الْحسن بن شبيب الْبَغْدَادِيّ يروي عَن شريك وَخلف بن خَليفَة ثَنَا عَنهُ أَبُو يعلى رُبمَا أغرب
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
الحسن بن علي بن شبيب
أبو علي المعمري البغدادي الحافظ صاحب كتاب اليوم والليلة، له رحلة.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عجل به السير جمع بين الصلاتين.
سئل أحمد بن حنبل عن المعمري فقال: لا يتعمد الكذب، ولكن أحسب أنه صحب قوماً يوصّلون الحديث، وقد وثّقه قوم، وجرّحه آخرون.
توفي أبو علي المعمري في المحرم سنة خمس وتسعين ومئتين، وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماماً ربانياً، وكان قد شد أسنانه بالذهب، ولم يغير شيبه. وقيل: بلغ اثنتين وثمانين سنة، وكان يكنى بأبي القاسم، ثم اكتنى بأبي علي، كره أن يذكر بكنيته، فيسب فنزه الكنية عن ذلك والله أعلم.
/الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد سبط سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وريحانته، وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ولد نصف شعبان، وقيل: نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة. وفد على معاوية غير مرة.
قال أبو الجوزاء: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أني أخذت تمرة من تمر الصدقة. فجعلتها في فيّ. قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلعابها فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله، ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟! قال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
قال: وكان يقول: دع ما يربيك إلى مالا يربيك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة.
وكان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم، اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت.
وفي حديث أن الحسن قال: علمني جدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمات أقولهن في قنوت الوتر وذكر الدعاء: رب اهدني فيمن هديت، إلى آخره.
قال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن بن علي بن أبي طالب على معاوية فقال: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربع مئة ألف.
حدث أبو المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي، وكان عطاؤه في كل سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره بنفسي، ثم أمسكت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبه. وشكوت إليه نأخر المال عني فقال ادعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكرة ذلك قلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟. قال: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحداً غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا رب العالمين.
قال: فوالله ما ألححت به أسبوعاً حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه.
فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: يا حسن كيف أنت؟ فقلت: بخير يا رسول الله وحدثته حديثي. فقال: يا بني، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق.
وعن سودة بنت مسرح قالت: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضربها المخاض. قالت: فأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف هي، كيف هي ابنتي، فديتها؟.
قالت: قلت: إنها لتجهد يا رسول الله. قال: فإذا وضعت فلا تسبقيني به بشيء. قالت: فوضعت فسررته ولففته في خرقة صفراء. فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما فعلت ابنتي فديتها، وما حالها؟ وكيف بني؟ فقلت: يا رسول الله، وضعته وسررته وجعلته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني.
قالت: قلت: أعوذ بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من معصية، سررته يا رسول الله ولم أجد من ذلك بداً. قال: ائتني به. قالت: فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء، ولفه في خرقة بيضاء وتفل في فيه، وألبأه بريقه.
قالت: فجاء علي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما سميته يا علي؟ قال: سميته جعفراً يا رسول الله. قال: لا، ولكنه حسن، وبعده حسين، وأنت أبو الحسن والحسين.
وفي رواية: وأنت أبو الحسن الخير.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسيناً بعمه جعفر. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً فقال: إني قد غيرت اسمي ابني هذين، قال: الله ورسوله أعلم، فسمى حسناً وحسيناً.
وعن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: حرباً. قال: هو محسن، ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هرون: شبر وشبير ومشبر.
قال عمران بن سليمان:
الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية.
وأم الحسين سيدتنا فاطمة بنت سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأم فاطمة سيدتنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى.
وولد الحسن محمداً الأكبر، وبه كان يكنى.
وعن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بليال وعلي يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول: من منهوك الرجز
وا بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي
قال: وعلي يضحك.
وعن ابن أبي مليكة قال: كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي وتقول: من منهوك الرجز
بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي
قال البهي مولى الزبير: تذاكرنا من أشبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم إليه: الحسن بن علي؛ رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال: ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
وقل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ريحانتي من الدنيا، وإن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.
وقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
وسئل الحسن: ماذا سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشر ريبة، وإن الخير طمأنينة.
وحفظت عنه: أني بينا أنا أمشي معه إلى جنب جرين للصدقة تناولت تمرة فألقيتها في فمي، فأدخل أصبعه فاستخرجها بلعابها فألقاها، وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
وعقلت عنه الصلوات الخمس، وعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: اللهم، اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت.
وعن أنس بن مالك قال: ما كان منهم يعني أهل البيت أشبه برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحسن بن علي.
قال أو جحيفة: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه.
وعن علي عليه السلام قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أسفل من ذلك.
وعن أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ بيد الحسن والحسين ثم يقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.
وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمنا، ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.
وعن البراء قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاملاً الحسن بن علي وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه.
وعنه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن أو الحسين على عاتقه، وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه.
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعن أبي هريرة قال: ما رأيت الحسن بن علي إلا فاضت عيناي دموعاً رحمة، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، فاتكأ علي، ثم انطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع، فما كلمني، فطاف فيه، ونظر ثم رجع، ورجعت معه، فجلس في المسجد فاحتبي ثم قال: ادع لي لكاع، فأتى حسن بشدة حتى وقع في حجره، فجعل يدخل يده في لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتح فمه ويدخل فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. ثلاثاً.
وفي حديث آخر عنه: والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل لسانه في فمه، أو لسان الحسن في فمه.
وعنه قال: سمعت أذناي هاتان، وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخذ بكفيه جميعاً، يعني حسناً أو حسيناً، وقدماه على قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: من الرجز
حزقة حزقة ... ترق عين بقسه
فيرقى الغلام حتى يضع قدميه على صدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال له: افتح فاك، ثم قبله، ثم قال: اللهم، أحبه فإني أحبه.
قال أبو نعيم: الحزقة: المتقارب الخطا والقصير الذي يقرب خطاه. وعين بقة: أشار إلى البقة ولا شيء أصغر من عينها لصغرها.
وقيل: أراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقة فاطمة، فقال له: ترق ياقرة عين بقة.
وعن علي قال: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أين لكع؟ ههنا لكع؟ قال: فخرج إليه الحسن بن علي، وعليه سخاب قرنفل، وهو ماد يده، قال: فمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فالتزمه وقال: بأبي أنت وأمي من أحبني فليحب هذا.
وعن علي عليه السلام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
وعن زهير بن الأقمر، قال: بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قتل علي، إذ قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعه في حبوته يقول: من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حدثتكم.
وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومه حسن وحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا. فقال له رجل: يا رسول الله، إنك لتحبهما. فقال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعن زر بن حبيش عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني.
وعنه قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما صلى وضعهما في حجره ثم قال: من أحبني فليحب هذين.
وعن أبي بكرة قال: كان الحسن والحسين يثبان على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي فيمسكهما بيده حتى يرفع صلبه، ويقومان على الأرض، فلما فرغ أجلسهما في حجره، ثم قال: إن ابني هذين ريحانتي من الدنيا.
وعن أم سلمة أنها قالت: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي يوماً إذ قالت الخادم: إن علياً وفاطمة بالسدة قالت: فقال لي: قومي فتنحي لي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما. قالت: واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، فقبل فاطمة وقبل علياً فأغدق عليهم خميصة سوداء فقال: اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي. قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله. فقال: وأنت.
وعنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا ثم وضع يديه عليه فقال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد فإنك حميد مجيد. قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه وقال: إنك على خير.
وعن أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي زوجك وابنيك. قالت: فجاء علي وحسن وحسين، فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له، على دكان تحته كساء خيبري. قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: " إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج بيده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير.
وعن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية في خمسة نفر، وسماهم: " إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
وعن حذيفة قال:
قالت لي أمي: متى عهدك بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: مالي به عهد مذ كذا وكذا.
فقالت: متى؟ فقلت لها: دعيني فإني آتيه وأصلي معه المغرب، وأسأله أن يستغفر لي. قال: فأتيته وهو يصلي المغرب. فقال: ما رأيت العارض الذي عرض بي؟ قلت: بلى. قال: فذلك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة، استأذن ربه عز وجل في السلام علي فسلم علي، وبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.
وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي.
وعن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه، وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الآخر، وقال: هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما. ثم قال: الولد مبخلة مجبنة مجهلة.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي صلاة العشاء، وكان الحسن والحسين يثبان على ظهره، فلما صلى قال أبو هريرة: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، فبرقت برقة فما زالا في ضوئها حتى دخلا إلى أمهما.
وعن بريدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما، فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر، فقال: صدق الله " إنِّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةً "، رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما. ثم أخذ في خطبته.
وعن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن بن علي وعليه بردة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فعثر الحسن فسقط، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، وابتدره الناس فحملوه، وتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله ووضعه في حجره، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الولد لفتنة ولقد نزلت إليه وما أدري أين هو.
وعن أنس بن مالك قال: لقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه، فإذا رفع رأسه، يعني أعاده.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر في الصلاة، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.
وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حامل الحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الراكبان هما.
وعنه قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما على أربع، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما.
وعن ابن عباس قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن على عاتقه فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونعم الراكب هو.
وعن زيد بن أرقم قال: إني لعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم.
وعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحسن مني والحسين من علي.
وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحسن أو الحسين: هذا مني وأنا منه وهو يحرم عليه ما يحرم علي.
وعن عمير بن إسحاق قال: كنت أمشي مع الحسن بن عي قي بعض طرق المدينة فلقيه أبو هريرة فقال له: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل. قال: فقال بقميصه فكشف عن سرته فقبلها.
وعن معاوية قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لسانه أو قال: شفته يعني الحسن بن علي وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن جعفر قال: بينما الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطش فاشتد ظمؤه، فطلب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء فلم يجد، فأعطاه لسانه، فمصه حتى روي.
وعن أبي هريرة: أن مروان بن الحكم أتى أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه، فقال مروان لأبي هريرة: ما وجت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن والحسين. قال: فتحفز أبو هريرة فجلس فقال:
أشهد لخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابني؟ فقالت: العطش. قال: فأخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شنة يتوضأ بها، فيها ماء، وكان الماء يومئذ إعذاراً، والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبثق أحد إلا أخلف يده إلى كلاله يبتغي الماء في شنه، فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناوليني أحدهما، فناولته إياه من تحت الخدر فرأيت بياض ذراعيهما حين ناولته، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يصغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت. فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك فسكتا، فما اسمع لهما صوتاً، ثم قال: سيروا. فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق. فأنا لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يفرج بين رجلي الحسن، ويقبل ذكره.
وعن أبي هريرة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه.
وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة.
وعن ابن عباس قال: اتخذ الحسن والحسين عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يقول: هي يا حسن، خذ يا حسن، فقالت عائشة: تعين الكبير على الصغير؟ فقال: إن جبريل يقول: خذ يا حسين.
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على ابنته فاطمة وابناها إلى جانبها، وعلي نائم، فاستسقى الحسن، فأتى ناقة لهم فحلب منها، ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى، فقال: يشرب أخول ثم تشرب. فقالت فاطمة: كأنه آثر عندك منه؟! قال: ما هو بآثر عندي منه، وإنهما عندي بمنزلة واحدة، وإنك وهما وهذا المضجع معي في مكان واحد يوم القيامة.
وعن ابن مسعود: أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتوا ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمهما إلى صدره، وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، وكل عين لامة.
وكان إبراهيم النخعي يستحب أن يواصل هؤلاء الكلمات بفاتحة الكتاب. وقال منصور: تعوذ بها فإنها تنفع من العين والفزعة ومن الحمى ومن كل وجع.
وعن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما زغب من زغب جناح جبريل.
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت: يا روح الله، إني أريد أن أنقش
على خاتمي فما أنقش عليه؟ قال: انقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين فإنه يذهب الهم والغم.
