وحشي بن حرب
أبو دسمة الحبشي مولى جبير بن مطعم النوفلي ويقال: كان عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل وحشي قاتل حمزة عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسلم على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد بن الوليد إلى اليمامة، وقدم معه الشام، وشهد اليرموك، والظاهر أنه شهد فتح دمشق.
حدث وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تأكلون وأنتم متفرقون، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله على أوله واحمدوه على آخره يبارك لكم فيه ".
كان وحشي أسود من سودان مكة عبداً، ولم يبلغنا أنه شهد بدراً مع المشركين، ولكنه خرج معهم إلى أحد، فقالت له ابنة الحارث بن نوفل بن عامر: إن أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر؛ إن قتلت محمداً أو حمزة أو علي بن أبي طالب.
ولما فتحت حمص نزلها، ووقع في الخمر يشربها. ولبس المعصفر المصقول، فكان أول من ضرب في الخمر بالشام، وأول من ليس المعصفرات في الشام.
ومات بحمص في بركة خمر.
وحدث وجشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: كان معاوية ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما يليني منك؟ قال: بطني، قال: اللهم املأه علماً وحلماً.
قال: في إسناده نظر.
ويقال: إنه قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وجاهد أهل الردة.
قيل: إنه رمى مسيلمة الكذاب هو والأنصاري، فقتل مسيلمة من ضربتيهما.
قال ابن عباس: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل وحشي مع النفر، ولم يكن المسلمون على أحدٍ أحرص منهم على وحشي؛ فهرب وحشي إلى الطائف، فلم يزل به مقيماً حتى قدم في وفد الطائف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فقال: وحشي؟! قال: نعم، قال: اجلس، حدثني كيف قتلت حمزة، فأخبره. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيب عني وجهك.
قال: فكنت إذا رأيته تواريت عنه حتى خرج الناس إلى مسيلمة، فدفعت إلى مسيلمة فزرقته بالحربة، وضربه رجل من الأنصار، فربك أعلم أينا قتله.
قال جعفر بن عمرو بن أمية: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار غازيين الصائفة في زمن معاوية، فلما قفلنا مررنا بحمص، وبها وحشي، فقال عبيد الله بن عدي: هل لك أن نأتي وحشياً ونسأله عن قتل حمزة، كيف كان؟ فقلت: نعم، إن شئت.
فسألنا عنه، فقال لنا قائل: إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة، وهو رجل غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً غريباً وتجدا منه الذي تريدان أن تسألا عنه، وإن تجداه قد ثمل منها فانصرفا عنه.
فوافيناه شيخاً كثير السواد، رأسه مثل الثغام بفناء داره على طنفسة صاحياً. فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار: أنت؟ قال: نعم، قال: أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، وهي على بعيرها، إلى اليوم، فلما رأيتك عرفتك.
فجلسنا إليه، وقلنا: أتيناك نسألك عن حديث قتلك حمزة، فقال: أنا سأحدثكم بما حدثت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت بمكة لجبير بن مطعم، وكان طعمة بن عدي عمه قتل يوم بدر، فقال: إن قتلت حمزة عم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنت حر، وكانت لي حربة أقذف بها قلماً أجلتها إلا قتلت.
فخرجت مع الناس يوم أحد وإنما حاجتي قتل حمزة، فلما التقى الناس أخذت حربتي، وخرجت أنظر حمزة، وهو في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهذ الناس بسيفه هذاً، فدنا مني إلا أنه تستر مني بأصل شجرة أو صخرة، إذ بدر من الناس فلان بن عبد العزى، وفي حديث: سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال: هلم يا بن مقطعة البظور، فضربه، فوالله لكأنما أخطأ رأسه.
زاد في رواية: ما رأيت شيئاً أسرع من سقوط رأسه. وكانت أمه ختانة بمكة.
وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت بين كتفيه حتى خرجت من بين ثدييه، فتركته واستأخرت عنه حتى مات، رحمه الله، ثم قمت إليه حتى انتزعتها منه.
ثم أتيت العسكر فقعدت فيه، فلم يكن لي حاجة بغيره، وإنما قتلته لأعتق، فلما
قدمنا مكة عتقت، وأقمت بها حتى فتحت مكة، ثم هربت إلى الطائف.
فلما خرج وفد ثقيف إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضاقت علي الأرض بما رحبت، فقلت: ألحق باليمن أو بالشام، فوالله إني في غم ذلك إذ قال لي قائل: ويحك! الحق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله ما يقتل أحداً دخل في دينه، وتشهد بشهادته.
