عبد الرحمن بن حسان بن ثابت
ابن المنذر بن حران بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو محمد - ويقال: أبو سعيد - الأنصاري الخزرجي المدني الشاعر يقال: إنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم دمشق في أيام معاوية، ووفد على يزيد بن معاوية.
حدث عبد الرحمن عن أبي قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوارات القبور.
وحدث عبد الرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا واختي ما ينهانا. فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس جالسان، ثم
حمل، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، وراى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله ان يتقنه. ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
وأم عبد الرحمن سيرين القبطية أخت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان فهو ابن خالة إبراهيم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يقول لعبد الرحمن بن حسان: أنشدني قول أحيحة بن الجلاح: الوافر
فهل من كاهن أو ذي إلهٍ ... إذا ما حان من ربي نزول
يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بني بما أقول
فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري وإن أزمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل
وما تدري وإن أضربت شولاً ... أتلقح بعد ذلك أم تحول
وما تدري وإن انتجت سقباً ... لأي الناس ينتج ذا الفصيل
وما من إخوة كثروا وطالوا ... بأيهم لأمهم الهبول
لما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما يمنعكم أن تلقوني؟! قال: لم يكن لنا دواب، قال معاوية: فأين النواضح؟ فقال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، قال: ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: إنكم سترون أثرة بعدي، قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبروا حتى تلقوه، فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك: الوافر
ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... أمير المؤمنين ثنا كلامي
فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام
قال يزيد بن معاوية لأبيه: ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك؟! فقال معاوية: وما قال؟ قال: يقول: الخفيف هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهرٍ مكنون فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
فإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناءٍ من المكارم دون
فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمرٍ مسنون
فقال معاوية: كذب.
قوله: خاصرتها أي أخذت بيدها، يقال: خرج القوم متخاصرين: إذا كان بعضهم آخذاً بيد بعض.
شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال: الخفيف
رمل هل تذكرين يوم غزالٍ ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني
إذ تقولين عمرك الله هل شي ... ء وإن جل سوف يسليك عني
أم هل أطعمت منكم يا بن حسا ... ن كما قد أراك أطمعت مني
فبلغ شعره يزيد، فغضب، ودخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تر إلى هذا العلج من أهل يثرب كيف يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا؟! قال: من هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان، وأنشده ما قال، فقال: يا يزيد، ليس العقوبة من أحدٍ أقبح منها من ذوي المقدرة، فأمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به، فلما دخلوا عليه قال: يا عبد الرحمن، الم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟! قال: بلى يا أمير المؤمنين، ولو علمت أحداً أشرف منها لشعري لشببت بها، قال: فأين أنت عن أختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟. قال: نعم، وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً فيكذب نفسه، فلم يرض يزيد ما كان من ذلك، فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال: اهج النصار؟ فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكني أدلك على الشاعر الكافر الماهر، فقال: من هو؟ قال: الأخطل فدعاه، فقال: اهج النصار، قال: أفرق من أمير المؤمنين، قال: لا تخف شيئاً، أنا لك بهذا، فهجاهم فقال: الكامل
وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارةٍ وحمار
لعن الإله من اليهود عصابةً ... بالجزع بين صليصل وصرار
خلوا المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
فبلغ الشعر النعمان بن بشير، فدخل على معاوية فحسر عن رأسه وعمامته وقال: يا أمير المؤمنين، أترى لؤماً؟! قال: بل أرى كرماً وخيراً، وما ذاك؟ قال: زعم
الخطل أن اللؤم تحت عمائمنا! قال: وفعل؟ قال: نعم. قال: فلك لسانه، وكتب ان يؤتى به. فلما أتي به قال للرسول: أدخلني على يزيد، فأدخله عليه، فقال: هذا الذي كنت أخاف؟! قال: فلا تخف شيئاً، ودخل على معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا؟ قال: هجاء الأنصار، قال: ومن يعلم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير، قال: لا يقبل قوله، وهو يدعي لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن ثبت شيئاً أخذت له، فدعاه بها، فلم يأت بشيء فخلاه.
