Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب
Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 6554
4229. عمر بن الجنيد بن داود بن إدريس بن عيسى القاضي...1 4230. عمر بن الحسن بن محمد1 4231. عمر بن الحسن بن نصر بن طرخان1 4232. عمر بن الحسين بن عبد الله1 4233. عمر بن الحسين بن عيسى بن إبراهيم1 4234. عمر بن الخطاب154235. عمر بن الدرفس أبو حفص الغساني1 4236. عمر بن السراج1 4237. عمر بن القاسم بن عبد الله1 4238. عمر بن المثني الأشجعي الرقي1 4239. عمر بن المغيرة أبو حفص البصري1 4240. عمر بن المنتشر المرادي1 4241. عمر بن المورق1 4242. عمر بن الوليد بن سعيد بن هشام1 4243. عمر بن الوليد بن عبد الملك1 4244. عمر بن بحر1 4245. عمر بن بلال أبو حفص الأسدي1 4246. عمر بن جميل البيروتي1 4247. عمر بن حبيب بن قليع المدني1 4248. عمر بن حفص9 4249. عمر بن حفص الدمشقي2 4250. عمر بن حفص بن عمر البغدادي2 4251. عمر بن حماد أبو حفص1 4252. عمر بن حماد أبو حفص الدمشقي1 4253. عمر بن حيان الدمشقي2 4254. عمر بن خير أبو خير الشعباني1 4255. عمر بن خيران الجذامي1 4256. عمر بن داود بن زاذان1 4257. عمر بن داود بن سلمون1 4258. عمر بن ذر بن عبد الله بن زرارة3 4259. عمر بن زيد الحكمي1 4260. عمر بن سعد بن أبي وقاص3 4261. عمر بن سعيد أبو حفص بن البري المتعبد1 4262. عمر بن سعيد بن أحمد1 4263. عمر بن سعيد بن ابراهيم1 4264. عمر بن سعيد بن جندب1 4265. عمر بن سعيد بن سليمان1 4266. عمر بن سلمة بن الغمر1 4267. عمر بن سليمان3 4268. عمر بن سليمان بن عبد الملك1 4269. عمر بن شريح الحضرمي1 4270. عمر بن صالح بن أبي الزاهرية1 4271. عمر بن صالح بن عثمان1 4272. عمر بن طويع اليزني1 4273. عمر بن عاصم بن محمد1 4274. عمر بن عبد الباقي بن علي1 4275. عمر بن عبد الحميد1 4276. عمر بن عبد الرحمن بن زيد2 4277. عمر بن عبد الرحمن بن عوف1 4278. عمر بن عبد الرحمن بن محمد1 4279. عمر بن عبد العزيز بن عبيد1 4280. عمر بن عبد العزيز بن مروان3 4281. عمر بن عبد الكريم بن حفص1 4282. عمر بن عبد الكريم بن سعدويه1 4283. عمر بن عبد الله الليثي1 4284. عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة2 4285. عمر بن عبد الله بن أبي سفيان1 4286. عمر بن عبد الله بن الحسن1 4287. عمر بن عبد الله بن جعفر1 4288. عمر بن عبد الله بن عبد الملك1 4289. عمر بن عبد الله بن محمد1 4290. عمر بن عبد الملك بن مروان1 4291. عمر بن عبد الواحد بن قيس1 4292. عمر بن عبيد الله بن خراسان1 4293. عمر بن عبيد الله بن معمر1 4294. عمر بن عطاء بن وهب الرعيني1 4295. عمر بن عكرمة بن أبي جهل1 4296. عمر بن علي3 4297. عمر بن علي الحلواني1 4298. عمر بن علي الصيرفي1 4299. عمر بن علي بن أبي طالب1 4300. عمر بن علي بن الحسن1 4301. عمر بن علي بن سليمان1 4302. عمر بن عيسى أبو أيوب1 4303. عمر بن مالك بن عتبة1 4304. عمر بن مبشر بن الوليد1 4305. عمر بن محمد أبو القاسم البغدادي1 4306. عمر بن محمد الحسين1 4307. عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان1 4308. عمر بن محمد بن بجير1 4309. عمر بن محمد بن جعفر بن حفص1 4310. عمر بن محمد بن حفص الدمشقي1 4311. عمر بن محمد بن زيد5 4312. عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر1 4313. عمر بن محمد بن عبد الله1 4314. عمر بن مروان الكلبي1 4315. عمر بن مضر بن عمر1 4316. عمر بن منخل أبو الأسوار الدربندي1 4317. عمر بن موسى بن وجيه3 4318. عمر بن نصر بن محمد الشيباني1 4319. عمر بن نعيم العنسي1 4320. عمر بن هارون بن يزيد1 4321. عمر بن هانئ الطائي1 4322. عمر بن هبيرة بن معية1 4323. عمر بن يحيى الأسدي1 4324. عمر بن يحيى بن الحارث الذماري1 4325. عمر بن يحيى بن زكريا1 4326. عمر بن يزيد القرشي1 4327. عمر بن يزيد اللخمي1 4328. عمر بن يزيد النصري6 Prev. 100
«
Previous

عمر بن الخطاب

»
Next
عمر بن الخطاب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين
كتب للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وسنذكره في حرف العين.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط ابن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشي العدوي أمير المؤمنين الفاروق ضجيع سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه ووزيره قدم الشام غير مرة في الجاهلية، ودخل فيها دمشق، ودخل بها في الإسلام أيضاً لما قدم الجابية، وقدم الشام لفتح بيت المقدس، وقدمها أيضاً ثم رجع لما بلغه وقوع الطاعون بالشام.
روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها ".
وعن قيس قال: لما قدم عمر الشام أتي ببرذون فقيل له: اركب يا أمير المؤمنين، فيراك
عظماء أهل الأرض. قال: فقال: وإنكم لهنالك، إنما الأمر من هاهنا وأشار بيده إلى التيماء خلوا سبيلي.
وعن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع موقيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء، ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: صنعت اليوم صنيعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره وقال: أوه! لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزّ بغيره يذلّكم الله عزّ وجلّ.
قال طارق: لما قدم عمر الشام لقيه الجنود، وعليه إزار وخفّان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء، وقد خلع خفّيه، وجعلهما تحت إبطيه، قالوا: له يا أمير المؤمنين، الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام، وأنت على هذه الحالة! قال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزّ بغيره.
حدث جماعة قالوا: قال عمر: ضاعت مواريث الناس بالشام، أبدأ بها فأقسم المواريث، وأقيم لهم ما في نفسي ثم أرجع فأتقلب في البلاد، وأنبذ إليهم أمري، فأتى عمر الشام أربع مرات: مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين.
قال أبو مخنف: توجه عمر إلى الشام سنة ست عشرة، وعليها أبو عبيدة بن الجراح، فلما اشرف على غوطة دمشق ونظر إلى المدينة والقصور والبساتين تلا قوله تعالى: " كم تركوا من جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ ومقامٍ كريمٍ ونعمةٍ كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين " ثم تمثل بقول النابغة الطويل
هما فتيا دهرٍ يكرّ عليهما ... نهارٌ وليلٌ يلحقان التواليا
إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطةٍ ... أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا
وقد روي أن عمر قدم دمشق في الجاهلية، وأسره بطريق بها، واستعمله، فقتله، وهرب.
كما روى أسلم أن عمر بن الخطاب قال:
خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية. فلما خرجنا نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم. فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد أخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع، فأتاني في الهاجرة وعليه سبنيّة قصب أرى سائر جسده منها ثم قال: لم أرك أخرجت شيئاً، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك عمر بلغت ما أرى، فقمت بالمجرفة، فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فواريته تحت التراب، وخرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصحبت، فانتهيت إلى دير، فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ فقلت: أضللت عن أصحابي، قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب من الطعام، واسترح، ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف، فصعّد فيّ البصر وخفّضه ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير، ويغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: أنت والله صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفاً فلا تكدّره، فقال: اكتب لي كتاباً في رقّ، وليس عليك فيه شيء، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرّك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت
عليه، فدعا بنفقة وبأثواب، فدفعها إلي وبأتان قد أوكفت، فقال: ألا تسمع؟ قلت: نعم، قال: اخرج عليها فإنها لا تمر بأهل دير إلا علفوها وسقوها حتى إذا بلغت مأمنك، فاضرب وجهها مدبرة، فإنها لا تمر بقوم ولا أهل دير إلى علفوها وسقوها حتى تصير إلي، فركبت، فلم أمرّ بقوم إلا علفوها وسقوها، حتى أدركت أصحابي متوجهين إلى الحجاز، فضرب وجهها مدبرة ثم سرت معهم.
فلما قدم عمر الشام في خلافته أتاه ذلك الراهب، وهو صاحب دير العدس بذلك الكتاب. فلما رآه عمر تعجب منه، فقال: أوف لي بشرطين فقال عمر: ليس لعمر، ولا لأبي عمر فيه شيء، ولكن عندك للمسلمين منفعة، فأنشأ عمر يحدث حديثه حتى أتى على آخره، فقال له عمر: إن أضفتم المسلمين، وهديتموهم الطريق، ومرّضتم المريض فعلنا ذلك، قال: نعم يا أمير المؤمنين، فوفى له بشرطه.
قال الواقدي: قولهم: إن عمر دخل الشام في خلافته مرتين، ورجع الثالثة من سرغ لا يعرف عندنا، إنما قدم عمر الشام في خلافته، قدمه عام الجابية سنة ست عشرة حين صالح أهل بيت المقدس، وقسم الغنائم بالجابية، وجاء عام سرغ سنة سبع عشرة فرجع من سرغ من أجل الطاعون، لم يكن غيرها بين الرحلتين. وهم يقولون: دخل في الثالثة دمشق وحمص، وهذه الرحلة لا تعرف عندنا، وسنين عمر معروفة عام الجابية سنة ست عشرة، وسرغ سنة سبع عشرة، والرمادة سنة ثمان عشرة، فكل هذا معروف، ولم يدخل عمر في روايته دمشق ولا حمص في خلافته.
وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة أخت أبي جهل بن هشام، وكان أبو جهل خاله. وشهد عمر بدراً، وهو أول من سمي أمير المؤمنين.
لما توفي أبو بكر قال عمر: قيل لأبي بكر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكيف يقال لي: خليفة
خليفة رسول الله؟ هذا يطول، فقال له المغيرة بن شعبة: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين، قال: فذاك إذاً، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة.
بويع له يوم مات أبو بكر رضي الله عنه ولاه أبو بكر الصديق الخلافة بعده، فتولاها في سنة ثلاث عشرة إلى أن طعن وكان عمر أمهق، طوالاً، أصلع، آدم، شديد الأدمة، أعسر يسر، وكان يخضب بالحناء والكتم، ووصفه ابنه فقال: كان أبيض، تعلوه حمرة، طوال أصلع أشيب. زاد غيره: في عارضيه خفة، سبلته كبيرة، وفي أطرافها صهبة، وكان إذا حزبه أمر فتلها، وكان أحول، عظيم الألواح، يسرع في مشيته.
دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ الله به الدين، والمسلمون مختبئون. فلما أسلم كان إسلامه عزاً أعز الله به الإسلام، وظهر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم هاجر من مكة إلى المدينة، فكانت هجرته فتحاً، ولم يغب عن مشهدٍ شهده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قتال المشركين، وصحب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأحسن صحبته، وشهد له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، وقبض صلوات الله عليه وهو عنه راض، ثم ارتد الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوازر خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منهاج نبيه، وضرب بسيفه مع من أقبل من أدبر، حتى أدخل الناس في الإسلام، طوعاً وكرهاً، ثم قبض الخليفة وهو عنه راض، وولي بعده بخير ما يلي أحد من الناس، مصر الله به الأمصار، وجبى به الأموال، ونفى به العدو، وأدخل على كل أهل بيت من المسلمين توسعةً في دينهم، وتوسعة في أرزاقهم، حتى ختم الله له الشهادة.
وروي عن عمر أنه قال: ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين، واسلم في السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة. وكان عبد الله بن عمر يقول: أسلم عمر وأنا ابن ست سنين. وقيل: ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وكان يأكل السمن واللبن. فلما أمحل الناس عام الرمادة حرّمهما على نفسه، وقال: والله لا أكلهما حتى يخصب الناس، وكان يأكل الزيت
حتى تغير لونه، وكان أروح، والأروح الذي تتدانى قدماه إذا مشى كأنه راكب، والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس، وكان كثّ اللحية جهير الصوت.
قال زرّ بن حبيش: خرجنا مع أهل المدينة في يوم عيد في زمن عمر بن الخطاب، وهو يمشي حافياً، شيخاً، أصلع، أعسر يسر، طوالاً، مشرفاً على الناس، كأنه على دابة، متلثماً ببرد قطري يقول: عباد الله، هاجروا، ولا تهجروا، وليتّق أحدكم الأرنب يحذفها بالعصا، أو يرميها بالحجر فيأكلها لكن لتذك لكم الأسل: الرماح والنبل.
قال عبيد بن عمير: كنت إذا رأيت عمر في قوم رأيته مشرفاً عليهم، يفوقهم بهذه، وأشار سفيان بيده فوضعها على شاربه.
وكان عمر بن الخطاب يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويجمع جراميزه، ويثب على فرسه، فكأنما خلق على ظهره.
وعن أم عبد الله بنت أبي خيثمة قالت: إنا لنرتحل إلى أرض الحشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة في بعض حاجته، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف عليّ، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وغلظة علينا، فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قالت: قلت لعمر: والله لنخرجنّ في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل اله لنا فرجاً، فقال عمرك صحبكم الله، ورأيت منه رقة لم أرها منه قط. قالت: فلما رجع ابن ربيعة من حاجته قلت: يا أبا عبد الله، لو رأيت
عمر بن الخطاب، أتانا، ورقته وحزنه علينا، فقال عمر؟! فقلت: نعم، قال عامر: كأنك طمعت في إسلام عمر، قالت: نعم، فقال لها: لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، بأساً منه، لما كان يرى من غلظته وجفاه بنا.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم أعزّ الإسلام بأحبّ الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب أبو بأبي جهل بن هشام "، فكان أحبهما إلى الله تعالى عمر بن الخطاب.
وفي رواية: " اللهم، أشدد الدين بأحب الرجلين إليك "، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فشدّ بعمر ".
وعن سعيد بن المسيب قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى عمر بن الخطاب أو أبا جهل بن هشام قال: " اللهم، اشدد دينك بأحبهما إليك "، فشدّ دينه بعمر بن الخطاب. ولما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أبا جهل عمرو بن هشام لن يسلم خصّ عمر بن الخطاب بدعائه، فأجيب فيه إلى تحقيق رجائه.
وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " اللهم، أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة ".
وعن ابن عمر قال: لما طعن عمر قال له ابن عباس: أبشر قد دعا لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعزّ بك الدين، والمسلمون مختبئون بمكة. فلما أسلمت كان إسلامك عزّاً.
وعن شريح بن عبيد قال: قال عمر بن الخطاب:
خرجت أتعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل أن أسلمن فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أعجب من تأليف القرآن. قال: فقلت: هذا والله شاعر كما قالت قريش. قال: فقرأ: " إنّه لقول رسولٍ كريمٍ وما هو بقول شاعرٍ قليلاً ما تؤمنون " قال: فقلت: كاهن. قال: " ولا بقول كاهنٍ قليلاً ما تذكّرون
تنزيلٌ من ربّ العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين " إلى آخر السورة. قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع.
وعن جابر بن عبد الله قال: كان أول إسلام عمر قال عمر: ضرب أختي المخاض ليلاً، فخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قرة فجاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل الحجر، وعليه تبان، قال: فصلى ما شاء الله، ثم انصرف، فسمعت شيئاً لم أسمع مثله، فخرجت، فاتبعته، فقال: " من هذا؟ " قلت عمر: قال: " يا عمر، ما تدعني ليلاً ولا نهاراً؟! " قال: فخشيت أن يدعو علي، قال: فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: فقال: " يا عمر، أتسرّه؟ " قال: قلت: والذي بعثك بالحق لأعلننّه كما أعلنت الشرك.
عن ابن عباس قال:
سألت عمر بن الخطاب: لأي شيء سميت الفاروق؟ قال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام، قال: فخرجت إلى المسجد، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأسرع أبو جهل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسبّه، قال: فما رجع حمزة أخبر، قال: فرفع رداءه، وأخذ قوسه ثم خرج إلى المسجد، إلى حلقة قريش التي فيها أبو جهل، قال: فاتكأ على قوسه مقابل أبي جهل، قال: فنظر إليه فعرف الشرّ في وجهه، فقال: ما لك يا أبا عمارة؟ قال فرفع القوس فضرب بها أخدعيه، فقطعه، فسالت الدماء، قال: فأصلحت ذلك قريش مخافة أن يكون بينهم قائدة، قال: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختفٍ في دار أرقم بن أبي الأرقم المخزومي، قال: فانطلق حمزة مغضباً حتى أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان بن فلان المخزومي، فقلت له: أرغبت عن دين آبائك، واتبعت دين محمد؟ قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني، قال: قلت: ومن هذا؟ قال أختك وختنك، قال: فانطلقت، فوجدت الباب مغلقاً، وسمعت همهمة، قال: ففتح لي الباب، فدخلت، فقلت: ما هذا الذي أسمع عندكم؟ قالوا: ما سمعت شيئاً، فما زال الكلام بيني وبينهم حتى برأس ختني، فضربته ضرباً، فأدميته، فقامت إليّ أختي،
فأخذت برأسي، فقالت: قد كان ذلك على رغم أنفك، قال: فاستحييته حين رأيت الدماء، فجلست، وقلت: أروني هذا الكتاب، فقالت أختي: إنه لا يمسّه إلا المطهرون، فإن كنت صادقاً فقم، فاغتسل، قال: فقمت، فاغتسلت، وجئت فجلست، فأخرجوا لي صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، قلت: أسماء طاهرة طيبة " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى تنزيلاً ممّن خلق الأرض والسّموات العلى الرّحمن على العرش استوى له ما في السّموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّر وأخفى " قال: قلت: بهذا جاء موسى " الله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " فتعظمت في صدري، وقلت: من هذا فرّت قريش، ثم شرح الله صدري للإسلام، فقلت: " لله لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى " قال: فما في الأرض نسمة أحب إلي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: أين رسول الله؟ قالت: عليك عهد الله وميثاقه ألا تهيجه بشيء يكرهه، قلت: نعم، قالت: فإنه في دار أرقم بن أبي الأرقم، في دارٍ عند الصفا، فأتيت الدار، وحمزة وأصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في البيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، قال: وعمر بن الخطاب؟ افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، قال: فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " ما لكم؟ " قالوا: عمر بن الخطاب فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بمجامع ثيابه، ثم نتره نترة، فما تمالك أن وقع على ركبتيه في الأرض، فقال: " ما أنت بمنتهٍ يا عمر "! قال: قلت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا، وإن حيينا؟ قال: " بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متّم وإن حييتم "، قال: فقلنا: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجنّ، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال: فنظرت إليّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صأ يومئذ الفاروق، وفرق بين الحق والباطل.
