المغيرة بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ابن يقظة بن مرة بن كعب، أبو هاشم، ويقال أبو هاشم القرشي المخزومي المدني سكن الشام مدة، وغزا مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، وكان من أجواد قريش.
حدث عن خالد بن الوليد أنه شكا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضيق في مسكنه فقال: ارفع البنيان إلى السماء.
وكان المغيرة أعور، أصيبت عينه عام غزوة مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم.
وكان المغيرة يطعم الطعام حيث ما نزل، ينحر الجزر، ويطعم من جاء؛ فجعل أعرابي يديم النظر إلى المغيرة حابساً نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة: ألا تأكل من هذا الطعام؟ ما لي أراك تديم النظر إلي؟ قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور، وأراك تطعم الطعام، وهذه صفة الدجال. فقال له المغيرة: إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
وأم المغيرة سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة، من بني مرة بن عوف بن غطفان.
وكان المغيرة في جيش مسلمة الذين احتبسوا بأرض الروم حتى أقفلهم عمر بن عبد العزيز، وذهبت عينه، ثم رجع إلى المدينة، فمات بالمدينة، وأوصى أن يدفن بأحد مع الشهداء، فلم يفعل أهله، ودفنوه بالبقيع.
وقيل: إنه مات بالشام. وهو وهم.
قال عبد الله بن أبي بكر المخزومي: سيم ابن أفلح مولى أبي أيوب بمنزله الذي كان لأبي أيوب الذي نزل فيه عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة خمس مئة دينار، فبلغ ذلك المغيرة بن عبد الرحمن، فأرسل إلى ناس من صديقه، وأرسل معهم إلى ابن أفلح، وقد صر ألف دينار في منديل وضعه، فلما جاؤوه قدم إليهم طعاماً، فأكلوا، فلما فرغوا قال لابن أفلح: بلغني أنك أعطيت بمنزلك خمس مئة دينار فلم تبعه. فقال: نعم. قال: أفأسومك به؟ قال: نعم. قال: والذي تحلف به لنسومنك به سومة ثم لا ننقصك منها ولا نزيدك فيها. قال: فأنصفني يا أبا هاشم. قال: إنه قد خرب ولا بد لي من هدمه وبنائه، وأشار له إلى المنديل وقال: في ذلك المنديل ألف دينار، وأنا آخذه بها، فإن كانت لك بذلك حاجة فخذ وإلا فدعه. فقال ابن أفلح: هو لك. ووثب جذلاً مستعجلاً فأخذ المنديل الذي فيه الألف دينار، فتصدق به المغيرة مكانه.
ولما باع ابن أفلح المغيرة منزله الذي كان لأبي أيوب اشترى داره بالبقيع التي تعرف بدار ابن أفلح صارت لعمر بن بزيع؛ فكان المغيرة يركب إلى ضيعته بقباء، فيمر بابن
أفلح على داره بالبقيع فيقول: " فريق في الجنة وفريق في السعير " فيقول ابن أفلح: لا ذنب لي يا أبا هاشم، فتنتني بالدنانير.
ولما هدم المغيرة منزله الذي نزل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي أيوب أمر بحظيرة فعملت، وضم نقصه فيها ... لنته وأعاده في المنزل حيث بناه.
توفي ابن للمغيرة بن عبد الرحمن يقال له دانيال، فدفنه مع الشهداء بأحد، فلما حضرت المغيرة الوفاة أوصى أن يدفن مع الشهداء بأحد، وأوصى بألف دينار يطعم الناس ويسقون بها يوم يدفن بأحد. فحال إبراهيم بن هشام بين ولده وبين دفنه بأحد وقال: إن دفن المغيرة بأحد لم يمت شريف من قريش إلا دفن بأحد.