وعن محمد بن سيرين قال: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحسن بن علي فقال: يا بني، اللهم سلمه وسلم منه.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء، نجباء، وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسن وحسين، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وسلمان.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقومن أحد من مجلسه إلا للحسن أو الحسين أو ذريتهما.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
خطبت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة، قال: فباع علي درعاً له؛ وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربع مئة وثمانين درهماً، قال: وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثه في الثياب، ومج في جرة من ماء وأمرهم أن يغتسلوا به. قال: وأمرها ألا تسبقه برضاع ولدها. قال: فسبقته برضاع الحسين وأما الحسن فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع في فيه شيئاً لا يدري ما هو. فكان أعلم الرجلين.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، هذه فاطمة وهذان الحسن والحسين ومن أحبنا يوم القيامة في الجنة، نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة: إني وإياك وهذا، يعنيني، وهذين الحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا رب أليس وعدتني أن تزينني بركنين
من أركانك؟ قال: ألم أزينك بالحسن والحسين؟ قال: فمات الجنة ميساً كما تميس العروس.
وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا إن الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم، ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.
وعن ابن عباس قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، فلما كان في الرابعة أقبل الحسن والحسين حتى ركبا على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم وضعهما بين يديه، وأقبل الحسن فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر، ثم قال: أيها الناس: ألا أخبركم بخير الناس جداً وجدة؟ ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس أباً وأماً؟ الحسن والحسين: جدهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدتهما خديجة بنت خويلد، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوهما علي بن أبي طالب، وعمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانىء بنت أبي طالب، وخالهما القاسم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالاتهما: زينب ورقية وأم كلثوم، بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأبوهما في الجنة وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القدس، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن.
وعن زينب بنت أبي رافع قالت: رأيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت بابنيها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما، فقال: أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي.
وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرة إذ جاء الحسن بن علي فسلم فرددنا عليه ولم يعلم أبو هريرة فمضى، فقلنا: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا، قال: فتبعه فلحقه قال: وعليك السلام يا سيدي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه سيد.
وعن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وليصلحن الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين.
قال سفيان: قوله: بين فئتين من المسلمين يعجبنا جداً.
وعن أبي بكرة قال: بينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال: إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. قال: فنظر إليهم أمثال الجبال في الحديد. قال: أضرب هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي به.
قال الحسن راوي الحديث عن أبي بكرة: فما أهريق في ولايته محجمة من دم.
وعن عمر بن الخطاب: أنه لما دون الدواوين وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم.
وعن مدرك أبي زياد قال:
كنا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عباس وحسن وحسين، فطافوا في البستان
فنظروا، ثم جاؤوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك عندك غداء؟ قلت: قد خبزنا. قال: ائت به. قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتي بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا! ثم أتي بغدائه، وكان كثير الطعام طيبه، فقال: يا مدرك، اجمع لي غلمان البستان قال: فقدم إليهم فأكلوا، ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك عندي أشهى من هذا، ثم قاموا فتوضؤوا، ثم قدمت دابة الحسن، فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه، ثم جيء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه.
فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما؟ فقال: يالكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟.
وعن عبد الله بن مصعب قال: كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى، وإذا ذكر علياً نال منه. قال: فقلت: ثكلتك أمك، لروحة من علي أو غدوة في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره، قال: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة. قال: فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً، فغاظني ذلك، فقمت إليه، فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ قال: قلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت حتى تفسخ جبينك عرقاً. قال: يا بن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله.
قال أبو الحسن المدائني: قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف: من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة؟ فقام النعمان بن العجلان الزرقي، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا، أبوه علي، وأمه فاطمة، وجده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدته خديجة، وعمه جعفر، وعمته أم هانىء بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب. فقال عمرو بن العاص: أحب بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟ قال ابن العجلان: يابن العاص أما علمت أنه من التمس رضا مخلوق بسخط
الخالق حرمه الله أمنيته وختم له بالشقاء في آخر عمره؟ بنو هاشم أنضر قريش عوداً، وأقعدها سلفاً، وأفضل أحلاماً.
وعن أبي سعيد أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة: أخبرني عن الحسن بن علي. قال: يا أمير المؤمنين؛ إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، له شرف، إلا أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم ينهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، فربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال: ما نحن معه في شيء.
قال أبو هاشم الجعفي: فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي، فقال معاوية ليزيد: فاخرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تقول: إن أمك مثل أمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعلك تقول: إن جدك مثل جده، وكان جده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله جل وعز فحكم لأبيك على أبيه.
وعن مجالد: أن رجلاً بعث مولاة له إلى الحسن بن علي في حاجة، قالت: فرأيته يتوضأ، فلما فرغ مسح رقبته برقعة فمقته. فرأيت في منامي كأني قئت كبدي وعن محمد بن علي قال: قال الحسن بن علي: إني أستحي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه.
قال عبد الله بن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشياً. ولقد حج الحسن بن علي
خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه يعطي النعل ويمسك النعل.
وفي رواية: وخرج من ماله مرتين.
وعن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرؤها، قالت فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه.
قال أبو جعفر: قال علي: قم فاخطب الناس يا حسن، قال: إني أهابك، لن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه، وتكلم ثم نزل، فقال علي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال:
تفاخر قوم من قريش فذكر كل رجل ما فيهم. فقال معاوية للحسن: يا أبا محمد، ما يمنعك من القول، فما أنت بكليل اللسان؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال: من الكامل
فيم الكلام وقد سبقت مبرزاً ... سبق الجياد من المدى المتنفس
قال أبو هشام القناد: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي، وكان يماكسني، فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، ويقول: إن أبي حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المغبون لا محمود ولا مأجور.
وعن ابن سيرين: أن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف.
وعن سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف، فانصرف فبعث بها إليه.
وعن علي أنه خطب الناس، ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس، فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي، وقد سئل عن حديث عباس البقال، فقال: خرجت إلى الكيس ووزنت لعباس البقال دانقاً إلا فلساً فقال لي: يا أبا إسحاق، حدثني حديثاً في السخاء، فلعل الله عز وجل يشرح صدري فأعمل شيئاً.
قال: فقلت له: نعم: روي عن الحسن بن علي: أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود، بيده رغيف، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته، فلم يعاينه فيه بشيء؟ قال: استحت عيناي من عينيه أن أعاينه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال: والحائط؟ فقال: لأبان بن عثمان، فقال له الحسن، أقسمت عليك لابرحت حتى أعود إليك.
فمر فاشترى الغلام والحائط، وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط، وأنت لوجه الله والحائط هبة مني إليك، قال: فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له. قال: فقال عباس البقال: حسن والله يا أبا إسحاق، لأبي إسحاق دانق إلا فلساً، أعطه بدانق ما يريد، قلت: والله لا أخذت إلا بدانق إلا فلساً.
حدث رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فرأيت رجلاً بهرني جماله، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: إني ابنه فقلن بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأرم لا يرد إلي شيئاً، ثم قال: أراد غريباً فلوا استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك، قال: فانضرفت عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه.
قال صالح بن سليمان: قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً، فقطع به، فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فإنك لا تجد خيراً منه، فأتاه فشكا إليه؛ فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟! قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟!.
قال أبو جعفر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به على حاجة فوجده معتكفاً فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك فقضيت حاجتك، ثم خرج من عنده فأتى الحسن بن علي فذكر له حاجته، فخرج معه لحاجته فقال: أما إني قد كرهت أن أعنيك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك، فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر.
وعن عي بن الحسين قال: خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرحل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد، تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟! قال: فقال له حسن: وكيف لا أذهب معه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب في حاجة أخية المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.
فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.
وعن أبي هارون قال:
انطلقنا حجاجاً فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربع مئة، أربع مئة، فقلنا للرسول: إنا أغنياء وليس بنا حاجة فقال: لا تردوا عليه معروفه؛ فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم وشفعت محسنهم في مسيئهم. وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك.
قال ابن أبي مليكة: تزوج الحسن بن علي خولة بنة منظور، فبات ليله على سطح أجم، فشدت خمارها برجله، والطرف الآخر بخلخالها، فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام، فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيىء لهم غداء، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام.
وقيل: إن التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل بن عمرو.
وكان الحسن أحصن بسبعين امرأة. وكان الحسن قلما تفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري، وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم، فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله يسار أبي سعيد بن يسار وهو مولاه: احفظ ما تقولان لك، فقالت الفزارية:
بارك الله فيه وجزاه خيراً، وقالت الأسدية: متاع قليل من حبيب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق.
قال محمد بن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمئة جارية مع كل جارية ألف درهم.
قال سويد بن غفلة: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي، فلما قتل علي قالت: لتهنك الخلافة. قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟ اذهبي فأنت طالق ثلاثاً، قال فتلفعت بثيابها وقالت: والله ما أردت هذا، وقعدت حتى انقضت عدتها، فبعث إليها ببقية صداقها وبمئة عشرين ألف درهم، فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال: لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، لراجعتها.
ولما خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن زبان الفزاري ابنته فقال: والله إني لأنكحك، وإني لأعلم أنك علق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمه نسباً.
وكان حسن بن عي مطلاقاً للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه.
قال أبو رزين: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة فقرأ إبراهيم على المنبر حتى ختمها.
قال ابن سيرين: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحداً يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.
قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.
قال عمير بن إسحاق: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم ألا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض حسين أمراً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
قال رزيق بن سوار: كان بين الحسن بن علي وبين مروان كلام، فأقبل مروان فجعل يغلظ له، وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال له الحسن: ويحك! أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج، أف لك، فسكت مروان.
قال محمد بن يزيد المبرد:
قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.
وعن جعيد بن همدان أن الحسن بن علي قال: يا جعيد بن همدان، إن الناس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من له خلق وليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق، فذلك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.
حدث محمد بن كيسان أبو بكر الأصم قال: قال الحسن بن علي ذات يوم لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي، وكان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه، وكان خارجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة، كان لا يسخط ولا يتبرم، كان إذا جاء مع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذ القائلين، كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً، كان يقول ما يفعل، ويفعل ما لا يقول تفضلاً وتكرماً، كان لا يغفل عن إخوانه ولا يستخص بشيء دونهم، كان لا يلوم فيما يقع العذر في مثله، كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
وعن الحارث الأعور: أن علياً عليه السلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه، السداد دفع المنكر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المرء حاله.
قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير.
قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه من اللؤم.
قال: فما السماحة؟ قال: العدل في اليسر والعسر.
قال: فما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
قال: فما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء.
قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.
قال: فما الغنى؟ قال: رضاء النفس بما قسم الله عز وجل لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس.
قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء.
قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس.
قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقة.
قال: فما الجرأة؟ قال: موافقة الأقران.
قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كل ما استرعيته.
قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك لإمامك ورفعك عليه كلامك.
قال: فما لسنا؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.
قال: فما الشرف؟ قال: موافقة الإخوان وحفظ الجيران.
قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة.
قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد.
قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك.
قال: فما السيد؟ قال: السيد: الأحمق في المال المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحزن بأمر عشيرته هو السيد.
قال: ثم قال علي عليه السلام: يا بني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء والصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر.
يا بني لا تستخفن برجل تراه أبداً، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ولدك.
قال القاضي أبو الفرج: في هذا الجزء من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه، ووعاه وعمل به، وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده، وفيما رواه أمير المؤمنين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا غنى كلل لبيب عن حفظه وتأمله والمسعود من هدي لتقبله.
قال المدائني: قال معاوية للحسن بن علي: ما المروءة يا أبا محمد؟ قال: فقه الرجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحسن مخالقته.
قال: فما النجدة؟ قال: الذب عن الجار، والإقدام على الكريهة، والصبر على النائبة. قال: فما الجود؟ قال: التبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل.
قال معاوية يوماً في مجلسه: إذا لم يكن الهاشمي سخياً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن المخزومي تائهاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه حسبه.
فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: والله ما أراد الحق، ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجوا إليه، ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل، ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس، ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس.
قال شرحبيل: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.
وعن شعبة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الخلافة من بعدي ثلاثون سنة.
