يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب
ابن أبي صفرة، الأزدي المهلبي البصري قدم دمشق صحبة المنصور، ووجهه منها والياً على المغرب. وولي مصر للمنصور، وولي المغرب للمنصور، المهدي، والهادي، وبعض أيام الرشيد قال يزيد بن حاتم: قال ابن زياد حين قدم الشام: لقد منعتني قبيلة، ما رموا دوني بسهم، ولا حجر
فقال له رجل من أسد الشراة: فمن أين جئت؟ أما والله لئن كفرتهم، لقبلك ما كفرهم أبوك.
قال يزيد بن حاتم: ولاني المنصور المغرب - وهو بدمشق - وخرج معي يشيعني، فتغير لذلك أقوام منهم شبيب بن شيبة، وشبة بن عقال التميميان، ورفعا إلى المنصور كتاباً، لم يألوا فيه الحمل علينا والذكر لمساوئنا، ويخوف المنصور منا، فأقرأني المنصور كتابهما، ثم قال لي: إني لم أدفعه إليك، لتحتج وقد كفيتك الحجاج، إني لما دفعا إلي هذا الكتاب أعلمتهما أنك غائب عن الحجة، وإني أقوم بها عنك، خبرتهما ببدء أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه الناس إلى الله، وإلى دينه، وامتناعهم منه غيرك وغير قومك، فلما قبض الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج الأمر عن أهله بغيرك وغير قومك، فلما أراد الله أن يظهر حقهم أجراه على يديك، وأيدي قومك، وكان لك ولأهل بيتك حظ غبر مجهول، حتى بلغ الله في ذلك ما بلغ، وقلت لهما: أردتما أن تجعلا لأنفسكما في هذا الأمر حظاً كحظ يزيد، وحقاً كحقه، ثم عددت عليهما أمر سلم بن قتيبة، وعامر بن ضبارة، وغيرهما ممن كان يقاتل في طاعة مروان الجعدي، وقلت لهما: لولا أني لم أتقدم إليكما لأحسنت أدبكما، ولئن بلغني أنه جرى لهذا ذكر على ألسنتكما بعد يومي هذا لأوقعكن بكما، ثم دفع إلي الكتاب فشكرته على ذلك ودعوت له.
فلما صرت بإفريقية وجه إلي المنصور شبيب بن شيبة في بعض ما كان يتوجه في مثله الخطباء، فلم أعرفه شيئاً من ذلك، ولم أؤاخذه، وبلغت به بعض ما أمل عندي. فلما أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلا على مودتي أهل بيتي فقلت له: ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين! ودعوت بالكتاب، فأقر، وسأل الإقالة، وحسن الصفح، فقلت له: لولا أنك ذكرت ما ذكرت، ولولا أني كرهت أنك تستغبيني، وتظن أني جاهل بك لم أوقفك على هذا، وسأل دفع الكتاب إليه، فلم آمن أن يرجع به إلى المنصور، فأمرت بتخريقه.
قال يزيد بن حاتم: كنت على باب المنصور أنا ويزيد بن أسيد إذ فتح باب القصر، وخرج إلينا خادم للمنصور، فنظر إلينا ثم انصرف عادياً، فأخرج رأسه من الستر وقال:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
ثم انصرف ثم عاد، فأنشد ذلك ثلاث مرات، فقال يزيد بن أسيد، وتمتم: نعم نعم على رغم أنفك وأنف من أرسلك، فرجع الخادم فأبلغها المنصور، فبلغنا أنه ضحك حتى استلقى.
قال صفوان بن صفوان من بني الحارث بن الخزرج: كنا مع يزيد بن حاتم فقال: استنقوا إلي ثلاثة أبيات، فقلت: أفيك؟ قال: فيمن شئتم، فكأنها كانت في كمي فقلت:
لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به ... حتى لقيت يزيداً عصمة الناس
لقيت أجود من يمشي على قدم ... مفضلاً برداء الجود والباس
لو نيل بالمجد ملك كنت صاحبه ... وكنت أولى به من آل عباس
ثم كففت، فقال: أتمم: " من آل عباس "، قلت: لا يصلح، فقال: لا يسمعن هذا منك أحد.
قال الجاحظ: قال الأصمعي يوماً وقد جئته مسلماً، وذكر الشعراء المحسنين المداحين من المولدين،
فقال لي: يا أبا عثمان، ابن المولى من المحسنين المداحين، ولقد أسهرني في ليلتي هذه حسن مديحه يزيد بن حاتم حيث يقول:
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
وإذا تخيل من سحاب لامع ... سبقت مخيلته يد المستطمر
فإذا صنعت صنيعة أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدر
وإذا الفوارس عددت أبطالها ... عدوك في أبطالهم بالخنصر
وقال ربيعة بن ثابت يمدح يزيد بن حاتم، ويهجو يزيد بن أسيد السلمي:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم
يزيد سليم سالم المال والفتى ... أخو الأزد للأموال غير مسالم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
وهم الفتى القيسي دف ولعبة ... وهم الفتى الأزدي ضرب الجماجم
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
كان يزيد بن حاتم بإفريقية وولد له بالبصرة مولود، فأتاه بشير يبشره به فسماه المغيرة، وكان عنده المشهر التميمي فقال: بارك الله لك فيه، وبارك له في بنيه كما بارك لجده في أبيه.
وكان خروج يزيد إلى إفريقية في سنة خمس وخمسين ومئة ففتحها، وتوفي بها سنة سبعين ومئة.