وفي حديث آخر بمعناه قال:
ثم خرجت، فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً من المسلمين يضرب إلا رأيته، قال: ثم ذهبت إلى خالي، فقرعت عليه الباب، فقال: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب، فخرج إلي، فقلت له: أعلمت أني صبوت؟ قال: فعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف الباب دوني، قال: قلت: ما هذا بشيء، قال: فذهبت إلى رجل من أشراف قريش، فقرعت عليه بابه، فقال: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، فخرج، فقلت: أشعرت أني صبوت؟ قال: أفعلت؟ قلت: نعم، قال: لا تفعل، ثم دخل، وأجاف دوني الباب. قال: قلت: ما هذا بشيء. قال: فقال لي رجل: أتحب أن تعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا كان الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل، فجلست إلى جنبه، وأصغيت إليه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: أو فعلت؟ قلت: نعم، قال: فرفع بأعلى صوته ثم قال: ابن الخطاب قد صبأ، وثار الناس علي فضربوني، فضربتهم، فقال رجل: ما هذه الجماعة؟ قالوا: هذه ابن الخطاب قد صبأ، فقام على الحجر ثم أشار بكمه فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فقلت لأختي: يصيبني ما يصيب المسلمين، فأمهلت حتى إذا جاء الناس في الحجر فجئت إلى خالي، فقلت: اسمع، فقال: ما أسمع؟ قلت: جوادك ردٌّ عليك، قال: لا تفعل يا بن أختي، قال: قلت: بل هو ردٌّ عليك، فقال: ما شئت. قال: ما زلت أضرب الناس ويضربونني حتى أعزّ الله بنا الإسلام.
وعن ابن عمر قال: اجتمعت قريش فقالوا: من يدخل على هذا الصابئ فيرده عما عليه فيقتله؟ فقال عمر بن الخطاب: أنا، فأتى العين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إن عمر بن الخطاب يأتيك، فكن منه على حذر. فلما أن صلى رسولالله صلّى الله عليه وسلّم صلاة المغرب قرع عمر بن الخطاب الباب، وقال: افتحي يا خديجة. فلما أن دنت قالت: من هذا؟ قال: عمر، قالت: يا نبيّ الله، هذا عمر، فقال من عنده من المهاجرين، وهم تسعة صيام، وخديجة عاشرتهم: ألا تشتفي يا رسول الله فضرب عنقه؟ قال: " لا "، ثم قال: " اللهم، أعزّ الدين بعمر بن الخطاب ". فلما دخل قال: ما تقول يا محمد؟ قال: " أقول أن
تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وتؤمن بالجنة والنار والبعث بعد الموت "، فبايعه، وقبل الإسلام، وصبوا عليه الماء حتى اغتسل ثم تعشى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبات يصلي معه. فلما أصبح اشتمل على سيفه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتلوه، والمهاجرون خلفه حتى وقف على قريش، وقد اجتمعوا، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " فتفرقت حينئذ قريش عن مجالسها.
وفي حديث آخر بمعناه ذكره ابن إسحاق قال:
ثم إن قريشاً بعثت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في دار في أصل الصفا، ولقيه النحّام وهو نعيم بن عبد أسد، أخو بني عدي بن كعب، وقد أسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر، أين تراك تعمد؟ فقال: أعمد إلى محمد هذا الذي سفّه أحرم قريش، وسفّه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: لبئس الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، وأردت هلكة بني عدي بن كعب، أو تراك مفلتاً من بني هاشم وبني زهرة، وقد قتلت محمداً صلّى الله عليه وسلّم؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما، فقال له عمر: إن لأظنك قد صبأت، ولو أعلم ذلك لبدأت بك. فلما رأى النحام أنه غير منته قال: فإني أخبرك أن أهلك ختنك قد أسلموا، وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال؟ وأيّهم؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك. فانطلق عمر حتى أتى أخته، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السّعة فيقول: عندك فلان، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبّاب الأرتّ مولى ثابت بن أم أنمار حليف بني زهرة، وقد أنزل الله عزّ وجلّ " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلاّ تذكرةً لمن يخشى ". وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا ليلة الخميس فقال: اللهم، أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم
عمر وأخته: نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمر، فكانت. فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها، فإذا خبّاب بن الأرتّ عند أخت عمر يدرس عليها " طه " وتدرس عليه " إذا الشّمس كوّرت ". وكان المشركون يدعون المدارسة: الهينمة. فلما رأته أخته عرفت الشرّ في وجهه فخبأت الصحيفة، وزاغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته: ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثاً نتحدث به بيننا، فعذلها، وحلف ألا يخرج حتى يتبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر، وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر، فوطئه وطئاً شديداً وهو غضبان، فقامت إليه أخته تحجزه عن زوجها فنفحها عمر بيده، فشجّها. فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر؟ أرأيت كل شيء بلغك عني مما تذكره من تركي آلهتك، وكفري باللات والعزى فهو حق. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فائتمر أمرك، واقض ما أنت قاض. فلما رأى ذلك عمر سقط في يده، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين أعطيك موثقاً من الله لا أمحوها حتى أردها إليك، ولا أرتبك فيها؟ فلما رأت ذلك أخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت أن تكون دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له قد لحقت، فقالت: إنك نجس، و" لا يمسّه إلاّ المطهّرون "، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، وأعطني موثقاً تطمئن إليه نفسي، ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ، فقرأ: " طه " حتى بلغ إلى قوله " فتردّى " و" إذا الشّمس كوّرت " حتى بلغ " علمت نفسٌ ما أحضرت "، فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته وختنه: كيف الإسلام؟ قالا: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. وتخلع الأنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر. وخرج خباب، فكبّر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد دعا لك أن يعزّ الله الإسلام بك، قال عمر: فدلّوني على المنزل الذي فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدلّه خبّاب عليه.
فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح. فلما رأى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمر متقلداً بالسيف أشفقوا منه. فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجل القوم قال: " افتحوا له، فإن كان الله يريد بعمر خيراً ابتع الإسلام، وصدّق الرسول، وغن كان يريد غير ذلك يكن قتله علينا هيناً، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم داخل البيت يوحى إليه، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين سمع صوت عمر وليس عليه رداء حتى أخذ بمجمع قميص عمر وردائه، وقال له: " ما أراك منتهياً يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة "، ثم
قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة. قال: " اللهم، اهد عمر "، فضحك عمر فقال: يا نبيّ الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار، والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلاً وإحدى عشرة امرأة.
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات، وهو يقول: " اللهم، أخرج ما في صدره من غلّ وداء، وأبدله إيماناً، يقول ذلك ثلاثاً ".
وعن ابن عباس قال: أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسعة وثلاثون رجلاً، ثم إن عمر أسلم، فصاروا أربعين، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى: " يا أيّها النّبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ".
وفي رواية: تسعة وثلاثون رجلاً، وثلاث وعشرون امرأة.
وروي عن عمر أنه قال: لقد رأيتني وما أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا تسعة وثلاثون رجلاً، فكنت رابع أربعين رجلاً، فأظهر الله دينه، وأعزّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، وأعزّ الإسلام.
وقيل: إن عمر أسلم بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة. وقيل: بعد أربعين رجلاً وعشرة نسوة.
وفي حديث: أن عمر لما أسلم نزل جبريل فقال: يا محمد، استبشر أهل السماء بإسلام عمر.
وعن عمر قال: لما أسلمت تذكرت أن أهل مكة أشد عداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: أبا جهل، فأتيته حتى وقفت على بابه فخرج إليّ، فرحب بي وقال: مرحباً وأهلاً يا بن أختي، ما جاء بك؟ قلت: جئت أخبرك أني قد أسلمت، فضرب الباب في وجهي وقال: قبحك الله، وقبح ما جئت به.
وعن ابن عمر قال: إني لمع أبي يوم أسلم غلامٌ أتبعه، أعقل ما يصنع حتى أتى جميل بن معمر الجمحي، وكان امرأ يذيع الحديث فقال: يا جميل: أعلمت أني اتبعت محمداً؟ فقام جميلٌ يجرّ رداءه من العجلة يطوف على أندية قريش ويقول: إن ابن الخطاب صبأ، وأبي يتبعه ويقول: كذب، ولكني أسلمت، فلم يصنعوا شيئاً، فصاح أبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقاموا إليه فجعلوا يضربونه، ويضربهم حتى قامت الشمس على رأسه، فجلس وقد أعيا، وهو يقول: أما والله لو قد بلغنا ثلاث مئة لقد أخرجناكم منها، أو أخرجتمونا. إلى أن جاء رجل عليه قومسي ورداء حبرة، فقال: ما هذا؟ قالوا: صبأ ابن الخطاب، فقال رجل: اختار لنفسه أمراً، ما لكم وله؟! أترون بني عدي تاركيكم وصاحبكم هكذا؟ فكأنما كسف بالناس يوماً، فقلت له بالمدينة: يا أبه، من الرجل الذي أتاك يوم أسلمت؟ قال: العاص بن وائل.
وفي رواية أخرى أنه قال: صبأ عمر، فمه، أنا له جار، فتفرق الناس عنه. قال: فعجبت من عزة يومئذ.
وقيل: إن إسلام عمر كان قبل خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أرض الحبشة.
وقال عمر حين أسلم: البسيط
الحمد لله ذي المنّ الذي وجبت ... له علينا أيادٍ ما لها غير
وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا ... صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ... ربّي عشية قالوا قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زللٍ ... بظلمها حين تتلى عنده السّور
لما دعت ربّها ذا العرش جاهدة ... والدمع من عينها عجلان يبتدر
أيقنت أنّ الذي تدعوه خالقها ... فكاد يسبقني من عبرةٍ درر
فقلت أشهد أن الله خالقنا ... وأنّ أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدقٍ أتى بالحق من ثقةٍ ... وافي الأمانة ما في عوده خور
وعن ابن عباس قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصف القوم منا.
وعن صهيب بن سان قال: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعا إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقاً، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
وعن عكرمة قال: لم يزل الإسلام في استخفاء حتى أسلم عمر. فلما أسلم أخرجهم من البيوت، فلا يزال قد ضرب ذا وصرع ذا، وعازّوا الإسلام.
وعن ابن عباس
في قوله: " كزرعٍ أخرج شطأه " قال: أصل الزرع عبد المطلب. " أخرج شطأه " أخرج محمداً صلّى الله عليه وسلّم، " فآزره " بأبي بكر. " فاستغلظ " بعمر " فاستوى على سوقه " بعثمان " يعجب الزّرّاع " علي بن أبي طالب " ليغيظ بهم الكفّار ".
وعن الحسن البصري في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: عمر بن الخطاب. وفي قوله: " أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس " قال: عمر بن الخطاب "
كمن مثله في الظّلمات ليس بخارجٍ منها " قال: أبو جهل بن هشام.
وعن علي قال: نزلت هذه الآية: " ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخواناً على سررٍ متقابلين " في ثلاثة من بطون قريش: بني هاشم، وبني تيم بن مرّة، وبني عدي بن كعب. منهم أنا وأبو بكر وعمر.
سئل الحسن عن قوله عزّ وجلّ: " من يرتدّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبّهم ويحبّونه " قال: منهم أبو بكر وعمر.
وعن ابن عباس: في قوله الله عزّ وجلّ " وشاورهم في الأمر " قال: أبو بكر وعمر.
وعن ابن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: في قوله: " فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين " قال صلّى الله عليه وسلّم: " من صالح المؤمنين: أبو بكر وعمر "، وقال سعيد بن جبير في قوله: " وصالح المؤمنين " قال: نزلت في عمر بن الخطاب خاصة. وقال مقاتل: " صالح المؤمنين " أبو بكر وعمر وعلي.
وعن زيد " فقد صغت قلوبكما " قال: قد مالت. وفي قوله: " وصالح المؤمنين " قال: الأنبياء.
وعن عبد الله بن مسعود قال: ما زلنا أعزاء منذ أسلم عمر.
وعن عبد الله أن إسلام عمر كان عزّاً، وأن هجرته كانت فتحاً، أو نصراً، وإمارته كانت رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وإني لأحسب بين عيني عمر ملكاً يسدّده، وإني لأحسب الشيطان يفرقه. وإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.
وفي رواية: ما استطعنا أن نصلي في البيت ظاهرين حتى أسلم عمر. فلما أسلم عمر قاتلناهم حتى صلينا.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت ليلة أسري بي على العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق ".
وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مكتوب على ساق العرش. أو في ساق العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووزيراه أبو بكر الصديق وعمر الفاروق ".
وعن النزّال بن سبرة الهلالي قال: قلنا لعلي: فحدثنا عن عمر قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق، يفرق بين الحق والباطل. سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهم، أعزّ الإسلام بعمر ".
وعن أبي عمروٍ ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أيوب بن موسى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، وهو الفاروق. فرق الله به بين الحق والباطل ". قال ابن شهاب: بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر: الفاروق،
وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم، ولم يبلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر من ذلك شيئاً، ولم يبلغنا أن ابن عمر قال ذلك إلا لعمر. كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة، ويثني عليها.
وعن ابن شهاب الزهري أن عمر بن الخطاب كان يدعى الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل، وأعلن بالإسلام والناس يخفونه. وكان المسلمون يوم أسلم عمر تسعة وثلاثين رجلاً وامرأة بمكة، فكملهم عمر أربعين رجلاً.
وعن ابن عباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلى مختفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، وطاف بالبيت سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام متمكناً، فصلى متمكناً، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم أنفه إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته فيلقني وراء هذا الوادي، قال علي: فما اتبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم، ومضى لوجهه.
وعن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر قال له رجل: أنت هاجرت قبل أم عمر، قال: فغضب، وقال: لا، بل هو هاجر قبلي، وهو خير مني في الدنيا والآخرة.
وعن علي قال:
قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولأبي بكر وعمر يوم بدر لأحدهما: " معك جبريل "، وللآخر: " معك ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في الصف ".
وعن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما تقولون في هؤلاء
الأسرى؟ " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك قرّبهم، فضرّب أعناقهم. قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر وادياً كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم ناراً. قال: فقال العباس: قطعتك رحمك. قال: فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يرد عليهم شيئاً. قال: فقال ناس، يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. قال: فخرج عليهم رسول الله فقال: " إن الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ " ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: " إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وغن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم " وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ربّ " واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم ". أنتم عالة فلا ينفلتنّ منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق ". قال عبد الله: فقلت: يا رسول الله، الأشهل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام. قال: فسكت. قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجار من السماء في ذلك اليوم حتى قال: " الأشهل بن بيضاء ". قال: فأنزل الله "
لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " إلى قوله: " ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة والله عزيزٌ حكيمٌ ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع: بذكر الأسارى يوم بدر أمر بقتلهم، فأنزل الله " لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ " وبذكر الحجاب: أمر نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يحتجبن، فقالت له زينب: وإنك غلاب علينا وقال ابن سهل: رأيت علينا يا بن الخطاب، والوحي ينزل في بيوتنا وقال ابن سهل: والوحي بين أبياتنا؟؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وبدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم: " اللهم، أيدّ الإسلام بعمر "، وبرأيه في أبي بكر: كان أول الناس بايعه.
وعن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما خرج إلى بني قريظة والنضير قال له عمر وأبو بكر: يا رسول الله، إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زيّاً حسناً من الدنيا، فانظر إلى الحلة التي أهداها لك سعد بن عبادة فالبسها، فلير اليوم المشركون عليك زيّاً حسناً. قال: " أقبل، وايم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن ضرب لي ربي لكما مثلاً: لقد ضرب لي أمثالكما في الملائكة كمثل جبريل وميكائيل، فأما ابن الخطاب فمثله في الملائكة كمثل جبريل إن الله لم يدمّ أمة قط إلا بجبريل، ومثله في الأنبياء كمثل نوح إذ قال: " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً "، ومثل ابن أبي قحافة في الملائكة كمثل ميكائيل إذ يستغفر لمن في الأرض، ومثله في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ قال: ربّ " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ ". ولو أنكما تتفقان على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبداً، ولكن شأنكما في المشورة شتى كمثل جبريل وميكائيل، ونوح وإبراهيم صلى الله عليهم أجمعين ".
وعن أم سلمة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " في السماء ملكان أحدهما يأمر بالشدة والآخر يأمر باللين، وكلاهما مصيب. أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة، وكلٌّ مصيب، وذكر إبراهيم ونوحاً، ولي صاحبان أحدهما يأمر باللين، والآخر يأمر بالشدة وكلٌّ مصيب وذكر أبا بكر وعمر ".