قال رجل كان حاضراً في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية. فقال: من ههنا أتيت! تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفاً واثنان وأربعون ألفاً.
قال جرير: لما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه. حدث جماعة من أهل العلم قالوا: بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ثم قالوا له: سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم، وابتزوا الناس أمورهم، فإنا نرجو أن يمكن الله منهم.
فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس.
وقيل: وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن.
وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.
فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل. قال: فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره، وطعنه رجل من بني أسد، يقال له: ابن أقيصر، بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه فنزل الأبيض قصر كسرى، فقال: عليكم لعنه الله من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا!! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله، وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح، ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه، ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرا بجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي.
فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل.
ويقال: إن الذي أرسله الحسن إلى معاوية هو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ووثقا له.
فكتب إليه الحسن أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل يوم السادس، فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النخيلة، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة، ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع، ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا: لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
وروى الزهري في حديث: أن معاوية لم ينفذ للحسن من الشرط الذي شرطه له شيئاً.
وفي رواية: أن الحسن بايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين، فيقول لهم: العار خير من النار.
قال هشام: لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوماً.
وقال غيره: كان صلح معاوية والحسن بن علي ودخول معاوية الكوفة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين.
قال هزان: قيل للحسن بن علي: تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة.
فقال: إني اخترت العار على النار.
وقيل: إن الحسن بن علي لما قدم الكوفة قال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل ذلك، يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.
قال أبو بكر بن دريد: قام الحسن بعد موت أبيه، أمير المؤمنين، فقال بعد حمد الله عز وجل: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مبتدئكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم
بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف. وإن أردتم الحياة قبلناها وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: التقية، التقية، فلما أفردوه أمضى الصلح.
قال أبو جميلة عن الحسن بن علي: أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه؛ فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد قتل علي فقال: يا أيها الناس إنما نحن أمراؤكم ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكررها حتى ما بقي في المسجد أحد إلا وهو يخن بكاء.
حدث هلال بن خباب عن فلان قال: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في قصر المدائن فقال: يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بطني، واستلابكم ثقلي أو ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا، ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.
قال الشعبي: لما صالح الحسن بن علي معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقي، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق امرىء كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم استغفر ونزل.
قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن بن علي أن يقوم فيخطب الناس فكره ذلك معاوية، وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكني أريد أن يبدو عيه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي. فلم يزل بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس وأمر رجلاً فنادى الحسن بن علي. قم يا حسن فكلم الناس.
فقام الحسن فتشهد في بديهة أمر لم يتروه فقال: أما بعد، أيها الناس: فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، إن لهذا الأمر مدة والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ".
فلما قالها قال له معاوية: اجلس، ثم جلس، ثم خطب معاوية، ولم يزل ضمراً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك.
وعن طحرب العجلي قال: قال الحسن بن علي: لا أقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعاً يده على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت عمر واضعاً يده على أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على عمر، ورأيت دونهم دماً فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلب الله به.
قال يوسف بن مازن: عرض للحسن بن علي رجل فقال: يا مسود وجوه المسلمين، فقال: لا تعذلني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريهم يلمون على منبره رجلاً فرجلاً، فأنزل الله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر "، نهر في الجنة، " إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " يملكونه بعدي، يعني بني أمية.
قال فضيل بن مرزوق: أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال: السلام عليك يا مسخم وجوه المؤمنين، قال: يا مالك، لا تقل ذلك، إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله خشيت أن يجتثوا عن وجه الأرض؛ فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع، فقال: بأبي أنت وأمي " ذرية بعضها من بعض ".
قال جبير بن نفير الحضرمي: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله ثم أثيرها باتئاس أهل الحجاز؟!.
قال زيد بن أسلم: دخل رجل على الحسن المدينة وفي يده صحيفة، فقال: ما هذه؟ قال: من معاوية يعد فيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر أو أقل كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه.
قال عمران بن عبد الله: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه: " قل هو الله أحد ". ففرح بذلك، قال: فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياماً حتى مات.
قال عمير بن إسحاق: دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مراراً، وما سقيته
مرة هي أشد من هذه، قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، قال: ما أسألك شيئاً، يعافيك الله.
قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من غد، وقد أخذ في السوق، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد له نقمة، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئاً.
قالت أم بكر بنت المسور: لما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً.
قال عبد الله بن حسين: كان الحسن بن علي رجلاً كثير نكاح النساء، وكن قلما يحظين عنده، وكان كل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال: إنه كان سقي، ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها. فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه.
فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله، والله، قبل أن أدفنك، أولا أقدر عليه؟ أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه؟ فقال: يا أخي، إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه: قال: فقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً.
وعن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً.
قال ابن جعدبة: كانت جعدة بنت الأشعث تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد أن سمي حسناً، إني زوجك؛ ففعلت.
فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا، فقال كثير ويرى للنجاشي: من السريع
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله ... في الناس من حاف ولا ناعل
أعني الذي أسلمه أهله ... للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره ... يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد قوم ليس بالآهل
يغلي بني اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على آكل
قال رقبة بن مصقلة: لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه، فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي، قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده.
وفي رواية: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما اشتد بسفيان المرض جزع جزعاً شديداً، فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز، وكان شيخاً عاقلاً فقال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة، صمت له، صليت له، حججت له، أرأيتك لو كان لك عند رجل يد، أليس كنت تحب أن تلقاه حتى يكافئك؟ قال: فسري عنه.
قال أبو جعفر: حدث بهذا السندي ونحن مع أبي نعيم، فقال أبو نعيم: لما اشتد المرض بالحسن بن علي بن أبي طالب جزع، قال: فدخل عليه رجل
فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخديجة، وعلى أعمامك: حمزة وجعفر، وعلى أخوالك: القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك: رقية وأم كلثوم وزينب. قال: فسري عنه.
وفي حديث بمعناه: فقال له الحسن: أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله، لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم ار مثله قط، قال: فبكى الحسين.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديداً، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي؟ وإنما تقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى علي وفاطمة وخديجة، وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنك سيد شباب أهل الجنة، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجاً، وإنما أراد أن يطيب نفسه. قال: فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحاباً. وقال: يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط.
قال أبو حازم: لما حضر الحسن، قال للحسين: ادفنوني عند أبي يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً؛ ادفنوني عند مقابر المسلمين. قال: فلما قبض تسلح الحسين، وجمع مواليه، فقال أبو هريرة: أيدك الله، ووصية أخيك؟ فإن القوم لن يدعوك حتى تكون بينكم دماء. قال: فلم يزل به حتى رجع. قال: ثم دفنوه في بقيع الغرقد. فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع، أكانوا قد ظلموه؟ قال: فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله، قد جيء به ليدفن مع أبيه.
وعن محمد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دفن عثمان بالبقيع. فقلت: يا مروان! اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيراً، فأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول يوم خيبر:
لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله، ليس بفرار.
وأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
قال مروان: إنك والله قد أكثرت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، فلا أسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري. فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري. والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتق الله يا أبا هريرة! قال: قلت: نعم ما أوصيت به وسكت عنه.
وعن أبي رافع وغيره: أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن، فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأذن له أن يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها، فقالت: نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه، وأنا أوثرك به.
فلما سمعت بنو أمية ذلك لبسوا السلاح فاستلأموا، وكان الذي قام بذلك مروان بن الحكم فقال: والله لا يدفن عثمان بن عفان بالبقيع، ويدفن حسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبست بنو هاشم السلاح وهموا بالقتال، وبلغ ذلك الحسن بن علي فأرسل إلى بني هاشم فقال لهم رسوله: يقول لكم الحسن: أما إذا بلغ الأمر هذا، فلا حاجة لي به، ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة بالبقيع، فدفن إلى جنب فاطمة ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال محمد بن الضحاك الحرامي: لما بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له، وقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء، ولست حائلاً بينهم وبين ذلك، قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك. فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم. وبلغ
ذلك حسيناً، فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسناً في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: من الرجز يا رب هيجا هي خير من دعه أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف، فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر أني يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع، فقال له حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي ألا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع، فدفنه هناك، رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه.
وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسناً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع، إن يك ظني بمروان صادقاً لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويهاً مروان أنت لها.
قال الحسن بن محمد بن الحنفية: لما مرض حسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به وحضرت بنو هاشم، فكانوا لا يفارقونه، يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص فكان سعيد يعوده، فمرة يؤذن له ومرة يحجب عنه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولاً إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي.
وكان حسن رجلاً قد سقي وكان مبطوناً، إنما كان تختلف أمعاؤه، فلما حضر، كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن مع أمه بالبقيع.
وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحاً، فلا تلقى أحداً إلا باكياً.
وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن وأنهم يريدون دفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم لا يصلون إلى ذلك أبداً وأنا حي.
فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: احفروا ههنا، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير، فاعتزل ولم يحل بينه وبينه، وصاح مروان في بني أمية ولفها، وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبداً، فقال له حسين: يا بن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي، فصاح حسين بحلف الفضول؛ فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء، وعقد حسين بن علي لواء.
فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى كانت بينهم المراماة بالنبل وابن جعونة بن شعوب يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة بن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا بن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك: إن خفت أن يهراق في محجمة دم فادفني بالبقيع مع أمي؟ أذكرك الله أن تسفك الدماء، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: ويعرض مروان لي ماله ولهذا؟
قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني: قد دعوتنا بحلف الفضول وأجبناك، تعلم أني سمعت أخال يقول قبل أن يموت بيوم: يا بن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن وجد إلى ذلك سبيلاً، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجمة من دم فليدفني مع أمي بالبقيع، وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء، ألا ترى ما ههنا من السلاح والرجال؟ والناس سراع إلى الفتنة.
قال: فجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ، وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجباً لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجمة من دم فادفنوني بالبقيع، فقلت: يا أخي، يا أبا عبد الله، وكنت أرفقهم به، إنا لا ندع قتال هؤلاء القوم جبناً عنهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه والله لو قال ادفنوني مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه خاف ما قد ترى، فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي، فإنما نتبع عهده وننفذ أمره.
قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع، وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه أبداً إلا حسين، قال: فاعتزل سعيد بن العاص، فوالله ما نازعنا في الصلاة، وقال: أنتم أحق بميتكم، فإن قدمتموني تقدمت، فقال حسين بن علي: تقدم، فلولا أن الأئمة تقدم ما قدمناك.
قال عباد بن عبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً، ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً؟ والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري، وما آثر علي عندنا بحسن.
قال نملة بن أبي نملة: أعظم الناس يومئذ أن يدفن معهم أحد، وقالوا لمروان: أصبت يا أبا عبد الملك لا يكون معهم رابع أبداً.
قال أبو حازم: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه، ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة ما قدمت، وكان بينهم شيء فقال أبو هريرة: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها؟ وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
قالت عائشة بنت سعد: حد نساء بني هاشم على حسن بن علي سنة.
قال عمرو بن بعجة: أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي.
قال مساور مولى سعد بن بكر: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات الحسن بن علي، ويبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابكوا.
قال سلام أبو المنذر: قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي ليبكته بذلك. قال: فقال: لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقداً منه فجبر الله مصيبتنا.
قال ابن السماك: قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق مظانه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عيها يداً طاهرة، وتردع بادرة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الاتساء عليه.
قال عمر بن علي بن أبي طالب: لما قبض الحسن بن علي، ووقف على قبره أخوه محمد بن علي قال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي
الإيمان، وطبت حياً وميتاً وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك، فلا نشك في الخيرة لك، رحمك الله ثم انصرف عن قبره.
قال جهم بن أبي جهم:
لما مات الحسن بن علي عليها السلام، بعث بنو هاشم إلى العوالي صائحاً يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه.
قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان.
قال أبو نجيح: بكى على حسن بن علي بمكة والمدينة سبعاً: النساء والصبيان والرجال.
