الزبير بن العوام بن خويلد
ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله الأسدي
ابن عمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحواريه، وأحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. شهد بدراً، وأحداً، وغيرهما من المشاهد، وشهد اليرموك، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب، وهو من أهل الشورى، وأمه صفية بنت عبد المطلب.
حدثت سلامة مولاة عائشة بنت عبد الله بن الزبير، وكانت سلامة امرأة صدقٍ، قالت: أرسلتني عائشة بنت عامر إلى هشام بن عروة تقول له: ما لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون عنه، ولا يحدث عنه الزبير؟ فقال هشام: أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن الزبير قال: عناني ذلك فسألت أبي عنه، فقال: يا بني، كانت عندي أمك، وعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالتك عائشة، وبيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت، وعمي أم حبيبة بنت أسد جدته، وعمته أمي، وأمه آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت أهيب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي، ولقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحدٌ، ولكني سمعته يقول:
من قال علي ما لم أقل تبوأ مقعده من النار.
فلا أحب أن أحدث عنه.
حدث هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الزبير قاعداً، ورجلٌ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامة مجلسه. قال: فسكت الزبير حتى انقضت مقالته. قال: فقال الزبير: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من هذا! قال: والله يا عبد الله، إنك لحاضر المجلس يومئذٍ. قال: صدقت، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيء: قال رجلٌ من أهل الكتاب. فجعل يذكر عنه، فجئت وهو يذكر ذلك، فذاك الذي يمنعني من الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو سليمان الخطابي: لم يخف الزبير على نفسه من الحديث أن يكذب فيه عمداً، ولكنه خاف أن يزل، أو يخطىء: فيكون ما يجري فيه من الغلط كذباً إذ لم يتبين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قاله.
قال: وفيه من العلم أنه لا يجوز الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشك، وغالب الظن، حتى يتيقن سماعة.
حدث عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله يقول: قدمت مع الزبير من الشام من غزوة اليرموك، فكنت أراه يصلي على راحلته حيثما توجهت.
وعن عبد الله بن الزبير قال: كنت مع الزبير عام اليرموك، فلما تعبأ الناس للقتال لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله في الرحل معكما، فإنه غلام صغير، ثم وجه فدخل في الناس، فلما اقتتلوا نظرت إلى ناس وقوفٍ على تلٍّ لا يقاتلون مع الناس، فأخذت فرساً للزبير، خلفه في الرحل، فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك، فوقفت معهم، فقلت: أنظر ما يصنع الناس، فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخةٍ من قريش من مهاجرة
الفتح وقوفاً لا يقاتلون. فلما رأوني غلاماً حدثاً فلم يتقوني، فجعلوا إذا مال المسلمون وركبتهم الروم يقولون: إنه أمة بني الأصفر، قال: وإذا مال الروم وركبهم المسلمون قالوا: يا ويح بني الأصفر، فجعلت أعجب من قولهم.
فلما هزم الله الروم، ورجع الزبير، جعلت أخبره خبرهم، قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبوا إلا ضغناً، وماذا لهم في أن يظهر علينا الروم، لنحن خيرٌ لهم منهم. ثم إن الله أنزل نصره، وهزمت الروم وجموع هرقل التي جمعت، وأصيب من الروم وأهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفاً، وقتل الله القيفلان.
فلما انهزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية، فصالحه أهلها على الجزية، ثم انصرف. فلما سمع هرقل بذلك بعث إلى مقاتليها ومن فيها، فساقهم إليه، وأمر بملطية فحرقت.
قال موسى بن طلحة: كان علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله عذار عام واحدٍ، يعني: ولدوا في عام واحدٍ.
حدث أبو الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول: ارجع إلى الكفر. فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
وعن عروة قال:
أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين، قال: ونفخت نفخةٌ من الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه ممن لا يعرفه قال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مالك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت. قال: فكنت صانعاً ماذا؟ قال: كنت أضرب من أخذك. قال: فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسيفه، وكان أول سيفٍ سل في سبيل الله تعالى.
كان الزبير بن العوام طويلاً، تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، ربما أخذت بشعر كتفيه، متوذف الخلقة.
حدث عروة: أن صفية كانت تضرب الزبير ضرباً شديداً، وهو يتيم، فقيل لها: قتلته خلعت فؤاده، أهلكت هذا الغلام. قالت:
إنما أضربه لكي يلب ... ويجر الجيش ذا الجلب
قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت صفية: من الرجز
كيف وجدت زبراً ... أأقطا حسبته أم تمرا
أم مشمعلاً صقرا
وعن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب قال له: ما كان معنا إلا فرسان: فرسٌ للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود. يعني به يوم بدرٍ.
وعن عبد الله بن الزبير: أن الزبير كانت عليه ملاءةً صفراء يوم بدرٍ، فاعتم بها، فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر.
وفي حديث آخر بمعناه: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزلت الملائكة اليوم على سماء أبي عبد الله. وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة صفراء.
وعن عروة قال: قالت عائشة: يا بن أختي، كان أبواك تعني الزبير وأبا بكر من " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". قالت: لما انصرف المشركون من أحدٍ، وأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟ قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قالت: " فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ ". قال: لم يلقوا عدواً.
وعن داود بن خالدٍ وغيره: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى يوم أحد رجلاً يقتل المسلمين قتلاً عنيفاً، فقال: قم إليه يا زبير. فرقى إليه الزبير حتى إذا علا فوقه اقتحم عليه فاعتنقه، فأقبلا يتحدران حتى وقعا على الأرض، ووقع الزبير على صدره فقتله، فتلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله، وقال: فداك عمٌّ وخالٌ.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الخندق: من رجلٌ يأتينا بخير بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثانية، فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثالثة، فقال الزبير: أنا فذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حواري، والزبير حواري وابن عمتي.
وفي حديث بمعناه: فقيل للزبير: يا أبا عبد الله، هل قالها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدٍ غيرك؟ فقال: لا والله ما علمت قالها لأحدٍ غيري.
وعن زر بن حبيش قال: جاء ابن جرموزٍ قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه، فقال علي: ليدخل النار، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي حواريٌّ وحواري الزبير.
وعنه قال: استأذن ابن جرموزٍ على علي، وأنا عنده، فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي ٍ حواريٌ، وحواري الزبير.
وقتل الزبير يوم الجمل، وقد تنحى عن القتال، فتبعه ابن جرموز فقتله.
وعن هشام بن عروة: أن غلاماً مر بابن عمر، فسئل: من هو؟ فقال: أنا ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ابن عمر: إن كنت من ولد الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل: هل كان أحدٌ يقال له حواريٌّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير الزبير؟ فقال: لا أعلمه.
