سهم بن خنبش أبو خنبش
ويقال أبو خنيس الأزدي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدث بقصة أهل الدار وقتل عثمان، وكان قد شهده.
حدث أن ركب الأشقياء من أهل مصر أتوه قبل ذلك، فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق انصرفوا، فخرج عثمان فصلى إما صلاة الغداة وإما صلاة الظهر، فحصبه أهل المسجد وقذفوه بالحصا والنعال والخفاف، فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس في أناس، فكانوا يطوفون على البيوت، فإذا هم بركب الأشقياء قد دخلوا المدينة وأقبل ناس حتى قعدوا على باب الدار ومعهم وعليهم السلاح فقال عثمان لغلام له يقال له وثاب: خذ مكتلاً من تمر والمكتل معه، فانطلق به إلى هؤلاء القوم، فإن أكلوا من طعامنا فلا بأس بهم، وإن أشفقت منهم فارجع، فانطلق بالمكتل فلما رأوه رشقوه بالنبل، فانصرف الغلام وفي منكبه سهم، فخرج عثمان ومن معه إليهم، فأدبروا وأدركوا رجلا يمشي القهقرى، قال: فأخذناه فأتينا به عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، والله، ما نريد قتالك وكنا نريد معاتبتك، فأعتب قومك وأرضهم، فأقبل على أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، فلعلهم ذلك يريدون فخلوا سبيله. قال: فخلينا سبيله، وخرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: الله الله يا عثمان في دماء المؤمنين فانصرف إلى الدار.
فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الغداة، فقال: أشيروا، فلم يتكلم من القوم أحد غير عبد الله بن الزبير فقال: أشير عليك بثلاث خصال، فاركب أيهن شئت.
إما أن نهلّ فتحرم عليهم دماؤنا وإلى ذلك ما قد أتانا مددنا من الشام، قال: وقد كان عثمان كتب إلى أهل الشام عامة وإلى أهل دمشق خاصة، أني في قوم قد طال فيهم عمري واستعجلوا القدر، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف إلى جبل الدخان وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن أفتديهم، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب وإن باعونا، ولا أمير عليكم دوني.
وإما نهرب على نجائب سراع لا يدركنا أحد حتى نلحق بمأمننا من الشام.
وإما أن نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل، فنحن على الحق وهم على الباطل.
فقال عثمان: أما قولك أن نهل بعمرة تحرم عليهم دماؤنا فوالله لو لم يكونوا يرونها اليوم حراماً لا يحرمونها إن نحن أهللنا، وأما قولك أن نهرب إلى الشام فوالله أني لأستحي أن آتي أهل الشام هارباً م قومي وأهل بلدي، وأما قولك نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل فنحن على الحق وهم على الباطل فوالله أني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولم أهرق محجما من دماء المؤمنين.