قال سفيان بن عيينة: سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد: كم كان لعلي حين قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها الحسن، وقتل لها الحسين يعني ولهما هذا السن وهو توفي وهو ابن سبع واربعين، وكان يخضب بالوسمة، وقيل: توفي في سنة تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين سنة، وقيل: توفي في سنة خمسين وولد سنة ثلاث، وكانت ولايته سبعة أشهر وسبعة أيام.
قال الأعمش: أحدث رجل على قبر الحسن فجن، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ومات فسمع من قبره يعوي ويصيح.
أبو علي المعمري البغدادي الحافظ صاحب كتاب اليوم والليلة، له رحلة.
حدث عن هشام بن عمار بسنده عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا عجل به السير جمع بين الصلاتين.
سئل أحمد بن حنبل عن المعمري فقال: لا يتعمد الكذب، ولكن أحسب أنه صحب قوماً يوصّلون الحديث، وقد وثّقه قوم، وجرّحه آخرون.
توفي أبو علي المعمري في المحرم سنة خمس وتسعين ومئتين، وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إماماً ربانياً، وكان قد شد أسنانه بالذهب، ولم يغير شيبه. وقيل: بلغ اثنتين وثمانين سنة، وكان يكنى بأبي القاسم، ثم اكتنى بأبي علي، كره أن يذكر بكنيته، فيسب فنزه الكنية عن ذلك والله أعلم.
/الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد سبط سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وريحانته، وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ولد نصف شعبان، وقيل: نصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة. وفد على معاوية غير مرة.
قال أبو الجوزاء: قلت للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: أذكر من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أني أخذت تمرة من تمر الصدقة. فجعلتها في فيّ. قال: فنزعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلعابها فجعلها في التمر، فقيل: يا رسول الله، ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟! قال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
قال: وكان يقول: دع ما يربيك إلى مالا يربيك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة.
وكان يعلمنا هذا الدعاء: اللهم، اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت.
وفي حديث أن الحسن قال: علمني جدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمات أقولهن في قنوت الوتر وذكر الدعاء: رب اهدني فيمن هديت، إلى آخره.
قال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن بن علي بن أبي طالب على معاوية فقال: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربع مئة ألف.
حدث أبو المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي، وكان عطاؤه في كل سنة مئة ألف، فحبسها عنه معاوية في إحدى السنين؛ فأضاق إضاقة شديدة. قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية لأذكره بنفسي، ثم أمسكت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقال لي: كيف أنت يا حسن؟ فقلت: بخير يا أبه. وشكوت إليه نأخر المال عني فقال ادعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكرة ذلك قلت: نعم يا رسول الله فكيف أصنع؟. قال: اللهم اقذف في قلبي رجاءك واقطع رجائي عمن سواك حتى لا أرجو أحداً غيرك، اللهم وما ضعفت عنه قوتي وقصر عنه عملي ولم تنته إليه رغبتي ولم تبلغه مسألتي، ولم يجر على لساني مما أعطيت أحداً من الأولين والآخرين من اليقين، فخصني به يا رب العالمين.
قال: فوالله ما ألححت به أسبوعاً حتى بعث إلي معاوية بألف ألف وخمس مئة ألف. فقلت: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، ولا يخيب من دعاه.
فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، فقال: يا حسن كيف أنت؟ فقلت: بخير يا رسول الله وحدثته حديثي. فقال: يا بني، هكذا من رجا الخالق ولم يرج المخلوق.
وعن سودة بنت مسرح قالت: كنت فيمن حضر فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضربها المخاض. قالت: فأتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف هي، كيف هي ابنتي، فديتها؟.
قالت: قلت: إنها لتجهد يا رسول الله. قال: فإذا وضعت فلا تسبقيني به بشيء. قالت: فوضعت فسررته ولففته في خرقة صفراء. فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما فعلت ابنتي فديتها، وما حالها؟ وكيف بني؟ فقلت: يا رسول الله، وضعته وسررته وجعلته في خرقة صفراء. فقال: لقد عصيتني.
قالت: قلت: أعوذ بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من معصية، سررته يا رسول الله ولم أجد من ذلك بداً. قال: ائتني به. قالت: فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء، ولفه في خرقة بيضاء وتفل في فيه، وألبأه بريقه.
قالت: فجاء علي فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما سميته يا علي؟ قال: سميته جعفراً يا رسول الله. قال: لا، ولكنه حسن، وبعده حسين، وأنت أبو الحسن والحسين.
وفي رواية: وأنت أبو الحسن الخير.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: أنه سمى ابنه الأكبر حمزة وسمى حسيناً بعمه جعفر. قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علياً فقال: إني قد غيرت اسمي ابني هذين، قال: الله ورسوله أعلم، فسمى حسناً وحسيناً.
وعن علي عليه السلام قال: لما ولد الحسن جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسن. فلما ولد الحسين قال: أروني ابني. ما سميتموه؟ قلت: سميته حرباً. قال: بل هو حسين. فلما ولد الثالث جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلت: حرباً. قال: هو محسن، ثم قال: إني سميتهم بأسماء ولد هرون: شبر وشبير ومشبر.
قال عمران بن سليمان:
الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية.
وأم الحسين سيدتنا فاطمة بنت سيدنا محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأم فاطمة سيدتنا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى.
وولد الحسن محمداً الأكبر، وبه كان يكنى.
وعن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبي بكر من صلاة العصر بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بليال وعلي يمشي إلى جنبه، فمر بحسن بن علي يلعب مع غلمان فاحتمله على رقبته وهو يقول: من منهوك الرجز
وا بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي
قال: وعلي يضحك.
وعن ابن أبي مليكة قال: كانت فاطمة تنقز الحسن بن علي وتقول: من منهوك الرجز
بأبي شبه النبي ... ليس شبيهاً بعلي
قال البهي مولى الزبير: تذاكرنا من أشبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله إليه وأحبهم إليه: الحسن بن علي؛ رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته أو قال: ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
وقل فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه ريحانتي من الدنيا، وإن ابني هذا سيد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.
وقال: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
وسئل الحسن: ماذا سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سمعته يقول لرجل: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشر ريبة، وإن الخير طمأنينة.
وحفظت عنه: أني بينا أنا أمشي معه إلى جنب جرين للصدقة تناولت تمرة فألقيتها في فمي، فأدخل أصبعه فاستخرجها بلعابها فألقاها، وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
وعقلت عنه الصلوات الخمس، وعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: اللهم، اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت.
وعن أنس بن مالك قال: ما كان منهم يعني أهل البيت أشبه برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحسن بن علي.
قال أو جحيفة: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبيض قد شاب، وكان الحسن بن علي يشبهه.
وعن علي عليه السلام قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أسفل من ذلك.
وعن أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ بيد الحسن والحسين ثم يقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.
وعنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمنا، ثم يقول: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.
وعن البراء قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاملاً الحسن بن علي وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه.
وعنه قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن أو الحسين على عاتقه، وهو يقول: اللهم، إني أحبه فأحبه.
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعن أبي هريرة قال: ما رأيت الحسن بن علي إلا فاضت عيناي دموعاً رحمة، وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج يوماً فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، فاتكأ علي، ثم انطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع، فما كلمني، فطاف فيه، ونظر ثم رجع، ورجعت معه، فجلس في المسجد فاحتبي ثم قال: ادع لي لكاع، فأتى حسن بشدة حتى وقع في حجره، فجعل يدخل يده في لحية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتح فمه ويدخل فمه في فمه، ويقول: اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. ثلاثاً.
وفي حديث آخر عنه: والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدخل لسانه في فمه، أو لسان الحسن في فمه.
وعنه قال: سمعت أذناي هاتان، وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو آخذ بكفيه جميعاً، يعني حسناً أو حسيناً، وقدماه على قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: من الرجز
حزقة حزقة ... ترق عين بقسه
فيرقى الغلام حتى يضع قدميه على صدر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قال له: افتح فاك، ثم قبله، ثم قال: اللهم، أحبه فإني أحبه.
قال أبو نعيم: الحزقة: المتقارب الخطا والقصير الذي يقرب خطاه. وعين بقة: أشار إلى البقة ولا شيء أصغر من عينها لصغرها.
وقيل: أراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبقة فاطمة، فقال له: ترق ياقرة عين بقة.
وعن علي قال: دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أين لكع؟ ههنا لكع؟ قال: فخرج إليه الحسن بن علي، وعليه سخاب قرنفل، وهو ماد يده، قال: فمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده فالتزمه وقال: بأبي أنت وأمي من أحبني فليحب هذا.
وعن علي عليه السلام: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
وعن زهير بن الأقمر، قال: بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قتل علي، إذ قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعه في حبوته يقول: من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب، ولولا عزمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما حدثتكم.
وعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومه حسن وحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا. فقال له رجل: يا رسول الله، إنك لتحبهما. فقال: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وعن زر بن حبيش عن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذان ابناي، من أحبهما فقد أحبني.
وعنه قال: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما صلى وضعهما في حجره ثم قال: من أحبني فليحب هذين.
وعن أبي بكرة قال: كان الحسن والحسين يثبان على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي فيمسكهما بيده حتى يرفع صلبه، ويقومان على الأرض، فلما فرغ أجلسهما في حجره، ثم قال: إن ابني هذين ريحانتي من الدنيا.
وعن أم سلمة أنها قالت: بينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتي يوماً إذ قالت الخادم: إن علياً وفاطمة بالسدة قالت: فقال لي: قومي فتنحي لي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما. قالت: واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى، فقبل فاطمة وقبل علياً فأغدق عليهم خميصة سوداء فقال: اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي. قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله. فقال: وأنت.
وعنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك فجاءت بهم، فألقى عليهم كساء فدكيا ثم وضع يديه عليه فقال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد فإنك حميد مجيد. قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه وقال: إنك على خير.
وعن أم سلمة: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها: ادعي زوجك وابنيك. قالت: فجاء علي وحسن وحسين، فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له، على دكان تحته كساء خيبري. قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: " إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج بيده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم، هؤلاء أهل بيتي وحامتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير.
وعن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية في خمسة نفر، وسماهم: " إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً " في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
وعن حذيفة قال:
قالت لي أمي: متى عهدك بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: مالي به عهد مذ كذا وكذا.
فقالت: متى؟ فقلت لها: دعيني فإني آتيه وأصلي معه المغرب، وأسأله أن يستغفر لي. قال: فأتيته وهو يصلي المغرب. فقال: ما رأيت العارض الذي عرض بي؟ قلت: بلى. قال: فذلك ملك لم يهبط إلى الأرض قبل الساعة، استأذن ربه عز وجل في السلام علي فسلم علي، وبشرني بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما.
وعن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي.
وعن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه، وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الآخر، وقال: هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما. ثم قال: الولد مبخلة مجبنة مجهلة.
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي صلاة العشاء، وكان الحسن والحسين يثبان على ظهره، فلما صلى قال أبو هريرة: يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا، فبرقت برقة فما زالا في ضوئها حتى دخلا إلى أمهما.
وعن بريدة قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهما، فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر، فقال: صدق الله " إنِّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةً "، رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما. ثم أخذ في خطبته.
وعن زيد بن أرقم قال: خرج الحسن بن علي وعليه بردة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فعثر الحسن فسقط، فنزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المنبر، وابتدره الناس فحملوه، وتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله ووضعه في حجره، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الولد لفتنة ولقد نزلت إليه وما أدري أين هو.
وعن أنس بن مالك قال: لقد رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن على ظهره، فإذا سجد نحاه، فإذا رفع رأسه، يعني أعاده.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوضعه، ثم كبر في الصلاة، فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته.
وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حامل الحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم الراكبان هما.
وعنه قال: دخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحسن والحسين على ظهره، وهو يمشي بهما على أربع، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما.
وعن ابن عباس قال: خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن على عاتقه فقال له رجل: يا غلام نعم المركب ركبت. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ونعم الراكب هو.
وعن زيد بن أرقم قال: إني لعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ مر علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم.
وعن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: الحسن مني والحسين من علي.
وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للحسن أو الحسين: هذا مني وأنا منه وهو يحرم عليه ما يحرم علي.