والحواري: الناصر، وقيل: الحواري: الخالص من كل شيء.
وعن الزبير قال: والله لقد جمع لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارم فداك أبي وأمي.
حدث مصعب قال:
كان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع، أطم حسان بن ثابت، مع النساء يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فقال ابن الزبير: ومعنا حسان بن ثابت ضارباً وتداً في ناحية الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المشركين انحاز عن الوتد حتى كأنه يقاتل قرناً، يتشبه بهم، كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن عن القتال، قال: وإني لأظلم ابن أبي سلمة يومئذ، وهو أكبر مني بسنتين، فأقول له: تحملني على عنقك حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرة،. قال: وإني لأنظر إلى أبي معلماً بصفرةٍ، فأخبرتها أبي بعد، فقال: وأين أنت حينئذٍ؟ قلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني. فقال: أما والذي نفسي بيده إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذٍ ليجمع لي أبويه.
فقال ابن الزبير: فجاء يهودي يرتقي إلى الحصن، فقالت صفية لحسان: عندك
يا حسان، فقال: لو كنت مقاتلاً كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت صفية له: أعطني السيف، فأعطاها، فلما ارتقى اليهودي ضربته حتى قتلته، ثم احتزت رأسه، فأعطته حسان، وقالت: طوح به، فإن الرجل أشد رمية من المرأة، تريد أن ترعب أصحابه.
قال ابن أبي الزناد: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك. فغضب الزبير: يريد أن العمل ليده لا لسيفه.
قال ابن واقد في خيبر: قالوا: وبرز أسير، وكان رجلا أيداً، وكان إلى القصر، فجعل يصيح: من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة، فاختلفا ضرباتٍ، ثم قتله محمد بن مسلمة، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، وكانت معه حربةٌ يحوش بها المسلمين حوشاً، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال الزبير: أقسمت عليك إلا خليت بيني وبينه، ففعل علي، وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله، واحدي، ابني يقتل يا رسول الله. فقال: بل ابنك يقتله. قال فاقتتلا قال: فقتله الزبير، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فداك عمٌ وخالٌ. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبيٍّ حواريٌّ، وحواري الزبير وابن عمتي، فلما قتل مرحب وياسر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت.
وعن الزبير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
عن سعيد بن المسيب قال: لما انهزم المشركون يوم حنينٍ، خرج مالك بن عوف عند الهزيمة حتى وقف على فوارس
من قومه على ثنيةٍ، فقال لأصحابه: قفوا حتى يمر ضعفاء الناس، ويحلق آخركم بكم.
قال: فبينا هم كذلك طلعت عليها خيلٌ، فقال مالك بن عوف: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قوماً واضعين الرماح بين آذان الخيل، طوال، بوادهم عليها. فقال: هذه بنو سليم، اثبتوا فلا بأس عليكم منهم، فلما أتوا أسفل الثنية سلكوا بطن الوادي ذات اليسار.
قال: ثم طلعت خيلٌ أخرى تتبعها، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أقواماً جاعلين الرماح على أكفال الخيل. قال: هذه الأوس والخزرج، اثبتوا: فلا بأس عليكم منهم. فلما انتهوا إلى أسفل الثنية سلكوا طريق بني سليم.
ثم طلع فارسٌ واحدٌ، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى فارساً طويل النجاد، هول الفخذ، واضع الرمح. قال: هذا الزبير بن العوام، وأحلف بالله ليخالطنكم، فاثبتوا. قال: فلما انتهى إلى أسفل الثنية أبصر القوم، فعمد إليهم، فلم يزل يطاعنهم حتى أزالوا عنها.
وعن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاها إياه يقاتل فيهما.
وعن عروة قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام يلمق حريرٍ محشواً بالقز، يقاتل فيه.
وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أسهم الزبير سهمين لفرسه، وسهماً لنفسه، ولأمه سهم في ذي القربى، فكان يأخذ أربعة أسهم.
كان سفيان يقول: هؤلاء الثلاثة بجدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام.
وعن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال:
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا أبا الحسن، من أشجع الناس؟ فقال له: ذاك الذي يغضب غضب النمر، ويثب وثوب الأسد، وأشار إلى الزبير، فقام إلى الزبير ولا يشعر بما قال علي، فقال له: يا أبا عبد الله، من أشجع الناس؟ قال: الذي كسر وجبر، أراد بقوله: كسر وجبر أن القرن إذا كسر وجبر كان أشد منه في أوله.
قال علي بن زيد: أخبرني من رأى الزبير بن العوام وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
قال حفص بن خالد: حدثني شيخ قدم علينا من الموصل، قال: صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره، فأصابته جنايةٌ بأرضٍ قفرٍ، فقال: استرني. فسترته، فحانت مني التفاتةٌ، فرأيته مخذعاً بالسيوف، فقلت: والله لقد رأيت بك آثاراً ما رأيتها بأحدٍ قط! فقال: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم. فقال: أما والله ما منها جراحةٌ إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي سبيل الله.
قال هشام بن عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كانت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدرٍ، وواحدة يوم اليرموك.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير: يا عروة، هل تعرف سيف الزبير؟ قال: قلت: نعم. قال: فما فيه؟ قال: قلت: فيه فلةٌ فلها يوم بدر. قال: صدقت، فاستله، فرآها فيه فقال: من الطويل:
بهن فلولٌ من قراع الكتائب
ثم أغمدة، ثم رده علي. قال هشام: فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على جبل حراء، فتحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء، فما عليك إلا نبيٌّ، أو صديقٌ، أو شهيدٌ، وكان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
قال عبد الرحمن بن الأخنس: شهدت المغيرة بن شعبة يخطب بالكوفة، فذكر علياً فنال منه، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر، قال: ثم سمي نفسه.
وفي حديث آخر بمعناه: ثم قال: لمشهد رجلٍ منهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح.
وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: سمعت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: طلحة الزبير جاراي في الجنة.
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك باركت لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في أبي بكرٍ فلا تسلبه البركة، اللهم واجمعهم عليه، ولا تعسر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعن عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، وفقه عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
وعن الزبير قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة في يوم باردٍ، فجئت ومعه بعض نسائه في لحافٍ، فأدخلني في لحافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب: إنهم يقولون: استخلف علينا. فإن حدث بي حدثٌ فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ: علي بن أبي طالب، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبه إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضىً. قال: أسندوني، أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل.
ما عسى أن يقولوا في عثمان بن عفان؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمانٌ تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصةً أم الناس عامةً؟ قال: عثمان خاصة.
ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قرية، وقد سقط رحله، فقال: من يسوي رحلي، وهو في الجنة؟ فبدر طلحة بن عبيد الله، فسواه، حتى ركب، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها.
ما عسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: يا أبا عبد الله، لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي أنت
وأمي. قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم.
ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، وقد أوتر قوسه أربع عشرة مرةً فيدفعها إليه، ويقول: ارم فداك أبي وأمي.
ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يصلنا بشيءٍ؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصفحة فيها حيسٌ ورغيفان بينهما إهالة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامنٌ.
وعن عروة عن مروان بن الحكم أنه حدثه: أن عثمان بن عفان اشتكى عام الرعاف حتى قعد عن الحج، قال: فدخل عليه رجلان فقال أحدهما: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال عثمان: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت وجلس، قال: ثم دخل الآخر، فقال: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت، قال: فقال عثمان: فلعلهم قالوا: الزبير بن العوام؟ قالوا: نعم. فقال عثمان: والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عروة: أخبر به مروان ولا إخاله يهتم لنا.
وعن عروة قال: أوصى إلى الزبير عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، ومطيع بن الأسود. وقال لمطيع: لا أقبل وصيتك، فقال له مطيع: أنشدك الله والرحم، والله ما أتبع في ذلك إلا رأي عمر بن الخطاب، إني سمعت عمر يقول: لو تركت تركةً، أو عهدت عهداً إلى أحد لعهدت إلى الزبير بن العوام، إنه ركن من أركان الدين.
وعن هشام بن عروة قال: أوصت عائشة، وحكيم بن حزام إلى عبد الله بن الزبير. وأوصى إلى الزبير سبعةً من
أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أبنائهم من ماله.
وعن هشام بن عروة قال: أوصى عثمان بن عفان إلى الزبير بن العوام بصدقته حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى إليه مطيع بن الأسود، وأوصى إليه أبو العاص بن الربيع ببنيته أمامة من ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجها علي بن أبي طالب، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود، وأوصى إليه المقداد بن عمرو.
وعن أبي رجاء قال: شهدت الزبير يوماً، وأتاه رجلٌ فقال: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أراكم أخف الناس صلاةً؟ قال: نبادر الوسواس.
كان الزبير يقول: أيكم استطاع أن يكون له خبية من عمل صالح فليفعل.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير ألف غلامٍ يؤدون إليه الخراج، فكان لا يدخل بيته منها شيئاً، يتصدق به كله.
وعن جويرية قال: باع الزبير داراً له بست مئة ألفٍ، فقيل له: يا أبا عبد الله، غبنت! قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن، هي في سبيل الله.
وعن ميمون بن مهران قال: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير بن العوام، وكان فيه شدة على النساء، فكانت له كارهة، وكانت تسأله الطلاق، فيأبى عليها، فضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه حتى طلقها واحدةً، وهو يتوضأ للصلاة، ثم خرج فتبعه إنسان من أهله، فأخبره أنها قد وضعت، فقال: خدعتني خدعها الله، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، اخطبها. قال: لا ترجع إلي.
وعن علي رضي الله عنه قال: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه.
وعن هشام: أن الزبير لما قتل عمر بن الخطاب محا نفسه من الديوان، وأن عبد الله بن الزبير لما قتل عثمان محا نفسه من الديوان
وحدث جماعةً من الرواة دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضاً من بعض خرج عليٌّ وهو على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام. فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير، نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكان كذا وكذا، فقال: يا زبير أتحب علياً؟ قلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمتي، وعلى ديني؟ فقال: يا علي أتحبه؟ قلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه أنت، وأنت ظالمٌ له؟ قال: بلى والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك.
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير: وقال: مالك؟ قال: ذكرني عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر. قال: قد حلفت ألا أقاتله. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.
روت عجوزٌ من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قالت: إني ذات يوم شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكبٌ على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا ينظران، فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار. فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك. فحسر عمار عن رأسه، قال: فلمس الرجل أذن عمارٍ وقال: كانت لعمار زنمةٌ في أذنه. فلمسها، ثم ركب راجعاً.
فأخبر الزبير بذلك، فرجع الزبير حتى أتى وادي السباع، فأتاه ابن جرموز فقتله، فبلغ ذلك علياً، فقال: أما والله ما رجع جبناً، ولكنه رجع تائباً.
وفي حديث آخر: فنادى عليٌّ بن أبي طالب الزبير: وهو بين الصفين قال: تعالى حتى أكلمك. فأتاه حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال له: يا زبير، أنشدك الله أخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي وأنت معه، فضرب كتفك، ثم قال لك: كأنك قد قاتلت هذا؟ قال: اللهم نعم. قال: فأين جئت وقد سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أقاتلك.
فرجع فسار ليلتين من البصرة، فمر على ماء لبني مجاشعٍ، فعرفه رجل من تميم يقال له: ابن جرموز، فقتله، وجاء بسيفه إلى علي، فقال: هذا سيف الزبير، وقد قتلته، فقال عليٌّ: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل جعل يقول: من الكامل
ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب
ثم لم ينشب أن قتله ابن جرموز.
ومن حديث آخر: أن ابن جرموز أخذ رأس الزبير وسيفه، وأتى بهما علياً، فأخذه علي، وقال: سيف والله، طالما جلي به عن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب، ولكن الحين ومصارع السوء. ودفن الزبير رحمة الله بوادي السباع، وجلس علي يبكي عليه وهو وأصحابه.
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة، وهو مجتنح لشقه، فخضنا في ذكر
عثمان وطلحة والزبير، فاجتنح لشقه الأيمن، فقال: فيم خضتم؟ فقلنا: خضنا في عثمان وطلحة والزبير، وحسبنا أنك نائمٌ. فقال علي: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ". فأنا وعثمان وطلحة والزبير. ثم قال: وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير، ثم قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين ". قال: ذلك عثمان، وطلحة، والزبير، وأنا من شيعة عثمان، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم أجمعين.
وعن الحسن قال: لما ظفر عليٌّ بالجمل دخل الدار والناس معه، قال علي: إني لأعلم قائد فتنةٍ دخل الجنة، وأتباعه إلى النار. فقال الأحنف: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الزبير.
قال أبو نضرة: لما أتي علي بقتل الزبير وبخاتمه وبسيفه بكى عليه، وبكى بنوه، وقال: نغص علينا قتل الزبير ما نحن فيه. ومما قيل في قتل الزبير قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحته: من الكامل
غدر ابن جرموز بفارس بهمةٍ ... يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد
حدث هشام عن أبيه عن الزبير: أنه أوصى بالثلث، وأنه لم يدع ديناراً ولا درهماً، قال: وترك من العروض قيمة خمسين ألفاً.