قال: فمكثنا أياماً، ثم إنا صلينا معه صلاة الصبح، فلما فرغ أقبل الناس علينا بحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي: صم يا عثمان فإنك مفطر عندنا، وأنا أشهدكم أني قد أصبحت صائماً وأعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إلا خرج من الدار سالماً مسلماً منه فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن خرجنا لم نأمنهم على أنفسنا، فأذن لنا فلنكن في بيت من الدار يكون لنا فيه جماعة ومنعة، فأذن لهم، فدخلوا البيت وأمر بباب الدار ففتح فدعا بالمصحف وأكب عليه وعنده امرأتاه بنت الفرافصة الكلبية وابنة شيبة، فكان أول من دخل عليه محمد بن أبي بكر فمشى إليه حتى أخذ بلحيته فقال:
دعها يا ابن أخي، فوالله إن كان أبوك ليلهف لها بأدنى من هذا، فاستحيا فخرج، فقال: قد أشعرته لكم، وأخذ عثمان ما امتعط من لحيته، فأعطاه إحدى امرأتيه، ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير مخدد، عداده من مراد، ومعه جرز من حديد، فاستقبله فقال: على أي ملة أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كنت من المشركين، فقال: كذبت وضربه بالجزر على صدغه الأيسر فقتله فخر، وأدخلته بنت الفرافصة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة ضليعة، وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقي من جسده، فدخل رجل من أهل مصر بالسيف مصلتاً، فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة فغلبته، فكشف عنها درعها من خلفه حتى نظرت إلى متنها، فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها، فقبضت على السيف فقطع أناملها، فقالت: يا رباح، وهو غلام أسود لعثمان أعن على هذا، فمشى إليه الغلام، فضربه ضربة بالسيف فقتلهن ثم أن الناس دخلوا الدار فلما رأوا الرجل قد قتل، وأن المرأتين لا يتركانه، ندم ناس من قريش. واستحيوا، فأخرجوا الناس وثار أهل البيت لهم، فاقتتلوا على باب الدار، فضرب مروان بن الحكم بالسيف على العاتق، فخر فضرب رجل من أهل مصر المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: تعس قاتل المغيرة، فألقى سلاحه ثم أدبر هارباً يلتمس التوبة، وأمسينا فقلنا: إن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقوا إلى بقيع الغرقد فامصا له من جوف الليل، ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا هبناهم حتى كدنا بأن نفترق عنه، فنادى منهم: ألا روع عليكم. اثبتوا، فإنما جئنا لنشهده معكم، وكان أبو خنيس يقول: هم ملائكة الله، فدفناه، ثم هربنا من ليلتنا إلى الشام، فلقينا أهل الشام بوادي القرى عليهم حبيب بن مسلمة.
ويقال أبو خنيس الأزدي وفد على عمر بن عبد العزيز، وحدث بقصة أهل الدار وقتل عثمان، وكان قد شهده.
حدث أن ركب الأشقياء من أهل مصر أتوه قبل ذلك، فأجازهم وأرضاهم فانصرفوا حتى إذا كانوا في بعض الطريق انصرفوا، فخرج عثمان فصلى إما صلاة الغداة وإما صلاة الظهر، فحصبه أهل المسجد وقذفوه بالحصا والنعال والخفاف، فانصرف إلى الدار ومعه أبو هريرة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس في أناس، فكانوا يطوفون على البيوت، فإذا هم بركب الأشقياء قد دخلوا المدينة وأقبل ناس حتى قعدوا على باب الدار ومعهم وعليهم السلاح فقال عثمان لغلام له يقال له وثاب: خذ مكتلاً من تمر والمكتل معه، فانطلق به إلى هؤلاء القوم، فإن أكلوا من طعامنا فلا بأس بهم، وإن أشفقت منهم فارجع، فانطلق بالمكتل فلما رأوه رشقوه بالنبل، فانصرف الغلام وفي منكبه سهم، فخرج عثمان ومن معه إليهم، فأدبروا وأدركوا رجلا يمشي القهقرى، قال: فأخذناه فأتينا به عثمان، فقال: يا أمير المؤمنين، والله، ما نريد قتالك وكنا نريد معاتبتك، فأعتب قومك وأرضهم، فأقبل على أبي هريرة فقال: يا أبا هريرة، فلعلهم ذلك يريدون فخلوا سبيله. قال: فخلينا سبيله، وخرجت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: الله الله يا عثمان في دماء المؤمنين فانصرف إلى الدار.
فلما أصبحنا صلى بنا صلاة الغداة، فقال: أشيروا، فلم يتكلم من القوم أحد غير عبد الله بن الزبير فقال: أشير عليك بثلاث خصال، فاركب أيهن شئت.
إما أن نهلّ فتحرم عليهم دماؤنا وإلى ذلك ما قد أتانا مددنا من الشام، قال: وقد كان عثمان كتب إلى أهل الشام عامة وإلى أهل دمشق خاصة، أني في قوم قد طال فيهم عمري واستعجلوا القدر، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف إلى جبل الدخان وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن أفتديهم، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب وإن باعونا، ولا أمير عليكم دوني.