فخرجت حتى قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلم يرعه إلا أني قائم على رأسه، أشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: وحشي؟! قلت: نعم، قال: اجلس فحدثني كيف كان قتلك حمزة، فجلست بين يديه، فحدثته كما حدثتكم، ثم قال: ويحك يا وحشي! غيب عني وجهك فلا أراك؛ فكنت أتنكب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفي.
فلما سار المسبمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي، فلما التقى المسلمون وبنو حنيفة نظرت إلى مسيلمة، ووالله ما أعرفه، وبيده سيفه، ورجل آخر من الأنصار يريده من ناحية أخرى، وكلانا يتهيأ له، حتى إذا أمكنتني منه الفرصة دفعت إليه حربتي، فوقعت فيه وسيف الأنصاري يضربه، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير البرية بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتلت شر الناس.
قال عبد الله بن عمر، وشهد اليمامة: سمعت رجلاً يصيح، يقول قتله العبد الأسود، يعني مسيلمة.
وعن وحشي قال: لما أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: لا ترني وجهك.
قال ابن عباس: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك وزنى " يلقى أثاماً، يضاعف له
العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً " وأنا قد صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً ".
فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد: إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فلعلي لا أقدر على هذا؛ فأنزل الله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".
فقال وحشي: يا محمد، أرى بعد مشيئة، فلا أدري يغفر لي أم لا، فهل غير هذا؟ فأنزل الله عز وجل: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ".
قال: وحشي هذا، فجاء وأسلم، فقال الناس: يا رسول الله، إذا أصبنا ما أصاب وحشي؟ قال: هي للمسلمين عامة.
وعن ابن عباس قال: جاء وحشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد جئتك مستجيراً بك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد كنت أحب أن أراك على خير جوار، فأما إذا كنت مستجيراً فأنت في جواري حتى أسمع كلام الله. قال: فإني أشركت بالله العظيم، وقتلت النفس التي حرم الله، فهل تقبل من مثلي توبة؟
فصمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجبه حتى نزل عليه القرآن: " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " إلى قوله: " يبدل الله
سيئاتهم حسنات ". فقرأها عليه؛ فقال: أرى شرطاً، فلعلي لا أعمل صالحاً، أنا في جوارك حتى تسمع كلام الله، فنزلت: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، فدعاه فقرأها عليه، فقال وحشي: فلعلي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، قال: فنزلت: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " الآية، فقال وحشي: الآن لا أرى شرطاً، فتشهد وأسلم.
وقال وحشي: إنه وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اثنين وسبعين رجلاً من الحبشة، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قودني عليهم، وعقد لي راية صفراء، ذراعين في ذراعين، وفيها هلال أبيض وعذبتان سوداوان، وبينهما عذبة بيضاء، وجعل لي شعارنا: كل خير، وكان منهم ذو مخبر وذو مهدم وذو مناحب وذو دجن، فقال لهم: انتسبوا، فقال ذو مهدم: من الطويل
على عهد ذي القرنين كانت سيوفنا ... صوارم يفلقن الحديد المذكرا
وهود أبونا سيد الناس كلهم ... وفي زمن الأحقاب عزاً ومفخرا
فمن كان يعمى على أبيه فإننا ... وجدنا أبانا العدملي المشهرا
وعن وحشي: أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار والمنافقين ".
ثم قال أبو بكر: يا وحشي اخرج معه فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله، فخرجت معه.
فقاتلنا كفرة العرب حتى رجعوا، ثم جاءنا كتاب أبي بكر بالمسير إلى مسيلمة الكذاب وكفار بني حنيفة؛ فمضينا لذلك، فلقيناهم، فقاتلوا قتالاً شديداً، فهزمونا ثلاث مرات، ثم ثبت الله أقدامنا في الرابعة، وصبرنا لوقع السيوف واختلافها على رؤوسنا حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها، وسمعت لها أصواتاً كأصوات الأجراس، ونصرنا الله وهزم بني حنيفة، وقتل الله مسيلمة، فلقد ضربت يومئذ بسيفي حتى غري قائمه في كفي من دمائهم، وكتبوا بفتح الله ونصره إلى أبي بكر.
وصرخ يومئذ صارخ بقتل مسيلمة يقول: قتله العبد الأسود، فقلنا: قتله الله.
وقال يومئذ: إنكم يا معشر المسلمين تقولون: إني قتلت حمزة، فإن أك قد قتلت خير الناس، فقد قتلت شر الناس، فهذه بهذه.