قال عبد الله بن الزبير: قال لي أبي يوم الجمل: يا بني، انظر ديني وهو ألف ألفٍ ومئتا ألف.
وعن ابن الزبير قال: ترك عليه الزبير من الدين ألف ألف درهم، فقال له رجل: ترك أبوك ألف ألف درهم، وكان على ما كان عليه من الفضل؟ فقال: إنها لم تكن ديناً عليه، ولكنها كانت مواعيد عليه، فكتب مواعيده كما كتب دينه.
وعن هشام بن عروة قال: قيم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف.
وعن عروة: أن الزبير ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم.
وكان الزبير يضرب له في المغنم بأربعة أسهم: سهمٍ له. وسهمين لفرسه، وسهمٍ لذي القربى.
قال عروة: كان للزبير بمصر خططٌ وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، وكانت عاتكة بنة زيد أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل تحت الزبير بن العوام، فلما قتل الزبير كتبت إلى عبد الله بن الزبير بعد حين: قد علمت حبس نفسي بعد أبيك، فإن كانلي عندك شيء فابعث به. فبعث إليها بألفي ألف، ربع ثمن مال الزبير، وكان نساؤه أربعاً مات عنهن، وهن أسماء بنة أبي
بكرامٌ عبد الله بن الزبير، وعاتكة بنت زيد، وابنة خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية.
قتل الزبير بن العوام في سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربعٍ وستين سنة، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: إحدى وستين سنة.
قال الزهري: التقوا يوم الجمل، فولى الزبير منهزماً، فأدركه ابن جرموز فقتله، ورمي طلحة، وهو معتزلٌ في بعض الصفوف، بسهم غرب، فقطع من رجله عرق النسا، فتنبج حتى نزف طلحة، فمات، وملك على العراق كله، وذلك على ستة أشهر من مقتل عثمان رضي الله عنهم.
قال سفيان: جاء ابن جرموز إلى مصعب فقال: أقدني بالزبير. قال: فكتب إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ خل عنه، ولا بشسع نعله.
كتب مصعب إلى عبد الله: إني قد أخذت قاتل الزبير.
فكتب إليه عبد الله: لا تخفف عنه، دعه يلق الله بدم الزبير. فتركه، فأسف، فخرج إلى الصياقلة، فنظر إلى سيف، فأعجبه، فاشتراه، ثم حكم في عرض الناس فقتل.
وقيل: إن مصعباً قذفه في سجن، وكتب إلى عبد الله يذكر له أمره، فكتب إليه عبد الله أن بئس ما صنعت، أظننت أني أقتل أعرابياً من بني تميم بالزبير؟ خل سبيله، فخلاه. حتى إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رخٌّ، ثم أمر إنساناً أن
يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل.
قال يعقوب بن سليمان الهاشمي: حدثني شيخٌ من موالينا قال: كنت يوماً مع قوم، فتذاكرنا أمر عليٍّ وطلحة والزبير، فكأني نلت من الزبير، فلما كان في الليل رأيت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة، فيها خلقٌ كثير عراة، رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأجسادهم أجساد الناس مقطعي الأيدي والأرجل من خلاف، فيهم رجلٌ مقطوع اليدين والرجلين، فلم أر منظراً أوحش منه، فامتلأت رعباً وفزعاً، وقلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يشتمون أصحاب محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: ما بال هذا من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل: هذا أغلالهم في شتم عليٍّ رضي الله عنه. قال: فبينا أنا كذلك إذ رفع لي بابٌ فدخلته، فإذا درجةٌ، فصعدتها إلى موضع واسعٍ، وإذا رجلٌ جالسٌ حواليه جماعةٌ، فقيل لي: هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدنوت منه، فأخذت بيده، فجذب يده من يدي، وغمز يدي غمزة شديدةً، وقال: تعود؟ فذكرت ما كنت قلت في الزبير، فقلت: لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيءٍ من ذلك. قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل خلفه فقال: يا زبير، قد ذكر أنه لا يعود، فأقله. قال: قد أقلته يا رسول الله، قال: فأخذت يده فجعلت أقبلها، وأبكي، وأضعها على صدري. قال: فانتبهت، وإنه ليخيل إلي أني أجد بردها في ظهري.
ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله الأسدي
ابن عمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحواريه، وأحد العشرة الذين شهد لهم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة. شهد بدراً، وأحداً، وغيرهما من المشاهد، وشهد اليرموك، وشهد الجابية مع عمر بن الخطاب، وهو من أهل الشورى، وأمه صفية بنت عبد المطلب.
حدثت سلامة مولاة عائشة بنت عبد الله بن الزبير، وكانت سلامة امرأة صدقٍ، قالت: أرسلتني عائشة بنت عامر إلى هشام بن عروة تقول له: ما لأصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدثون عنه، ولا يحدث عنه الزبير؟ فقال هشام: أخبرني أبي قال: أخبرني عبد الله بن الزبير قال: عناني ذلك فسألت أبي عنه، فقال: يا بني، كانت عندي أمك، وعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالتك عائشة، وبيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت، وعمي أم حبيبة بنت أسد جدته، وعمته أمي، وأمه آمنة بنت وهبٍ بن عبد مناف، وجدتي هالة بنت أهيب بن عبد مناف، وزوجته خديجة بنت خويلد عمتي، ولقد نلت من صحابته أفضل ما نال أحدٌ، ولكني سمعته يقول:
من قال علي ما لم أقل تبوأ مقعده من النار.
فلا أحب أن أحدث عنه.
حدث هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الزبير قاعداً، ورجلٌ يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامة مجلسه. قال: فسكت الزبير حتى انقضت مقالته. قال: فقال الزبير: ما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من هذا! قال: والله يا عبد الله، إنك لحاضر المجلس يومئذٍ. قال: صدقت، إنما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيء: قال رجلٌ من أهل الكتاب. فجعل يذكر عنه، فجئت وهو يذكر ذلك، فذاك الذي يمنعني من الحديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو سليمان الخطابي: لم يخف الزبير على نفسه من الحديث أن يكذب فيه عمداً، ولكنه خاف أن يزل، أو يخطىء: فيكون ما يجري فيه من الغلط كذباً إذ لم يتبين أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قاله.
قال: وفيه من العلم أنه لا يجوز الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشك، وغالب الظن، حتى يتيقن سماعة.
حدث عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: سمعت عبد الله يقول: قدمت مع الزبير من الشام من غزوة اليرموك، فكنت أراه يصلي على راحلته حيثما توجهت.
