بحرية بنت هانئ بن قبيضة
ابن مسعود الشيبانية، امرأة عبيد الله بن عمر، كانت حازمة عاقلة، ووردت معه الشام، وكانت معه بصفين حين قتل.
حدثت بحرية بنت هانئ: أنها زوجت نفسها من القعقاع بن شور، وبات عندها ليلةً وجاء أبوها فاستعدى علياً فقال: أدخلت بها؟ قال: نعم، فأجاز النكاح.
حدث يزيد بن يزيد بن جابر أن معاوية دعا عبيد الله بن عمر فقال: إن علياً كما ترى في بكر بن وائل، قد حامت عليه، فهل لك أن تسير في الشهباء قال: نعم، فرجع عبيد الله إلى خبائه فلبس سلاحه ثم إنه فكر وخاف أن يقتل مع معاوية على حاله، فقال له مولى له: فداك أبي إن معاوية إنما يقدمك للموت، إن كان لك الظفر فهو يلي، وإن قتلت استراح منك ومن ذكرك، يقال: ابن عمر بن الخطاب، فأطعني واعتل؛ قال: ويحك قد عرفت ما قلت، فقالت له امرأته بحرية بنت هانئ: ما لي أراك مشمراً؟ قال: أمرني أمير المؤمنين أن أسير في الشهباء، قالت: هو والله مثل التابوت لم يحمله أحدٌ قطٌّ إلا قتل، أنت تقتل وهو الذي يريد معاوية، قال: اسكتي والله لأكثرن من القتل في قومك اليوم، فقالت: لا تقل هذا، خدعك معاوية، وغرك من نفسك، وثقل عليه مكانك، قد أبرم هذا الأمر هو وعمرو بن العاص قبلاليوم فيك، لو كنت مع عليٍّ أو جلست في بيتك كان خيراً لك؛ قد فعل ذلك أخوك وهو خير منك، قال: اسكتي - وهو يبتسم ضاحكاً - لترينّ الأسارى من قومك حول خبائك هذا، قالت: والله لكأني راكبةٌ دابتي إلى قومي أطلب جسدك لأن أورايه؛ إنك مخدوع، إنما تمارس قوماً غلب الرقاب، فيهم الحرون، ينظرونه نظر القوم إلى الهلال، لو أمرهم ترك الطعام والشراب ما ذاقوه؛ قال: أقصري من العذل، فليس لك عندنا طاعة.
فرجع عبيد الله إلى معاوية فضم إليه الشهباء، وهم اثنا عشر ألفاً، وضم
إليه ثمانية آلاف من أهل الشام فيهم ذو الكلاع في حمير؛ فقصدوا يؤمون علياً فلما رأتهم ربيعة جثوا على الركب وشرعوا الرماح، حتى إذا غشوهم ثاروا إليهم واقتتلوا أشد القتال، ليس فيهم إلا الأسل والسيوف؛ وقتل عبيد الله، وقتل ذو الكلاع؛ والذي قتل عبيد الله زياد بن خصفة التيمي، فقال معاوية لامرأة عبيد الله: لو أتيت قومك فكلمتهم في جسد عبيد الله بن عمر؟ فركبت إليهم ومعها من يجيرها، فأتتهم فانتسبت، فقالوا: قد عرفناك، مرحباً بك فما حاجتك؟ قالت: هذا الذي قتلتموه، فأذنوا لي في حمله، فوثب شبابٌ من بكر بن وائل فوضعوه على بغل، وشدوه، وأقبلت امرأته إلى عسكر معاوية، فتلقاها معاوية بسريرٍ فحمله عليه وحفر له وصلى عليه ودفنه ثم جعل يبكي ويقول: قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حياً وميتاً، وإن كان الله قد رحمه ووفقه للخير، قال: تقول بحرية وهي تبكي عليه، وبلغها ما يقول معاوية فقالت: أما أنت فقد عجلت له يتم ولده وذهاب نفسه، ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر.
فبلغ معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص: ألا ترى ما تقول هذه المرأة؟ فأخبره فقال: والله لعجبٌ لك ما تريد أن يقول الناس شيئاً! فوالله لقد قالوا في خير منك ومنا، فلا يقولون فيك أيها الرجل، إن لم تغض عما ترى كنت في نفسك في غم.
قال معاوية: هذا والله رأيي الذي ورثت من أبي.