وقوله تعالى: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " نزلت في قاتل حمزة.
وقال وحشي: لما فتحنا اليرموك مع أبي عبيدة بن الجراح بقيت مغارة للروم فيها عدة من فرسانهم وغير ذلك لا يستطاع فتحها، فقالوا: من لها؟ فقلت: أنا لها، هل من درع؟ فأتوني بدرع فلبستها على درعي، ثم قلت: هل من درع أخرى؟ فأتوني بدرع أيضاً، فلبستها كهيئة السراويل، وشددتها علي شداً جيداً، وأخذت سيفي بيدي، وأخذت حبلاً، ووضعته في وسطي، وأمرتهم أن يدلوني في المغارة.
فقالوا: يا أبا حرب، قد كبرت سنك، وما إن تجشم ذا. فقلت له: ما رحمت نفسي منذ صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلوني، فقتلت فرسانها وأحرقت من كان فيها،
ولقد كنت أسمع سيفي في رؤوسهم كالفأس في الحطب الجزل، ولقد غريت يدي على سيفي من الدم، وما أخرجته من يدي حتى أنقعته بالماء الساخن.
قال: ولما قدمنا حمص مع أبي عبيدة بن الجراح برز إلي بطريق من بطارقة الروم على باب الرستن، فقتلته، ولبست ثوبه، وركبت دابته، ودخلت السوق حتى أتيت باب يهود، فضربت سلسلته بسيفي فقطعتها، فدخل الناس، فنزلت دار أصطفيس، وأنزلت أصحابي حولي.
وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كتب إلي كتاباً كتب: من محمد رسول الله إلى وحشي الحبشي.
وعن عمر بن الخطاب قال: ما زالت لوحشي في نفسي حتى أخذ قد شرب الخمر بالشام، فجلد الحد، فحططت عطاءه إلى ثلاث مئة.
وكان فرض له عمر ألفين.
أبو دسمة الحبشي مولى جبير بن مطعم النوفلي ويقال: كان عبداً لابنة الحارث بن عامر بن نوفل وحشي قاتل حمزة عم سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسلم على عهد سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرج مع خالد بن الوليد إلى اليمامة، وقدم معه الشام، وشهد اليرموك، والظاهر أنه شهد فتح دمشق.
حدث وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده: أن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تأكلون وأنتم متفرقون، قال: فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله على أوله واحمدوه على آخره يبارك لكم فيه ".
كان وحشي أسود من سودان مكة عبداً، ولم يبلغنا أنه شهد بدراً مع المشركين، ولكنه خرج معهم إلى أحد، فقالت له ابنة الحارث بن نوفل بن عامر: إن أبي قتل يوم بدر، فإن أنت قتلت أحد الثلاثة فأنت حر؛ إن قتلت محمداً أو حمزة أو علي بن أبي طالب.
ولما فتحت حمص نزلها، ووقع في الخمر يشربها. ولبس المعصفر المصقول، فكان أول من ضرب في الخمر بالشام، وأول من ليس المعصفرات في الشام.
ومات بحمص في بركة خمر.
وحدث وجشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده قال: كان معاوية ردف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما يليني منك؟ قال: بطني، قال: اللهم املأه علماً وحلماً.
قال: في إسناده نظر.
ويقال: إنه قتل مسيلمة الكذاب يوم اليمامة، وجاهد أهل الردة.
قيل: إنه رمى مسيلمة الكذاب هو والأنصاري، فقتل مسيلمة من ضربتيهما.
قال ابن عباس: أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتل وحشي مع النفر، ولم يكن المسلمون على أحدٍ أحرص منهم على وحشي؛ فهرب وحشي إلى الطائف، فلم يزل به مقيماً حتى قدم في وفد الطائف على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدخل عليه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فقال: وحشي؟! قال: نعم، قال: اجلس، حدثني كيف قتلت حمزة، فأخبره. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غيب عني وجهك.
قال: فكنت إذا رأيته تواريت عنه حتى خرج الناس إلى مسيلمة، فدفعت إلى مسيلمة فزرقته بالحربة، وضربه رجل من الأنصار، فربك أعلم أينا قتله.
قال جعفر بن عمرو بن أمية: خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار غازيين الصائفة في زمن معاوية، فلما قفلنا مررنا بحمص، وبها وحشي، فقال عبيد الله بن عدي: هل لك أن نأتي وحشياً ونسأله عن قتل حمزة، كيف كان؟ فقلت: نعم، إن شئت.
