مكحول بن دبر
ويقال ابن أبي مسلم بن شاذل بن سند بن سروان بن بزدك ابن يغوث بن كسرى، أبو عبد الله الكابلي من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل، وقيل لامرأة من قريش - ويقال إنه من الأنباء لم يملك - فقيه أهل دمشق.
حدث مكحول عن أم أيمن قالت: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أهله: لا تشرك بالله شيئاً وإن عذبت وحرقت، أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه، لا تترك صلاة عمداً، فإنه من ترك الصلاة عمداً فقد برئت منه ذمه الله؛ إياك والخمر فإنها مفتاح كل شر، إياك والمعصية فإنها كسخط الله، لا تفر يوم الزحف وإن أصاب الناس موتان، لا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك؛ أنفق من طولك على أهل بيتك، ولا ترفع عصاك عنهم، أخفهم في الله عز وجل.
وفي حديث آخر عنه مرسلاً: وإذا كنت في قوم فكثر فيهم القتل والموت فاثبت.
وكان مكحول يقول بالقدر، وكان ضعيفاً في حديثه وروايته.
وكان مكحول إذا رمى يقول: أنا الغلام الهذلي. كان مولى امرأة من هذيل. وقيل: كان عبداً لسعيد بن العاص، فوهبه لمرأة من هذيل. وقيل: لامرأة من قريش فأعتقته.
واختلف في ولائه، فقيل: هو لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، وكان نوبياً. وقيل: إنه من مصر، ويقال: إنه من الفرس، ومن سبي الفرس.
وقيل: كان اسم أبيه سهراب. وكان مكحول يكني أبا مسلم، وكان فقيهاً عالماً.
وقيل: أصله من هراة، وكان جده شاذل من أهل هراة فتزوج ابنة ملك من ملوك كابل ثم هلك عنها وهي حامل، فانصرفت إلى أهلها فولدت سهراب، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد له مكحول، فلما ترعرع سبي من صثمة فوقع إلى سعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته.
وشاذل بذاك معجمة.
قال مكحول: كنت لعمرو بن سعيد أو لسعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل بمصر، فانعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم قدمت المدينة المدشنة، فما خرجت منها حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم لقيت الشعبي فلم أر مثله.
قال مكحول: عتقت بمصر، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فميا أرى، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بها علماً إلا حويت عيه فيما أرى، ثم أتيت الشام فعربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل، فلم أجد أحداً يخبرني عنه،
حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له زياد بن جارية جالساً على كرسي، فسألته فقال: حدثني حبيب بن مسلمة قال: شهدت رسول الله حروف نفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث.
قال مكحول: طبقت الأرض كلها في طلب العلم.
قال مكحول: رأيت أنساً فقلت: رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أسلم عليه ولا أسله عن شيء! فسلمت عليه وسألته.
قال أبو مسهر: لم يلق مكحول أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنس بن مالك، لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً.
قال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.
وعن إسماعيل بن أمية قال: قال لي مكحول: كل ما أحدثك به، أو عامة ما أحدثك به فهو عن سعيد بن المسيب أو الشعبي.
قال مكحول: اختلفت إلى شريح ستة أشهر لا أسأله عن شيء، أكتفي بما أسمعه يقضي.
كان سليمان بن موسى يقول: إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه، وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه
قال سعيد: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لمامات العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرة بن العاص، صار الفقه في البلدان كلها إلى الموالي، وكان فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم، وفقيه أهل اليمن طاوس، وفقيه أهل السام مكحول، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أه البصرة الحسن، وفقيه أهل الخراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله خصها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن السميب غير مدافع.
وكان مكحول رجلاً أعجمياً لا يستطيع أن يقول قل. يقول كل، فكلما قال بالشام قبل منه.
قال الخطيب: معناه أنه عندهم مع عجمة لسانه بمحل الأمانة وموضع الإمامة يقبلون قوله، لم يرد أنهم كانوا يحكون لفظه.
جلس مكحول وعطاء بن أبي رباح يفتيان الناس، فكان لمكحول الفضل عليه، حتى بلغا جزاء الصيد، فكان عطاء أنفذ في ذلك منه.