ويروى أن عبد الرحمن بن حسان هجا قريشاً فقال: الكامل
أحياؤكم عار على موتاكم ... والميتون خزايةً للعار
فأرسل يزيد إلى كعب بن جعيل، فقال: اهج الأنصار، فقال: إن لهم عندي يداً في الجاهلية، فلا أجزيهم بهجائهم، ولكني أدلك على المغدف القناع، المنقوص السماع القطامي، فأمر القطامي، فقال: أنا امرؤ مسلم أخاف الله، وأستحي المسلمين من هجاء الأنصار، ولكني أدلك على من لا يخاف الله، ولا يستحي من الناس، قال: ومن هو؟ قال: الغلام المالكي الخطل، فأرسل إليه وأمره بذلك فقال: على أن تؤمنني، فقال: على أن أومنك، قال: فرفلني واكسني وأظهر إكرامي ففعل فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان فقال: الكامل
لعن الإله من اليهود عصابة ... بين الثوير فمدفع الثرثار
قوماً يدوسون النساء طوامثاً ... ويكون محفل ميتهم في النار
قوماً إذا هدر العصير رأيتهم ... حمراً عيونهم من المصطار
فاللؤم فوق أنوف تغلب كلها ... كالرقم فوق ذراع كل حمار
فقال الأخطل أبياته:
واللؤم تحت عمائم النصار
تلك الأبيات.
وقيل: إن الأخطل لما أتى يزيد ركب إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لي حاجة، قال: قد قضيتها إن لم يكن الأخطل، قال: وما لي وللأخطل؟ لعنه الله، ليس الخطل حاجتي، قال: قد قضيتها، قال: هب لي لسان النعمان بن بشير، قال: هو لك، وبلغ الخبر النعمان، فكف عن الأخطل.
لما أراد عبد الرحمن بن حسان أن يهاجي النجاشي قال له أبوه: هلم، فأنشدني من شعرك، فإنك تهاجي أشعر العرب. قال: فأنشده، فهوى حسان إلى شيء خلفه فعلاه به ضرباً، وقال: يا عاض كذا وكذا، أبهذا تهاجيه؟! اذهب، فقل ثلاث قصائد قبل أن تصبح. قال: فقال ثلاث قصائد في ليلته، ثم جاء بها، فعرضها عليه، فقال حسان: اذهب فابسط الشر على ذراعيك، فقال له: يا أبه، ما هذه وصية يعقوب بنيه، فقال له حسان: ما أبوك مثل يعقوب، ولا أنت مثل بني يعقوب، اعمد إلى أمرأة لطيفة بأخت النجاشي فمرها، فلتصفها لك، واجعل لها جعلاً، ففعل. فلما كانت أيام منى قيل له: إن ها هنا نفراً من بني عامر إخوة مطاعين في قومهم، فخرج إلى أمهم، فكلمها، وانتسب لها، وذكر الذي أراد، فأرسلت إليهم، فقالت: قوموا مع هذا الرجل، وكلموا بني عمكم، يقوموا معه، ففعلوا، وجعلوا له غبيطاً على نجيبة، ثم وتروا فوق الغبيط رجلاً، فجاء مشرفاً على الناس، وجاء النجاشي على فرس وهو يقول: الرجز
أنا النجاشي على جماز ... راغ ابن حسان من ارتجازي
روغ الحبارى من خوات البازي
فقال ابن حسان:
يا ليل يا أخت النجاشي اسلمي ... هل تذكرين ليلة بإضم
وليلة أخرى بحر الحرم ... والشامة السوداء بالمخدم
والخال بالكشح اللطيف الأهضم
قال: فانكسر النجاشي إذ أتى بما يعرف.
عاش حسان بن ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش أبوه ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش المنذر جده مئة سنة وأربع سنين، وعاش حرام جد أبيه مئة سنة وأربع سنين، وكان
ابن المنذر بن حران بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار أبو محمد - ويقال: أبو سعيد - الأنصاري الخزرجي المدني الشاعر يقال: إنه أدرك سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قدم دمشق في أيام معاوية، ووفد على يزيد بن معاوية.
حدث عبد الرحمن عن أبي قال: لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوارات القبور.
وحدث عبد الرحمن بن حسان عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلما صحت أنا واختي ما ينهانا. فلما مات نهانا عن الصياح، وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والعباس جالسان، ثم
حمل، فرأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شفير القبر، والعباس جالس إلى جنبه، ونزل في حفرته الفضل بن عباس، وأسامة بن زيد، وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد، وخسفت الشمس ذلك اليوم فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، وراى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجة في اللبن فأمر بها أن تسد، فقيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكن تقر بعين الحي، وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله ان يتقنه. ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر.
