محمد بن عمر بن واقد
أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ".
وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.
وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه.
وولد سنة ثلاثين ومئة.
وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ.
قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.
قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى.
سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها.
قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،
يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته.
قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل.
فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة
مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل
يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل
الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى
السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.
رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع
المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة.
قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛
ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟.
قال الواقدي:
ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه
ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم.
قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه.
أبو عبد الله الأسلمي مولاهم، المدني، المعروف بالواقدي، صاحب المغازي حدث عن أبي بكر بن إسماعيل بن محمد، بسنده إلى سعد قال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيف العاص بن منبه يوم بدرٍ فأعطانيه، ونزلت في " يسألونك عن الأنفال ".
وحدث عن معمر، بسنده إلى أم سلمة، أنها كانت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي وميمونة، قالت: فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احتجبا منه " قلنا: يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصر ولا يعرفنا؟ قال: " أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ " زاد في حديثٍ غيره: فجاء بشيءٍ لا حيلة فيه.
وكان أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد مولى لبني سهم من أسلم وكان نزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي؛ وكان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه.
وولد سنة ثلاثين ومئة.
وجرحه قومٌ ووثقه آخرون، وكان جواداً كريماً مشهوراً بالسخاء، وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحدٍ، عرف أخيار الناس أمره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم من المغازي والسير والطبقات وأخبار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتب الفقه واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك.
كان الواقدي يقول: ما من أحدٍ إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
ولما انتقل الواقدي من جانب الغربي حمل كتبه على عشرين ومئة وقرٍ.
قال المأمون للواقدي: أريد أن تصلي الجمعة غداً بالناس؛ فامتنع؛ قال: لا بد من ذلك؛ قال: يا أمير المؤمنين ما أحفظ سورة الجمعة، قال: فأنا أحفظك، قال: فافعل؛ فجعل المأمون يلقنه سورة الجمعة حتى يبلغ النصف منها فإذا ابتدأ في النصف الثاني نسي الأول؛ فأتعب المأمون ونعس، فقال لعلي بن صالح: يا علي حفظه أنت قال علي: ففعلت ونام المأمون، فجعلت أحفظه النصف الأول فإذا حفظته النصف الثاني نسي الأول، فاستيقظ المأمون فقال لي: ما فعلت؟ فأخبرته؛ فقال: هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل، اذهب فصل بهم واقرأ أي سورةٍ شئت.
قال غسان: صليت خلف الواقدي صلاة الجمعة فقرأ: " إن هذا لفي الصحف الأولى " صحف عيسى وموسى.
سئل مالك بن أنس عن المرأة التي سمت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر ما فعل بها؟ فقال: ليس عندي بها علم، وسأسأل أهل العلم، فلقي الواقدي فقال: يا أبا عبد الله ما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمرأة التي سمته بخيبر؟ فقال: الذي عندنا أنه قتلها؛ فقال مالك: قد سألت أهل العلم فأخبروني أنه قتلها.