وعن عمير بن إسحاق قال: كنت أمشي مع الحسن بن عي قي بعض طرق المدينة فلقيه أبو هريرة فقال له: أرني أقبل منك حيث رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل. قال: فقال بقميصه فكشف عن سرته فقبلها.
وعن معاوية قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لسانه أو قال: شفته يعني الحسن بن علي وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن جعفر قال: بينما الحسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ عطش فاشتد ظمؤه، فطلب له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماء فلم يجد، فأعطاه لسانه، فمصه حتى روي.
وعن أبي هريرة: أن مروان بن الحكم أتى أبا هريرة في مرضه الذي مات فيه، فقال مروان لأبي هريرة: ما وجت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلا في حبك الحسن والحسين. قال: فتحفز أبو هريرة فجلس فقال:
أشهد لخرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كنا ببعض الطريق سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوت الحسن والحسين، وهما يبكيان، وهما مع أمهما، فأسرع السير حتى أتاهما، فسمعته يقول: ما شأن ابني؟ فقالت: العطش. قال: فأخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى شنة يتوضأ بها، فيها ماء، وكان الماء يومئذ إعذاراً، والناس يريدون الماء، فنادى: هل أحد منكم معه ماء؟ فلم يبثق أحد إلا أخلف يده إلى كلاله يبتغي الماء في شنه، فلم يجد أحد منهم قطرة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ناوليني أحدهما، فناولته إياه من تحت الخدر فرأيت بياض ذراعيهما حين ناولته، فأخذه فضمه إلى صدره وهو يصغو ما يسكت، فأدلع له لسانه فجعل يمصه حتى هدأ وسكن، فلم أسمع له بكاء، والآخر يبكي كما هو ما يسكت. فقال: ناوليني الآخر فناولته إياه، ففعل به كذلك فسكتا، فما اسمع لهما صوتاً، ثم قال: سيروا. فصدعنا يميناً وشمالاً عن الظعائن حتى لقيناه على قارعة الطريق. فأنا لا أحب هذين وقد رأيت هذا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! وعن أنس قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يفرج بين رجلي الحسن، ويقبل ذكره.
وعن أبي هريرة قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حامل الحسن بن علي على عاتقه ولعابه يسيل عليه.
وعنه قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمص لعاب الحسن والحسين كما يمص الرجل التمرة.
وعن ابن عباس قال: اتخذ الحسن والحسين عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعل يقول: هي يا حسن، خذ يا حسن، فقالت عائشة: تعين الكبير على الصغير؟ فقال: إن جبريل يقول: خذ يا حسين.
وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل على ابنته فاطمة وابناها إلى جانبها، وعلي نائم، فاستسقى الحسن، فأتى ناقة لهم فحلب منها، ثم جاء به فنازعه الحسين أن يشرب قبله حتى بكى، فقال: يشرب أخول ثم تشرب. فقالت فاطمة: كأنه آثر عندك منه؟! قال: ما هو بآثر عندي منه، وإنهما عندي بمنزلة واحدة، وإنك وهما وهذا المضجع معي في مكان واحد يوم القيامة.
وعن ابن مسعود: أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذ مر الحسن والحسين وهما صبيان، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هاتوا ابني أعوذهما بما عوذ به إبراهيم ابنيه إسماعيل وإسحاق، فضمهما إلى صدره، وقال: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، وكل عين لامة.
وكان إبراهيم النخعي يستحب أن يواصل هؤلاء الكلمات بفاتحة الكتاب. وقال منصور: تعوذ بها فإنها تنفع من العين والفزعة ومن الحمى ومن كل وجع.
وعن ابن عمر قال: كان على الحسن والحسين تعويذان فيهما زغب من زغب جناح جبريل.
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: رأيت عيسى بن مريم عليه السلام في النوم، فقلت: يا روح الله، إني أريد أن أنقش
على خاتمي فما أنقش عليه؟ قال: انقش عليه لا إله إلا الله الحق المبين فإنه يذهب الهم والغم.
وعن محمد بن سيرين قال: نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الحسن بن علي فقال: يا بني، اللهم سلمه وسلم منه.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء، نجباء، وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وجعفر، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسن وحسين، وعبد الله بن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وحذيفة، وعمار، وسلمان.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يقومن أحد من مجلسه إلا للحسن أو الحسين أو ذريتهما.
وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:
خطبت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة، قال: فباع علي درعاً له؛ وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربع مئة وثمانين درهماً، قال: وأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل ثلثيه في الطيب، وثلثه في الثياب، ومج في جرة من ماء وأمرهم أن يغتسلوا به. قال: وأمرها ألا تسبقه برضاع ولدها. قال: فسبقته برضاع الحسين وأما الحسن فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع في فيه شيئاً لا يدري ما هو. فكان أعلم الرجلين.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنا وفاطمة والحسن والحسين مجتمعون، هذه فاطمة وهذان الحسن والحسين ومن أحبنا يوم القيامة في الجنة، نأكل ونشرب حتى يفرق بين العباد.
وعن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة: إني وإياك وهذا، يعنيني، وهذين الحسن والحسين يوم القيامة في مكان واحد.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا رب أليس وعدتني أن تزينني بركنين
من أركانك؟ قال: ألم أزينك بالحسن والحسين؟ قال: فمات الجنة ميساً كما تميس العروس.
وعن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ألا إن الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحد من ولد آدم، ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله.
وعن ابن عباس قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العصر، فلما كان في الرابعة أقبل الحسن والحسين حتى ركبا على ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سلم وضعهما بين يديه، وأقبل الحسن فحمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر، ثم قال: أيها الناس: ألا أخبركم بخير الناس جداً وجدة؟ ألا أخبركم بخير الناس عما وعمة؟ ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟ ألا أخبركم بخير الناس أباً وأماً؟ الحسن والحسين: جدهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدتهما خديجة بنت خويلد، وأمهما فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوهما علي بن أبي طالب، وعمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانىء بنت أبي طالب، وخالهما القاسم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخالاتهما: زينب ورقية وأم كلثوم، بنات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ جدهما في الجنة، وجدتهما في الجنة، وأبوهما في الجنة وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالاتهما في الجنة، وهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فاطمة وعلياً والحسن والحسين في حظيرة القدس، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن.
وعن زينب بنت أبي رافع قالت: رأيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتت بابنيها إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شكواه الذي توفي فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما، فقال: أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فإن له جرأتي وجودي.
وعن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: كنا مع أبي هريرة إذ جاء الحسن بن علي فسلم فرددنا عليه ولم يعلم أبو هريرة فمضى، فقلنا: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا، قال: فتبعه فلحقه قال: وعليك السلام يا سيدي، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إنه سيد.
وعن جابر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن ابني هذا سيد يعني الحسن بن علي وليصلحن الله على يديه بين فئتين من المسلمين عظيمتين.
قال سفيان: قوله: بين فئتين من المسلمين يعجبنا جداً.
وعن أبي بكرة قال: بينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب جاء الحسن حتى صعد المنبر فقال: إن ابني هذا سيد، وإن الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين عظيمتين. قال: فنظر إليهم أمثال الجبال في الحديد. قال: أضرب هؤلاء بعضهم ببعض في ملك من ملك الدنيا، لا حاجة لي به.
قال الحسن راوي الحديث عن أبي بكرة: فما أهريق في ولايته محجمة من دم.
وعن عمر بن الخطاب: أنه لما دون الدواوين وفرض العطاء ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما مع أهل بدر لقرابتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم.
وعن مدرك أبي زياد قال:
كنا في حيطان ابن عباس، فجاء ابن عباس وحسن وحسين، فطافوا في البستان
فنظروا، ثم جاؤوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها، فقال لي حسن: يا مدرك عندك غداء؟ قلت: قد خبزنا. قال: ائت به. قال: فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتي بقل، فأكل ثم قال: يا مدرك ما أطيب هذا! ثم أتي بغدائه، وكان كثير الطعام طيبه، فقال: يا مدرك، اجمع لي غلمان البستان قال: فقدم إليهم فأكلوا، ولم يأكل، فقلت: ألا تأكل؟ فقال: ذاك عندي أشهى من هذا، ثم قاموا فتوضؤوا، ثم قدمت دابة الحسن، فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه، ثم جيء بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه.
فلما مضيا قلت: أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما؟ فقال: يالكع، أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟.
وعن عبد الله بن مصعب قال: كان رجل عندنا قد انقطع في العبادة، فإذا ذكر عبد الله بن الزبير بكى، وإذا ذكر علياً نال منه. قال: فقلت: ثكلتك أمك، لروحة من علي أو غدوة في سبيل الله خير من عمر عبد الله بن الزبير حتى مات، ولقد أخبرني أبي أن عبد الله بن عروة أخبره، قال: رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة. قال: فوالله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً، فغاظني ذلك، فقمت إليه، فقلت: يا عم، قال: ما تشاء؟ قال: قلت: رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي فما قمت حتى تفسخ جبينك عرقاً. قال: يا بن أخي إنه ابن فاطمة، لا والله ما قامت النساء عن مثله.
قال أبو الحسن المدائني: قال معاوية وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف: من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة؟ فقام النعمان بن العجلان الزرقي، فأخذ بيد الحسن فقال: هذا، أبوه علي، وأمه فاطمة، وجده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجدته خديجة، وعمه جعفر، وعمته أم هانىء بنت أبي طالب، وخاله القاسم، وخالته زينب. فقال عمرو بن العاص: أحب بني هاشم دعاك إلى ما عملت؟ قال ابن العجلان: يابن العاص أما علمت أنه من التمس رضا مخلوق بسخط
الخالق حرمه الله أمنيته وختم له بالشقاء في آخر عمره؟ بنو هاشم أنضر قريش عوداً، وأقعدها سلفاً، وأفضل أحلاماً.
وعن أبي سعيد أن معاوية قال لرجل من أهل المدينة: أخبرني عن الحسن بن علي. قال: يا أمير المؤمنين؛ إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم يساند ظهره فلا يبقى في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل، له شرف، إلا أتاه، فيتحدثون حتى إذا ارتفع النهار صلى ركعتين، ثم ينهض فيأتي أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، فربما أتحفنه، ثم ينصرف إلى منزله، ثم يروح فيصنع مثل ذلك. فقال: ما نحن معه في شيء.
قال أبو هاشم الجعفي: فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي، فقال معاوية ليزيد: فاخرت الحسن؟ قال: نعم. قال: لعلك تقول: إن أمك مثل أمه، وأمه فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعلك تقول: إن جدك مثل جده، وكان جده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما أبوك وأبوه فقد تحاكما إلى الله جل وعز فحكم لأبيك على أبيه.
وعن مجالد: أن رجلاً بعث مولاة له إلى الحسن بن علي في حاجة، قالت: فرأيته يتوضأ، فلما فرغ مسح رقبته برقعة فمقته. فرأيت في منامي كأني قئت كبدي وعن محمد بن علي قال: قال الحسن بن علي: إني أستحي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته، فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه.
قال عبد الله بن عباس: ما ندمت على شيء فاتني في شبابي إلا أني لم أحج ماشياً. ولقد حج الحسن بن علي
خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى إنه يعطي النعل ويمسك النعل.
وفي رواية: وخرج من ماله مرتين.
وعن أم موسى قالت: كان الحسن بن علي إذا أوى إلى فراشه بالليل أتى بلوح فيه سورة الكهف فيقرؤها، قالت فكان يطاف بذلك اللوح معه حيث طاف من نسائه.
قال أبو جعفر: قال علي: قم فاخطب الناس يا حسن، قال: إني أهابك، لن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه، وتكلم ثم نزل، فقال علي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه قال:
تفاخر قوم من قريش فذكر كل رجل ما فيهم. فقال معاوية للحسن: يا أبا محمد، ما يمنعك من القول، فما أنت بكليل اللسان؟ قال: يا أمير المؤمنين، ما ذكروا مكرمة ولا فضيلة إلا ولي محضها ولبابها، ثم قال: من الكامل
فيم الكلام وقد سبقت مبرزاً ... سبق الجياد من المدى المتنفس
قال أبو هشام القناد: كنت أحمل المتاع من البصرة إلى الحسن بن علي، وكان يماكسني، فلعلي لا أقوم من عنده حتى يهب عامته، ويقول: إن أبي حدثني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: المغبون لا محمود ولا مأجور.
