مالك بن عمارة بن عقيل
وفد على عبد الملك.
عن مالك بن عمارة بن عقيل، قال: كنت أجالس عبد الملك بن مروان بثناء الكعبة وهو صبي، فقال لي يوماً: يا مالك، إن أنا عشت فسترى الأعناق إلي مائلة، والآمال نحوي سامية، فإذا كان ذلك كذلك فما عليك أن تجعلني لرجائك باباً، ولأملك سبباً؛ فوالله لأملأن يديك مني عطية، ولأكسونك مني نعمة.
ثم أتى على هذا دهر إلى أن أفضت الخلافة إليه، فسرت إليه من مكة، وهو مقيم بدمشق، فأقمت ببابه أسبوعاً لم يأذن لي، فلما كان يوم الجمعة بكرت إلى المسجد حتى جلست قريباً من المنبر، فلما كان وقت الصلاة إذا أنا بعبد الملك قد أقبل، فصلى ركعتين، ثم رقا المنبر؛ فأقبلت عليه بوجهي، فأعرض عني؛ ثم أقبلت عليه الثانية فأعرض عني، ثم أقبلت عليه ثالثة فأعرض عني؛ ثم خطب خطبة أوجز فيها، ثم نزل فصلى بالناس، ثم انصرف، وإني لكئيب حسران لما تجشمت من بعد الشقة؛ فبينا أنا
كذلك إذ دخل علي رجل من باب المسجد، فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقلت: ها أنا ذا. فقال: أجب أمير المؤمنين. فقمت مبادراً حتى دخلت على عبد الملك، فسلمت، فرد علي السلام، فقال: ادن مني. فدنوت، ثم قال: ادن مني حتى تجلس معي على السرير؛ ثم أقبل علي يسألني عن خبري وخبر مخلفي، وعن أهل مكة وما كان منهم، وقال لي: يا مالك، لعله قد ساءك ما رأيت مني؟ فقلت: والله لقد ساءني ذلك. فقال: لا يسؤك، إن ذلك مقام لا يجوز فيه إلا ما رأيت، وها هنا قضاء حقك.
ثم أمر فأخلي لي منزل إلى جانب قصره، وأقيم فيه جميع ما أحتاج إليه، وكنت أحضر غداءه وعشاءه؛ فأقمت عنده ثلاثة أشهر، فتبين في الملل، فقال: يا مالك، أراك متململاً، لعلك قد إشتقتا إلى أهلك؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد وعدت إليهم بسرعة الأوبة. فقال: يا غلام، علي بعشر بدر، وعشرة أسفاط من دق مصر، وعشر جواري، وعشرة غلمان، وعشرة أفراس، وعشرة أبغل.
فلما حضر ذلك بين يديه قال لي: يا مالك، أرأيت هذا؟ قلت نعم. قال: هو لك، أتراني ملأت يديك عطية، وكسوتك مني نعمة؟ فقلت: يا امير المؤمنين، وإنك لذاكر لذاك؟ فقال: وما خير في من لا يذكر ما وعد به، وينسى ما أوعد به؛ والله لم يكن ذلك عن شيء سمعناه ولا خبر رويناه، ولكن تخلقت أخلاقاً في الصبا، كنت لا أساري ولا أباري، ولا هتكت ستراً حظره الله علي، وكنت أعرف للأدب حقه، وأكرم العالم، فبهذه الخصال رفع الله درجتي، وبالصالحين من أهلي ألحقني، فإن أقمت يا مالك فالرحب والسعة، وإن مضيت ففي حفظ الله والدعة.
وفد على عبد الملك.
عن مالك بن عمارة بن عقيل، قال: كنت أجالس عبد الملك بن مروان بثناء الكعبة وهو صبي، فقال لي يوماً: يا مالك، إن أنا عشت فسترى الأعناق إلي مائلة، والآمال نحوي سامية، فإذا كان ذلك كذلك فما عليك أن تجعلني لرجائك باباً، ولأملك سبباً؛ فوالله لأملأن يديك مني عطية، ولأكسونك مني نعمة.
ثم أتى على هذا دهر إلى أن أفضت الخلافة إليه، فسرت إليه من مكة، وهو مقيم بدمشق، فأقمت ببابه أسبوعاً لم يأذن لي، فلما كان يوم الجمعة بكرت إلى المسجد حتى جلست قريباً من المنبر، فلما كان وقت الصلاة إذا أنا بعبد الملك قد أقبل، فصلى ركعتين، ثم رقا المنبر؛ فأقبلت عليه بوجهي، فأعرض عني؛ ثم أقبلت عليه الثانية فأعرض عني، ثم أقبلت عليه ثالثة فأعرض عني؛ ثم خطب خطبة أوجز فيها، ثم نزل فصلى بالناس، ثم انصرف، وإني لكئيب حسران لما تجشمت من بعد الشقة؛ فبينا أنا
كذلك إذ دخل علي رجل من باب المسجد، فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقلت: ها أنا ذا. فقال: أجب أمير المؤمنين. فقمت مبادراً حتى دخلت على عبد الملك، فسلمت، فرد علي السلام، فقال: ادن مني. فدنوت، ثم قال: ادن مني حتى تجلس معي على السرير؛ ثم أقبل علي يسألني عن خبري وخبر مخلفي، وعن أهل مكة وما كان منهم، وقال لي: يا مالك، لعله قد ساءك ما رأيت مني؟ فقلت: والله لقد ساءني ذلك. فقال: لا يسؤك، إن ذلك مقام لا يجوز فيه إلا ما رأيت، وها هنا قضاء حقك.
ثم أمر فأخلي لي منزل إلى جانب قصره، وأقيم فيه جميع ما أحتاج إليه، وكنت أحضر غداءه وعشاءه؛ فأقمت عنده ثلاثة أشهر، فتبين في الملل، فقال: يا مالك، أراك متململاً، لعلك قد إشتقتا إلى أهلك؟ فقلت: والله يا أمير المؤمنين لقد وعدت إليهم بسرعة الأوبة. فقال: يا غلام، علي بعشر بدر، وعشرة أسفاط من دق مصر، وعشر جواري، وعشرة غلمان، وعشرة أفراس، وعشرة أبغل.
فلما حضر ذلك بين يديه قال لي: يا مالك، أرأيت هذا؟ قلت نعم. قال: هو لك، أتراني ملأت يديك عطية، وكسوتك مني نعمة؟ فقلت: يا امير المؤمنين، وإنك لذاكر لذاك؟ فقال: وما خير في من لا يذكر ما وعد به، وينسى ما أوعد به؛ والله لم يكن ذلك عن شيء سمعناه ولا خبر رويناه، ولكن تخلقت أخلاقاً في الصبا، كنت لا أساري ولا أباري، ولا هتكت ستراً حظره الله علي، وكنت أعرف للأدب حقه، وأكرم العالم، فبهذه الخصال رفع الله درجتي، وبالصالحين من أهلي ألحقني، فإن أقمت يا مالك فالرحب والسعة، وإن مضيت ففي حفظ الله والدعة.