مريّة ويقال مُرّية
امرأة هشام بن عبد الملك ومروان بن محمد ويقال: إنها بنت مروان بن محمد
قال الفضل بن يعقوب: كنت آلف زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وأكتب عنها أخبار أهلها، وكانت لها جارية يقال لها: كتاب، فوقعت في نفسي، فبكرت إليها يوماً وقلت: لي حاجة، قالت: سل ما أحببت، فقلت: إن كتاب جاريتك قد شغلت قلبي علي فهبيها لي؛ فقالت: اقعد أحدثك حديثاً كان أمس أنفع لك من كل كتاب على ظهر الأرض، وأنت من كتاب على وعد: كنت أمس عند الخيزران، وعادتها إذا كنت عندها أن تجلس في عتبة الرواق المقابل للإيوان، وأجلس بإزائها، وفي الصدر مجلس للمهدي معد وهو يقصدنا في كل وقت، فيجلس ساعة ثم ينهض.
فبينا نحن كذلك إذ دخلت عليه جارية من جواريها اللاتي كن يحجبنها، فقالت: أعز الله السيدة، بالباب امرأة، لها جمال وخلقة حسنة، ليس وراء ما هي عليه من سوء الحال غاية، تستأذن عليك، وقد سألتها عن اسمها، فامتنعت أن تخبرني، فالتفتت إلي الخيزران، فقالت: من ترين؟ فقلت: أدخليها؛ فإنه لا بد من فائدة أو ثواب.
فدخلت امرأة كأجمل النساء وأكملهن لا تتوارى، فوقفت إلى جانب عضادة الباب، فسلمت متضائلة، ثم قالت: أنا مرية بنت مروان بن محمد الأموي، فقالت زينب: وكنت متكئة فاستويت جالسة فقلت: مرية، فإياك لا حيا لله ولا قرب، والحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلك، تذكرين، يا عدوة الله، حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن لي في الدفن لإبراهيم بن محمد فوثبت عليهن وأسمعتهن ما أسمعت، وأمرت بإخراجهن، فأخرجن على الجهة التي أخرجن عليها؟
قال: فضحكت، فما أنسى حسن ثغراه وعلو صوتها بالقهقهة، ثم قالت: أي بنت عم، أي شيء أعجبك من حسن صنيع الله لي على العقوق حتى أردت أن تتأسي بي فيه؟ الله، إني فعلت بنساء من أهل بيتك ما فعلت، فأسلمني الله إليك ذليلة جائعة عريانة، فكان هذا مقدار شكرك لله على ما أولاك في، ثم قالت: السلام عليكم وولت.
فصاحت بها الخيزران: ليس هذا لك، علي استأذنت، وإلي قصدت، فما ذنبي؟ فرجعت وقالت: لعمري لقد صدقت يا أخية، وكان مما ردني إليك ما أنا عليه من الضر والجهد.
قالت زينب: فنهضت إليها الخيزران فتعانقها، فقالت: ما في لذلك موضع مع الحال التي أنا عليها، فقالت لها الخيزران: فالحمام إذاً، وأمرت جماعة من جواريها بالدخول معها إلى الحمام وتنظيفها.
فدخلت، فطلبت ماشطة ترمي ما على وجهها من الشعر، فخرجت جارية من جواري الخيزران وهي تضحك، فقالت لها الخيزران: ما يضحكك؟ قالت: من هذه المرأة ومن تحكمها علينا وانتهارها لنا، فإنها تفعل من ذلك فعلاً ما تفعلينه أنت!.
فلم تزل حتى خرجت من الحمام، فوافتها الخلع والطيب، فأخذت من الثياب ما أرادت، وتطيبت، وخرجت، فعانقتها الخيزران، وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه المهدي.
فقالت لها الخيزران: هل لك في الطعام؟ فإنا لم نطعم بعد، فقالت: ما فيكن أحد أحوج إليه مني، فعجلوه.
فأتي بالمائدة فجعلت تأكل غير محتشمة، وتلقمنا، وتضع بين أيدينا، ثم غسلنا أيدينا.