وعن ابن سيرين: أن الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمئة ألف.
وعن سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف، فانصرف فبعث بها إليه.
وعن علي أنه خطب الناس، ثم قال: إن ابن أخيكم الحسن بن علي قد جمع مالاً، وهو يريد أن يقسمه بينكم، فحضر الناس، فقام الحسن فقال: إنما جمعته للفقراء، فقام نصف الناس، ثم كان أول من أخذ منه الأشعث بن قيس.
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي، وقد سئل عن حديث عباس البقال، فقال: خرجت إلى الكيس ووزنت لعباس البقال دانقاً إلا فلساً فقال لي: يا أبا إسحاق، حدثني حديثاً في السخاء، فلعل الله عز وجل يشرح صدري فأعمل شيئاً.
قال: فقلت له: نعم: روي عن الحسن بن علي: أنه كان ماراً في بعض حيطان المدينة فرأى أسود، بيده رغيف، يأكل لقمة ويطعم الكلب لقمة، إلى أن شاطره الرغيف، فقال له الحسن: ما حملك على أن شاطرته، فلم يعاينه فيه بشيء؟ قال: استحت عيناي من عينيه أن أعاينه، فقال له: غلام من أنت؟ قال: غلام أبان بن عثمان، فقال: والحائط؟ فقال: لأبان بن عثمان، فقال له الحسن، أقسمت عليك لابرحت حتى أعود إليك.
فمر فاشترى الغلام والحائط، وجاء إلى الغلام فقال: يا غلام قد اشتريتك، فقام قائماً فقال: السمع والطاعة لله ولرسوله ولك يا مولاي، قال: وقد اشتريت الحائط، وأنت لوجه الله والحائط هبة مني إليك، قال: فقال الغلام: يا مولاي، قد وهبت الحائط للذي وهبتني له. قال: فقال عباس البقال: حسن والله يا أبا إسحاق، لأبي إسحاق دانق إلا فلساً، أعطه بدانق ما يريد، قلت: والله لا أخذت إلا بدانق إلا فلساً.
حدث رجل من أهل الشام قال: قدمت المدينة فرأيت رجلاً بهرني جماله، فقلت: من هذا؟ قالوا: الحسن بن علي، قال: فحسدت علياً أن يكون له ابن مثله، قال: فأتيته فقلت: أنت ابن أبي طالب؟ قال: إني ابنه فقلن بك وبأبيك وبك وبأبيك، قال: وأرم لا يرد إلي شيئاً، ثم قال: أراد غريباً فلوا استحملتنا حملناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنت بنا أعناك، قال: فانضرفت عنه وما في الأرض أحد أحب إلي منه.
قال صالح بن سليمان: قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً، فقطع به، فلم يكن له زاد ولا راحلة، فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة، فقال له: عليك بحسن بن علي، فقال الرجل: ما لقيت هذا إلا في حسن وأبي حسن، فقيل له: فإنك لا تجد خيراً منه، فأتاه فشكا إليه؛ فأمر له بزاد وراحلة، فقال الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وقيل للحسن: أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمرت له بزاد وراحلة؟! قال: أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة؟!.
قال أبو جعفر: جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به على حاجة فوجده معتكفاً فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك فقضيت حاجتك، ثم خرج من عنده فأتى الحسن بن علي فذكر له حاجته، فخرج معه لحاجته فقال: أما إني قد كرهت أن أعنيك في حاجتي ولقد بدأت بحسين فقال: لولا اعتكافي لخرجت معك، فقال الحسن: لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر.
وعن عي بن الحسين قال: خرج الحسن يطوف بالكعبة فقام إليه رجل فقال: يا أبا محمد، اذهب معي في حاجتي إلى فلان، فترك الطواف وذهب معه، فلما ذهب قام إليه رجل حاسد للرحل الذي ذهب معه، فقال: يا أبا محمد، تركت الطواف وذهبت مع فلان إلى حاجته؟! قال: فقال له حسن: وكيف لا أذهب معه، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من ذهب في حاجة أخية المسلم فقضيت حاجته كتبت له حجة وعمرة، وإن لم تقض كتبت له عمرة.
فقد اكتسبت حجة وعمرة، ورجعت إلى طوافي.
وعن أبي هارون قال:
انطلقنا حجاجاً فدخلنا المدينة فقلنا: لو دخلنا على ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحسن فسلمنا عليه، فدخلنا عليه فحدثناه بمسيرنا وحالنا، فلما خرجنا من عنده بعث إلى كل رجل منا بأربع مئة، أربع مئة، فقلنا للرسول: إنا أغنياء وليس بنا حاجة فقال: لا تردوا عليه معروفه؛ فرجعنا إليه فأخبرناه بيسارنا وحالنا، فقال: لا تردوا علي معروفي، فلو كنت على غير هذه الحال كان هذا لكم يسيراً، أما إني مزودكم: إن الله يباهي ملائكته بعباده يوم عرفة فيقول: عبادي جاؤوني شعثاً يتعرضون لرحمتي، فأشهدكم أني قد غفرت لمحسنهم وشفعت محسنهم في مسيئهم. وإذا كان يوم الجمعة فمثل ذلك.
قال ابن أبي مليكة: تزوج الحسن بن علي خولة بنة منظور، فبات ليله على سطح أجم، فشدت خمارها برجله، والطرف الآخر بخلخالها، فقام من الليل فقال: ما هذا؟ قالت: خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب، فأحبها، فأقام عندها سبعة أيام، فقال ابن عمر: لم نر أبا محمد منذ أيام، فانطلقوا بنا إليه، فأتوه، فقالت له خولة: احتبسهم حتى نهيىء لهم غداء، قال ابن عمر: فابتدأ الحسن حديثاً ألهانا بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام.
وقيل: إن التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل بن عمرو.
وكان الحسن أحصن بسبعين امرأة. وكان الحسن قلما تفارقه أربع حرائر، فكان صاحب ضرائر، فكانت عنده ابنة منظور بن سيار الفزاري، وعنده امرأة من بني أسد من آل جهم، فطلقهما، وبعث إلى كل واحدة منهما بعشرة آلاف درهم وزقاق من عسل متعة، وقال لرسوله يسار أبي سعيد بن يسار وهو مولاه: احفظ ما تقولان لك، فقالت الفزارية:
بارك الله فيه وجزاه خيراً، وقالت الأسدية: متاع قليل من حبيب مفارق، فرجع فأخبره، فراجع الأسدية وترك الفزارية.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن بن علي فإنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي أمسك، وما كره طلق.
قال محمد بن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمئة جارية مع كل جارية ألف درهم.
قال سويد بن غفلة: كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي، فلما قتل علي قالت: لتهنك الخلافة. قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟ اذهبي فأنت طالق ثلاثاً، قال فتلفعت بثيابها وقالت: والله ما أردت هذا، وقعدت حتى انقضت عدتها، فبعث إليها ببقية صداقها وبمئة عشرين ألف درهم، فلما جاءها الرسول ورأت المال قالت: متاع قليل من حبيب مفارق، فأخبر الرسول الحسن بن علي فبكى وقال: لولا أني سمعت أبي يحدث عن جدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، لراجعتها.
ولما خطب الحسن بن علي إلى منظور بن سيار بن زبان الفزاري ابنته فقال: والله إني لأنكحك، وإني لأعلم أنك علق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتاً وأكرمه نسباً.
وكان حسن بن عي مطلاقاً للنساء، وكان لا يفارق امرأة إلا وهي تحبه.
قال أبو رزين: خطبنا الحسن بن علي يوم جمعة فقرأ إبراهيم على المنبر حتى ختمها.
قال ابن سيرين: كان الحسن بن علي لا يدعو إلى طعامه أحداً يقول: هو أهون من أن يدعى إليه أحد.
قال جويرية بن أسماء: لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته، فقال له حسين: أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه؟! فقال: إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا، وأشار بيده إلى الجبل.
قال عمير بن إسحاق: ما تكلم عندي أحد كان أحب إلي إذا تكلم ألا يسكت من الحسن بن علي، وما سمعت منه كلمة فحش قط إلا مرة، فإنه كان بين حسين بن علي وعمرو بن عثمان بن عفان خصومة في أرض، فعرض حسين أمراً لم يرضه عمرو، فقال الحسن: فليس له عندنا إلا ما رغم أنفه، قال: فهذا أشد كلمة فحش سمعتها منه قط.
قال رزيق بن سوار: كان بين الحسن بن علي وبين مروان كلام، فأقبل مروان فجعل يغلظ له، وحسن ساكت، فامتخط مروان بيمينه، فقال له الحسن: ويحك! أما علمت أن اليمين للوجه والشمال للفرج، أف لك، فسكت مروان.
قال محمد بن يزيد المبرد:
قيل للحسن بن علي: إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له، وهذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء.
وعن جعيد بن همدان أن الحسن بن علي قال: يا جعيد بن همدان، إن الناس أربعة: فمنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من له خلق وليس له خلاق، ومنهم من ليس له خلق ولا خلاق، فذلك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.
حدث محمد بن كيسان أبو بكر الأصم قال: قال الحسن بن علي ذات يوم لأصحابه: إني أخبركم عن أخ لي، وكان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكنز إذا وجد، وكان خارجاً من سلطان فرجه فلا يستخف له عقله ولا رأيه، وكان خارجاً من سلطان الجهلة فلا يمد يداً إلا على ثقة المنفعة، كان لا يسخط ولا يتبرم، كان إذا جاء مع العلماء يكون على أن يسمع أحرص منه على أن يتكلم، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على الصمت، كان أكثر دهره صامتاً فإذا قال بذ القائلين، كان لا يشارك في دعوى ولا يدخل في مراء، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً، كان يقول ما يفعل، ويفعل ما لا يقول تفضلاً وتكرماً، كان لا يغفل عن إخوانه ولا يستخص بشيء دونهم، كان لا يلوم فيما يقع العذر في مثله، كان إذا ابتدأه أمران لا يدري أيهما أقرب إلى الحق نظر فيما هو أقرب إلى هواه فخالفه.
وعن الحارث الأعور: أن علياً عليه السلام سأل ابنه الحسن عن أشياء من أمر المروءة فقال: يا بني ما السداد؟ قال: يا أبه، السداد دفع المنكر بالمعروف.
قال: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة.
قال: فما المروءة؟ قال: العفاف وإصلاح المرء حاله.
قال: فما الدقة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير.
قال: فما اللؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وبذله عرسه من اللؤم.
قال: فما السماحة؟ قال: العدل في اليسر والعسر.
قال: فما الشح؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً.
قال: فما الإخاء؟ قال: الوفاء في الشدة والرخاء.
قال: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو.
قال: فما الغنيمة؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة.
قال: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس.
قال: فما الغنى؟ قال: رضاء النفس بما قسم الله عز وجل لها وإن قل، فإنما الغنى غنى النفس.
قال: فما الفقر؟ قال: شره النفس في كل شيء.
قال: فما المنعة؟ قال: شدة البأس ومقارعة أشد الناس.
قال: فما الذل؟ قال: الفزع عند المصدوقة.
قال: فما الجرأة؟ قال: موافقة الأقران.
قال: فما الكلفة؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك.
قال: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم وأن تعفو عن الجرم.
قال: فما العقل؟ قال: حفظ القلب كل ما استرعيته.
قال: فما الخرق؟ قال: معاداتك لإمامك ورفعك عليه كلامك.
قال: فما لسنا؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح.
قال: فما الحزم؟ قال: طول الأناة والرفق بالولاة، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم.
قال: فما الشرف؟ قال: موافقة الإخوان وحفظ الجيران.
قال: فما السفه؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة.
قال: فما الغفلة؟ قال: تركك المسجد وطاعتك المفسد.
قال: فما الحرمان؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك.
قال: فما السيد؟ قال: السيد: الأحمق في المال المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحزن بأمر عشيرته هو السيد.