قال صدقة بن المغيرة بن يحيى: قال أخو عبد الرحمن: فاختلف في الألف دينار فوقفت، فاستعدى فيها أبي المغيرة بن يحيى بن عمران، فرأى أن ترد على صدقته، فتجرى مجراها؛ وقال: فضلت من ماله: فقبضها أبي المغيرة بن يحيى، فكلمه ولد المغيرة بن عبد الرحمن أن ينفقها عليهم، فأبى ورفع بها في رأس عسه صدقته المفترضة وعمرها وعمر صدقته ببديع بالألف دينار.
قال عبد الرحمن: أدركت ذلك، وكان المغيرة قد وقف ضيعة له، يقال لها المفترضة في أعلى إستارة على طعام يصنع بمنى في أيام الحج. فأدركتهم يطعمون من صدقته الحيس بمنى.
وكا المغيرة سخياً، وكان يعمل الخبيص بمكة على الأنطاع فيضعه الناس، ويعمل جفان الثريد فيضعها في زقاق الفول. وكان يطعم بمنى خمسة أيام الحيس، يعمل ستين وسقاً سويقاً، وستين وسقاً تمراً، وخمسة عشر راوية سمناً ووقف عليه مالاً له إلى اليوم.
قال مصعب بن عثمان: عجب الناس بالكوفة لطعام المغيرة بن عبد الرحمن فقال: والله لقد اقتصرت كراهة أن يضع ذلك من أخي عمر، إذ كان يسكنها.
قال أبو بكر بن عياش: رأيت ثريد المغيرة بن عبد الرحمن بالكوفة يطاف بها على العجل.
قام اليسع بن المغيرة يوماً على جفنة أبيه، فأحسن ماكللها بالسنام، فنظر إليها المغيرة فأعجبته، فأعطاه ستين ديناراً، وكان ينحر في كل يوم جزوراً، وفي كل جمعة جزورين.
مر إبراهيم بن هشام بثردة المغيرة بن عبد الرحمن وقد أشرفت على الجفنة، فقال لغلام للمغيرة: يا غلام! على أي شيء نصب هذا الثريد على العمد؟ قال له الغلام: لا، ولكن على أعضاد الإبل. فبلغ ذلك المغيرة، فأعتق الغلام. وكان إبراهيم بن هشام إذا مر بثريد المغيرة أمسك على أنفه، يري الناس أنها منتنة.
وكان بالمدينة مجنونة يقال لها أم المشمعل تمر بالذين يصنعون السرفي بالمدينة، فتنزع درعها ثم تغمسه في مركن من مراكن السرفي، فيصاع عليها فتقول: أليس هذا حيس المغيرة؟.
كان للمغيرة بن عبد الرحمن مولى، فهلك وترك مالاً، فأتاه رجل فقال: إن هذا الذي مات أخي. قال: أعندك بينة؟ ومن أين؟ إنما ولدنا ببلدنا. قال: فنظر إليه ساعة وصوب، وأعطاه المال. فقيل له في ذلك فقال: رأيت فيه الشبه، وإنما هي نفسي، فلأن آخذ منها لغيري أحب إلي من أن آخذ لها من غيري.
قال محمد بن فرقد مولى المغيرة بن عبد الرحمن: خرج أبي فرقد يوماً يسعى مع بغلة المغيرة، فمر بحرة الأعراب فقالوا له: يا أبا هاشم! فاض معروفك على الناس، فما بالنا أشقى الناس بك؟! فقال: خذوا هذا الغلام فهو لكم. فقلت: لأنا كنت أولى بذلك منهم، لخدمتي وحرمتي. فقال: يا فتيان! تبيعونه؟ قالوا: بكم تأخذه؟ قلت: آخذه بأربعين ديناراً، قالوا: هو لك. قال: والله لا أعرضك مثلها أبداً، أنت حر. وأعطاهم أربعين ديناراً.
قسم المغيرة بن عبد الرحمن على مماليك أهل المدينة درحمين درهمين، فأعطى رقيق عامر بن عبد الله، فأبوا أن يأخذوا، فقال لهم عامر: خذوا من خالي فإنه جواد.