وعن ابن عباس أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر وعمر:
" ألا أخبركما مثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء؟ أما مثلك أنت يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء كمثل إبراهيم إذ كذبه قومه فصنعوا به ما صنعوا قال: " فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فأنّك غفورٌ رحيمٌ ". ومثلك يا عمر في الملائكة كمثل جبريل ينزل بالبأس والشدة والنقمة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال " ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً " ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أيدني بأربعة وزراء "، قلنا: من هؤلاء الأربعة وزراء يا رسول الله؟ قال: " اثنين في من أهل السماء، واثنين من أهل الأرض "، قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل السماء؟ قال: " جبريل وميكائيل ". قلنا: من هؤلاء الاثنين من أهل الأرض أو من أهل الدنيا؟ قال: " أبو بكر وعمر ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر لأبي بكر وعمر: " مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل، ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ".
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لكلّ نبي وزيران من أهل السماء وأهل الأرض، ووزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر ".
وعن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً فطلع أبو بكر وعمر، فقال: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
وعن عبد العزيز بن عبد المطلب عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأطلع أبو بكر وعمر فقال: هذان للسمع وللبصر.
وفي رواية فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ".
وعن نافع قال: قيل لعبد الله بن عمر: إنك قد أحسنت الثناء على عبد الله بن مسعود، فقال:
وما يمنعني من ذلك؟ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومن أبيّ بن كعب، ومن معاذ بن جبل ". قال: ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لقد هممت أن أبعثهم في الأمم كما بعث عيسى بن مريم الحواريين " قالوا: يا رسول الله، أفلا تبعث أبو بكر وعمر، فهما أعلم وأفضل؟ قال: فقال: " إني لا غناء بي عنهما، إنهما مني بمنزلة السمع والبصر، وبمنزلة العينين من الرأس ".
وفي حديث بمعناه: " كيف أبعث هذين، وهما من الدين بمنزلة السمع والبصر من الرأس؟ ".
وفي رواية: " إنهما من الدين كالرأس من الجسد ".
وعن ابن عباس قال: جاء جبريل إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: أقر عمر السلام، وأخبره أن رضاه عزّ، وأن غضبه حكم.
وفي رواية: " إن رضاه عدل، وغضبه عزّ.
ورواه عقيل بن أبي طالب أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر بن الخطاب: " إن غضبك عزّ، ورضاك حكم ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب إذا غضب ".
ضعّفوا أبا لقمان، من رواته. قالوا: كان يروي المنكرات عن الثقات.
وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: " بينا رجل يسوق بقرة، فركبها، فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث "، فقال الناس:
سبحان الله بقرة تتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثمّ "، ثم قال: " وبينا رجلٌ في غنمه إذ عدل عليها الذئب، فأخذ شاة منها، فطلبه، فأدركه، فاستنقذها منه، فقال: هذا استنقذتها مني، فمن لها من السبع؟ يوم لا راعٍ لها غيري؟ " فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " آمنت به أنا وأبو بكر وعمر "، وليسا في المجلس، فقال القوم: آمنا بما آمن به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن سعد بن أبي وقاص قال:
استأذن عمر على النّبي صلّى الله عليه وسلّم وعنده نسوة من قريش يسألنه، ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته. فلما أذن له النّبي صلّى الله عليه وسلّم تبادرن للحجاب، فدخل ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عجبت من هؤلاء اللائي كنّ عندي. فلما سمعن صوتك تبادرن للحجاب ". فقال عمر: فأنت يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك، ثم أقبل عليهن فقال: أي عدوّات أنفسهن أتهبنني، ولا تهبن رسول الله قلن: نعم. أنت أفظّ وأغلظ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " إيهاً يا بن الخطاب، فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجّاً غير فجّك ".
وفي رواية: فقال نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم عن عمر: " فوالله ما سلك عمر وادياً قط فسلكه الشيطان ".
وعن عائشة أنه كان بينها وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ترضين أن يكون بيني وبينك عمر؟ " قالت: من عمر؟ قال: " عمر بن الخطاب "، قالت: لا والله، إني أفرق من عمر، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " الشيطان يفرقه ".
وفي رواية فقال: " بمن ترضين أن يكون بيني وبينك؟ أترضين بأبي بكر؟ " قلت: لا، قال: " أترضين بعمر؟ فإن الشيطان يفرق من حسّ عمر ".
عن بريدة قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بعض مغازيه. فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا نبي الله، إني كنت نذرت نذراً إذا ردّك الله عزّ وجلّ صالحاً أن أضرب بين يديك بالدّف، فقال لها: " إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ". فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر. إني كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدفّ ".
وعن عائشة أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم كان جالساً فسمع ضوضاء الناس والصبيان، فإذا حبشية تزفن والناس حولها، فقال: " يا عائشة، تعالي فانظري "، فوضعت خدي على منكبيه، فجعلت أنظر ما بين المنكبين إلى رأسه، فجعل يقول: " يا عائشة، ما شبعت؟ " فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، فلقد رأيته يراوح بين قدميه، فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " رأيت شياطين الإنس والجنّ فرّوا من عمر "، وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " لا تلبث أن تصرع "، فصرعت فجاء الناس، فأخبروا بذلك.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما في السماء ملك إلا ويوقّر عمر، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق عن عمر ".
وعن حفصة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرّ لوجهه ".
وعن ابن مسعود قال: لقي رجل من أصحاب محمد رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الجني:
عاودني، فعاوده فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريّعتيك ذريّعتي كلب، أفكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذا؟ قال: لا، والله إني منهم لضليع، ولكن عاودني الثالثة، فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: فعاوده فصرعه، قال: هات علّمني، قال: هل تقرأ آية الكرسي؟ قال: نعم، قال: فإنك لا تقرؤها في بيت إلا أخرج منه الشيطان ثم لا يدخله حتى يصبح، فقال رجل في القوم: يا عبد الرحمن، من ذلك الرجل من أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم: هو عمر؟ فقال: من يكون هو إلا عمر؟ وفي حديث بمعناه قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها آية تقرأ في وسط شياطين إلا تفرقوا، ولا تقرأ في بيت فتدخل ذلك البيت.
وعن سالم بن عبد الله قال: أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه، فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء، فسألته عنه، فقال: تركته مؤتزراً بكساء يهنأ إبل الصدقة، وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خرّ لمنخريه، الملك بين عينيه، وروح القدس ينطق بلسانه.
وعن زرّ قال: كان عبد الله يخطب ويقول: إني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه، وإني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده.
وعن مجاهد قال: كنا نتحدث، أو نحدّث أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما أصيب بثّت.
وعن عائشة قالت: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنّبي صلّى الله عليه وسلّم بيني وبينها فقلت لها: كلي، فأبت، فقلت: لتأكلنّ أو لألطخنّ وجهك، فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة، فطليت بها وجهها، فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم فوضع فخذه لها، وقال لسودة: " الطخي وجهها "، فلطخت وجهين فضحك النّبي صلّى الله عليه وسلّم أيضاً، فمرّ عمر، فنادى: يا عبد الله، يا عبد الله، فظنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه سيدخل، فقال: " قوما، فاغسلا وجوهكما ". قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه.
وعن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي بمحامد ومدح، وإياك. قال: " هت ما حمدت به ربك "، قال: فجعلت أنشده. فجاء رجل آدم، فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين ". قال: فتكلم ساعة ثم خرج، قال: فجعلت أنشده، قال: ثم جاء فاستأذن، قال: فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " بين بين "، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً. قال: فقلت: يا رسول الله، من هذا استنصتني له؟ قال: " هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل ".
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنه كان فيما خلا قبلكم أناس يحدّثون، فإن يك في أمتي منهم أحد فهو عمر بن الخطاب " قال إسحاق أحد رواته: فقلت لأبي ضمرة: ما معنى يحدّثون؟ قال: يلقى على أفئدتهم العلم.
وعن خفاف بن إيماء أنه كان يصلي الجمعة مع عبد الرحمن بن عوف، فإذا خطب عمر سمعته يقول: اشهد أنك معلّم، فتعجب عبد الرحمن بن أبي الزناد منه، فقلت: يا أبا محمد، لم تعجب منه؟ قال: إني سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ما من
نبي إلا في أمته معلّم أو معلّمان. فإن يك في أمتي أحد فابن الخطاب. إن الحق على لسان عمر وقلبه ".
قال الشعبي: ذكر عند علي قول عمر: قد ألقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموه، فقال علي: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق بلسان عمر، وإن في القرآن لرأياً من رأي عمر.
وعن كعب قال: قيل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، هل ترى في منامك شيئاً؟ قال: فانتهره، فقال: إنا نجد رجلاً يرى أمر الأمة في منامه.
وعن الحسن في قوله: محدّثين، يريد: قوماً يصيبون إذا ظنوا، وإذا حدسوا. يقال: رجل محدّث. وإنما قيل له ذلك لأنه يصيب رأيه، ويصدق ظنه إذا توهم، فكأنه حدّث بشيء فقاله. ومنه قول علي رحمه الله في ابن عباس رحمه الله: إنه لينظر إلى الغيب من سترٍ رقيق.
ووقع في بعض الأحاديث أن في كل أمة محدّثين أو مروّعين. والمروّع الذي ألقي في روعه الشيء، كأن الله عزّ وجلّ ألقاه فيه، فقاله. قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب ". والرّوع: النفس. يقال: وقع كذا في روعي أي في خلدي ونفسي. وكان عمر رحمه الله يقول الشيء، ويظن الشيء فيكون كما قال، وكما ظنّ، كقوله في سارية بن زنيم الدّؤلي، وكان ولاه جيشاً فوقع في قلب عمر أنه لقي العدو، وأن جبلاً بالقرب منه، فجعل عمر يناديه: يا سارية، الجبل الجبل، ووقع في قلب سارية ذلك، فاستند هو وأصحابه إلى الجبل، فقاتلوا العدو من جانب واحد. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر "، وقال: " إن السكينة تنطق على لسان عمر ".
وروي في بعض الحديث أن الحدّث هو الذي تنطق الملائكة على لسانه.
وعن أبي ذرّ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر، يقول به.
وفي حديث آخر: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، أو قلبه ولسانه.
وعن غضيف بن الحارث رجل من أيلة قال:
مررت بعمر بن الخطاب فقال: نعم الغلام، فاتبعني رجل ممن كان عنده، فقال: يا بن أخي، ادع الله لي بخير، قال: وقلت: ومن أنت رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: غفر الله لك، أنت أحق أن تدعو لي مني لك، قال: يا بن أخي، إني سمعت عمر بن الخطاب حين مررت به آنفاً يقول: نعم الغلام، وسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به.
وعن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله نقل الحق على قلب عمر وعلى لسانه وما نزل الناس أمر قط يقال فيه الرأي، وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بما قال فيه عمر.
الصحيح أن آخره من قول ابن عمر، فإنه رواه جماعة ولم يذكروه.
وعن واصل مولى ابن عيينة قال: كانت امرأة عمر اسمها عاصية، فأسلمت، فأتت عمر فقالت: قد كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، وقالت: ما وجدت اسماً سميتني به إلا اسم أمةٍ؟ فأتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إني كرهت اسمي فسمّني، فقال: أنت جميلة، فقالت: يا رسول الله، إني أتيت عمر فسألته أن يسميني، فقال: أنت جميلة، فغضبت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أما علمت أن الله عزّ وجلّ عند لسان عمر وقلبه؟ وعن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لشيء قط: إني لأظن كذا وكذا إلا كان كما يظن: بينما عمر بن الخطاب جالساً إذ مرّ رجل جميل، فقال له: لقد أخطأ
ظني، وإن هذا الرجل على دينه في الجاهلية، أول قد كان كاهناً في الجاهلية، عليّ الرجل، فدعي له، فقال له عمر: لقد أخطأ ظني، وإنك لعلى دينك في الجاهلية، أول قد كنت كاهنهم، قال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم، فقال عمر: فإني أعزم عليهم إلا ما أخبرتني، قال: كنت كاهنهم في الجاهلية، قال: فماذا أعجب ما جاءتك به جنّيّتك؟ قال: بينا أنا يوماً في السوق أعرف منه الفزع قالت: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من بعد إيناسها، ولحوقها بالقلاس وأحلاسها.
قال عمر: صدق. بينا أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل يذبح، فصرخ منه صارخ، لم أسمع صارخاً أشد صوتاً منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، وثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقلت: لا أبرح، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي.
قال وهب السوائي: خطب الناس علي فقال: من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: لا، بل أبو بكر، ثم عمر. إن كنا لنظن أن السكينة لتنطق على لسان عمر.
وعن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر بن الخطاب إلا جاء القرآن نحو ما يقول ".
وعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في أربع: قلت: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله عزّ وجلّ: " واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت على نسائك حجاباً، فإنه يدخل عليك البرّ والفاجر، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " وقلت لأزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم: لتنتهنّ أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خياراً منكنّ " الآية. ونزلت: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ " إلى قوله: " ثمّ أنشأناه خلقاً آخر ". فقلت: " فتبارك الله أحسن الخالقين ".
وعن مجاهد قال: كان عمر إذا رأى رأياً نزل به القرآن.
وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر ".
قال المصنف: وهذا بهذا اللفظ غريب. والمحفوظ: ما رواه بسنده إلى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
وعن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
" من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني. وإن الله باهى بالناس عشية عرفة عامة، وإن الله باهى بعمر خاصة. وإنه لم يبعث نبياً قط إلا كان في أمته من يحدّث، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ". قيل: يا رسول الله، كيف يحد؟ ّث؟ قال: " تتكلم الملائكة على لسانه ".
وعن ابن عمر أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال لبلال عشية عرفة: " ناد في الناس لينصتوا ". فنادى في الناس أن أنصتوا واستمعوا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله قد تطوّل في جمعكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، فادفعوا على بركة الله "، وقال: " إن الله باهى ملائكته بأهل عرفة عامة، وباهاهم بعمر بن الخطاب خاصة ".
وعن ابن عباس قال: قام رجل إلى أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا خليفة رسول الله، من خير الناس؟ قال: عمر بن الخطاب، قال: ولأي شيء قدمته على نفسك؟ قال: بخصال: لأن الله باهى به الملائكة ولم يباه بي، ولأن جبريل أقرأه السلام ولم يقرئني، وإن جبريل قال: يا رسول الله، اشدد الإسلام بعمر بن الخطاب، القول ما قال عمر، ولأن الله صدقه في آيتين من كتابه ولم يصدقني، قال: لتنتهنّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو لينزلنّ الله فيكن كتاباً، فأنزل الله تعالى: " عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ " الآية. ولأن عمر قال: يا رسول الله، إنه يدخل البرّ والفاجر، فلو ضربت عليهن الحجاب، فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ " ولأن عمر قال: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تبارك وتعالى: " واتّخدوا من مقام إبراهيم مصلى ".
فلما قبض أبو بكر قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، من خير الناس؟ قال: أبو بكر الصديق، فمن قال غيره فعليه ما على المفتري.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والداً، وعمر مشيراً، وعثمان سنداً، وأنت يا علي صهراً. فأنتم أربعة قد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن، ولا يبغضكم إلا منافق. أنتم خلائف نبوتي، وعقد ذمتي، وحجتي على أمتي ".
وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن لكل نبي خاصة من أمته، وإن خاصتي من أمتي أبو بكر وعمر ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته، فإذا دنا أجله قبضه الله من التربة التي منها خلق، وفيها يدفن. وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة، وندفن جميعاً في بقعة واحدة ".
قال أبو عاصم: ما نعلم فضيلة لأبي بكر وعمر أنبل من هذا الحديث، لأن طينتهما من طينة سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه.
وعن أنس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع إليه منهم أحد بصره إلا أبو بكر وعمر، فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما، ويتبسّمان إليه، ويتبسّم إليهما.
وعن علي رضي الله عنه قال: أعطي كل نبي سبعة نجباء، وأعطي نبيكم أربعة عشر نجيباً، منهم أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي بكر وعمر فقال: إنهما لفي الوفد السبعين إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة مع محمد صلّى الله عليه وسلّم وقد سألهم موسى فأعطيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، رضي الله عنهما ".
وعن الفضل بن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر معي، وأنا مع عمر، الحق بعدي مع عمر حيث كان ".
وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " عمر مني وأنا من عمر، والحق بعدي مع عمر ".
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت منه حتى لأرى الري يجري في أظفاري، فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب "، فقال من حوله: فما أوّلت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم ".
وفي حديث بمعناه:
" ففضلت فضلاً، فأخذ عمر بن الخطاب "، أوّلوا، قال: " هذا العلم أتاكه الله، حتى إذا امتلأت فضلت منه فضلة، فأخذها عمر بن الخطاب "، قال: " أصبتم ".
وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي، وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثديين، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجرّه ". قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: " الدين ".
وعن أنس قال: سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه يوماً: " من أصبح اليوم نائماً؟ " فقال عمر بن الخطاب: أنا. قال: " فمن تصدق اليوم؟ " قال عمر: أنا. قال: " فمن عاد مريضاً؟ " فقال عمر: أنا. قال: " فمن شيّع جنازة؟ " فقال عمر: أنا، فقال: " وجبت لك، وكتبت لك "، يعني: الجنة.
وعن أبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ذات يوم: " من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا. رأيت كأن ميزاناً دلّي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر بعمر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وعن عرفجة الأشجعي قال: صلى بنا رسول الله صلاة الفجر ثم جلس، فقال: " وزن أصحابنا الليلة، فوزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " وضعت في كفة الميزان، ووضعت الأمة في الكفة الأخرى، فرجحت بهم، ثم وضع أبو بكر مكاني، فرجح بهم، ثم وضع عمر مكانه، فرجح بهم، ثم رفع الميزان ".