ابن أبي صفرة، الأزدي المهلبي البصري قدم دمشق صحبة المنصور، ووجهه منها والياً على المغرب. وولي مصر للمنصور، وولي المغرب للمنصور، المهدي، والهادي، وبعض أيام الرشيد قال يزيد بن حاتم: قال ابن زياد حين قدم الشام: لقد منعتني قبيلة، ما رموا دوني بسهم، ولا حجر
فقال له رجل من أسد الشراة: فمن أين جئت؟ أما والله لئن كفرتهم، لقبلك ما كفرهم أبوك.
قال يزيد بن حاتم: ولاني المنصور المغرب - وهو بدمشق - وخرج معي يشيعني، فتغير لذلك أقوام منهم شبيب بن شيبة، وشبة بن عقال التميميان، ورفعا إلى المنصور كتاباً، لم يألوا فيه الحمل علينا والذكر لمساوئنا، ويخوف المنصور منا، فأقرأني المنصور كتابهما، ثم قال لي: إني لم أدفعه إليك، لتحتج وقد كفيتك الحجاج، إني لما دفعا إلي هذا الكتاب أعلمتهما أنك غائب عن الحجة، وإني أقوم بها عنك، خبرتهما ببدء أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعائه الناس إلى الله، وإلى دينه، وامتناعهم منه غيرك وغير قومك، فلما قبض الله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج الأمر عن أهله بغيرك وغير قومك، فلما أراد الله أن يظهر حقهم أجراه على يديك، وأيدي قومك، وكان لك ولأهل بيتك حظ غبر مجهول، حتى بلغ الله في ذلك ما بلغ، وقلت لهما: أردتما أن تجعلا لأنفسكما في هذا الأمر حظاً كحظ يزيد، وحقاً كحقه، ثم عددت عليهما أمر سلم بن قتيبة، وعامر بن ضبارة، وغيرهما ممن كان يقاتل في طاعة مروان الجعدي، وقلت لهما: لولا أني لم أتقدم إليكما لأحسنت أدبكما، ولئن بلغني أنه جرى لهذا ذكر على ألسنتكما بعد يومي هذا لأوقعكن بكما، ثم دفع إلي الكتاب فشكرته على ذلك ودعوت له.
فلما صرت بإفريقية وجه إلي المنصور شبيب بن شيبة في بعض ما كان يتوجه في مثله الخطباء، فلم أعرفه شيئاً من ذلك، ولم أؤاخذه، وبلغت به بعض ما أمل عندي. فلما أراد الانصراف ذكر أنه لم يكن قط إلا على مودتي أهل بيتي فقلت له: ولا يوم دفعت الكتاب إلى أمير المؤمنين! ودعوت بالكتاب، فأقر، وسأل الإقالة، وحسن الصفح، فقلت له: لولا أنك ذكرت ما ذكرت، ولولا أني كرهت أنك تستغبيني، وتظن أني جاهل بك لم أوقفك على هذا، وسأل دفع الكتاب إليه، فلم آمن أن يرجع به إلى المنصور، فأمرت بتخريقه.
قال يزيد بن حاتم: كنت على باب المنصور أنا ويزيد بن أسيد إذ فتح باب القصر، وخرج إلينا خادم للمنصور، فنظر إلينا ثم انصرف عادياً، فأخرج رأسه من الستر وقال:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
ثم انصرف ثم عاد، فأنشد ذلك ثلاث مرات، فقال يزيد بن أسيد، وتمتم: نعم نعم على رغم أنفك وأنف من أرسلك، فرجع الخادم فأبلغها المنصور، فبلغنا أنه ضحك حتى استلقى.
قال صفوان بن صفوان من بني الحارث بن الخزرج: كنا مع يزيد بن حاتم فقال: استنقوا إلي ثلاثة أبيات، فقلت: أفيك؟ قال: فيمن شئتم، فكأنها كانت في كمي فقلت:
لم أدر ما الجود إلا ما سمعت به ... حتى لقيت يزيداً عصمة الناس
لقيت أجود من يمشي على قدم ... مفضلاً برداء الجود والباس
لو نيل بالمجد ملك كنت صاحبه ... وكنت أولى به من آل عباس
ثم كففت، فقال: أتمم: " من آل عباس "، قلت: لا يصلح، فقال: لا يسمعن هذا منك أحد.
قال الجاحظ: قال الأصمعي يوماً وقد جئته مسلماً، وذكر الشعراء المحسنين المداحين من المولدين،
فقال لي: يا أبا عثمان، ابن المولى من المحسنين المداحين، ولقد أسهرني في ليلتي هذه حسن مديحه يزيد بن حاتم حيث يقول:
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري
وإذا تخيل من سحاب لامع ... سبقت مخيلته يد المستطمر
فإذا صنعت صنيعة أتممتها ... بيدين ليس نداهما بمكدر
وإذا الفوارس عددت أبطالها ... عدوك في أبطالهم بالخنصر
وقال ربيعة بن ثابت يمدح يزيد بن حاتم، ويهجو يزيد بن أسيد السلمي:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم
يزيد سليم سالم المال والفتى ... أخو الأزد للأموال غير مسالم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
وهم الفتى القيسي دف ولعبة ... وهم الفتى الأزدي ضرب الجماجم
فلا يحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم
كان يزيد بن حاتم بإفريقية وولد له بالبصرة مولود، فأتاه بشير يبشره به فسماه المغيرة، وكان عنده المشهر التميمي فقال: بارك الله لك فيه، وبارك له في بنيه كما بارك لجده في أبيه.
وكان خروج يزيد إلى إفريقية في سنة خمس وخمسين ومئة ففتحها، وتوفي بها سنة سبعين ومئة.