أوصى أبو بكر بن عبد الله بن الزبير وأمه ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى خاله المغيرة بن عبد الرحمن بابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان معتوهاً، يعطى الثوب يلبسه فلا يلبسه، ويطعم الطعام فلا يأكله، فكان المغيرة يجعل كوا في منزل عبد الرحمن بن أبي بكر فيجعل فيها الخبر واللحم والكعك والقديد وأنواع الطعام، وجعل معاليق تعلق عليها الثياب، فيمر عبد الرحمن بالكوة فيخلس منها الطعام فيأكله، ويمر بالثوب المعلق فيختلسه فيلبسه.
وسقط درهم لعبد الرحمن بن أبي بكر من يد المغيرة في كيس للمغيرة فيه ألف درهم؛ فجعل المغيرة يتغمغم ويقول: لا أعرف الدرهم، فقيل له: خذ أجود درهم فيها، فأبى وجعل الكيس له كله.
قال مصعب بن عبد الله: أخبرني ابن كليب مولانا قال: خرجت مع عامر بن عبد الله إلى الصلاة، فمر بمنزل المغيرة بن عبد الرحمن وبعير لد دبر، فصاح بجارية للمغيرة، فخرجت إليه، فأمرها أن تأتيه بما يعالج به الدبرة، ففعلت، فناولني رداءه، وغسل الدبرة وداواها، فقلت له: ما حملك على هذا وأنا كنت أكفيك لو أمرتني؟ قال: إن أمي ماتت وأنا صغير لا أعقل برها، فأردت أن أبرها ببر خالي.
مات عبد الرحمن بن أبي بكر فقال المغيرة بن عبد الرحمن لعامر بن عبد الله - وورثه عامر: هذا حساب ما وليت له فانظر فيه. قال: يا خال! لا أنظر في حسابك، فأعط ما أحببت وأمسك ما شئت، وما أعطيت أو أمسكت فأنت منه في سعة. فأبى عليه المغيرة إلا الحساب، فقال له عامر لما نظر في الحساب: بقيت خلة. قال: ما هي؟ قال: تحلف على حسابك عند منبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فألاح المغيرة من اليمين وقال: تحلفني يا بن أختي؟! فقال له عامر: فما دعاك أن تأبى إلا المحاسبة؟ وتركه من اليمين.
خرج المغيرة سفراً في جماعة من الناس، فوردوا غديراً ليس لهم ماء غيره، فأمر المغيرة بقرب العسل فشقت في الغدير وخيضت بمائه، وما شرب أحد حتى راحوا إلا من قرى المغيرة.
كان ابن هشام بن عبد الملك يسوم المغيرة بماله ببديع من فدك فلا يبيعه إياه، إلى أن غزا معه أرض الروم، وأصاب الناس مجاعة في غزاتهم، فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال له: قد كنت تسومني بنا لي ببديع فآبى أن أبيعكه، فاشتر مني نصفه. فاشترى نصفه بعشرين ألف دينار، فأطعم بها المغيرة الناس. فلما رجع ابن هشام من غزاته، وقد بلغ هشاماً الخبر، فقال لابنه: قبح الله رأيك، أنت ابن أمير المؤمنين وأمير الجيش، تصيب
الناس معك مجاعة فلا تطعمهم، ويبيعك رجل سوقة ماله ويطعم به الناس! أخشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس؟ فالنصف المال الذي صار ببديع لابن هشام اصطفي عنهم حين ولي بنو العباس. ثم صار لسعد بن الجون الأغرابي، مولى الفضل بن الربيع. ثم اشتري لمحمد بن علي بن موسى، فهو بيد ولده إلى زمن المؤرخ. والنصف الآخر الذي بقي بيد المغيرة تصدق به، فهو بيده ولده إلى زمن المؤرخ رحمه الله.