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الله تبارك وتعالى اختارني على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة، فجعلهم خير أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم، واختار لي من أمتي أربعة قرون: القرن الأول والثاني والثالث تترا، والرابع فرادى ".
وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ".
وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كان جبريل يذاكرني فضل عمر، فقلت له: يا جبريل، ما بلغ من فضل عمر، قال: يا محمد، لو لبثت ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمرن وماذا له عند الله. قال لي جبريل: يا محمد، ليبكينّ الإسلام من بعد موتك على موت عمر ".
وعن عمار قال: قال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عمار، أتاني جبريل فقلت: يا جبريل، حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفذت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " رحم الله أبا بكر: زوّجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله. رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مرّاً، تركه الحق ما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار ".
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة "، فطلع أبو بكر. ثم قال: " يطلع عليكم رجل من أهل الجنةط، فطلع عمر.
وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن عمر من أهل الجنة ".
وعن معاذ بن جبل قال: أشهد أن عمر في الجنة، لأن ما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو حق، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فذكرت غيرة عمر "، فقال عمر: يا رسول الله، أعليك أغار؟ وعن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
" دخلت الجنة، فرفع لي قصر، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لرجل من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب ". قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فما منعني أن أدخله إلا غيرتك يا أبا حفص "، قال: أعليك أغار يا رسول الله؟ وهل رفعني الله إلا بك، وهداني؟ وهل منّ الله عليّ إلا بك، قال: وبكى. قال أبو بكر: فقلت لحميد: في النوم أو في اليقظة؟ قال: لا، بل في اليقظة.
وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " بينا أنا نائم إذ رأيت الجنة، فإذا قصر مبني، إلى جنبه جارية تتوضأ، فقلت: لمن هذا؟ قالت: لعمر بن الخطاب ". قال: " فوليت مدبراً لعلمي بغيرته ". قال: وعمر جالس حين تحدث بهذا، فبكى عمر، وقال: بأبي أنت يا رسول الله، أعليك أغار؟؟.
وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " دخلت الجنة، فرأيت قصراً من ذهب، أعجبني حسنه، فقلت: لمن هذا؟ قيل: لعمر، فما منعني أن أدخله إلا ما علمت من غيرتك يا عمر "، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ".
وعن أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه الحق يوم القيامة، وأول من يصافحه الحق، وأول من يخط له في الجنة بعمله عمر رضي الله عنه ".
وعنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أول من يسلم عليه أهل الجنة يوم القيامة عمر بن الخطاب. وأول من يؤخذ بيده وينطلق به إلى الجنة عمر بن الخطاب ".
وعن علي قال: إن أول من يدخل الجنة من هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. فقلت: يا أمير المؤمنين، يدخلانها قبلك؟ قال: نعم، ويشبعان من ثمارها، وأنا موقوف، مهموم بالحساب، وإن أول من يتقدم إلى الربّ في الخصومة أنا ومعاوية.
وعن عبيد بن عمير قال: بينما عمر يمرّ في الطريق إذا هو برجل يكلم امرأة، فعلاه بالدّرّة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هي امرأتي، فقام عمر فانطلق، فلقي عبد الرحمن بن عوف، فذكر ذلك له، فقال: يا أمير المؤمنين: إنما أنت مؤدب وليس عليك شيء، وإن شئت حدثتك
بحديث سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر ".
وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديقة بني فلان، والباب علينا مغلق، ومع النبي صلّى الله عليه وسلّم عود ينكت به في الأرض إذ استفتح رجل فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس ". فقلت: لبيك يا رسول الله، قال: " قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بأبي بكر الصديق، فأخبرته بما قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل فسلم ثم قعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض، فاستفتح آخر، فقال: " يا عبد الله بن قيس، قم فافتح له الباب، وبشّره بالجنة ". فقمت، ففتحت له الباب فإذا أنا بعمر بن الخطاب، فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فحمد الله تعالى، ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب، فجعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الباب، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " يا عبد الله بن قيس قم فافتح الباب وبشّره بالجنة على بلوى تكون "، فقمت، ففتحت له الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان فأخبرته بما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: المستعان بالله، وعلى الله التكلان، ثم دخل فسلم وقعد.
وعن المختار بن فلفل عن أنس بن مال قال:
جاء النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل بستاناً، وجاء آتٍ، فدق الباب فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشره بالخلافة من بعدي "، قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ فقال: " أعلمه "، فإذا أبو بكر، فقلت: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: ثم جاء آتٍ فدق الباب فقال: " يا أنس، قم فافتح الباب له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد أبي بكر "، قال: قلت: يا رسول الله، أعلمه؟ قال: " أعلمه "، قال: فخرجت، فإذا عمر، فقلت له، أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد أبي بكر، قال: ثم جاء آتٍ، فدق الباب، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشّره بالجنة، وبشّره بالخلافة من بعد عمر، وإنه مقتول "، فخرجت، فإذا عثمان، فقلت له: أبشر بالجنة، وأبشر بالخلافة من بعد عمر، وإنك مقتول، قال: فدخل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله، والله، ما تغنيت ولا تمنيت، ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعتك. قال: " هو ذلك يا عثمان ".
قال عبيد الله بن علي بن المديني: قلت لأبي في حديث أبي بهز عن ابن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس: كان في حائط، فقال: " ائذن له وبشره بالجنة "، مثل حديث أبي موسى، فقال: كذب، هذا موضوع.
وعن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعمر: " أنت معي في الجنة، ثالث ثلاثة من هذه الأمة ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة ".
وعن علي بن أبي طالب قال: دخلت على عمر بن الخطاب حين وجأه أبو لؤلؤة، هو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال: أتاني خبر السماء، أين يذهب بي، إلى الجنة أو إلى النار؟ فقلت: أبشر بالجنة، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لا أحصيه يقول: " سيد أهل الجنة أبو بكر وعمر "، فقال: أشاهد أنت يا علي لي بالجنة؟ فقلت: نعم، وأنت يا حسن فأشهد على أبيك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن عمر من أهل الجنة.
وعن علي قال: بينا أنا قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبل أبو بكر وعمر فقال: " يا علي، هذا سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما، فما أخبرتهما حتى ماتا ". ولو كانا حيّين ما حدثت بهذا الحديث.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما ".
قال سالم: يعني بقوله: أنعما: ارفعا. قال: وكان عطية أحد رواته يتشيّع.
وفي رواية: ما قوله: وأنعما؟ قال: وهنيئاً لهما.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فيضيء وجهه كأنه كوكب درّيّ، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
وفي حديث آخر عنه مثله: " فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر البدر لأهل الدنيا، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ". قال: أتدرون: ما أنعما؟ قلنا: لا، قال: وحقّ لهما.
وعن جابر بن عبد الله أن عمر قال لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكر: لئن قلت ذلك، لقد سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " ما طلعت الشمس على رجل خيرٍ من عمر ".
وفي حديث آخر بمعناه: بدل يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا سيد المسلمين، وبدل قوله: " على رجلٍ خيرٍ من عمر: على أحد أفضل من عمر ".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " أبو بكر وعمر خير الأولين وخير الآخرين، وخير أهل السماوات وخير أهل الأرضين إلا النبيين والمرسلين ".
وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: " رسول الله "، قال: ثم من يا رسول الله؟ قال: " إذا عدّ الصالحون فائت بأبي بكر "، قال: ثم من؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا عدّ المجاهدون فائت بعمر بن الخطاب "، ثم قال: " عمر معي
حيث حللت، وأنا مع عمر حيث حلّ، ومن أحب عمر فقد أحبني ومن أبغض عمر فقد أبغضني ".
وعن الأصبغ بن نباتة قال:
قلت لعلي: يا أمير المؤمنين، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عثمان، فقلت: ثم من؟ قال: أنا. رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعينيّ هاتين، وإلا فعميتا، وسعته بأذنيّ هاتين وإلا فصمّتا يقول: " ما ولد في الإسلام مولود أزكى ولا أطهر ولا أفضل من أبي بكر ثم عمر ".
وعن علي قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " خير هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر وعمر ".
قال المصنف: المحفوظ موقوف.
وعن ابن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبه، من خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، قال: فخشيت أن أقول: ثم من؟ فيقول: عثمان، قال: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: أبوك رجل من المسلمين.
وعن عون بن أبي جحيفة قال: كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني أبي أنه صعد المنبر يعني علياً فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر، وقال: يجعل الله الخير حيث أحب.
وعن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ولو شئت خبرتكم بالثالث.
قال أبو جحيفة: دخلت على علي فقلت: يا خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فقال: مهلاً يا أبا جحيفة، أولا أخبرك بخير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ أبو بكر وعمر. ويحك
يا أبا جحيفة، لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن، ويحك يا أبا جحيفة لا يجتمع بغضي وحب أبي بكر وعمر في قلب مؤمن.
وعن أبي إسحاق قال: سمعت علي بن أبي طالب وهو على منبر الكوفة وهو يقول: خير الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، وإن شئتم أخبرتكم بالثالث، قالوا: يا أبا إسحاق، أخير أو أفضل؟ قال: خير، خ ي ر، وتهجاها.
وعن عبد خير قال: لما فرغنا من أهل النهر قام علي فقال: يا أيها الناس، إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وبعد أبي بكر عمر، ثم أحدثنا أمورا يقضي الله فيها ما يشاء وفي حديث آخر بمعناه وقد كانت منا أشياء فإن يعفُ الله فبرحمته وإن يعذب فبذنوبنا وعن علي أنه قال وهو على المنبر خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر وإنا قد أحدثنا بعدهم أحداثا يقضي الله فيها ما أحب وفي رواية ما شاء وعن أبي هلال العتكي قال كنت جالسا إلى جنب منبر علي بن أبي طالب وهو يخطب الناس فسمعته يقول خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر فبدرته فقلت ثم أنت يا أمير المؤمنين الثالث فقال لا ولا الرابع وعن إسماعيل بن زياد قال سمعت شريكا يقول لقوم من الشيعة إنا ما علمنا بعلي حتى صعد المنبر فقال إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر والله ما سألناه عن ذلك يا جاهل أترانا كنا نقوم فنقول كذبت
وعن عمرو بن سفيان قال خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي هذا الخطيب الشحشح سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصلى أبو بكر وثلث عمر ثم خبطتنا بعدهم فتنة يصنع الله فيها ما شاء وعن ابن عمر قال كنا نتحدث على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان وعن الحسن قال خطب المغيرة بن شعبة وعمر بن الخطاب امرأة فزُوِّج المغيرة ومُنع عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد ردوا خير هذه الأمة هذا مرسل وعن عمرو بن العاص قال بعثني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جيش ذي السلاسل وفي القوم أبو بكر وعمر فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على أبي بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت يا رسول الله من أحب الناس إليك قال عائشة قلت لست أسألك عن أهلك قال فأبوها قلت ثم من قال ثم عمر زاد في حديث آخر بمعناه قال ثم عدَّد رجالاً
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حب أبي بكر وعمر من الإيمان وبغضهما كفر وحب الأنصار من الإيمان وبغضهم
كفر وحب العرب من الإيمان وبغضهم كفر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله من حفظني فيهم فأنا أحفظه يوم القيامة وعن أبي هريرة قال خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئا على علي بن أبي طالب فاستقبله أبو بكر وعمر فقال له يا علي أتحب هذين الشيخين قال نعم يا رسول الله قال أحبهما تدخل الجنة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت في السماء خيلا موقوفة مسرجة ملجمة لا تروث ولا تبول ولا تعرق رؤوسها من الياقوت الأحمر حوافرها من الزبرجد الأخضر آذانها من العقيان الأصفر ذوات أجنحة فقلت لمن هذه فقال جبريل هذه لمحبي أبي بكر وعمر يزورون الله عليها يوم القيامة وعن عبد الله قال يؤتى بأقوام يوم القيامة فيوقفون بين يدي الله تعالى فيؤمر بهم إلى النار فإذا هَمَّ الزبانية بأخذهم وقربوا من النار وهمَّ مالك بأخذهم قال الله تعالى لملائكة الرحمة ردوهم فيردونهم فيقفون بين يدي الله طويلا فيقول عبادي أمرت بكم إلى النار بذنوب سلفت لكم واستوجبتم بها وقد روعتكم وقد وهبت ذنوبكم لحبكم أبا بكر وعمرو عن جابر قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يبغض الأنصار إلا منافق ومن أبغضنا أهل البيت فهو منافق ومن أبغض أبا بكر وعمر فهو منافق
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ومن أحب يعني الصحابة جميعا فقد برئ من النفاق وعن ابن أبي مليكة قال سمعت عائشة وسئلت من كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلفا لو استخلف قالت أبو بكر قال ثم قال لها من بعد أبي بكر قالت عمر قال ثم قال لها مَن بعد عمر فسكتت وعن حذيفة قال كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمروعن أنس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمروعن أبي قتادة قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدواوعن سفينة قال لما بنى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري ثم ليضع عمر حجره إلى جنب حجر أبي بكر ثم ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء الخلفاء من بعدي وفي رواية أخرى عنه لما بنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد جاء أبو بكر بحجر فوضعه ثم جاء عمر بحجر فوضعه ثم جاء عثمان بحجر فوضعه فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هؤلاء ولاة الأمر من بعدي
وعن ابن عمر قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال هكذا نُبعث يوم القيامة وعنه قال خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي بكر وعمر قال هكذا نموت وهكذا ندفن وهكذا ندخل الجنة وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول من تنشق عنه الأرض أنا ولا فخر ثم تنشق عن أبي بكر وعمر ثم تنشق عن الحرمين مكة والمدينة ثم أبعث بينهما وعنه قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبعث يوم القيامة بين أبي بكر وعمر ثم أذهب إلى أهل بقيع الغرقد فيبعثون معي ثم أنتظر أهل مكة حتى يأتوني فأبعث بين أهل الحرمين عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينادي مناد يوم القيامة من تحت العرش أين أصحاب محمد فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي فيقال لأبي بكر قف على باب الجنة فأدخل من شئت برحمة الله واردع من شئت بعلم الله ويقال لعمر قف عند الميزان فثقِّل من شئت برحمة الله وخفف من شئت بعلم الله ويكسى عثمان حلتين فيقال له البسهما فإني خلفتهما وادخرتهما حين أنشأت خلق السموات والأرض ويعطى علي بن أبي طالب عصا عوسج من الشجرة التي غرسها الله تعالى بيده في الجنة فيقال ذُدِ الناس عن الحوض فقال بعض أهل العلم لقد واسى الله بينهم في الفضل والكرامة وفي حديث آخر بمعناه فيعطى عثمان عصا من الشجرة ويُكسى علي بن أبي طالب حلتين
عن عبد الرحمن بن عوف قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن عند الله رجالا مكتوبين بأسمائهم وأسماء آبائهم فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرنا بهم قال أما إنك منهم وعمر منهم وعثمان منهم وعن سلمان الفارسي قال رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحدث عمر بن الخطاب وهو يتبسم في وجهه ويقول بطل مؤمن سخي تقي حياطة الدين وملك الإسلام ونور الهدى ومنار التقى فطوبى لمن تبعك والويل لمن خذلك وعن عمرو بن العاص قال أشهد لسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ما أقرأكم عمر فاقترئوا وما أمركم به فائتمرواوعن أبي هريرة قال دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمارية القبطية ببيت حفصة ابنة عمر فوجدتها معه فعاتبته في ذلك قال فإنها علي حرام أن أمسها ثم قال يا حفصة ألا أبشرك قالت بلى بأبي أنت وأمي قال يلي هذا الأمر من بعدي أبو بكر ويليه من بعد أبي بكر أبوك اكتمي عليَّ هذا عن حذيفة قال ذكرت الإمارة عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إن تولوا أبا بكرة تولوه أمينا مسلما قويا في أمر الله ضعيفا في أمر نفسه وإن تولوا عمر تولوه أمينا مسلما لا تأخذه في الله لومة لائم وإن تولوا عليا تولوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة وفي حديث بمعناه وإن وليتموها عليا يقِمكم على طريق مستقيم وعن عصمة بن مالك الخطمي قال قدم رجل من أهل البادية بإبل له فلقيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاشتراها منه فلقيه علي فقال ما أقدمك فقال: قدمت بإبل، فاشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فنقدك؟ قال: لا، ولكن بعتها منه بتأخير، فقال له علي: ارجع إليه، فقل له: يا رسول الله،
إن حدث بك حدث، فمن يقضيني مالي؟ فانظر ما يقول لك، فارجع إلي حتى تعلمني، فقال: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن يقضيني؟ قال: " أبو بكر "، فأعلم علياً، فقال: ارجع فسله: فإن حدث بأبي بكر فمن يقضيني؟ فسأله، فقال: " عمر "، فجاء، فأعلم علياً، فقال له: ارجع فسله: إذا مات عمر فمن يقضيني، فسأله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " ويحك إذا مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت ".