فقالت لها الخيزران: من وراءك ممن تعنين به؟ فقالت: ما خارج هذه الدار أحد من خلق الله بيني وبينه سبب؛ فقالت الخيزران: إن كان هذا هكذا فقومي بنا حتى تختاري لنفسك مقصورة من مقاصرنا، وأحول إليها جميع ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق حتى يفرق بيننا الموت.
فقامت، وطفنا بها في المقاصر، واختارات أوسعها، وأنزهها، ولم نبرح حتى حول إليها جميع ما تحتاج إليه من الفرش والكساء والخزائن والرقيق، وخرجنا عنها.
فقالت الخيزران: إن هذه المرأة كانت فيما كانت فيه، وقد مسها ضر، وليس يغسل ما في قلبها إلا المال، فاحملوا إليها خمس مئة ألف درهم، فحملت إليها.
ووافانا المهدي، فحدثته حديثها، فوالله ما انتظر أن أعرف الجواب حتى وثب في وجهي مغضباً، فقال: زينب، الله! إن هذا مقدار شكرك الله على نعمته، وقد أمكنك الله من مثل هذه المرأة على هذه الحال التي هي عليها، فوالله لولا محلك من قلبي لحلفت ألا أكلمك أبداً، فقلت: قد اعتذرت إليها ورضيت، ثم قصصت عليه قصتها كلها، وما فعلت الخيزران بها، فقال لخدام كان معه: احمل إليها مئة بدرة، وادخل إليها أبلغها مني السلام، وقل لها: والله، ما سررت من دهر مثل سروري اليوم بمكانك، وأنا أخوك ومن يوجب حقك، فلا تدعي حاجة إلا سألتها، ولولا أني أكره أن أحشمك لصرت إليك مسلماً عليك وقاضياً لحقك.
فمضى الخادم بالمال والرسالة؛ فأقبلت إلينا معه، فسلمت على المهدي، وشكرت له فعله، وأثنت على الخيزران عنده، وقالت: ما علي من أمير المؤمنين حشمة، أنا في عدد حرمه.
وقعدت ساعة، ثم قامت إلى منزلها، فخلفها عند الخيزران كأنها لم تزل في ذلك القصر.
فهذا الحديث خير لك من كتاب، وقد وهبت لك كتاب.
امرأة هشام بن عبد الملك ومروان بن محمد ويقال: إنها بنت مروان بن محمد
قال الفضل بن يعقوب: كنت آلف زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وأكتب عنها أخبار أهلها، وكانت لها جارية يقال لها: كتاب، فوقعت في نفسي، فبكرت إليها يوماً وقلت: لي حاجة، قالت: سل ما أحببت، فقلت: إن كتاب جاريتك قد شغلت قلبي علي فهبيها لي؛ فقالت: اقعد أحدثك حديثاً كان أمس أنفع لك من كل كتاب على ظهر الأرض، وأنت من كتاب على وعد: كنت أمس عند الخيزران، وعادتها إذا كنت عندها أن تجلس في عتبة الرواق المقابل للإيوان، وأجلس بإزائها، وفي الصدر مجلس للمهدي معد وهو يقصدنا في كل وقت، فيجلس ساعة ثم ينهض.
فبينا نحن كذلك إذ دخلت عليه جارية من جواريها اللاتي كن يحجبنها، فقالت: أعز الله السيدة، بالباب امرأة، لها جمال وخلقة حسنة، ليس وراء ما هي عليه من سوء الحال غاية، تستأذن عليك، وقد سألتها عن اسمها، فامتنعت أن تخبرني، فالتفتت إلي الخيزران، فقالت: من ترين؟ فقلت: أدخليها؛ فإنه لا بد من فائدة أو ثواب.
فدخلت امرأة كأجمل النساء وأكملهن لا تتوارى، فوقفت إلى جانب عضادة الباب، فسلمت متضائلة، ثم قالت: أنا مرية بنت مروان بن محمد الأموي، فقالت زينب: وكنت متكئة فاستويت جالسة فقلت: مرية، فإياك لا حيا لله ولا قرب، والحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلك، تذكرين، يا عدوة الله، حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن لي في الدفن لإبراهيم بن محمد فوثبت عليهن وأسمعتهن ما أسمعت، وأمرت بإخراجهن، فأخرجن على الجهة التي أخرجن عليها؟
قال: فضحكت، فما أنسى حسن ثغراه وعلو صوتها بالقهقهة، ثم قالت: أي بنت عم، أي شيء أعجبك من حسن صنيع الله لي على العقوق حتى أردت أن تتأسي بي فيه؟ الله، إني فعلت بنساء من أهل بيتك ما فعلت، فأسلمني الله إليك ذليلة جائعة عريانة، فكان هذا مقدار شكرك لله على ما أولاك في، ثم قالت: السلام عليكم وولت.