ابن مسعود الشيبانية، امرأة عبيد الله بن عمر، كانت حازمة عاقلة، ووردت معه الشام، وكانت معه بصفين حين قتل.
حدثت بحرية بنت هانئ: أنها زوجت نفسها من القعقاع بن شور، وبات عندها ليلةً وجاء أبوها فاستعدى علياً فقال: أدخلت بها؟ قال: نعم، فأجاز النكاح.
حدث يزيد بن يزيد بن جابر أن معاوية دعا عبيد الله بن عمر فقال: إن علياً كما ترى في بكر بن وائل، قد حامت عليه، فهل لك أن تسير في الشهباء قال: نعم، فرجع عبيد الله إلى خبائه فلبس سلاحه ثم إنه فكر وخاف أن يقتل مع معاوية على حاله، فقال له مولى له: فداك أبي إن معاوية إنما يقدمك للموت، إن كان لك الظفر فهو يلي، وإن قتلت استراح منك ومن ذكرك، يقال: ابن عمر بن الخطاب، فأطعني واعتل؛ قال: ويحك قد عرفت ما قلت، فقالت له امرأته بحرية بنت هانئ: ما لي أراك مشمراً؟ قال: أمرني أمير المؤمنين أن أسير في الشهباء، قالت: هو والله مثل التابوت لم يحمله أحدٌ قطٌّ إلا قتل، أنت تقتل وهو الذي يريد معاوية، قال: اسكتي والله لأكثرن من القتل في قومك اليوم، فقالت: لا تقل هذا، خدعك معاوية، وغرك من نفسك، وثقل عليه مكانك، قد أبرم هذا الأمر هو وعمرو بن العاص قبلاليوم فيك، لو كنت مع عليٍّ أو جلست في بيتك كان خيراً لك؛ قد فعل ذلك أخوك وهو خير منك، قال: اسكتي - وهو يبتسم ضاحكاً - لترينّ الأسارى من قومك حول خبائك هذا، قالت: والله لكأني راكبةٌ دابتي إلى قومي أطلب جسدك لأن أورايه؛ إنك مخدوع، إنما تمارس قوماً غلب الرقاب، فيهم الحرون، ينظرونه نظر القوم إلى الهلال، لو أمرهم ترك الطعام والشراب ما ذاقوه؛ قال: أقصري من العذل، فليس لك عندنا طاعة.
فرجع عبيد الله إلى معاوية فضم إليه الشهباء، وهم اثنا عشر ألفاً، وضم
إليه ثمانية آلاف من أهل الشام فيهم ذو الكلاع في حمير؛ فقصدوا يؤمون علياً فلما رأتهم ربيعة جثوا على الركب وشرعوا الرماح، حتى إذا غشوهم ثاروا إليهم واقتتلوا أشد القتال، ليس فيهم إلا الأسل والسيوف؛ وقتل عبيد الله، وقتل ذو الكلاع؛ والذي قتل عبيد الله زياد بن خصفة التيمي، فقال معاوية لامرأة عبيد الله: لو أتيت قومك فكلمتهم في جسد عبيد الله بن عمر؟ فركبت إليهم ومعها من يجيرها، فأتتهم فانتسبت، فقالوا: قد عرفناك، مرحباً بك فما حاجتك؟ قالت: هذا الذي قتلتموه، فأذنوا لي في حمله، فوثب شبابٌ من بكر بن وائل فوضعوه على بغل، وشدوه، وأقبلت امرأته إلى عسكر معاوية، فتلقاها معاوية بسريرٍ فحمله عليه وحفر له وصلى عليه ودفنه ثم جعل يبكي ويقول: قتل ابن الفاروق في طاعة خليفتكم حياً وميتاً، وإن كان الله قد رحمه ووفقه للخير، قال: تقول بحرية وهي تبكي عليه، وبلغها ما يقول معاوية فقالت: أما أنت فقد عجلت له يتم ولده وذهاب نفسه، ثم الخوف عليه لما بعد أعظم الأمر.
فبلغ معاوية كلامها فقال لعمرو بن العاص: ألا ترى ما تقول هذه المرأة؟ فأخبره فقال: والله لعجبٌ لك ما تريد أن يقول الناس شيئاً! فوالله لقد قالوا في خير منك ومنا، فلا يقولون فيك أيها الرجل، إن لم تغض عما ترى كنت في نفسك في غم.
قال معاوية: هذا والله رأيي الذي ورثت من أبي.