وعن سمرة بن جندب أن رجلا قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت كأن دلوا دليت من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا - قال عفان وفيه ضعف ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب فانتشطت منه فانتضح عليه منها شئ عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رأيتني الليلة يا أبا بكر على قليب فنزعت منه ذنوبا أو ذنوبين ثم جئت يا أبا بكر فنزعت ذنوبا أو ذنوبين - وإنك لضعيف يرحمك الله ثم جاء عمر فنزع منها حتى استحالت غربا فعبِّرها يا أبا بكر قال ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال بذلك عبَّرها الملك وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال رأيت كأني أسقي غنما سوداً إذ خالطها غنم عُفر إذ جاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين - وفيهما ضعف قوي غفر الله تعالى له - إذ جاء عمر فأخذ الدلو فاستحالت غربا فأروى الوناس وصدر الناس فلم أر عبقرياً يفري فري عمر قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأوَّلتُ أن الغنم السود العرب وإذا العُفر إخوانكم من الأعاجم تضلع أكثر من الشرب حتى تمدد جنبه وأضلاعه اللسان ضلع
وروي عن الشافعي قال رؤيا الأنبياء حق وقوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي كان بلغه عمر في طول مدته وفي حديث ابن المقريء والعبقري الأجير وفي حديث آخر فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع ابن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن وفي حديث آخر فلم أر نزع رجل قط أفرى من نزعه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر والعبقري الشديد الجلد وضرب الناس بعطن أي أقاموا به كقولك ضرب بجرانه أي أقام والجران من كل حافر وخف وإنسان ما ولي الأرض من باطن عنقه إلى صدرهو عن عائشة أنها قالت قال أبو بكر ذات يوم والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إليَّ من عمر فلما خرج رجع فقال كيف حلفت أي بنية آنفاً قالت قلت والله ما على ظهر الأرض رجل أحب إلي من عمر قال أعزّ علي والولد ألوط يعني ألزق وعن الحسن بن أبي الحسن قال لما ثقل أبو بكر واستبان له من نفسه جمع الناس إليه فقال إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أطنني إلا لمآبي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدي ورد عليكم أمركم فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي فقاموا في ذلك وخلوا عنه فلم يستقم لهم فرجعوا إليه فقالوا رأيا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فلعلكم تختلفون قالوا لا قال فعليكم عهد الله على الرضا قالوا نعم قال فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان فقال أشر علي برجل ووالله إنك عندي لها لأهل وموضع فقال
عمر فقال اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق فقال اكتب عمر ثم خرج فلقيه خالد بن سعيد فسأله فأخبره فقال والله لا يزال بنو عبد مناف بشر ما بقيت فقال والله ما ألوتُ الله ودينه وعباده وإنه لأقوانا وقد كان أبو بكر قال لو كنت كتبت نفسك لكنت لها أهلا عن الشعبي قال بينما طلحة والزبير وعثمان وسعد وعبد الرحمن جلوسا عند أبي بكر في مرضه عُوَّادا فقال أبو بكر ابعثوا إلي عمر فأتاه فدخل عليه فلما دخل أحست أنفسهم أنه خيرته لهم فتفرقوا عنه وخرجوا وتركوهما فجلسوا في المسجد وأرسلوا إلى علي ونفر معه فوجدوا عليا في حائط في الحوائط التي كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصدق بها فتوافوا إليه فاجتمعوا وقالوا يا علي ويا فلان إن خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستخلف عمر وقد علم الناس أن إسلامنا كان قبل إسلام عمر وفي عمر من التسلط على الناس ما فيه ولا سلطان له فادخلوا بنا عليه نسأله فإن استعمل عمر كلمناه فيه وأخبرناه عنه ففعلوا فقال أبو بكر اجمعوا لي الناس أخبركم من اخترت لكم فخرجوا فجمعوا الناس إلى المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعه على المنبر فقام فيهم باختيار عمر لهم ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم فقالوا ماذا تقول لربك وقد استخلفت علينا عمر فقال أقول استخلفت عليهم خير أهلك وعن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو شاكٍ فقال استخلفت علينا عمر وقد عتا علينا ولا سلطان له! فلو قد ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول لله إذا لقيته فقال أبو بكر أجلسوني فأجلسوه فقال هل تعرفني إلا بالله! فإني أقول لله إذا لقيته استخلفت عليهم خير أهلك فقيل للزهري ما قوله خير أهلك قال خير أهل مكةوفي رواية استخلفت عليهم خيرهم وعن عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال لما حضرت أبا الصديق الوفاة دعا عثمان بن عفان فأملى عليه عهده هذا
ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا خارجا منها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويتوب الفاجر إني استخلفت من بعدي عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك رأيي فيه وظني به وإن جار وبدل فالحق أردت ولا أعلم الغيب وما توفيقي إلا بالله وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون قال ولما أملى عهده هذا على عثمان أغمي على أبي بكر قبل أن يسمي أحداً فكتب عثمان عمر بن الخطاب فأفاق أبو بكر فقال لعثمان لعلك كتبت أحدا قال ظننتك لما بك وخشيت الفرقة فكتبت عمر بن الخطاب فقال يرحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فدخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال له أنا رسول من ورائي إليك يقولون قد علمت غلظة عمر علينا في حياتك فكيف بعد وفاتك إذا أفضت إليه أمورنا والله سائل عنه فانظر ما أنت قائل له قال أجلسوني أبالله تخوفونني قد خاب من وطئ من أمركم وهما إذا سألني قلت استخلفت على أهلك خيرهم لهم فأبلغهم هذا عني قال المصنف وهذا هو المحفوظ وقد روي عن علي الرضا ببيعة عمر كما روي عن سيار قال لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة فقال أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به فقال الناس رضينا يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام علي فقال لا نرضى إلا أن يكون عمر بن الخطاب قال فإنه عمر عن أنس بن مالك قال لما حضرت وفاة أبي بكر الصديق سمعت علي بن أبي طالب يقول المتفرسون في الناس أربعة امرأتان ورجلان فأما المرأة الأولى فصفراء ابنة شعيب لما تفرست في موسى قال الله في قصتها يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين والرجل الأول الملك العزيز على عهد يوسف والقوم فيه من الزاهدين قال الله تعالى:
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وأما المرأة الثانية فخديجة ابنة خويلد لما تفرست في النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالت لعمها قد تنسمت روحي روح محمد بن عبد الله إنه نبي لهذه الأمة فزوجني منه وأما الرجل الآخر فأبو بكر الصديق لما حضرته الوفاة قال إني قد تفرست أن أجعل الأمر من بعدي في عمر بن الخطاب فقلت له إن تجعلها في غيره فلن نرضى به فقال سررتني والله لأسرنك في نفسك بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت له وما هو قال سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول إن على الصراط لعقبة لا يجوزها أحد إلا بجواز من علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب أفلا أسرك في نفسك وفي عمر بما سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ما هو فقلت قال لي يا علي لا تكتب جوازاً لمن يسب أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين قال أنس فلما أفضت الخلافة إلى عمر قال لي علي يا أنس إني طالعت مجاري العلم من الله عز وجل في الكون فلم يكن أن أرضى بغير ما جرى في سابق علم الله وإرادته خوفا من أن يكون مني اعتراض على الله عز وجل وقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء قال الخطيب هذا حديث موضوع من عمل القصاص وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه وعن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا والمرأة التي رأت موسى فقالت يا أبت أستأجره إن خير من أستأجرت القوي الأمين وأبو بكر الصديق حين استخلف عمر بن الخطاب عن عاصم قال جمع أبو بكر الناس وهو مريض فأمر من يحمله إلى المنبر فكانت آخر خطبة
خطب بها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس احذروا الدنيا ولا تثقوا بها فإنها غرارة وآثروا الآخرة على الدنيا فأحبوها فبحب كل واحدة منهما يبغض الأخرى وإن هذا الأمر الذي هو أملك بنا لا يصلح آخره إلا بما صلح به أوله فلا يحتمله إلا أفضلكم مقدرة وأملككم لنفسه أشدكم في حال الشدة وأسلسكم في حال اللين وأعلمكم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه ولا يحزن لما لم ينزل به ولا يستحي من التعلم ولا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز لشئ منها حده بعدوان ولا تقصير يرصد لما هو آت عباده من الحذر والطاعة وهو عمر بن الخطاب ثم نزل فدخل فحمل الساخط إمارته الراضي بها على الدخول معهم توصلاوعن قيس بن أبي حازم قال خرج علينا عمر ومعه شديد مولى أبي بكر ومعه جريدة يجلس بها الناس فقال أيها الناس اسمعوا قول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني قد رضيت لكم عمر فبايعوه عن قيس قال رأيت عمر بيده عسيب نخل وهو يجلس الناس يقول اسمعوا لقول خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء مولى لأبي بكر - يقال له شديد - بصحيفة فقرأها على الناس فقال يقول أبو بكر اسمعوا وأطيعوا لمن في هذه الصحيفة فوالله ما ألوتكم قال قيس فرأيت عمر بعد ذلك على المنبر وبويع لعمر يوم مات أبو بكر لثمان بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرةوبويع لعمر وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وقيل ابن ثلاث وأربعين سنة قال معروف بن خربوذ من انتهى إليه الشرف من قريش فوصله الإسلام عشرة نفر من عشرة بطون من هاشم وأمية ونوفل وأسد وعبد الدار وتيم ومخزوم وعدي وسهم وجمح فكان من بني عدي عمر بن الخطاب وكانت إليه السفارة إن وقعت حرب بين قريش وبين غيرهم بعثوه سفيرا وإن فاخرهم مفاخر بعثوه مفاخرا ورضوا به
عن عبد خير قال قام علي على المنبر فذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستخلف أبو بكر فعمل بعمله وسار بسيرته حتى قبضه الله على ذلك ثم استخلف عمر فعمل بعملهما وسار بسيرتهما حتى قبضه الله على ذلكوعن أبي العالية في قوله اهدنا الصراط المستقيم قال هو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحباه قال فذكرت ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح وعن عطاء قال من حجة الله على الناس استخلاف أبي بكر وعمر أن يقول قائل من يستطيع أن يعمل بعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَعن محمد بن المتوكل قال بلغني أن خاتم عمر نقشه كفى بالموت واعظا يا عمر عن ابن شهاب قال أول من حيا عمر بن الخطاب بيا أمير المؤمنين المغيرة بن شعبة فسكت عمرحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن جدته الشفاء وكانت من المهاجرات الأول وكان عمر بن الخطاب إذا دخل السوق أتاها قال سألتها من أول من كتب عمر أمير المؤمنين فقالت كتب عمر أمير المؤمنين إلى عامله على العراقين أن ابعث إلي برجلين جلدين نبيلين أسألهما عن أمر الناس فبعث إليه بعدي بن حاتم طئ ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فاستقبلا عمرو بن العاص فقالا استأذن لنا
على أمير المؤمنين فقال أنتما والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون فدخلت على عمر فقلت يا أمير المؤمنين فقال لتخرجن مما قلت أو لأفعلن قال يا أمير المؤمنين بعث عامل العراقين بعدي بن حاتم ولبيد بن ربيعة فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم استقبلاني فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقلت أنتها والله أصبتما اسمه هو الأمير ونحن المؤمنون وكان قبل ذلك يكتب من عمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجرى الكتاب من عمر أمير المؤمنين من ذلك ولما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفرغ عمر رضي الله عنه من دفنه نفض يده عن تراب قبره ثم قام خطيبا مكانه فقال إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم وأبقاني فيكم بعد صاحبي فلا والله لا يحضرني شئ من أمركم فيليه أحد دوني ولا يتغيب عني فألوا فيه من أهل الجزء والأمانة ولئن أحسنوا لأحسنن إليهم ولئن أساءوا لأنكلن بهم قال الرجل فوالله ما زال عن ذلك حتى فارق الدنيا قال الشعبي لما ولي عمر بن الخطاب صعد المنبر فقال ما كان الله ليراني أن أرى نفسي أهلا لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اقرءوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترقبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وعن سعيد بن المسيب قال لما ولي عمر بن الخطاب خطب الناس على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني قد علمت أنكم تؤنسون مني شدة وغلظة وذاك أني كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكنت عبده وخادمه وجلوازه وكان كما قال الله بالمؤمنين رؤوفا رحيما وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه وإلا أقدمت على الناس لمكان أمره فلم أزل مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك حتى توفاه الله وهو عني راض والحمد لله على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم قمت ذلك المقام مع
أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان من قد علمتم في كرمه ورغبته في لينه فكنت خادمه وجلوازه وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس أخلط شدتي بلينه إلا أن يقوم إلي فأكف فلم أزل على ذلك حتى توفله الله وهو عني راض والحمد على ذلك كثيرا وأنا به أسعد ثم صار أمركم اليوم إلي وأنا أعلم أنه يقول قائل كان شديداً علينا والأمر إلى غيره فكيف به لما صار الأمر إليه فاعلموا أنكم لا تستنبئون عني أحدا قد عرفتموني وخبرتموني وقد عرفت بحمد الله من محمد نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قد عرفت وما أصبحت نادما على شئ كنت أحب أن أسأل عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وقد سألته واعلموا أن شدتي التي كنتم ترونها ازدادت أضعافا إذ كان الأمر إلي على الظالم والمعتدي ولآخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم وإن بعد شدتي تلك واضع خدي إلى الأرض لأهل العفاف والكفاف إن كان بيني وبين نفر منكم شئ في أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحب منكم فينظر فيما بيني وبينه فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصحية فيما ولاني الله من أمركم ثم نزل رضوان الله عليه
قال سعيد بن المسيب فوالله لقد وفى بما قال وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم والرفق بأهل الحق من كانوا وعن القاسم عن محمد قال قال عمر بن الخطاب ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سيرده عنه القريب والبعيد إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالا ولو علمت - إن علمت - أن أحدا من الناس أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أَلِيَه عن ابن عمر قال كان عمر إذا نهى الناس عن شئ جمع أهله وقال إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا وايم الله لا أوتى برجل منكم فعل الذي نهيت عنه إلا أضعفت عليه العقوبة لمكانه مني مرتين
زاد في حديث بمعناه فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء منكم فليتأخر وعن ابن عباس قال لما أن ولي عمر بن الخطاب قال له رجل لقد كاد بعض الناس أن يحيد هذا الأمر عنك قال قال عمر وما ذلك قال يزعمون أنك فظ قال فقال عمر الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رُحما وملأ قلوبهم لي رُعبا اجتمع علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن فكان أجرأهم على عمر عبد الرحمن فقالوا يا عبد الرحمن لو كلمت أمير المؤمنين للناس فإنه يأتي الرجل طالب الحاجة فيمنعه أن يكلمه في حاجته هيبته حتى يرجع ولم يقض حاجته فدخل عليه فكلمه فقال يا أمير المؤمنين أَلِن للناس فإنه يقدم القادم فتمنعه هيبتك أن يكلمك في حاجته حتى يرجع ولم يكلمك فقال لقد لنت للناس حتى خشيت الله في اللين ثم اشتددت حتى خشيت الله في الشدة فأين المخرج وقام يبكي يجر رداءه يقول عبد الرحمن بيده أف لهم بعدك قال الأصمعي كلم الناس عبد الرحمن بن عوف أن يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم فإنه قد أخافهم حتى أخاف الأبكار في خدورهن فكلمه عبد الرحمن فالتفت عمر إلى عبد الرحمن فقال له يا عبد الرحمن إني لا أجد لهم إلا ذلك والله لو إنهم يعلمون ما لهم عندي من الرأفة والرحمة والشفقة لأخذوا ثوبي من عاتقي قال الأحنف بن قيس سمعت عمر بن الخطاب يقول لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين حلة للشتاء وحلة للصيف وما حج به واعتمر عليه من الظهر وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم ثم أنا رجل من المسلمين
وفي حديث بمعناه ووالله لا أدري أيحل ذلك أم لاعن سالم بن عبد الله قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته واجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير فقال الزبير لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي وددنا أنه فعل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستشر ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي أحدا له إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه فقال من هؤلاء قالت لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك فقال لو علمت من هم لسوَّدت وجوههم أنت بيني وبينهم أناشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتك من الملبس قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا خبز شعير نصب عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هينة دسماً حلوة نأكل منها ونطعم منها استطابة لها قال فأي بسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت كساء لنا ثخين كنا نرفعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء انبسطنا نصفه وتدثرنا نصفه قال يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر موضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعهما الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجتمع معهما أبداقال ابن عمر ما زال عمر جواداً مجدا من لدن أن قام إلى أن قُبض
قال المدائني كتب عمرو إلى عمر بن الخطاب فشكا إليه ما يلقى من أهل مصر فوقع عمر في قصته كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك ورفع إلي عنك أنك تتكئ في مجلسك فإذا جلست فكن كسائر الناس ولا تتكئ فكتب إليه عمرو أفعل يا أمير المؤمنين وبلغني يا أمير المؤمنين أنك لا تنام بالليل ولا بالنهار إلا مُغلَبا فقال يا عمرو إذا نمت بالنهار ضيعت رعيتي وإذا نمت بالليل ضيعت أمر ربي حدث مولى لعثمان بن عفان قال بينا أنا مع عثمان في مال بالعالية في يوم صائف إذ رأى رجلا بسوق بكرين وعلى الأرض مثل الفراش من الجمر فقال ما على هذا لو أقام بالمدينة حتى يبرد ثم يروح ثم دنا الرجل فقال انظر من هذا فنظرت فقلت أرى رجلا معمما بردائه يسوق بكرين ثم دنا الرجل فقال انظر فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقلت هذا أمير المؤمنين فقام عثمان فأخرج رأسه من الباب فإذا لفح السموم فأعاد رأسه حتى حاذاه فقال ما أخرجك هذه الساعة فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مُضي بإبل الصدقة فأردت أن ألحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل ونكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان من أحب أن ينظر إلى القوي الأمين فلينظر إلى هذا فعاد إلينا فألقى نفسه وعن أبي بكر العبسي قال دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فجلس عثمان في الظل فقام عليٌّ على رأسه يملي عليه ما يقول عمر وعمر قائم في الشمس في يوم شديد الحر عليه بردتان سوداوان متزر واحدة قد وضع الأخرى على رأسه وهو يتفقد إبل الصدقة يكتب ألوانها وأسنانها فقال علي لعثمان أما سمعت قول ابنة شعيب
في كتاب الله عز وجل يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأشار بيده إلى عمر فقال هذا القول الأمين قال أبو عبيدة ركض عمر فرسا على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانكشف فخذه من تحت القباء فأبصر رجل من أهل نجران شامة في فخذه فقال هذا الذي نجده في كتابنا يخرجنا من ديارنا قال الزهري فتح الله الشام كله على عمر والجزيرة ومصر والعراق كله إلا خراسان فعمر جنَّد الأجناد ودوَّن الدواوين قبل أن يموت بعام واحد وقسم الفيء الذي أفاء الله عليه وعلى المسلمين ثم توفى الله عمر قال مالك ولي أبو بكر سنتين لم يكن فيهما مال إنما كانت جهادا كلها وولي عمر بن الخطاب عشر سنين ففتح الله على يديه الفتوح قال الأحنف بن قيس كنا بباب عمر بن الخطاب ننظر أن يؤذن لنا فخرجت جارية فقلنا سُرِّية أمير المؤمنين فسمعت فقالت ما أنا بسُرِّية أمير المؤمنين وما أحلّ له إني لمن مال الله قال فذكر ذلك لعمر فدخلنا عليه فأخبرناه بما قلنا وبما قالت فقال صدقت ما تحل لي وما هي بسُرّية وإنها لمن مال الله عز وجل وسأخبركم بما أستحل من هذا المال أستحل منه حلتين حُلة للشتاء وحلة للصيف وما يسعني لحجتي وعمرتي وقوتي وقوت أهل بيتي وسهمي مع المسلمين كسهم رجل لست بأرفعهم ولا بأوضعهم وعن عاصم بن أبي النجود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا بعث عماله شرط عليهم أن لا تركبوا برذونا ولا تأكلوا نقيا ولا تلبسوا رقيقا ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة ثم يشيعهم وإذا أراد أن يرجع قال إني لم أسلطكم على دماء المسلمين ولا على أبشارهم ولا على أعراضهم ولا على أموالهم
ولكني بعثتكم لتقيموا بهم الصلاة وتقسموا فيهم فيئهم وتحكموا بينهم بالعدل فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إليَّ ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها ولا تجمِّروها فتفتنوها وفي رواية لا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تُجَمِّروها فتفتنوها وفي رواية ولا تجهلوها فتفتنوها ولا تعتلوا عليها فتحرموها حدود الله زاد في حديث آخر وجوِّدوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شريككم انطلقوا عن أبي فراس قال شهدت عمر بن الخطاب وهو يخطب الناس فقال يا أيها الناس إنه قد أتى علي زمان وأنا أرى أن من قرأ القرآن يريد الله وما عنده فيخيل إلي أن قوما قرءوه يريدون به الناس ويريدون به الدنيا ألا فأريدوا الله بأعمالكم ألا إنا إنما كنا نعرفكم إذ ينزل الوحي وإذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا وإذ ينبئنا الله من أخباركم فقد انقطع الوحي وذهب نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنما نعرفكم بما نقول لكم ألا من رأينا منه خيرا ظننا به خيرا وأحببناه عليه ومن رأينا منه شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه سرائركم بينكم وبين ربكم ألا إني إنما أبعث عمالي ليعلموكم دينكم وليعلموكم سنتكم ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا ليأخذوا أموالكم ألا فمن رابه شيء من ذلك فليرفعه إليّ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنَّكم منه فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين أرأيت إن بعثت عاملا من عمالك فأدّب رجلا من أهل رعيته فضربه إنك لمقصّه منه قال فقال نعم والذي نفس عمر بيده لأقصن منه ألا أقص وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تجمروهم فتفتنوهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيِّعوهم
وكتب عمر إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإني كتبت إليك بكتاب لم ألك ونفسي فيه خيراً، الزم خمس خصال يسلم
لك دينك، ويحظى بالفضل حظك: إذا حضرك الخصمان فعليك بالبيّنات العدول، والأيمان القاطعة، ثم أدن الضعيف حتى ينبسط لسانه، ويجترئ قلبه، وتعاهد الغريب، فإنه إذا طال حبسه ترك حاجته، وانصرف إلى أهله، وإذا الذي أبطل حظه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح ما لم يتبين لك القضاء، والسلام عليك.