وأم عبد الرحمن سيرين القبطية أخت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهبها لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان فهو ابن خالة إبراهيم بن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيراً ما يقول لعبد الرحمن بن حسان: أنشدني قول أحيحة بن الجلاح: الوافر
فهل من كاهن أو ذي إلهٍ ... إذا ما حان من ربي نزول
يراهنني فيرهنني بنيه ... وأرهنه بني بما أقول
فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعول
وما تدري وإن أزمعت أمراً ... بأي الأرض يدركك المقيل
وما تدري وإن أضربت شولاً ... أتلقح بعد ذلك أم تحول
وما تدري وإن انتجت سقباً ... لأي الناس ينتج ذا الفصيل
وما من إخوة كثروا وطالوا ... بأيهم لأمهم الهبول
لما قدم معاوية المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري فقال معاوية: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، فما يمنعكم أن تلقوني؟! قال: لم يكن لنا دواب، قال معاوية: فأين النواضح؟ فقال أبو قتادة: عقرناها في طلبك وطلب أبيك يوم بدر، قال: ثم قال أبو قتادة: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنا: إنكم سترون أثرة بعدي، قال معاوية: فما أمركم؟ قال: أمرنا أن نصبر حتى نلقاه، قال: فاصبروا حتى تلقوه، فقال عبد الرحمن بن حسان حين بلغه ذلك: الوافر
ألا أبلغ معاوية بن حربٍ ... أمير المؤمنين ثنا كلامي
فإنا صابرون ومنظروكم ... إلى يوم التغابن والخصام
قال يزيد بن معاوية لأبيه: ألا ترى إلى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك؟! فقال معاوية: وما قال؟ قال: يقول: الخفيف هي زهراء مثل لؤلؤة الغواص ميزت من جوهرٍ مكنون فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
فإذا ما نسبتها لم تجدها ... في سناءٍ من المكارم دون
فقال معاوية: صدق، قال: فإنه يقول:
ثم خاصرتها إلى القبة الخضراء تمشي في مرمرٍ مسنون
فقال معاوية: كذب.
قوله: خاصرتها أي أخذت بيدها، يقال: خرج القوم متخاصرين: إذا كان بعضهم آخذاً بيد بعض.
شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية فقال: الخفيف
رمل هل تذكرين يوم غزالٍ ... إذ قطعنا مسيرنا بالتمني
إذ تقولين عمرك الله هل شي ... ء وإن جل سوف يسليك عني
أم هل أطعمت منكم يا بن حسا ... ن كما قد أراك أطمعت مني
فبلغ شعره يزيد، فغضب، ودخل على معاوية فقال: يا أمير المؤمنين، ألم تر إلى هذا العلج من أهل يثرب كيف يتهكم بأعراضنا ويشبب بنسائنا؟! قال: من هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان، وأنشده ما قال، فقال: يا يزيد، ليس العقوبة من أحدٍ أقبح منها من ذوي المقدرة، فأمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به، فلما دخلوا عليه قال: يا عبد الرحمن، الم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟! قال: بلى يا أمير المؤمنين، ولو علمت أحداً أشرف منها لشعري لشببت بها، قال: فأين أنت عن أختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟. قال: نعم، وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً فيكذب نفسه، فلم يرض يزيد ما كان من ذلك، فأرسل إلى كعب بن جعيل فقال: اهج النصار؟ فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكني أدلك على الشاعر الكافر الماهر، فقال: من هو؟ قال: الأخطل فدعاه، فقال: اهج النصار، قال: أفرق من أمير المؤمنين، قال: لا تخف شيئاً، أنا لك بهذا، فهجاهم فقال: الكامل
وإذا نسبت ابن الفريعة خلته ... كالجحش بين حمارةٍ وحمار
لعن الإله من اليهود عصابةً ... بالجزع بين صليصل وصرار
خلوا المكارم لستم من أهلها ... وخذوا مساحيكم بني النجار
ذهبت قريش بالمكارم والعلا ... واللؤم تحت عمائم الأنصار
فبلغ الشعر النعمان بن بشير، فدخل على معاوية فحسر عن رأسه وعمامته وقال: يا أمير المؤمنين، أترى لؤماً؟! قال: بل أرى كرماً وخيراً، وما ذاك؟ قال: زعم
الخطل أن اللؤم تحت عمائمنا! قال: وفعل؟ قال: نعم. قال: فلك لسانه، وكتب ان يؤتى به. فلما أتي به قال للرسول: أدخلني على يزيد، فأدخله عليه، فقال: هذا الذي كنت أخاف؟! قال: فلا تخف شيئاً، ودخل على معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا؟ قال: هجاء الأنصار، قال: ومن يعلم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير، قال: لا يقبل قوله، وهو يدعي لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن ثبت شيئاً أخذت له، فدعاه بها، فلم يأت بشيء فخلاه.