قال الواقدي: كنت حناطاً بالمدينة في يدي مئة ألف درهم للناس أضارب بها، فتلفت الدراهم فشخصت إلى العراق، فقصدت يحيى بن خالد، فجلست في دهليزه وآنست الخدم والحجاب، وسألتهم أن يوصلوني إليه فقالوا: إذا قدم الطعام إليه لم يحجب عنه أحد، ونحن ندخلك إليه ذلك الوقت؛ فلما حضر طعامه أدخلوني فأجلسوني معه على المائدة فسألني: من أنت؟ وما قصتك؟ فأخبرته؛ فلما رفع الطعام وغسلنا أيدينا دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز من ذلك فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينار فقال: الوزير يقرأ عليك السلام، ويقول لك: استعن بهذا على أمرك، وعد إلينا في غدٍ، فأخذته وعدت في اليوم الثاني فجلست معه على المائدة، وأنشأ يسائلني كما سألني في اليوم الأول فلما رفع الطعام دنوت منه لأقبل رأسه فاشمأز مني؛ فلما صرت إلى الموضع الذي يركب منه لحقني خادمٌ معه كيسٌ فيه ألف دينارٍ فقال: الوزير يقرأ عليك السلام ويقول: استعن بهذا على أمرك وعد إلينا في غدٍ؛ فأخذته وانصرفت وعدت ف اليوم الثالث، فأعطيت مثلما أعطيت في اليوم الأول والثاني؛ فلما كان في اليوم الرابع أعطيت الكيس كما أعطيت قبل ذلك وتركني بعد ذلك أقبل رأسه وقال: إنما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا فالآن قد لحقك بعض النفع مني، يا غلام أعطه الدار الفلانية، يا غلام افرش له الفرش الفلاني،
يا غلام أعطه مئتي ألف درهم يقض دينه بمئة ألف ويصلح شأنه بمئة ألف، ثم قال لي: الزمني وكن في داري؛ فقلت: أعز الله الوزير لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك كان ذلك أرفق بي؛ فقال: قد فعلت؛ وأمر بتجهيزي فشخصت إلى المدينة فقضيت ديني ثم رجعت إليه، فلم أزل في ناحيته.
قال الواقدي: حج الرشيد هارون فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد: ارتد لي رجلاً عارفاً بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أي وجهٍ كان يأتيه، وقبور الشهداء؛ فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي، فبعث إلي فأتيته فقال لي: إن أمير المؤمنين يصلي العشاء الآخرة في المسجد وامض معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل.
فلما صليت العشاء الآخرة وإذا برجلين على حمارين فقال يحيى: أين الرجل؟ فأتيت به إلى دون المسجد فقلت: هذا الوضع الذي كان جبريل عليه السلام يأتيه؛ فنزلا فصليا ركعتين ودعوا الله ساعةً، وركبا وأنا بين أيديهما، فلم أدع موضعاً من المواضع ولا مشهداً من المشاهد إلا مررت بهما عليه، فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فوافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن؛ فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى: لا تبرح؛ فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت، فأدنى مجلسي فقال لي: إن أمير المؤمنين لم يزل باكياً وقد أعجبه ما دللته عليه، وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم؛ فدفعت إلي وقال: نحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي المال فقضينا منه ديناً واتسعنا، ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله: يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقر فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فقالوا لي: أمير المؤمنين بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة ثم علمت أني بالمدينة