وعن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم، ثم أمرته بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا: نعم. قال: لا، حتى أنظر في عمله، أعمل بما أمرته أم لا.
وعن عرزب الكندي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " ستحدث بعدي أشياء، فأحبّها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر ".
وعن إسماعيل بن زياد قال: مرّ علي بن أبي طالب عليه السلام على المساجد في شرخ رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر الله على عمر في قبره كما نوّر علينا مساجدنا.
وعن أبي وائل قال: قال عبد الله: ما رأيت عمر إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدّده.
وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيّها؟ قال: بذات اللظى، فقال عمر بن الخطاب: أدرك أهلك فقد احترقوا. قال: فكان كما قال عمر رضي الله عنه.
وعن ابن شهاب قال: كان رأي عمر كيقين غيره.
وعن الحسن قال:
إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدّث به انه كذب فهو عمر بن الخطاب.
وعن طارق بن شهاب قال: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذب الكذبة فيقول: احبس هذه. فيقول له: كل ما حدثتك به حق إلا ما أمرتني أن أحبسه.
وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيّها ستة نفر: عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان كان قولهما لقوله تبعاً وعلي، وأبيّ بن كعب، وأبو موسى الأشعري، فإذا قال علي قولاً، وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لو وضع علم الناس في كفة ميزان، وعلم عمر في كفة لرجح علم عمر بعلم الناس. فحدثت به إبراهيم فقال: قد قال عبد الله أجود من ذلك: إني لأحسب عمر حين مات قد ذهب بتسعة أعشار علم الناس.
وفي حديث بمعناه قال سليمان: ليس هو هذا ولكنه العلم بالله عزّ وجلّ.
وعن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم عام إلا شر من العام الذي مضى، قالوا: أليس يكون العام أخصب من العام؟ قال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء. ثم قال: وأظن عمر بن الخطاب يوم أصيب ذهب معه ثلث العلم.
وعن عمرو بن ميمون قال: ذهب عمر بثلثي العلم. قال: فذكر لإبراهيم فقال: ذهب عمر بتسعة أعشار العلم.
وعن حذيفة قال: إنما بقي للناس ثلاثة من قد علم ناسخ القرآن من منسوخه. قيل: من هو؟ قال: عمر بن الخطاب، أو رجل لا يجد من ذلك بداً، أو أحمق متكلف. قال محمد: ما أنا بواحد منهما، وأرجو ألا أكون الثالث.
وعن قبيصة بن جابر قال: ما رأيت أحداً أرأف برعيته ولا خيراً من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أر أحداً أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله، ولا أقوم بحدود الله، ولا أهيب في صدور الرجال من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا رأيت أحداً أشد حياء من عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وعن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب البقرة في اثنتي عشرة سنة. فلما تعلمها نحر جزوراً.
سمع ابن عمر سائلاً يقول: أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة؟ فأخذ بيده، وانطلق به إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فقال: سألت عن هؤلاء، فهم هؤلاء.
وعن طلحة بن عبيد الله قال: ما كان عمر بن الخطاب بأولنا إسلاماً، ولا أقدمنا هجرة، ولكنه كان أزهدنا في الدنيا، أرغبنا في الآخرة.
وعن معاوية قال: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته ولم يردها، وأما عثمان فأصاب منها، وأصابت منه، وعالجها وعالجته، وأما نحن فتمرّغنا فيها ظهراً لبطن، فالله أعلم إلام نصير.
وعن المسوّر بن مخرمة قال: كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع.
قالت الشفاء بنت عبد الله ورأت فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً فقالت: ما هذا؟ فقالوا: نسّاك، فقالت: كان والله عمر إذا تكلم سمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقاً.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن يسرّك أن تلحق بصاحبيك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع،
وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل تلحق بهم.
قال الأحنف بن قيس:
ما كذبت قط إلا مرة، قالوا: وكيف يا أبا بحر؟ قال: وفدنا إلى عمر بفتح عظيم. فلما دنونا من المدينة قال بعضنا لبعض: لو ألقينا ثياب سفرنا ولبسنا ثياب صبوتنا، فدخلنا على أمير المؤمنين والمسلمين في هيئة حسنة كان أمثل. فلبسنا ثياب صبوتنا حتى إذا طعنا في أوائل المدينة لقينا رجل فقال: انظروا إلى هؤلاء أصحاب دنيا ورب الكعبة، قال: فكنت رجلاً ينفعني رأيي، فعلمت أن ذلك ليس بموافق للقوم، فعدلت، فلبستها، وأدخلت ثياب صبوتي العيبة، وأشرجتها، وأغفلت طرف الرداء، ثم ركبت راحلتي فلحقت أصحابي. فلما دفعنا إلى عمر نبت عيناه عنهم، ووقعت عيناه علي، فأشار إلي بيده، فقال: أين أبدلتم؟ قلت: في مكان كذا وكذا، فقال: أرني يدك، فقام معنا إلى مناخ ركابنا، فجعل يتخللها ببصره، ثم قال: ألا اتقيتم الله في ركابكم هذه؟ أما علمتم أن لها عليكم حقاً؟ ألا تقصّدتم بها في المسير؟ ألا حللتم عنها، فأكلت من نبت الأرض؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إنا قدمنا بفتح عظيم، فأحببنا أن نسرع إلى أمير المؤمنين وإلى المسلمين بما يسرّهم، فحانت منه التفاتة، فرأى عيبتي، فقال: لمن هذه العيبة؟ قلت: لي يا أمير المؤمنين، قال: فما هذا الثوب؟ قلت: ردائي، قال: بكم ابتعته؟ فألغيت ثلثي ثمنه، فقال: إن رداءك هذا لحسن لولا كثرة ثمنه، ثم انصفق راجعاً ونحن معه، فلقيه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، انطلق معي فأعدني على فلان، فإنه قد ظلمني، فرفع الدرة، فخفق بها رأسه، فقال: تدعون أمير المؤمنين وهو معرض لكم، حتى شغل في أمر من أمر المسلمين أتيتموه: أعدني، أعدني؟ قال: فانصرف الرجل، وهو متذمر. قال: علي الرجل، فألقى إليه المخفقة، فقال: امتثل، فقال: لا والله، ولكن أدعها لله ولك. قال: ليس هكذا، إما أن تدعها لله إرادة ما عنده، أو تدعها لي، فاعلم ذلك، قال: أدعها لله، قال: فانصرف، ثم جاء فمشى حتى دخل منزله ونحن معه،
فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين وجلس، فقال: يا بن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعديك، فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ فجعل يعاتب نفسه في ذلك معاتبة ظننا أنه من خير أهل الأرض.
قال الحسن البصري:
أتيت مجلساً في مسجدنا يعني جامع البصرة فإذا أنا بنفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتذاكرون زهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وما فتح الله عليهما من الإسلام، وحسن سيرتهما، فدنوت من القوم فإذا فيهم الأحنف بن قيس التميمي، فسمعته يقول: أخرجنا عمر بن الخطاب في سريّة إلى العراق، ففتح الله علينا العراق وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فحملناه معنا، واكتسبنا منه. فلما قدمنا على عمر أعرض عنا بوجهه، وجعل لا يكلمنا فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا ابنه عبد الله بن عمر، وهو جالس في المسجد، فشكونا إليه ما نزل بنا من الجفاء من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال عبد الله: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباساً لم ير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يلبسه، ولا الخليفة من بعده أبو بكر الصديق، فأتينا منازلنا، فنزعنا ما كان علينا، وأتيناه في البزّة التي كان يعهدنا فيها، فسلم علينا، على رجل رجل، ويعانقه حتى كأنه لم يرنا قبل ذلك، فقدمنا إليه الغنائم، فقسمها بيننا بالسوية، فعرض عليه في الغنائم سلال من أنواع الخبيص من أصفر وأحمر، فذاقه عمر فوجده طيب الطعم، طيب الريح، فأقبل علينا بوجهه وقال: والله. يا معشر المهاجرين والأنصار ليقبّلن منكم الابن أباه والأخ أخاه على هذا الطعام، ثم أمر به، فحمل إلى أولاد من قتلوا بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار، ثم إن عمر قام منصرفاً فمشى وراءه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في إثره، فقال: ما ترون يا معشر المهاجرين والأنصار، إلى زهد هذا الرجل، وإلى حلته؟ لقد تقاصرت إلينا أنفسنا، قد فتح الله على يديه ديار كسرى وقيصر، وطرفي المشرق والمغرب، ووفود العرب والعجم يأتونه، فيرون عليه هذه الجبة قد رقعها اثنتي عشرة رقعة، فلو سألتم معاشر أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وأنتم الكبراء من أهل المواقف والمشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والسابقين من المهاجرين
والأنصار أن يغير هذه الجبة بثوب ليّن يهاب فيه منظره ويغدى عليه جفنة من الطعام ويراح عليه جفنة يأكل ومن حضره من المهاجرين والأنصار، فقال القوم بأجمعهم: ليس لهذا القول إلا علي بن أبي طالب، فإنه أجرأ الناس عليه وصهره على ابنتيه، أو ابنته حفصة، فإنها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو موجب لها لموضعها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلموا علياً فقال علي: لست بفاعل ذلك، ولكن عليكم بأزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنهن أمهات المؤمنين يجترئن عليه.
قال الأحنف بن قيس: فسألوا عائشة وحفصة، وكانتا مجتمعتين، فقالت عائشة: إني سائل أمير المؤمنين ذلك، وقالت حفصة: ما أراه يفعل، وسيتبين لك ذلك، فدخلتا على أمير المؤمنين، فقربهما، وأدناهما، فقالت عائشة: يا أمير المؤمنين، أتاذن أكلمك؟ قال: تكلمي يا أم المؤمنين، قالت: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مضى لسبيله، إلى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، كذلك مضى أبو بكر على إثره لسبيله بعد إحياء سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقتل الكذابين، وأدحض حجة المبطلين، بعد عدله في الرعية، وقسمه بالسوية، وإرضاء ربّ البرية، فقبضه الله إلى رحمته ورضوانه، وألحقه بنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالرفيع الأعلى، لم يرد الدنيا ولم ترده، وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما، وحمل إليك أموالهما، ودانت لك طرفا المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفي الإسلام التأييد، ورسل العجم يأتونك، ووفود العرب يردون عليك، وعليك هذه الجبة قد رقعتها اثنتي عشرة رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك، ويغدى عليك بجفنة من الطعام، ويراح عليك بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فبكى عمر عند ذلك بكاء شديداً، ثم قال: سألتك بالله: هل تعلمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبع من خبز برّ عشرة أيام، أو خمسة، أو ثلاثة، أو جمع بين عشاء وغداء حتى لحق بالله؟ فقالتا: لا، فأقبل على عائشة فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرب إليه طعام على مائدة في ارتفاع شبر من الأرض، كان يأمر بالطعام فيوضع على الأرض، ويأمر بالمائدة فترفع؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال لهما: أنتما زوجتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وأمهات المؤمنين، ولكما على المؤمنين حقّ، وعليّ خاصةً، ولكن أتيتما ترغّباني في الدنيا، وإني لأعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لبس جبة من الصوف، فربما حك جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم، نعم، فقال: هل تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرقد على عباءة على طاقة واحدة، وكان مسجّى في بيتك يا عائشة يكون بالنهار بساطاً، وبالليل فراشاً، فندخل عليه فنرى أثر الحصير في جنبه، ألا يا حفصة، أنت حدثتني أنك اسى له ذات ليلة، فوجد لينها، فرقد عليها، فلم يستيقظ إلا بأذان بلال، فقال لك: يا حفصة، " اسى المهاد ليلتي حتى ذهب بي النوم إلى الصباح، ما لي وللدنيا، وما للدنيا وما لي؟ شغلتموني بلين الفراش، يا حفصة، أما تعلمين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مغفوراً له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أمسى جائعاً، ورقد ساجداً، ولم يزل راكعاً وساجداً، وباكياً، ومتضرعاً في آناء الليل والنهار إلى أن قبضه الله إلى رحمته ورضوانه. لا أكل عمر طيباً، ولا لبس ليناً، فله أسوة بصاحبيه، ولا جمع بين أدمين إلا الملح والزيت، ولا أكل لحماً إلا في كل شهر، حتى ينقضي ما انقضى من القوم. فخرجتا فخبرتا بذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يزل بذلك حتى لحق بالله عزّ وجلّ.
وعن ثابت: أن عمر استسقى، فأتي بإناء من عسل، فوضعه على كفه. قال: فجعل يقول: أشربها فتذهب حلاوتها، وتبقى نقمتها. قالها ثلاثاً، ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.
وعن عتبة بن فرقد السلمي قال: وفدت إلى عمر بن الخطاب من العراق، فقلت: يا أمير المؤمنين، أهديت لك هدية أحب أن تقبلها، فدعا بها، فأتيته بها، فأمرني ففتحت سلة من خبيص، فأكل منه، فأعجبته فقال: عزمت عليك إلا رزقت الجند من هذا سلة سلة، أو سلتين، فقلت: إن
النفقة تكثر فيه، فقال: اقبض عني سلالك فلا حاجة لي فيما لا يسع العامة، ثم أتي بقصعة من ثريد ولحم، فأكل وأكلت، ثم جعلت أهوي إلى القصعة أراها شحماً، فألوكها ساعة فأجدها عصباً، وعمر يأكل أكلاً شهياً، ثم أتي بعسّ من نبيذ، فشرب وسقاني، ثم قال: إننا ننحر كل يوم جزوراً، فيكون بطنها وأطايبها من غشيها من المسلمين وأهل الفاقة، ويكون العنق لأهل عمر، ثم نشرب عليه من هذا النبيذ فيقطعه في بطوننا.