قال: ثم قال علي عليه السلام: يا بني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف، ولا عبادة كالتفكر، ولا إيمان كالحياء والصبر، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة العبادة الفترة، وآفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الحسب الفخر.
يا بني لا تستخفن برجل تراه أبداً، فإن كان أكبر منك فعد أنه أبوك، وإن كان مثلك فهو أخوك، وإن كان أصغر منك فاحسب أنه ولدك.
قال القاضي أبو الفرج: في هذا الجزء من جوابات الحسن أباه عما ساءله عنه من الحكمة وجزيل الفائدة ما ينتفع به من راعاه وحفظه، ووعاه وعمل به، وأدب نفسه بالعمل عليه، وهذبها بالرجوع إليه، وتتوفر فائدته بالوقوف عنده، وفيما رواه أمير المؤمنين عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالا غنى كلل لبيب عن حفظه وتأمله والمسعود من هدي لتقبله.
قال المدائني: قال معاوية للحسن بن علي: ما المروءة يا أبا محمد؟ قال: فقه الرجل في دينه، وإصلاح معيشته، وحسن مخالقته.
قال: فما النجدة؟ قال: الذب عن الجار، والإقدام على الكريهة، والصبر على النائبة. قال: فما الجود؟ قال: التبرع بالمعروف والإعطاء قبل السؤال والإطعام في المحل.
قال معاوية يوماً في مجلسه: إذا لم يكن الهاشمي سخياً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الزبيري شجاعاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن المخزومي تائهاً لم يشبه حسبه، وإذا لم يكن الأموي حليماً لم يشبه حسبه.
فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: والله ما أراد الحق، ولكنه أراد أن يغري بني هاشم بالسخاء فيفنوا أموالهم ويحتاجوا إليه، ويغري آل الزبير بالشجاعة فيفنوا بالقتل، ويغري بني مخزوم بالتيه فيبغضهم الناس، ويغري بني أمية بالحلم فيحبهم الناس.
قال شرحبيل: دعا الحسن بن علي بنيه وبني أخيه فقال: يا بني وبني أخي إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه أو يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته.
وعن شعبة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الخلافة من بعدي ثلاثون سنة.
قال رجل كان حاضراً في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين ستة شهور في خلافة معاوية. فقال: من ههنا أتيت! تلك الشهور كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفاً واثنان وأربعون ألفاً.
قال جرير: لما قتل علي بايع أهل الكوفة الحسن بن علي، وأطاعوه وأحبوه أشد من حبهم لأبيه. حدث جماعة من أهل العلم قالوا: بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ثم قالوا له: سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم، وابتزوا الناس أمورهم، فإنا نرجو أن يمكن الله منهم.
فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس.
وقيل: وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والأنبار وناحيتها، وسار الحسن حتى نزل المدائن.
وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج.
فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قتل. قال: فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره، وطعنه رجل من بني أسد، يقال له: ابن أقيصر، بخنجر مسموم في إليته، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه فنزل الأبيض قصر كسرى، فقال: عليكم لعنه الله من أهل قرية فقد علمت أنه لا خير فيكم، قتلتم أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا!! ثم دعا عمرو بن سلمة الأرحبي فأرسله، وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح، ويسلم له الأمر على أن يسلم له ثلاث خصال: يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه، ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته، ولا يسب علي وهو يسمع، وأن يحمل إليه خراج فسا ودرا بجرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي.
فأجابه معاوية إلى ذلك وأعطاه ما سأل.
ويقال: إن الذي أرسله الحسن إلى معاوية هو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس، فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ووثقا له.
فكتب إليه الحسن أن أقبل، فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل يوم السادس، فسلم إليه الحسن الأمر وبايعه ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر، ونزل معاوية النخيلة، فأتاه الحسن في عسكره غير مرة، ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعة آلاف ألف درهم، فاحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع، ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقالوا: لا نحمل فيئنا إلى غيرنا يعنون خراج فسا ودرابجرد فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم، وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين.
وروى الزهري في حديث: أن معاوية لم ينفذ للحسن من الشرط الذي شرطه له شيئاً.
وفي رواية: أن الحسن بايع معاوية على أن جعل العهد للحسن من بعده، فكان أصحاب الحسن يقولون: يا عار المؤمنين، فيقول لهم: العار خير من النار.
قال هشام: لما قتل علي بايع الناس الحسن بن علي فوليها سبعة أشهر وأحد عشر يوماً.
وقال غيره: كان صلح معاوية والحسن بن علي ودخول معاوية الكوفة في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين.
قال هزان: قيل للحسن بن علي: تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة.
فقال: إني اخترت العار على النار.
وقيل: إن الحسن بن علي لما قدم الكوفة قال له أبو عامر سفيان بن ليلى: السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال: لا تقل ذلك، يا أبا عامر، لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.
قال أبو بكر بن دريد: قام الحسن بعد موت أبيه، أمير المؤمنين، فقال بعد حمد الله عز وجل: إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مبتدئكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم. ألا وقد أصبحتم
بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر. ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا السيوف. وإن أردتم الحياة قبلناها وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: التقية، التقية، فلما أفردوه أمضى الصلح.
قال أبو جميلة عن الحسن بن علي: أنه بينا هو ساجد إذ وجأه إنسان في وركه؛ فمرض منها شهرين، فلما برأ خطب الناس بعد قتل علي فقال: يا أيها الناس إنما نحن أمراؤكم ضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عز وجل: أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكررها حتى ما بقي في المسجد أحد إلا وهو يخن بكاء.
حدث هلال بن خباب عن فلان قال: جمع الحسن بن علي رؤوس أهل العراق في قصر المدائن فقال: يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بطني، واستلابكم ثقلي أو ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا، ثم قام فدخل القصر وأغلق الباب دونهم.
قال الشعبي: لما صالح الحسن بن علي معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أكيس الكيس التقي، وإن أعجز العجز الفجور، ألا وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية حق امرىء كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ". ثم استغفر ونزل.
قال ابن شهاب: كان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة كلم معاوية، وأمره أن يأمر الحسن بن علي أن يقوم فيخطب الناس فكره ذلك معاوية، وقال: ما أريد أن يخطب، فقال عمرو: ولكني أريد أن يبدو عيه في الناس فإنه يتكلم في أمور لا يدري ما هي. فلم يزل بمعاوية حتى أطاعه، فخرج معاوية فخطب الناس وأمر رجلاً فنادى الحسن بن علي. قم يا حسن فكلم الناس.
فقام الحسن فتشهد في بديهة أمر لم يتروه فقال: أما بعد، أيها الناس: فإن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا، إن لهذا الأمر مدة والدنيا دول، وإن الله تعالى قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون، إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ".
فلما قالها قال له معاوية: اجلس، ثم جلس، ثم خطب معاوية، ولم يزل ضمراً على عمرو، وقال: هذا عن رأيك.
وعن طحرب العجلي قال: قال الحسن بن علي: لا أقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واضعاً يده على العرش، ورأيت أبا بكر واضعاً يده على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأيت عمر واضعاً يده على أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على عمر، ورأيت دونهم دماً فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلب الله به.
قال يوسف بن مازن: عرض للحسن بن علي رجل فقال: يا مسود وجوه المسلمين، فقال: لا تعذلني، فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريهم يلمون على منبره رجلاً فرجلاً، فأنزل الله تعالى " إنا أعطيناك الكوثر "، نهر في الجنة، " إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " يملكونه بعدي، يعني بني أمية.
قال فضيل بن مرزوق: أتى مالك بن ضمرة الحسن بن علي فقال: السلام عليك يا مسخم وجوه المؤمنين، قال: يا مالك، لا تقل ذلك، إني لما رأيت الناس تركوا ذلك إلا أهله خشيت أن يجتثوا عن وجه الأرض؛ فأردت أن يكون للدين في الأرض ناع، فقال: بأبي أنت وأمي " ذرية بعضها من بعض ".
قال جبير بن نفير الحضرمي: قلت للحسن بن علي: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله ثم أثيرها باتئاس أهل الحجاز؟!.
قال زيد بن أسلم: دخل رجل على الحسن المدينة وفي يده صحيفة، فقال: ما هذه؟ قال: من معاوية يعد فيها ويتوعد، قال: قد كنت على النصف منه، قال: أجل، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو أكثر أو أقل كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمه.
قال عمران بن عبد الله: رأى الحسن بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه: " قل هو الله أحد ". ففرح بذلك، قال: فبلغ سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقل ما بقي من أجله، قال: فلم يلبث الحسن بعدها إلا أياماً حتى مات.
قال عمير بن إسحاق: دخلت أنا ورجل من قريش على الحسن بن علي، فقام فدخل المخرج ثم خرج، فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مراراً، وما سقيته
مرة هي أشد من هذه، قال: وجعل يقول لذلك الرجل: سلني قبل أن لا تسألني، قال: ما أسألك شيئاً، يعافيك الله.
قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من غد، وقد أخذ في السوق، فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي من صاحبك؟ قال: تريد قتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان صاحبي الذي أظن لله أشد له نقمة، وإن لم يكنه ما أحب أن تقتل بي بريئاً.
قالت أم بكر بنت المسور: لما مات الحسن أقام نساء بني هاشم عليه النوح شهراً.
قال عبد الله بن حسين: كان الحسن بن علي رجلاً كثير نكاح النساء، وكن قلما يحظين عنده، وكان كل امرأة تزوجها إلا أحبته وضنت به، فيقال: إنه كان سقي، ثم أفلت ثم سقي فأفلت، ثم كانت الآخرة توفي فيها. فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه: هذا رجل قد قطع السم أمعاءه.
فقال الحسين: يا أبا محمد خبرني من سقاك؟ قال: ولم يا أخي؟ قال: أقتله، والله، قبل أن أدفنك، أولا أقدر عليه؟ أو يكون بأرض أتكلف الشخوص إليه؟ فقال: يا أخي، إنما هذه الدنيا ليال فانية، دعه حتى ألتقي أنا وهو عند الله، فأبى أن يسميه: قال: فقد سمعت بعض من يقول: كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سماً.
وعن أم موسى: أن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم، فاشتكى منه شكاة، قال: فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى نحواً من أربعين يوماً.
قال ابن جعدبة: كانت جعدة بنت الأشعث تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد أن سمي حسناً، إني زوجك؛ ففعلت.
فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا، فقال كثير ويرى للنجاشي: من السريع
يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل
لن تستري البيت على مثله ... في الناس من حاف ولا ناعل
أعني الذي أسلمه أهله ... للزمن المستخرج الماحل
كان إذا شبت له ناره ... يرفعها بالنسب الماثل
كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد قوم ليس بالآهل
يغلي بني اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على آكل
قال رقبة بن مصقلة: لما حضر الحسن بن علي قال: أخرجوا فراشي إلى الصحن حتى أنظر في ملكوت السموات، فأخرجوا فراشه، فرفع رأسه، فنظر فقال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك، فإنها أعز الأنفس علي، قال: فكان مما صنع الله له أن احتسب نفسه عنده.
وفي رواية: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها.
قال عبد الرحمن بن مهدي: لما اشتد بسفيان المرض جزع جزعاً شديداً، فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز، وكان شيخاً عاقلاً فقال: يا أبا عبد الله ما هذا الجزع؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة، صمت له، صليت له، حججت له، أرأيتك لو كان لك عند رجل يد، أليس كنت تحب أن تلقاه حتى يكافئك؟ قال: فسري عنه.
قال أبو جعفر: حدث بهذا السندي ونحن مع أبي نعيم، فقال أبو نعيم: لما اشتد المرض بالحسن بن علي بن أبي طالب جزع، قال: فدخل عليه رجل
فقال: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخديجة، وعلى أعمامك: حمزة وجعفر، وعلى أخوالك: القاسم والطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك: رقية وأم كلثوم وزينب. قال: فسري عنه.
وفي حديث بمعناه: فقال له الحسن: أي أخي إني أدخل في أمر من أمر الله، لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم ار مثله قط، قال: فبكى الحسين.