قال رجاء بن أبي سلمة: سألت الوليد بن هشام عما غيرت النار فقال: إني لست بالذي أسأل. قال: قلت على ذلك؟ قال: كان مكحول وكان ما علمت فقيهاً يتوضأ. فحج فلقي من أثبت له الحديث أنه ليس فيه وضوء، فترك الوضوء.
قال مكحول: ما عملت بعد أن سئلت أكثر مما عملت قبل أن أسأل.
وعن مكحول: أنه كان إذا سئل لا يحدث حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب.
قال تميم بن عطية الهنسي: كثيراً ما كنت أسمع مكحولاً يسأل فيقول: ندانم. بالفارسية: لا أدري.
قيل للزهري: أقتادة أعلم عندكم أم مكحول؟ فقال: لا بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير.
قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتاً في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد.
وعن مكحول قال: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن إلي القضاء، ولأن ألي القضاء أحب إلي من أن ألي بيت المال.
قال مكحول: إن لم يكن في مجالسة الناس ومخالطتهم خير، فالعزلة أسلم.
قال مكحول: إن كان الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة.
وعن مكحول قال: إياك ورفيق السوء، فإن الشر للشر خلق.
قال سعيد بن عبد العزيز: رأيت في خاتم مكحول: رب أعذ مكحولاً من النار. فضة منه.
قال مكحول: رأيت رجلاً يصلي، فلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يرائي ببكائه، فأحرمت البكاء سنة.
وعن مكحول قال: أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً.
كان مكحول يقول: الله انفعنا بالعلم، وزينا بالحلم، وجملنا بالتقوى، وكرمنا بالعافية.
قال أبو هريرة - رجل من أهل الشام -: جلسنا إلى مكحول فرأيناه مغتماً، فأقبلنا نحدثه، فما زادنا على أن قال: بأي وجه تلفون ربكم؟ زهدكم في أمر فرغبتم فيه، ورغبكم في أمر فزهدتم فيه، فبأي وجه تلقون ربكم.
قال عمرة بن ميمون: كنت مع أبي ونحن نطوف بالكعبة فلقي أبي شيخ فعانقه أبي، ومع الشيخ - قال - نحو مني، فقال له أبي: من هذا؟ قال: ابني. فقال: كيف رضاك عنه؟ قال: ما بقيت خصلة يا أبا أيوب من خصال الخير إلا وقد رأيتها فيه إلا واحدة. قال: وما هي؟ قال: كنت أحب أن يموت فأوجز فيه. قال: ثم فارقه أبي. قال: فقلت لأبي: من هذا الشيخ قال: هذا مكحول.
وعن ابن جابر قال: أقبل يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى مكحول في أصحابه، فلما رأيناه هممنا بالتوسعة له فقال مكحول: مكانكم، دعوة يجلس حيث أدرك، يتعلم التواضع.
وعن مكحول قال:
أربع من كن فيه كن له، وثلاث من كن فيه كن عليه، أما الأربعي اللائي من كن فيه كن له فالشكر، والإيمان، والدعاء، والآستغفار، قال الله عز وجل: " ما يفعل اله بغذابكم إن شكركتم وآمنتم "؛ وقال الله عز ولح: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "؛ وقال الله عز وجل: " قل ما يعبأي بكم ربي لولا جعاؤكم ". وأما الثلاث اللائي من كن فيه كن عليه: فالمكر والبغي والنكث،
قال الله عز وجل: " ومن كث فإنما ينكث على نفسه " وقال عز وجل: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله "، وقال الله عز وجل: " إنما بغيكم على أنفسكم ".
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الشام: أن انظروا الأحاديث التي رواها مكحول في الديات أن أحرقوها، قال: فأحرقت.
كان الزهري ومكحول يقولان: أمروا الأحاديث كما جاءت.
قال أبو عبيد مولى يلميان: ما سمعت رجاء بن حيوة يلعن أحداً إلا رجلين: يزيد بن المهلب ومكحولاً.