ابن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ابن يقظة بن مرة بن كعب، أبو هاشم، ويقال أبو هاشم القرشي المخزومي المدني سكن الشام مدة، وغزا مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم، وكان من أجواد قريش.
حدث عن خالد بن الوليد أنه شكا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضيق في مسكنه فقال: ارفع البنيان إلى السماء.
وكان المغيرة أعور، أصيبت عينه عام غزوة مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم.
وكان المغيرة يطعم الطعام حيث ما نزل، ينحر الجزر، ويطعم من جاء؛ فجعل أعرابي يديم النظر إلى المغيرة حابساً نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة: ألا تأكل من هذا الطعام؟ ما لي أراك تديم النظر إلي؟ قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور، وأراك تطعم الطعام، وهذه صفة الدجال. فقال له المغيرة: إن الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.
وأم المغيرة سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة، من بني مرة بن عوف بن غطفان.
وكان المغيرة في جيش مسلمة الذين احتبسوا بأرض الروم حتى أقفلهم عمر بن عبد العزيز، وذهبت عينه، ثم رجع إلى المدينة، فمات بالمدينة، وأوصى أن يدفن بأحد مع الشهداء، فلم يفعل أهله، ودفنوه بالبقيع.
وقيل: إنه مات بالشام. وهو وهم.
قال عبد الله بن أبي بكر المخزومي: سيم ابن أفلح مولى أبي أيوب بمنزله الذي كان لأبي أيوب الذي نزل فيه عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقدمه المدينة خمس مئة دينار، فبلغ ذلك المغيرة بن عبد الرحمن، فأرسل إلى ناس من صديقه، وأرسل معهم إلى ابن أفلح، وقد صر ألف دينار في منديل وضعه، فلما جاؤوه قدم إليهم طعاماً، فأكلوا، فلما فرغوا قال لابن أفلح: بلغني أنك أعطيت بمنزلك خمس مئة دينار فلم تبعه. فقال: نعم. قال: أفأسومك به؟ قال: نعم. قال: والذي تحلف به لنسومنك به سومة ثم لا ننقصك منها ولا نزيدك فيها. قال: فأنصفني يا أبا هاشم. قال: إنه قد خرب ولا بد لي من هدمه وبنائه، وأشار له إلى المنديل وقال: في ذلك المنديل ألف دينار، وأنا آخذه بها، فإن كانت لك بذلك حاجة فخذ وإلا فدعه. فقال ابن أفلح: هو لك. ووثب جذلاً مستعجلاً فأخذ المنديل الذي فيه الألف دينار، فتصدق به المغيرة مكانه.
ولما باع ابن أفلح المغيرة منزله الذي كان لأبي أيوب اشترى داره بالبقيع التي تعرف بدار ابن أفلح صارت لعمر بن بزيع؛ فكان المغيرة يركب إلى ضيعته بقباء، فيمر بابن
أفلح على داره بالبقيع فيقول: " فريق في الجنة وفريق في السعير " فيقول ابن أفلح: لا ذنب لي يا أبا هاشم، فتنتني بالدنانير.
ولما هدم المغيرة منزله الذي نزل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي أيوب أمر بحظيرة فعملت، وضم نقصه فيها ... لنته وأعاده في المنزل حيث بناه.
توفي ابن للمغيرة بن عبد الرحمن يقال له دانيال، فدفنه مع الشهداء بأحد، فلما حضرت المغيرة الوفاة أوصى أن يدفن مع الشهداء بأحد، وأوصى بألف دينار يطعم الناس ويسقون بها يوم يدفن بأحد. فحال إبراهيم بن هشام بين ولده وبين دفنه بأحد وقال: إن دفن المغيرة بأحد لم يمت شريف من قريش إلا دفن بأحد.