وعن عبد الله بن الزبير قال: كنت مع الزبير عام اليرموك، فلما تعبأ الناس للقتال لبس الزبير لأمته، ثم جلس على فرسه، ثم قال لموليين له: احبسا عبد الله في الرحل معكما، فإنه غلام صغير، ثم وجه فدخل في الناس، فلما اقتتلوا نظرت إلى ناس وقوفٍ على تلٍّ لا يقاتلون مع الناس، فأخذت فرساً للزبير، خلفه في الرحل، فركبته، ثم ذهبت إلى أولئك، فوقفت معهم، فقلت: أنظر ما يصنع الناس، فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخةٍ من قريش من مهاجرة
الفتح وقوفاً لا يقاتلون. فلما رأوني غلاماً حدثاً فلم يتقوني، فجعلوا إذا مال المسلمون وركبتهم الروم يقولون: إنه أمة بني الأصفر، قال: وإذا مال الروم وركبهم المسلمون قالوا: يا ويح بني الأصفر، فجعلت أعجب من قولهم.
فلما هزم الله الروم، ورجع الزبير، جعلت أخبره خبرهم، قال: فجعل يضحك ويقول: قاتلهم الله، أبوا إلا ضغناً، وماذا لهم في أن يظهر علينا الروم، لنحن خيرٌ لهم منهم. ثم إن الله أنزل نصره، وهزمت الروم وجموع هرقل التي جمعت، وأصيب من الروم وأهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفاً، وقتل الله القيفلان.
فلما انهزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم، فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية، فصالحه أهلها على الجزية، ثم انصرف. فلما سمع هرقل بذلك بعث إلى مقاتليها ومن فيها، فساقهم إليه، وأمر بملطية فحرقت.
قال موسى بن طلحة: كان علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله عذار عام واحدٍ، يعني: ولدوا في عام واحدٍ.
حدث أبو الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار، ويقول: ارجع إلى الكفر. فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
وعن عروة قال:
أسلم الزبير وهو ابن ثماني سنين، قال: ونفخت نفخةٌ من الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه ممن لا يعرفه قال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مالك يا زبير؟ قال: أخبرت أنك أخذت. قال: فكنت صانعاً ماذا؟ قال: كنت أضرب من أخذك. قال: فدعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولسيفه، وكان أول سيفٍ سل في سبيل الله تعالى.
كان الزبير بن العوام طويلاً، تخط رجلاه الأرض إذا ركب الدابة، أشعر، ربما أخذت بشعر كتفيه، متوذف الخلقة.
حدث عروة: أن صفية كانت تضرب الزبير ضرباً شديداً، وهو يتيم، فقيل لها: قتلته خلعت فؤاده، أهلكت هذا الغلام. قالت:
إنما أضربه لكي يلب ... ويجر الجيش ذا الجلب
قال: وكسر يد غلام ذات يوم، فجيء بالغلام إلى صفية، فقيل لها ذلك، فقالت صفية: من الرجز
كيف وجدت زبراً ... أأقطا حسبته أم تمرا
أم مشمعلاً صقرا
وعن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب قال له: ما كان معنا إلا فرسان: فرسٌ للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود. يعني به يوم بدرٍ.
وعن عبد الله بن الزبير: أن الزبير كانت عليه ملاءةً صفراء يوم بدرٍ، فاعتم بها، فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر.
وفي حديث آخر بمعناه: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نزلت الملائكة اليوم على سماء أبي عبد الله. وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه عمامة صفراء.
وعن عروة قال: قالت عائشة: يا بن أختي، كان أبواك تعني الزبير وأبا بكر من " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ". قالت: لما انصرف المشركون من أحدٍ، وأصاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ما أصابهم، خاف أن يرجعوا، فقال: من ينتدب لهؤلاء في آثارهم حتى يعلموا أن بنا قوة؟ قال: فانتدب أبو بكر والزبير في سبعين، فخرجوا في آثار القوم، فسمعوا بهم، فانصرفوا. قالت: " فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ ". قال: لم يلقوا عدواً.
وعن داود بن خالدٍ وغيره: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى يوم أحد رجلاً يقتل المسلمين قتلاً عنيفاً، فقال: قم إليه يا زبير. فرقى إليه الزبير حتى إذا علا فوقه اقتحم عليه فاعتنقه، فأقبلا يتحدران حتى وقعا على الأرض، ووقع الزبير على صدره فقتله، فتلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله، وقال: فداك عمٌّ وخالٌ.
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الخندق: من رجلٌ يأتينا بخير بني قريظة؟ فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثانية، فقال الزبير: أنا. فذهب، ثم قالها الثالثة، فقال الزبير: أنا فذهب، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبي حواري، والزبير حواري وابن عمتي.
وفي حديث بمعناه: فقيل للزبير: يا أبا عبد الله، هل قالها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدٍ غيرك؟ فقال: لا والله ما علمت قالها لأحدٍ غيري.
وعن زر بن حبيش قال: جاء ابن جرموزٍ قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه، فقال علي: ليدخل النار، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي حواريٌّ وحواري الزبير.
وعنه قال: استأذن ابن جرموزٍ على علي، وأنا عنده، فقال علي: بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم قال علي: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لكل نبي ٍ حواريٌ، وحواري الزبير.
وقتل الزبير يوم الجمل، وقد تنحى عن القتال، فتبعه ابن جرموز فقتله.
وعن هشام بن عروة: أن غلاماً مر بابن عمر، فسئل: من هو؟ فقال: أنا ابن حواري رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال ابن عمر: إن كنت من ولد الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل: هل كان أحدٌ يقال له حواريٌّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير الزبير؟ فقال: لا أعلمه.
والحواري: الناصر، وقيل: الحواري: الخالص من كل شيء.
وعن الزبير قال: والله لقد جمع لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ارم فداك أبي وأمي.
حدث مصعب قال:
كان ابن الزبير يحدث أنه كان في فارع، أطم حسان بن ثابت، مع النساء يوم الخندق، ومعهم عمر بن أبي سلمة، فقال ابن الزبير: ومعنا حسان بن ثابت ضارباً وتداً في ناحية الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المشركين انحاز عن الوتد حتى كأنه يقاتل قرناً، يتشبه بهم، كأنه يرى أنه يجاهد حين جبن عن القتال، قال: وإني لأظلم ابن أبي سلمة يومئذ، وهو أكبر مني بسنتين، فأقول له: تحملني على عنقك حتى أنظر، فإني أحملك إذا نزلت، قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرة،. قال: وإني لأنظر إلى أبي معلماً بصفرةٍ، فأخبرتها أبي بعد، فقال: وأين أنت حينئذٍ؟ قلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني. فقال: أما والذي نفسي بيده إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينئذٍ ليجمع لي أبويه.