فسألنا عنه، فقال لنا قائل: إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة، وهو رجل غلبت عليه الخمر، فإن تجداه صاحياً تجدا رجلاً غريباً وتجدا منه الذي تريدان أن تسألا عنه، وإن تجداه قد ثمل منها فانصرفا عنه.
فوافيناه شيخاً كثير السواد، رأسه مثل الثغام بفناء داره على طنفسة صاحياً. فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي، فقال عبيد الله بن عدي بن الخيار: أنت؟ قال: نعم، قال: أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى، وهي على بعيرها، إلى اليوم، فلما رأيتك عرفتك.
فجلسنا إليه، وقلنا: أتيناك نسألك عن حديث قتلك حمزة، فقال: أنا سأحدثكم بما حدثت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كنت بمكة لجبير بن مطعم، وكان طعمة بن عدي عمه قتل يوم بدر، فقال: إن قتلت حمزة عم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنت حر، وكانت لي حربة أقذف بها قلماً أجلتها إلا قتلت.
فخرجت مع الناس يوم أحد وإنما حاجتي قتل حمزة، فلما التقى الناس أخذت حربتي، وخرجت أنظر حمزة، وهو في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهذ الناس بسيفه هذاً، فدنا مني إلا أنه تستر مني بأصل شجرة أو صخرة، إذ بدر من الناس فلان بن عبد العزى، وفي حديث: سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال: هلم يا بن مقطعة البظور، فضربه، فوالله لكأنما أخطأ رأسه.
زاد في رواية: ما رأيت شيئاً أسرع من سقوط رأسه. وكانت أمه ختانة بمكة.
وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت بين كتفيه حتى خرجت من بين ثدييه، فتركته واستأخرت عنه حتى مات، رحمه الله، ثم قمت إليه حتى انتزعتها منه.
ثم أتيت العسكر فقعدت فيه، فلم يكن لي حاجة بغيره، وإنما قتلته لأعتق، فلما
قدمنا مكة عتقت، وأقمت بها حتى فتحت مكة، ثم هربت إلى الطائف.
فلما خرج وفد ثقيف إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضاقت علي الأرض بما رحبت، فقلت: ألحق باليمن أو بالشام، فوالله إني في غم ذلك إذ قال لي قائل: ويحك! الحق بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله ما يقتل أحداً دخل في دينه، وتشهد بشهادته.
فخرجت حتى قدمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلم يرعه إلا أني قائم على رأسه، أشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: وحشي؟! قلت: نعم، قال: اجلس فحدثني كيف كان قتلك حمزة، فجلست بين يديه، فحدثته كما حدثتكم، ثم قال: ويحك يا وحشي! غيب عني وجهك فلا أراك؛ فكنت أتنكب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى توفي.
فلما سار المسبمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي، فلما التقى المسلمون وبنو حنيفة نظرت إلى مسيلمة، ووالله ما أعرفه، وبيده سيفه، ورجل آخر من الأنصار يريده من ناحية أخرى، وكلانا يتهيأ له، حتى إذا أمكنتني منه الفرصة دفعت إليه حربتي، فوقعت فيه وسيف الأنصاري يضربه، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير البرية بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتلت شر الناس.
قال عبد الله بن عمر، وشهد اليمامة: سمعت رجلاً يصيح، يقول قتله العبد الأسود، يعني مسيلمة.
وعن وحشي قال: لما أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قتل حمزة تفل في وجهي ثلاث تفلات، ثم قال: لا ترني وجهك.
قال ابن عباس: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمد كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك وزنى " يلقى أثاماً، يضاعف له
العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً " وأنا قد صنعت ذلك؟ فهل تجد لي من رخصة؟ فأنزل الله تعالى: " إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً ".
فقال وحشي: يا محمد، هذا شرط شديد: إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فلعلي لا أقدر على هذا؛ فأنزل الله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".
فقال وحشي: يا محمد، أرى بعد مشيئة، فلا أدري يغفر لي أم لا، فهل غير هذا؟ فأنزل الله عز وجل: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ".
قال: وحشي هذا، فجاء وأسلم، فقال الناس: يا رسول الله، إذا أصبنا ما أصاب وحشي؟ قال: هي للمسلمين عامة.