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما أن حضر الحسن بن علي الموت بكى بكاء شديداً، فقال له الحسين: ما يبكيك يا أخي؟ وإنما تقدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى علي وفاطمة وخديجة، وهم ولدوك، وقد أجرى الله لك على لسان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنك سيد شباب أهل الجنة، وقاسمت الله مالك ثلاث مرات، ومشيت إلى بيت الله على قدميك خمس عشرة مرة حاجاً، وإنما أراد أن يطيب نفسه. قال: فوالله ما زاده إلا بكاء وانتحاباً. وقال: يا أخي إني أقدم على أمر عظيم مهول لم أقدم على مثله قط.
قال أبو حازم: لما حضر الحسن، قال للحسين: ادفنوني عند أبي يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن تخافوا الدماء، فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً؛ ادفنوني عند مقابر المسلمين. قال: فلما قبض تسلح الحسين، وجمع مواليه، فقال أبو هريرة: أيدك الله، ووصية أخيك؟ فإن القوم لن يدعوك حتى تكون بينكم دماء. قال: فلم يزل به حتى رجع. قال: ثم دفنوه في بقيع الغرقد. فقال أبو هريرة: أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه فمنع، أكانوا قد ظلموه؟ قال: فقالوا: نعم. قال: فهذا ابن نبي الله، قد جيء به ليدفن مع أبيه.
وعن محمد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول يوم دفن الحسن بن علي: قاتل الله مروان قال: والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد دفن عثمان بالبقيع. فقلت: يا مروان! اتق الله ولا تقل لعلي إلا خيراً، فأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول يوم خيبر:
لأعطين الراية رجلاً يحبه الله ورسوله، ليس بفرار.
وأشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في حسن: اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه.
قال مروان: إنك والله قد أكثرت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث، فلا أسمع منك ما تقول، فهلم غيرك يعلم ما تقول، قال: قلت: هذا أبو سعيد الخدري. فقال مروان: لقد ضاع حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى لا يرويه إلا أنت وأبو سعيد الخدري. والله ما أبو سعيد الخدري يوم مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا غلام، ولقد جئت أنت من جبال دوس قبل وفاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتق الله يا أبا هريرة! قال: قلت: نعم ما أوصيت به وسكت عنه.
وعن أبي رافع وغيره: أن حسن بن علي بن أبي طالب أصابه بطن، فلما عرف بنفسه الموت أرسل إلى عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تأذن له أن يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها، فقالت: نعم بقي موضع قبر واحد قد كنت أحب أن أدفن فيه، وأنا أوثرك به.
فلما سمعت بنو أمية ذلك لبسوا السلاح فاستلأموا، وكان الذي قام بذلك مروان بن الحكم فقال: والله لا يدفن عثمان بن عفان بالبقيع، ويدفن حسن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولبست بنو هاشم السلاح وهموا بالقتال، وبلغ ذلك الحسن بن علي فأرسل إلى بني هاشم فقال لهم رسوله: يقول لكم الحسن: أما إذا بلغ الأمر هذا، فلا حاجة لي به، ادفنوني إلى جنب أمي فاطمة بالبقيع، فدفن إلى جنب فاطمة ابنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال محمد بن الضحاك الحرامي: لما بلغ مروان بن الحكم أنهم قد أجمعوا أن يدفنوا الحسن بن علي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاء إلى سعيد بن العاص وهو عامل المدينة، فذكر ذلك له، وقال: ما أنت صانع في أمرهم؟ فقال: لست منهم في شيء، ولست حائلاً بينهم وبين ذلك، قال: فخلني وإياهم. فقال: أنت وذاك. فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أمية وحشمهم ومواليهم. وبلغ
ذلك حسيناً، فجاء هو ومن معه في السلاح ليدفن حسناً في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأقبل مروان في أصحابه وهو يقول: من الرجز يا رب هيجا هي خير من دعه أيدفن عثمان بالبقيع ويدفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف، فلما صلوا على حسن خشي عبد الله بن جعفر أني يقع في ذلك ملحمة عظيمة، فأخذ بمقدم السرير ثم مضى به نحو البقيع، فقال له حسين: ما تريد؟ قال: عزمت عليك بحقي ألا تكلمني كلمة واحدة، فصار به إلى البقيع، فدفنه هناك، رحمه الله، وانصرف مروان ومن معه.
وبلغ معاوية ما كانوا أرادوا في دفن حسن في بيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما أنصفتنا بنو هاشم حين يزعمون أنهم يدفنون حسناً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد منعوا عثمان أن يدفن إلا في أقصى البقيع، إن يك ظني بمروان صادقاً لا يخلصون إلى ذلك، وجعل يقول: ويهاً مروان أنت لها.
قال الحسن بن محمد بن الحنفية: لما مرض حسن بن علي مرض أربعين ليلة، فلما استعز به وحضرت بنو هاشم، فكانوا لا يفارقونه، يبيتون عنده بالليل، وعلى المدينة سعيد بن العاص فكان سعيد يعوده، فمرة يؤذن له ومرة يحجب عنه، فلما استعز به بعث مروان بن الحكم رسولاً إلى معاوية يخبره بثقل الحسن بن علي.
وكان حسن رجلاً قد سقي وكان مبطوناً، إنما كان تختلف أمعاؤه، فلما حضر، كان عنده إخوته، عهد أن يدفن مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن استطيع ذلك، فإن حيل بينه وبينه وخيف أن يهراق فيه محجمة من دم، دفن مع أمه بالبقيع.
وجعل حسن يوعز إلى الحسين: يا أخي إياك أن تسفك الدماء في، فإن الناس سراع إلى الفتنة، فلما توفي الحسن ارتجت المدينة صياحاً، فلا تلقى أحداً إلا باكياً.
وأبرد مروان إلى معاوية يخبره بموت حسن وأنهم يريدون دفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنهم لا يصلون إلى ذلك أبداً وأنا حي.
فانتهى حسين بن علي إلى قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: احفروا ههنا، فسكت عنه سعيد بن العاص وهو الأمير، فاعتزل ولم يحل بينه وبينه، وصاح مروان في بني أمية ولفها، وتلبسوا السلاح وقال مروان: لا كان هذا أبداً، فقال له حسين: يا بن الزرقاء مالك ولهذا أوال أنت؟ قال: لا كان هذا ولا خلص إليه وأنا حي، فصاح حسين بحلف الفضول؛ فاجتمعت هاشم وتيم وزهرة وأسد وبنو جعونة بن شعوب من بني ليث قد تلبسوا السلاح، وعقد مروان لواء، وعقد حسين بن علي لواء.
فقال الهاشميون: يدفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى كانت بينهم المراماة بالنبل وابن جعونة بن شعوب يومئذ شاهر سيفه، فقام في ذلك رجال من قريش: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والمسور بن مخرمة بن نوفل، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول: يا بن عم ألم تسمع إلى عهد أخيك: إن خفت أن يهراق في محجمة دم فادفني بالبقيع مع أمي؟ أذكرك الله أن تسفك الدماء، وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يقول: ويعرض مروان لي ماله ولهذا؟
قال: فقال المسور بن مخرمة: يا أبا عبد الله اسمع مني: قد دعوتنا بحلف الفضول وأجبناك، تعلم أني سمعت أخال يقول قبل أن يموت بيوم: يا بن مخرمة إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن وجد إلى ذلك سبيلاً، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجمة من دم فليدفني مع أمي بالبقيع، وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء، ألا ترى ما ههنا من السلاح والرجال؟ والناس سراع إلى الفتنة.
قال: فجعل الحسين يأبى وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون: لا يدفن إلا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحسن بن محمد: سمعت أبي يقول: لقد رأيتني يومئذ، وإني لأريد أن أضرب عنق مروان، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجباً لذلك، إلا أني سمعت أخي يقول: إن خفتم أن يهراق في محجمة من دم فادفنوني بالبقيع، فقلت: يا أخي، يا أبا عبد الله، وكنت أرفقهم به، إنا لا ندع قتال هؤلاء القوم جبناً عنهم، ولكنا إنما نتبع وصية أبي محمد، إنه والله لو قال ادفنوني مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمتنا من آخرنا أو ندفنه مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنه خاف ما قد ترى، فقال: إن خفتم أن يهراق في محجم من دم فادفنوني مع أمي، فإنما نتبع عهده وننفذ أمره.
قال: فأطاع حسين بعد أن ظننت أنه لا يطيع، فاحتملناه حتى وضعناه بالبقيع، وحضر سعيد بن العاص ليصلي عليه فقالت بنو هاشم: لا يصلي عليه أبداً إلا حسين، قال: فاعتزل سعيد بن العاص، فوالله ما نازعنا في الصلاة، وقال: أنتم أحق بميتكم، فإن قدمتموني تقدمت، فقال حسين بن علي: تقدم، فلولا أن الأئمة تقدم ما قدمناك.
قال عباد بن عبد الله بن الزبير: سمعت عائشة تقول يومئذ: هذا الأمر لا يكون أبداً، ببقيع الغرقد ولا يكون لهم رابعاً؟ والله إنه لبيتي أعطانيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري، وما آثر علي عندنا بحسن.
قال نملة بن أبي نملة: أعظم الناس يومئذ أن يدفن معهم أحد، وقالوا لمروان: أصبت يا أبا عبد الملك لا يكون معهم رابع أبداً.
قال أبو حازم: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي، فرأيت الحسين بن علي يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه، ويقول: تقدم، فلولا أنها سنة ما قدمت، وكان بينهم شيء فقال أبو هريرة: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها؟ وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني.
قالت عائشة بنت سعد: حد نساء بني هاشم على حسن بن علي سنة.
قال عمرو بن بعجة: أول ذل دخل على العرب موت الحسن بن علي.
قال مساور مولى سعد بن بكر: رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات الحسن بن علي، ويبكي وينادي بأعلى صوته: يا أيها الناس! مات اليوم حب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فابكوا.
قال سلام أبو المنذر: قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي ليبكته بذلك. قال: فقال: لئن كان مات فإنه لا يسد بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقداً منه فجبر الله مصيبتنا.
قال ابن السماك: قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن يوم مات: رحمك الله أبا محمد، إن كنت لتناصر الحق مظانه، وتؤثر الله عند مداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة، وتفيض عيها يداً طاهرة، وتردع بادرة أعدائك بأيسر المؤنة عليك، وأنت ابن سلالة النبوة، ورضيع لبان الحكمة، وإلى روح وريحان وجنة نعيم، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الاتساء عليه.
قال عمر بن علي بن أبي طالب: لما قبض الحسن بن علي، ووقف على قبره أخوه محمد بن علي قال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى، وحليف أهل التقى، وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق، وربيت في حجر الإسلام، ورضعت ثدي
الإيمان، وطبت حياً وميتاً وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك، فلا نشك في الخيرة لك، رحمك الله ثم انصرف عن قبره.
قال جهم بن أبي جهم:
لما مات الحسن بن علي عليها السلام، بعث بنو هاشم إلى العوالي صائحاً يصيح في كل قرية من قرى الأنصار بموت حسن، فنزل أهل العوالي ولم يتخلف أحد عنه.
قال ثعلبة بن أبي مالك: شهدنا حسن بن علي يوم مات ودفناه بالبقيع، فلقد رأيت البقيع، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان.
قال أبو نجيح: بكى على حسن بن علي بمكة والمدينة سبعاً: النساء والصبيان والرجال.
قال سفيان بن عيينة: سمعت الهذلي يسأل جعفر بن محمد: كم كان لعلي حين قتل؟ قال: قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها الحسن، وقتل لها الحسين يعني ولهما هذا السن وهو توفي وهو ابن سبع واربعين، وكان يخضب بالوسمة، وقيل: توفي في سنة تسع وأربعين وهو ابن ست وأربعين سنة، وقيل: توفي في سنة خمسين وولد سنة ثلاث، وكانت ولايته سبعة أشهر وسبعة أيام.
قال الأعمش: أحدث رجل على قبر الحسن فجن، فجعل ينبح كما تنبح الكلاب، ومات فسمع من قبره يعوي ويصيح.
الحسن بن شبيب المعلم روى عن سفيان بن عيينة روى عنه احمد ابن جعفر البغدادي صاحب الفضل بن شاذان.