وفي حديث آخر عن ابن فرقد
أنه لما أتاه بالخبيص جعل يخرج من الخبيص ألواناً: أصفر وأحمر وأخضر، فطفق عمر ينظر إليه ويقول: بخٍ بخٍ ما أحسن هذا! فقال: اردده في جونته التي أخرجته منها، ثم ارجع من حيث جئت. قال ابن فرقد: ما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تأكل؟ فقال عمر: إني آكل مما يأكل الناس، وألبس مما يلبس الناس، وأستبقي دنياي لآخرتي.
قال الحسن قدم على عمر أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعري. قال: فكنا ندخل عليه، وله كل يوم خبز ثلاث فربما وافقناه مأدوماً بسمن، وأحياناً بزيت، وأحياناً باللبن. وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي بماء، وربما وافقنا اللحم الغريض، وهو قليل، فقال لنا يوماً: إني أرى تعزيركم وكراهيتكم طعامي، ولو شئت صلائق وصناب والصّلاء: الشّواء. والصّناب: الخردل. الصّلائق: الخبز الرقاق ولكني سمعت الله عزّ وجلّ عيّر قوماً بأمرٍ فعلوه، فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".
قال: فكلمنا أبو موسى الأشعري، فقال: لو كلمتم أمير المؤمنين، ففرض لكم من بيت المال طعاماً تأكلونه. قال: فكلمناه فقال: يا معشر الأمراء، أما ترضون لأنفسكم ما أرضى لنفسي؟ فقلنا: يا أمير المؤمنين، إن المدينة أرضٌ العيش فيها شديد، ولا نرى طعامك يعشّي، ولا يؤكل، وإنا بأرض ذات ريف، وإن أميرنا يعشّي، وإن طعامه يؤكل، فنكس عمر ساعة ثم رفع رأسه فقال: قد فرضت لكم من بيت المال شاتين وجريبين، فإذا كان بالغداة فضع إحدى الشاتين على أحد الجريبين فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب فاشرب يعني الشراب الحلال، ثم اسق الذي عن يمينك، ثم الذي يليه. ثم قم لحاجتك، فإذا كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك، ثم ادع بشراب، فاشرب يعني الشراب الحلال ثم اسق الذي عن يمينك ثم الذي يليه، ثم قم لحاجتك. فإن كان بالعشي فضع الشاة الغابرة على الجريب الغابر فكل أنت وأصحابك ألا وأشبعوا الناس في بيوتهم، وأطعموا عيالهم، فإنّ تحفينكم للناس لا يحسّن أخلاقهم، ولا يشبع جائعهم، ووالله مع ذلك ما أظن رستاقاً يؤخذ منه كل يوم شاتان وجريبان إلا يسرع ذلك في خرابه.
وعن الربيع بن زياد أنه وفد على عمر بن الخطاب فأعجبه هيئته، فشكا عمر وجعاً به من طعام غليظ يأكله، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن أحق الناس بمطعم طيب، وملبس لين، ومركب وطيء لأنت، وكان متكئاً وبيده جريدة نخل، فاستوى جالساً، فضرب به رأس الربيع بن زياد وقال: ما أردت بهذا إلا مقاربتي، وإن كنت لأحسب فيك خيراً. ألا أخبرك بمثلي ومثل هؤلاء؟ إنما مثلنا كمثل قوم سافروا، فدفعوا نفقتهم إلى رجل منهم فقالوا: أنفق علينا، فهل له أن يستأثر عليهم بشيء؟ قال: لا.
كان عمر بن الخطاب يقول: والله ما نعبأ بلذاذة العيش بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا، ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا، ونأمر بالزبيب، فينبذ لنا، حتى إذا صار
مثل عين اليعقوب أكلنا هذا، وشربنا هذا، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا، لأنا سمعنا الله تعالى يذكر قوماً فقال: " أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واستمتعتم بها ".
دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا؟ قال: قرمنا إليه، فقال: أو كلّما قرمت إلى شيء أكلته؟ كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلّ ما اشتهى.
وعن أبي نافع قال: قال لي أبو أحمد بن جحش ليلة بعد المغرب: أي بني، اذهب بي إلى عمر بن الخطاب فعرفت أنه يريد العشاء، فذهبت به، فاستأذن على عمر، فأذن له، فأجلسه عند رأسه، وجلست خلفهما، فدعا صاحب طعامه، فقال: أتبغي لأبي أحمد شيئاً يتعشى؟ فقال: لا والله، ما عندي شيء، قال: ولو رغيفين، فقال بأصبعه: لا والله، ولا رغيف، قال: فالشاة التي ذبحتم اليوم، بقي عندكم منها شيء؟ قال: لا، لقد أكلتموها، قال: فرأسها، ما فعل؟ قال: قد أكلوه. قال: فالجمجمة؟ قال: هو ذيك مطروحة. قال: فائتني بها، فأتي بالجمجمة قد أكل لحمها، وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء، قال: فجعل عمر يقشرها، فيناولها، فيلوكها، وهو شيخ كبير، ثم التفت إلي فقال: يا بني، إذا أردت أن تأتينا بمولاك فائتنا به قبل أن نتعشى، فإنا إذا تعشينا لم يكن عندنا شيء.
قال عمر بن الخطاب يوماً:
لقد خطر على قلبي شهوة الحيتان الطري، قال: فيرتحل يرفا راحلة له. فسار ليلتين إلى الجار مدبراً وليلتين مقبلاً، واشترى مكتلاً، فجاءه به. قال: ويعمد يرفا إلى الراحلة، فغسلها، فأتى عمر وقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر ثم قال:
نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذّبت بهيمة من البهائم في شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك.
وعن البراء بن معرور أن عمر خرج يوماً، وكان قد اشتكى شكوى، فنعت له العسل، وفي بيت المال عكّة، فقال: إن أذنتم لي فيها أخذتها، وإلا فإنها علي حرام، فأذنوا له فيها.
قال أبو حازم: دخل عمر على حفصة ابنته، فقدمت إليه مرقداً بارداً وخبزاً، وصبت في المرق زيتاً، فقال: أدمان في إناء واحد؟ لا أذوق حتى ألقى الله.
وعن عمر أنه قال: لا أحد يحل لي أن آكل من مالكم هذا إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت والسمن. قال: فكان ربما أتي بالحفنة قد صنعت بزيت فيعتذر إلى القوم، فيقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ هذا الزيت.
وعن ابن عمر قال: دخل علين عمر وهو على مائدة، فأوسع له عن صدر المجلس، فقال: بسم الله ثم ضرب بيده، فلقم لقمة، ثم ثنى بأخرى ثم قال: إني لأجد طعم دسم، ما هو بدسم اللحم، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، إني خرجت إلى السوق أطلب السمين لأشتريه، فوجدته غالياً، فاشتريت بدرهم من المهزول، وحملت عليه بدرهم سمناً، وأردت أن يزاد عيالي عظماً عظماً، فقال عمر: ما اجتمعا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر، فقال عبد الله: عد يا أمير المؤمنين فلن يجتمعا عندي أبداً إلا فعلت ذلك. قال: ما كنت لأفعل.
قال الأحنف بن قيس: كنا نأكل عند عمر يوماً بلحم غريض، ويوماً بزيت، ويوماً بقديد.
قال قتادة: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة من صوف، مرقوعة بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق، ومعه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنّكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك.
وعن أنس قال: رأيت بين كتفين عمر أربع رقاع في قميص له.
وعن زيد بن وهب قال: رأيت بين كتفي عمر أربع عشرة رقعة بعضها من أدم.
وعن الحسن أن عمر بن الخطاب خطب بالناس وهو خليفة وعليه إزار فيه ثنتا عشرة رقعة.
وفي آخر: بعضها من أدم.
وعن ابن عباس قال: رأيت عمر بن الخطاب يطوف بالبيت، وإزاره مرقوع بأدم.
وقال أبو عثمان: رأيت عمر بن الخطاب يرمي الجمرة، وعليه إزار مرقوع بقطعة جراب.
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: خرجت مع عمر بن الخطاب حاجاً من المدينة إلى مكة إلى أن رجعنا فما ضرب فيه فسطاطاً، ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة، ويستظل تحته.
وعن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر بن الخطاب الجابية على جمل أورق، تلوح صلعته بالشمس، ليس عليه
قلنسوة ولا عمامة، قد طبّق رجليه بين شعبتي رحله، بلا ركاب، وطاؤه كساء أنبجاني من صوف، هو وطاؤه إذا ركب، وفراشه إذا نزل، حقيبته محشوة ليفاً، وهي حقيبته إذا ركب، ووسادته إذا نزل، عليه قميص من كرابيس قد دسم، وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوا له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه، وأعيروني قميصاً أو ثوباً، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا؟ قالوا: كتان، قال: وما الكتان؟ فأخبروه، فنزع قميصه، فغسل، ورقع، ولبسه فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فأتي ببرذون، فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل فركبه. فلما سار هنيهة قال: احبسوا، احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي، فأتي بجمله فركبه.
قال علقمة بن عبد الله المري: أتي عمر بن الخطاب برذون، فقال: ما هذا؟ فقيل له: يا أمير المؤمنين، هذه دابة لها وطاة ولها هبّة، ولها جمال تركبه العجم، فقام فركبه. فلما سار هزّ منكبيه فقال: قبح الله هذا، بئس الدابة هذا، فنزل عنه.
قال مجاهد: أنفق عمر بن الخطاب في حجة حجها ثمانين درهماً من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى المدينة، ثم جعل يتلهف، ويضرب بيده على الأخرى، ويقول: ما أخلقنا أن نكون قد أسرفنا من مال الله تعالى.
دخل عبد الرحمن على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: إن من أصحابي لمن لا يراني بعد أن أموت أبداً، فخرج عبد الرحمن من عندها مذعوراً حتى
دخل على عمر فقال له: اسمع ما تقول أمك، فقام عمر حتى دخل عليها، فسألها ثم قال: أنشدك الله، أمنهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبرئ بعدك أحداً.
وعن عبد الله بن عيسى قال: كان في خد عمر بن الخطاب خيطان أسودان من البكاء.
وعن جعفر بن زيد أن عمر خرج يعسّ بالمدينة ليلة، ومعه غلام له، وعبد الرحمن بن عوف، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه وهو قائم يصلي، فوقف يسمع لقراءته، فقرأ: " والطّور " حتى بلغ " إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ " فقال عمر: قسم وربّ الكعبة حق، امض لحاجتك، فاستسند إلى حائط، فمكث ملياً، فقال له عبد الرحمن: امض لحاجتك، فقال: ما أنا بفاعل الليلة إذ سمعت ما سمعت. قال: فرجع إلى منزله فمرض شهراً، يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
وعن الحسن قال: كان عمر بن الخطاب يمرّ بالآية من ورده بالليل، فيسقط، حتى يعاد منها أياماً كثيرة، كما يعاد المريض.
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: من خاف الله لم يشف غيظه، ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون.
وعن ابن عمر قال: ما رأيت عمر غضب قط فذكر الله عنده أو خوّف أو قرأ عنده إنسان آية من القرآن إلا وقف عما كان يريد.
وعن أبي مسلم الأزدي أنه صلى مع عمر بن الخطاب أو حدثه من صلى مع عمر المغرب فمشى بها، أو
شغله بعض الأمر حتى طلع نجمان. فلما فرغ من صلاته تلك أعتق رقبتين.
وعن ابن عباس قال: كان الحر بن قيس بن حصن من القراء الذين يدنيهم عمر وكان القراء أهل مجلس عمر شباباً كانوا أو شيوخاً فقدم عيينة بن حصن فقال للحر بن قيس: يا بن أخي، ألك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: والله يا عمر ما تعطينا لاجزل، ولا تحكم فينا بالعدل، قال: فغضب عمر حتى همّ أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: " وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين. قال: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى.
قال مزيدة بن قعنب الرهاوي: كنا عند عمر بن الخطاب إذ جاءه قوم، فقالوا له: إن لنا إماماً يصلي بنا العصر، فإذا صلى صلاته تغنى بأبيات، فقال عمر: قوموا بنا إليه، فاستخرجه عمر من منزله فقال: إنه بلغني أنك تقول أبياتاً إذا قضيت صلاتك، فأنشدنيها، فإن كانت حسنة قتلها معك، وإن كانت قبيحة نهيتك عنها، فقال الرجل: الرمل
وفؤادي كلما نبّهته ... عاد في اللذات يبغي تعبي
لا أراه الدهر إلا لاهياً ... في تماديه فقد برّح بي
يا قرين السّوء ما هذا الصّبا ... فني العمر كذا باللعب
وشباب بان مني فمضى ... قبل أن أقضي منه أربي
ما أرجيّ بعده إلا الفنا ... ضيّق الشيب عليّ مطلبي
نفس لا كنت ولا كان الهوى ... اتقي المولى وخافي وارهبي
فقال عمر: نعم نفس لا كنت ولا كان الهوى وهو يبكي ويقول: اتقي الله وخافي وارهبي. ثم قال عمر: من كان منكم متغنياً فليغن هكذا.
قال طارق: قلت لابن عباس: أي رجل كان عمر؟ قال: كان كالطير الحذر الذي كأن له بكل طريق شركاً.
قال عبد الله بن عامر بن ربيعة.
رأيت عمر بن الخطاب أخذ نبتة من الأرض فقال: يا ليتني هذه النبتة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسياً منسيّاً.
حدث نجدة مولى عمر بن الخطاب عن عمر أنه كان في سوق المدينة يوماً، فأخذ شق تمرة، فمسحها من التراب، ثم مرّ أسود عليه قربة، فمشى إليه عمر، وقال: اطرح هذه في فيك، فقال له أبو ذر، ما هذه يا أمير المؤمنين؟ قال: هذه أثقل أو ذرّة؟ قال: لا، بل هذه أثقل من ذرّة. قال: فهل فهمت ما أنزل الله في سورة النساء؟: " إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةٌ يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً ". كان بدو الأمر مثقال ذرّة، وكان عاقبته أجراً عظيماً.
وعن مالك بن مغول
أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل ان توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر " يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ ".
وعن يحيى بن جعدة قال: قال عمر بن الخطاب: لولا أن أسير في سبيل الله أو أضع جبيني في التراب، أو أجالس قوماً يلتقطون طيب القول كما يلتقط طيب التمر لأحببت أن أكون قد لحقت بالله عزّ وجلّ.
نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس وكبّروا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى
على خالات لي من بني مخزوم، فيقبّضن لي القبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم، ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قميت نفسك يعني: عبت فقال: ويحك يا بن عوف إني خلوت، فحدثتني نفسي قالت: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك، فأردت أن أعرّفها نفسها.
قال عبد الرحمن بن حاطب: كنت مع عمر بن الخطاب بضجنان فقال: كنت أرعى للخطاب بهذا المكان، فكان فظاً غليظاً، فكنت أرعى أحياناً، وأحتطب أحياناً، فأصبحت أضرب الناس، ليس فوقي أحد إلا الله ربّ العالمين، ثم قال: البسيط
لا شيء مما ترى يبقى بشاشته ... يبقى الإله ويفنى المال والولد
زاد في آخر:
لم تغن عن هرمز يوماً خزائنه ... والخلد قد حاولت عادٌ فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح له ... والإنس والجنّ فيما بينها برد
أين الملوك التي كانت نواهلها ... من كلّ أوبٍ إليها راكبٌ يفد
حوضاً هنالك موروداً بلا كذبٍ ... لابدّ من ورده يوماً كما وردوا
قال جراد بن نشيط: كنت عند عمر بن الخطاب، فأتاه رجل مسمّن مخصب في العيش، فقال: يا أمير المؤمنين، هلكت وهلك عيالي زاد في رواية: فجعل عمر يصعّد فيه البصر ويصوبه ثم قال: يجيء أحدهم ينثّ كأنه حميت يقول: هلكت وهلك عيالي ثم قرب عمر يحدث عن نفسه، فقال: لقد رأيتني وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لهم، قد ألبستنا أمنا
نقيبة لنا، وزودتنا من الهبيد نمتر منها، فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقيبة إلى أختي، وخرجت أسعى عرياناً، فترجع أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فما خضناه. قال: ثم قال: أعطوه ربعة من نعم الصدقة، قال: فخرجت يتبعها ظئران لها، قال: فما حسدت أحداً ما حسدت ذلك الرجل ذلك اليوم.
وعن عبيد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلّها.
قال الحسن: خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه، فمرّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير الؤمنين، فقال: لا، وأركب أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الوطيء، وتركب أنت على الموضع الخشن؟ ولكن اركب أنت على المكان الوطيء، وأركب أنا خلفك على المكان الخشن. فركب خلف الغلام، ودخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليهما.
وعن أنس بن مالك أن الهرمزان رأى عمر بن الخطاب نائماً في المسجد بالمدينة، فقال: هذا والله هو الملك الهنيء.
وعن عامر قال: إذا اختلف الناس في أمر فانظر كيف قضى فيه عمر، فإنه لم يكن يقضي في الأمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور.
قال الشعبي: من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير.
وعن عاصم قال: أخذ أبو عثمان النهدي عصاً كانت بيده، ثم رفعها، ثم قال: والذي لو شاء أن ينطق هذه العصا لنطقت، لو كان عمر ميزاناً ما كان يميط شعرة.
قال أبو حريز الأزدي: كان رجل لا يزال يهدي لعمر فخذ جزور إلى أن جاءه ذات يوم بخصم، فقال: يا أمير المؤمنين، لقض بيننا قضاءً فصلاً كما يفصل الفخذ سائر الجزور، قال عمر: فما زال يردّدها علي حتى خفت على نفسي، فقضى عليه عمر، ثم كتب إلى عماله: أما بعد، فإياي والهدايا، فإنها من الرّشى.
كتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله، فكان في آخر كتابه أن حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته شهواته عاد مرجعه إلى الندامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عما تنهى عنه.