وقال علي بن أبي حملة: كنا بأرض الروم والناس يمرون في الغلس وفينا رجل يقصض يكنى أبا شبية، فدعا فقال فيما يقول: اللهم ارزقنا طيباً، واستعملنا صالحاً. فقال مكحول وهو في القوم: إن الله لا يرزق إلا طيباً؛ ورجاء بن حيوة وعدي بن عدي ناحية لا يعلم بهما مكحول، فقال أحدهما لصاحبه: أسمعت الكلمة؟ قال: نعم. فقيل لمكحول: إن رجاء بن حيوة وعدي بن عدي قد سمعا قولك، فشق ذلك عليه فقال له عبد الله بن يزيد الدمشقي: أنا أكفيك رجاء. فلما نزل الناس العسكر جاء عبد الله بن يزيد حتى دنا من منزل رجاء كأنه يطلب أصحابه، فنظر إليه رجاء - وكان يعرفه - فعدل إليه فقال له: إني أطلب أصحابي. قال: نحن أصحابك. فجاء حتى نزل، فأجرى ذكر مكحول، فقال له رجاء: دع عنك مكحولاً، أليس هو صاحب الكلمة؟ فقال له عبد الله بن يزيد: ما تقول رحمك الله في رجل قتل يهودياً فأخذ منه ألف دينار، فكان يأكل منه حتى مات، أزرق رزقه الله إياه؟ قال رجاء: كل من عند الله. قال علي: وأنا شهدتها حين تكلما.
قيل: إن مكحول لم يكن قدرياً. وقيل: كان قدرياً ثم رجع.
وعن مكحول قال: كنا أجنة في بطن أمهتنا فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا أطفالاً هلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا يفعة فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا شباباً فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم جاء الشمط - لا أبالك - فماذا ننتظر.
وفي آخر بمعناه: فلن نزل ننتقل من حالة إلى حالة حتى صرنا شيوخاً - لا أبالك - فما ننتظر، أترى هل بقيت لك حالة تنتقل إليها إلا الموت؟ وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن، فيأتيه الله برزقه من قبل سرته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا سقط إلى الأرض استهل قائماً استهلالة إنكار، لمانه وقطع سرته، وحول رزقه إلى ثدي أمه من فيه، ثم حوله بعد ذلك إلى العسي له، ويتناوله بكفه، حتى إذا اتسهل وعقل خاف لرزقه؛ يا بن آدم! أنت في بطن أمك وحجرها يرزقك الله، حتى إذا عقلت ونشئت قلت رزقي؟! فما بعد العقل والسر إلا الموت أو التقل؟ ثم قرأ: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ".
كتب الحسن إلى مكحول - وكان نعي له - فكان في كتابه: واعلم رحمنا الله وإياك أبا عبد الله، أنك اليوم أقرب إلى الموت يوم، عيت، ولم يزل الليل والنهار
سر يعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال، هيات هيات، قد صحبا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد قاموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، فأصبح الليل والنهار عضين جديدين. لم يبلهما ما مراً به، مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاباً به من مضى، وأنت نظير إخوانك وأقرانك وأشباهك مثلك كمثل جسد نزعت قوته، فلم يبق إلا حشاشة نفسه، ينظر للداعي فنعود بالله من مقته إيانا فيما نعظ به مما نقص عنه.
قال عبد ربه بن صالح: دخل أصحابنا على مكحول في مرضه الذي مات فيه، فقال له: أحسن الله عافيتك يا أبا عبد الله. فقال مكحول: اللحاق بمن ترجو خيره خير من المقام عند من لا تأمن شره.
وكان مكحول الغلب عليه الحزن، فدخلوا عليه في مرض موته وهو يضحك، فقيل له في ذلك، فقال: ولم لا أضحك وقد دنا فراق من كنت أحذره، وسرعة القدوم على من كنت أرجوه وأؤمله.
توفي مكحول سنة اثنتي عشرة ومئة، وقيل سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة أربع عشرة، وقيل: سنة ست عشرة، وقيل: سنة ثمان عشرة.
ويقال ابن أبي مسلم بن شاذل بن سند بن سروان بن بزدك ابن يغوث بن كسرى، أبو عبد الله الكابلي من سبي كابل مولى لامرأة من هذيل، وقيل لامرأة من قريش - ويقال إنه من الأنباء لم يملك - فقيه أهل دمشق.