قال صدقة بن المغيرة بن يحيى: قال أخو عبد الرحمن: فاختلف في الألف دينار فوقفت، فاستعدى فيها أبي المغيرة بن يحيى بن عمران، فرأى أن ترد على صدقته، فتجرى مجراها؛ وقال: فضلت من ماله: فقبضها أبي المغيرة بن يحيى، فكلمه ولد المغيرة بن عبد الرحمن أن ينفقها عليهم، فأبى ورفع بها في رأس عسه صدقته المفترضة وعمرها وعمر صدقته ببديع بالألف دينار.
قال عبد الرحمن: أدركت ذلك، وكان المغيرة قد وقف ضيعة له، يقال لها المفترضة في أعلى إستارة على طعام يصنع بمنى في أيام الحج. فأدركتهم يطعمون من صدقته الحيس بمنى.
وكا المغيرة سخياً، وكان يعمل الخبيص بمكة على الأنطاع فيضعه الناس، ويعمل جفان الثريد فيضعها في زقاق الفول. وكان يطعم بمنى خمسة أيام الحيس، يعمل ستين وسقاً سويقاً، وستين وسقاً تمراً، وخمسة عشر راوية سمناً ووقف عليه مالاً له إلى اليوم.
قال مصعب بن عثمان: عجب الناس بالكوفة لطعام المغيرة بن عبد الرحمن فقال: والله لقد اقتصرت كراهة أن يضع ذلك من أخي عمر، إذ كان يسكنها.
قال أبو بكر بن عياش: رأيت ثريد المغيرة بن عبد الرحمن بالكوفة يطاف بها على العجل.
قام اليسع بن المغيرة يوماً على جفنة أبيه، فأحسن ماكللها بالسنام، فنظر إليها المغيرة فأعجبته، فأعطاه ستين ديناراً، وكان ينحر في كل يوم جزوراً، وفي كل جمعة جزورين.
مر إبراهيم بن هشام بثردة المغيرة بن عبد الرحمن وقد أشرفت على الجفنة، فقال لغلام للمغيرة: يا غلام! على أي شيء نصب هذا الثريد على العمد؟ قال له الغلام: لا، ولكن على أعضاد الإبل. فبلغ ذلك المغيرة، فأعتق الغلام. وكان إبراهيم بن هشام إذا مر بثريد المغيرة أمسك على أنفه، يري الناس أنها منتنة.
وكان بالمدينة مجنونة يقال لها أم المشمعل تمر بالذين يصنعون السرفي بالمدينة، فتنزع درعها ثم تغمسه في مركن من مراكن السرفي، فيصاع عليها فتقول: أليس هذا حيس المغيرة؟.
كان للمغيرة بن عبد الرحمن مولى، فهلك وترك مالاً، فأتاه رجل فقال: إن هذا الذي مات أخي. قال: أعندك بينة؟ ومن أين؟ إنما ولدنا ببلدنا. قال: فنظر إليه ساعة وصوب، وأعطاه المال. فقيل له في ذلك فقال: رأيت فيه الشبه، وإنما هي نفسي، فلأن آخذ منها لغيري أحب إلي من أن آخذ لها من غيري.
قال محمد بن فرقد مولى المغيرة بن عبد الرحمن: خرج أبي فرقد يوماً يسعى مع بغلة المغيرة، فمر بحرة الأعراب فقالوا له: يا أبا هاشم! فاض معروفك على الناس، فما بالنا أشقى الناس بك؟! فقال: خذوا هذا الغلام فهو لكم. فقلت: لأنا كنت أولى بذلك منهم، لخدمتي وحرمتي. فقال: يا فتيان! تبيعونه؟ قالوا: بكم تأخذه؟ قلت: آخذه بأربعين ديناراً، قالوا: هو لك. قال: والله لا أعرضك مثلها أبداً، أنت حر. وأعطاهم أربعين ديناراً.
قسم المغيرة بن عبد الرحمن على مماليك أهل المدينة درحمين درهمين، فأعطى رقيق عامر بن عبد الله، فأبوا أن يأخذوا، فقال لهم عامر: خذوا من خالي فإنه جواد.
