائشة عن أبيه عن عمه قال: قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين.
قال سعيد بن مرجانة: أعتق علي بن حسين غلاماً له أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار.
قال عمرو بن دينار: دخل علي بن حسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: عليّ دين، قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، أو بضعة عشر ألف دينار، قال: فهي عليّ.
وحدث الرضا عن أبيه عن جده قال: قال علي بن حسين: إني لأستحي من الله عزّ وجلّ أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل.
وعن علي بن الحسين قال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم، لأن العلماء ورثة الأنبياء.
وعن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال: لا تلوموني فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطاً من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً؟؟
وعن إبراهيم بن سعد قال: سمع علي بن الحسين واعية في بيته وعنده جماعة فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟ قال: نعم، فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب، ونحمده فيما نكره.
وعن عبد الرازق قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ الصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عزّ وجلّ يقول: " والكاظمين الغيظ " فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: " والعافين عن النّاس " فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: " والله يحبّ المحسنين " قال: اذهبي فأنت حرة.
دعا علي بن الحسين مملوكه مرتين فلم يجبه، ثم أجابه في الثالثة، فقال: يا بني أما سمعت صوتي؟ قال: بلى، قال: فما بالك لم تجبني؟ قال: أمنتك، قال: الحمد لله الذي جعل مملوكي فأمنني.
قال الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن قال: كتاب الله وكلامه.
وعن أبي حازم قال: ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين، وسمعت علي بن الحسين وهو يسأل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: منزلتهما منه الساعة.
وفي رواية: كمنزلتهما منه اليوم، هما ضجيعاه.
قال محمد: جاء رجل إلى أبي يعني علي بن الحسين فقال: أخبرني عن أبي بكر، قال: عن الصّديق تسأل؟ قال: قلت: رحمك الله وتسميه الصديق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقاً من هو خير مني ومنك، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسمه صدّيقاً فلا صدّق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولّهما، فما كان من إثم ففي عنقي.
قال علي بن الحسين: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إليّ فذكروا أبا بكر وعمر فمسّوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكاً، فقلت لهم: أخبروني: أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصّادقون "؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: وانتم من الذين قال الله فيهم: " والذي تبوّؤوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون "، قالوا: لسنا منهم، قال لهم: أما أنتم فقد تبرأتم من الفريقين أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم في الفرقة الثالثة الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوفٌ رحيمٌ ". قوموا عني لا قرّب الله دوركم، فإنكم متسترون بالإسلام، ولستم من أهله.
قل علي بن الحسين:
جاءني رجل من أهل البصرة، فقال: جئتك في حاجة من البصرة، وما جئتك حاجّاً ولا معتمراً، قلت له: وما حاجتك؟ قال: جئت لأسألك: متى يبعث علي بن أبي طالب؟ قال: فقلت له: يبعث والله عليٌّ يوم القيامة، ثم تهمّه نفسه.
قال عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب: جاء نفر إلى علي بن حسين، فأثنوا عليه، فقال: ما أكذبكم وأجرأكم على الله، لسنا كما تقولون لنا، ولكنا قوم من صالحي قومنا وكفانا، أو بحسبنا أن نكون من صالحيهم.
وعن علي بن حسين قال: يا أهل العراق، أحبونا حبّ الإسلام، ولا تحبونا حبّ الأصنام، فما زال بنا حبّكم حتى صار علينا شيناً.
وفي رواية: حتى صار سبّة.
وفي رواية: حتى صار علينا عاراً، أو صار علينا عتباً.
وفي رواية: مازال بنا ما تقولون حتى بغّضتمونا إلى الناس.
قال الفضيل بن مرزوق: سألت عمر بن علي بن حسين بن علي عمي جعفر بن محمد، قال: قلت: هل فيكم إنسان من أهل البيت مفترضة طاعته تعرفون له ذلك؟ ومن لم يعرف له ذلك فمات مات ميتة جاهلية؟ فقال: لا والله ما هذا فينا، من قال: هذا فينا، فهو كذاب.
قال: فقلت لعمر بن علي: رحمك الله، إن هذه منزلة، إنهم يزعمون أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أوصى إلى علي، وأنّ علياً أوصى إلى الحسن، وأن الحسن أوصى إلى الحسين، وأن الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين أوصى إلى ابنه محمد بن علي؟ قال: والله لقد مات أبي، فما أوصى بحرفين. ما لهم قاتلهم الله؟! والله، إن هؤلاء إلا متأكلين بنا، هذا خنيس الحرّ، وما خنيس الحر؟ قال: قلت له: المعلى بن خنيس؟ قال:
نعم، المعلى بن خنيس، والله لقد أفكرت على فراشي طويلاً أتعجب من قوم لبّس الله عقولهم حتى أضلّهم المعلى بن خنيس.
وعن علي بن الحسين: أنه قام على باب الكعبة يلعن المختار بن أبي عبيد؛ فقال له رجل: يا أبا الحسين، لم تسبّه وإنما ذبح فيكم؟! قال: إنه كان كذاباً يكذب على الله وعلى رسوله.
قال محمد بن الفرات: صليت إلى جنب علي بن الحسين يوم الجمعة، قال: فسمعت ناساً يتكلمون في الصلاة، فقال لي: ما هذا؟ قلت: شيعتكم لا يرون الصلاة خلف بني أمية، قال: هذا والذي لا إله إلا هو بدعٌ. من قرأ القرآن، واستقبل القبلة فصلّوا خلفه، فإن يكن محسناً فله حسنته، وإن يكن مسيئاً فعليه.
كان هشام بن إسماعيل عزل، ووقف للناس بالمدينة، فمرّ به علي بن الحسين فأرسل إليه: استعن بنا على ما شئت، فقال هشام: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، وقد كان ناله أو بعض أهله بشيء يكرهه إذ كان أميراً.
كان علي بن حسين خارجاً من المسجد، فلقيه رجل فسبّه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلاً عن الرجل، ثم أقبل عليه فقال: ما ستر الله عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، ورجع إلى نفسه. قال: فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، قال: وكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل.
قال عبد الله بن عطاء: أذنب غلام لعلي بن حين ذنباً استحقّ منه العقوبة، فأخذ له السّوط فقال: " قل
للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " وقال الغلام: وما أنا كذلك، إني لأرجو رحمة الله، وأخاف عذابه. فألقى السوط، وقال: أنت عتيق.
كان بين حسن بن حسن وعلي بن حسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن حسين وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئاً إلا قاله له وعلي ساكت، فانصرف حسن، فلما كان الليل أتاه في منزله، فقرع عليه بابه، فخرج إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي يغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم، وولى.
قال: فاتبعه حسن، فلحقه فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له، ثم قال: لأحرم، حتى عدت، في أمر تكرهه. فقال علي: وأنت في حلّ مما قلت لي.
قال موسى بن ظريف: استطال رجل على علي بن حسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك عني. فقال له علي: وعنك أغضي.
كان عند علي بن حسين قوم، فاستعجل خادم له بشواء كان في التّنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، وسقط السّفود من يده على بنيّ لعليّ أسفل الدرجة، فأصب رأسه فقتله، فوثب علي، فلما رآه قال للغلام: إنك حرّ، إنك لم تعمده، وأخذ في جهاز ابنه.
كان علي بن حسين إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أتصدق اليوم، أو أهب عرضي اليوم لمن استحله.
قال المنهال بن عمرو: دخلت على علي بن حسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال:
ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! قال: فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيّدنا يتقرّب إلى عدونا بشتمه أو سبّه على المنابر، وأصبحت قريش بعد أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العرب معيّرة لهم بذلك، وأصبحت العرب بعد أن لها الفضل على العجم لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العجم معيّرة لهم بذلك. فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها، إن لنا أهل البيت الفضل على قريش، لأن محمداً منا، فأضحوا يأخذون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً، فهكذا أصبحنا إذ لم يعلم كيف أصبحنا.
قال: فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت.
وحدث جماعة أن علي بن الحسين قال: ما أودّ أن لي بنصيبي من الذّل حمر النّعم.
قال عبد الله بن صالح العجلي: أبطأ عن علي بن الحسين أخ له كان يأنس به، فسأله عن إبطائه، فأخبره أنه مشغول بموت ابن له، وأن ابنه كان من المسرفين على نفسه. فقال له علي بن الحسين: إن من وراء ابنك لثلاث خلال: أما أولها: فشهادة أن لا إله إلا الله. وأما الثانية: فشفاعة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأما الثالثة: فرحمة الله التي وسعت كل شيء.
قال المدائني: قارف الزهري ذنباّ فاستوحش من ذلك، وهام على وجهه، فقال له علي بن الحسين: يا زهري، قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك، فقال الزهري: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، فرجع إلى ماله وأهله.
وعن يزيد بن عياض قال: أصاب الزهري دماً خطأ، فخرج وترك أهله وضرب فسطاطاً وقال: لا يظلني سقف بيت، فمر به علي بن حسين، فقال: يا بن شهاب قنوطك أشد من ذنبك، فاتق الله واستغفر، وابعث إلى أهله بالدية، وارج إلى أهلك؛ فكان الزهري يقول: علي بن حسين أعظم الناس عليّ منة.
وحدث علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد قال: كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق.
سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها.
كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق.
سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
قال علي بن الحسين: لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم. ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشك أن يتفرقا على غير طاعة الله.
كان علي بن الحسين يلبس كساء خز بخمسين ديناراً يلبسه في الشتاء، فإذا كان الصيف تصدق به، أو باعه فتصدق بثمنه. وكان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين من متاع مصر، ويلبس ما دون ذلك من الثياب، ويقرأ: " قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده ".
حج هشام بن عبد الملك في خلافة عبد الملك أو الوليد، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام. فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن حسين، عليهإزار ورداء، أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا
بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه هيبةً له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق: من البسيط
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن مثلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياءً ويغضى عن مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
بكفّه خيرزانٌ ريحها عبقٌ ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم
حمّال أثقال أقوامٍ إذا فدحوا ... حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله فضّله قدماً وشرّفه ... جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمته، دانت له الأمم
عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت ... عنها الغياية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... تزينه اثنتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته ... رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم
من معشرٍ حبّهم دينٌ وبغضهم ... كفرٌ، وقربهم منجىً ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويستربّ به الإحسان والنّعم
مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ ذكرٍ ومختومٌ به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم ... خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هضم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّليّة هذا أو له نعم
من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذر أبا فراس، لو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها. فردها وقال: يا بن رسول الله: ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله ما كنت لأرزأ عليها شيئاً. فردها إليه،
وقال: بحقي عليم لمّا قبلتها، فقد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، فقبلها وهجا هشاماً، فكان مما قال فيه: من الطويل
يحبّسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلّب رأساً لم تكن رأس سيدْ ... وعينين حولاوين بادٍ عيوبها
سئل علي بن الحسين عن صفة الزاهد في الدنيا فقال: يتبلغ بدون قوته، ويستعد ليوم موته، ويتبرم بحياته.
قال الزهري: سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه، ويناجي ربه، ويقول: يا نفس حتام إلى الدنيا غرورك؟، وإلى عمارتها ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك؟ ومن وارته الأرض من ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟ ونقل إلى البلى من أقرانك؟ من الطويل
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوالٍ دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم ... وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها ... وضمّتهم تحت التراب الحفائر
كم تخرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون؟ وكم غيرت الأرض ببلاها؟ وغيبت في ثارها ممن عاشرت من صنوف الناس، وشيّعتهم إلى الأرماس؟
وأنت على الدنيا مكبٌّ منافسٌ ... لخطّائها فيها حريصٌ مكاثر
على خطر تمسي وتصبح لاهياً ... أتدري بماذا لو عقلت تخاطر
وإنّ أمرأ يسعى لدنياه دائباً ... ويذهل عن أخراه لا شكّ خاسر
فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يارد بك ساهٍ، وبلذة نومك لاهٍ؟
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى ... عن اللهو واللذات للمرء زاجر
أبعد اقتراب الأربعين تربّصٌ ... وشيب قذالٍ منذرٌ لك كاسر
كأنك تعنى بالذي هو صائرٌ ... لنفسك عمداً أو عن الرّشد جائر
انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية، كيف أفنتهم الأيام، ووافاهم الحمام؛ فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم.
وأضحوا رميماً في التراب وعطّلت ... مجالس منهم أقفرت ومعاصر
وحلّوا بدار لا تزاور بينهم ... وأنّى لسكان القبور تزاور
فما إن ترى إلا جثىً قد ثووا بها ... مسطّحةً تسفي عليها الأعاصر
كم من ذي منعة وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى القصور والدساكر، وجمع الأعلاق والذخائر.
فما صرفت كفّ المنية إذ أتت ... مبادرةً تهوي إليه الذخائر
ولا دفعت عنه الحصون التي بنى ... وحفّ بها أنهاره والدساكر
ولا قارعت عنه المنية حيلةٌ ... ولا طمعت في الذّبّ عن العساكر
أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.
مليكٌ عزيزٌ لا يدّ قضاؤه ... حكيمٌ عليمٌ نافذ الأمر قاهر
عنا كلّ ذي عزٍّ لعزّة وجهه ... فكلّ عزيز للمهيمن صاغر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر
فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نضبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها.
وفي دون ما عنيت من فجعاتها ... إلى رفضها داعٍ، وبالزّهد آمر
فجدّ ولا تغفل فعيشك زائلٌ ... وأنت إلى دار الإقامة صائر
ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها غبّةً لك صائر
وهل يحرص عليها لبيب؟ أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشى البيات؟ وتسكن نفس من يتوقع الممات؟
ألا لا ولكنا نغرّ نفوسنا ... وتشغلنا اللذّات عما نحاذر
وكيف يلذّ العيش من هو موقنٌ ... بموقف عدلٍ يوم تبلى السرائر
كأنّا نرى أن لا نشور أو أنّنا ... سدىً مال لنا بعد الممات مصائر
وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها، وكثرة تعبه في طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها؟
وما قد ترى في كل يوم وليلة ... يروح علينا صرفها ويباكر
تعاورنا آفاتها وهمومها ... وكم قد ترى يبقى لها المتعاور
فلا هو مغبوطٌ بدنياه آمنٌ ... ولا هو عن بطلانها النفس قاصر
كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من غرته، ولم تقمه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه؟
بلى أوردته بعد عزٍّ ومنعةٍ ... موارد سوءٍ ما لهنّ مصادر
فلمّا رأى أن لا نجاة وأنه ... هو الموت لا ينجيه منه التّحاذر
تندّم إذ لم تغن عنه ندامة ... عليه وأبكته الذنوب الكبائر
بكى على ما سلف من خطاياه ... وتحسّر على ما خلف من دنياه
حين لا ينفعه الاستعبار، ولا ينجيه الاعتذار، عند هول المنية، ونزول البلية.
أحاطت به أحزانه وهمومه ... وأبلس لمّا أعجزته المعاذر
فليس له من كربة الموت فارجٌ ... وليس له مما يحاذر ناص ر
وقد جشأت خوف المنية نفسه ... تردّدها منه اللها والحناجر
هنالك خف عنه عواده، وأسلمه أهله وأولاده، فارتفعت الرنّة بالعويل، وأيسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدّوا عند خروج نفسه رجليه.
فكم موجعٍ يبكي عليه ومفجعٍ ... ومستنجدٍ صبراً وما هو صابر
ومسترجعٍ داعٍ له الله مخلصاً ... يعدّد منه خير ما هو ذاكر
وكم شامتٍ مستبشرٍ بوفاته ... وعمّا قليلٍ كالذي صار صائر
فشق جيوبها نساؤه، ولطم خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزئه إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه.
وظلّ أحبّ القوم كان لقربه ... يحثّ على تجهيزه ويبادر
وشمّر من قد أحضروه لغسله ... ووجّه لما قام للقبر حافر
وكفّن في ثوبين واجتمعت له ... مشيّعةً إخوانه والعشائر
فلو رأيت الأصغر من أولاده. وقد غلب الحزن على فؤاده، وغشي من الجزع عليه، وخضّبت الدموع خدّيه، وهو يندب أباه يقول: يا ويلاه.
لعاينت من قبح المنية منظراً ... يهال لمرآه ويرتاع ناظرٌ
أكابر أولادٍ يهيج اكتئابهم ... إذا تناساه البنون الأصاغر
ورنّة نسوانٍ عليه جوازعٍ ... مدامعهم فوق الخدود عوزار
وقد حثوا بأيديهم التراب، وأكثروا التلدد عليه والانتحاب، ووقفوا ساعة عليه، وآيسوا من النظر إليه.
فولّوا عليه معولين وكلّهم ... لمثل الذي لاقى أخوه محاذر
كشاءٍ رتاعٍ آمناتٍ بدا لها ... بمدننة بادي الذراعين حاسر
فريعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت ... فلما نأى عنها الذي هو جازر
عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال البهائم اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى والثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفرداً في لحده وتوزّعت ... مواريثه أرحامه والأواصر
وأخنوا على أمواله يقسمونها ... بلا حامدٍ منهم عليها وشاكر
فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها ... ويا آمناً من أن تدور الدّوائر
كيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائر إليها لا محالة؟! أم كيف تهنأ بحياتك، وهي مطيتك إلى مماتك؟! أم كيف تسيغ طعامك، وأنت منتظر حمامك؟!
ولم تتزوّد للرحيل وقد دنا ... وأنت على حال وشيكاً مسافر
فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي ... وعمري فانٍ والرّدى لي ناظر
وكلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبتٌ ... يجازي عليه عادل الحكم قادر
فكم ترقع بآخرتك دنياك؟ وتركب في ذلك هواك؟ أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين، أبهذا أمرك الرحمن؟ أم على هذا أنزل القرآن؟
تخرّب ما يبقى وتعمر فانياً ... فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامر
وهل لك إن وافاك حتفك بغتةً ... ولم تكتسب خيراً لدى الله عاذر
أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي ... ودينك منقوصٌ ومالك وافر
قال علي بن الحسين لابنه، وكان من فضل بني هاشم: يا بني اصبر على النوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له.
قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطراً؟ قال: من لم يرض الدنيا خطراً لنفسه.
قال علي بن الحسين: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته.
قال أبو جعفر محمد بن علي: قال لي أبي: يا بني انظر، خمسة لا تحادثهم ولا تصاحبهم، ولا تر معهم في طريق. قلت: يا أبت، من هؤلاء الخمسة؟ قال: إياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة وأقل منها، قلت: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها. وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. وإياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السّراب، يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب. وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يحضرك، يريد أن ينفعك فيضرك. وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإن وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع: في الذين كفروا: " فهل عسيتم إن تولّيتم " إلى آخر الآية، وفي الرعد: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " الآية، وفي البقرة: " إنّ الله
لا يستحي أن يضرب مثلاً " إلى آخر الآيتين.
قال علي بن الحسين:
لقد استرقّك بالود من سبقك إلى الشكر.
قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة.
وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات الغيوب سريرتي. اللهم كما أسأت وأحسنت إليّ وإذا عدت فعد عليّ.
وكان يقول: إن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبةً فتلك عبادة التجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
قال علي بن الحسين: إن للحق دولة على العقل، وللمنكر دولة على المعروف، وللشرّ دولة على الخير، وللجهل دولة على الحلم، وللجزع دولة على الصبر، وللخرق دولة على الرفق، وللبؤس دولة على الخصب، وللشّدة دولة على الرخاء، وللرّغبة دولة على الزهد، وللبيوتات الخبيثة دولة على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة، وما من شيء إلا وله دولة، حتى تنتضى دولته، فتعوّذوا بالله من تلك الدول، ومن الحيّات في النّعمات.
قال محمد بن علي: كان أبي علي ين الحسين إذا مرت به جازة يقول: من الوافر
نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تمضي ذاهبات
كروعة ثلّةٍ لمغار سبعٍ ... فلما غاب عادت راتعات
وعن أبي جعفر قال: أوصى علي بن حسين: لا تؤذنوا بي أحداً، وأن يكفن في قطن، ولا يجعلوا في حنوطه مسكاً.
وتوفي وهو ابن سبع وخمسين سنة. وقيل: ثمان وخمسين سنة.
قال أبو نعيم: مات علي بن الحسين سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة خمس وتسعين، ودفن بالبقيع.
وقيل: توفي سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مئة.
قال محمد بن عمرو: قولهم: إنه توفي وعمره ثمان وخمسون سنة، يدلك على أنه كان مع أبيه وهو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة، وليس قول من قال: إنه كان صغيراً ولم يكن ليثبت، بشيء. ولكه كان يومئذٍ مريضاً فلم يقاتل، وكيف يكون يومئذٍ لم يثبت وقد ولد له أبو جعفر محمد بن علي، ولقي أبو جعفر جابر بن عبد الله، وروى عنه، وإنما مات جابر سنة ثمان وسبعين؟!
أبو الحسن ويقال: أبو الحسين، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله زين العابدين عليهم الصلاة والسلام قدم دمشق بعد قتل أبيه الحسين بن علي عليهم السلام، ومسجده المنسوب إليه فيها معروف.
واستقدمه عبد الملك بن مروان في خلافته، يستشيره في جواب ملك الروم عن بعض ما كتب إليه فيه من أمر السكة وطراز القراطيس.
حدث عن أبيه عن جده علي عليه السلام قال: طرقني النّبي صلّى الله عليه وسلّم وأنا مع فاطمة، فقال: " ألا تقومان فتصليان؟ " فقلت: إن أنفسنا بيد الله عزّ وجلّ، فإذا شاء أن ينبهنا نبّهنا، فضرب برجله الأرض فقال: " وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلاً ".
ولد علي بن الحسين عليهما السلام سنة ثلاث وثلاثين، وأمه فتاه يقال لها سلامة، وقيل اسمها غزالة، وخلف عليها بعد حسين زبيد مولى الحسين، فولدت له عبد الله بن زبيد.
وهو علي الأصغر، وأما علي الأكبر فإنه قتل مع أبيه علي بن أبي طالب بالطف. وأم علي الأكبر ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود.
ولعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين، وهو علي الأصغر بن الحسين.
قال محمد بن هلال: رأيت علي بن الحسين يعتم بعمامة بيضاء، فيرخي عمامته من وراء ظهره.
قال أبو المناهل نصر بن أوس الطائي: رأيت علي بن الحسين، وله شعر طويل، فقال: إلى من يذهب الناس؟ قال: قلت: يذهبون ههنا وههنا، قال: قل لهم يجيئون إليّ، وكان يعطيهم التمر.
وحدث محمد بن القاسم الثقفي عن أبيه: أنه حضر عبيد الله بن زياد حين أتي برأس الحسين، فجعل ينكت بقضيب ثناياه ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك، وطالما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلثم موضعه، فقال: إنك شيخ قد خرفت، فقام زيد يجرّ ثوبه. ثم عرضوا عليه، فأمر بضرب عنق علي بن الحسين، فقال له علي: إن كان بينك وبين هؤلاء النساء رحم فأرسل معهن من يؤديهن، فقال: تؤديهن أنت، وكأنه استحيا، وصرف الله عن علي بن الحسين القتل.
قال القاسم محمد: ما رأيت منظراً قط أفظع من إلقاء رأس الحسين بن يديه وهو ينكته.
قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين، وكان علي بن الحسين مع أبيه يوم قتل، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وقيل: ابن خمس وعشري، وهو مريض، فقال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض.
ومن ولد علي بن الحسين زيد بن علي ين الحسين، وقتله يوسف بن عمر زمن هشام بن عبد الملك.
قال علي بن الحسين: لما قال عمر بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض غنمني رجل منهم، وأكرم نزلي، واختصني، وجعل يبكي كلما دخل وخرج حتى قلت: إن يكن عند أحد خير فعند هذا، إلى أن نادى منادي ابن زياد: ألا من وجد علي بن الحسين فليأت به، فقد جعلنا فيه
ثلاث مئة درهم. فدخل عليّ وهو يبكي، وجعلي يربط يدي إلى عنقي، وهو يقول: أخاف. فأخرجني إليهم مربوطاً حتى دفعني إليهم فأخذ ثلاث مئة درهم وأنا أنظر.
فأدخلت على ابن زياد، فقال: ما اسمك؟ فقلت: علي بن حسين. قال: أولم يقتل الله علياً؟ قال: قلت: كان أخي أكبر مني يقال له علي، قتله الناس، قال: بل الله قتله، قلت: " الله يتوفّى الأنفس حين موتها " فأمر بقتله، فصاحت زينب بنت علي: يا زياد حسبك من دمائنا، أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه، فتركه.
فلما صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال: إن سباءهم لنا حلال، فقال علي بن حسين: كذبت، ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا.
فأطرق يزيد ملياً، ثم قال لعلي بن حسين: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك فعلت، وإن أحببت وصلتك ورددتك إلى بلدك، قال: بل تردني إلى المدينة، فرده ووصله.
قال نصر بن أوس: دخلت على علي بن حسين، فقال: من أنت؟ قلت: من طيّئ، قال: حيّاك الله، وحيّا قوماً اعتزيت إليهم، نعم الحي حيك. قال: قلت: من أنت؟ قال: أنا علي بن الحسين، قلت: أو لم تقتل مع أبيه؟ قال: لو قتل يا بني لم تره.
وكان علي بن الحسين رجلاً له فضل في الدين، وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود من علماء الناس، وكان إذا دخل في صلاته فقعد إليه إنسان لم يقبل عليه حتى يفرغ من صلاته على نحو ما يرى من طولها، وكان علي بن الحسين يأتيه فيجلس إليه، فيطول عبيد الله في صلاته، ولا يلتفت إليه، فقال له علي بن الحسين وهو ممن هو منه فقال: لابد لمن طلب هذا الأمر يعنى به.
وكان ابن شهاب يصحب عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حتى إنه كان لينزع له الماء.
قال هشام بن عروة: كان علي بن حسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها.
وكان يجالس أسلم مولى عمر، فقال له رجل من قريش: تدع قريشاً وتجالس عبد بني عدي؟ فقال علي: إنما يجلس الرجل حيث ينتفع.
قال عبد الرحمن بن أردك: كان علي بن الحسين يدخل المسجد فيشق الناس، حتى يجلس مع زيد بن أسلم في حلقته، فقال له نافع بن جبير بن مطعم: غفر الله لك، أنت سيد الناس، تأتي تخطّى حتى تجلس مع هذا العبد؟ فقال علي بن الحسين: إن العلم يبتغى فيؤتى ويطلب من حيث كان.
وعبد الرحمن بن أردك أخو علي بن الحسين لأمه.
قال مسعود بن مالك: قال لي علي بن الحسين: تستطيع أن تجمع بيني وبين سعد بن جبير؟ قال: قلت: ما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأتوننا بما ليس عندنا.
وقال مسعود بن مالك: قال علي بن حسين: ما فعل سعيد بن جبير؟ قال: قلت: صالح، قال: ذاك رجل كان يمر بنا فنسائله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى العراق.
قال أبو الزبير: كنا عند جابر فدخل عليه علي بن الحسين، فقال: كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليه الحسين بن علي، فضمه إليه وقبله وأقعده إلى جنبه، ثم قال: "
يولد لابني هذا ابن يقال له علي، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: ليقم سيد العابدين، فيقوم هو ".
قال رزين بن عبيد: كنت عند ابن عباس، فأتى علي بن الحسين، فقال ابن عباس: مرحباً بالحبيب ابن الحبيب.
قال الزهري: لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن حسين، قال: وكان من أفضل أهل بيته، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن عبد الملك.
قال ابن شهاب الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً في عدّةٍ وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له، فدخلت عليه، وهو في قبة، والأقياد في رجليه والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أوتظن هذا ممّا ترى عليّ وفي عنقي يكرثني؟ أما لو شئت ما كان، فإنه وإن بلغ فيك وفي أمثالك ليذكرني عذاب الله.
ثم أخرج يديه من الغلّ، ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري، لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة.
قال: فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يظنون أنه بالمدينة، فما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعاً، إنه لنازل، ونحن حوله لا ننام نرصده، إذ أصبحنا، فما وجدنا بين محمليه إلا حديده.
قال الزهري: فقدمت بين ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته، فقال لي: إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان، فدخل عليّ فقال: ما أنا وأنت؟ فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثم خرج، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس علي بن الحسين حيث تظن، إنه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل مثله، فنعم ما شغل به.
وكان الزهري إذا ذكر عليّ بن الحسين يبكي، ويقول: زين العابدين.
قال يحيى بن سعد: سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته يقول: يا أيها الناس، أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً.
قال الأصمعي: لم يكن للحسين بن علي عقب إلا من ابنه علي بن الحسين، ولم يكن لعلي ولد إلا من أم عبد الله بنة الحسن، وهي ابنة عمه، فقال له مروان بن الحكم: أرى نسل أبيك قد انقطع، فلو اتخذت السراري، لعل الله أن يرزقك منهن، فقال: ما عندي ما أشتري به السراري، قال: أنا أقرضك، فأقرضه مئة ألف درهم، فاتخذ السراري، وولد له جماعة من الولد. ثم أوصى مروان لما حضرته الوفاة أن لا يؤخذ منه ذلك المال.
قال الزهري: ما رأيت هاشمياً قط أفضل من علي بن حسين. وهو أبو الحسينيين كلهم.
ويقال: إن قريشاً رغبت في أمهات الأولاد واتخذهن بعد زهادة فيهن، حيث ولد علي بن حسين، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي.
قال صالح بن حسان: قال رجل لسعيد بن المسيّب:
ما رأيت أحداً أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا، قال: ما رأيت أحداً أورع منه.
قال المقبري: بعث المختار إلى علي بن حسين بمئة ألف، فكره أن يقبلها، وخاف أن يردها، فأخذها فاحتبسها عنده. فلما قتل المختار كتب علي بن الحسين إلى عبد الملك بن مروان: إن المختار بعث إليّ بمئة ألف درهم، فكرهت أن أردها، وكرهت أن آخذها، فهي عندي، فابعث من يقبضها. فكتب إليه عبد الملك: يا بن عم خذها فقد طيبتها لك، فقبلها.
قال أبو نوح الأنصاري: قال: وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا بن رسول الله، النار، يا بن رسول الله، النار. فما وقع رأسه حتى طفئت. فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: ألهتني عنها النار الأخرى.
كان علي بن الحسين إذا مشى لا يجاوز يديه فخذيه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قدام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟ وقيل: إنه كان إذا توضأ اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ قال سفيان بن عيينة: حج علي بن الحسين، فلما حرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض، ودفع، غلته الرعدة، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك لا تلبي؟ فقال: أخشى أن أقول:
لبيك، فيقول لي: لا لبيك، فقيل له: لابدّ من هذا، فلما لبى غشي عليه، وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه.
قال مالك بن أنس: أحرم علي بن الحسين، فلما أراد أن يقول: لبيك اللهم لبيك قالها، فأغمي عليه حتى سقط من راحلته فهشم.
قال: وبلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات.
وكان يسمى بالمدينة زين العابدين لعبادته.
قال أبو جعفر: كان أبي علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فلما حضرته الوفاة بكى، قال: فقلت: يا أبه ما يبكيك؟ فوالله ما رأيت أحداً طلب الله طلبك، ما أقول هذا أنك أبي؛ فقال: يا بني إنه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا كان لله عزّ وجلّ فيه المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.
قال طاووس: إني لفي الحجر ذات ليلة إذ دخل علي بن الحسين فقام يصلي، فقلت: رجل صالح من أهل بيت خير، لأصغين إلى دعائه الليلة، فسجد، فسمعته يقول: اللهم عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك.
قال: فحفظتها، فوالله ما دعوتها في كرب إلا فرج عني.
قال زيد بن أسلم: كان من دعاء علي بن الحسين يقول: اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها، ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني.
قال علي بن الحسين: لم أر للعبد مثل التقدم في الدعاء؛ فإنه ليس كلما نزلت بليّة يستجاب له عندها. وكان إذا خاف شيئاً اجتهد في الدعاء.
قال أبو حمزة الثّمالي: أتيت باب علي بن الحسين، فكرهت أن أصوت، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه، فردّ عليّ السلام، ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط له، فقال: يا أبا حمزة ترى هذا الحائط؟ قلت: بلى يا بن رسول الله، قال: فإن اتكأت عليه يوماً وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه والثياب ينظر تجاه وجهي، ثم قال: ما لي أراك حزيناً كئيباً؟ أعلى الدنيا؟ فهو رزق حاضر، يأكل منه البرّ والفاجر، فقلت: ما عليها أحزن كما تقول، فقال: أعلى الآخرة؟ هو وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر. قلت: ما على هذا أحزن لأنه كما تقول؛ قال: فما حزنك يا علي بن الحسين؟ قلت: أتخوف من فتنة ابن الزبير. قال: يا علي، هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا، قال: فخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا، ثم غاب عني.