حدث مكحول عن أم أيمن قالت: أوصى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض أهله: لا تشرك بالله شيئاً وإن عذبت وحرقت، أطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه، لا تترك صلاة عمداً، فإنه من ترك الصلاة عمداً فقد برئت منه ذمه الله؛ إياك والخمر فإنها مفتاح كل شر، إياك والمعصية فإنها كسخط الله، لا تفر يوم الزحف وإن أصاب الناس موتان، لا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أن لك؛ أنفق من طولك على أهل بيتك، ولا ترفع عصاك عنهم، أخفهم في الله عز وجل.
وفي حديث آخر عنه مرسلاً: وإذا كنت في قوم فكثر فيهم القتل والموت فاثبت.
وكان مكحول يقول بالقدر، وكان ضعيفاً في حديثه وروايته.
وكان مكحول إذا رمى يقول: أنا الغلام الهذلي. كان مولى امرأة من هذيل. وقيل: كان عبداً لسعيد بن العاص، فوهبه لمرأة من هذيل. وقيل: لامرأة من قريش فأعتقته.
واختلف في ولائه، فقيل: هو لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، وكان نوبياً. وقيل: إنه من مصر، ويقال: إنه من الفرس، ومن سبي الفرس.
وقيل: كان اسم أبيه سهراب. وكان مكحول يكني أبا مسلم، وكان فقيهاً عالماً.
وقيل: أصله من هراة، وكان جده شاذل من أهل هراة فتزوج ابنة ملك من ملوك كابل ثم هلك عنها وهي حامل، فانصرفت إلى أهلها فولدت سهراب، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد له مكحول، فلما ترعرع سبي من صثمة فوقع إلى سعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته.
وشاذل بذاك معجمة.
قال مكحول: كنت لعمرو بن سعيد أو لسعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل بمصر، فانعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم قدمت المدينة المدشنة، فما خرجت منها حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم لقيت الشعبي فلم أر مثله.
قال مكحول: عتقت بمصر، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت العراق، فلم أدع بها علماً إلا حويت عليه فميا أرى، ثم أتيت المدينة، فلم أدع بها علماً إلا حويت عيه فيما أرى، ثم أتيت الشام فعربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل، فلم أجد أحداً يخبرني عنه،
حتى مررت بشيخ من بني تميم يقال له زياد بن جارية جالساً على كرسي، فسألته فقال: حدثني حبيب بن مسلمة قال: شهدت رسول الله حروف نفل في البدأة الربع، وفي الرجعة الثلث.
قال مكحول: طبقت الأرض كلها في طلب العلم.
قال مكحول: رأيت أنساً فقلت: رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أسلم عليه ولا أسله عن شيء! فسلمت عليه وسألته.
قال أبو مسهر: لم يلق مكحول أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنس بن مالك، لم يسمع منه إلا حديثاً واحداً.
قال الزهري: العلماء أربعة: سعيد بن المسيب بالمدينة، وعامر الشعبي بالكوفة، والحسن بن أبي الحسن بالبصرة، ومكحول بالشام.
وعن إسماعيل بن أمية قال: قال لي مكحول: كل ما أحدثك به، أو عامة ما أحدثك به فهو عن سعيد بن المسيب أو الشعبي.
قال مكحول: اختلفت إلى شريح ستة أشهر لا أسأله عن شيء، أكتفي بما أسمعه يقضي.
كان سليمان بن موسى يقول: إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإذا جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه، وإذا جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإذا جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه
قال سعيد: فكل هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لمامات العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرة بن العاص، صار الفقه في البلدان كلها إلى الموالي، وكان فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم، وفقيه أهل اليمن طاوس، وفقيه أهل السام مكحول، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أه البصرة الحسن، وفقيه أهل الخراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله خصها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن السميب غير مدافع.
وكان مكحول رجلاً أعجمياً لا يستطيع أن يقول قل. يقول كل، فكلما قال بالشام قبل منه.
قال الخطيب: معناه أنه عندهم مع عجمة لسانه بمحل الأمانة وموضع الإمامة يقبلون قوله، لم يرد أنهم كانوا يحكون لفظه.
جلس مكحول وعطاء بن أبي رباح يفتيان الناس، فكان لمكحول الفضل عليه، حتى بلغا جزاء الصيد، فكان عطاء أنفذ في ذلك منه.