فقال ابن الزبير: فجاء يهودي يرتقي إلى الحصن، فقالت صفية لحسان: عندك
يا حسان، فقال: لو كنت مقاتلاً كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فقالت صفية له: أعطني السيف، فأعطاها، فلما ارتقى اليهودي ضربته حتى قتلته، ثم احتزت رأسه، فأعطته حسان، وقالت: طوح به، فإن الرجل أشد رمية من المرأة، تريد أن ترعب أصحابه.
قال ابن أبي الزناد: ضرب الزبير بن العوام يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفره، فقطعه إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك. فغضب الزبير: يريد أن العمل ليده لا لسيفه.
قال ابن واقد في خيبر: قالوا: وبرز أسير، وكان رجلا أيداً، وكان إلى القصر، فجعل يصيح: من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة، فاختلفا ضرباتٍ، ثم قتله محمد بن مسلمة، ثم برز ياسر، وكان من أشدائهم، وكانت معه حربةٌ يحوش بها المسلمين حوشاً، فبرز له علي بن أبي طالب، فقال الزبير: أقسمت عليك إلا خليت بيني وبينه، ففعل علي، وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله، واحدي، ابني يقتل يا رسول الله. فقال: بل ابنك يقتله. قال فاقتتلا قال: فقتله الزبير، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فداك عمٌ وخالٌ. وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكل نبيٍّ حواريٌّ، وحواري الزبير وابن عمتي، فلما قتل مرحب وياسر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسرت.
وعن الزبير عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أعطاه يوم فتح مكة لواء سعد بن عبادة، فدخل الزبير مكة بلواءين.
عن سعيد بن المسيب قال: لما انهزم المشركون يوم حنينٍ، خرج مالك بن عوف عند الهزيمة حتى وقف على فوارس
من قومه على ثنيةٍ، فقال لأصحابه: قفوا حتى يمر ضعفاء الناس، ويحلق آخركم بكم.
قال: فبينا هم كذلك طلعت عليها خيلٌ، فقال مالك بن عوف: ماذا ترون؟ قالوا: نرى قوماً واضعين الرماح بين آذان الخيل، طوال، بوادهم عليها. فقال: هذه بنو سليم، اثبتوا فلا بأس عليكم منهم، فلما أتوا أسفل الثنية سلكوا بطن الوادي ذات اليسار.
قال: ثم طلعت خيلٌ أخرى تتبعها، فقال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: نرى أقواماً جاعلين الرماح على أكفال الخيل. قال: هذه الأوس والخزرج، اثبتوا: فلا بأس عليكم منهم. فلما انتهوا إلى أسفل الثنية سلكوا طريق بني سليم.
ثم طلع فارسٌ واحدٌ، فقال لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: نرى فارساً طويل النجاد، هول الفخذ، واضع الرمح. قال: هذا الزبير بن العوام، وأحلف بالله ليخالطنكم، فاثبتوا. قال: فلما انتهى إلى أسفل الثنية أبصر القوم، فعمد إليهم، فلم يزل يطاعنهم حتى أزالوا عنها.
وعن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاها إياه يقاتل فيهما.
وعن عروة قال: أعطى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزبير بن العوام يلمق حريرٍ محشواً بالقز، يقاتل فيه.
وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أسهم الزبير سهمين لفرسه، وسهماً لنفسه، ولأمه سهم في ذي القربى، فكان يأخذ أربعة أسهم.
كان سفيان يقول: هؤلاء الثلاثة بجدة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام.
وعن عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال:
جاء رجل إلى علي بن أبي طالب، وهو في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: يا أبا الحسن، من أشجع الناس؟ فقال له: ذاك الذي يغضب غضب النمر، ويثب وثوب الأسد، وأشار إلى الزبير، فقام إلى الزبير ولا يشعر بما قال علي، فقال له: يا أبا عبد الله، من أشجع الناس؟ قال: الذي كسر وجبر، أراد بقوله: كسر وجبر أن القرن إذا كسر وجبر كان أشد منه في أوله.
قال علي بن زيد: أخبرني من رأى الزبير بن العوام وفي صدره أمثال العيون من الطعن والرمي.
قال حفص بن خالد: حدثني شيخ قدم علينا من الموصل، قال: صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره، فأصابته جنايةٌ بأرضٍ قفرٍ، فقال: استرني. فسترته، فحانت مني التفاتةٌ، فرأيته مخذعاً بالسيوف، فقلت: والله لقد رأيت بك آثاراً ما رأيتها بأحدٍ قط! فقال: وقد رأيت ذلك؟ قلت: نعم. فقال: أما والله ما منها جراحةٌ إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي سبيل الله.
قال هشام بن عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه، إن كانت لأدخل أصابعي فيها، ضرب ثنتين يوم بدرٍ، وواحدة يوم اليرموك.
قال عروة: قال عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير: يا عروة، هل تعرف سيف الزبير؟ قال: قلت: نعم. قال: فما فيه؟ قال: قلت: فيه فلةٌ فلها يوم بدر. قال: صدقت، فاستله، فرآها فيه فقال: من الطويل:
بهن فلولٌ من قراع الكتائب
ثم أغمدة، ثم رده علي. قال هشام: فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف، فأخذه بعضنا، ولوددت أني كنت أخذته.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان على جبل حراء، فتحرك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسكن حراء، فما عليك إلا نبيٌّ، أو صديقٌ، أو شهيدٌ، وكان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
قال عبد الرحمن بن الأخنس: شهدت المغيرة بن شعبة يخطب بالكوفة، فذكر علياً فنال منه، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، ولو شئت أن أسمي العاشر، قال: ثم سمي نفسه.
وفي حديث آخر بمعناه: ثم قال: لمشهد رجلٍ منهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغبر فيه وجهه خيرٌ من عمل أحدكم، ولو عمر عمر نوح.
وعن عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علياً يوم الجمل يقول: سمعت من في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقول: طلحة الزبير جاراي في الجنة.
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك باركت لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وباركت لأصحابي في أبي بكرٍ فلا تسلبه البركة، اللهم واجمعهم عليه، ولا تعسر أمره، فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعن عمر بن الخطاب، وصبر عثمان بن عفان، ووفق علياً، واغفر لطلحة، وثبت الزبير، وسلم سعداً، وفقه عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان.
وعن الزبير قال: بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاجة في يوم باردٍ، فجئت ومعه بعض نسائه في لحافٍ، فأدخلني في لحافه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن عمرو بن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب: إنهم يقولون: استخلف علينا. فإن حدث بي حدثٌ فالأمر في هؤلاء الستة الذين فارقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضٍ: علي بن أبي طالب، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته، فقالت له: يا أبه إن الناس يزعمون أن هؤلاء الستة ليسوا برضىً. قال: أسندوني، أسندوني. فلما أسند قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يا علي يدك في يدي، تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل.