فيقول لي: يا علي هذا الخضر عليه السلام ناجاك.
وعن أبي جعفر: أن أباه علي بن حسين قاسم الله ماله مرتين، وقال: إن الله يحب المذنب التواب.
وعن أبي حمزة الثّمالي: أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في ظلمة الليل ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثراً، فسألوا عنه، فقالوا: هذا مما كان ينقل الجرب على ظهره إلى منازل الأرامل.
قال شيبة بن نعامة: كان علي بن حسين يبخّل، فلما مات وجدوه يعول مئة أهل بيت بالمدينة.
وحدث ابن عائشة عن أبيه عن عمه قال: قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين.
قال سعيد بن مرجانة: أعتق علي بن حسين غلاماً له أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم أو ألف دينار.
قال عمرو بن دينار: دخل علي بن حسين على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه، فجعل يبكي، فقال: ما شأنك؟ قال: عليّ دين، قال: كم هو؟ قال: خمسة عشر ألف دينار، أو بضعة عشر ألف دينار، قال: فهي عليّ.
وحدث الرضا عن أبيه عن جده قال: قال علي بن حسين: إني لأستحي من الله عزّ وجلّ أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدنيا، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل.
وعن علي بن الحسين قال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء، وفي الآخرة أهل الدين وأهل الفضل والعلم، لأن العلماء ورثة الأنبياء.
وعن جعفر بن محمد قال: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال: لا تلوموني فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطاً من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن، ولم يعلم أنه مات، وقد نظرت أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً؟؟
وعن إبراهيم بن سعد قال: سمع علي بن الحسين واعية في بيته وعنده جماعة فنهض إلى منزله، ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له: أمن حدث كانت الواعية؟ قال: نعم، فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب، ونحمده فيما نكره.
وعن عبد الرازق قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيأ الصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عزّ وجلّ يقول: " والكاظمين الغيظ " فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: " والعافين عن النّاس " فقال لها: قد عفا الله عنك، قالت: " والله يحبّ المحسنين " قال: اذهبي فأنت حرة.
دعا علي بن الحسين مملوكه مرتين فلم يجبه، ثم أجابه في الثالثة، فقال: يا بني أما سمعت صوتي؟ قال: بلى، قال: فما بالك لم تجبني؟ قال: أمنتك، قال: الحمد لله الذي جعل مملوكي فأمنني.
قال الزهري: سألت علي بن الحسين عن القرآن قال: كتاب الله وكلامه.
وعن أبي حازم قال: ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين، وسمعت علي بن الحسين وهو يسأل: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: منزلتهما منه الساعة.
وفي رواية: كمنزلتهما منه اليوم، هما ضجيعاه.
قال محمد: جاء رجل إلى أبي يعني علي بن الحسين فقال: أخبرني عن أبي بكر، قال: عن الصّديق تسأل؟ قال: قلت: رحمك الله وتسميه الصديق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقاً من هو خير مني ومنك، رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسمه صدّيقاً فلا صدّق الله قوله في الدنيا ولا في الآخرة، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولّهما، فما كان من إثم ففي عنقي.
قال علي بن الحسين: قدم المدينة قوم من أهل العراق، فجلسوا إليّ فذكروا أبا بكر وعمر فمسّوا منهما، ثم ابتركوا في عثمان ابتراكاً، فقلت لهم: أخبروني: أنتم من المهاجرين الأولين الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصّادقون "؟ قالوا: لسنا منهم، قلت: وانتم من الذين قال الله فيهم: " والذي تبوّؤوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصةٌ ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون "، قالوا: لسنا منهم، قال لهم: أما أنتم فقد تبرأتم من الفريقين أن تكونوا منهم، وأنا أشهد أنكم لستم في الفرقة الثالثة الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: " والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربّنا إنّك رؤوفٌ رحيمٌ ". قوموا عني لا قرّب الله دوركم، فإنكم متسترون بالإسلام، ولستم من أهله.
قل علي بن الحسين:
جاءني رجل من أهل البصرة، فقال: جئتك في حاجة من البصرة، وما جئتك حاجّاً ولا معتمراً، قلت له: وما حاجتك؟ قال: جئت لأسألك: متى يبعث علي بن أبي طالب؟ قال: فقلت له: يبعث والله عليٌّ يوم القيامة، ثم تهمّه نفسه.
قال عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب: جاء نفر إلى علي بن حسين، فأثنوا عليه، فقال: ما أكذبكم وأجرأكم على الله، لسنا كما تقولون لنا، ولكنا قوم من صالحي قومنا وكفانا، أو بحسبنا أن نكون من صالحيهم.
وعن علي بن حسين قال: يا أهل العراق، أحبونا حبّ الإسلام، ولا تحبونا حبّ الأصنام، فما زال بنا حبّكم حتى صار علينا شيناً.
وفي رواية: حتى صار سبّة.
وفي رواية: حتى صار علينا عاراً، أو صار علينا عتباً.
وفي رواية: مازال بنا ما تقولون حتى بغّضتمونا إلى الناس.
قال الفضيل بن مرزوق: سألت عمر بن علي بن حسين بن علي عمي جعفر بن محمد، قال: قلت: هل فيكم إنسان من أهل البيت مفترضة طاعته تعرفون له ذلك؟ ومن لم يعرف له ذلك فمات مات ميتة جاهلية؟ فقال: لا والله ما هذا فينا، من قال: هذا فينا، فهو كذاب.
قال: فقلت لعمر بن علي: رحمك الله، إن هذه منزلة، إنهم يزعمون أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أوصى إلى علي، وأنّ علياً أوصى إلى الحسن، وأن الحسن أوصى إلى الحسين، وأن الحسين أوصى إلى ابنه علي بن الحسين، وأن علي بن الحسين أوصى إلى ابنه محمد بن علي؟ قال: والله لقد مات أبي، فما أوصى بحرفين. ما لهم قاتلهم الله؟! والله، إن هؤلاء إلا متأكلين بنا، هذا خنيس الحرّ، وما خنيس الحر؟ قال: قلت له: المعلى بن خنيس؟ قال:
نعم، المعلى بن خنيس، والله لقد أفكرت على فراشي طويلاً أتعجب من قوم لبّس الله عقولهم حتى أضلّهم المعلى بن خنيس.
وعن علي بن الحسين: أنه قام على باب الكعبة يلعن المختار بن أبي عبيد؛ فقال له رجل: يا أبا الحسين، لم تسبّه وإنما ذبح فيكم؟! قال: إنه كان كذاباً يكذب على الله وعلى رسوله.
قال محمد بن الفرات: صليت إلى جنب علي بن الحسين يوم الجمعة، قال: فسمعت ناساً يتكلمون في الصلاة، فقال لي: ما هذا؟ قلت: شيعتكم لا يرون الصلاة خلف بني أمية، قال: هذا والذي لا إله إلا هو بدعٌ. من قرأ القرآن، واستقبل القبلة فصلّوا خلفه، فإن يكن محسناً فله حسنته، وإن يكن مسيئاً فعليه.
كان هشام بن إسماعيل عزل، ووقف للناس بالمدينة، فمرّ به علي بن الحسين فأرسل إليه: استعن بنا على ما شئت، فقال هشام: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، وقد كان ناله أو بعض أهله بشيء يكرهه إذ كان أميراً.
كان علي بن حسين خارجاً من المسجد، فلقيه رجل فسبّه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال علي بن الحسين: مهلاً عن الرجل، ثم أقبل عليه فقال: ما ستر الله عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل، ورجع إلى نفسه. قال: فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، قال: وكان الرجل بعد ذلك يقول: أشهد أنك من أولاد الرسل.
قال عبد الله بن عطاء: أذنب غلام لعلي بن حين ذنباً استحقّ منه العقوبة، فأخذ له السّوط فقال: " قل
للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله " وقال الغلام: وما أنا كذلك، إني لأرجو رحمة الله، وأخاف عذابه. فألقى السوط، وقال: أنت عتيق.
كان بين حسن بن حسن وعلي بن حسين بعض الأمر، فجاء حسن بن حسن إلى علي بن حسين وهو مع أصحابه في المسجد، فما ترك شيئاً إلا قاله له وعلي ساكت، فانصرف حسن، فلما كان الليل أتاه في منزله، فقرع عليه بابه، فخرج إليه، فقال له علي: يا أخي إن كنت صادقاً فيما قلت لي يغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك، السلام عليكم، وولى.
قال: فاتبعه حسن، فلحقه فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له، ثم قال: لأحرم، حتى عدت، في أمر تكرهه. فقال علي: وأنت في حلّ مما قلت لي.
قال موسى بن ظريف: استطال رجل على علي بن حسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك عني. فقال له علي: وعنك أغضي.
كان عند علي بن حسين قوم، فاستعجل خادم له بشواء كان في التّنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، وسقط السّفود من يده على بنيّ لعليّ أسفل الدرجة، فأصب رأسه فقتله، فوثب علي، فلما رآه قال للغلام: إنك حرّ، إنك لم تعمده، وأخذ في جهاز ابنه.
كان علي بن حسين إذا خرج من بيته قال: اللهم إني أتصدق اليوم، أو أهب عرضي اليوم لمن استحله.
قال المنهال بن عمرو: دخلت على علي بن حسين فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال:
ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! قال: فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيّدنا يتقرّب إلى عدونا بشتمه أو سبّه على المنابر، وأصبحت قريش بعد أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العرب معيّرة لهم بذلك، وأصبحت العرب بعد أن لها الفضل على العجم لأن محمداً منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العجم معيّرة لهم بذلك. فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمداً منها، إن لنا أهل البيت الفضل على قريش، لأن محمداً منا، فأضحوا يأخذون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً، فهكذا أصبحنا إذ لم يعلم كيف أصبحنا.
قال: فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت.
وحدث جماعة أن علي بن الحسين قال: ما أودّ أن لي بنصيبي من الذّل حمر النّعم.
قال عبد الله بن صالح العجلي: أبطأ عن علي بن الحسين أخ له كان يأنس به، فسأله عن إبطائه، فأخبره أنه مشغول بموت ابن له، وأن ابنه كان من المسرفين على نفسه. فقال له علي بن الحسين: إن من وراء ابنك لثلاث خلال: أما أولها: فشهادة أن لا إله إلا الله. وأما الثانية: فشفاعة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأما الثالثة: فرحمة الله التي وسعت كل شيء.
قال المدائني: قارف الزهري ذنباّ فاستوحش من ذلك، وهام على وجهه، فقال له علي بن الحسين: يا زهري، قنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم عليك من ذنبك، فقال الزهري: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته "، فرجع إلى ماله وأهله.
وعن يزيد بن عياض قال: أصاب الزهري دماً خطأ، فخرج وترك أهله وضرب فسطاطاً وقال: لا يظلني سقف بيت، فمر به علي بن حسين، فقال: يا بن شهاب قنوطك أشد من ذنبك، فاتق الله واستغفر، وابعث إلى أهله بالدية، وارج إلى أهلك؛ فكان الزهري يقول: علي بن حسين أعظم الناس عليّ منة.
وحدث علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد قال: كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق.
سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها.
كان علي بن الحسين إذا سار على بغلته في سكك المدينة لم يقل لأحد: الطريق وكان يقول: الطريق مشترك، ليس لي أن أنحي أحداً عن الطريق.
سمع علي بن الحسين يغتاب رجلاً فقال: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب الناس.
قال علي بن الحسين: لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم. ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله إلا أوشك أن يتفرقا على غير طاعة الله.
كان علي بن الحسين يلبس كساء خز بخمسين ديناراً يلبسه في الشتاء، فإذا كان الصيف تصدق به، أو باعه فتصدق بثمنه. وكان يلبس في الصيف ثوبين ممشقين من متاع مصر، ويلبس ما دون ذلك من الثياب، ويقرأ: " قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده ".
حج هشام بن عبد الملك في خلافة عبد الملك أو الوليد، فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، فنصب له منبر، فجلس عليه، وأطاف به أهل الشام. فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن حسين، عليهإزار ورداء، أحسن الناس وجهاً، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف بالبيت، فإذا
بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه هيبةً له وإجلالاً، فغاظ ذلك هشاماً، فقال رجل من أهل الشام لهشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فأفرجوا له عن الحجر؟ فقال هشام: لا أعرفه، لئلا يرغب فيه أهل الشام؛ فقال الفرزدق وكان حاضراً: لكني أعرفه، فقال الشامي: من هو يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق: من البسيط
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلّهم ... هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت ... عن مثلها عرب الإسلام والعجم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياءً ويغضى عن مهابته ... فما يكلّم إلا حين يبتسم
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
بكفّه خيرزانٌ ريحها عبقٌ ... من كفّ أروع في عرنينه شمم
مشتقّةٌ من رسول الله نبعته ... طابت عناصرها والخيم والشّيم
ينجاب نور الهدى عن نور غرّته ... كالشمس ينجاب عن إشراقها القتم
حمّال أثقال أقوامٍ إذا فدحوا ... حلو الشمائل تحلو عنده نعم
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله ... بجدّه أنبياء الله قد ختموا
الله فضّله قدماً وشرّفه ... جرى بذاك له في لوحه القلم
من جدّه دان فضل الأنبياء له ... وفضل أمته، دانت له الأمم
عمّ البريّة بالإحسان فانقشعت ... عنها الغياية والإملاق والظلم
كلتا يديه غياثٌ عمّ نفعهما ... يستوكفان ولا يعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بوادره ... تزينه اثنتان الحلم والكرم
لا يخلف الوعد ميمونٌ نقيبته ... رحب الفناء أريبٌ حين يعتزم
من معشرٍ حبّهم دينٌ وبغضهم ... كفرٌ، وقربهم منجىً ومعتصم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ... ويستربّ به الإحسان والنّعم
مقدّمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ... في كلّ ذكرٍ ومختومٌ به الكلم
إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمّتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جوادٌ بعد غايتهم ... ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمةٌ أزمت ... والأسد أسد الشّرى والبأس محتدم
يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم ... خيمٌ كريمٌ وأيدٍ بالندى هضم
لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم ... سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا
أيّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأوّليّة هذا أو له نعم
من يشكر الله يشكر أوّليّة ذا ... فالدّين من بيت هذا ناله الأمم
قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فبعث إلى الفرزدق باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذر أبا فراس، لو كان عندنا أكثر منها لوصلناك بها. فردها وقال: يا بن رسول الله: ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله ما كنت لأرزأ عليها شيئاً. فردها إليه،
وقال: بحقي عليم لمّا قبلتها، فقد رأى الله مكانك، وعلم نيتك، فقبلها وهجا هشاماً، فكان مما قال فيه: من الطويل
يحبّسني بين المدينة والتي ... إليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلّب رأساً لم تكن رأس سيدْ ... وعينين حولاوين بادٍ عيوبها
سئل علي بن الحسين عن صفة الزاهد في الدنيا فقال: يتبلغ بدون قوته، ويستعد ليوم موته، ويتبرم بحياته.
قال الزهري: سمعت علي بن الحسين سيد العابدين يحاسب نفسه، ويناجي ربه، ويقول: يا نفس حتام إلى الدنيا غرورك؟، وإلى عمارتها ركونك؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك؟ ومن وارته الأرض من ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟ ونقل إلى البلى من أقرانك؟ من الطويل
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها ... محاسنهم فيها بوالٍ دواثر
خلت دورهم منهم وأقوت عراصهم ... وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها ... وضمّتهم تحت التراب الحفائر
كم تخرمت أيدي المنون من قرون بعد قرون؟ وكم غيرت الأرض ببلاها؟ وغيبت في ثارها ممن عاشرت من صنوف الناس، وشيّعتهم إلى الأرماس؟
وأنت على الدنيا مكبٌّ منافسٌ ... لخطّائها فيها حريصٌ مكاثر
على خطر تمسي وتصبح لاهياً ... أتدري بماذا لو عقلت تخاطر
وإنّ أمرأ يسعى لدنياه دائباً ... ويذهل عن أخراه لا شكّ خاسر
فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشتغالك؟ وقد وخطك القتير، وأتاك النذير، وأنت عما يارد بك ساهٍ، وبلذة نومك لاهٍ؟
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى ... عن اللهو واللذات للمرء زاجر
أبعد اقتراب الأربعين تربّصٌ ... وشيب قذالٍ منذرٌ لك كاسر
كأنك تعنى بالذي هو صائرٌ ... لنفسك عمداً أو عن الرّشد جائر
انظر إلى الأمم الماضية والملوك الفانية، كيف أفنتهم الأيام، ووافاهم الحمام؛ فانمحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم.
وأضحوا رميماً في التراب وعطّلت ... مجالس منهم أقفرت ومعاصر
وحلّوا بدار لا تزاور بينهم ... وأنّى لسكان القبور تزاور
فما إن ترى إلا جثىً قد ثووا بها ... مسطّحةً تسفي عليها الأعاصر
كم من ذي منعة وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى القصور والدساكر، وجمع الأعلاق والذخائر.
فما صرفت كفّ المنية إذ أتت ... مبادرةً تهوي إليه الذخائر
ولا دفعت عنه الحصون التي بنى ... وحفّ بها أنهاره والدساكر
ولا قارعت عنه المنية حيلةٌ ... ولا طمعت في الذّبّ عن العساكر
أتاه من الله ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى الله الملك الجبار المتكبر القهار، قاصم الجبارين ومبير المتكبرين.
مليكٌ عزيزٌ لا يدّ قضاؤه ... حكيمٌ عليمٌ نافذ الأمر قاهر
عنا كلّ ذي عزٍّ لعزّة وجهه ... فكلّ عزيز للمهيمن صاغر
لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر
فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نضبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها.
وفي دون ما عنيت من فجعاتها ... إلى رفضها داعٍ، وبالزّهد آمر
فجدّ ولا تغفل فعيشك زائلٌ ... وأنت إلى دار الإقامة صائر
ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها غبّةً لك صائر
وهل يحرص عليها لبيب؟ أو يسر بها أريب؟ وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها؟ أم كيف تنام عينا من يخشى البيات؟ وتسكن نفس من يتوقع الممات؟
ألا لا ولكنا نغرّ نفوسنا ... وتشغلنا اللذّات عما نحاذر
وكيف يلذّ العيش من هو موقنٌ ... بموقف عدلٍ يوم تبلى السرائر
كأنّا نرى أن لا نشور أو أنّنا ... سدىً مال لنا بعد الممات مصائر
وما عسى أن ينال صاحب الدنيا من لذتها، ويتمتع به من بهجتها، مع صنوف عجائبها، وكثرة تعبه في طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصابها وآلامها؟
وما قد ترى في كل يوم وليلة ... يروح علينا صرفها ويباكر
تعاورنا آفاتها وهمومها ... وكم قد ترى يبقى لها المتعاور
فلا هو مغبوطٌ بدنياه آمنٌ ... ولا هو عن بطلانها النفس قاصر
كم قد غرت الدنيا من مخلد إليها، وصرعت من مكب عليها، فلم تنعشه من غرته، ولم تقمه من صرعته، ولم تشفه من ألمه، ولم تبره من سقمه؟
بلى أوردته بعد عزٍّ ومنعةٍ ... موارد سوءٍ ما لهنّ مصادر
فلمّا رأى أن لا نجاة وأنه ... هو الموت لا ينجيه منه التّحاذر
تندّم إذ لم تغن عنه ندامة ... عليه وأبكته الذنوب الكبائر
بكى على ما سلف من خطاياه ... وتحسّر على ما خلف من دنياه
حين لا ينفعه الاستعبار، ولا ينجيه الاعتذار، عند هول المنية، ونزول البلية.
أحاطت به أحزانه وهمومه ... وأبلس لمّا أعجزته المعاذر
فليس له من كربة الموت فارجٌ ... وليس له مما يحاذر ناص ر
وقد جشأت خوف المنية نفسه ... تردّدها منه اللها والحناجر
هنالك خف عنه عواده، وأسلمه أهله وأولاده، فارتفعت الرنّة بالعويل، وأيسوا من برء العليل، فغمضوا بأيديهم عينيه، ومدّوا عند خروج نفسه رجليه.
فكم موجعٍ يبكي عليه ومفجعٍ ... ومستنجدٍ صبراً وما هو صابر
ومسترجعٍ داعٍ له الله مخلصاً ... يعدّد منه خير ما هو ذاكر
وكم شامتٍ مستبشرٍ بوفاته ... وعمّا قليلٍ كالذي صار صائر
فشق جيوبها نساؤه، ولطم خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزئه إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لإبرازه.
وظلّ أحبّ القوم كان لقربه ... يحثّ على تجهيزه ويبادر
وشمّر من قد أحضروه لغسله ... ووجّه لما قام للقبر حافر
وكفّن في ثوبين واجتمعت له ... مشيّعةً إخوانه والعشائر
فلو رأيت الأصغر من أولاده. وقد غلب الحزن على فؤاده، وغشي من الجزع عليه، وخضّبت الدموع خدّيه، وهو يندب أباه يقول: يا ويلاه.
لعاينت من قبح المنية منظراً ... يهال لمرآه ويرتاع ناظرٌ
أكابر أولادٍ يهيج اكتئابهم ... إذا تناساه البنون الأصاغر
ورنّة نسوانٍ عليه جوازعٍ ... مدامعهم فوق الخدود عوزار
وقد حثوا بأيديهم التراب، وأكثروا التلدد عليه والانتحاب، ووقفوا ساعة عليه، وآيسوا من النظر إليه.
فولّوا عليه معولين وكلّهم ... لمثل الذي لاقى أخوه محاذر
كشاءٍ رتاعٍ آمناتٍ بدا لها ... بمدننة بادي الذراعين حاسر
فريعت ولم ترتع قليلاً وأجفلت ... فلما نأى عنها الذي هو جازر
عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال البهائم اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى والثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفرداً في لحده وتوزّعت ... مواريثه أرحامه والأواصر
وأخنوا على أمواله يقسمونها ... بلا حامدٍ منهم عليها وشاكر
فيا عامر الدنيا ويا ساعياً لها ... ويا آمناً من أن تدور الدّوائر
كيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائر إليها لا محالة؟! أم كيف تهنأ بحياتك، وهي مطيتك إلى مماتك؟! أم كيف تسيغ طعامك، وأنت منتظر حمامك؟!
ولم تتزوّد للرحيل وقد دنا ... وأنت على حال وشيكاً مسافر
فيا لهف نفسي كم أسوّف توبتي ... وعمري فانٍ والرّدى لي ناظر
وكلّ الذي أسلفت في الصّحف مثبتٌ ... يجازي عليه عادل الحكم قادر
فكم ترقع بآخرتك دنياك؟ وتركب في ذلك هواك؟ أراك ضعيف اليقين يا مؤثر الدنيا على الدين، أبهذا أمرك الرحمن؟ أم على هذا أنزل القرآن؟
تخرّب ما يبقى وتعمر فانياً ... فلا ذاك موفورٌ ولا ذاك عامر
وهل لك إن وافاك حتفك بغتةً ... ولم تكتسب خيراً لدى الله عاذر
أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي ... ودينك منقوصٌ ومالك وافر
قال علي بن الحسين لابنه، وكان من فضل بني هاشم: يا بني اصبر على النوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له.
قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطراً؟ قال: من لم يرض الدنيا خطراً لنفسه.
قال علي بن الحسين: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته.
قال أبو جعفر محمد بن علي: قال لي أبي: يا بني انظر، خمسة لا تحادثهم ولا تصاحبهم، ولا تر معهم في طريق. قلت: يا أبت، من هؤلاء الخمسة؟ قال: إياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة وأقل منها، قلت: وما أقل منها؟ قال: الطمع فيها ثم لا ينالها. وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. وإياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السّراب، يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب. وإياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يحضرك، يريد أن ينفعك فيضرك. وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإن وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع: في الذين كفروا: " فهل عسيتم إن تولّيتم " إلى آخر الآية، وفي الرعد: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه " الآية، وفي البقرة: " إنّ الله
لا يستحي أن يضرب مثلاً " إلى آخر الآيتين.
قال علي بن الحسين:
لقد استرقّك بالود من سبقك إلى الشكر.
قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة.
وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات الغيوب سريرتي. اللهم كما أسأت وأحسنت إليّ وإذا عدت فعد عليّ.
وكان يقول: إن قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبةً فتلك عبادة التجار، وقوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
قال علي بن الحسين: إن للحق دولة على العقل، وللمنكر دولة على المعروف، وللشرّ دولة على الخير، وللجهل دولة على الحلم، وللجزع دولة على الصبر، وللخرق دولة على الرفق، وللبؤس دولة على الخصب، وللشّدة دولة على الرخاء، وللرّغبة دولة على الزهد، وللبيوتات الخبيثة دولة على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة، وما من شيء إلا وله دولة، حتى تنتضى دولته، فتعوّذوا بالله من تلك الدول، ومن الحيّات في النّعمات.
قال محمد بن علي: كان أبي علي ين الحسين إذا مرت به جازة يقول: من الوافر
نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تمضي ذاهبات
كروعة ثلّةٍ لمغار سبعٍ ... فلما غاب عادت راتعات
وعن أبي جعفر قال: أوصى علي بن حسين: لا تؤذنوا بي أحداً، وأن يكفن في قطن، ولا يجعلوا في حنوطه مسكاً.
وتوفي وهو ابن سبع وخمسين سنة. وقيل: ثمان وخمسين سنة.
قال أبو نعيم: مات علي بن الحسين سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين، وقيل: سنة خمس وتسعين، ودفن بالبقيع.
وقيل: توفي سنة تسع وتسعين، وقيل: سنة مئة.
قال محمد بن عمرو: قولهم: إنه توفي وعمره ثمان وخمسون سنة، يدلك على أنه كان مع أبيه وهو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة، وليس قول من قال: إنه كان صغيراً ولم يكن ليثبت، بشيء. ولكه كان يومئذٍ مريضاً فلم يقاتل، وكيف يكون يومئذٍ لم يثبت وقد ولد له أبو جعفر محمد بن علي، ولقي أبو جعفر جابر بن عبد الله، وروى عنه، وإنما مات جابر سنة ثمان وسبعين؟!
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ابْنِ الإِمَامِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيُّ ابْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ، السَّيِّدُ، الإِمَامُ، زَيْنُ العَابِدِيْنَ الهَاشِمِيُّ، العَلَوِيُّ، المَدَنِيُّ.
يُكْنَى: أَبَا الحُسَيْنِ.
وَيُقَالُ: أَبُو الحَسَنِ.
وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: سَلاَّمَةُ سُلاَفَةُ بِنْتُ مَلِكِ الفُرْسِ يَزْدَجِرْدَ.
وَقِيْلَ: غَزَالَةُ.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ ظَنّاً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ كَائِنَةِ كَرْبَلاَءَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعُوْكاً، فَلَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ تَعَرَّضُوا لَهُ، بَلْ أَحْضَرُوْهُ
مَعَ آلِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُ يَزِيْدُ، وَرَدَّهُ مَعَ آلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: جَدِّهِ مُرْسَلاً، وَعَنْ: صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْهَا فِي (مُسْلِمٍ) ، وَعَنْ: أَبِي رَافِعٍ، وَعَمِّهِ؛ الحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْ: مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ، وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ، وَزَيْدٌ المَقْتُوْلٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ، وَأَبُوْهُ؛ عُمَرُ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ هُرْمُزَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفُرَاتِ التَّمِيْمِيُّ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ، وَطَاوُوْسٌ، وَهُمَا مِنْ طَبَقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : هُوَ عَلِيٌّ الأَصْغَرُ، وَأَمَّا أَخُوْهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ، فَقُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ بِكَرْبَلاَءَ.
وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَالِياً، رَفِيْعاً، وَرِعاً.
رَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِياً أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ قَالَ يَوْمَ كَرْبَلاَءَ: لاَ تَعَرَّضُوا لِهَذَا المَرِيْضِ -يَعْنِي: عَلِيّاً -.ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلاَتِهِ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ، لَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ، فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عُبَيْدُ اللهِ فِي صَلاَتِهِ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَقِيْلَ لَهُ: عَلِيٌّ وَهُوَ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُ!
فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الأَمْرَ أَنْ يُعَنَّى بِهِ.
وَقَالَ: قَالَ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ: إِنَّكَ تُجَالِسُ أَقْوَاماً دُوْناً!
قَالَ: آتِي مَنْ أَنْتَفِعُ بِمُجَالَسَتِهِ فِي دِيْنِي.
قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ رَجُلاً لَهُ فَضْلٌ فِي الدِّيْنِ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى رَاحِلَتِه إِلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُ لاَ يَقْرَعُهَا، وَكَانَ يُجَالِسُ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَدَعُ قُرَيْشاً، وَتُجَالِسُ عَبْدَ بَنِي عَدِيٍّ!
فَقَالَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَنْتَفِعُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَرْدَكَ - يُقَالُ: هُوَ أَخُو عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ لأُمِّهِ - قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَدْخُلُ المَسْجِدَ، فَيَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ.
فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، تَأْتِي تَتَخَطَّى حَتَّى تَجْلِسَ مَعَ هَذَا العَبْدِ!
فَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: العِلْمُ يُبْتَغَى وَيُؤْتَى وَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ كَانَ.
الأَعْمَشُ: عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ مَالِكٍ:قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟
قُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: أَشْيَاءُ أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، إِنَّ النَّاسَ يَأْتُوْنَنَا بِمَا لَيْسَ عِنْدَنَا.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
مَا كَانَ أَكْثَرَ مُجَالَسَتِي مَعَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: شُعَيْبٌ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ أَفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَحْسَنِهِم طَاعَةً، وَأَحَبِّهِم إِلَى مَرْوَانَ، وَإِلَى عَبْدِ المَلِكِ.
مَعْمَرٌ: عَنِ الزُهْرِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ فِيْهِم مِثْلَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ البَيْتِ مِثْلُهُ، وَهُوَ ابْنُ أَمَةٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفَضْلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُوْلُ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِبُّوْنَا حُبَّ الإِسْلاَمِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَاراً.
أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ، أَحِبُّوْنَا
حُبَّ الإِسْلاَمِ، وَلاَ تُحِبُّوْنَا حُبَّ الأَصْنَامِ، فَمَا زَالَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا شَيْناً.قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقِبٌ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ- إِلاَّ مِنِ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ وَلَدٌ إِلاَّ مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ الحَسَنِ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَرَى نَسْلَ أَبِيْكَ قَدِ انْقَطَعَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ السَّرَارِي، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْهُنَّ.
قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَشْتَرِي.
قَالَ: فَأَنَا أُقْرِضُكَ.
فَأَقْرَضَهُ مائَةَ أَلْفٍ، فَاتَّخَذَ السَّرَارِيَ، وَوُلِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الوَلَدِ، ثُمَّ أَوْصَى مَرْوَانُ لَمَّا احْتُضِرَ: أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ المَالُ.
إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَمَرْوَانُ مَا احْتُضِرَ، فَإِنَّ امْرَأَتَهَ غَمَّتْهُ تَحْتَ وِسَادَةٍ هِيَ وَجَوَارِيْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ : نَسْلُ الحُسَيْنِ كُلُّهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ، وَكَانَ أَفَضْلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ قُرَيْشاً رَغِبَتْ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ بَعْدَ الزُّهْدِ فِيْهنَّ حِيْنَ نَشَأَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ العِجْلِيُّ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ عَائِشَةَ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: سِنُّهُ وَسِنُّ الزُّهْرِيِّ وَاحِدٌ.
قُلْتُ: وَهِمَ ابْنُ صَالِحٍ، بَلْ عَلِيٌّ أَسَنُّ بِكَثِيْرٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ كُلِّهَا: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ.
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
حَدَّثْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ! هَكَذَا حُدِّثْنَاهُ.
قُلْتُ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيْثٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَلَيْسَ مَا لاَ يُعْرَفُ مِنَ العِلْمِ، إِنَّمَا العِلْمُ مَا عُرِفَ، وَتَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الأَلْسُنُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ المُسَيِّبِ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْ فُلاَنٍ!
قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ !
وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: مَا أَكَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْهَماً قَطُّ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ:
بَعَثَ المُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَخَافَ أَنْ يَرُدَّهَا، فَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ.
فَلَمَّا قُتِلَ المُخْتَارُ، بَعَثَ يُخْبِرُ بِهَا عَبْدَ المَلِكِ، وَقَالَ: ابْعَثْ مَنْ يَقْبَضُهَا.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: يَا ابْنَ العَمِّ، خُذْهَا، قَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ، فَقَبِلَهَا.
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: عَنْ أَبِي نُوْحٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
وَقَعَ حَرِيْقٌ فِي بَيْتٍ فِيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ، النَّارَ!
فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى طُفِئَتْ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلْهَتْنِي عَنْهَا
النَّارُ الأُخْرَى.ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا مَشَى لاَ تُجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَيْهِ، وَلاَ يَخْطِرُ بِهَا، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ.
فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: تَدْرُوْنَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُوْمُ وَمَنْ أُنَاجِي ؟!
وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، اصْفَرَّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ:
حَجَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَحْرَمَ اصْفَرَّ، وَانْتَفَضَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُلَبِّيَ.
فَقِيْلَ: أَلاَ تُلَبِّي؟
قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ: لَبَّيْكَ، فَيَقُوْلُ لِي: لاَ لَبَّيْكَ.
فَلَمَّا لَبَّى، غُشِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْضُ ذَلِكَ بِهِ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ.
إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ.
وَرَوَى: مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَالِكٍ:
أَحْرَمَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ، قَالَهَا، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ نَاقَتِهِ، فَهُشِمَ.
وَلَقَدْ بَلَغَنِي: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يُسَمَّى: زَيْنُ العَابِدِيْنَ؛ لِعِبَادَتِهِ.
وَيُرْوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى.
فَقُلْتُ: يَا أَبْتِ! مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلاَّ كَانَ للهِ
فِيْهِ المَشِيْئَةُ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.إِسْنَادُهَا تَالِفٌ.
عَنْ طَاوُوْسٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ فِي الحِجْرِ يَقُوْلُ:
عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِيْنُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيْرُكَ بِفِنَائِكَ.
قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَعَوْتُ بِهِ فِي كَرْبٍ قَطُّ، إِلاَّ كُشِفَ عَنِّي.
حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
أَنَّ أَبَاهُ قَاسَمَ اللهَ -تَعَالَى- مَالَهُ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُذْنِبَ التَّوَّابَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ:
أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ، يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِيْنَ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ:
كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَعِيْشُوْنَ لاَ يَدْرُوْنَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُم، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ.
جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ:
لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَدُوا بِظَهْرِهِ أَثَراً مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ الجُرْبَ بِاللَّيْلِ إِلَى مَنَازِلِ الأَرَامِلِ.
وَقَالَ شَيْبَةُ بنُ نَعَامَةَ: لَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ، وَجَدُوْهُ يَعُوْلَ مائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ.قُلْتُ: لِهَذَا كَانَ يُبَخَّلُ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ سِرّاً، وَيَظُنُّ أَهْلُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: مَا فَقَدْنَا صَدَقَةَ السِّرِّ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلِيٌّ.
وَرَوَى: وَاقِدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ:
أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ بَعُضْوٍ مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ) ، فَأَعْتَقَ عَلِيٌّ غُلاَماً لَهُ، أَعْطَاهُ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
وَرَوَى: حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ مُحَمَّدٌ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ.
قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟
قَالَ: بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَهِيَ عَلَيَّ.
عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَا: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَرَى الأَخَ مِنْ إِخْوَانِي، فَأَسْأَلَ اللهَ لَهُ الجَنَّةَ، وَأَبْخَلَ عَلَيْهِ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ غَداً قِيْلَ لِي: لَوْ كَانَتِ الجَنَّةُ بِيَدِكَ، لَكُنْتَ بِهَا أَبْخَلَ وَأَبْخَلَ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْقَهَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، سَمِعْتُهُ وَقَدْ سُئِلَ:
كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى القَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: بِمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ السَّاعَةَ.رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟
قَالَ: عَنِ الصِّدِّيْقِ تَسْأَلُ؟
قَالَ: وَتُسَمِّيْهِ الصِّدِّيْقَ؟
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! قَدْ سَمَّاهُ صِدِّيْقاً مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمُهَاجِرُوْنَ، وَالأَنْصَارُ، فَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ صِدِّيْقاً، فَلاَ صَدَّقَ اللهَ قَوْلَهُ، اذْهَبْ، فَأَحِبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَوَلَّهُمَا، فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ فَفِي عُنُقِي.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ أَتَاهُ قَوْمٌ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: حَسْبُنَا أَنْ نَكُوْنَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِنَا.
الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُدَامَةَ الجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَدِمَ قَوْمٌ مِنَ العِرَاقِ، فَجَلَسُوا إِلَيَّ، فَذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَسَبُّوْهُمَا، ثُمَّ ابْتَرَكُوا فِي عُثْمَانَ ابْتِرَاكاً، فَشَتَمْتُهُم.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَا يَسُرُّنِي بِنَصِيْبِي مِنَ الذُّلِّ حُمْرُ النَّعَمِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ،
قَالَ:قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَنْ ضَحِكَ ضِحْكَةً، مَجَّ مَجَّةً مِنْ عِلْمٍ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:
إِنَّ الجَسَدَ إِذَا لَمْ يَمْرَضْ أَشِرَ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَدٍ يَأْشَرُ.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: فَقْدُ الأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَوَائِحِ العُيُوْنِ عَلاَنِيَتِي، وَتُقَبِّحَ فِي خَفِيَّاتِ العُيُوْنِ سَرِيْرَتِي، اللَّهُمَّ كَمَا أَسَأْتُ وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَإِذَا عُدْتُ، فَعُدْ عَلَيَّ.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ:
اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي، فَأَعْجَزُ عَنْهَا، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى المَخْلُوْقِيْنَ، فَيُضَيِّعُوْنِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ الزُهْرِيِّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ عَنِ القُرْآنِ؟
فَقَالَ: كِتَابُ اللهِ وَكَلاَمُهُ.
أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: جَاءنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: جِئْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَمَا جِئْتُ حَاجّاً وَلاَ مُعْتَمِراً.
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: جِئْتُ لأَسْأَلَكَ مَتَى يُبْعَثُ عَلِيٌّ؟
فَقُلْتُ: يُبْعَثُ - وَاللهِ - يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوْبَ المَدَنِيُّ، قَالَ:كَانَ بَيْنَ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ شَيْءٌ، فَمَا تَرَكَ حَسَنٌ شَيْئاً إِلاَّ قَالَهُ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ، فَذَهَبَ حَسَنٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ، أَتَاهُ عَلِيٌّ، فَخَرَجَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا ابْنَ عَمِّي، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَغَفَرَ اللهُ لَكَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ: فَالْتَزَمَهُ حَسَنٌ، وَبَكَى، حَتَّى رَثَى لَهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ - ثِقَةٌ - قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنِ المُخْتَارِ، فَقَالَ: قَامَ أَبِي عَلَى بَابِ الكَعْبَةِ، فَلَعَنَ المُخْتَارَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَلْعَنُهُ، وَإِنَّمَا ذُبِحَ فِيْكُم؟!
قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَعَلَى رَسُوْلِهِ.
وَعَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
إِنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَهُم -يَعْنِي: الأُمَوِيَّةَ- مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُم مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ.
رَوَاهُ: أَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، عَنْهُ.
وَرَوَى: عُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: وَاللهِ مَا قُتِلَ عُثْمَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى وَجْهِ الحَقِّ.
نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ.
وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ كِسَاءٌ أَصْفَرُ يَلْبَسُهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ كِسَاءَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزًّ.وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ:
أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الخَزِّ بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، يَشْتُو فِيْهِ، ثُمَّ يَبِيْعُهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ يَعْتَمُّ، وَيُرْخِي مِنْهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَلْبَسُ فِي الصِّيْفِ ثَوْبَيْنِ مُمُشَّقَيْنِ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ، وَيَتْلُو: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِيْنَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [الأَعْرَافُ: 31] .
وَقِيْلَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا سَارَ فِي المَدِيْنَةِ عَلَى بَغْلَتِهِ، لَمْ يَقُلْ لأَحَدٍ: الطَّرِيْقَ، وَيَقُوْلُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ، لَيْسَ لِي أَنْ أُنَحِّيَ عَنْهُ أَحَداً.
وَكَانَ لَهُ جَلاَلَةٌ عجِيْبَةٌ، وَحُقَّ لَهُ -وَاللهِ- ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ أَهْلاً لِلإِمَامَةِ العُظْمَى؛ لِشَرَفِهِ، وَسُؤْدَدِهِ، وَعِلْمِهِ، وَتَأَلُّهِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ.
قَدِ اشْتَهَرَتْ قَصِيْدَةُ الفَرَزْدَقِ - وَهِيَ سَمَاعُنَا -: أَنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ حَجَّ قُبَيْلَ وِلاَيَتِهِ الخِلاَفَةَ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اسْتِلاَمَ الحَجَرِ، زُوْحِمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنَ الحَجَرِ، تَفَرَّقُوا عَنْهُ؛ إِجْلاَلاً لَهُ.
فَوَجَمَ لَهَا هِشَامٌ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَمَا أَعْرِفُهُ؟
فَأَنْشَأَ الفَرَزْدَقُ يَقُوْلُ:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا: ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ ... رُكْنَ الحَطِيْمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُيُغْضِي حَيَاءً، وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِيْنَ يَبْتَسِمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ ... بِجَدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا
وَهِيَ قَصِيْدَةٌ طَوِيْلَةٌ.
قَالَ: فَأَمَرَ هِشَامٌ بِحَبْسِ الفَرَزْدَقِ، فَحُبِسَ بِعُسْفَانَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اعْذِرْ أَبَا فَرَاسٍ.
فَرَدَّهَا، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلاَّ غَضَباً للهِ وَلِرَسُوْلِهِ.
فَرَدَّهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا قَبِلْتَهَا، فَقَدْ عَلِمَ اللهُ نِيَّتَكَ، وَرَأَى مَكَانَكَ، فَقَبِلَهَا.
وَقَالَ فِي هِشَامٍ:
أَيَحْبِسُنِي بَيْنَ المَدِيْنَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا قُلُوْبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيْبُهَا
يُقَلِّبُ رَأْساً لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ ... وَعَيْنَيْنِ حَوْلاَوَيْنِ بَادٍ عُيُوْبُهَا
وَكَانَتْ أُمُّ عَلِيٍّ مِنْ بَنَاتِ مُلُوْكِ الأَكَاسِرَةِ، تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَوْلاَهُ زُيَيْدٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ: عَبْدَ اللهِ بنَ زُيَيْدٍ - بِيَاءيْنِ -.
قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ.
وَقِيْلَ: هِيَ عَمَّةُ أُمِّ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَتِسْعِيْنَ.وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ.
وَقَالَ يَحْيَى أَخُو مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ: مَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَشَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: سَنَةَ ثَلاَثٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَالأَوَّلُ الصَّحِيْحُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: عَاشَ أَبِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: قَبْرُهُ بِالبَقِيْعِ، وَلاَ بَقِيَّةَ لِلْحُسَيْنِ، إِلاَّ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ خَوْلاَنَ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ).
كَذَا يَقُوْلُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ.وَخَالَفَهُ عَشْرَةٌ ثِقَاتٌ، فَرَوَوْهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
فَكُلُّهُم قَالَ: عَنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : عَمْرٌو.
ابْنُه
ُ: أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (ع)
هُوَ السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، الفَاطِمِيُّ، المَدَنِيُّ، وَلَدُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، فِي حَيَاة عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَرَّخَ ذَلِكَ: أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ.
رَوَى عَنْ جَدَّيْهِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُرْسَلاً.
وَعَنْ جَدَّيْهِ: الحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ مُرْسَلاً أَيْضاً.
وَعَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ مُرْسَلاً. د
وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِيْهِ؛ زَيْنِ العَابِدِيْنَ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ مُرْسَلاً أَيْضاً.
وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَهُوَ فِي الرِّوَايَة كَأَبِيْهِ وَابْنِهِ جَعْفَرٍ، ثَلاَثتُهُمْ لاَ يَبْلُغُ حَدِيْثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم جُزْءاً ضَخْماً، وَلَكِنْ لَهُم مَسَائِلُ وَفَتَاوٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالأَعْرَجُ - مَعَ تَقَدُّمِهِمَا - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ،
وَالأَعْمَشُ، وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ، وَحَرْبُ بنُ سُرَيْجٍ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.وَرِوَايَتُهُ عَنِ الحَسَنِ وَعَائِشَةَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ.
وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَمُرَةَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) .
وَكَانَ أَحَدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ، وَالثِّقَةِ وَالرَّزَانَةِ، وَكَانَ أَهْلاً لِلْخِلاَفَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِيْنَ تُبَجِّلُهُمُ الشِّيْعَةُ الإِمَامِيَّةُ، وَتَقُوْلُ بِعِصْمَتِهِمْ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ بِجَمِيْعِ الدِّيْنِ.
فَلاَ عِصْمَةَ إِلاَّ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّيْنَ، وَكلُّ أَحَدٍ يُصِيْبُ وَيُخْطِئُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، سِوَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ مَعْصُوْمٌ، مُؤَيَّدٌ بِالوَحْيِ.
وَشُهِرَ أَبُو جَعْفَرٍ: بِالبَاقِرِ، مِنْ: بَقَرَ العِلْمَ، أَيْ: شَقَّهُ، فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ.
وَلَقَدْ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ إِمَاماً مُجْتَهِداً، تَالِياً لِكِتَابِ اللهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَلَكِنْ لاَ يَبْلُغُ فِي القُرْآنِ دَرَجَةَ ابْنِ كَثِيْرٍ وَنَحْوِهُ، وَلاَ فِي الفِقْهِ دَرَجَةَ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيْعَةَ، وَلاَ فِي الحِفْظِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ دَرَجَةَ قَتَادَةَ وَابْنِ شِهَابٍ، فَلاَ نُحَابِيْهِ وَلاَ نَحِيْفُ عَلَيْهِ، وَنُحِبُّهُ فِي اللهِ؛ لِمَا تَجَمَّعَ فِيْهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ.
قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَهُ جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالاَ لِي: يَا سَالِمُ، تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.
كَانَ سَالِمٌ فِيْهِ تَشَيُّعٌ ظَاهِرٌ، وَمعَ هَذَا فَيَبُثُّ هَذَا القَوْلَ الحَقَّ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ ذُوْ الفَضْلِ، وَكَذَلِكَ نَاقِلُهَا ابْنُ فُضَيْلٍ شِيْعِيٌّ، ثِقَةٌ، فَعَثَّرَ اللهُ شِيْعَةَ زَمَانِنَا، مَا أَغْرَقَهُمْ فِي الجَهْلِ وَالكَذِبِ! فَيَنَالُوْنَ مِنْ
الشَّيْخَيْنِ، وَزِيْرَيِ المُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَحْمِلُوْنَ هَذَا القَوْلَ مِنَ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَى التَّقِيَّةِ.وَرَوَى: إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَتَوَلاَّهُمَا، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَمَا أَدْرَكْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ وَهُوَ يَتَوَلاَّهُمَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ نَخْتَلِفُ إِلَى جَابِرٍ، نَكْتُبُ عَنْهُ فِي أَلْوَاحٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
وَقَدْ عَدَّهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ فِي فُقَهَاءِ التَّابِعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَاتَّفَقَ الحُفَّاظُ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِأَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ القَطِيْعِيُّ فِي (فَوَائِدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالمَجُوْسِ!
فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ).
هَذَا مُرْسَلٌ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ يُقَالُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: بَاقِرُ العِلْمِ، وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ القُرَظِيُّ:
يَا بَاقِرَ العِلْمِ لأَهْلِ التُّقَى ... وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى عَلَى الأَجْبُلِوَقَالَ فِيْهِ مَالِكُ بنُ أَعْيَنَ :
إِذَا طَلَبَ النَّاسُ عِلْمَ القُرَا ... نِ كَانَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ عِيَالاَ
وَإِنْ قِيْلَ: إِبْنُ ابْنِ بِنْتِ الرَّسُوْ ... لِ نِلْتَ بِذَلِكَ فَرْعاً طُوَالاَ
تَحُوْمُ تُهَلِّلُ لِلْمُدْلِجِيْنَ ... جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْماً جِبَالاَ
ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَسَّانٍ القُرَشِيُّ، عَنْ عَمِّهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: أَجْلَسَنِي جَدِّي الحُسَيْنُ فِي حِجْرِه، وَقَالَ لِي: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ.
عَنْ أَبَانِ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
أَتَانِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا فِي الكِتَابِ، فَقَالَ لِي: اكْشِفْ عَنْ بَطْنِكَ.
فَكَشَفْتُ، فَأَلْصَقَ بَطْنَهُ بِبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ أَنْ أُقْرِئَكَ مِنْهُ السَّلاَمَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبَانٍ غَيْرُ المُفَضَّلِ بنِ صَالِحٍ أَبِي جَمِيْلَةَ النّخَّاسِ.
لُوَيْنٌ : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي
جَعْفَرٍ إِزَاراً أَصْفَرَ، وَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِيْنَ رَكْعَةً بِالمَكْتُوْبَةِ.وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: فِي قَوْلِهِ: {لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ} [الحِجْرُ: 75] ، قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْهُم.
الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
حَجَّ الخَلِيْفَةُ هِشَامٌ، فَدَخَلَ الحَرَمَ مُتَّكِئاً عَلَى يَدِ سَالِمٍ مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ: المَفْتُوْنُ بِهِ أَهْلُ العِرَاقِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اذْهب إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ وَيَشْرَبُوْنَ إِلَى أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؟
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى مِثْلِ قُرْصَةِ النَّقِيِّ، فِيْهَا الأَنْهَارُ مُفَجَّرَةٌ.
فَرَأَى هِشَامٌ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: مَا أَشْغَلَهُمْ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَوْمَئِذٍ!
فَفَعَلَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: هُم فِي النَّارِ أَشْغَلُ، وَلَمْ يُشْغَلُوا أَنْ قَالُوا: {أَفِيْضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ } [الأَعْرَافُ: 49] .
قَالَ المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَذْكُرُ ذُنُوْبَهُ، وَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيْهِ، فَبَكَى.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَنْ دَخَلَ قَلْبَهُ مَا فِي خَالِصِ دِيْنِ اللهِ، شَغَلَهُ عَمَّا سِوَاهُ، مَا الدُّنْيَا؟! وَمَا عَسَى أَنْ تَكُوْنَ؟! هَلْ هُوَ إِلاَّ مَرْكَبٌ رَكِبْتَهُ، أَو ثَوْبٌ لَبِسْتَهُ، أَوِ امْرَأَةٌ أَصَبْتَهَا؟!
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:اذْكُرُوا مِنْ عَظَمَةِ اللهِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوْنَ مِنْهُ شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ النَّارِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ الجَنَّةِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَفَضْلُ.
وَعَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
أَجْمَعَ بَنُوْ فَاطِمَةَ عَلَى أَنْ يَقُوْلُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحْسَنَ مَا يَكُوْنُ مِنَ القَوْلِ.
قُلْتُ: أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ: هِيَ صَاحِبَةُ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ.
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: عَنْ خَلَفِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ - وَكَانَ يَتَرَفَّضُ - قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ - وَأَظُنُّ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِي -: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلَّى وَأُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي نَفْسِي غَيْرُ هَذَا، فَلاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ:
قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا} [المَائِدَةُ: 58] .
قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ هُوَ عَلِيٌّ.
قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُم.
شَبَابَةُ: أَنْبَأَنَا بَسَّامٌ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ
يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ، يَتَبَادَرَانِ الصَّفَّ، وَكَانَ الحُسَيْنُ يَسُبُّ مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى يَنْزِلَ، أَفَتَقِيَّةٌ هَذِهِ؟!أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
يَزْعُمُوْنَ أَنِّي المَهْدِيُّ، وَإِنِّي إِلَى أَجَلِي أَدْنَى مِنِّي إِلَى مَا يَدْعُوْنَ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: اشْتَكَى بَعْضُ أَوْلاَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، فَجَزِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، فَسُرِّيَ عَنْهُ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَدْعُوْا اللهَ فِيْمَا نُحِبُّ، فَإِذَا وَقَعَ مَا نَكْرَهُ، لَمْ نُخَالِفِ اللهَ فِيْمَا أَحَبَّ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ:
هَذِهِ تُوُفِّيَ لِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
فَمَاتَ فِيْهَا.
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ جُبَّةَ خَزٍّ، وَمُطْرَفَ خَزٍّ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ثَوْباً مُعْلَماً، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِالأُصْبُعَيْنِ مِنَ العَلَمِ بِالإِبرِيْسِمِ فِي الثَّوْبِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مَوْهَبٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مِلْحَفَةً حَمْرَاءَ.
وَرَوَى: إِسْرَائِيْلُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى:أَنَّهُ رَأَى مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ يُرْسِلُ عِمَامَتَهُ خَلْفَهُ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الوَسْمَةِ، فَقَالَ: هُوَ خِضَابُنَا أَهْلَ البَيْتِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَصِّيْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَبَّأَنَا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَرِيْكٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنْ حِلْيَةِ السُّيُوْفِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ حَلَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ سَيْفَهُ.
قُلْتُ: وَتَقُوْلُ الصِّدِّيْقُ؟
فَوَثَبَ وَثْبَةً، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، فَمَنْ لَمْ يَقُلِ الصِّدِّيْقَ، فَلاَ صَدَّقَ اللهُ لَهُ قَوْلاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِئٍ مِنَ الكِبْرِ شَيْءٌ إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: الصَّوَاعِقُ تُصِيْبُ المُؤْمِنَ وَغَيْرَ المُؤْمِنِ، وَلاَ تُصِيْبُ الذَّاكِرَ.
وَعَنْهُ، قَالَ: سِلاَحُ اللِّئَامِ، قُبْحُ الكَلاَمِ.
مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ.أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَمِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ).
يُكْنَى: أَبَا الحُسَيْنِ.
وَيُقَالُ: أَبُو الحَسَنِ.
وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ.
وَأُمُّهُ: أُمُّ وَلَدٍ، اسْمُهَا: سَلاَّمَةُ سُلاَفَةُ بِنْتُ مَلِكِ الفُرْسِ يَزْدَجِرْدَ.
وَقِيْلَ: غَزَالَةُ.
وُلِدَ فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ ظَنّاً.
وَحَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ؛ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ كَائِنَةِ كَرْبَلاَءَ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَعِشْرُوْنَ سَنَةً، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعُوْكاً، فَلَمْ يُقَاتِلْ، وَلاَ تَعَرَّضُوا لَهُ، بَلْ أَحْضَرُوْهُ
مَعَ آلِهِ إِلَى دِمَشْقَ، فَأَكْرَمَهُ يَزِيْدُ، وَرَدَّهُ مَعَ آلِهِ إِلَى المَدِيْنَةِ.وَحَدَّثَ أَيْضاً عَنْ: جَدِّهِ مُرْسَلاً، وَعَنْ: صَفِيَّةَ أُمِّ المُؤْمِنِيْنَ، وَذَلِكَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) ، وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَرِوَايَتُهُ عَنْهَا فِي (مُسْلِمٍ) ، وَعَنْ: أَبِي رَافِعٍ، وَعَمِّهِ؛ الحَسَنِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَالمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْ: مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وَعُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَسَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ، وَذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَلَيْسَ بِالمُكْثِرِ مِنَ الرِّوَايَةِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ؛ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ، وَعُمَرُ، وَزَيْدٌ المَقْتُوْلٌ، وَعَبْدُ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَالحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَزَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَعَلِيُّ بنُ جُدْعَانَ، وَمُسْلِمٌ البَطِيْنُ، وَحَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَعَاصِمُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَاصِمُ بنُ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ، وَأَبُوْهُ؛ عُمَرُ، وَالقَعْقَاعُ بنُ حَكِيْمٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمِ بنِ هُرْمُزَ، وَمُحَمَّدُ بنُ الفُرَاتِ التَّمِيْمِيُّ، وَالمِنْهَالُ بنُ عَمْرٍو، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو سَلَمَةَ، وَطَاوُوْسٌ، وَهُمَا مِنْ طَبَقَتِهِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ : هُوَ عَلِيٌّ الأَصْغَرُ، وَأَمَّا أَخُوْهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ، فَقُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ بِكَرْبَلاَءَ.
وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ ثِقَةً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ الحَدِيْثِ، عَالِياً، رَفِيْعاً، وَرِعاً.
رَوَى: ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَشِياً أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ قَالَ يَوْمَ كَرْبَلاَءَ: لاَ تَعَرَّضُوا لِهَذَا المَرِيْضِ -يَعْنِي: عَلِيّاً -.ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ مِنَ العُلَمَاءِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ فِي صَلاَتِهِ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ، لَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْلِ، وَكَانَ يَأْتِيْهِ، فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَيُطَوِّلُ عُبَيْدُ اللهِ فِي صَلاَتِهِ، وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَقِيْلَ لَهُ: عَلِيٌّ وَهُوَ مِمَّنْ هُوَ مِنْهُ!
فَقَالَ: لاَ بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الأَمْرَ أَنْ يُعَنَّى بِهِ.
وَقَالَ: قَالَ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ: إِنَّكَ تُجَالِسُ أَقْوَاماً دُوْناً!
قَالَ: آتِي مَنْ أَنْتَفِعُ بِمُجَالَسَتِهِ فِي دِيْنِي.
قَالَ: وَكَانَ نَافِعٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ، وَكَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ رَجُلاً لَهُ فَضْلٌ فِي الدِّيْنِ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَخْرُجُ عَلَى رَاحِلَتِه إِلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُ لاَ يَقْرَعُهَا، وَكَانَ يُجَالِسُ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَدَعُ قُرَيْشاً، وَتُجَالِسُ عَبْدَ بَنِي عَدِيٍّ!
فَقَالَ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حَيْثُ يَنْتَفِعُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَرْدَكَ - يُقَالُ: هُوَ أَخُو عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ لأُمِّهِ - قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ يَدْخُلُ المَسْجِدَ، فَيَشُقُّ النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ.
فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بنُ جُبَيْرٍ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ، تَأْتِي تَتَخَطَّى حَتَّى تَجْلِسَ مَعَ هَذَا العَبْدِ!
فَقَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: العِلْمُ يُبْتَغَى وَيُؤْتَى وَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ كَانَ.
الأَعْمَشُ: عَنْ مَسْعُوْدِ بنِ مَالِكٍ:قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: تَسْتَطِيْعُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ؟
قُلْتُ: مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: أَشْيَاءُ أُرِيْدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا، إِنَّ النَّاسَ يَأْتُوْنَنَا بِمَا لَيْسَ عِنْدَنَا.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
مَا كَانَ أَكْثَرَ مُجَالَسَتِي مَعَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ.
وَرَوَى: شُعَيْبٌ، عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ أَفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَحْسَنِهِم طَاعَةً، وَأَحَبِّهِم إِلَى مَرْوَانَ، وَإِلَى عَبْدِ المَلِكِ.
مَعْمَرٌ: عَنِ الزُهْرِيِّ: لَمْ أُدْرِكْ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ أَفَضْلَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
وَرَوَى: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
مَا رَأَيْتُ فِيْهِم مِثْلَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ.
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ البَيْتِ مِثْلُهُ، وَهُوَ ابْنُ أَمَةٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفَضْلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُوْلُ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَحِبُّوْنَا حُبَّ الإِسْلاَمِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَاراً.
أَبُو مُعَاوِيَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَا أَهْلَ العِرَاقِ، أَحِبُّوْنَا
حُبَّ الإِسْلاَمِ، وَلاَ تُحِبُّوْنَا حُبَّ الأَصْنَامِ، فَمَا زَالَ بِنَا حُبُّكُم حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا شَيْناً.قَالَ الأَصْمَعِيُّ: لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقِبٌ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ- إِلاَّ مِنِ ابْنِهِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ وَلَدٌ إِلاَّ مِنْ أُمِّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ الحَسَنِ، وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّهِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَرَى نَسْلَ أَبِيْكَ قَدِ انْقَطَعَ، فَلَوِ اتَّخَذْتَ السَّرَارِي، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْهُنَّ.
قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَشْتَرِي.
قَالَ: فَأَنَا أُقْرِضُكَ.
فَأَقْرَضَهُ مائَةَ أَلْفٍ، فَاتَّخَذَ السَّرَارِيَ، وَوُلِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الوَلَدِ، ثُمَّ أَوْصَى مَرْوَانُ لَمَّا احْتُضِرَ: أَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ المَالُ.
إِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ، وَمَرْوَانُ مَا احْتُضِرَ، فَإِنَّ امْرَأَتَهَ غَمَّتْهُ تَحْتَ وِسَادَةٍ هِيَ وَجَوَارِيْهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ البَرْقِيِّ : نَسْلُ الحُسَيْنِ كُلُّهُ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ، وَكَانَ أَفَضْلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ قُرَيْشاً رَغِبَتْ فِي أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ بَعْدَ الزُّهْدِ فِيْهنَّ حِيْنَ نَشَأَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَالقَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
قَالَ العِجْلِيُّ: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مَدَنِيٌّ، تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنْ عَائِشَةَ، وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ يَقُوْلُ: سِنُّهُ وَسِنُّ الزُّهْرِيِّ وَاحِدٌ.
قُلْتُ: وَهِمَ ابْنُ صَالِحٍ، بَلْ عَلِيٌّ أَسَنُّ بِكَثِيْرٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ.
وَرُوِيَ عَنْ: أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ:أَصَحُّ الأَسَانِيْدِ كُلِّهَا: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ.
عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ: عَنِ الزُهْرِيِّ، قَالَ:
حَدَّثْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ، قَالَ: أَحْسَنْتَ! هَكَذَا حُدِّثْنَاهُ.
قُلْتُ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيْثٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، فَلَيْسَ مَا لاَ يُعْرَفُ مِنَ العِلْمِ، إِنَّمَا العِلْمُ مَا عُرِفَ، وَتَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الأَلْسُنُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ لابْنِ المُسَيِّبِ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْ فُلاَنٍ!
قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَوْرَعَ مِنْهُ !
وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بنُ أَسْمَاءَ: مَا أَكَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْهَماً قَطُّ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ خَالِدٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، قَالَ:
بَعَثَ المُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بِمائَةِ أَلْفٍ، فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَخَافَ أَنْ يَرُدَّهَا، فَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ.
فَلَمَّا قُتِلَ المُخْتَارُ، بَعَثَ يُخْبِرُ بِهَا عَبْدَ المَلِكِ، وَقَالَ: ابْعَثْ مَنْ يَقْبَضُهَا.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ المَلِكِ: يَا ابْنَ العَمِّ، خُذْهَا، قَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ، فَقَبِلَهَا.
مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيُّ: عَنْ أَبِي نُوْحٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
وَقَعَ حَرِيْقٌ فِي بَيْتٍ فِيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَجَعَلُوا يَقُوْلُوْنَ: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ، النَّارَ!
فَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى طُفِئَتْ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَلْهَتْنِي عَنْهَا
النَّارُ الأُخْرَى.ابْنُ سَعْدٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ:
كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا مَشَى لاَ تُجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَيْهِ، وَلاَ يَخْطِرُ بِهَا، وَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ.
فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: تَدْرُوْنَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُوْمُ وَمَنْ أُنَاجِي ؟!
وَعَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ، اصْفَرَّ.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ: عَنْ سُفْيَانَ:
حَجَّ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَحْرَمَ اصْفَرَّ، وَانْتَفَضَ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُلَبِّيَ.
فَقِيْلَ: أَلاَ تُلَبِّي؟
قَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُوْلَ: لَبَّيْكَ، فَيَقُوْلُ لِي: لاَ لَبَّيْكَ.
فَلَمَّا لَبَّى، غُشِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بَعْضُ ذَلِكَ بِهِ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ.
إِسْنَادُهَا مُرْسَلٌ.
وَرَوَى: مُصْعَبُ بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَالِكٍ:
أَحْرَمَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ، قَالَهَا، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَسَقَطَ مِنْ نَاقَتِهِ، فَهُشِمَ.
وَلَقَدْ بَلَغَنِي: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَكَانَ يُسَمَّى: زَيْنُ العَابِدِيْنَ؛ لِعِبَادَتِهِ.
وَيُرْوَى عَنْ: جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا احْتُضِرَ، بَكَى.
فَقُلْتُ: يَا أَبْتِ! مَا يُبْكِيْكَ؟
قَالَ: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، لَمْ يَبْقَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلاَّ كَانَ للهِ
فِيْهِ المَشِيْئَةُ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ.إِسْنَادُهَا تَالِفٌ.
عَنْ طَاوُوْسٍ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ وَهُوَ سَاجِدٌ فِي الحِجْرِ يَقُوْلُ:
عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِيْنُكَ بِفِنَائِكَ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ، فَقِيْرُكَ بِفِنَائِكَ.
قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَعَوْتُ بِهِ فِي كَرْبٍ قَطُّ، إِلاَّ كُشِفَ عَنِّي.
حَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ: عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ:
أَنَّ أَبَاهُ قَاسَمَ اللهَ -تَعَالَى- مَالَهُ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُذْنِبَ التَّوَّابَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ:
أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَحْمِلُ الخُبْزَ بِاللَّيْلِ عَلَى ظَهْرِهِ، يَتْبَعُ بِهِ المَسَاكِيْنَ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ.
يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ:
كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ المَدِيْنَةِ يَعِيْشُوْنَ لاَ يَدْرُوْنَ مِنْ أَيْنَ كَانَ مَعَاشُهُم، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، فَقَدُوا ذَلِكَ الَّذِي كَانُوا يُؤْتَوْنَ بِاللَّيْلِ.
جَرِيْرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ: عَنْ عَمْرِو بنِ ثَابِتٍ:
لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَجَدُوا بِظَهْرِهِ أَثَراً مِمَّا كَانَ يَنْقُلُ الجُرْبَ بِاللَّيْلِ إِلَى مَنَازِلِ الأَرَامِلِ.
وَقَالَ شَيْبَةُ بنُ نَعَامَةَ: لَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ، وَجَدُوْهُ يَعُوْلَ مائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ.قُلْتُ: لِهَذَا كَانَ يُبَخَّلُ، فَإِنَّهُ يُنْفِقُ سِرّاً، وَيَظُنُّ أَهْلُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ.
وَقَالَ بَعْضُهُم: مَا فَقَدْنَا صَدَقَةَ السِّرِّ حَتَّى تُوُفِّيَ عَلِيٌّ.
وَرَوَى: وَاقِدُ بنُ مُحَمَّدٍ العُمَرِيُّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ مَرْجَانَةَ:
أَنَّهُ لَمَّا حَدَّثَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ بَعُضْوٍ مِنْهُ مِنَ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ ) ، فَأَعْتَقَ عَلِيٌّ غُلاَماً لَهُ، أَعْطَاهُ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
وَرَوَى: حَاتِمُ بنُ أَبِي صَغِيْرَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ مُحَمَّدٌ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟
قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ.
قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟
قَالَ: بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قَالَ: فَهِيَ عَلَيَّ.
عَلِيُّ بنُ مُوْسَى الرِّضَا: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: إِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ أَنْ أَرَى الأَخَ مِنْ إِخْوَانِي، فَأَسْأَلَ اللهَ لَهُ الجَنَّةَ، وَأَبْخَلَ عَلَيْهِ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ غَداً قِيْلَ لِي: لَوْ كَانَتِ الجَنَّةُ بِيَدِكَ، لَكُنْتَ بِهَا أَبْخَلَ وَأَبْخَلَ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ المَدَنِيُّ: مَا رَأَيْتُ هَاشِمِيّاً أَفْقَهَ مِنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، سَمِعْتُهُ وَقَدْ سُئِلَ:
كَيْفَ كَانَتْ مَنْزِلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى القَبْرِ، ثُمَّ قَالَ: بِمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ السَّاعَةَ.رَوَاهَا: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ.
يَحْيَى بنُ كَثِيْرٍ: عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ؟
قَالَ: عَنِ الصِّدِّيْقِ تَسْأَلُ؟
قَالَ: وَتُسَمِّيْهِ الصِّدِّيْقَ؟
قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! قَدْ سَمَّاهُ صِدِّيْقاً مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي؛ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمُهَاجِرُوْنَ، وَالأَنْصَارُ، فَمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ صِدِّيْقاً، فَلاَ صَدَّقَ اللهَ قَوْلَهُ، اذْهَبْ، فَأَحِبَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَوَلَّهُمَا، فَمَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ فَفِي عُنُقِي.
وَعَنْهُ: أَنَّهُ أَتَاهُ قَوْمٌ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: حَسْبُنَا أَنْ نَكُوْنَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِنَا.
الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ قُدَامَةَ الجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَدِمَ قَوْمٌ مِنَ العِرَاقِ، فَجَلَسُوا إِلَيَّ، فَذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَسَبُّوْهُمَا، ثُمَّ ابْتَرَكُوا فِي عُثْمَانَ ابْتِرَاكاً، فَشَتَمْتُهُم.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَا يَسُرُّنِي بِنَصِيْبِي مِنَ الذُّلِّ حُمْرُ النَّعَمِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ طَارِقٍ، أَنْبَأَنَا يُوْسُفُ بنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ، عَنْ فُضَيْلِ بنِ غَزْوَانَ،
قَالَ:قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: مَنْ ضَحِكَ ضِحْكَةً، مَجَّ مَجَّةً مِنْ عِلْمٍ.
وَبِهِ: قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:
إِنَّ الجَسَدَ إِذَا لَمْ يَمْرَضْ أَشِرَ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَدٍ يَأْشَرُ.
وَعَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: فَقْدُ الأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوْذُ بِكَ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَوَائِحِ العُيُوْنِ عَلاَنِيَتِي، وَتُقَبِّحَ فِي خَفِيَّاتِ العُيُوْنِ سَرِيْرَتِي، اللَّهُمَّ كَمَا أَسَأْتُ وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ، فَإِذَا عُدْتُ، فَعُدْ عَلَيَّ.
قَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ:
اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي، فَأَعْجَزُ عَنْهَا، وَلاَ تَكِلْنِي إِلَى المَخْلُوْقِيْنَ، فَيُضَيِّعُوْنِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: عَنِ الزُهْرِيِّ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ عَنِ القُرْآنِ؟
فَقَالَ: كِتَابُ اللهِ وَكَلاَمُهُ.
أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَوْفٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: جَاءنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: جِئْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَمَا جِئْتُ حَاجّاً وَلاَ مُعْتَمِراً.
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: جِئْتُ لأَسْأَلَكَ مَتَى يُبْعَثُ عَلِيٌّ؟
فَقُلْتُ: يُبْعَثُ - وَاللهِ - يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ تُهِمُّهُ نَفْسُهُ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو يَعْقُوْبَ المَدَنِيُّ، قَالَ:كَانَ بَيْنَ حَسَنِ بنِ حَسَنٍ وَبَيْنَ ابْنِ عَمِّهِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ شَيْءٌ، فَمَا تَرَكَ حَسَنٌ شَيْئاً إِلاَّ قَالَهُ، وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ، فَذَهَبَ حَسَنٌ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ، أَتَاهُ عَلِيٌّ، فَخَرَجَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا ابْنَ عَمِّي، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً، فَغَفَرَ اللهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَغَفَرَ اللهُ لَكَ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ.
قَالَ: فَالْتَزَمَهُ حَسَنٌ، وَبَكَى، حَتَّى رَثَى لَهُ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ دِيْنَارٍ - ثِقَةٌ - قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنِ المُخْتَارِ، فَقَالَ: قَامَ أَبِي عَلَى بَابِ الكَعْبَةِ، فَلَعَنَ المُخْتَارَ، فَقِيْلَ لَهُ: تَلْعَنُهُ، وَإِنَّمَا ذُبِحَ فِيْكُم؟!
قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ، وَعَلَى رَسُوْلِهِ.
وَعَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ:
إِنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَهُم -يَعْنِي: الأُمَوِيَّةَ- مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُم مِنْ غَيْرِ تَقِيَّةٍ.
رَوَاهُ: أَبُو إِسْرَائِيْلَ المُلاَئِيُّ، عَنْهُ.
وَرَوَى: عُمَرُ بنُ حَبِيْبٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ: وَاللهِ مَا قُتِلَ عُثْمَانُ -رَحِمَهُ اللهُ- عَلَى وَجْهِ الحَقِّ.
نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ وَالكَتَمِ.
وَقِيْلَ: كَانَ لَهُ كِسَاءٌ أَصْفَرُ يَلْبَسُهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَكِيْمٍ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ كِسَاءَ خَزٍّ، وَجُبَّةَ خَزًّ.وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمِّهِ:
أَنَّ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الخَزِّ بِخَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، يَشْتُو فِيْهِ، ثُمَّ يَبِيْعُهُ، وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ هِلاَلٍ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ يَعْتَمُّ، وَيُرْخِي مِنْهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ.
وَقِيْلَ: كَانَ يَلْبَسُ فِي الصِّيْفِ ثَوْبَيْنِ مُمُشَّقَيْنِ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ، وَيَتْلُو: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِيْنَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرجَ لِعِبَادِهِ، وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } [الأَعْرَافُ: 31] .
وَقِيْلَ: كَانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ إِذَا سَارَ فِي المَدِيْنَةِ عَلَى بَغْلَتِهِ، لَمْ يَقُلْ لأَحَدٍ: الطَّرِيْقَ، وَيَقُوْلُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ، لَيْسَ لِي أَنْ أُنَحِّيَ عَنْهُ أَحَداً.
وَكَانَ لَهُ جَلاَلَةٌ عجِيْبَةٌ، وَحُقَّ لَهُ -وَاللهِ- ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَ أَهْلاً لِلإِمَامَةِ العُظْمَى؛ لِشَرَفِهِ، وَسُؤْدَدِهِ، وَعِلْمِهِ، وَتَأَلُّهِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ.
قَدِ اشْتَهَرَتْ قَصِيْدَةُ الفَرَزْدَقِ - وَهِيَ سَمَاعُنَا -: أَنَّ هِشَامَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ حَجَّ قُبَيْلَ وِلاَيَتِهِ الخِلاَفَةَ، فَكَانَ إِذَا أَرَادَ اسْتِلاَمَ الحَجَرِ، زُوْحِمَ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ مِنَ الحَجَرِ، تَفَرَّقُوا عَنْهُ؛ إِجْلاَلاً لَهُ.
فَوَجَمَ لَهَا هِشَامٌ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَمَا أَعْرِفُهُ؟
فَأَنْشَأَ الفَرَزْدَقُ يَقُوْلُ:
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ ... وَالبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللهِ كُلِّهِمِ ... هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا: ... إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الكَرَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانُ رَاحَتِهِ ... رُكْنَ الحَطِيْمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُيُغْضِي حَيَاءً، وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ ... فَمَا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِيْنَ يَبْتَسِمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ ... بِجَدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللهِ قَدْ خُتِمُوا
وَهِيَ قَصِيْدَةٌ طَوِيْلَةٌ.
قَالَ: فَأَمَرَ هِشَامٌ بِحَبْسِ الفَرَزْدَقِ، فَحُبِسَ بِعُسْفَانَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اعْذِرْ أَبَا فَرَاسٍ.
فَرَدَّهَا، وَقَالَ: مَا قُلْتُ ذَلِكَ إِلاَّ غَضَباً للهِ وَلِرَسُوْلِهِ.
فَرَدَّهَا إِلَيْهِ، وَقَالَ: بِحَقِّي عَلَيْكَ لَمَا قَبِلْتَهَا، فَقَدْ عَلِمَ اللهُ نِيَّتَكَ، وَرَأَى مَكَانَكَ، فَقَبِلَهَا.
وَقَالَ فِي هِشَامٍ:
أَيَحْبِسُنِي بَيْنَ المَدِيْنَةِ وَالَّتِي ... إِلَيْهَا قُلُوْبُ النَّاسِ يَهْوِي مُنِيْبُهَا
يُقَلِّبُ رَأْساً لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ ... وَعَيْنَيْنِ حَوْلاَوَيْنِ بَادٍ عُيُوْبُهَا
وَكَانَتْ أُمُّ عَلِيٍّ مِنْ بَنَاتِ مُلُوْكِ الأَكَاسِرَةِ، تَزَوَّجَ بِهَا بَعْدَ الحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: مَوْلاَهُ زُيَيْدٌ، فَوَلَدَتْ لَهُ: عَبْدَ اللهِ بنَ زُيَيْدٍ - بِيَاءيْنِ -.
قَالَهُ: ابْنُ سَعْدٍ.
وَقِيْلَ: هِيَ عَمَّةُ أُمِّ الخَلِيْفَةِ يَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالبُخَارِيُّ، وَالفَلاَّسُ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
وَتِسْعِيْنَ.وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ.
وَقَالَ يَحْيَى أَخُو مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَسَنٍ: مَاتَ فِي رَابِعَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لَيْلَةَ الثُّلاَثَاءِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ، وَشَبَابٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ.
وَقَالَ مَعْنُ بنُ عِيْسَى: سَنَةَ ثَلاَثٍ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ.
وَالأَوَّلُ الصَّحِيْحُ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ: عَاشَ أَبِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
قُلْتُ: قَبْرُهُ بِالبَقِيْعِ، وَلاَ بَقِيَّةَ لِلْحُسَيْنِ، إِلاَّ مِنْ قِبَلِ ابْنِهِ زَيْنِ العَابِدِيْنَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي الأَبَرْقُوْهِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ الدِّيْنَوَرِيُّ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ (ح) .
وَأَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَمُحَمَّدُ بنُ بِطِّيْخٍ، وَأَحْمَدُ بنُ مُؤْمِنٍ، وَعَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ خَوْلاَنَ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَجْمٍ الوَاعِظُ، وَأَخْبَرَتْنَا خَدِيْجَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَنَا البَهَاءُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ:
أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ الكَاتِبَةُ، أَنْبَأَنَا الحُسَيْنُ بنُ طَلْحَةَ، قَالاَ:
أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ).
كَذَا يَقُوْلُ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: عُمَرُ بنُ عُثْمَانَ.وَخَالَفَهُ عَشْرَةٌ ثِقَاتٌ، فَرَوَوْهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
فَكُلُّهُم قَالَ: عَنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ.
وَكَذَلِكَ هُوَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ) : عَمْرٌو.
ابْنُه
ُ: أَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ (ع)
هُوَ السَّيِّدُ، الإِمَامُ، أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ العَلَوِيُّ، الفَاطِمِيُّ، المَدَنِيُّ، وَلَدُ زَيْنِ العَابِدِيْنَ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، فِي حَيَاة عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَرَّخَ ذَلِكَ: أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ.
رَوَى عَنْ جَدَّيْهِ: النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُرْسَلاً.
وَعَنْ جَدَّيْهِ: الحَسَنِ، وَالحُسَيْنِ مُرْسَلاً أَيْضاً.
وَعَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ مُرْسَلاً. د
وَعَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِيْهِ؛ زَيْنِ العَابِدِيْنَ، وَمُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَائِفَةٍ.
وَعَنْ: أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ مُرْسَلاً أَيْضاً.
وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، وَهُوَ فِي الرِّوَايَة كَأَبِيْهِ وَابْنِهِ جَعْفَرٍ، ثَلاَثتُهُمْ لاَ يَبْلُغُ حَدِيْثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم جُزْءاً ضَخْماً، وَلَكِنْ لَهُم مَسَائِلُ وَفَتَاوٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالأَعْرَجُ - مَعَ تَقَدُّمِهِمَا - وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، وَرَبِيْعَةُ الرَّأْيِ، وَلَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَقُرَّةُ بنُ خَالِدٍ، وَحَجَّاجُ بنُ أَرْطَاةَ،
وَالأَعْمَشُ، وَمُخَوَّلُ بنُ رَاشِدٍ، وَحَرْبُ بنُ سُرَيْجٍ، وَالقَاسِمُ بنُ الفَضْلِ الحُدَّانِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَآخَرُوْنَ.وَرِوَايَتُهُ عَنِ الحَسَنِ وَعَائِشَةَ فِي (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) ، وَذَلِكَ مُنْقَطِعٌ.
وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَمُرَةَ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) .
وَكَانَ أَحَدَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ، وَالثِّقَةِ وَالرَّزَانَةِ، وَكَانَ أَهْلاً لِلْخِلاَفَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الاثْنَيْ عَشَرَ الَّذِيْنَ تُبَجِّلُهُمُ الشِّيْعَةُ الإِمَامِيَّةُ، وَتَقُوْلُ بِعِصْمَتِهِمْ وَبِمَعْرِفَتِهِمْ بِجَمِيْعِ الدِّيْنِ.
فَلاَ عِصْمَةَ إِلاَّ لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّبِيِّيْنَ، وَكلُّ أَحَدٍ يُصِيْبُ وَيُخْطِئُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، سِوَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ مَعْصُوْمٌ، مُؤَيَّدٌ بِالوَحْيِ.
وَشُهِرَ أَبُو جَعْفَرٍ: بِالبَاقِرِ، مِنْ: بَقَرَ العِلْمَ، أَيْ: شَقَّهُ، فَعَرَفَ أَصْلَهُ وَخَفِيَّهُ.
وَلَقَدْ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ إِمَاماً مُجْتَهِداً، تَالِياً لِكِتَابِ اللهِ، كَبِيْرَ الشَّأْنِ، وَلَكِنْ لاَ يَبْلُغُ فِي القُرْآنِ دَرَجَةَ ابْنِ كَثِيْرٍ وَنَحْوِهُ، وَلاَ فِي الفِقْهِ دَرَجَةَ أَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيْعَةَ، وَلاَ فِي الحِفْظِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ دَرَجَةَ قَتَادَةَ وَابْنِ شِهَابٍ، فَلاَ نُحَابِيْهِ وَلاَ نَحِيْفُ عَلَيْهِ، وَنُحِبُّهُ فِي اللهِ؛ لِمَا تَجَمَّعَ فِيْهِ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ.
قَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَهُ جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالاَ لِي: يَا سَالِمُ، تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.
كَانَ سَالِمٌ فِيْهِ تَشَيُّعٌ ظَاهِرٌ، وَمعَ هَذَا فَيَبُثُّ هَذَا القَوْلَ الحَقَّ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الفَضْلَ لأَهْلِ الفَضْلِ ذُوْ الفَضْلِ، وَكَذَلِكَ نَاقِلُهَا ابْنُ فُضَيْلٍ شِيْعِيٌّ، ثِقَةٌ، فَعَثَّرَ اللهُ شِيْعَةَ زَمَانِنَا، مَا أَغْرَقَهُمْ فِي الجَهْلِ وَالكَذِبِ! فَيَنَالُوْنَ مِنْ
الشَّيْخَيْنِ، وَزِيْرَيِ المُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَحْمِلُوْنَ هَذَا القَوْلَ مِنَ البَاقِرِ وَالصَّادِقِ عَلَى التَّقِيَّةِ.وَرَوَى: إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَتَوَلاَّهُمَا، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَمَا أَدْرَكْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي إِلاَّ وَهُوَ يَتَوَلاَّهُمَا.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ، قَالَ:
كُنْتُ أَنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ نَخْتَلِفُ إِلَى جَابِرٍ، نَكْتُبُ عَنْهُ فِي أَلْوَاحٍ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُصَلِّي فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مائَةً وَخَمْسِيْنَ رَكْعَةً.
وَقَدْ عَدَّهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ فِي فُقَهَاءِ التَّابِعِيْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَاتَّفَقَ الحُفَّاظُ عَلَى الاحْتِجَاجِ بِأَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ القَطِيْعِيُّ فِي (فَوَائِدِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الكَجِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِالمَجُوْسِ!
فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، فَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ).
هَذَا مُرْسَلٌ.
قَالَ الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ يُقَالُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: بَاقِرُ العِلْمِ، وَأُمُّهُ: هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللهِ بِنْتُ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ.
وَفِيْهِ يَقُوْلُ القُرَظِيُّ:
يَا بَاقِرَ العِلْمِ لأَهْلِ التُّقَى ... وَخَيْرَ مَنْ لَبَّى عَلَى الأَجْبُلِوَقَالَ فِيْهِ مَالِكُ بنُ أَعْيَنَ :
إِذَا طَلَبَ النَّاسُ عِلْمَ القُرَا ... نِ كَانَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ عِيَالاَ
وَإِنْ قِيْلَ: إِبْنُ ابْنِ بِنْتِ الرَّسُوْ ... لِ نِلْتَ بِذَلِكَ فَرْعاً طُوَالاَ
تَحُوْمُ تُهَلِّلُ لِلْمُدْلِجِيْنَ ... جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْماً جِبَالاَ
ابْنُ عُقْدَةَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي نَجِيْحٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ حَسَّانٍ القُرَشِيُّ، عَنْ عَمِّهِ؛ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ كَثِيْرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: أَجْلَسَنِي جَدِّي الحُسَيْنُ فِي حِجْرِه، وَقَالَ لِي: رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ.
عَنْ أَبَانِ بنِ تَغْلِبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
أَتَانِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَنَا فِي الكِتَابِ، فَقَالَ لِي: اكْشِفْ عَنْ بَطْنِكَ.
فَكَشَفْتُ، فَأَلْصَقَ بَطْنَهُ بِبَطْنِي، ثُمَّ قَالَ: أَمَرَنِي رَسُوْلُ اللهِ أَنْ أُقْرِئَكَ مِنْهُ السَّلاَمَ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لاَ أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَبَانٍ غَيْرُ المُفَضَّلِ بنِ صَالِحٍ أَبِي جَمِيْلَةَ النّخَّاسِ.
لُوَيْنٌ : حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوْبَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى، قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي
جَعْفَرٍ إِزَاراً أَصْفَرَ، وَكَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِيْنَ رَكْعَةً بِالمَكْتُوْبَةِ.وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: فِي قَوْلِهِ: {لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ} [الحِجْرُ: 75] ، قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْهُم.
الزُّبَيْرُ فِي (النَّسَبِ) : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ:
حَجَّ الخَلِيْفَةُ هِشَامٌ، فَدَخَلَ الحَرَمَ مُتَّكِئاً عَلَى يَدِ سَالِمٍ مَوْلاَهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، هَذَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ.
فَقَالَ: المَفْتُوْنُ بِهِ أَهْلُ العِرَاقِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اذْهب إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: يَقُوْلُ لَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: مَا الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ وَيَشْرَبُوْنَ إِلَى أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُم يَوْمَ القِيَامَةِ؟
فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى مِثْلِ قُرْصَةِ النَّقِيِّ، فِيْهَا الأَنْهَارُ مُفَجَّرَةٌ.
فَرَأَى هِشَامٌ أَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ، فَقَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ: مَا أَشْغَلَهُمْ عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ يَوْمَئِذٍ!
فَفَعَلَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: هُم فِي النَّارِ أَشْغَلُ، وَلَمْ يُشْغَلُوا أَنْ قَالُوا: {أَفِيْضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ } [الأَعْرَافُ: 49] .
قَالَ المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بنُ أَبِي سُلَيْمٍ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَذْكُرُ ذُنُوْبَهُ، وَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ فِيْهِ، فَبَكَى.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: مَنْ دَخَلَ قَلْبَهُ مَا فِي خَالِصِ دِيْنِ اللهِ، شَغَلَهُ عَمَّا سِوَاهُ، مَا الدُّنْيَا؟! وَمَا عَسَى أَنْ تَكُوْنَ؟! هَلْ هُوَ إِلاَّ مَرْكَبٌ رَكِبْتَهُ، أَو ثَوْبٌ لَبِسْتَهُ، أَوِ امْرَأَةٌ أَصَبْتَهَا؟!
أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:اذْكُرُوا مِنْ عَظَمَةِ اللهِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوْنَ مِنْهُ شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ النَّارِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَشَدُّ مِنْهُ، وَاذْكُرُوا مِنَ الجَنَّةِ مَا شِئْتُمْ، وَلاَ تَذْكُرُوا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ وَهِيَ أَفَضْلُ.
وَعَنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
أَجْمَعَ بَنُوْ فَاطِمَةَ عَلَى أَنْ يَقُوْلُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَحْسَنَ مَا يَكُوْنُ مِنَ القَوْلِ.
قُلْتُ: أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ: هِيَ صَاحِبَةُ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَأُمُّ وَلَدِهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ.
مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ: عَنْ خَلَفِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ - وَكَانَ يَتَرَفَّضُ - قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ مَرِيْضٌ، فَقَالَ - وَأَظُنُّ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِي -: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَلَّى وَأُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فِي نَفْسِي غَيْرُ هَذَا، فَلاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
عِيْسَى بنُ يُوْنُسَ: عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ:
قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُوْلُهُ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا} [المَائِدَةُ: 58] .
قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ هُوَ عَلِيٌّ.
قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُم.
شَبَابَةُ: أَنْبَأَنَا بَسَّامٌ، سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: كَانَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ
يُصَلِّيَانِ خَلْفَ مَرْوَانَ، يَتَبَادَرَانِ الصَّفَّ، وَكَانَ الحُسَيْنُ يَسُبُّ مَرْوَانَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ حَتَّى يَنْزِلَ، أَفَتَقِيَّةٌ هَذِهِ؟!أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
يَزْعُمُوْنَ أَنِّي المَهْدِيُّ، وَإِنِّي إِلَى أَجَلِي أَدْنَى مِنِّي إِلَى مَا يَدْعُوْنَ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: اشْتَكَى بَعْضُ أَوْلاَدِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، فَجَزِعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، فَسُرِّيَ عَنْهُ.
فَقِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَدْعُوْا اللهَ فِيْمَا نُحِبُّ، فَإِذَا وَقَعَ مَا نَكْرَهُ، لَمْ نُخَالِفِ اللهَ فِيْمَا أَحَبَّ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعَمَّتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ:
هَذِهِ تُوُفِّيَ لِي ثَمَانِياً وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
فَمَاتَ فِيْهَا.
قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ جُبَّةَ خَزٍّ، وَمُطْرَفَ خَزٍّ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ثَوْباً مُعْلَماً، فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِالأُصْبُعَيْنِ مِنَ العَلَمِ بِالإِبرِيْسِمِ فِي الثَّوْبِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ مَوْهَبٍ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مِلْحَفَةً حَمْرَاءَ.
وَرَوَى: إِسْرَائِيْلُ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى:أَنَّهُ رَأَى مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ يُرْسِلُ عِمَامَتَهُ خَلْفَهُ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الوَسْمَةِ، فَقَالَ: هُوَ خِضَابُنَا أَهْلَ البَيْتِ.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصَّفَّارُ، أَنْبَأَنَا ابْنُ خَلِيْلٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو المَكَارِمِ التَّيْمِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيٍّ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ المَصِّيْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ خُلَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، نَبَّأَنَا بَسَّامٌ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنِ القُرْآنِ، فَقَالَ: كَلاَمُ اللهِ، غَيْرُ مَخْلُوْقٍ.
وَبِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ حُبَيْشٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ شَرِيْكٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الجُعْفِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ عَنْ حِلْيَةِ السُّيُوْفِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، قَدْ حَلَّى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ سَيْفَهُ.
قُلْتُ: وَتَقُوْلُ الصِّدِّيْقُ؟
فَوَثَبَ وَثْبَةً، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، نَعَمْ الصِّدِّيْقُ، فَمَنْ لَمْ يَقُلِ الصِّدِّيْقَ، فَلاَ صَدَّقَ اللهُ لَهُ قَوْلاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عَنْ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِئٍ مِنَ الكِبْرِ شَيْءٌ إِلاَّ نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: الصَّوَاعِقُ تُصِيْبُ المُؤْمِنَ وَغَيْرَ المُؤْمِنِ، وَلاَ تُصِيْبُ الذَّاكِرَ.
وَعَنْهُ، قَالَ: سِلاَحُ اللِّئَامِ، قُبْحُ الكَلاَمِ.
مَاتَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمائَةٍ بِالمَدِيْنَةِ.أَرَّخَهُ: أَبُو نُعَيْمٍ، وَسَعِيْدُ بنُ عُفَيْرٍ، وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ.
وَقِيْلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ.
وَمِنْ عَالِي رِوَايَتِهِ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا:
أَنْبَأَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ هَزَارْمَرْدَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ حَبَابَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ الفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قَالَ:
كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ).
علي بن محمد بن المحسن بن يحيى بن جعفر بن علي بن محمد بن علي ابن مُوسَى بْنُ جَعْفَر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، أبو غالب العلوي الحسيني، نقيب مشهد باب التبن:
سمع القاضي أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي وغيره، وحدث باليسير، روى عنه: أبو القاسم المبارك بن محمد بن الحسين بن البزوري، وأبو طاهر السلفي، وكتب عنه: أَبُو عَبْد اللَّهِ الحسين بْن محمد البخلي، ونقلت نسبه بخطه.
أخبرنا عتيق بن الحسن الأنصاري بالقاهرة، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنبأنا أبو طالب علي بن محمد بن المحسن نقيب المشهد ببغداد، أنبأنا أبو الحسين محمد
ابن علي بن المهتدي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، حدّثنا محمد بن هارون الحضرمي، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدّثنا إسماعيل ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبي الخليل ، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا رزقا بركة بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما» .
وأنبأنا عتيق بن الحسن أن السلفي أخبره أنه سأل أبا طالب النقيب عن مولده فذكر أنه سنة ثلاث وأربعمائة، وأنه سمع ابن قشيش وآخرين.
قرأت في كتاب أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي بخطه قال: مات الشريف أبو طالب علي بن المحسن العلوي نقيب المشهد بمقابر قريش يوم الأربعاء تاسع عشر المحرم سنة خمسمائة وكان قد جاوز المائة سنة من عمره.
سمع القاضي أبا الحسين محمد بن علي بن المهتدي وغيره، وحدث باليسير، روى عنه: أبو القاسم المبارك بن محمد بن الحسين بن البزوري، وأبو طاهر السلفي، وكتب عنه: أَبُو عَبْد اللَّهِ الحسين بْن محمد البخلي، ونقلت نسبه بخطه.
أخبرنا عتيق بن الحسن الأنصاري بالقاهرة، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي، أنبأنا أبو طالب علي بن محمد بن المحسن نقيب المشهد ببغداد، أنبأنا أبو الحسين محمد
ابن علي بن المهتدي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، حدّثنا محمد بن هارون الحضرمي، حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدّثنا إسماعيل ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أبي الخليل ، عن عبد الله بن الحارث، عن حكيم بن حزام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا رزقا بركة بيعهما وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما» .
وأنبأنا عتيق بن الحسن أن السلفي أخبره أنه سأل أبا طالب النقيب عن مولده فذكر أنه سنة ثلاث وأربعمائة، وأنه سمع ابن قشيش وآخرين.
قرأت في كتاب أبي غالب شجاع بن فارس الذهلي بخطه قال: مات الشريف أبو طالب علي بن المحسن العلوي نقيب المشهد بمقابر قريش يوم الأربعاء تاسع عشر المحرم سنة خمسمائة وكان قد جاوز المائة سنة من عمره.
عَلِيّ بْن مُوسَى بْنُ جَعْفَر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، الملقب بالرضا :
وأمه أم ولد نوبية، واسمها مسكينة، ولد بمدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم في سنة ثمان وأربعين ومائة ونشأ بها، وسمع الحديث من والده وعمومته إسماعيل، وعبد الله، وإسحاق، وعلي بني جعفر، وعبد الرحمن بن أبي الموالي القرشي، وغيرهم من أهل الحجاز، وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابن نيف وعشرين سنة، استدعاه أمير المؤمنين المأمون إلى خراسان وجعله ولي عهده فلم تطل أيامه حتى أدركه أجله، وكان قد حدث بخراسان وغيرها من البلاد، روى عنه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، وأحمد بن عامر بن سليمان الطائي، وعبد الله بن العباس القزويني، وأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، والمعلى بن منصور الرازي، وآدم بن أبي إياس العسقلاني، ومحمد بن رافع التستري، وخالد بن أحمد الذهلي، ونصر بن علي الجهضمي، وأبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف بن عبد الله الغازي، وغيرهم.
أخبرني أبو عبد الله محمد بن أبي سعيد الحنبلي بقراءتي عليه بأصبهان، أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن علي بن الحسين الحمامي، أنبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ العطار الحافظ، حدّثنا أبو القاسم عبيد الله بن هارون بن محمد الواسطي بها، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد المفيد، أنبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حنبل، حدثني أبي، أنبأنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى، عن آبائه، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فشاوره إلا خير لهم» .
وقد وقع لنا حديث علي بن موسى الرضا أعلى من هذا الإسناد برجل في نسخة رواها داود بن سليمان الغازي، أخبرتنا رقية بنت مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْفَاخِرِ بِقِرَاءَتِي عليها بأصبهان قالت: أخبرتنا فاطمة بنت محمد بن أحمد البغدادي، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن أحمد النيسابوري، أنبأنا علي بن الحسين بن بندار بن المثنّى العنبري، أنبأنا أبو الحسن علي بن مهرويه القزويني، حدّثنا أبو أحمد داود بن سليمان ابن يوسف بن عبد الله الغازي، قال: حدثني علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبيه عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ [عَلِيِّ بْنِ] أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم ما أنصفتني أتحبب إليك بالنعم وتنقمت إليّ
بالمعاصي خيري عليك منزّل وشرك إليّ صاعد ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته» .
قرأت على أبي عبد الله الواسطي، عن أبي المحاسن الجوهري قال: كتب إليّ ظفر ابن الداعي العلوي: أن أبا عَبْد الرحمن مُحَمَّد بْن الحسين السلمي أخبره قال: سمعت محمد بن محمد بن أحمد الحربي يقول: سمعت الصولي، حَدَّثَنَا القاسم بْن إسماعيل قَالَ:
سمعت إبراهيم بن العباس الصولي، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ أنه قال: إذا أقبلت الدنيا على إنسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبت عنه محاسن نفسه.