وعن ابن عباس قال: جاء وحشي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد جئتك مستجيراً بك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قد كنت أحب أن أراك على خير جوار، فأما إذا كنت مستجيراً فأنت في جواري حتى أسمع كلام الله. قال: فإني أشركت بالله العظيم، وقتلت النفس التي حرم الله، فهل تقبل من مثلي توبة؟
فصمت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجبه حتى نزل عليه القرآن: " والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق " إلى قوله: " يبدل الله
سيئاتهم حسنات ". فقرأها عليه؛ فقال: أرى شرطاً، فلعلي لا أعمل صالحاً، أنا في جوارك حتى تسمع كلام الله، فنزلت: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "، فدعاه فقرأها عليه، فقال وحشي: فلعلي ممن لا يشاء، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، قال: فنزلت: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " الآية، فقال وحشي: الآن لا أرى شرطاً، فتشهد وأسلم.
وقال وحشي: إنه وفد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اثنين وسبعين رجلاً من الحبشة، وأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قودني عليهم، وعقد لي راية صفراء، ذراعين في ذراعين، وفيها هلال أبيض وعذبتان سوداوان، وبينهما عذبة بيضاء، وجعل لي شعارنا: كل خير، وكان منهم ذو مخبر وذو مهدم وذو مناحب وذو دجن، فقال لهم: انتسبوا، فقال ذو مهدم: من الطويل
على عهد ذي القرنين كانت سيوفنا ... صوارم يفلقن الحديد المذكرا
وهود أبونا سيد الناس كلهم ... وفي زمن الأحقاب عزاً ومفخرا
فمن كان يعمى على أبيه فإننا ... وجدنا أبانا العدملي المشهرا
وعن وحشي: أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، فقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار والمنافقين ".
ثم قال أبو بكر: يا وحشي اخرج معه فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله، فخرجت معه.
فقاتلنا كفرة العرب حتى رجعوا، ثم جاءنا كتاب أبي بكر بالمسير إلى مسيلمة الكذاب وكفار بني حنيفة؛ فمضينا لذلك، فلقيناهم، فقاتلوا قتالاً شديداً، فهزمونا ثلاث مرات، ثم ثبت الله أقدامنا في الرابعة، وصبرنا لوقع السيوف واختلافها على رؤوسنا حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها، وسمعت لها أصواتاً كأصوات الأجراس، ونصرنا الله وهزم بني حنيفة، وقتل الله مسيلمة، فلقد ضربت يومئذ بسيفي حتى غري قائمه في كفي من دمائهم، وكتبوا بفتح الله ونصره إلى أبي بكر.
وصرخ يومئذ صارخ بقتل مسيلمة يقول: قتله العبد الأسود، فقلنا: قتله الله.
وقال يومئذ: إنكم يا معشر المسلمين تقولون: إني قتلت حمزة، فإن أك قد قتلت خير الناس، فقد قتلت شر الناس، فهذه بهذه.
وقوله تعالى: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " نزلت في قاتل حمزة.
وقال وحشي: لما فتحنا اليرموك مع أبي عبيدة بن الجراح بقيت مغارة للروم فيها عدة من فرسانهم وغير ذلك لا يستطاع فتحها، فقالوا: من لها؟ فقلت: أنا لها، هل من درع؟ فأتوني بدرع فلبستها على درعي، ثم قلت: هل من درع أخرى؟ فأتوني بدرع أيضاً، فلبستها كهيئة السراويل، وشددتها علي شداً جيداً، وأخذت سيفي بيدي، وأخذت حبلاً، ووضعته في وسطي، وأمرتهم أن يدلوني في المغارة.
فقالوا: يا أبا حرب، قد كبرت سنك، وما إن تجشم ذا. فقلت له: ما رحمت نفسي منذ صاحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدلوني، فقتلت فرسانها وأحرقت من كان فيها،
ولقد كنت أسمع سيفي في رؤوسهم كالفأس في الحطب الجزل، ولقد غريت يدي على سيفي من الدم، وما أخرجته من يدي حتى أنقعته بالماء الساخن.
قال: ولما قدمنا حمص مع أبي عبيدة بن الجراح برز إلي بطريق من بطارقة الروم على باب الرستن، فقتلته، ولبست ثوبه، وركبت دابته، ودخلت السوق حتى أتيت باب يهود، فضربت سلسلته بسيفي فقطعتها، فدخل الناس، فنزلت دار أصطفيس، وأنزلت أصحابي حولي.
وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كتب إلي كتاباً كتب: من محمد رسول الله إلى وحشي الحبشي.
وعن عمر بن الخطاب قال: ما زالت لوحشي في نفسي حتى أخذ قد شرب الخمر بالشام، فجلد الحد، فحططت عطاءه إلى ثلاث مئة.
وكان فرض له عمر ألفين.