قال رجاء بن أبي سلمة: سألت الوليد بن هشام عما غيرت النار فقال: إني لست بالذي أسأل. قال: قلت على ذلك؟ قال: كان مكحول وكان ما علمت فقيهاً يتوضأ. فحج فلقي من أثبت له الحديث أنه ليس فيه وضوء، فترك الوضوء.
قال مكحول: ما عملت بعد أن سئلت أكثر مما عملت قبل أن أسأل.
وعن مكحول: أنه كان إذا سئل لا يحدث حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذا رأي، والرأي يخطئ ويصيب.
قال تميم بن عطية الهنسي: كثيراً ما كنت أسمع مكحولاً يسأل فيقول: ندانم. بالفارسية: لا أدري.
قيل للزهري: أقتادة أعلم عندكم أم مكحول؟ فقال: لا بل قتادة، ما كان عند مكحول إلا شيء يسير.
قال سعيد بن عبد العزيز: لم يكن عندنا أحسن سمتاً في العبادة من مكحول وربيعة بن يزيد.
وعن مكحول قال: لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن إلي القضاء، ولأن ألي القضاء أحب إلي من أن ألي بيت المال.
قال مكحول: إن لم يكن في مجالسة الناس ومخالطتهم خير، فالعزلة أسلم.
قال مكحول: إن كان الفضل في الجماعة فإن السلامة في العزلة.
وعن مكحول قال: إياك ورفيق السوء، فإن الشر للشر خلق.
قال سعيد بن عبد العزيز: رأيت في خاتم مكحول: رب أعذ مكحولاً من النار. فضة منه.
قال مكحول: رأيت رجلاً يصلي، فلما ركع وسجد بكى، فاتهمته أنه يرائي ببكائه، فأحرمت البكاء سنة.
وعن مكحول قال: أرق الناس قلوباً أقلهم ذنوباً.
كان مكحول يقول: الله انفعنا بالعلم، وزينا بالحلم، وجملنا بالتقوى، وكرمنا بالعافية.
قال أبو هريرة - رجل من أهل الشام -: جلسنا إلى مكحول فرأيناه مغتماً، فأقبلنا نحدثه، فما زادنا على أن قال: بأي وجه تلفون ربكم؟ زهدكم في أمر فرغبتم فيه، ورغبكم في أمر فزهدتم فيه، فبأي وجه تلقون ربكم.
قال عمرة بن ميمون: كنت مع أبي ونحن نطوف بالكعبة فلقي أبي شيخ فعانقه أبي، ومع الشيخ - قال - نحو مني، فقال له أبي: من هذا؟ قال: ابني. فقال: كيف رضاك عنه؟ قال: ما بقيت خصلة يا أبا أيوب من خصال الخير إلا وقد رأيتها فيه إلا واحدة. قال: وما هي؟ قال: كنت أحب أن يموت فأوجز فيه. قال: ثم فارقه أبي. قال: فقلت لأبي: من هذا الشيخ قال: هذا مكحول.
وعن ابن جابر قال: أقبل يزيد بن عبد الملك بن مروان إلى مكحول في أصحابه، فلما رأيناه هممنا بالتوسعة له فقال مكحول: مكانكم، دعوة يجلس حيث أدرك، يتعلم التواضع.
وعن مكحول قال:
أربع من كن فيه كن له، وثلاث من كن فيه كن عليه، أما الأربعي اللائي من كن فيه كن له فالشكر، والإيمان، والدعاء، والآستغفار، قال الله عز وجل: " ما يفعل اله بغذابكم إن شكركتم وآمنتم "؛ وقال الله عز ولح: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "؛ وقال الله عز وجل: " قل ما يعبأي بكم ربي لولا جعاؤكم ". وأما الثلاث اللائي من كن فيه كن عليه: فالمكر والبغي والنكث،
قال الله عز وجل: " ومن كث فإنما ينكث على نفسه " وقال عز وجل: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله "، وقال الله عز وجل: " إنما بغيكم على أنفسكم ".
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الشام: أن انظروا الأحاديث التي رواها مكحول في الديات أن أحرقوها، قال: فأحرقت.
كان الزهري ومكحول يقولان: أمروا الأحاديث كما جاءت.
قال أبو عبيد مولى يلميان: ما سمعت رجاء بن حيوة يلعن أحداً إلا رجلين: يزيد بن المهلب ومكحولاً.