قرأت على أَبِي غانم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن زينة بِأَصْبَهَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الواحد: أن أحمد بن عبد الرحمن الهمداني أخبره، أنبأنا أبو الربيع الأسترآباذي، أنبأنا أبو بكر اليشكري، حدثني علي بن محمد مولى بني هاشم، حدثني الحسن بن محمد بن يونس قال: سمعت علي بن موسى الرضا يقول: لا تغتر بكرامة الأمير إذا غشك الوزير.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ دَاوُدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيُّ بأصبهان، أنبأنا أبو الحسن بن أبي القاسم ابن أحمد الثقفي، أنبأنا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الحافظ قال: أخبرني حاتم بن أبي سعد الحلواني، أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، حدّثنا أبو سعيد محمد بن الفضل المعلم قال: سمعت الفضل بن فضالة النسوي يقول: قال يحيى بن أكثم: كنت يوما عند المأمون أمير المؤمنين وعنده علي بن موسى الرضا، فدخل الفضل بن سهل ذو الرئاستين فقال للمأمون: قد وليت ثغر الفلاني فلانا التركي، فسكت المأمون، فقال علي بن موسى: ما جعل الله لإمام المسلمين وخليفة رب العالمين والقائم بأمور الدين أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سبي ذلك الثغر، لأن الأنفس تحن إلى أوطانها وتشفق على أجناسها وتحب مصالحها، وإن كانت مخالفة لأديانها، فقال المأمون: اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَد عَبْد الوهاب بْن علي الأمين، عن أبي منصور عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الواحد الشيباني، أنبأنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن النقور،
محمد بن عبد الواحد الشيباني، أنبأنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن النقور، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ هارون الضبي إملاء قال: وحدث في كتاب والدي قَالَ: حَدَّثَنِي أبو القاسم عبد الله بن أحمد الطائي، حدثني أبي قال: لما دخل على المأمون رجل نصراني قد وجد مع امرأة هاشمية، فلما أدخل عليه أسلم فغاظ المأمون ذلك غيظا شديدا فاستفتى الفقهاء فكل قال: هدر إسلامه ما فعله، فقال رجل: يا أمير المؤمنين اكتب إلى علي بن موسى في هذا، قال: فكتب إليه فوافاه علي ابن موسى فقال: يا أمير المؤمنين، اضرب عنقه، فإنه إنما أسلم مخافة من السيف، فقال الفقهاء: من أين لك هذا؟ قال: فقرأ علي بن موسى فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ
[غافر: 84، 85] .
أخبرنا القاضي عبد المجير بن محمد بن عشائر الشافعي بحلب، أنبأنا عبد الله ابن أحمد الطوسي، أنبأنا علي بن عبد الرحمن بن الجراح، حدّثنا عبد الملك بن محمد ابن عبد الله بن بشران إملاء قَالَ: وجدت فِي كتاب والدي قَالَ: حدثني أحمد بن محمد ابن موسى، حدّثنا إبراهيم بن محمد الأهوازي، حدثني محمد بن أحمد بن الحسن، حدثني أبو الحسين بن أبي مسعود الشعراني، عن أبي الحسين كاتب الفياض ، عن أبيه قال: حضرنا مجلس الرضا فشكى رجل أخاه فأنشأ الرضا يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه ... واستر وغط على عيوبه
واصبر على بهت السفيه ... وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا ... وكل الظلوم إلى حسيبه
أخبرنا ضياء بن أحمد، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الشَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا القاضي هناد بن إبراهيم النسفي، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن المخزومي ، أنشدنا أبو بكر محمد بن علي بن الإمام، أنشدني محمد بن أحمد بن أبي الثلج الكاتب، أنشدني النوفلي لعلي بن موسى الرضا:
رأيت الشيب مكروها وفيه ... وقار لا يليق به الذنوب
إذا ركب الذنوب أخو مشيب ... فما أحد يقول متى يتوب
لئن كان الشباب لي حبيبا ... فإن الشيب أيضا لي حبيب
سأصحبه بتقوى الله حتى ... يفرق بيننا الأجل القريب
أنبأنا أبو أحمد الصوفي قال: كتب إلى أبو الغنائم العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، حدّثنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحافظ قال:
حدثني الزبير بن عبد الله بن موسى البغدادي، حدّثنا محمد بن يحيى الصولي، حدّثنا أحمد بن يحيى بإسناد ذكره عن الشعبي أنه قال: أفخر بيت قيل في الإسلام قول الأنصار يوم بدر:
وينير بدر إذ نرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
قال الصولي: أقول: أفخر من هذا قول الحسن بن هانئ في علي بن موسى الرضا:
قيل لي أنت واحد الناس في ... كل كلام من المقال بدية
لك في جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى ... كان جبريل خادما لأبيه
أنبأنا عبد الوهاب بن علي الأمين قال: كتب إلى أبو الغنائم هبة الله بن حمزة العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، أنبأنا أبو علي الحسين بن محمد بن سورة الصغاني بمرو، حدّثنا أحمد بن محمد بن عمرو الفقيه، حدّثنا خالد بن أحمد بن خالد الذهلي، حدّثنا أبي قال: صليت خلف علي بن موسى الرضا بنيسابور، فجهر «بسم الله الرحمن الرحيم» في كل سورة ويَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر «بسم الله الرحمن الرحيم» .
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، حدّثنا أبو أحمد إسحاق بن محمد بن علي بن خالد الهاشمي بالكوفة، حدّثنا القاسم بن أحمد العلوي الحسيني، حدثني أبو الصلت عبد السلام بن صالح، حدثني علي بن موسى الرضا قَالَ: من قَالَ القُرْآن مخلوق فَهُوَ كافر.
حدّثنا أبو عبد الله الحافظ قَالَ: سمعت أبا الحسن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بمدينة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الروضة يقول: سمعت أبي يذكر عن آبائه: أن علي بن موسى كان يقعد في الروضة وهو شاب ملتحف بمطرف خز فتسأله الناس ومشايخ العلماء في المسجد فسئل عن القدر فقال: قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ
الله عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
[القمر: 47، 48] [قال علي] الرضا: كان أبي يذكر عن آبائه: أن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: الله تعالى خلق كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، وإليه [ ... ] وبه الحول والقوة .
حدّثنا الحاكم أبو عبد الله قال: أخبرني أبو تراب أحمد بن محمد بن الحسين بن مهدي المذكر بالنوقان ، حدّثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل البغدادي، حدّثنا مذكور ابن سليمان قال: سمعت أبا الصلت عبد السلام بن صالح الهروي يقول: حججت مع علي بن موسى الرضا فسمعته يقول يدعو بالموقف بهذا الدعاء: اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، وكما ابتدأتني بالإحسان فأتم نعمتك بالغفران، وكما اكرمتني بمعرفتك فاستعفها بمغفرتك وكما عرفتني وحدانيتك فألزمني طواعيتك، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك فاغفر لي ما لو شئت لعصمتني منه يا جواد يا كريم يا ذا الجلال والإكرام.
أخبرنا يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف قراءة عليه قال: قرئ على أبي منصور مُحَمَّد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيِّ وأنا أسمع، أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِذْنًا، أنبأنا أبو حاتم محمد بن حبان البستي في كتابه قال: علي بن موسى الرضا يروي عن أبيه العجائب، روى عنه أبو الصلت وغيره، كأنه كان يهم ويخطئ.
أنبأنا أبو محمد بن الأخضر ونقلته من خطه، أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار فيما قرأته عليه عن أبيه، حدّثنا أبو ثعلب عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الملحمي، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ، حدّثنا أبو السائب عتبة بن عبيد الله، حدّثنا عبد الله بن محمد الجمال الزوزني قال: كنت وعلي بن موسى بن نوبا القمي وفد أهل الري فلما بلغنا نيسابور قلت لعلي بن موسى القمي: هل لك في زيارة قبر الرضا بطوس؟ فقال: خرجنا إلى هذا الملك ونخاف أن يتصل به عدو لنا إلى
يتحدث أهل الري أني خرجت من عندهم مرجئا وأرجع إليهم رافضيا، فقلت:
فتنتظرني في مكانك؟ فقال: أفعل، وخرجت فأتيت القبر عند غروب الشمس وأزمعت المبيت على القبر، فسألت امرأة حضرت من بعض سدنة القبر: هل من جدير بالليل؟ فقالت: لا، فاستدعيت منها سراجا وأمرتها بإغلاق الباب ونويت أن أختم القرآن على القبر، فلما كان في بعض الليل سمعت قراءة فبدرت أنها قد أذنت لغيري، فأتيت الباب فوجدته مغلقا فانطفأ السراج، فبقيت أسمع الصوت، فوجدته من القبر وهو يقرأ سورة مريم فقرأ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً
[مريم: 85- 86] ، وما كنت سمعت هذه القراءة، فلما قدمت الري بدأت بأبي القاسم بن العباس بن الفضل بن شاذان فسألته هل قرأ أحد بذلك؟ فقال: نعم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخرج لي قراءته صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هو قرأ به عليه السلام.
ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه: أن عيسى بن محمد بن أبي خالد بينما هو فيه من عرض أصحابه منصرفه من معسكره إلى بغداد ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه فيه: أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر ولي عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضا من آل محمد وأمره [بطرح] لبس السواد ولبس ثياب الخضرة- وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين ويأمره أن يأمر [من] قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فلما أتي عيسى الكتاب دعا أهل بغداد على ذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة، فقال بعضهم: لا نبايع، ولا نلبس الخضرة ولا تخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، فمكثوا بذلك أياما، وغضب ولد العباس من ذلك واجتمع بعضهم وتكلموا فيه وقالوا: ونولي بعضنا وتخلع المأمون، وكان المتكلم في هذا والمختلف فيه والمتقلد له إبراهيم ومنصور ابنا المهدي .
وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.
قلت: ولم يثبت عندي دخول علي بن موسى إلى بغداد لأن أحمد بن أبي طاهر قال في كتاب بغداد: إن المأمون كتب إلى علي بن موسى مع رجاء بن أبي الضحاك فقدم به على طريق البصرة ثم خرج من البصرة فأخذ على الأهواز ثم أخذ على جبال أصبهان ومضى إلى خراسان.
أنبأنا عبد الوهاب بن علي قال: كتب إلى أَبُو الغنائم حمزة بْن هبة اللَّه بْن محمد العلوي، أنبأنا الحاكم بن عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، أنبأنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحافظ قال: علي بن موسى بن جعفر الرضا ورد نيسابور سنة مائتين، بعث أمير المؤمنين المأمون رجاء بن [أبي] الضحاك لإشخاصه من المدينة إلى البصرة، ثم أمر بحمله منها إلى الأهواز ثم إلى فارس، ثم إلى نيسابور على طريق بست، وأمره أن لا يسلك به طريق الجبال، فلما وافى الرضا نيسابور وأقام بها مدة والمأمون بمرو إلى أن أمر بإخراجه إليه، ثم كان بعد ذلك ما كان، فعلى هذا أن يدخل بغداد .
وإنما ذكرناه في هذا الكتاب لحكاية أخبرناها القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد الواسطي، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، أنبأنا أَبُو القاسم علي بْن المحسن بْن علي التنوخي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الشيباني، حدّثنا عبد الله ابن محمد بن عجلان اليماني العابد بالدالية قال: سمعت ابن علي بن موسى الرضا بسر من رأى يقول: الغوغاء قتلة الأنبياء والعامة اسم مشتق من العمى ما رضي الله لهم أن شبههم بالأنعام حتى قال (بل هم أضل) .
وفي هذه الحكاية نظر من وجوه أحدها أن اليماني مجهول لا يعرف، والراوي عنه فهو أبو الفضل الشيباني وهو ذاهب الحديث مشهور بالكذب والوضع، ويبعد أن يروي عن واحد عن علي بن موسى الرضا- فالله أعلم.
وقوله «بسامراء» وإنما بنيت بعد علي بن موسى بزمان لأن عليّا مات سنة ثلاث ومائتين وبنى المعتصم سامراء سنة إحدى وعشرين ومائتين، فإن المعتصم كان قد جددها، وقد كانت قبل ذلك مدينة قديمة، ويكون الرضا قد اجتاز بها قبل طلب المأمون له، وأظنه بعيدا والذي يغلب على ظني أن الذي سمع منه اليماني بسامراء هو محمد بن علي بن موسى الملقب بالجواد، فإنه كان بسامراء، ومات ببغداد ودفن بمقابر قريش- فالله أعلم.
والذي دعانا إلى ذكر علي بن موسى في هذا الكتاب مع ضعف هذه الحكاية الخوف من أن يراها بعض العلماء فيقول هذا الرضا قد دخل سامراء ولم يذكره الخطيب ولا من ذيل عليه، ويظن أننا جهلنا هذه الحكاية ولم تمر بنا فأوردناها وبينا عليها وأزلنا ظن من توهم أنها لم تبلغنا.
قال ابن جرير في تاريخه: فلما دخلت سنة ثلاث ومائتين شخص المأمون إلى طوس، وأقام بها عند قبر أبيه أياما، ثم إن علي بن موسى أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة في آخر صفر، فدفن عند قبر الرشيد، وصلى عليه المأمون، ودخل عليه بموته غم كثير.
أنبأنا عبد الوهاب الأمين قال: كتب إلى هبة الله بن حمزة العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه قال: سمعت أبا عبد الله الحاكم يقول: استشهد علي بن موسى الرضا بسناباذ من طوس لتسع بقين من شهر رمضان ليلة الجمعة من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن تسع وأربعين سنة وستة أشهر منها مع أبيه موسى تسعا وعشرين سنة وشهرين وبعد أبيه عشرين سنة وأربعة أشهر، وذكر غير ابن جرير أن الرضا خلف من الولد محمدا والحسن وجعفرا وإبراهيم والحسين وعائشة.
وأمه أم ولد نوبية، واسمها مسكينة، ولد بمدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم في سنة ثمان وأربعين ومائة ونشأ بها، وسمع الحديث من والده وعمومته إسماعيل، وعبد الله، وإسحاق، وعلي بني جعفر، وعبد الرحمن بن أبي الموالي القرشي، وغيرهم من أهل الحجاز، وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابن نيف وعشرين سنة، استدعاه أمير المؤمنين المأمون إلى خراسان وجعله ولي عهده فلم تطل أيامه حتى أدركه أجله، وكان قد حدث بخراسان وغيرها من البلاد، روى عنه عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، وأحمد بن عامر بن سليمان الطائي، وعبد الله بن العباس القزويني، وأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، والمعلى بن منصور الرازي، وآدم بن أبي إياس العسقلاني، ومحمد بن رافع التستري، وخالد بن أحمد الذهلي، ونصر بن علي الجهضمي، وأبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف بن عبد الله الغازي، وغيرهم.
أخبرني أبو عبد الله محمد بن أبي سعيد الحنبلي بقراءتي عليه بأصبهان، أنبأنا أبو القاسم إسماعيل بن علي بن الحسين الحمامي، أنبأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلِيٍّ العطار الحافظ، حدّثنا أبو القاسم عبيد الله بن هارون بن محمد الواسطي بها، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد المفيد، أنبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حنبل، حدثني أبي، أنبأنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى، عن آبائه، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فشاوره إلا خير لهم» .
وقد وقع لنا حديث علي بن موسى الرضا أعلى من هذا الإسناد برجل في نسخة رواها داود بن سليمان الغازي، أخبرتنا رقية بنت مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْفَاخِرِ بِقِرَاءَتِي عليها بأصبهان قالت: أخبرتنا فاطمة بنت محمد بن أحمد البغدادي، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن أحمد النيسابوري، أنبأنا علي بن الحسين بن بندار بن المثنّى العنبري، أنبأنا أبو الحسن علي بن مهرويه القزويني، حدّثنا أبو أحمد داود بن سليمان ابن يوسف بن عبد الله الغازي، قال: حدثني علي بن موسى الرضا قال: حدثني أبي مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبيه عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ [عَلِيِّ بْنِ] أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم ما أنصفتني أتحبب إليك بالنعم وتنقمت إليّ
بالمعاصي خيري عليك منزّل وشرك إليّ صاعد ولا يزال ملك كريم يأتيني عنك كل يوم وليلة بعمل قبيح، يا ابن آدم لو سمعت وصفك من غيرك وأنت لا تدري من الموصوف لسارعت إلى مقته» .
قرأت على أبي عبد الله الواسطي، عن أبي المحاسن الجوهري قال: كتب إليّ ظفر ابن الداعي العلوي: أن أبا عَبْد الرحمن مُحَمَّد بْن الحسين السلمي أخبره قال: سمعت محمد بن محمد بن أحمد الحربي يقول: سمعت الصولي، حَدَّثَنَا القاسم بْن إسماعيل قَالَ:
سمعت إبراهيم بن العباس الصولي، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ أنه قال: إذا أقبلت الدنيا على إنسان أعطته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبت عنه محاسن نفسه.
قرأت على أَبِي غانم مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن زينة بِأَصْبَهَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الواحد: أن أحمد بن عبد الرحمن الهمداني أخبره، أنبأنا أبو الربيع الأسترآباذي، أنبأنا أبو بكر اليشكري، حدثني علي بن محمد مولى بني هاشم، حدثني الحسن بن محمد بن يونس قال: سمعت علي بن موسى الرضا يقول: لا تغتر بكرامة الأمير إذا غشك الوزير.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْفُتُوحِ دَاوُدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقُرَشِيُّ بأصبهان، أنبأنا أبو الحسن بن أبي القاسم ابن أحمد الثقفي، أنبأنا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الحافظ قال: أخبرني حاتم بن أبي سعد الحلواني، أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، حدّثنا أبو سعيد محمد بن الفضل المعلم قال: سمعت الفضل بن فضالة النسوي يقول: قال يحيى بن أكثم: كنت يوما عند المأمون أمير المؤمنين وعنده علي بن موسى الرضا، فدخل الفضل بن سهل ذو الرئاستين فقال للمأمون: قد وليت ثغر الفلاني فلانا التركي، فسكت المأمون، فقال علي بن موسى: ما جعل الله لإمام المسلمين وخليفة رب العالمين والقائم بأمور الدين أن يولي شيئا من ثغور المسلمين أحدا من سبي ذلك الثغر، لأن الأنفس تحن إلى أوطانها وتشفق على أجناسها وتحب مصالحها، وإن كانت مخالفة لأديانها، فقال المأمون: اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَحْمَد عَبْد الوهاب بْن علي الأمين، عن أبي منصور عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الواحد الشيباني، أنبأنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن النقور،
محمد بن عبد الواحد الشيباني، أنبأنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن النقور، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ هارون الضبي إملاء قال: وحدث في كتاب والدي قَالَ: حَدَّثَنِي أبو القاسم عبد الله بن أحمد الطائي، حدثني أبي قال: لما دخل على المأمون رجل نصراني قد وجد مع امرأة هاشمية، فلما أدخل عليه أسلم فغاظ المأمون ذلك غيظا شديدا فاستفتى الفقهاء فكل قال: هدر إسلامه ما فعله، فقال رجل: يا أمير المؤمنين اكتب إلى علي بن موسى في هذا، قال: فكتب إليه فوافاه علي ابن موسى فقال: يا أمير المؤمنين، اضرب عنقه، فإنه إنما أسلم مخافة من السيف، فقال الفقهاء: من أين لك هذا؟ قال: فقرأ علي بن موسى فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ
[غافر: 84، 85] .
أخبرنا القاضي عبد المجير بن محمد بن عشائر الشافعي بحلب، أنبأنا عبد الله ابن أحمد الطوسي، أنبأنا علي بن عبد الرحمن بن الجراح، حدّثنا عبد الملك بن محمد ابن عبد الله بن بشران إملاء قَالَ: وجدت فِي كتاب والدي قَالَ: حدثني أحمد بن محمد ابن موسى، حدّثنا إبراهيم بن محمد الأهوازي، حدثني محمد بن أحمد بن الحسن، حدثني أبو الحسين بن أبي مسعود الشعراني، عن أبي الحسين كاتب الفياض ، عن أبيه قال: حضرنا مجلس الرضا فشكى رجل أخاه فأنشأ الرضا يقول:
اعذر أخاك على ذنوبه ... واستر وغط على عيوبه
واصبر على بهت السفيه ... وللزمان على خطوبه
ودع الجواب تفضلا ... وكل الظلوم إلى حسيبه
أخبرنا ضياء بن أحمد، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الشَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا القاضي هناد بن إبراهيم النسفي، أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن المخزومي ، أنشدنا أبو بكر محمد بن علي بن الإمام، أنشدني محمد بن أحمد بن أبي الثلج الكاتب، أنشدني النوفلي لعلي بن موسى الرضا:
رأيت الشيب مكروها وفيه ... وقار لا يليق به الذنوب
إذا ركب الذنوب أخو مشيب ... فما أحد يقول متى يتوب
لئن كان الشباب لي حبيبا ... فإن الشيب أيضا لي حبيب
سأصحبه بتقوى الله حتى ... يفرق بيننا الأجل القريب
أنبأنا أبو أحمد الصوفي قال: كتب إلى أبو الغنائم العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، حدّثنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحافظ قال:
حدثني الزبير بن عبد الله بن موسى البغدادي، حدّثنا محمد بن يحيى الصولي، حدّثنا أحمد بن يحيى بإسناد ذكره عن الشعبي أنه قال: أفخر بيت قيل في الإسلام قول الأنصار يوم بدر:
وينير بدر إذ نرد وجوههم ... جبريل تحت لوائنا ومحمد
قال الصولي: أقول: أفخر من هذا قول الحسن بن هانئ في علي بن موسى الرضا:
قيل لي أنت واحد الناس في ... كل كلام من المقال بدية
لك في جوهر الكلام بديع ... يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى ... كان جبريل خادما لأبيه
أنبأنا عبد الوهاب بن علي الأمين قال: كتب إلى أبو الغنائم هبة الله بن حمزة العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، أنبأنا أبو علي الحسين بن محمد بن سورة الصغاني بمرو، حدّثنا أحمد بن محمد بن عمرو الفقيه، حدّثنا خالد بن أحمد بن خالد الذهلي، حدّثنا أبي قال: صليت خلف علي بن موسى الرضا بنيسابور، فجهر «بسم الله الرحمن الرحيم» في كل سورة ويَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر «بسم الله الرحمن الرحيم» .
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله، حدّثنا أبو أحمد إسحاق بن محمد بن علي بن خالد الهاشمي بالكوفة، حدّثنا القاسم بن أحمد العلوي الحسيني، حدثني أبو الصلت عبد السلام بن صالح، حدثني علي بن موسى الرضا قَالَ: من قَالَ القُرْآن مخلوق فَهُوَ كافر.
حدّثنا أبو عبد الله الحافظ قَالَ: سمعت أبا الحسن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بمدينة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الروضة يقول: سمعت أبي يذكر عن آبائه: أن علي بن موسى كان يقعد في الروضة وهو شاب ملتحف بمطرف خز فتسأله الناس ومشايخ العلماء في المسجد فسئل عن القدر فقال: قال الله عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ
الله عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
[القمر: 47، 48] [قال علي] الرضا: كان أبي يذكر عن آبائه: أن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: الله تعالى خلق كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، وإليه [ ... ] وبه الحول والقوة .
حدّثنا الحاكم أبو عبد الله قال: أخبرني أبو تراب أحمد بن محمد بن الحسين بن مهدي المذكر بالنوقان ، حدّثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل البغدادي، حدّثنا مذكور ابن سليمان قال: سمعت أبا الصلت عبد السلام بن صالح الهروي يقول: حججت مع علي بن موسى الرضا فسمعته يقول يدعو بالموقف بهذا الدعاء: اللهم كما سترت علي ما أعلم فاغفر لي ما تعلم، وكما وسعني علمك فليسعني عفوك، وكما ابتدأتني بالإحسان فأتم نعمتك بالغفران، وكما اكرمتني بمعرفتك فاستعفها بمغفرتك وكما عرفتني وحدانيتك فألزمني طواعيتك، وكما عصمتني مما لم أكن أعتصم منه إلا بعصمتك فاغفر لي ما لو شئت لعصمتني منه يا جواد يا كريم يا ذا الجلال والإكرام.
أخبرنا يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف قراءة عليه قال: قرئ على أبي منصور مُحَمَّد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَوْهَرِيِّ وأنا أسمع، أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِذْنًا، أنبأنا أبو حاتم محمد بن حبان البستي في كتابه قال: علي بن موسى الرضا يروي عن أبيه العجائب، روى عنه أبو الصلت وغيره، كأنه كان يهم ويخطئ.
أنبأنا أبو محمد بن الأخضر ونقلته من خطه، أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار فيما قرأته عليه عن أبيه، حدّثنا أبو ثعلب عَبْد الوهاب بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن الملحمي، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ، حدّثنا أبو السائب عتبة بن عبيد الله، حدّثنا عبد الله بن محمد الجمال الزوزني قال: كنت وعلي بن موسى بن نوبا القمي وفد أهل الري فلما بلغنا نيسابور قلت لعلي بن موسى القمي: هل لك في زيارة قبر الرضا بطوس؟ فقال: خرجنا إلى هذا الملك ونخاف أن يتصل به عدو لنا إلى
يتحدث أهل الري أني خرجت من عندهم مرجئا وأرجع إليهم رافضيا، فقلت:
فتنتظرني في مكانك؟ فقال: أفعل، وخرجت فأتيت القبر عند غروب الشمس وأزمعت المبيت على القبر، فسألت امرأة حضرت من بعض سدنة القبر: هل من جدير بالليل؟ فقالت: لا، فاستدعيت منها سراجا وأمرتها بإغلاق الباب ونويت أن أختم القرآن على القبر، فلما كان في بعض الليل سمعت قراءة فبدرت أنها قد أذنت لغيري، فأتيت الباب فوجدته مغلقا فانطفأ السراج، فبقيت أسمع الصوت، فوجدته من القبر وهو يقرأ سورة مريم فقرأ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً
[مريم: 85- 86] ، وما كنت سمعت هذه القراءة، فلما قدمت الري بدأت بأبي القاسم بن العباس بن الفضل بن شاذان فسألته هل قرأ أحد بذلك؟ فقال: نعم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأخرج لي قراءته صلّى الله عليه وسلّم، فإذا هو قرأ به عليه السلام.
ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه: أن عيسى بن محمد بن أبي خالد بينما هو فيه من عرض أصحابه منصرفه من معسكره إلى بغداد ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل يعلمه فيه: أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر ولي عهده من بعده، وذلك أنه نظر في بني العباس وبني علي فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنه سماه الرضا من آل محمد وأمره [بطرح] لبس السواد ولبس ثياب الخضرة- وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين ويأمره أن يأمر [من] قبله من أصحابه والجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم، ويأخذ أهل بغداد جميعا بذلك، فلما أتي عيسى الكتاب دعا أهل بغداد على ذلك على أن يعجل لهم رزق شهر والباقي إذا أدركت الغلة، فقال بعضهم: لا نبايع، ولا نلبس الخضرة ولا تخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل، فمكثوا بذلك أياما، وغضب ولد العباس من ذلك واجتمع بعضهم وتكلموا فيه وقالوا: ونولي بعضنا وتخلع المأمون، وكان المتكلم في هذا والمختلف فيه والمتقلد له إبراهيم ومنصور ابنا المهدي .
وفي هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة وخلعوا المأمون.
قلت: ولم يثبت عندي دخول علي بن موسى إلى بغداد لأن أحمد بن أبي طاهر قال في كتاب بغداد: إن المأمون كتب إلى علي بن موسى مع رجاء بن أبي الضحاك فقدم به على طريق البصرة ثم خرج من البصرة فأخذ على الأهواز ثم أخذ على جبال أصبهان ومضى إلى خراسان.
أنبأنا عبد الوهاب بن علي قال: كتب إلى أَبُو الغنائم حمزة بْن هبة اللَّه بْن محمد العلوي، أنبأنا الحاكم بن عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه، أنبأنا الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحافظ قال: علي بن موسى بن جعفر الرضا ورد نيسابور سنة مائتين، بعث أمير المؤمنين المأمون رجاء بن [أبي] الضحاك لإشخاصه من المدينة إلى البصرة، ثم أمر بحمله منها إلى الأهواز ثم إلى فارس، ثم إلى نيسابور على طريق بست، وأمره أن لا يسلك به طريق الجبال، فلما وافى الرضا نيسابور وأقام بها مدة والمأمون بمرو إلى أن أمر بإخراجه إليه، ثم كان بعد ذلك ما كان، فعلى هذا أن يدخل بغداد .
وإنما ذكرناه في هذا الكتاب لحكاية أخبرناها القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد الواسطي، أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين، أنبأنا أَبُو القاسم علي بْن المحسن بْن علي التنوخي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الشيباني، حدّثنا عبد الله ابن محمد بن عجلان اليماني العابد بالدالية قال: سمعت ابن علي بن موسى الرضا بسر من رأى يقول: الغوغاء قتلة الأنبياء والعامة اسم مشتق من العمى ما رضي الله لهم أن شبههم بالأنعام حتى قال (بل هم أضل) .
وفي هذه الحكاية نظر من وجوه أحدها أن اليماني مجهول لا يعرف، والراوي عنه فهو أبو الفضل الشيباني وهو ذاهب الحديث مشهور بالكذب والوضع، ويبعد أن يروي عن واحد عن علي بن موسى الرضا- فالله أعلم.
وقوله «بسامراء» وإنما بنيت بعد علي بن موسى بزمان لأن عليّا مات سنة ثلاث ومائتين وبنى المعتصم سامراء سنة إحدى وعشرين ومائتين، فإن المعتصم كان قد جددها، وقد كانت قبل ذلك مدينة قديمة، ويكون الرضا قد اجتاز بها قبل طلب المأمون له، وأظنه بعيدا والذي يغلب على ظني أن الذي سمع منه اليماني بسامراء هو محمد بن علي بن موسى الملقب بالجواد، فإنه كان بسامراء، ومات ببغداد ودفن بمقابر قريش- فالله أعلم.
والذي دعانا إلى ذكر علي بن موسى في هذا الكتاب مع ضعف هذه الحكاية الخوف من أن يراها بعض العلماء فيقول هذا الرضا قد دخل سامراء ولم يذكره الخطيب ولا من ذيل عليه، ويظن أننا جهلنا هذه الحكاية ولم تمر بنا فأوردناها وبينا عليها وأزلنا ظن من توهم أنها لم تبلغنا.
قال ابن جرير في تاريخه: فلما دخلت سنة ثلاث ومائتين شخص المأمون إلى طوس، وأقام بها عند قبر أبيه أياما، ثم إن علي بن موسى أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة في آخر صفر، فدفن عند قبر الرشيد، وصلى عليه المأمون، ودخل عليه بموته غم كثير.
أنبأنا عبد الوهاب الأمين قال: كتب إلى هبة الله بن حمزة العلوي، أنبأنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قراءة عليه قال: سمعت أبا عبد الله الحاكم يقول: استشهد علي بن موسى الرضا بسناباذ من طوس لتسع بقين من شهر رمضان ليلة الجمعة من سنة ثلاث ومائتين وهو ابن تسع وأربعين سنة وستة أشهر منها مع أبيه موسى تسعا وعشرين سنة وشهرين وبعد أبيه عشرين سنة وأربعة أشهر، وذكر غير ابن جرير أن الرضا خلف من الولد محمدا والحسن وجعفرا وإبراهيم والحسين وعائشة.
علي بْن الحسين بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ابن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طالب، أَبُو الْقَاسِمِ الموسوي العلوي :
كان يلقب المرتضى ذا المجدين، وكانت إليه نقابة الطالبيين، وكان شاعرا كثير الشعر متكلما له تصانيف على مذاهب الشيعة. وحدث عَن سهل بْن أَحْمَد الديباجي، وأبي عبيد اللَّه المرزباني، وأبي الحسن بن الجندي كتبت عنه.
أَخْبَرَنَا الْمُرْتَضِي أَبُو الْقَاسِمِ عليّ بن الحسين، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عِمْرَانَ الْكَاتِبُ، حدّثنا عبد الله بن محمّد البغوي، حدّثنا يحيى الحماني، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ.
سمعت التنوخي يَقُولُ: مولد المرتضي أبو القاسم الموسوي في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
مات المرتضي فِي يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة، ودفن في داره عشية ذلك اليوم.
كان يلقب المرتضى ذا المجدين، وكانت إليه نقابة الطالبيين، وكان شاعرا كثير الشعر متكلما له تصانيف على مذاهب الشيعة. وحدث عَن سهل بْن أَحْمَد الديباجي، وأبي عبيد اللَّه المرزباني، وأبي الحسن بن الجندي كتبت عنه.
أَخْبَرَنَا الْمُرْتَضِي أَبُو الْقَاسِمِ عليّ بن الحسين، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّد بْنِ عِمْرَانَ الْكَاتِبُ، حدّثنا عبد الله بن محمّد البغوي، حدّثنا يحيى الحماني، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادَّخَرَ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ.
سمعت التنوخي يَقُولُ: مولد المرتضي أبو القاسم الموسوي في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
مات المرتضي فِي يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة، ودفن في داره عشية ذلك اليوم.