وإما نهرب على نجائب سراع لا يدركنا أحد حتى نلحق بمأمننا من الشام.
وإما أن نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل، فنحن على الحق وهم على الباطل.
فقال عثمان: أما قولك أن نهل بعمرة تحرم عليهم دماؤنا فوالله لو لم يكونوا يرونها اليوم حراماً لا يحرمونها إن نحن أهللنا، وأما قولك أن نهرب إلى الشام فوالله أني لأستحي أن آتي أهل الشام هارباً م قومي وأهل بلدي، وأما قولك نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل فنحن على الحق وهم على الباطل فوالله أني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولم أهرق محجما من دماء المؤمنين.
قال: فمكثنا أياماً، ثم إنا صلينا معه صلاة الصبح، فلما فرغ أقبل الناس علينا بحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أن أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي: صم يا عثمان فإنك مفطر عندنا، وأنا أشهدكم أني قد أصبحت صائماً وأعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إلا خرج من الدار سالماً مسلماً منه فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن خرجنا لم نأمنهم على أنفسنا، فأذن لنا فلنكن في بيت من الدار يكون لنا فيه جماعة ومنعة، فأذن لهم، فدخلوا البيت وأمر بباب الدار ففتح فدعا بالمصحف وأكب عليه وعنده امرأتاه بنت الفرافصة الكلبية وابنة شيبة، فكان أول من دخل عليه محمد بن أبي بكر فمشى إليه حتى أخذ بلحيته فقال:
دعها يا ابن أخي، فوالله إن كان أبوك ليلهف لها بأدنى من هذا، فاستحيا فخرج، فقال: قد أشعرته لكم، وأخذ عثمان ما امتعط من لحيته، فأعطاه إحدى امرأتيه، ثم دخل رومان بن سودان رجل أزرق قصير مخدد، عداده من مراد، ومعه جرز من حديد، فاستقبله فقال: على أي ملة أنت يا نعثل؟ فقال: لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كنت من المشركين، فقال: كذبت وضربه بالجزر على صدغه الأيسر فقتله فخر، وأدخلته بنت الفرافصة بينها وبين ثيابها، وكانت امرأة ضليعة، وألقت بنت شيبة نفسها على ما بقي من جسده، فدخل رجل من أهل مصر بالسيف مصلتاً، فقال: والله لأقطعن أنفه، فعالج المرأة فغلبته، فكشف عنها درعها من خلفه حتى نظرت إلى متنها، فلما لم يصل إليه أدخل السيف بين قرطها ومنكبها، فقبضت على السيف فقطع أناملها، فقالت: يا رباح، وهو غلام أسود لعثمان أعن على هذا، فمشى إليه الغلام، فضربه ضربة بالسيف فقتلهن ثم أن الناس دخلوا الدار فلما رأوا الرجل قد قتل، وأن المرأتين لا يتركانه، ندم ناس من قريش. واستحيوا، فأخرجوا الناس وثار أهل البيت لهم، فاقتتلوا على باب الدار، فضرب مروان بن الحكم بالسيف على العاتق، فخر فضرب رجل من أهل مصر المغيرة بن الأخنس، فقال الذي قتله: تعس قاتل المغيرة، فألقى سلاحه ثم أدبر هارباً يلتمس التوبة، وأمسينا فقلنا: إن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به، فانطلقوا إلى بقيع الغرقد فامصا له من جوف الليل، ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا هبناهم حتى كدنا بأن نفترق عنه، فنادى منهم: ألا روع عليكم. اثبتوا، فإنما جئنا لنشهده معكم، وكان أبو خنيس يقول: هم ملائكة الله، فدفناه، ثم هربنا من ليلتنا إلى الشام، فلقينا أهل الشام بوادي القرى عليهم حبيب بن مسلمة.