وقال علي بن أبي حملة: كنا بأرض الروم والناس يمرون في الغلس وفينا رجل يقصض يكنى أبا شبية، فدعا فقال فيما يقول: اللهم ارزقنا طيباً، واستعملنا صالحاً. فقال مكحول وهو في القوم: إن الله لا يرزق إلا طيباً؛ ورجاء بن حيوة وعدي بن عدي ناحية لا يعلم بهما مكحول، فقال أحدهما لصاحبه: أسمعت الكلمة؟ قال: نعم. فقيل لمكحول: إن رجاء بن حيوة وعدي بن عدي قد سمعا قولك، فشق ذلك عليه فقال له عبد الله بن يزيد الدمشقي: أنا أكفيك رجاء. فلما نزل الناس العسكر جاء عبد الله بن يزيد حتى دنا من منزل رجاء كأنه يطلب أصحابه، فنظر إليه رجاء - وكان يعرفه - فعدل إليه فقال له: إني أطلب أصحابي. قال: نحن أصحابك. فجاء حتى نزل، فأجرى ذكر مكحول، فقال له رجاء: دع عنك مكحولاً، أليس هو صاحب الكلمة؟ فقال له عبد الله بن يزيد: ما تقول رحمك الله في رجل قتل يهودياً فأخذ منه ألف دينار، فكان يأكل منه حتى مات، أزرق رزقه الله إياه؟ قال رجاء: كل من عند الله. قال علي: وأنا شهدتها حين تكلما.
قيل: إن مكحول لم يكن قدرياً. وقيل: كان قدرياً ثم رجع.
وعن مكحول قال: كنا أجنة في بطن أمهتنا فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا أطفالاً هلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا يفعة فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم كنا شباباً فهلك من هلك ونجونا فيمن نجا، ثم جاء الشمط - لا أبالك - فماذا ننتظر.
وفي آخر بمعناه: فلن نزل ننتقل من حالة إلى حالة حتى صرنا شيوخاً - لا أبالك - فما ننتظر، أترى هل بقيت لك حالة تنتقل إليها إلا الموت؟ وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن، فيأتيه الله برزقه من قبل سرته، وغذاؤه في بطن أمه من دم حيضها، فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا سقط إلى الأرض استهل قائماً استهلالة إنكار، لمانه وقطع سرته، وحول رزقه إلى ثدي أمه من فيه، ثم حوله بعد ذلك إلى العسي له، ويتناوله بكفه، حتى إذا اتسهل وعقل خاف لرزقه؛ يا بن آدم! أنت في بطن أمك وحجرها يرزقك الله، حتى إذا عقلت ونشئت قلت رزقي؟! فما بعد العقل والسر إلا الموت أو التقل؟ ثم قرأ: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار ".
كتب الحسن إلى مكحول - وكان نعي له - فكان في كتابه: واعلم رحمنا الله وإياك أبا عبد الله، أنك اليوم أقرب إلى الموت يوم، عيت، ولم يزل الليل والنهار
سر يعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال، هيات هيات، قد صحبا نوحاً وعاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً، فأصبحوا قد قاموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم، فأصبح الليل والنهار عضين جديدين. لم يبلهما ما مراً به، مستعدين لمن بقي بمثل ما أصاباً به من مضى، وأنت نظير إخوانك وأقرانك وأشباهك مثلك كمثل جسد نزعت قوته، فلم يبق إلا حشاشة نفسه، ينظر للداعي فنعود بالله من مقته إيانا فيما نعظ به مما نقص عنه.
قال عبد ربه بن صالح: دخل أصحابنا على مكحول في مرضه الذي مات فيه، فقال له: أحسن الله عافيتك يا أبا عبد الله. فقال مكحول: اللحاق بمن ترجو خيره خير من المقام عند من لا تأمن شره.
وكان مكحول الغلب عليه الحزن، فدخلوا عليه في مرض موته وهو يضحك، فقيل له في ذلك، فقال: ولم لا أضحك وقد دنا فراق من كنت أحذره، وسرعة القدوم على من كنت أرجوه وأؤمله.
توفي مكحول سنة اثنتي عشرة ومئة، وقيل سنة ثلاث عشرة، وقيل سنة أربع عشرة، وقيل: سنة ست عشرة، وقيل: سنة ثمان عشرة.