عليّ بْن مُحَمَّد بْن يَحيى بْن عليّ بن عبد العزيز بن علي بن الحسين، أبو الحسن بن أبي المعالي بْن أَبِي الفضل بْن أَبِي الحَسَن بْن أبي محمد القرشي، الملقب بزكي الدين :
من أهل دمشق، كان يتولى القضاء بها هو وأبوه وجده، وكان فقيها فاضلا أديبا عالما مليح الخط، موصوفا بحسن السيرة والعفة والنزاهة والصلاح والديانة، سمع الحديث بدمشق من أبي محمد هبة الله بن أحمد بن الأنهاني، وعبد الكريم بن حمزة الحداد، وطاهر بن سهل الأسفراييني، وأبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين، وعلي
ابن المسلم السلميين، وعلي بن أحمد بن قبيس الغساني، وأبي المعالي الحسين بن حمزة ابن الحسين الشعيري، وأبي القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى الطرسوسي وغيرهم، واستعفى من القضاء وحج، وقدم بغداد وأقام بها سنة وأشهرا يسمع بها الحديث من أصحاب طراد الزينبي، وأبي الخطاب بن البطر، وأبي عبد الله بن طلحة، وخرج له أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن الشعار فوائد عن شيوخه الدمشقيين، وحدث بها ببغداد قرأها عليه مخرجها، فسمعها أبو بكر الناقد، وأبو الفضل بن شافع، والشريف أبو الحسن الزيدي، والقاضي أبو المحاسن القرشي، والعدل أبو الفرج بن النقور، وشيخانا: أبو محمد بن الأخضر، وأبو الفتح ابن سعترة.
أخبرني أبو الفتح عبد الواحد بن محمود بن سعترة بقراءتي عليه، أنبأنا القاضي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى القرشي، قدم علينا بغداد بقراءة ابن الشعار وانتقائه،
أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ السلمي الموازيني قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا أبو الحسن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قراءة عليه، أنبأنا يوسف ابن القاسم الميانجي، أنبأنا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الموصلي، حدّثنا الحسين بن الأسود، حدّثنا محمد بن فضيل، حدّثنا أبي ورقبة، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «انطلق ثلاثة يمشون فدخلوا في غار، فأرسل الله عز وجل عليه صخرة، فأطبقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: تعالوا فلينظر كل رجل منا أفضل عمل عمله فيما بينه وبين الله عز وجل فيذكره، ثم ليدعو الله عز وجل أن يفرج عنا مما نحن فيه، ونلقي هذه الصخرة! فقال رجل: اللهم أنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم فطلبت منها نفسها فقالت: والله لا أفعل أو تعطيني مائة دينار، فجمعتها حتى أتيتها بها، فلما قعدت منها مقعد الرجل من المرأة أرعدت وبكت وقالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح هذا الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها وتركتها لها، فإن كنت تعلم أني تركتها يعني في مخافتك فأفرج عنا فرجة نرى منها السماء! ففرج الله عنهم منها فرجة فنظروا السماء، وقال الثاني: اللهم إنه كان لي أبوان وكان لي ولد صغار، فكنت أرعى على أبوي، وكنت أجيء بالحلاب، فجئت فوجدت أبوي نائمين ووجدت الصبية يتضاغون من الجوع، فلم أزل بهم حتى ناموا ثم قمت بالحلاب عليهما حتى قاما وشربا، ثم انطلقت للصبية بفضله فسقيتهم، فإن كنت تعلم [أني] إنما فعلت تلك من مخافتك فافرج عنا فرجة! قال: ففرج الله تعالى عنهم
فرجة، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير فأعطيته أجره فغضب وذهب وتركه، فعملت له بأجره حتى صار له بقرا وغنما فأتاني يطلب أجره، فقلت:
انطلق إلى تلك البقر ورعائها فخذها، قال: يا عبد الله اتق الله ولا تهزأ بي، قال:
فقلت انطلق وخذها، قال: فانطلق فأخذها، فإن كنت تعلم أني إنما كنت فعلت ذلك من مخافتك فألقها عنا! فألقاها الله عنهم فخرجوا يمشون» .
أخبرنا عبد الواحد بن محمود، أنبأنا القاضي أبو الحسن القرشي، أنبأنا محمد بن القاسم الشافعي، أنبأنا علي بن أحمد بنيسابور قَالَ: سمعتُ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السلمي يَقُولُ: سمعت أبا القاسم النصرآبادي يقول: سمعت علي بن أحمد بن رزين يقول كان يقال: الأيام صحائف آجالكم فجلدوها أحسن أعمالكم.
أخبرنا أبو الفتح بن سعترة، أنبأنا علي بن محمد بن يحيى الدمشقي قال: قرأت على والدي قال: قرأت على عبد المحسن بن عثمان النفيسي، أنبأنا منصور بن النعمان بن منصور، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم، أنشدنا أبو القاسم منصور بن أحمد لأحمد بن المعدل:
ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... ما لم ينلك بمكروه من العذل
مودتي لك أتى أن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الزلل
قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال: بلغني أن القاضي أبا الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي ولد بدمشق في سنة سبع وخمسمائة.
قرأت بخط الشريف أبي الحسن علي بن أحمد الزيدي قال: توفى القاضي زكي الدين أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى القرشي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة، ودفن من يومه بمقبرة باب حرب بالقرب من قبر الإمام أحمد بن حنبل، وصليت عليه بجامع القصر بعد الصّلاة وتبعته إلى المدفن، سمعت منه عن شيوخ دمشق، وكان ذا وقار وهيئة وتدين وعلم مع نزاهة وحسن خلق وظلف نفس، استعفى عن القضاء بدمشق فأعفي ولم يعلم له أمر يغمض به فرحمه الله وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم، فلقد رزق الشهادة والسعادة وكان من أهل ذلك.
من أهل دمشق، كان يتولى القضاء بها هو وأبوه وجده، وكان فقيها فاضلا أديبا عالما مليح الخط، موصوفا بحسن السيرة والعفة والنزاهة والصلاح والديانة، سمع الحديث بدمشق من أبي محمد هبة الله بن أحمد بن الأنهاني، وعبد الكريم بن حمزة الحداد، وطاهر بن سهل الأسفراييني، وأبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين، وعلي
ابن المسلم السلميين، وعلي بن أحمد بن قبيس الغساني، وأبي المعالي الحسين بن حمزة ابن الحسين الشعيري، وأبي القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى الطرسوسي وغيرهم، واستعفى من القضاء وحج، وقدم بغداد وأقام بها سنة وأشهرا يسمع بها الحديث من أصحاب طراد الزينبي، وأبي الخطاب بن البطر، وأبي عبد الله بن طلحة، وخرج له أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن الشعار فوائد عن شيوخه الدمشقيين، وحدث بها ببغداد قرأها عليه مخرجها، فسمعها أبو بكر الناقد، وأبو الفضل بن شافع، والشريف أبو الحسن الزيدي، والقاضي أبو المحاسن القرشي، والعدل أبو الفرج بن النقور، وشيخانا: أبو محمد بن الأخضر، وأبو الفتح ابن سعترة.
أخبرني أبو الفتح عبد الواحد بن محمود بن سعترة بقراءتي عليه، أنبأنا القاضي أَبُو الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى القرشي، قدم علينا بغداد بقراءة ابن الشعار وانتقائه،
أنبأنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ السلمي الموازيني قراءة عليه وأنا أسمع، أنبأنا أبو الحسن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي نَصْرٍ قراءة عليه، أنبأنا يوسف ابن القاسم الميانجي، أنبأنا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الموصلي، حدّثنا الحسين بن الأسود، حدّثنا محمد بن فضيل، حدّثنا أبي ورقبة، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «انطلق ثلاثة يمشون فدخلوا في غار، فأرسل الله عز وجل عليه صخرة، فأطبقت الغار عليهم، فقال بعضهم لبعض: تعالوا فلينظر كل رجل منا أفضل عمل عمله فيما بينه وبين الله عز وجل فيذكره، ثم ليدعو الله عز وجل أن يفرج عنا مما نحن فيه، ونلقي هذه الصخرة! فقال رجل: اللهم أنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم فطلبت منها نفسها فقالت: والله لا أفعل أو تعطيني مائة دينار، فجمعتها حتى أتيتها بها، فلما قعدت منها مقعد الرجل من المرأة أرعدت وبكت وقالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفتح هذا الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها وتركتها لها، فإن كنت تعلم أني تركتها يعني في مخافتك فأفرج عنا فرجة نرى منها السماء! ففرج الله عنهم منها فرجة فنظروا السماء، وقال الثاني: اللهم إنه كان لي أبوان وكان لي ولد صغار، فكنت أرعى على أبوي، وكنت أجيء بالحلاب، فجئت فوجدت أبوي نائمين ووجدت الصبية يتضاغون من الجوع، فلم أزل بهم حتى ناموا ثم قمت بالحلاب عليهما حتى قاما وشربا، ثم انطلقت للصبية بفضله فسقيتهم، فإن كنت تعلم [أني] إنما فعلت تلك من مخافتك فافرج عنا فرجة! قال: ففرج الله تعالى عنهم
فرجة، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير فأعطيته أجره فغضب وذهب وتركه، فعملت له بأجره حتى صار له بقرا وغنما فأتاني يطلب أجره، فقلت:
انطلق إلى تلك البقر ورعائها فخذها، قال: يا عبد الله اتق الله ولا تهزأ بي، قال:
فقلت انطلق وخذها، قال: فانطلق فأخذها، فإن كنت تعلم أني إنما كنت فعلت ذلك من مخافتك فألقها عنا! فألقاها الله عنهم فخرجوا يمشون» .
أخبرنا عبد الواحد بن محمود، أنبأنا القاضي أبو الحسن القرشي، أنبأنا محمد بن القاسم الشافعي، أنبأنا علي بن أحمد بنيسابور قَالَ: سمعتُ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السلمي يَقُولُ: سمعت أبا القاسم النصرآبادي يقول: سمعت علي بن أحمد بن رزين يقول كان يقال: الأيام صحائف آجالكم فجلدوها أحسن أعمالكم.
أخبرنا أبو الفتح بن سعترة، أنبأنا علي بن محمد بن يحيى الدمشقي قال: قرأت على والدي قال: قرأت على عبد المحسن بن عثمان النفيسي، أنبأنا منصور بن النعمان بن منصور، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم، أنشدنا أبو القاسم منصور بن أحمد لأحمد بن المعدل:
ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... ما لم ينلك بمكروه من العذل
مودتي لك أتى أن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الزلل
قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عمر بن علي القرشي قال: بلغني أن القاضي أبا الحسن علي بن محمد بن يحيى القرشي ولد بدمشق في سنة سبع وخمسمائة.
قرأت بخط الشريف أبي الحسن علي بن أحمد الزيدي قال: توفى القاضي زكي الدين أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى القرشي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شوال سنة أربع وستين وخمسمائة، ودفن من يومه بمقبرة باب حرب بالقرب من قبر الإمام أحمد بن حنبل، وصليت عليه بجامع القصر بعد الصّلاة وتبعته إلى المدفن، سمعت منه عن شيوخ دمشق، وكان ذا وقار وهيئة وتدين وعلم مع نزاهة وحسن خلق وظلف نفس، استعفى عن القضاء بدمشق فأعفي ولم يعلم له أمر يغمض به فرحمه الله وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم، فلقد رزق الشهادة والسعادة وكان من أهل ذلك.
علي بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الحسن ابن المسلمة، أبو الحسين بن أبي نصر بن رئيس الرؤساء أبي القاسم:
من بيت الرئاسة والوزارة، تقدم ذكر والده، تولى الأستاذية بدار الخلافة في أيام الإمام المسترشد بالله وفي أيام ولده الراشد بالله، وسمع الحديث من أبو الحسن علي ابن محمد بن محمد بن الخطيب الأنباري، وعلي بن محمد بن علي بن العلاف، وأبي الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر وغيرهم، وحدث باليسير، سمع منه: أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف وهو من أقرانه وأقدم إسنادا منه، وروى عنه:
أبو سعد بن السمعاني، وعبد الخالق بن أسد بن ثابت الدمشقي في معجم شيوخه.
أخبرنا إسماعيل بن سليمان العسكري بدمشق، أنبأنا عبد الخالق بن أسد بن ثابت الحنفي، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي الملقب برئيس الرؤساء ببغداد، وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن علي بن النفيس الأنباري قدم علينا، أنبأنا أبو الفتح مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الخلال قالا: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الخطيب الأنباري، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن، حدّثنا أبو الحسين نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي الأسترآباذي إملاء، حدّثنا أَبُو جعفر أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن مساور الجوهري، حدّثنا سعيد، عن مبارك بن فضالة، عن كثير أبي محمد، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «صاحب الدين مأسور في قبره يشكو إلى الله الوحدة» .
وأنبأنا إسماعيل، أنبأنا عبد الخالق بن أسد، [وأنبأنا] شهاب الحاتمي بهراة قال:
سمعت ابن السمعاني قال: سئل أبو الحسين علي بن محمد بن علي بن رئيس الرؤساء
عن مولده، فقال ونحن نسمع: في النصف من شوال سنة سبعين وأربعمائة.
قرأت بخط أبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي قال: توفي أبو الحسين علي ابن محمد بن علي بن رئيس الرؤساء في شعبان سنة أربعين وخمسمائة، وصلى عليه بجامع القصر، وحضر أرباب الدولة: قاضي القضاة وابن عمه أستاذ الدار أبو الفتوح وغيرهم، ودفن بتربتهم بباب أبرز عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وبلغ من عمره السبعين، وكان من أهل السنة والاعتقاد الصالح.
من بيت الرئاسة والوزارة، تقدم ذكر والده، تولى الأستاذية بدار الخلافة في أيام الإمام المسترشد بالله وفي أيام ولده الراشد بالله، وسمع الحديث من أبو الحسن علي ابن محمد بن محمد بن الخطيب الأنباري، وعلي بن محمد بن علي بن العلاف، وأبي الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن البطر وغيرهم، وحدث باليسير، سمع منه: أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن يوسف وهو من أقرانه وأقدم إسنادا منه، وروى عنه:
أبو سعد بن السمعاني، وعبد الخالق بن أسد بن ثابت الدمشقي في معجم شيوخه.
أخبرنا إسماعيل بن سليمان العسكري بدمشق، أنبأنا عبد الخالق بن أسد بن ثابت الحنفي، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي الملقب برئيس الرؤساء ببغداد، وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن علي بن النفيس الأنباري قدم علينا، أنبأنا أبو الفتح مُحَمَّد بن أَحْمَد بن الخلال قالا: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد الخطيب الأنباري، أنبأنا الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّد الْحَسَن بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْن، حدّثنا أبو الحسين نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي الأسترآباذي إملاء، حدّثنا أَبُو جعفر أَحْمَد بْن الْقَاسِم بْن مساور الجوهري، حدّثنا سعيد، عن مبارك بن فضالة، عن كثير أبي محمد، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «صاحب الدين مأسور في قبره يشكو إلى الله الوحدة» .
وأنبأنا إسماعيل، أنبأنا عبد الخالق بن أسد، [وأنبأنا] شهاب الحاتمي بهراة قال:
سمعت ابن السمعاني قال: سئل أبو الحسين علي بن محمد بن علي بن رئيس الرؤساء
عن مولده، فقال ونحن نسمع: في النصف من شوال سنة سبعين وأربعمائة.
قرأت بخط أبي الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي قال: توفي أبو الحسين علي ابن محمد بن علي بن رئيس الرؤساء في شعبان سنة أربعين وخمسمائة، وصلى عليه بجامع القصر، وحضر أرباب الدولة: قاضي القضاة وابن عمه أستاذ الدار أبو الفتوح وغيرهم، ودفن بتربتهم بباب أبرز عند الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وبلغ من عمره السبعين، وكان من أهل السنة والاعتقاد الصالح.
- عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو الْحسن وَيُقَال أَبُو الْحُسَيْن الْهَاشِمِي الْمدنِي وَقَالَ الْوَاقِدِيّ يكنى أَبَا مُحَمَّد زين العابدين أخرج البُخَارِيّ فِي الْجُمُعَة وَالْحج وَغير مَوضِع عَن الزُّهْرِيّ وَيزِيد بن أسلم وَالْحكم بن عتبَة عَنهُ عَن أَبِيه وَصفِيَّة بنت يحيى بن أَخطب والمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم وَعَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ حَدثنِي عَليّ بن الْحُسَيْن وَكَانَ أفضل أهل سنة وَأَحْسَنهمْ طَاعَة وأحبهم إِلَى مَرْوَان بن عبد الْملك أَن صَفِيَّة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته أَنَّهَا جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوره فِي اعْتِكَافه قَالَ أَبُو بكر حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي حَدثنَا بن عُيَيْنَة عَن بن شهَاب قَالَ سمعته يَقُول مَا رَأَيْت قرشيا أفضل من عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ أَبُو بكر أخبرنَا مُصعب قَالَ عَليّ بن حُسَيْن لأم ولد كَانَ مَعَ أَبِيه يَوْم قتل وَهُوَ بن ثَلَاث وَعشْرين سنة وَمَات عَليّ سنة أَربع وَتِسْعين سنة الْفُقَهَاء قَالَ أَبُو بكر حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر حَدثنَا حُسَيْن بن زيد حَدثنَا عمر بن عَليّ أَن عَليّ بن الْحُسَيْن كَانَ يلبس كسَاء خَز بِخَمْسِينَ دِينَارا يلْبسهُ الشتَاء فَإِذا كَانَ فِي الصَّيف تصدق بِهِ أَو بَاعه فَتصدق بِثمنِهِ وَكَانَ يلبس فِي الصَّيف ثَوْبَيْنِ من مَتَاع مصر ممشقين ويلبس مَا دون ذَلِك من الثِّيَاب وَيقْرَأ قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ قَالَ البُخَارِيّ وَقَالَ أَبُو نعيم مَاتَ عَليّ بن الْحُسَيْن سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين قَالَ البُخَارِيّ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد وَمُحَمّد بن الصَّلْت قَالَا حَدثنَا شَقِيق عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ مَاتَ عَليّ بن الْحُسَيْن وَهُوَ بن ثَمَان وَخمسين سنة
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: تابعي، ثقة، وكان رجلًا صالحًا.
قال العجلي: ويُروى عن الزهري، قال: ما رأيت هاشميًا أفضل من علي بن الحسين وهو الحسنيين كلهم.
قال العجلي: ويُروى عن الزهري، قال: ما رأيت هاشميًا أفضل من علي بن الحسين وهو الحسنيين كلهم.
علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال مصعب: مات سنة أربع وتسعين - سنة الفقهاء - وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقال المدائني: مات سنة تسع وتسعين، وقال أبو نعيم: سنة اثنتين وتسعين، قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه. وقال أسلم : ما رأيت مثل علي بن الحسين فيهم قط.
بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال مصعب: مات سنة أربع وتسعين - سنة الفقهاء - وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقال المدائني: مات سنة تسع وتسعين، وقال أبو نعيم: سنة اثنتين وتسعين، قال الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه. وقال أسلم : ما رأيت مثل علي بن الحسين فيهم قط.
علي بن الْحُسَيْنِ
- علي بن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبِ بْنِ عبد المطلب بن هاشم. وأمه أم ولد اسمها غزالة. خلف عليها بعد حسين زبيد مولى الحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زبيد فهو أخو علي بن حسين لأمه. ولعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين وهو علي الأصغر ابن الحسين. وأما علي الأكبر ابن حسين فقتل مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب. فولد علي الأصغر ابن حسين بن علي الحسن بن علي. درج. والحسين الأكبر. درج. ومحمدا أبا جعفر الفقيه وعبد الله وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمر وزيدا المقتول بالكوفة. قتله يوسف بن عمر الثقفي في خلافة هشام بن عبد الملك وصلبه. وعلي بن علي وخديجة وأمهم أم ولد. وحسينا الأصغر ابن علي وأم علي بنت علي. وهي علية. وأمهما أم ولد. وكلثم بنت علي وسليمان لا عقب له. ومليكة لأمهات أولاد. والقاسم وأم الحسن. وهي حسنة. وأم الحسين وفاطمة لأمهات أولاد. وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة. وكان مريضا نائما على فراشه. فلما قتل الحسين. ع. قَالَ شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا. فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله! أنقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل؟ وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يُكْنَى أَبَا الْحُسَيْنِ. وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أنه كَانَ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إسرائيل عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْحَبِيبِ بْنِ الْحَبِيبِ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: بَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا وخاف أن يردها فأخذها فاحتسبها عِنْدَهُ. فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ بَعَثَ إِلَيَّ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّهَا وَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَهَا فَهِيَ عِنْدِي فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَا ابْنَ عَمِّ خُذْهَا فَقَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ. فَقَبِلَهَا. . أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: إِنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَهُمْ فِي غَيْرِ تَقِيَّةٍ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُمْ فِي غَيْرِ تَقِيَّةٍ. قَالَ: أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حبيب الطَّائِفِيُّ . . . . . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: زَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ ابنة مِنْ مَوْلاهُ وَأَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ وَتَزَوَّجَهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: قَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قَدْ أَعْتَقَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ وَتَزَوَّجَهَا. وَأَعْتَقَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَزَوَّجَهُ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. . قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا ذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ قَالَ: كَانَ أَقْصَدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَنَهُمْ طَاعَةً وَأَحَبَّهُمْ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ يَسْأَلُهُ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَجَلَسَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ. جَاءَكَ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ ابْنُ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي مَوْضِعِهِ يَسْأَلُكَ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ فَلَوْ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ فَقَضَيْتَ حَاجَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَهُمْ: أَيْهَاتِ! لا بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ مِنْ أَنْ يَتَعَنَّى. . . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا مَشَى لا تَجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَهُ وَلا يَخْطِرُ بِيَدِهِ. قَالَ وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: مَا تَدْرُونَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُومُ وَمَنْ أُنَاجِي؟ . قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الْجَرْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَجْلِسَانِ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ يَتَحَدَّثَانِ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى وَيَتَذَاكَرَانِ. فَإِذَا أَرَادَا أَنْ يَقُومَا قَرَأَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ سُورَةً فَإِذَا فَرَغَ دَعَوْا. قَالَ حَمَّادٌ: هُوَ الْمَاجِشُونُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِالسَّوَادِ. قَالَ: أخبرنا عبد العزيز بن الخطاب الضبي قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَرَأَيْتُ نَعْلَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُدَوَّرَةَ الرَّأْسِ لَيْسَ لَهَا لِسَانٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أخبرنا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَهُ يُخَضِّبُونَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ كِسَاءُ خَزٍّ أَصْفَرُ يَلْبَسْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ كِسَاءَ خَزٍّ وَجُبَّةَ خَزٍّ. قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ والفضل بن دكين قَالُوا: حَدَّثَنَا بَسَّامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْرَفِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: أُهْدِيَتْ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُسْتُقَةٌ مِنَ الْعِرَاقِ فَكَانَ يَلْبَسُهَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَزَعَهَا. قَالَ: أخبرنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَدِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ سَبَنْجُونَةٌ مِنْ ثَعَالِبَ. فَكَانَ يَلْبَسُهَا فَإِذَا صَلَّى نَزَعَهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ أَوْسٍ الطَّائِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَعَلَيْهِ سَحْقُ مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلَهُ جُمَّةٌ إِلَى الْمَنْكِبِ مَفْرُوقٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ طَيْلَسَانًا كُرْدِيًّا غَلِيظًا وَخُفَّيْنِ يَمَانِيِّيَنْ غَلِيظَيْنِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الْخَزِّ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَيَشْتَوِ فِيهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَيَصِيفُ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ أَشْمُونِيِّينَ بِدِينَارٍ. وَيَلْبَسُ مَا بَيْنَ ذَا وَذَا مِنَ اللَّبُوسِ وَيَقُولُ: «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ» الأعراف: . وَيَعْتَمُّ وَيُنْبَذُ لَهُ فِي السَّعْنِ فِي الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ عَكَرٍ. وَكَانَ يَدَّهِنُ أَوْ يَتَطَيَّبُ بَعْدَ الْغُسْلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ. قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ لاطِئَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بن أبي طالب يعتم وَيُرْخِي عِمَامَتَهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ: شِبْرًا أَوْ فُوَيْقَهُ فِي مَا تَوَخَّيْتُ عِمَامَةً بَيْضَاءَ. . . . أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَفْصُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ كَانَ يَمْشِي إِلَى الْجِمَارِ. وَكَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِمِنًى. وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُؤْذُونَهُ فَتَحَوَّلَ إِلَى قُرَيْنِ الثَّعَالِبِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ قُرَيْنِ الثَّعَالِبِ. وَكَانَ يَرْكَبُ فَإِذَا أَتَى مَنْزِلَهُ مَشَى إِلَى الْجِمَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: جَعَلَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يَدْحَسُ كَفَّهُ مِنَ التَّمْرِ فَيُعْطِي الْكَبِيرَ وَالْمَوْلُودَ سَوَاءً. . قَالَ: أخبرنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا سهيل بْنُ شُعَيْبٍ النَّهْمِيُّ. وَكَانَ نَازِلا فِيهِمْ يَؤُمُّهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِنْهَالِ. يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو. قَالَ: . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبي سبرة عن سَالِمٍ مَوْلَى جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُؤْذِي عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ وَأَهْلَ بَيْتِهِ. يَخْطُبُ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَيَنَالُ مِنْ عَلِيٍّ. رَحِمَهُ اللَّهُ. فَلَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَزَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُوقَفَ لِلنَّاسِ. قَالَ فَكَانَ يَقُولُ: لا وَاللَّهِ مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ. كُنْتُ أَقُولُ رَجُلٌ صَالِحٌ يُسْمَعُ قَوْلُهُ. فَوَقَفَ لِلنَّاسِ. قَالَ فَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ وَلَدَهُ وَحَامَّتَهُ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ. قَالَ وَغَدَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ مَارًّا لِحَاجَةٍ فَمَا عَرَضَ لَهُ. قَالَ فَنَادَاهُ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» الأنعام: . قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ أَوْصَى أَنْ لا يُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا وَأَنْ يُسْرَعَ بِهِ الْمَشْيُ وَأَنْ يُكَفَّنَ فِي قُطْنٍ وَأَنْ لا يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ حِينَ مَاتَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: مَاتَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. وَكَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ السُّنَّةِ سَنَةُ الْفُقَهَاءِ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِيهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ علي بن حسين بن علي بن أبي طَالِبٍ قَالَ: مَاتَ أَبِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ دُكَيْنٍ يَقُولُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا. أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ بَلَدِهِ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ. . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ كَانَ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يَكُنْ أَنَبْتَ بِشَيْءٍ. وَلَكِنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا فَلَمْ يُقَاتِلْ. وَكَيْفَ يَكُونُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُنْبِتْ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ؟ وَلَقِيَ أَبُو جَعْفَرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَوْا عَنْهُ. وَإِنَّمَا مَاتَ جَابِرٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو معشر الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: لَمَّا وُضِعَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْشَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ لَيَشْهَدُوهُ. وَبَقِيَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ. فَقَالَ خَشْرَمٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلا تَشَهَّدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثَيْمُ بْنُ نِسْطَاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ خَرَجَ إِلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: شُهُودُ جِنَازَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلاةِ تَطَوُّعٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يَبْخَلُ فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ. قَالُوا وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا وَرِعًا.
- علي بن الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبِ بْنِ عبد المطلب بن هاشم. وأمه أم ولد اسمها غزالة. خلف عليها بعد حسين زبيد مولى الحسين بن علي فولدت له عبد الله بن زبيد فهو أخو علي بن حسين لأمه. ولعلي بن حسين هذا العقب من ولد حسين وهو علي الأصغر ابن الحسين. وأما علي الأكبر ابن حسين فقتل مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب. فولد علي الأصغر ابن حسين بن علي الحسن بن علي. درج. والحسين الأكبر. درج. ومحمدا أبا جعفر الفقيه وعبد الله وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمر وزيدا المقتول بالكوفة. قتله يوسف بن عمر الثقفي في خلافة هشام بن عبد الملك وصلبه. وعلي بن علي وخديجة وأمهم أم ولد. وحسينا الأصغر ابن علي وأم علي بنت علي. وهي علية. وأمهما أم ولد. وكلثم بنت علي وسليمان لا عقب له. ومليكة لأمهات أولاد. والقاسم وأم الحسن. وهي حسنة. وأم الحسين وفاطمة لأمهات أولاد. وكان علي بن حسين مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة. وكان مريضا نائما على فراشه. فلما قتل الحسين. ع. قَالَ شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا. فقال له رجل من أصحابه: سبحان الله! أنقتل فتى حدثا مريضا لم يقاتل؟ وجاء عمر بن سعد فقال: لا تعرضوا لهؤلاء النسوة ولا لهذا المريض. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يُكْنَى أَبَا الْحُسَيْنِ. وَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أنه كَانَ يُكْنَى أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إسرائيل عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْحَبِيبِ بْنِ الْحَبِيبِ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: بَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا وخاف أن يردها فأخذها فاحتسبها عِنْدَهُ. فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ بَعَثَ إِلَيَّ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّهَا وَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَهَا فَهِيَ عِنْدِي فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَا ابْنَ عَمِّ خُذْهَا فَقَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ. فَقَبِلَهَا. . أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: إِنَّا لَنُصَلِّي خَلْفَهُمْ فِي غَيْرِ تَقِيَّةٍ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَهُمْ فِي غَيْرِ تَقِيَّةٍ. قَالَ: أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حبيب الطَّائِفِيُّ . . . . . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: زَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ ابنة مِنْ مَوْلاهُ وَأَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ وَتَزَوَّجَهَا. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُعَيِّرُهُ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ: قَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. قَدْ أَعْتَقَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ وَتَزَوَّجَهَا. وَأَعْتَقَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَزَوَّجَهُ ابْنَةَ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ. . قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: كَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا ذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ قَالَ: كَانَ أَقْصَدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَنَهُمْ طَاعَةً وَأَحَبَّهُمْ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَسَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بن مَسْعُودٍ يَسْأَلُهُ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَجَلَسَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَمْتَعَ اللَّهُ بِكَ. جَاءَكَ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ ابْنُ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي مَوْضِعِهِ يَسْأَلُكَ عَنْ بَعْضِ الشَّيْءِ فَلَوْ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ فَقَضَيْتَ حَاجَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى مَا أَنْتَ فِيهِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ لَهُمْ: أَيْهَاتِ! لا بُدَّ لِمَنْ طَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ مِنْ أَنْ يَتَعَنَّى. . . . قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا مَشَى لا تَجَاوِزُ يَدُهُ فَخِذَهُ وَلا يَخْطِرُ بِيَدِهِ. قَالَ وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ أَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: مَا تَدْرُونَ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ أَقُومُ وَمَنْ أُنَاجِي؟ . قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الْجَرْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَجْلِسَانِ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ يَتَحَدَّثَانِ إِلَى ارْتِفَاعِ الضُّحَى وَيَتَذَاكَرَانِ. فَإِذَا أَرَادَا أَنْ يَقُومَا قَرَأَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ سُورَةً فَإِذَا فَرَغَ دَعَوْا. قَالَ حَمَّادٌ: هُوَ الْمَاجِشُونُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَصْبُغُ بِالسَّوَادِ. قَالَ: أخبرنا عبد العزيز بن الخطاب الضبي قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الطَّائِفِيُّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ يُخَضِّبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَرَأَيْتُ نَعْلَ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُدَوَّرَةَ الرَّأْسِ لَيْسَ لَهَا لِسَانٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أخبرنا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ رَأَى أَهْلَهُ يُخَضِّبُونَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ كِسَاءُ خَزٍّ أَصْفَرُ يَلْبَسْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ كِسَاءَ خَزٍّ وَجُبَّةَ خَزٍّ. قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ الأَزْرَقُ والفضل بن دكين قَالُوا: حَدَّثَنَا بَسَّامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْرَفِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: أُهْدِيَتْ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُسْتُقَةٌ مِنَ الْعِرَاقِ فَكَانَ يَلْبَسُهَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَزَعَهَا. قَالَ: أخبرنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَدِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ سَبَنْجُونَةٌ مِنْ ثَعَالِبَ. فَكَانَ يَلْبَسُهَا فَإِذَا صَلَّى نَزَعَهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ أَوْسٍ الطَّائِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَعَلَيْهِ سَحْقُ مِلْحَفَةٍ حَمْرَاءَ وَلَهُ جُمَّةٌ إِلَى الْمَنْكِبِ مَفْرُوقٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ طَيْلَسَانًا كُرْدِيًّا غَلِيظًا وَخُفَّيْنِ يَمَانِيِّيَنْ غَلِيظَيْنِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَمِّهِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي كِسَاءَ الْخَزِّ بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَيَشْتَوِ فِيهِ ثُمَّ يَبِيعُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ. وَيَصِيفُ فِي ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ أَشْمُونِيِّينَ بِدِينَارٍ. وَيَلْبَسُ مَا بَيْنَ ذَا وَذَا مِنَ اللَّبُوسِ وَيَقُولُ: «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ» الأعراف: . وَيَعْتَمُّ وَيُنْبَذُ لَهُ فِي السَّعْنِ فِي الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ عَكَرٍ. وَكَانَ يَدَّهِنُ أَوْ يَتَطَيَّبُ بَعْدَ الْغُسْلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ. قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ لاطِئَةً. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلالٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بن أبي طالب يعتم وَيُرْخِي عِمَامَتَهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ: شِبْرًا أَوْ فُوَيْقَهُ فِي مَا تَوَخَّيْتُ عِمَامَةً بَيْضَاءَ. . . . أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَفْصُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ كَانَ يَمْشِي إِلَى الْجِمَارِ. وَكَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِمِنًى. وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُؤْذُونَهُ فَتَحَوَّلَ إِلَى قُرَيْنِ الثَّعَالِبِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ قُرَيْنِ الثَّعَالِبِ. وَكَانَ يَرْكَبُ فَإِذَا أَتَى مَنْزِلَهُ مَشَى إِلَى الْجِمَارِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: جَعَلَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يَدْحَسُ كَفَّهُ مِنَ التَّمْرِ فَيُعْطِي الْكَبِيرَ وَالْمَوْلُودَ سَوَاءً. . قَالَ: أخبرنا مالك بن إسماعيل قال: حدثنا سهيل بْنُ شُعَيْبٍ النَّهْمِيُّ. وَكَانَ نَازِلا فِيهِمْ يَؤُمُّهُمْ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِنْهَالِ. يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو. قَالَ: . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أبي سبرة عن سَالِمٍ مَوْلَى جَعْفَرٍ قَالَ: كَانَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُؤْذِي عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ وَأَهْلَ بَيْتِهِ. يَخْطُبُ بِذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَيَنَالُ مِنْ عَلِيٍّ. رَحِمَهُ اللَّهُ. فَلَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَزَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُوقَفَ لِلنَّاسِ. قَالَ فَكَانَ يَقُولُ: لا وَاللَّهِ مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ. كُنْتُ أَقُولُ رَجُلٌ صَالِحٌ يُسْمَعُ قَوْلُهُ. فَوَقَفَ لِلنَّاسِ. قَالَ فَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ وَلَدَهُ وَحَامَّتَهُ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ. قَالَ وَغَدَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ مَارًّا لِحَاجَةٍ فَمَا عَرَضَ لَهُ. قَالَ فَنَادَاهُ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» الأنعام: . قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ أَوْصَى أَنْ لا يُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا وَأَنْ يُسْرَعَ بِهِ الْمَشْيُ وَأَنْ يُكَفَّنَ فِي قُطْنٍ وَأَنْ لا يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِسْكٌ. قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ شَرِيكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ أَمَرَ أُمَّ وَلَدٍ لِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ حِينَ مَاتَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: مَاتَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ. وَكَانَ يُقَالُ لِهَذِهِ السُّنَّةِ سَنَةُ الْفُقَهَاءِ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِيهَا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ علي بن حسين بن علي بن أبي طَالِبٍ قَالَ: مَاتَ أَبِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ دُكَيْنٍ يَقُولُ: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا. أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ بَلَدِهِ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ. . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ كَانَ مَعَ أَبِيهِ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يَكُنْ أَنَبْتَ بِشَيْءٍ. وَلَكِنَّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَرِيضًا فَلَمْ يُقَاتِلْ. وَكَيْفَ يَكُونُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُنْبِتْ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ؟ وَلَقِيَ أَبُو جَعْفَرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَوْا عَنْهُ. وَإِنَّمَا مَاتَ جَابِرٌ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو معشر الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: لَمَّا وُضِعَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ أَقْشَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ لَيَشْهَدُوهُ. وَبَقِيَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ. فَقَالَ خَشْرَمٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَلا تَشَهَّدُ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَشْهَدَ هَذَا الرَّجُلَ الصَّالِحَ فِي الْبَيْتِ الصَّالِحِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثَيْمُ بْنُ نِسْطَاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ خَرَجَ إِلَيْهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَتَبِعَهُ. وَكَانَ يَقُولُ: شُهُودُ جِنَازَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صَلاةِ تَطَوُّعٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يَبْخَلُ فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ. قَالُوا وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا وَرِعًا.