ويروى أن عبد الرحمن بن حسان هجا قريشاً فقال: الكامل
أحياؤكم عار على موتاكم ... والميتون خزايةً للعار
فأرسل يزيد إلى كعب بن جعيل، فقال: اهج الأنصار، فقال: إن لهم عندي يداً في الجاهلية، فلا أجزيهم بهجائهم، ولكني أدلك على المغدف القناع، المنقوص السماع القطامي، فأمر القطامي، فقال: أنا امرؤ مسلم أخاف الله، وأستحي المسلمين من هجاء الأنصار، ولكني أدلك على من لا يخاف الله، ولا يستحي من الناس، قال: ومن هو؟ قال: الغلام المالكي الخطل، فأرسل إليه وأمره بذلك فقال: على أن تؤمنني، فقال: على أن أومنك، قال: فرفلني واكسني وأظهر إكرامي ففعل فبلغ ذلك عبد الرحمن بن حسان فقال: الكامل
لعن الإله من اليهود عصابة ... بين الثوير فمدفع الثرثار
قوماً يدوسون النساء طوامثاً ... ويكون محفل ميتهم في النار
قوماً إذا هدر العصير رأيتهم ... حمراً عيونهم من المصطار
فاللؤم فوق أنوف تغلب كلها ... كالرقم فوق ذراع كل حمار
فقال الأخطل أبياته:
واللؤم تحت عمائم النصار
تلك الأبيات.
وقيل: إن الأخطل لما أتى يزيد ركب إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، لي حاجة، قال: قد قضيتها إن لم يكن الأخطل، قال: وما لي وللأخطل؟ لعنه الله، ليس الخطل حاجتي، قال: قد قضيتها، قال: هب لي لسان النعمان بن بشير، قال: هو لك، وبلغ الخبر النعمان، فكف عن الأخطل.
لما أراد عبد الرحمن بن حسان أن يهاجي النجاشي قال له أبوه: هلم، فأنشدني من شعرك، فإنك تهاجي أشعر العرب. قال: فأنشده، فهوى حسان إلى شيء خلفه فعلاه به ضرباً، وقال: يا عاض كذا وكذا، أبهذا تهاجيه؟! اذهب، فقل ثلاث قصائد قبل أن تصبح. قال: فقال ثلاث قصائد في ليلته، ثم جاء بها، فعرضها عليه، فقال حسان: اذهب فابسط الشر على ذراعيك، فقال له: يا أبه، ما هذه وصية يعقوب بنيه، فقال له حسان: ما أبوك مثل يعقوب، ولا أنت مثل بني يعقوب، اعمد إلى أمرأة لطيفة بأخت النجاشي فمرها، فلتصفها لك، واجعل لها جعلاً، ففعل. فلما كانت أيام منى قيل له: إن ها هنا نفراً من بني عامر إخوة مطاعين في قومهم، فخرج إلى أمهم، فكلمها، وانتسب لها، وذكر الذي أراد، فأرسلت إليهم، فقالت: قوموا مع هذا الرجل، وكلموا بني عمكم، يقوموا معه، ففعلوا، وجعلوا له غبيطاً على نجيبة، ثم وتروا فوق الغبيط رجلاً، فجاء مشرفاً على الناس، وجاء النجاشي على فرس وهو يقول: الرجز
أنا النجاشي على جماز ... راغ ابن حسان من ارتجازي
روغ الحبارى من خوات البازي
فقال ابن حسان:
يا ليل يا أخت النجاشي اسلمي ... هل تذكرين ليلة بإضم
وليلة أخرى بحر الحرم ... والشامة السوداء بالمخدم
والخال بالكشح اللطيف الأهضم
قال: فانكسر النجاشي إذ أتى بما يعرف.
عاش حسان بن ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش أبوه ثابت مئة سنة وأربع سنين، وعاش المنذر جده مئة سنة وأربع سنين، وعاش حرام جد أبيه مئة سنة وأربع سنين، وكان
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت روى عن أبيه روى عنه عبد الرحمن بن بهمان سمعت أبي يقول ذلك.
عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثَابت كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيد يَرْوِي عَن أَبِيه روى عَنهُ أهل الْمَدِينَة وعَبْد الرَّحْمَن بْن بهمان وَقد قِيلَ أَن حَرَامًا أَبَا الْمُنْذر عَاشَ عشْرين وَمِائَة سنة وعاش ابْنه الْمُنْذر عشْرين وَمِائَة سنة وعاش بن ابْنه ثَابت بْن الْمُنْذر عشْرين وَمِائَة سنة وَكَانَ حسان بْن ثَابت قد عَاشَ عشْرين وَمِائَة سنة وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان إِذا ذكر هَذَا الحَدِيث اسْتلْقى على فرَاشه وَضحك وتمدد مَاتَ سنة أَربع وَمِائَة وَهُوَ بن اثْنَيْنِ وَسبعين سنة وقِيلَ وَهُوَ بن ثَمَان وَأَرْبَعين سنة أمه سِيرِين أُخْت مَارِيَة الْقبْطِيَّة