فصاحت بها الخيزران: ليس هذا لك، علي استأذنت، وإلي قصدت، فما ذنبي؟ فرجعت وقالت: لعمري لقد صدقت يا أخية، وكان مما ردني إليك ما أنا عليه من الضر والجهد.
قالت زينب: فنهضت إليها الخيزران فتعانقها، فقالت: ما في لذلك موضع مع الحال التي أنا عليها، فقالت لها الخيزران: فالحمام إذاً، وأمرت جماعة من جواريها بالدخول معها إلى الحمام وتنظيفها.
فدخلت، فطلبت ماشطة ترمي ما على وجهها من الشعر، فخرجت جارية من جواري الخيزران وهي تضحك، فقالت لها الخيزران: ما يضحكك؟ قالت: من هذه المرأة ومن تحكمها علينا وانتهارها لنا، فإنها تفعل من ذلك فعلاً ما تفعلينه أنت!.
فلم تزل حتى خرجت من الحمام، فوافتها الخلع والطيب، فأخذت من الثياب ما أرادت، وتطيبت، وخرجت، فعانقتها الخيزران، وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه المهدي.
فقالت لها الخيزران: هل لك في الطعام؟ فإنا لم نطعم بعد، فقالت: ما فيكن أحد أحوج إليه مني، فعجلوه.
فأتي بالمائدة فجعلت تأكل غير محتشمة، وتلقمنا، وتضع بين أيدينا، ثم غسلنا أيدينا.
فقالت لها الخيزران: من وراءك ممن تعنين به؟ فقالت: ما خارج هذه الدار أحد من خلق الله بيني وبينه سبب؛ فقالت الخيزران: إن كان هذا هكذا فقومي بنا حتى تختاري لنفسك مقصورة من مقاصرنا، وأحول إليها جميع ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق حتى يفرق بيننا الموت.
فقامت، وطفنا بها في المقاصر، واختارات أوسعها، وأنزهها، ولم نبرح حتى حول إليها جميع ما تحتاج إليه من الفرش والكساء والخزائن والرقيق، وخرجنا عنها.
فقالت الخيزران: إن هذه المرأة كانت فيما كانت فيه، وقد مسها ضر، وليس يغسل ما في قلبها إلا المال، فاحملوا إليها خمس مئة ألف درهم، فحملت إليها.
ووافانا المهدي، فحدثته حديثها، فوالله ما انتظر أن أعرف الجواب حتى وثب في وجهي مغضباً، فقال: زينب، الله! إن هذا مقدار شكرك الله على نعمته، وقد أمكنك الله من مثل هذه المرأة على هذه الحال التي هي عليها، فوالله لولا محلك من قلبي لحلفت ألا أكلمك أبداً، فقلت: قد اعتذرت إليها ورضيت، ثم قصصت عليه قصتها كلها، وما فعلت الخيزران بها، فقال لخدام كان معه: احمل إليها مئة بدرة، وادخل إليها أبلغها مني السلام، وقل لها: والله، ما سررت من دهر مثل سروري اليوم بمكانك، وأنا أخوك ومن يوجب حقك، فلا تدعي حاجة إلا سألتها، ولولا أني أكره أن أحشمك لصرت إليك مسلماً عليك وقاضياً لحقك.
فمضى الخادم بالمال والرسالة؛ فأقبلت إلينا معه، فسلمت على المهدي، وشكرت له فعله، وأثنت على الخيزران عنده، وقالت: ما علي من أمير المؤمنين حشمة، أنا في عدد حرمه.
وقعدت ساعة، ثم قامت إلى منزلها، فخلفها عند الخيزران كأنها لم تزل في ذلك القصر.
فهذا الحديث خير لك من كتاب، وقد وهبت لك كتاب.