مختل الحال فعزمت على الرقة، فصرت إلى موضع الكراء فإذا عدة فتيان من الجند يريدون الرقة، فنظرنا في كراء الجمالين فإذا هو يصعب علينا فقالوا: هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر من كراء الجمل؟ فقلت لهم: ما أعرف من هذا شيئاً والأمر إليكم؛ فصرنا إلى السفن فاكترينا، فما رأيت أحداً أبر في منهم، يتكلفون من حديثي وطعامي ما يتكلف الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعباً، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني معهم فجزت مع القوم فصرت إلى موضعٍ لهم في خانٍ نزول، فأقمت معهم أياماً وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي، فأتيت أبا البختري وهو بي عارفٌ، فلقيته فقال لي: يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكني لست أدع أن أذكرك له؛ وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأتيت من ناحية أبي البختري، ولم أخبر رفقائي بشيءٍ، فخرجت منصرفاً إلى المدينة فمرةً أنا في سفينة ومرةً أمشي حتى وردت السيلحين وإذا بقافلةٍ من بغداد من أهل مدينة الرسول، وأخبروني أن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة، والزبيري أصدق الناس لي، فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه، فقال لي: ماذا صنعت في غيبتك؟ فأخبرته بخبري وخبر أبي البختري، فقال: أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحدٍ ولا ينبه باسمك فما الرأي؟ فقلت: أصير إلى المدينة؛ فقال: هذا رأيٌ خطأ، خرجت من المدينة على ما علمت، ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك؛ فركبت معهم إلى الرقة ودخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء، وقالوا: قد كنا في غم من أمرك؛ فخبرتهم خبري فأشاروا علي بلزوم الزبيري، وقالوا: هذا طعامك وشرابك، لا تهتم له، فغدوت إلى الزبيري إلى باب يحيى بن خالد فإذا هو قد خرج؛ فقال: أنسيت أمرك ولكن قف حتى أعود إليه، فدخل ثم خرج إلي الحاجب فدخلت عليه في حالٍ خسيسةٍ، وذلك في رمضان وقد بقي منه ثلاثة أو أربعة أيامٍ، فلما رآني يحيى على تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه، فسلم علي وأدنى مجلسي، وعنده قومٌ يجاذبونه فجعل
يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل، وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب، وأنا ساكتٌ، فلما خرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى خرج فقال لي: إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية؛ فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقصة وقلت: أخاف أن يكون غلط بي؛ فقال لي بعضهم: هذا رغيفين وقطعة جبن وهذه دابتي تركب إليه فإن أذن لك الحاجب دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام، وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد؛ فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى وقد صلى الناس المغرب؛ فلما رآني الحاجب قال: أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة؛ فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام، فدخلت فقعدت، وقدم الوضوء فتوضأنا وكنا أقرب القوم إليه، فأفطرنا وصلينا العشاء الآخرة، ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسائلني، وأنا منقطعٌ والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون؛ فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت فإذا غلامٌ لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلةً قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سروراً، فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي، فدخلت عليهم وفتحت الكيس وإذا دنانير، فقالوا لي: ما كان رده عليك؟ فقلت: إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت الذي كان في ليلتي هذه؛ وعددت الدنانير فإذا خمس مئة دينارٍ؛ فقال بعضهم: علي شراء دابتك، وقال آخر: علي السرج واللجام وما يصلحه، وقال آخر: علي حمامك وخضاب لحيتك وطيبك، وقال آخر: علي شراء كسوتك؛ وعددت مئة دينار فدفعتها إلى صاحب نفقتهم، فحلف القوم بأجمعهم أنهم لا يرزؤوني ديناراً ولا درهماُ، وما صليت الظهر إلا وأنا من أنبل
الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى
السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.الناس، وحملت باقي الكيس إلى الزبيري، فلما رآني سر سروراً شديداً ثم أخبرته الخبر فقال: إني سأحضر إلى المدينة، فقلت: إني خلفت العيال على ما علمت، فدفعت إليه مئتي دينارٍ يوصلها إلى العيال، ثم صليت العصر وتهيأت بأحسن هيئةٍ، ثم صرت إلى باب يحيى بن خالد فأذن لي، فدخلت فلما رآني في تلك الحال نظرت إلى السرور في وجهه، فجلست في مجلسي وابتدأت في الحديث الذي كان يذاكرني به والجواب فيه وكان الجواب على غير ما كان يجيب به القوم، فنظرت إلى القوم وتعظيمهم لي وأقبل يحيى يسألني وأجيب فيما يسألني والقوم سكوتٌ وأحضر الطعام فتعشينا، ثم صلى يحيى بنا العشاء الآخرة وأخذنا مجالسنا، فلم نزل في مذاكرةٍ، وجعل يحيى يسأل بعض القوم فينقطع، فلما انصرفنا إذا بالرسول لحقني فقال: إن الوزير يأمرك أن تصير إليه كل يومٍ في الوقت الذي جئت فيه يومك هذا؛ وناولني كيساً فانصرفت ومعي رسول الحاجب حتى صرت إلى أصحابي، ودفعت الكيس إلى القوم فكانوا به أشد سروراً مني؛ فلما كان الغد قلت لهم: أعدوا لي منزلاً بالقرب واشتروا لي جاريةً وغلاماً وأثاثاً ومتاعاً؛ فأعدوا لي ذلك، وسألتهم الإفطار عندي فأجابوا إلى ذلك بعد صعوبةٍ شديدةٍ، فلم أزل آتي يحيى بن خالد كل ليلةٍ في الوقت كلما رآني زاد سروراً، ولم يزل يدفع إلي في كل ليلة خمس مئة دينار حتى كان ليلة العيد فقال لي: يا أبا عبد الله تزين غداً لأمير المؤمنين بأحسن زي من زي القضاة، واعرض له وإنه سيسلني عنك وأخبره؛ فخرجت في أحسن زي وخرج أمير المؤمنين إلى المصلى فلحظني ولم أزل في الموكب، فلما كان بعد انصرافه صرت إلى باب يحيى فقال: ادخل بنا؛ فدخلنا فقال: ما زال أمير المؤمنين يسألني عنك فأخبرته بخبر حجنا وإنك الرجل الذي سايرته تلك الليلة، وأمر لك بثلاثين ألف درهم؛ ثم أصبحت من الغد فدخلت إلى يحيى بن خالد فقلت: اشتد الشوق إلى العيال والصبيان؛ فقال: لا تفعل؛ فلم أزل أنازله حتى أذن لي واستخرج لي الثلاثين ألف درهم، وهيئت لي حراقة بجميع ما فيها، وأمر أن يشتري لي من طرائف الشام لأحملها معي إلى المدينة، وأمر وكيله أن يكتري لي إلى المدينة لا أكلف نفقة دينارٍ ولا درهم، فصرت إلى أصحابي فأخبرتهم الخبر وأردت صلتهم فحلفوا أن لا يرزؤوني شيئاً، فما رأيت مثل أخلاق القوم؛ فكيف ألام على حبي ليحيى بن خالد؟.
رفع الواقدي رقعةً إلى المأمون يذكر فيها كثرة الدين وقلة صبره عليه؛ فوقع
المأمون: أنت رجلٌ فيك خلتان: الحياء والسخاء، فالسخاء أطلق ما في يديك والحياء منعك من إبلاغنا ما كنت فيه، وقد أمرت لك بمئة ألف درهم فإن كنت أصبت إرادتك فازدد في بسط يدك، وإن لم تصب إرادتك فبجنايتك على نفسك، فأنت كنت حدثتني إذ كنت على قضاء الرشيد بسندك إلى أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش، يبعث الله عز وجل إلى عباده على قدر نفقتهم، فمن قلل قلل له، ومن كثر كثر له، " قال الواقدي: وقد كنت أنسيت هذا الحديث فلما ذكره أمير المؤمنين كان أعجب إلي من الجائزة.
قال عبد الله بن عبيد الله: كنت عند الواقدي جالساً إذ ذكر يحيى بن خالد بن برمك؛ قال: فترحم عليه الواقدي فأكثر الترحم، فقلنا له: يا أبا عبد الله إنك لتكثر الترحم عليه قال: وكيف لا أكثر الترحم على رجلٍ أجزل عن حاله؛ كان قد بقي علي من شهر شعبان أقل من عشرة أيام، وما في المنزل دقيقٌ ولا سويق، فميزت ثلاثةً من إخواني في قلبي وقلت: أنزل بهم حاجتي؛ فدخلت على زوجتي أم عبد الله فقالت: ما وراءك وقد أصبحنا وليس في البيت عرضٌ من عروض الدنيا وقد ورد هذا الشهر؟ فقلت لها: قد ميزت ثلاثةً من إخواني أنزل بهم حاجتي؛ فقالت: مدنيون أم عراقيون؟ قلت: بعضٌ مدني ويعض عراقي؛ فقالت: اعرضهم علي، فقلت: فلان؛ فقالت: رجلٌ حسيبٌ ذو يسارٍ إلا أنه منان، لا أرى لك أن تأتيه، فسم الآخر قلت: فلان؛ قالت: رجلٌ حسيبٌ ذو مالٍ إلا أنه بخيلٌ، لا أرى لك أن تأتيه؛ فقلت: فلان؛ قالت: رجل كريمٌ حسيبٌ لا شيء عنده، ولا عليك أن تأتيه؛ قال: فأتيته، فرحب وقرب وقال: ما جاء بك؟ فأخبرته بورود الشهر وضيق الحال؛ ففكر ساعةً ثم قال: ارفع ثني الوساد فخذ ذلك الكيس؛ فإذا هي دراهم مكحلة، فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي، فدعوت رجلاً يتولى قضاء حوائجي فأمليته حوائجي؛ فدق الباب فقالت الجارية: هذا فلان ابن فلان بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فأذنت له، وحبت به، وقلت له: يا ابن رسول الله، ما جاء بك؟ فقال: يا عم أخرجني ورود هذا الشهر وليس عندنا شيءٌ؛
ففكرت ساعةً ثم قلت له: ارفع ثني الوسادة فخذ الكيس؛ ثم قلت لصاحبي: اخرج فخرج؛ فد خلت أم عبد الله فأخبرتها الخبر فقالت لي: وفقت وأحسنت؛ ثم فكرت في صديقٍ لي بقرب المنزل فأتيته فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: ما جاء بك يا أبا عبد الله؟ فخبرته بورود الشهر وضيق الحال ففكر ساعةً ثم قال لي: ارفع ثني الوساد وخذ الكيس، فخذ نصفه وأعطنا نصفه؛ فإذا كيسي بعينه، فأخذت خمس مئة ودفعت إليه خمس مئة، وصرت إلى منزلي ودعوت الذي يتولى حوائجي فأمليته حوائجي، فدق الباب فقالت الجارية: هذا خادمٌ نبيلٌ، فدخل فإذا كتابٌ من يحيى بن خالد يسألني المصير إليه في وقته؛ فأتيت إليه فسلمت عليه فرحب وقرب، وقال: تدري لم دعوتك؟ فقلت: لا؛ قال: أسهرني ليلتي هذه أفكر في أمرك وورود هذا الشهر وما عندك؛ فقلت: إن قصتي تطول؛ فقال: إن القصة كلما طالت كان أشهى لها؛ فخبرته بحديث أم عبد الله وحديث إخواني الثلاثة، وخبرته بحديث الطالبي، وخبر أخي الثاني المواسي له بالكيس؛ فدعا بالدواة وكتب رقعةً إلى خازنه فإذا كيسٌ فيه خمس مئة دينارٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله استعن بهذا على شهرك؛ ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه لأم عبد الله لجزالتها وحسن عقلها، ثم رفع رقعةً أخرى فإذا مئتا دينا فقال: هذه للمواسي لك، ثم رقع قصةً أخرى فإذا مئتا دينار فقال: هذه للطالبي، ثم قال: انهض في حفظ الله؛ فكيف ألام في حبي للبرامكة ويحيى بن خالد خاصة؟.
قال الواقدي:
ضقت مرةً وحضر عيدٌ فعرفت صديقاً لي تاجراً بحاجتي إلى القرض، فأخرج لي كيساً مختوماً فيه ألف دينار ومئتا درهم، فأخذته فما استقر عندي حتى جاءني صديقٌ لي هاشمي فشكى إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي وأخبرتها فقالت: على أي شيءٍ عزمت؟ قلت: أقاسمه الكيس؛ قالت: ما صنعت شيئاً أتيت رجلاً سوقةً فأعطاك ألفاً ومئتي درهم، وجاءك رجلٌ له من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمٌ ماسة تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟ ما هذا بشيء، أعطه الكيس كله؛ فأخرجت الكيس فدفعته إليه
ومضى صديقي التاجر إلى الهاشمي فسأله القرض فأخرج الهاشمي إليه الكيس، فلما رأى خاتمة عرفه وانصرف إلي فخبرني بالأمر، وجاءني رسول يحيى بن خالد يقول: إنما تأخر رسولي عنك لشغلي بحاجات أمير المؤمنين؛ فركبت إليه فأخبرته خبر الكيس، فقال: يا غلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفين لصديقك التاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك فإنها أكرمكم.
قال الواقدي: صار إلي من السلطان ست مئة ألف درهم ما وجبت علي فيها الزكاة.
قال عباس الدوري: مات الواقدي وهو على القضاء وليس به له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
وتوفي الواقدي سنة ست ومئتين وقيل: سنة سبعٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة، وهو على القضاء في الجانب الغربي ببغداد، ووصى إلي عبد الله بن هارون أمير المؤمنين فقبل وصيته وقضى دينه.