علي بن الحسين
أبو الحسن القرشي الحراني حدث بدمشق عن أبي اليقظان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني عن أبيه عبد الرحمن بن مسلم قال: دخلت أنطاكية إلى مسجد الجامع، فإذا أنا بشيخ جليل جميل، فسلمت وجلست، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: أنا من أهل حران، قال: أما أنا فمن مدينة إبراهيم الخليل، ولا يزال فيها رجل من الأبدال إلى أن تقوم الساعة.
قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك قال: إني لست أحدثك حتى تعطيني عهد الله وميثاقه أنك لا جلست إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به؛ قلت: أفعل ذلك إن شاء الله، قال: أتيت البصرة، فأقمت بها أربع حجج في طلب العلم، وكان العلماء متوافرين بالبصرة، فكتبت بها علماً كثيراً، فقال لي رجل: منذ كم تكتب معنا الحديث؟ لقد كتبت علماً كثيراُ، ولقد فاتك كلام رجل والنظر إليه، قد لقي أنس بن مالك خادم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: قلت: وأين منزله؟ قال: في رحبة اليهود بالبصرة.
قال: فانطلقت حتى أتيت قصره، فإذا أنا بقصر مشيد، له باب من حيدي، وعلى باب القصر مشايخ ما رأيت أجمل منهم، فلما رأيتهم هالني أمرهم، فسلمت فردّوا ورحّبوا وقرّبوا، وقالوا: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، أنا شيخ من أهل الشام، خرجت إلى بلدكم في طلب العلم، وأنا مقيل فيه من أربع حجج، وقد بلغني عن والدكم أنه لقي أنس بن مالك، خادم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: " طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني "، وأبوكم رأى من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا لي:
نعم، وكرامة، إنا ندخل عليه في كل غداة فنسلم، ولا ندخل إلا من غد، ولنا أخ هو أصغر منا سنّاً يكنى بأبي الطيب، فنسأله يدخلك معه عليه، على أن نشرط عليك: أن لا تتكلم، تنظر إليه، وهو لا ينظر إليك. قال: فدعوت لهم، فقالوا لي: ادخل إلى هذا المسجد، فإذا صليت العصر فصر إلينا نسأله يدخلك.
فلما دخلت المسجد شممت رائحة المسك، وأن المسجد قد وزر بالخلوق والمسك، فسلمت وصليت ركعتين، وسألت الله عزّ وجلّ أن يسهل لي النظر إلى وجه وليّه.
فلما فرغت من الدعاء إذا بشيخ طوي القامة عظيم الهامة، عليه جبّة صوفٍ، مقطوع الكمين، مشدود وسطه بحبل لمن ليف، على عاتقه مرّ ومجرفة، ورسل، فوضعها في زاوية المسجد، ثم سلم وكبرن وصلى ركعة واحدة، فقلت: سبحان الله، لعله قد سها، فقال لي مجيباً: وبحمده. قلت: إنك لم تصل إلا ركعة، فقال: تحية المسجد، إنما هي تطوع.
قال: قلت: من حدثك أن ركعة تجزئ تحية المسجد؟ قال: مولاي صاحب هذا القصر.
قلت: ومملوك أنت؟ قال: كنت مملوكاً، ولكن الله أعتق رقبتي منذ خمسين سنة، وأنا أحفر القبور منذ خمسين سنة.
قلت: وما الذي حملك على حفر القبور؟ قال: بحديث حدثني مولاي هذا عن أنس بن مالك أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من حفر قبراً لأخيه المسلم، ولم يأخذ عليه جزاء، بنى الله تعالى له بيتاً في الفردوس الأعلى، فيه قبة خضراء، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها ".
وسمعته يقول: من غسل أخاه المسلم ولم يأخذ عليه أجراً، وكتم ما يرى منه غفر الله عزّ وجلّ له
ذنوبه في ظلمة قبره ووحشته، إذا خلا فرداً وحيداً مرتهناً بعمله، ووكل به ملك بيده مصباح من نور، فهو يؤنسه في قبره إلى أن ينفخ الله في الصّور.
فهو الذي حملني على حفر القبور، وغسل الموتى، وحرسي القبور.
قلت: ما اسمك؟ قال: صالح.
قلت: بالله حدثني بأعجب شيء رأيته في ظلمات الليل، وأنت تحفر القبور من خمسين سنة، قال: إني لست أحدثك أو تعطيني عهد الله وميثاقه، أنت لا تجلس إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به، قلت: أفعل إن شاء الله.
قال: ماتت بنت قاضي البصرة، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل منها، فجزع عليها أبوها جزعاً شديداً، فدخلت عليه وهو يبكي أحرّ البكاء، فسلمت عليه وقلت: إن الموت حتم على الخلق، وإن الله عزّ وجلّ قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: " إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون ".
فقال: يا صالح، إنه لم يكن بالبصرة امرأة أجمل من ابنتي، ولا أكثر مالاً، مات عنها زوجها ولم ترزق منه ولداً، وورثت منه مالاً عظيماً، وقد أوصت إليّ أن أخرج من ثلثها ثلاثة آلاف دينار، ويعطى لحرس قبرها ألف دينار يحرس سنةً اثني عشر شهراً.
قال: قلت: أما أنا فإنني أعطيت عهد الله وميثاقه أنني لا آخذ لحرس قبر، ولا لحفر قبر، ولا لغسل مست شيئاً أبداً. فقال لي: سبحان الله! ترزق رزقاً حلالاً وترده؟! قلت: نعم، وأشير عليك بشيء يسعدك الله به، ويدخل على ابنتك في قبرها السرور والرحمة؛ فقال: تكلم.
قلت: إن الميت لا ينتفع أن يكفن بألف دينار، فإنه يبلى في التراب والصديد والدّود، ولكن تكفن بمئة دينار، وتضيف تسع مئة إلى الألفين، فتشتري بها الثياب والخبز والماء، فتكسو العاري، وتشبع الجائع، وتروي الظمآن، فإني أرجو أن يعتق الله
ابنتك من النار، ويدخل عليه في قبرها السرور والرّحمة. فقال لي: وفقت وأشرت بخير.
قال: فكفّنها بمئة، وتصدق بالباقي عنها.
قال صالح، فحرست قبرها ثلاث ليال، أصلي عند قبرها ألف ركعة، فلما كان في الليلة الرابعة، وقد طلع الفجر، وأصبت نعسة، وأذن المؤذن، فأخذت لبنة فوضعتها تحت رأسي، فما هو إلا أن ذهبت في النوم، فإذا بنت القاضي قائمة بين يديّ، عليها ثياب أهل الجنة وحلي أهل الجنة.
قلت: يا هذه، من أنت التي قد ألبسها الله البهاء والنور؟ قال: صاحبة القبر بنت القاضي، جئت أشكرك، نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء كما أشرت بالخير في الصدقة عني، إن الله تبارك وتعالى قد نوّر قبري، وأدخل قبري السرور والرحمة، قم حتى أريك ما أعد الله تعالى لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله.
فنهضت معها وفي يدها مصباح من بلور، والقبر روضة خضراء كأحسن ما يكون، وإن القبور قد أقبل أهلها، وقد جلس كلّ ميت على شفير قبره، قد ألبسهم الله البهاء والنور. قالت: هؤلاء الذين ماتوا وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ادن منهم، وكلّمهم فإنهم يكلّمونك.
قلت: يا سبحان الله! موتى موتى يكلّمون الأحياء؟! قالت: وأنا ميتة، وقد أذن الله لي وكلمتك.
فلما دنوت منهم قالوا بأجمعهم: جزاك الله خيراً من مؤنس، إنا نسمع قرآنك ودعاءك لا نقدر أن نجيبك، وأنتم يا معشر الأحياء تعملون الخيرات، ولا تدرون ما لكم عند الله عزّ وجلّ من الدّرجات، فإذا أصبحت فأت المسجد الجامع فأقرئ أهالينا السّلام، وقل لهم: موتاكم يقرؤون عليكم السلام ويقولون: جزاكم الله عنا خيراً، فإن هداياكم تأتينا بكرة وعشياً، فقلت: وما الهدايا؟ قالوا: الدعاء والصدقة، إن الصدقة شيء عظيم يطفئ غضب الرّب، ودعاء الأحياء يدعون لنا الله عزّ وجلّ فيستجيب الله لهم فينا، فيدخل علينا في قبورنا السرور والرحمة.
قال: فبينا أنا فرح بهم إذ نظرت إلى رجل مشوّه الوجه رثّ الكفن، في عنقه سلسلة من نار، ورجل بيده سوط من نار، يضرب حرّ وجهه وظهره وبطنه، وهو يصيح: يا ويلاه! من نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى.
قال: فتقطع قلبي رحمة له، فقلت: يا هذا أيشٍ حالك من بين أصحابك هؤلاء الذين ألبسم الله البهاء والنور؟ قال: جرمي عظيم، كان لي مال عظيم، وكنت لا أزكّي فيه، فنالني هذا بعقوق والدي في الدنيا. قلت: وكيف ذلك؟ قال: مات أبي وخلف مالاً عظيماً، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل من والدتي، ولا أكثر مالاً، فرغب ملوك البصرة فيها، فخطبها بعض الملوك فأجابته، فبلغني ذلك فداخلتني الغيرة. فقلت: يا أمّه، بلغني أنك تريدين التزويج. قالت: التزويج حلال؛ فرفعت يدي، فلطمت حرّ وجهها، فخرّت مغشياً عليها، فسال من وجهها الدم. فلما أفاقت من غشيتها رفعت يدها ورأسها إلى السماء فقالت: يا بني لا أقالتك الله عثرتك، ولا آنس في القبر وحشتك. فلما أن مت صرت في قبري إلى نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى، وكذلك القبر من اليوم إلى يوم القيامة، فإذا أصبحت فأت والدتي وأقرئها السلام، وأعلمها بما رأيت من سوء حالي لعلها ترحمني.
قال: فانتبهت فإذا رائحة المسك من مسجدي، وكأنما ضوء المصباح في مسجدي وبين عينيّ.
قال: قلت: هذه رؤيا من الله، لآتينّ المسجد الجامع، فلأؤدينّ الرسالة، ولآتينّ أم المسكين، فأخبرها بما رأيت من سوء حاله.
فخرجت إلى المسجد، فصليت مع الإمام، فلما سلم قمت فقلت: السلام عليكم يا أهل المسجد ورحمة الله وبركاته، إني رأيت موتاكم في النوم بأحسن منظر، وهم يقرئونكم السلام، ويقولون لكم: جزاكم الله عنا خيراً أفضل الجزاء، فإن هداياكم تأتينا بكرة
وعشياً؛ فلم يبق في المسجد شيخ ولا شاب إلا علا نحيبه، ولم يبق أحد منهم إلا تصدق عن حبيبه ذلك اليوم، وكانت رؤيا رحمة على الأحياء والأموات.
قال: ومضيت إلى باب أم المسكين، فإذا على الباب شيخ جميل بيده مصحف، يقرأ فيه، وحوله وصائف يقرئهم القرآن. فلما رآني مقبلاً أمر الوصائف فدخلن القصر، فسلمت، فصافحني، وعانقني، ورد السلام، وقال: هل من حاجة؟ قلت: أما إليك فلا، ولكن إلى أهلك! فقال: يا سبحان الله! ما في مالي، ولا فيما خوّلني الله ما أقضي حاجتك؟ قلت: " إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "؛ فقال: صدقت، يا غلام، ادخل إلى ستك فقل لها؟ تسبل الستر حتى يدخل صالح تنظر أيشٍ حاجته.
قال: فدخل الغلام، وأسبل الستر، ودخل زوجها ودخلت معه، فقلت: السلام عليك يا أمة الله، من لك في المقابر؟ قال: فبكت حتى خرت مغشياً عليها، وبكى زوجها وكل من في القصر معها، وبكيت أنا رحمة لها.
قالت: وما ذاك يا صالح؟ قلت: رأيت في المنام كذا وكذا، فبكت بكاءً شديداً، وقالت: ذاك ولدي، واحسرتاه، على ما فرطت فيك يا بني، ثم جيئت بكيس فقالت: خذه واشتر بما فيه الثياب والخبز والماء، فاكس العاري، وأشبع الجائع، وارو الظمآن، ثم قالت: اللهم إن هذا صدقة عن ولدي، اللهم فارض عنه.
قال زوجها: أحسنت وأصبت ووصلت رحمك، وما كنا لنتركك تسبقينا إلى الخير. وجيء بكيس فقال: خذه وأضفه إلى الآخر، اللهم إن هذه صدقة عن ابن العجوز، اللهم فارض عنه وعن والديه وما ولد، وعن جميع المسلمين.
قال صالح، فأخذت الكيسين، وفعلت ما قالاه، وهممت أن أقوم، فسقط مني، رغيف، فقلت: لا أبرح حتى أنقذه، فإن قليل الأمانة وكثيرها عند الله سواء.
فبينا أنا كذلك إذ خرج من بعض دروب البصرة شيخ كبير منحنٍ، ما يرفع رأسه
من الكبر، يحرك شفتيه بالتحميد والتسبيح، وهو يقول: يا سيدي ومولاي خدمتك منذ ثلاثة أيام، فلما دنا قلت: يا شيخ، قال: يا سعديك، قلت: ما أرى معك أحداً، فلمن تناجي؟ قال: أناجي سيد السادات، ومالك الملوك، ومولى المولى، قد عودني في كل ثلاثة أيام قرصاً أفطر عليه، وهذا حاجتي إليه. قلت: إن الله عز وجل قد أجاب دعوتك. ودفعت إليه الرغيف، فقال: رضي الله عنك وعمن تصدق به عن جميع المسلمين.
قال صالح: ومضيت في الليلة الرابعة لأحرس قبر ابنه القاضي، فلما قرأت حزبي وصليت وردي نمت، فإذا أنا بابن العجوز على أحسن الناس وجهاً، وأطيب رائحة، فقال: نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء، إن الله عز وجل قد نوّر قبري، وأدخله السرور والرحمة بدعاء والدتي ودعاء الفقراء لي. إن الصدقة شيء عجيب تطفئ غضب الرب، فإذا أصبحت فأقرئ والدتي السلام، وأعلمها أن الصدقة وصلت، وقل لها: لا تقطعي الصدقة، فإن قليل الخير عند الله كثير.
قال: فانتبهت فرحاً، وصرت إلى والدته، فأخبرتها، فسرّت بذلك، وآلت على نفسها أنها تتصدق عنه في كل يوم.
قلت: يا صالح قد وعدني مواليك هؤلاء أن يدخلوني على مولاك. قال: هيهات: ما أطمع لك في ذلك لأنه كبير قد أتى عليه مئة وعشرون سنة، وقد احتجب عن الناس منذ عشر سنين. قلت: وعدوني أن يكلموا ابنه الأصغر. فقال: نعم ليس في أولاده أصبح وجهاً منه، ولا أرق قلباً، ولا أرحم بالغريب، وإن للشيخ من صلبه سبعين ذكراً.
قال: فصليت العصر وخرجت، وخرج صالح، فسلمت، فردوا السلام، والتفتوا إلى أخيهم الأصغر، فقالوا: يا أبا الطيب: إنا نعرضك إلى الأجر، وهذا الرجل مقيم في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله إلى والدنا؛ لينظر إليه نظرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني ورأى من رآني ". قال: نعم وكرامة، فنهض ودق الباب، فخرج خادم ففتح باب القصر، فلما فتحه شممت رائحة المسك والزعفران والياسمين، فسألت الله الجنة، ثم دخلنا من قصر إلى قصر، فإذ الشيخ متكئ على فرش مشيّدة، ووجهه كالقمر ليلة البدر. قال: فقلت: هذا وجه من وجوه أهل الجنة، فوقف ابنه بين
يديه وقال: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته؛ فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وعن والديك وما ولدا، وعن جميع المسلمين.
قال: فقلت في نفسي: والله لا فاتني كلام ولي الله؛ فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فردّ علي السلام، واحمرّ وجهه، ثم التفت إلى ابنه فقال: يا أبا الطيب من هذا الذي أدخلته عليّ من غير إذن؟ فقال: يا أبه، هذا شيخ من أهل الشام، مقيم معنا في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله عليك، لينظر إليك، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني، ومن رأى من رآني ". وأنت يا أبه، قد رأيت من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخدمه.
قال: لا بأس، وطابت نفسه، ثم التفت فقال لي: يا شاميّ من أي الشام أنت؟ قلت: من أهل أنطاكية. فقال: مرحباً بك وأهلاً، أنت من المدينة التي منها الرجل الصالح حبيب النجار، بعث الله تعالى المسلمين إلى أنطاكية، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى، قال: يا قوم اتبعوا المرسلين. وكانت قدومه على عاتقه، فعلوه بالقدوم حتى قتلوه، ووطئوا بطنه، حتى خرجت بيضته من دبره، فإذا كان يوم القيامة: " قال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ".
قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك، وأشكرك عليه، ويثيبك الله تعالى الجنة، فقال: إني قد آليت على نفسي أن لا أحدث أحداً، ولم احدث أحداً منذ عشرين سنة، وكني أكفّر عن يميني وأحدثك إن شاء الله، فأخرجت الألواح المسوّدة، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي أمة مرحومة، جعلها الله تعالى في الأمم كالقمر ليلة البدر، فمحسنها يدخل
الجنة بلا حساب، ومسيئها يغفر له بشفاعتي ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير "، فسابقنا سابق، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفور له.
قال: فكتبت عنه حديثاً يسوى الدنيا وما فيها، قلت: زدني رحمك الله قال: اكتب يا شاميّ: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي الأمة المرحومة، ولولا الرحمة ما خلقهم الله ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا " لمن عمل، " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "، " نعم أجر العاملين ".
قال: فكتبت عنه حديثين يسويان الدنيا وما فيها.
قلت: زدني رحمك الله قال: ما أعرفني بكم يا أصحاب الحديث، ما يشبعكم شيء؛ اكتب: حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " أمتي الأمة المرحومة، جعل الله عز وجل عذابها في الدنيا بالسيف والقتل، وذلك أني سألت الله عز وجل ثلاثاً فأعطاني: سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم من قبلنا فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسنا
شيعاً ". ثم قرأ مصداقه من القرآن: " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ". يعني السيف والقتل. فإذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل من المسلمين رجلاً من المشركين: إما مجوسياً وإما يهودياً وإما نصرانياً، فيقول: يا وليّ الله، هذا عدو الله فداؤك من النار، فإذا صعد أحدكم على فراشه فليقل: اللهم اجعل فلان بن فلان فدائي من النار، فإذا كان يوم القيامة أتاه ملك قابض على ناصيته حتى يوقفه بين يدي وليّ الله، فيقول له: يا وليّ الله، هذا فداؤك من النار، قال: فيكبّ الكافر على منخريه في النار، ويؤمر بالمؤمن إلى الجنة. ثم قرأ مصداقه من القرآن: " وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم، وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يفترون ".
أبو الحسن القرشي الحراني حدث بدمشق عن أبي اليقظان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني عن أبيه عبد الرحمن بن مسلم قال: دخلت أنطاكية إلى مسجد الجامع، فإذا أنا بشيخ جليل جميل، فسلمت وجلست، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: أنا من أهل حران، قال: أما أنا فمن مدينة إبراهيم الخليل، ولا يزال فيها رجل من الأبدال إلى أن تقوم الساعة.
قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك قال: إني لست أحدثك حتى تعطيني عهد الله وميثاقه أنك لا جلست إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به؛ قلت: أفعل ذلك إن شاء الله، قال: أتيت البصرة، فأقمت بها أربع حجج في طلب العلم، وكان العلماء متوافرين بالبصرة، فكتبت بها علماً كثيراً، فقال لي رجل: منذ كم تكتب معنا الحديث؟ لقد كتبت علماً كثيراُ، ولقد فاتك كلام رجل والنظر إليه، قد لقي أنس بن مالك خادم سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: قلت: وأين منزله؟ قال: في رحبة اليهود بالبصرة.
قال: فانطلقت حتى أتيت قصره، فإذا أنا بقصر مشيد، له باب من حيدي، وعلى باب القصر مشايخ ما رأيت أجمل منهم، فلما رأيتهم هالني أمرهم، فسلمت فردّوا ورحّبوا وقرّبوا، وقالوا: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، أنا شيخ من أهل الشام، خرجت إلى بلدكم في طلب العلم، وأنا مقيل فيه من أربع حجج، وقد بلغني عن والدكم أنه لقي أنس بن مالك، خادم سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: " طوبى لمن رآني ومن رأى من رآني "، وأبوكم رأى من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا لي:
نعم، وكرامة، إنا ندخل عليه في كل غداة فنسلم، ولا ندخل إلا من غد، ولنا أخ هو أصغر منا سنّاً يكنى بأبي الطيب، فنسأله يدخلك معه عليه، على أن نشرط عليك: أن لا تتكلم، تنظر إليه، وهو لا ينظر إليك. قال: فدعوت لهم، فقالوا لي: ادخل إلى هذا المسجد، فإذا صليت العصر فصر إلينا نسأله يدخلك.
فلما دخلت المسجد شممت رائحة المسك، وأن المسجد قد وزر بالخلوق والمسك، فسلمت وصليت ركعتين، وسألت الله عزّ وجلّ أن يسهل لي النظر إلى وجه وليّه.
فلما فرغت من الدعاء إذا بشيخ طوي القامة عظيم الهامة، عليه جبّة صوفٍ، مقطوع الكمين، مشدود وسطه بحبل لمن ليف، على عاتقه مرّ ومجرفة، ورسل، فوضعها في زاوية المسجد، ثم سلم وكبرن وصلى ركعة واحدة، فقلت: سبحان الله، لعله قد سها، فقال لي مجيباً: وبحمده. قلت: إنك لم تصل إلا ركعة، فقال: تحية المسجد، إنما هي تطوع.
قال: قلت: من حدثك أن ركعة تجزئ تحية المسجد؟ قال: مولاي صاحب هذا القصر.
قلت: ومملوك أنت؟ قال: كنت مملوكاً، ولكن الله أعتق رقبتي منذ خمسين سنة، وأنا أحفر القبور منذ خمسين سنة.
قلت: وما الذي حملك على حفر القبور؟ قال: بحديث حدثني مولاي هذا عن أنس بن مالك أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " من حفر قبراً لأخيه المسلم، ولم يأخذ عليه جزاء، بنى الله تعالى له بيتاً في الفردوس الأعلى، فيه قبة خضراء، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها ".
وسمعته يقول: من غسل أخاه المسلم ولم يأخذ عليه أجراً، وكتم ما يرى منه غفر الله عزّ وجلّ له
ذنوبه في ظلمة قبره ووحشته، إذا خلا فرداً وحيداً مرتهناً بعمله، ووكل به ملك بيده مصباح من نور، فهو يؤنسه في قبره إلى أن ينفخ الله في الصّور.
فهو الذي حملني على حفر القبور، وغسل الموتى، وحرسي القبور.
قلت: ما اسمك؟ قال: صالح.
قلت: بالله حدثني بأعجب شيء رأيته في ظلمات الليل، وأنت تحفر القبور من خمسين سنة، قال: إني لست أحدثك أو تعطيني عهد الله وميثاقه، أنت لا تجلس إلى قوم من أهل لا إله إلا الله إلا حدثتهم به، قلت: أفعل إن شاء الله.
قال: ماتت بنت قاضي البصرة، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل منها، فجزع عليها أبوها جزعاً شديداً، فدخلت عليه وهو يبكي أحرّ البكاء، فسلمت عليه وقلت: إن الموت حتم على الخلق، وإن الله عزّ وجلّ قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: " إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون ".
فقال: يا صالح، إنه لم يكن بالبصرة امرأة أجمل من ابنتي، ولا أكثر مالاً، مات عنها زوجها ولم ترزق منه ولداً، وورثت منه مالاً عظيماً، وقد أوصت إليّ أن أخرج من ثلثها ثلاثة آلاف دينار، ويعطى لحرس قبرها ألف دينار يحرس سنةً اثني عشر شهراً.
قال: قلت: أما أنا فإنني أعطيت عهد الله وميثاقه أنني لا آخذ لحرس قبر، ولا لحفر قبر، ولا لغسل مست شيئاً أبداً. فقال لي: سبحان الله! ترزق رزقاً حلالاً وترده؟! قلت: نعم، وأشير عليك بشيء يسعدك الله به، ويدخل على ابنتك في قبرها السرور والرحمة؛ فقال: تكلم.
قلت: إن الميت لا ينتفع أن يكفن بألف دينار، فإنه يبلى في التراب والصديد والدّود، ولكن تكفن بمئة دينار، وتضيف تسع مئة إلى الألفين، فتشتري بها الثياب والخبز والماء، فتكسو العاري، وتشبع الجائع، وتروي الظمآن، فإني أرجو أن يعتق الله
ابنتك من النار، ويدخل عليه في قبرها السرور والرّحمة. فقال لي: وفقت وأشرت بخير.
قال: فكفّنها بمئة، وتصدق بالباقي عنها.
قال صالح، فحرست قبرها ثلاث ليال، أصلي عند قبرها ألف ركعة، فلما كان في الليلة الرابعة، وقد طلع الفجر، وأصبت نعسة، وأذن المؤذن، فأخذت لبنة فوضعتها تحت رأسي، فما هو إلا أن ذهبت في النوم، فإذا بنت القاضي قائمة بين يديّ، عليها ثياب أهل الجنة وحلي أهل الجنة.
قلت: يا هذه، من أنت التي قد ألبسها الله البهاء والنور؟ قال: صاحبة القبر بنت القاضي، جئت أشكرك، نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء كما أشرت بالخير في الصدقة عني، إن الله تبارك وتعالى قد نوّر قبري، وأدخل قبري السرور والرحمة، قم حتى أريك ما أعد الله تعالى لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله.
فنهضت معها وفي يدها مصباح من بلور، والقبر روضة خضراء كأحسن ما يكون، وإن القبور قد أقبل أهلها، وقد جلس كلّ ميت على شفير قبره، قد ألبسهم الله البهاء والنور. قالت: هؤلاء الذين ماتوا وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، ادن منهم، وكلّمهم فإنهم يكلّمونك.
قلت: يا سبحان الله! موتى موتى يكلّمون الأحياء؟! قالت: وأنا ميتة، وقد أذن الله لي وكلمتك.
فلما دنوت منهم قالوا بأجمعهم: جزاك الله خيراً من مؤنس، إنا نسمع قرآنك ودعاءك لا نقدر أن نجيبك، وأنتم يا معشر الأحياء تعملون الخيرات، ولا تدرون ما لكم عند الله عزّ وجلّ من الدّرجات، فإذا أصبحت فأت المسجد الجامع فأقرئ أهالينا السّلام، وقل لهم: موتاكم يقرؤون عليكم السلام ويقولون: جزاكم الله عنا خيراً، فإن هداياكم تأتينا بكرة وعشياً، فقلت: وما الهدايا؟ قالوا: الدعاء والصدقة، إن الصدقة شيء عظيم يطفئ غضب الرّب، ودعاء الأحياء يدعون لنا الله عزّ وجلّ فيستجيب الله لهم فينا، فيدخل علينا في قبورنا السرور والرحمة.
قال: فبينا أنا فرح بهم إذ نظرت إلى رجل مشوّه الوجه رثّ الكفن، في عنقه سلسلة من نار، ورجل بيده سوط من نار، يضرب حرّ وجهه وظهره وبطنه، وهو يصيح: يا ويلاه! من نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى.
قال: فتقطع قلبي رحمة له، فقلت: يا هذا أيشٍ حالك من بين أصحابك هؤلاء الذين ألبسم الله البهاء والنور؟ قال: جرمي عظيم، كان لي مال عظيم، وكنت لا أزكّي فيه، فنالني هذا بعقوق والدي في الدنيا. قلت: وكيف ذلك؟ قال: مات أبي وخلف مالاً عظيماً، ولم يكن بالبصرة امرأة أجمل من والدتي، ولا أكثر مالاً، فرغب ملوك البصرة فيها، فخطبها بعض الملوك فأجابته، فبلغني ذلك فداخلتني الغيرة. فقلت: يا أمّه، بلغني أنك تريدين التزويج. قالت: التزويج حلال؛ فرفعت يدي، فلطمت حرّ وجهها، فخرّت مغشياً عليها، فسال من وجهها الدم. فلما أفاقت من غشيتها رفعت يدها ورأسها إلى السماء فقالت: يا بني لا أقالتك الله عثرتك، ولا آنس في القبر وحشتك. فلما أن مت صرت في قبري إلى نار لا تطفأ، وعذاب لا يبلى، وكذلك القبر من اليوم إلى يوم القيامة، فإذا أصبحت فأت والدتي وأقرئها السلام، وأعلمها بما رأيت من سوء حالي لعلها ترحمني.