ما عسى أن يقولوا في عثمان بن عفان؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: يوم يموت عثمانٌ تصلي عليه ملائكة السماء. قال: قلت: يا رسول الله، عثمان خاصةً أم الناس عامةً؟ قال: عثمان خاصة.
ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة قرية، وقد سقط رحله، فقال: من يسوي رحلي، وهو في الجنة؟ فبدر طلحة بن عبيد الله، فسواه، حتى ركب، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها.
ما عسى أن يقولوا في الزبير بن العوام؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نام، فجلس الزبير يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له: يا أبا عبد الله، لم تزل؟ قال: لم أزل بأبي أنت
وأمي. قال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم.
ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ، وقد أوتر قوسه أربع عشرة مرةً فيدفعها إليه، ويقول: ارم فداك أبي وأمي.
ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف؟ رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً، ويتضوران، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من يصلنا بشيءٍ؟ فطلع عبد الرحمن بن عوف بصفحة فيها حيسٌ ورغيفان بينهما إهالة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كفاك الله أمر دنياك، فأما آخرتك فأنا لها ضامنٌ.
وعن عروة عن مروان بن الحكم أنه حدثه: أن عثمان بن عفان اشتكى عام الرعاف حتى قعد عن الحج، قال: فدخل عليه رجلان فقال أحدهما: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال عثمان: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت وجلس، قال: ثم دخل الآخر، فقال: استخلف يا أمير المؤمنين. فقال: أوَقالوه؟ قال: نعم. قال: من؟ فسكت، قال: فقال عثمان: فلعلهم قالوا: الزبير بن العوام؟ قالوا: نعم. فقال عثمان: والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال عروة: أخبر به مروان ولا إخاله يهتم لنا.
وعن عروة قال: أوصى إلى الزبير عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، ومطيع بن الأسود. وقال لمطيع: لا أقبل وصيتك، فقال له مطيع: أنشدك الله والرحم، والله ما أتبع في ذلك إلا رأي عمر بن الخطاب، إني سمعت عمر يقول: لو تركت تركةً، أو عهدت عهداً إلى أحد لعهدت إلى الزبير بن العوام، إنه ركن من أركان الدين.
وعن هشام بن عروة قال: أوصت عائشة، وحكيم بن حزام إلى عبد الله بن الزبير. وأوصى إلى الزبير سبعةً من
أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أبنائهم من ماله.
وعن هشام بن عروة قال: أوصى عثمان بن عفان إلى الزبير بن العوام بصدقته حتى يدرك ابنه عمرو بن عثمان، وأوصى إليه عبد الرحمن بن عوف، وأوصى إليه مطيع بن الأسود، وأوصى إليه أبو العاص بن الربيع ببنيته أمامة من ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزوجها علي بن أبي طالب، وأوصى إليه عبد الله بن مسعود، وأوصى إليه المقداد بن عمرو.
وعن أبي رجاء قال: شهدت الزبير يوماً، وأتاه رجلٌ فقال: ما شأنكم يا أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! أراكم أخف الناس صلاةً؟ قال: نبادر الوسواس.
كان الزبير يقول: أيكم استطاع أن يكون له خبية من عمل صالح فليفعل.
وعن سعيد بن عبد العزيز قال: كان للزبير ألف غلامٍ يؤدون إليه الخراج، فكان لا يدخل بيته منها شيئاً، يتصدق به كله.
وعن جويرية قال: باع الزبير داراً له بست مئة ألفٍ، فقيل له: يا أبا عبد الله، غبنت! قال: كلا، والله لتعلمن أني لم أغبن، هي في سبيل الله.
وعن ميمون بن مهران قال: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير بن العوام، وكان فيه شدة على النساء، فكانت له كارهة، وكانت تسأله الطلاق، فيأبى عليها، فضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه حتى طلقها واحدةً، وهو يتوضأ للصلاة، ثم خرج فتبعه إنسان من أهله، فأخبره أنها قد وضعت، فقال: خدعتني خدعها الله، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله، اخطبها. قال: لا ترجع إلي.
وعن علي رضي الله عنه قال: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فقلبه.
وعن هشام: أن الزبير لما قتل عمر بن الخطاب محا نفسه من الديوان، وأن عبد الله بن الزبير لما قتل عثمان محا نفسه من الديوان
وحدث جماعةً من الرواة دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضاً من بعض خرج عليٌّ وهو على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام. فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير، نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكان كذا وكذا، فقال: يا زبير أتحب علياً؟ قلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمتي، وعلى ديني؟ فقال: يا علي أتحبه؟ قلت: يا رسول الله، ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال: يا زبير أما والله لتقاتلنه أنت، وأنت ظالمٌ له؟ قال: بلى والله لقد أنسيته منذ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك.
فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير: وقال: مالك؟ قال: ذكرني عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سمعته يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر. قال: قد حلفت ألا أقاتله. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.
روت عجوزٌ من عبد القيس كانت تداوي الجرحى مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قالت: إني ذات يوم شاهدة يوم الجمل إذ جاء راكبٌ على فرس ينادي: ألا فيكم عمار؟ فقال عمار: هذا رسول طلحة والزبير أرسلا ينظران، فيكم أنا. فقال عمار: نعم أنا عمار. فنزل الرجل فقال: احسر لي عن رأسك. فحسر عمار عن رأسه، قال: فلمس الرجل أذن عمارٍ وقال: كانت لعمار زنمةٌ في أذنه. فلمسها، ثم ركب راجعاً.
فأخبر الزبير بذلك، فرجع الزبير حتى أتى وادي السباع، فأتاه ابن جرموز فقتله، فبلغ ذلك علياً، فقال: أما والله ما رجع جبناً، ولكنه رجع تائباً.
وفي حديث آخر: فنادى عليٌّ بن أبي طالب الزبير: وهو بين الصفين قال: تعالى حتى أكلمك. فأتاه حتى اختلفت أعناق دابتيهما، فقال له: يا زبير، أنشدك الله أخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي وأنت معه، فضرب كتفك، ثم قال لك: كأنك قد قاتلت هذا؟ قال: اللهم نعم. قال: فأين جئت وقد سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا أقاتلك.
فرجع فسار ليلتين من البصرة، فمر على ماء لبني مجاشعٍ، فعرفه رجل من تميم يقال له: ابن جرموز، فقتله، وجاء بسيفه إلى علي، فقال: هذا سيف الزبير، وقد قتلته، فقال عليٌّ: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وعن عبد العزيز السلمي قال: لما انصرف الزبير يوم الجمل جعل يقول: من الكامل
ولقد علمت لو أن علمي نافعي ... أن الحياة من الممات قريب
ثم لم ينشب أن قتله ابن جرموز.