أوصى أبو بكر بن عبد الله بن الزبير وأمه ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى خاله المغيرة بن عبد الرحمن بابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان معتوهاً، يعطى الثوب يلبسه فلا يلبسه، ويطعم الطعام فلا يأكله، فكان المغيرة يجعل كوا في منزل عبد الرحمن بن أبي بكر فيجعل فيها الخبر واللحم والكعك والقديد وأنواع الطعام، وجعل معاليق تعلق عليها الثياب، فيمر عبد الرحمن بالكوة فيخلس منها الطعام فيأكله، ويمر بالثوب المعلق فيختلسه فيلبسه.
وسقط درهم لعبد الرحمن بن أبي بكر من يد المغيرة في كيس للمغيرة فيه ألف درهم؛ فجعل المغيرة يتغمغم ويقول: لا أعرف الدرهم، فقيل له: خذ أجود درهم فيها، فأبى وجعل الكيس له كله.
قال مصعب بن عبد الله: أخبرني ابن كليب مولانا قال: خرجت مع عامر بن عبد الله إلى الصلاة، فمر بمنزل المغيرة بن عبد الرحمن وبعير لد دبر، فصاح بجارية للمغيرة، فخرجت إليه، فأمرها أن تأتيه بما يعالج به الدبرة، ففعلت، فناولني رداءه، وغسل الدبرة وداواها، فقلت له: ما حملك على هذا وأنا كنت أكفيك لو أمرتني؟ قال: إن أمي ماتت وأنا صغير لا أعقل برها، فأردت أن أبرها ببر خالي.
مات عبد الرحمن بن أبي بكر فقال المغيرة بن عبد الرحمن لعامر بن عبد الله - وورثه عامر: هذا حساب ما وليت له فانظر فيه. قال: يا خال! لا أنظر في حسابك، فأعط ما أحببت وأمسك ما شئت، وما أعطيت أو أمسكت فأنت منه في سعة. فأبى عليه المغيرة إلا الحساب، فقال له عامر لما نظر في الحساب: بقيت خلة. قال: ما هي؟ قال: تحلف على حسابك عند منبر سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فألاح المغيرة من اليمين وقال: تحلفني يا بن أختي؟! فقال له عامر: فما دعاك أن تأبى إلا المحاسبة؟ وتركه من اليمين.
خرج المغيرة سفراً في جماعة من الناس، فوردوا غديراً ليس لهم ماء غيره، فأمر المغيرة بقرب العسل فشقت في الغدير وخيضت بمائه، وما شرب أحد حتى راحوا إلا من قرى المغيرة.
كان ابن هشام بن عبد الملك يسوم المغيرة بماله ببديع من فدك فلا يبيعه إياه، إلى أن غزا معه أرض الروم، وأصاب الناس مجاعة في غزاتهم، فجاء المغيرة إلى ابن هشام فقال له: قد كنت تسومني بنا لي ببديع فآبى أن أبيعكه، فاشتر مني نصفه. فاشترى نصفه بعشرين ألف دينار، فأطعم بها المغيرة الناس. فلما رجع ابن هشام من غزاته، وقد بلغ هشاماً الخبر، فقال لابنه: قبح الله رأيك، أنت ابن أمير المؤمنين وأمير الجيش، تصيب
الناس معك مجاعة فلا تطعمهم، ويبيعك رجل سوقة ماله ويطعم به الناس! أخشيت أن تفتقر إن أطعمت الناس؟ فالنصف المال الذي صار ببديع لابن هشام اصطفي عنهم حين ولي بنو العباس. ثم صار لسعد بن الجون الأغرابي، مولى الفضل بن الربيع. ثم اشتري لمحمد بن علي بن موسى، فهو بيد ولده إلى زمن المؤرخ. والنصف الآخر الذي بقي بيد المغيرة تصدق به، فهو بيده ولده إلى زمن المؤرخ رحمه الله.