قال: فانتبهت فإذا رائحة المسك من مسجدي، وكأنما ضوء المصباح في مسجدي وبين عينيّ.
قال: قلت: هذه رؤيا من الله، لآتينّ المسجد الجامع، فلأؤدينّ الرسالة، ولآتينّ أم المسكين، فأخبرها بما رأيت من سوء حاله.
فخرجت إلى المسجد، فصليت مع الإمام، فلما سلم قمت فقلت: السلام عليكم يا أهل المسجد ورحمة الله وبركاته، إني رأيت موتاكم في النوم بأحسن منظر، وهم يقرئونكم السلام، ويقولون لكم: جزاكم الله عنا خيراً أفضل الجزاء، فإن هداياكم تأتينا بكرة
وعشياً؛ فلم يبق في المسجد شيخ ولا شاب إلا علا نحيبه، ولم يبق أحد منهم إلا تصدق عن حبيبه ذلك اليوم، وكانت رؤيا رحمة على الأحياء والأموات.
قال: ومضيت إلى باب أم المسكين، فإذا على الباب شيخ جميل بيده مصحف، يقرأ فيه، وحوله وصائف يقرئهم القرآن. فلما رآني مقبلاً أمر الوصائف فدخلن القصر، فسلمت، فصافحني، وعانقني، ورد السلام، وقال: هل من حاجة؟ قلت: أما إليك فلا، ولكن إلى أهلك! فقال: يا سبحان الله! ما في مالي، ولا فيما خوّلني الله ما أقضي حاجتك؟ قلت: " إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها "؛ فقال: صدقت، يا غلام، ادخل إلى ستك فقل لها؟ تسبل الستر حتى يدخل صالح تنظر أيشٍ حاجته.
قال: فدخل الغلام، وأسبل الستر، ودخل زوجها ودخلت معه، فقلت: السلام عليك يا أمة الله، من لك في المقابر؟ قال: فبكت حتى خرت مغشياً عليها، وبكى زوجها وكل من في القصر معها، وبكيت أنا رحمة لها.
قالت: وما ذاك يا صالح؟ قلت: رأيت في المنام كذا وكذا، فبكت بكاءً شديداً، وقالت: ذاك ولدي، واحسرتاه، على ما فرطت فيك يا بني، ثم جيئت بكيس فقالت: خذه واشتر بما فيه الثياب والخبز والماء، فاكس العاري، وأشبع الجائع، وارو الظمآن، ثم قالت: اللهم إن هذا صدقة عن ولدي، اللهم فارض عنه.
قال زوجها: أحسنت وأصبت ووصلت رحمك، وما كنا لنتركك تسبقينا إلى الخير. وجيء بكيس فقال: خذه وأضفه إلى الآخر، اللهم إن هذه صدقة عن ابن العجوز، اللهم فارض عنه وعن والديه وما ولد، وعن جميع المسلمين.
قال صالح، فأخذت الكيسين، وفعلت ما قالاه، وهممت أن أقوم، فسقط مني، رغيف، فقلت: لا أبرح حتى أنقذه، فإن قليل الأمانة وكثيرها عند الله سواء.
فبينا أنا كذلك إذ خرج من بعض دروب البصرة شيخ كبير منحنٍ، ما يرفع رأسه
من الكبر، يحرك شفتيه بالتحميد والتسبيح، وهو يقول: يا سيدي ومولاي خدمتك منذ ثلاثة أيام، فلما دنا قلت: يا شيخ، قال: يا سعديك، قلت: ما أرى معك أحداً، فلمن تناجي؟ قال: أناجي سيد السادات، ومالك الملوك، ومولى المولى، قد عودني في كل ثلاثة أيام قرصاً أفطر عليه، وهذا حاجتي إليه. قلت: إن الله عز وجل قد أجاب دعوتك. ودفعت إليه الرغيف، فقال: رضي الله عنك وعمن تصدق به عن جميع المسلمين.
قال صالح: ومضيت في الليلة الرابعة لأحرس قبر ابنه القاضي، فلما قرأت حزبي وصليت وردي نمت، فإذا أنا بابن العجوز على أحسن الناس وجهاً، وأطيب رائحة، فقال: نوّر الله قبرك، وجزاك عني أفضل الجزاء، إن الله عز وجل قد نوّر قبري، وأدخله السرور والرحمة بدعاء والدتي ودعاء الفقراء لي. إن الصدقة شيء عجيب تطفئ غضب الرب، فإذا أصبحت فأقرئ والدتي السلام، وأعلمها أن الصدقة وصلت، وقل لها: لا تقطعي الصدقة، فإن قليل الخير عند الله كثير.
قال: فانتبهت فرحاً، وصرت إلى والدته، فأخبرتها، فسرّت بذلك، وآلت على نفسها أنها تتصدق عنه في كل يوم.
قلت: يا صالح قد وعدني مواليك هؤلاء أن يدخلوني على مولاك. قال: هيهات: ما أطمع لك في ذلك لأنه كبير قد أتى عليه مئة وعشرون سنة، وقد احتجب عن الناس منذ عشر سنين. قلت: وعدوني أن يكلموا ابنه الأصغر. فقال: نعم ليس في أولاده أصبح وجهاً منه، ولا أرق قلباً، ولا أرحم بالغريب، وإن للشيخ من صلبه سبعين ذكراً.
قال: فصليت العصر وخرجت، وخرج صالح، فسلمت، فردوا السلام، والتفتوا إلى أخيهم الأصغر، فقالوا: يا أبا الطيب: إنا نعرضك إلى الأجر، وهذا الرجل مقيم في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله إلى والدنا؛ لينظر إليه نظرة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني ورأى من رآني ". قال: نعم وكرامة، فنهض ودق الباب، فخرج خادم ففتح باب القصر، فلما فتحه شممت رائحة المسك والزعفران والياسمين، فسألت الله الجنة، ثم دخلنا من قصر إلى قصر، فإذ الشيخ متكئ على فرش مشيّدة، ووجهه كالقمر ليلة البدر. قال: فقلت: هذا وجه من وجوه أهل الجنة، فوقف ابنه بين
يديه وقال: السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته؛ فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وعن والديك وما ولدا، وعن جميع المسلمين.
قال: فقلت في نفسي: والله لا فاتني كلام ولي الله؛ فقلت: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فردّ علي السلام، واحمرّ وجهه، ثم التفت إلى ابنه فقال: يا أبا الطيب من هذا الذي أدخلته عليّ من غير إذن؟ فقال: يا أبه، هذا شيخ من أهل الشام، مقيم معنا في بلدنا منذ أربع حجج، وقد سألنا أن ندخله عليك، لينظر إليك، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " طوبى لمن رآني، ومن رأى من رآني ". وأنت يا أبه، قد رأيت من رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وخدمه.
قال: لا بأس، وطابت نفسه، ثم التفت فقال لي: يا شاميّ من أي الشام أنت؟ قلت: من أهل أنطاكية. فقال: مرحباً بك وأهلاً، أنت من المدينة التي منها الرجل الصالح حبيب النجار، بعث الله تعالى المسلمين إلى أنطاكية، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى، قال: يا قوم اتبعوا المرسلين. وكانت قدومه على عاتقه، فعلوه بالقدوم حتى قتلوه، ووطئوا بطنه، حتى خرجت بيضته من دبره، فإذا كان يوم القيامة: " قال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ".
قال: قلت: حدثني رحمك الله بحديث أحدث به عنك، وأشكرك عليه، ويثيبك الله تعالى الجنة، فقال: إني قد آليت على نفسي أن لا أحدث أحداً، ولم احدث أحداً منذ عشرين سنة، وكني أكفّر عن يميني وأحدثك إن شاء الله، فأخرجت الألواح المسوّدة، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي أمة مرحومة، جعلها الله تعالى في الأمم كالقمر ليلة البدر، فمحسنها يدخل
الجنة بلا حساب، ومسيئها يغفر له بشفاعتي ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه، ومنهم مقتصدٌ، ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير "، فسابقنا سابق، ومقتصدنا ناجٍ، وظالمنا مغفور له.
قال: فكتبت عنه حديثاً يسوى الدنيا وما فيها، قلت: زدني رحمك الله قال: اكتب يا شاميّ: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " أمتي الأمة المرحومة، ولولا الرحمة ما خلقهم الله ". قال: ثم قرأ مصداقه من القرآن: " انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلا " لمن عمل، " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "، " نعم أجر العاملين ".
قال: فكتبت عنه حديثين يسويان الدنيا وما فيها.
قلت: زدني رحمك الله قال: ما أعرفني بكم يا أصحاب الحديث، ما يشبعكم شيء؛ اكتب: حدثني أنس بن مالك خادم النبي صلّى الله عليه وسلّم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " أمتي الأمة المرحومة، جعل الله عز وجل عذابها في الدنيا بالسيف والقتل، وذلك أني سألت الله عز وجل ثلاثاً فأعطاني: سألته أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم من قبلنا فأعطانيها، وسألته أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسنا
شيعاً ". ثم قرأ مصداقه من القرآن: " أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ". يعني السيف والقتل. فإذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى كل رجل من المسلمين رجلاً من المشركين: إما مجوسياً وإما يهودياً وإما نصرانياً، فيقول: يا وليّ الله، هذا عدو الله فداؤك من النار، فإذا صعد أحدكم على فراشه فليقل: اللهم اجعل فلان بن فلان فدائي من النار، فإذا كان يوم القيامة أتاه ملك قابض على ناصيته حتى يوقفه بين يدي وليّ الله، فيقول له: يا وليّ الله، هذا فداؤك من النار، قال: فيكبّ الكافر على منخريه في النار، ويؤمر بالمؤمن إلى الجنة. ثم قرأ مصداقه من القرآن: " وليحملنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم، وليسألنّ يوم القيامة عما كانوا يفترون ".
علي بْن الْحُسَيْنِ سمع عُمَر بْن عَبد العزيز وجابر بْن زيد روى عنه بن جريج.
كان خارجيا وروى بشر بن المفضل عَنْ أَبِيهِ.
سمعتُ ابن حماد يذكره عن البُخارِيّ وهذا الَّذِي ذكره البُخارِيّ هُوَ حرف مقطوع والرجل غير معروف.
كان خارجيا وروى بشر بن المفضل عَنْ أَبِيهِ.
سمعتُ ابن حماد يذكره عن البُخارِيّ وهذا الَّذِي ذكره البُخارِيّ هُوَ حرف مقطوع والرجل غير معروف.
علي بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بن أحمد بن الحسين بن محمويه، أَبُو الْحَسَن المقرئ، الفقيه الشَّافعيّ:
من أهل يزد ، سَمِعَ الحديث من أَبِي علي الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن جواشير وأبي المكارم مُحَمَّد بْن علي بْن الْحَسَن المقرئ وأبي عبد الله محمد بن
الْحُسَيْن بْن الحسن بْن ملوك الصودفي وأبي العلاء غياث بْن أَبِي مضر الأصبهاني وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن محمود الثقفي، وسافر إلى أصبهان وقرأ بها القرآن عَلَى أَبِي الفتح أحمد ابن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الحداد وأبي سعد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرز، وسمع الحديث منهما ومن أَبِي علي الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحداد وأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ مردويه، وتوجه إلى همدان فسمع بها من ناصر بْن مهدي المشطبي، وبالدون من عبد الرحمن ابن حمد الدوني ، وورد بغداد فِي جمادى الأولى سنة خمسمائة، وسمع بها أبا الْحُسَيْن بْن المبارك بْن عَبْد الجبار الصيرفي وأبا سعد مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن خشيش وأبا الْحَسَن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن العلاف وأبا بَكْر أَحْمَد بْن المظفر بْن سوسن التمار وأبوي القاسم علي بن الحسين الربعي وعلي بن أحمد بن بيان وأبا علي محمد بن سَعِيد بْن نبهان وأبا عَليّ الْحَسَن بْن مُحَمَّد التككي وغيرهم، وتفقه عَلَى أَبِي بَكْر الشاشي، ثُمَّ سافر إلى واسط وتفقه بها عَلَى قاضيها أَبِي علي الفارقي، وسمع بها الحديث وبالبصرة والكوفة والحجاز، وعاد إلى بغداد واستوطنها إلى حين وفاته.
وكان يسكن بقراح ظفر، وصنف كثيرًا من الكتب فِي الفقه والحديث والزهد، وحدث بها وبكتاب «السنن» للنسائي عن الدوني وبأكثر مروياته.
وكان من أعيان الفقهاء ومشهوري الزهاد والعباد وأهل الورع والاجتهاد، روى لنا عَنْهُ أَبُو أَحْمَد بْن سكينة وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر.
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عبد الوهاب بن علي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحسين اليزدي بقراءتي عليه، أنبأنا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خشيش، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزاز، حدثنا شجاع بن أحمد الصوفي، حدثنا محمد بن يوسف الكديمي، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَخِيكَ المسلم» .
أخبرني شهاب الحاتمي بهراة، حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: علي بن
أَحْمَد بن الحسين اليزدي بغدادي، فقيه فاضل زاهد، حسن السيرة جميل الطريقة عزيز النفس، سخي الطبع بما يملكه، قانع بما هُوَ فِيهِ، كثير الصوم والعبادة، صنف تصانيف فِي الفقه وأورد فيها أحاديث مسندة عن شيوخه، كتب إلي أجزاء بخطه، وسَمِعْتُ مِنْهُ وسمع مني، وكان حسن الأخلاق دائم البشر متواضعًا كَثِير المحفوظ، وكان لَهُ عمامة وقميص بينه وبين أخيه، إِذَا خرج ذاك قعد هَذَا فِي البيت، وإذا خرج ذاك احتاج هَذَا إلى أن يقعد، سمعته يَقُولُ: وَقَدْ دخلت عَلَيْهِ مَعَ علي بْن الْحُسَيْن الغزنوي الواعظ مسلمًا داره فوجدناه عريانًا متزرًا بمئزر، فاعتذر من العرى وقَالَ: نَحْنُ إِذَا غسلنا نكون كما قَالَ القاضي أَبُو الطيب الطبري:
قوم إِذَا غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل
سَأَلت عن مولده، فَقَالَ: فِي سنة ثلاث أَوْ أربع وسبعين وأربعمائة بيزد- الشك مِنْهُ. سَمِعْتُ أبا يعلى حمزة بْن علي الحراني المقرئ يَقُولُ: كَانَ شيخنا أبو الحسن علي ابن أَحْمَد اليزدي يَقُولُ: إِذَا أَنَا مت فلا تدفنوني إلا بعد ثلاث، فإني أخاف أن يكون فِي سكتة ، قَالَ: وكان حثيثًا صاحب بلغم، وكان يصوم رجبًا من كل سنة، فلما كَان قبل رجب بالمحرم فِي السنة التي توفي بها قَالَ لنا: كنت قَدْ وصيتكم بأمر وقد رجعت عَنْهُ، إِذَا أَنَا مت فادفنوني فِي الحال، فإني قَدْ رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم وهو يقول: يا علي صم رجبًا [وأفطر] عندنا! قَالَ: فمات ليلة رجب- رحمة اللَّه عَلَيْهِ.
قرأت فِي كتاب أَبِي الفضل أَحْمَد بن صالح بن شافع الجيلي بخطه قال: توفي شيخنا أَبُو الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن محمويه اليزدي يَوْم الأحد التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وصلى عَلَيْهِ يَوْم الاثنين، ودفن مقابل جامع المنصور، وكان من مشايخنا النبل الثقات الأئمة، وجمع وصنف، وكان حسن
الاستخراج، أديبًا فقيهًا، عالمًا، زاهدًا، كريمًا سخي النفس، متواضعًا عاملًا بعلمه ، وَقَدْ زادت مصنفاته عَلَى خمسين مصنفًا فِي أنواع العلوم، وانتفع بِهِ جماعة، وسَمِعْتُ مِنْهُ كثيرًا، وكان سماعه صحيحًا .
من أهل يزد ، سَمِعَ الحديث من أَبِي علي الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن جواشير وأبي المكارم مُحَمَّد بْن علي بْن الْحَسَن المقرئ وأبي عبد الله محمد بن
الْحُسَيْن بْن الحسن بْن ملوك الصودفي وأبي العلاء غياث بْن أَبِي مضر الأصبهاني وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن محمود الثقفي، وسافر إلى أصبهان وقرأ بها القرآن عَلَى أَبِي الفتح أحمد ابن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الحداد وأبي سعد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد المطرز، وسمع الحديث منهما ومن أَبِي علي الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن الحداد وأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ مردويه، وتوجه إلى همدان فسمع بها من ناصر بْن مهدي المشطبي، وبالدون من عبد الرحمن ابن حمد الدوني ، وورد بغداد فِي جمادى الأولى سنة خمسمائة، وسمع بها أبا الْحُسَيْن بْن المبارك بْن عَبْد الجبار الصيرفي وأبا سعد مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن خشيش وأبا الْحَسَن بْن علي بْن مُحَمَّد بْن العلاف وأبا بَكْر أَحْمَد بْن المظفر بْن سوسن التمار وأبوي القاسم علي بن الحسين الربعي وعلي بن أحمد بن بيان وأبا علي محمد بن سَعِيد بْن نبهان وأبا عَليّ الْحَسَن بْن مُحَمَّد التككي وغيرهم، وتفقه عَلَى أَبِي بَكْر الشاشي، ثُمَّ سافر إلى واسط وتفقه بها عَلَى قاضيها أَبِي علي الفارقي، وسمع بها الحديث وبالبصرة والكوفة والحجاز، وعاد إلى بغداد واستوطنها إلى حين وفاته.
وكان يسكن بقراح ظفر، وصنف كثيرًا من الكتب فِي الفقه والحديث والزهد، وحدث بها وبكتاب «السنن» للنسائي عن الدوني وبأكثر مروياته.
وكان من أعيان الفقهاء ومشهوري الزهاد والعباد وأهل الورع والاجتهاد، روى لنا عَنْهُ أَبُو أَحْمَد بْن سكينة وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر.
أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عبد الوهاب بن علي، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحسين اليزدي بقراءتي عليه، أنبأنا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خشيش، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان البزاز، حدثنا شجاع بن أحمد الصوفي، حدثنا محمد بن يوسف الكديمي، حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى أَخِيكَ المسلم» .
أخبرني شهاب الحاتمي بهراة، حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: علي بن
أَحْمَد بن الحسين اليزدي بغدادي، فقيه فاضل زاهد، حسن السيرة جميل الطريقة عزيز النفس، سخي الطبع بما يملكه، قانع بما هُوَ فِيهِ، كثير الصوم والعبادة، صنف تصانيف فِي الفقه وأورد فيها أحاديث مسندة عن شيوخه، كتب إلي أجزاء بخطه، وسَمِعْتُ مِنْهُ وسمع مني، وكان حسن الأخلاق دائم البشر متواضعًا كَثِير المحفوظ، وكان لَهُ عمامة وقميص بينه وبين أخيه، إِذَا خرج ذاك قعد هَذَا فِي البيت، وإذا خرج ذاك احتاج هَذَا إلى أن يقعد، سمعته يَقُولُ: وَقَدْ دخلت عَلَيْهِ مَعَ علي بْن الْحُسَيْن الغزنوي الواعظ مسلمًا داره فوجدناه عريانًا متزرًا بمئزر، فاعتذر من العرى وقَالَ: نَحْنُ إِذَا غسلنا نكون كما قَالَ القاضي أَبُو الطيب الطبري:
قوم إِذَا غسلوا ثياب جمالهم ... لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل
سَأَلت عن مولده، فَقَالَ: فِي سنة ثلاث أَوْ أربع وسبعين وأربعمائة بيزد- الشك مِنْهُ. سَمِعْتُ أبا يعلى حمزة بْن علي الحراني المقرئ يَقُولُ: كَانَ شيخنا أبو الحسن علي ابن أَحْمَد اليزدي يَقُولُ: إِذَا أَنَا مت فلا تدفنوني إلا بعد ثلاث، فإني أخاف أن يكون فِي سكتة ، قَالَ: وكان حثيثًا صاحب بلغم، وكان يصوم رجبًا من كل سنة، فلما كَان قبل رجب بالمحرم فِي السنة التي توفي بها قَالَ لنا: كنت قَدْ وصيتكم بأمر وقد رجعت عَنْهُ، إِذَا أَنَا مت فادفنوني فِي الحال، فإني قَدْ رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم وهو يقول: يا علي صم رجبًا [وأفطر] عندنا! قَالَ: فمات ليلة رجب- رحمة اللَّه عَلَيْهِ.
قرأت فِي كتاب أَبِي الفضل أَحْمَد بن صالح بن شافع الجيلي بخطه قال: توفي شيخنا أَبُو الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن محمويه اليزدي يَوْم الأحد التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وصلى عَلَيْهِ يَوْم الاثنين، ودفن مقابل جامع المنصور، وكان من مشايخنا النبل الثقات الأئمة، وجمع وصنف، وكان حسن
الاستخراج، أديبًا فقيهًا، عالمًا، زاهدًا، كريمًا سخي النفس، متواضعًا عاملًا بعلمه ، وَقَدْ زادت مصنفاته عَلَى خمسين مصنفًا فِي أنواع العلوم، وانتفع بِهِ جماعة، وسَمِعْتُ مِنْهُ كثيرًا، وكان سماعه صحيحًا .
عليّ بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الدامغاني، أبو الحسن ابن القاضي أَبِي الْحُسَيْن بْن قاضي القضاة أَبِي عَبْد اللَّه :
ولي القضاء بربع الكرخ بعد وفاة والده فِي يَوْم الأحد منتصف جمادي الأولى سنة أربعين وخمسمائة، ولم يزل عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي قاضي القضاة أبو القاسم علي بْن الْحُسَيْن الزينبي فِي عيد يَوْم الأضحى من سنة ثلاث وأربعين، فولى أَبُو الْحَسَن هَذَا أيضًا-[قاضي] القضاة فِي يَوْم الاثنين منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث وأربعين، وخلع عَلَيْهِ بالديوان وشافهه بالولاية نقيب النقباء مُحَمَّد بْن علي الزينبي، وكان يومئذ نائبًا فِي الوزارة للإمام المقتفي لأمر اللَّه، وقرئ عهده بجوامع بغداد وعمره إذ ذاك ثلاثون سنة، فلم يزل عَلَى قضاء القضاة إلى أن توفي الْإِمَام المقتفى لأمر اللَّه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وولى الخلافة بعد ولده المستنجد بالله فأقره عَلَى القضاء ثُمَّ عزله فِي [الثلاثاء] الرابع عشر من جمادى الآخرة من سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
فكانت مدة ولايته إحدى عشرة سنة وستة أشهر فلزم منزله بنهر القلائين بالجانب الغربي منعكفًا عَلَى الاشتغال بالعلم، وكان يَقُولُ: أَنَا عَلَى ولايتي ما عزلت وكل القضاة ببغداد نوابي، لأن القاضي إِذَا لم يظهر فسقه لا يجوز عزله، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدة ولاية الْإِمَام المستنجد بالله وقطعة من ولاية المستضيء بأمر اللَّه بْن الْإِمَام المستنجد بالله، ثُمَّ أعاده إلى قضاء القضاة بولاية جديدة وخلع عليه في يوم الأحد ثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من سنة سبعين وخمسمائة، فبقي على
قضاء القضاة إلى أن توفى الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه، وولى الخلافة ولده الْإِمَام الناصر لدين اللَّه فأقره عَلَى ولايته إلى حين وفاته، وكان شيخا مهيبا وقورا جليلا فاضلا [عالما] بخبر يسير صامتًا، كامل العقل، عفيفًا نزهًا، جميل السيرة محمود الفعال، حسن المعرفة بالقضايا والأحكام.
سَمِعَ الحديث من آباء القاسم هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن الحصين وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الواسطي وهبة الله بن أحمد بن عمر الحريري وأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي يعلى بْن الفَرَّاء وأبي البركات عَبْد الوهاب بْن المبارك الأنماطي وغيرهم. وحدث باليسير، وَقَدْ أدركت أيامه، حَدَّثَنِي عَنْهُ أَحْمَد بْن البندنيجي وأبو الحسن بن؟.
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ البندنيجي من لفظه وكتابه أنبأنا قاضي القضاة أَبُو الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد الدامغاني بقراءتي عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عبد الله ابن أحمد الواسطي قراءة عليه وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيِّ بْن الْجَوْزِيِّ الْوَاعِظُ قِرَاءَةً، أَنْبَأَنَا الْمَشَايِخُ الْخَمْسَةُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَزْرَفِيُّ وأَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ الدَّبَّاسُ وأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُوَحِّدُ وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّوْزَنِيُّ وَأَبُو النَّجْمِ بَدْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْحِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ قَالُوا جميعا أنبأنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن المسلمة قراءة عليه، أنبأنا أبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، أنبأنا أبو بكر جعفر بن محمد ابن الحسن الفريابي ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ مَالِكِ بْنِ نَافِعِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
أنشدني أَبُو الْحَسَن علي بْن المبارك بْن فائق الوكيل، أنشدنا قاضي القضاة أبو
الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن الدامغاني، أنشدنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي، أنشدنا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن علي بْن أَحْمَد الأديب لنفسه وذكر إنه كتب بها جوابا عن رقعة:
وقعت على الدر الَّذِي رق حسنه ... وأوفت معانيه عَلَى اللؤلؤ الرطب
تلقيته بالرشف ثُمَّ ضممته ... إليَّ كما ضمت حبيبا يد أضب
ونزهت طرفي فِي رياض أنيقة ... معادنها الألباب لا صفحة الترب
لَهُ زهر لو يستطاع لحسنه ... لصيغ أكاليلًا عَلَى فمم الشرب
بلغني عن جماعة من أهل العلم أن بعض الأكابر حكى أَنَّهُ حضر لعيادة قاضي القضاة أَبِي القاسم الزينبي فِي مرضه الَّذِي مات فيه، فحضر القاضي أبو الحسن علي ابن أَحْمَد بْن الدامغاني لعيادته أيضًا، فلما انصرف أتبعه الزينبي نظره حتَّى غاب عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: يوشك أن يكون هَذَا قاضي القضاة بعدي، فكان الأمر كما قَالَ، وذلك لما كَانَ يظهر من ابْنُ الدامغاني من حسن السمت والوقار وما يأخذ بِهِ نفسه من النزاهة والعفة والديانة، وكان سنه فِي ذَلِكَ الوقت ثلاثون سنة.
قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ قَالَ سمعته- يعني قاضي القضاة أبا الْحَسَن بْن الدامغاني- يقول: ولدت في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وذكر غيره أن مولده كَانَ فِي ذي الحجة من السنة، وأنَّه توفي عشية السبت الثامن والعشرين من ذي القعدة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وصلى عَلَيْهِ يَوْم الأحد بجامع القصر، وحضر خَلَقَ كَثِير، وحمل إلى مقبرة الشونيزية فدفن عند جده لأمه أبي الفتح ابن الساوي.
ولي القضاء بربع الكرخ بعد وفاة والده فِي يَوْم الأحد منتصف جمادي الأولى سنة أربعين وخمسمائة، ولم يزل عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي قاضي القضاة أبو القاسم علي بْن الْحُسَيْن الزينبي فِي عيد يَوْم الأضحى من سنة ثلاث وأربعين، فولى أَبُو الْحَسَن هَذَا أيضًا-[قاضي] القضاة فِي يَوْم الاثنين منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث وأربعين، وخلع عَلَيْهِ بالديوان وشافهه بالولاية نقيب النقباء مُحَمَّد بْن علي الزينبي، وكان يومئذ نائبًا فِي الوزارة للإمام المقتفي لأمر اللَّه، وقرئ عهده بجوامع بغداد وعمره إذ ذاك ثلاثون سنة، فلم يزل عَلَى قضاء القضاة إلى أن توفي الْإِمَام المقتفى لأمر اللَّه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وولى الخلافة بعد ولده المستنجد بالله فأقره عَلَى القضاء ثُمَّ عزله فِي [الثلاثاء] الرابع عشر من جمادى الآخرة من سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
فكانت مدة ولايته إحدى عشرة سنة وستة أشهر فلزم منزله بنهر القلائين بالجانب الغربي منعكفًا عَلَى الاشتغال بالعلم، وكان يَقُولُ: أَنَا عَلَى ولايتي ما عزلت وكل القضاة ببغداد نوابي، لأن القاضي إِذَا لم يظهر فسقه لا يجوز عزله، فبقي عَلَى ذَلِكَ مدة ولاية الْإِمَام المستنجد بالله وقطعة من ولاية المستضيء بأمر اللَّه بْن الْإِمَام المستنجد بالله، ثُمَّ أعاده إلى قضاء القضاة بولاية جديدة وخلع عليه في يوم الأحد ثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من سنة سبعين وخمسمائة، فبقي على
قضاء القضاة إلى أن توفى الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه، وولى الخلافة ولده الْإِمَام الناصر لدين اللَّه فأقره عَلَى ولايته إلى حين وفاته، وكان شيخا مهيبا وقورا جليلا فاضلا [عالما] بخبر يسير صامتًا، كامل العقل، عفيفًا نزهًا، جميل السيرة محمود الفعال، حسن المعرفة بالقضايا والأحكام.
سَمِعَ الحديث من آباء القاسم هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن الحصين وهبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الواسطي وهبة الله بن أحمد بن عمر الحريري وأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن القاضي أَبِي يعلى بْن الفَرَّاء وأبي البركات عَبْد الوهاب بْن المبارك الأنماطي وغيرهم. وحدث باليسير، وَقَدْ أدركت أيامه، حَدَّثَنِي عَنْهُ أَحْمَد بْن البندنيجي وأبو الحسن بن؟.
حَدَّثَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ البندنيجي من لفظه وكتابه أنبأنا قاضي القضاة أَبُو الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد الدامغاني بقراءتي عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ عبد الله ابن أحمد الواسطي قراءة عليه وَأَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلِيِّ بْن الْجَوْزِيِّ الْوَاعِظُ قِرَاءَةً، أَنْبَأَنَا الْمَشَايِخُ الْخَمْسَةُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَزْرَفِيُّ وأَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْوَهَّابِ الدَّبَّاسُ وأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمُوَحِّدُ وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّوْزَنِيُّ وَأَبُو النَّجْمِ بَدْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْحِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ قَالُوا جميعا أنبأنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن المسلمة قراءة عليه، أنبأنا أبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، أنبأنا أبو بكر جعفر بن محمد ابن الحسن الفريابي ، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ مَالِكِ بْنِ نَافِعِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» .
أنشدني أَبُو الْحَسَن علي بْن المبارك بْن فائق الوكيل، أنشدنا قاضي القضاة أبو
الْحَسَن علي بْن أَحْمَد بْن الدامغاني، أنشدنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي، أنشدنا أَبُو طاهر مُحَمَّد بْن علي بْن أَحْمَد الأديب لنفسه وذكر إنه كتب بها جوابا عن رقعة:
وقعت على الدر الَّذِي رق حسنه ... وأوفت معانيه عَلَى اللؤلؤ الرطب
تلقيته بالرشف ثُمَّ ضممته ... إليَّ كما ضمت حبيبا يد أضب
ونزهت طرفي فِي رياض أنيقة ... معادنها الألباب لا صفحة الترب
لَهُ زهر لو يستطاع لحسنه ... لصيغ أكاليلًا عَلَى فمم الشرب
بلغني عن جماعة من أهل العلم أن بعض الأكابر حكى أَنَّهُ حضر لعيادة قاضي القضاة أَبِي القاسم الزينبي فِي مرضه الَّذِي مات فيه، فحضر القاضي أبو الحسن علي ابن أَحْمَد بْن الدامغاني لعيادته أيضًا، فلما انصرف أتبعه الزينبي نظره حتَّى غاب عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: يوشك أن يكون هَذَا قاضي القضاة بعدي، فكان الأمر كما قَالَ، وذلك لما كَانَ يظهر من ابْنُ الدامغاني من حسن السمت والوقار وما يأخذ بِهِ نفسه من النزاهة والعفة والديانة، وكان سنه فِي ذَلِكَ الوقت ثلاثون سنة.
قرأت بخط القاضي أبي المحاسن عُمَر بْن علي الْقُرَشِيّ قَالَ سمعته- يعني قاضي القضاة أبا الْحَسَن بْن الدامغاني- يقول: ولدت في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وذكر غيره أن مولده كَانَ فِي ذي الحجة من السنة، وأنَّه توفي عشية السبت الثامن والعشرين من ذي القعدة من سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وصلى عَلَيْهِ يَوْم الأحد بجامع القصر، وحضر خَلَقَ كَثِير، وحمل إلى مقبرة الشونيزية فدفن عند جده لأمه أبي الفتح ابن الساوي.