ومن حديث آخر: أن ابن جرموز أخذ رأس الزبير وسيفه، وأتى بهما علياً، فأخذه علي، وقال: سيف والله، طالما جلي به عن وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرب، ولكن الحين ومصارع السوء. ودفن الزبير رحمة الله بوادي السباع، وجلس علي يبكي عليه وهو وأصحابه.
وعن النعمان بن بشير قال: كنا مع علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة، وهو مجتنح لشقه، فخضنا في ذكر
عثمان وطلحة والزبير، فاجتنح لشقه الأيمن، فقال: فيم خضتم؟ فقلنا: خضنا في عثمان وطلحة والزبير، وحسبنا أنك نائمٌ. فقال علي: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ". فأنا وعثمان وطلحة والزبير. ثم قال: وأنا من شيعة عثمان وطلحة والزبير، ثم قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سررٍ متقابلين ". قال: ذلك عثمان، وطلحة، والزبير، وأنا من شيعة عثمان، وطلحة، والزبير، رضي الله عنهم أجمعين.
وعن الحسن قال: لما ظفر عليٌّ بالجمل دخل الدار والناس معه، قال علي: إني لأعلم قائد فتنةٍ دخل الجنة، وأتباعه إلى النار. فقال الأحنف: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: الزبير.
قال أبو نضرة: لما أتي علي بقتل الزبير وبخاتمه وبسيفه بكى عليه، وبكى بنوه، وقال: نغص علينا قتل الزبير ما نحن فيه. ومما قيل في قتل الزبير قول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت تحته: من الكامل
غدر ابن جرموز بفارس بهمةٍ ... يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته ... لا طائشاً رعش الجنان ولا اليد
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً ... حلت عليك عقوبة المتعمد
حدث هشام عن أبيه عن الزبير: أنه أوصى بالثلث، وأنه لم يدع ديناراً ولا درهماً، قال: وترك من العروض قيمة خمسين ألفاً.
قال عبد الله بن الزبير: قال لي أبي يوم الجمل: يا بني، انظر ديني وهو ألف ألفٍ ومئتا ألف.
وعن ابن الزبير قال: ترك عليه الزبير من الدين ألف ألف درهم، فقال له رجل: ترك أبوك ألف ألف درهم، وكان على ما كان عليه من الفضل؟ فقال: إنها لم تكن ديناً عليه، ولكنها كانت مواعيد عليه، فكتب مواعيده كما كتب دينه.
وعن هشام بن عروة قال: قيم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف.
وعن عروة: أن الزبير ترك من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم.
وكان الزبير يضرب له في المغنم بأربعة أسهم: سهمٍ له. وسهمين لفرسه، وسهمٍ لذي القربى.
قال عروة: كان للزبير بمصر خططٌ وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة، وكانت عاتكة بنة زيد أخت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل تحت الزبير بن العوام، فلما قتل الزبير كتبت إلى عبد الله بن الزبير بعد حين: قد علمت حبس نفسي بعد أبيك، فإن كانلي عندك شيء فابعث به. فبعث إليها بألفي ألف، ربع ثمن مال الزبير، وكان نساؤه أربعاً مات عنهن، وهن أسماء بنة أبي
بكرامٌ عبد الله بن الزبير، وعاتكة بنت زيد، وابنة خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية.
قتل الزبير بن العوام في سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربعٍ وستين سنة، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: إحدى وستين سنة.
قال الزهري: التقوا يوم الجمل، فولى الزبير منهزماً، فأدركه ابن جرموز فقتله، ورمي طلحة، وهو معتزلٌ في بعض الصفوف، بسهم غرب، فقطع من رجله عرق النسا، فتنبج حتى نزف طلحة، فمات، وملك على العراق كله، وذلك على ستة أشهر من مقتل عثمان رضي الله عنهم.
قال سفيان: جاء ابن جرموز إلى مصعب فقال: أقدني بالزبير. قال: فكتب إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير؟ خل عنه، ولا بشسع نعله.
كتب مصعب إلى عبد الله: إني قد أخذت قاتل الزبير.
فكتب إليه عبد الله: لا تخفف عنه، دعه يلق الله بدم الزبير. فتركه، فأسف، فخرج إلى الصياقلة، فنظر إلى سيف، فأعجبه، فاشتراه، ثم حكم في عرض الناس فقتل.
وقيل: إن مصعباً قذفه في سجن، وكتب إلى عبد الله يذكر له أمره، فكتب إليه عبد الله أن بئس ما صنعت، أظننت أني أقتل أعرابياً من بني تميم بالزبير؟ خل سبيله، فخلاه. حتى إذا كان ببعض السواد لحق بقصر من قصوره عليه رخٌّ، ثم أمر إنساناً أن
يطرحه عليه، فطرحه عليه، فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل.
قال يعقوب بن سليمان الهاشمي: حدثني شيخٌ من موالينا قال: كنت يوماً مع قوم، فتذاكرنا أمر عليٍّ وطلحة والزبير، فكأني نلت من الزبير، فلما كان في الليل رأيت في منامي كأني انتهيت إلى صحراء واسعة، فيها خلقٌ كثير عراة، رؤوسهم رؤوس الكلاب، وأجسادهم أجساد الناس مقطعي الأيدي والأرجل من خلاف، فيهم رجلٌ مقطوع اليدين والرجلين، فلم أر منظراً أوحش منه، فامتلأت رعباً وفزعاً، وقلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الذين يشتمون أصحاب محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قلت: ما بال هذا من بينهم مقطوع اليدين والرجلين؟ قيل: هذا أغلالهم في شتم عليٍّ رضي الله عنه. قال: فبينا أنا كذلك إذ رفع لي بابٌ فدخلته، فإذا درجةٌ، فصعدتها إلى موضع واسعٍ، وإذا رجلٌ جالسٌ حواليه جماعةٌ، فقيل لي: هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدنوت منه، فأخذت بيده، فجذب يده من يدي، وغمز يدي غمزة شديدةً، وقال: تعود؟ فذكرت ما كنت قلت في الزبير، فقلت: لا والله يا رسول الله لا أعود إلى شيءٍ من ذلك. قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجل خلفه فقال: يا زبير، قد ذكر أنه لا يعود، فأقله. قال: قد أقلته يا رسول الله، قال: فأخذت يده فجعلت أقبلها، وأبكي، وأضعها على صدري. قال: فانتبهت، وإنه ليخيل إلي أني أجد بردها في ظهري.