قال عمر بن الخطاب: الوالي إذا طلب العافية ممن هو دونه أعطاه الله العافية ممن هو فوقه.
كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في بناء منزل يسكنه، فوقع في كتابه: ابن ما يسترك من الشمس، ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار قلعة.
وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو على مصر: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك.
قال أسلم: قال عمر بن الخطاب: اجتمعوا لهذا الفيء حتى ننظر فيه، ثم قال لهم بعد: إني كنت أمرتكم أن تجتمعوا حتى ننظر فيه، وإني قرأت آيات من كتاب الله فاستغنت عزّ وجلّ بهن، قال الله تعالى: " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرّسول " إلى قوله: " شديد العقاب " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ثم قرأ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا " والله ما هو لهؤلاء وحدهم، ولئن بقيت إلى قابل لألحقن آخر الناس بأولهم، ولأجعلنهم ببّاناً واحداً، يعني: باجاً واحداً. قال: فجاء ابن له، وهو يقسم يقال له عبد الرحمن بن لهيّة امرأة كانت لعمر فقال له: اكسني خاتماً، فقال له: الحق بأمك تسقيك شربة من سويق فوالله ما أعطاه شيئاً.
قال عبد الرحمن بن عوف: بعث إلي عمر ظهراً، فأتيته. فلما دخلت الدار إذا نحيب شديد، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، اعترى والله أمير المؤمنين اعتراء، فقلت: لا بأس أمير المؤمنين، قال: إنه لا بأس، قال: فوضع يديه على ركبتيه، فكان أول ما كلمني به أن قال: ما أعجبك، بكائي شديد، ثم أخذ بيدين فأدخلني بيتاً، فإذا حقيبات بعضها على بعض، فقال: هاهنا هان آل الخطاب على الله، والله لو كرمنا عليه لكان إلي صاحبي بين يدي فلاقاً مالي فيه أميراً أقتدي به. فلما رأيت ما حلّ به قلت: اقعد بنا
يا أمير المؤمنين نتفكر. قال: فقعدنا، فكسا أهل المدينة، وكسا المخفّين في سبيل الله، وكسا أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وكسا من ذون ذلك، فأصاب المخفّين أربعة أربعة، وأصاب أزواج النّبي صلّى الله عليه وسلّم أربعة أربعة، وأصاب من دون ذلك اثنان اثنان، حتى وزعنا ذلك المال.
وعن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فابتعت من المغنم بأربعين ألفاً. فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، كنت مفتديّ؟ قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، فقال: كأني شاهدٌ الناس حين تبايعوا، فقال: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن أمير المؤمنين، وأحب الناس إليه وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك فإنه أحب إليهم من أن يغلوا عليك بدرهم، وإني قاسم مسؤول، وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من قريش، لك ربح الدرهم درهماً، ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعة مئة ألف، فدفع إلي ثمانين ألفاً، وبعث البقية إلى سعد بن أبي وقاص فقال: اقسمه في الذي شهدوا الوقعة، ومن كان مات فابعثه إلى ورثته.
وحدث أسلم قال: رأيت عبد الله بن الأرقم صاحب بيت مال المسلمين في زمن أبي بكر وعمر أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن عندنا حلية من حلية جلولاء، آنية من ذهب وورق، فانظر أن تفرغ لذلك يوماًن فترى فيه رأيك، فقال: إذا رأيتني فارغاً فآذني، فجاءه يوماً فقال: أراك اليوم فارغاً، فقال: أجل، فابسط لي نطعاً في الأشاء وهو النخل الذي لا يسقى فبسط له فيه نطعاًن ثم أتى بذلك المال فصب عليه، فدنا عمر حتى وقف عليه، وقال: اللهم، إنك ذكرت وقلت: " زيّن للنّاس حبذ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة " وقلت: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم " وإنا لا نستطيع ألا نفرح بما زيّنت لنا، اللهم، فاجعلني أنفقه
في الحق، وأعذني من شرّه، قال: وأتى ابن له يقال له عبد الرحمن، فقال: يا أبتاه، هب لي خاتماً، فقال عمر: اذهب إلى أمك تسقيك سويقاً.
بعث أبو موسى من العراق إلى عمر بن الخطاب بحلية فوضعت بين يديه، وفي حجره أسماء بنت زيد بن الخطاب وكانت أحب إليه من نفسه، لما قتل أبوها باليمامة عطف عليهم فأخذت من الحلية خاتماً، فوضعته في يدها، وأقبل عليها يقبّلها، ويلتزمها. فلما غفلت أخذ الخاتم من يدها، فرمى به في الحلية وقال: خذوها عني.
قدم مل الروم على عمر بن الخطاب، فاستقرضت امرأة عمر بن الخطاب ديناراً فاشترت به عطراً، وجعلته في قوارير، وبعثت به مع البريد إلى امرأة ملك الروم. فلما أتاها فرّغتهن وملأتهن جواهر، وقالت: اذهب به إلى امرأة عمر بن الخطاب. فلما أتاها فرّغتهن على البساط، فدخل عمر بن الخطاب فقال: ما هذا؟ فأخبرته الخبر، فأخذ عمر الجوهر فباعه، ودفع إلى امرأته ديناراً، وجعل ما بقي من ذلك في بيت مال المسلمين.
وعن ابن عمر قال: أهدى أبو موسى الأشعري لامرأة عمر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل طنفسة، أراها تكون ذراعاً وشبراً، فدخل عليها عمر فرآها فقال: أنى لك هذه؟ فقالت: نعم أهداها إلي أبو موسى الأشعري، فقال: أحضروه، وأتعبوه، قال: فأتي به قد أتعب وهو يقول: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، فقال: ما يحملك على أن تهدي لنسائي؟ ثم أخذها فضرب بها فوق رأسه وقال: خذها، فلا حاجة لنا فيها.
قال عبد الله بن عمر: اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى اليمن. فلما سمنت قدمت بها، قال: فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلاً سماناً فقال: لمن هذه؟ قيل: لعبد الله بن عمر، قال: فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر، بخٍ بخٍ، ابن أمير المؤمنين، فجئته أسعى، فقلت: مالك يا أمير المؤمنين قال: ما هذه الإبل؟ قلت: أنا اشتريتها، وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، قال: فقال: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، أغد على رأس مالك، واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
قال عمرو بن العاص يوماً، وذكر عمر فترحم عليه ثم قال: ما رأيت أحداً بعد نبي الله وأبو بكر أخوف لله من عمر، لا يبالي على من وقع الحق: على ولد أو والدٍ، ثم قال: إني لفي منزلي ضحى، في مصر إذ أتاني آتٍ فقال: قدم عبد الله وعبد الرحمن ابنا عمر غازيين، فقلت: أين نزلا؟ قال: في موضع كذا وكذا لأقصى مصر وقد كتب إلي عمر: إياك أن يقدم عليك أحد من أهل بيتي فتضعه بأمر لا تصنعه بغيره، فأفعل بك ما أنت أهله فأنا لا أستطيع أن أهدي لهما، ولا آتيهما في منزلهما للخوف من أبيهما، فإني لعلى ما أنا فيه إذ قال قائل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة يستأذنان، فقلت: يدخلان، فدخلا وهما منكران، فقالا: أقم علينا حدّ الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسركنا، قال: فنهرهما وطردهما، فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت عليه، قال: يحضرني رأي، وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحدّ غضب علي عمر في ذلك وعزلني، وخالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن فيه إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه، فرحبت به وأردت أجلسه على صدر مجلسين فأبى علي وقال: إن أبي نهاني أن أدخل عليك إلا ألاّ أجد بداً، وإني لم أجد بداً من الدخول عليك، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس أبداًن فأما الضرب فاصنع ما بدا لك. قال: وكانوا يحلقون مع الحدّ. قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، ودخل ابن عمر بأخيه عبد الرحمن بيت في الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة، فوالله ما كتبت إلى عمر بحرف مما كان، حتى إذا تحينت كتابه إذا هو فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاص ابن العاص، فعجبت لك يا ابن العاص ولجرأتك علي، وخلاف عدين أما إني قد خالفت فيك أصحاب بدر ممن هو خير منك واخترتك لجرأتك عني وإنفاد عهدي، فأراك تلوثت بما قد
تلوثت، فماأراني إلا عازلك فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك وتحلق رأسه في بيتك، وقد عرفت أن هذا يخالفني؟ إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين، ولكن قتل: هو ولد أمير المؤمنين، وقد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عند في حق يجب به عليه. فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع، فبعثت به كما قال أبوه، وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه، وكتبت إلى عمر كتاباً أعتذر فيه، وأخبره أني ضربته في صحن داري، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن دار على الذمي والمسلم، وبعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر، فقال: أسلمه، فقدم بعبد الرحمن على أبيه، فدخل عليه، وعليه عباءة، ولا يستطيع المشي من مركبه، فقال: يا عبد الرحمن، فعلت وفعلت، السياط، فكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة، فما عليه أن تقيمه ثانية؟ فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره، فجعل عبد الرحمن يصيح: إني مريض وأنت قاتلي، فضربه الثانية الحدّ، وحبسه في مرض فمات.
وفي حديث بمعناه: إنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه، ثم أرسله، فلبث شهراً صحيحاً، ثم أصابه قذة، فتحسّب عامة الناس أنه مات من جلد عمر، ولم يمت من جلده.
وعن الحسن قال: بينما عمر بن الخطاب يمشي ذات يوم في بعض أزقة المدينة إذا صبيّةٌ بين يده، تقوم مرة وتقع أخرى وفي رواية: تطيش هزالاً فقال: يا بؤسها: من لهذه؟ فقال ابن عمر: هذه إحدى بناتك يا أمير المؤمنين زاد في آخر قال: وأي بناتي هذه؟ قال: ابنتي قال: فما لها؟ قال: منعتها ما عندك، قال: أفعجزت إذ منعتها ما عندي أن تكسب عليها كما تكسب الأقوام على بناتهم؟ والله مالك عندي إلا مالرجل من المسلمين، وبيني وبينك كتاب الله. قال الحسن: فخصمه الله.
وفي آخر فقال: إني والله ما أعول من ولدك، فاسع على ولدك أيها الرجل.
وعن عاصم بن عمر قال: أرسل إلي عمر يرفا، فأتيته وهو في مصلاه عند الفجر أو عند الظهر قال: فقال: والله ما كنت أرى هذا المال يحل لي من قبل أن أليه إلا بحقه، وما كان قط أحرم علي منه إذ وليته، فعاد أمانتي، وقد أنفقت عليك شهراً من مال الله، ولست بزائدك، ولكني معينك بثمن مالي بالغابة، فاجدده فبعه، ثم ائت رجلاً من قومك من تجارهم، فقم إلى جنبه، فإذا اشترى شيئاً فاستشركه، فاستنفعه وأنفق على أهلك.
قال أسلم: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله ما ينضجون كراعاً، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن يأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوقف معها عمرن ولم يمض ثم قال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً، وحمل بينهما نفقة وثياباً، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، فقال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصناً زماناً فافتتحناه، ثم أصبحنا نستقي بينهما بهماً فيه.
وعن محمد بن سيرين أن صهراً لعمر بن الخطاب قدم على عمر فعرض عليه أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر فقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خائناً. فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم.
وعن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحدثنا عن الدجال أنه يسلّط على نفس يقتلها ثم يحييها، فيقول: ألست بربك؟ قال: فتقول: ما كنت قط أكذب منك الساعة، قال: فما كنا نراه إلا عمر بن الخطاب حتى قتل أو مات.
وعن حذيفة قال:
لأن أعلم أن فيكم مئة مؤمن أحبّ إلي من حمر النّعم وسودها، فقال أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما تهاجرنا بيننا ولا تشاتمنا بيننا ولا تفرقنا. قال: هل فيكم من لا يخاف في الله لومة لائم ثم بكى ثم قال: ما أعلمه إلا عمر، فكيف أنتم لو قد فارقكم؟.
وعن حذيفة قال: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الفتنة؟ قلت، أنا، كما قال، قال: إنك لجريء عليها أو عليه قلت: فتنة الرجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصلاة، والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كموج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أو يفتح؟ قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا؛ أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ ليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا حذيفة أن نسأله من الباب، فأمرنا مسروقاً، فسأله فقال: الباب عمر.
وعن قدامة بن مظعون أن عمر بن الخطاب أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته، وعثمان على راحلته، على ثنية الأثاية والعرج، فضعضعت راحلته راحلة عثمان، وقد مضت راحلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتني يا غلق الفتنة. فلما أسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب فقال: يغفر الله لك أبا السائب، ما هذا الاسم الذي سميتنيه؟ فقال: لا والله ما أنا الذي سميتكه، لكن سمّاكه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا هو
أمام الركن يقدم القوم مررت بنا يوماً ونحن جلوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " هذا غلق الفتنة وأشار بيده لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانيكم ".
وفي حديث غيره: قفل الفتنة.
مرّ عبد الله بن سلام بعبد الله بن عمر بن الخطاب وهو راقد في مشرقة، وفحركه برجله فقال: من هذا؟ قال: أنا عبد الله بن أمير المؤمنين عمر، قال: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقام عبد الله وقد تغير لونه حتى أتى والده عمر، فقال: يا أبه، أما سمعت ما قال ابن سلام لي؟ قال: وما قال لك يا بني؟ قال: قال لي: قم يا بن قفل جهنم، قال: فقال عمر: الويل لعمر إن كان بعد عبادة أربعين سنة ومصاهرته رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقضاياه بين المسلمين بالاقتصاد أن يكون مصيره إلى جهنم حتى يعني يكون قفلاً لجهنم، قال: ثم قام وتقنّع بطيلسان له، وألقى الدرة على عاتقة فاستقبله عبد الله بن سلام، فقال له عمر: يا بن سلام، بلغني أنك قلت لابني: قم يا بن قفل جهنم، قال: نعم، قال عمر: وكيف علمت أني في جهنم، حتى أكون قفلاً لجهنم؟ قال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن تكون في جهنم، ولكنك قفل جهنم، قال: وهل يكون أحد لا يكون في جهنم وهو قفل جهنم؟ قال: نعم، قال: وكيف ذلك؟ قال: إنه أخبرني أبي عن آبائه عن موسى بن عمران عن جبريل عليه السلام أنه قال: يكون في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم رجل يقال له: عمر بن الخطاب، أحسن الناس ديناً، وأحسنهم يقيناً. ما دام بينهم الدين عالٍ، والدين فاشٍ واستمسك بالعروة الوثقى من الدين فجهنم مقفلة، فإذا مات عمر يرق الدين، ويقل اليقين، وقلّ أعمار الصالحين، وافترق الناس على فرق من الأهواء، وفتحت أقفال جنهم، فيدخل في جهنم من الآدميين كثير.
قال كعب وهو عند عمر: ويل لملك الأرض من ملك السماء، فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: إنك مصراع الفتنة.
وعن أبي عبيدة بن الجراح أنه قال يوماً وهو يذكر عمر فقال: إن مات عمر رقّ الإسلام، ما أحب أن لي ما تطلع عليه الشمس أو تغرب وأني أبقى بعد عمر. قال قائل: ولم؟ قال: سترون ما أقول إن بقيتم، أما هو فإن ولي والٍ بعد عمر فأخذهم بما كان عمر يأخذهم به لم يطع له الناس بذلك، ولم يحملوه، وإن ضعف عنهم قتلوه.
وعن حذيفة أنه قال: ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشرّ فراسخ، إلا أن يطلع عليكم راكب من هاهنا فينعى لكم عمر.
وعن ابن عمر:
أن عمر بن الخطاب وجّه جيشاً، ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، قال: فبينما عمر بن الخطاب يخطب جعل ينادي: يا ساري، الجبل، يا ساري، الجبل، ثلاثاً. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين، هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتاً ينادي: يا ساري، الجبل، ثلاثاً. فأسندنا ظهورنا بالجبل، فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك تصيح لذلك.
ولما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل بوونه من أشهر العجم، فقالوا: يا أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنّة: لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك، فقالوا: إذا كان ثنتا عشرة تخلوا من هذا الشهر عمدنا إلى جارية، بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا أمر لا يكون أبداً في الإسلام، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بوونه وألبيب ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى همّوا بالجلاء. فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب: إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله، وبعث ببطاقة في داخل كتابه، وكتب إلى عمرو: إني قد بعثت إليك
ببطاقة في داخل كتابي إليك، فألقها في النيل. فلما قدم كتاب عمر على عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد. فإني كنت إنما تجري من قبلك فلا تجرن وإن كان الله الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك، فألقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم، وقد تهيأ أهل مصلا للجلاء والخروج منها، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل. فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشرة ذراعاً في ليلة واحدة، فقطع الله تعالى تلك السّنّة السوء عن أهل مصر إلى اليوم.
وعن مالك بن موسى بن الحدثان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا الفيء حق، ثم نحن فيه بعد على منازلنا في كتاب الله وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الرجل وقومه، والرجل وبلاؤه، والرجل وعياله، والرجل وحاجته، وإن أخوف ما أخاف عليكم أحمر، محذف القفا يحم لنفسه بحكم وللناس بحكم، ويقسن لنفسه قسماً وللناس قسماً. والله لئن سلمت نفسي ليأتين الراعي وهو بجبل صنعاء حظه من فيء الله وهو في غنمه ".
وعن الحسن قال: أتي عمر بسوار كسرى بن هرمز فوضع بين يديه فأخذه سراقة بن مالك، فوضعه في يديه فبلغ منكبيه، فقال عمر: الحمد لله، سوار كسرى في يد سراقة بن مالك الخزاعي بني مدلج، اللهم، قد علمت أن نبيك مذ كان يحب أن يصيب مالاً فينفقه في سبيلك، وعلى عبادك، فزويت ذلك عنه نظراً له واختياراً. اللهم، إني قد علمت أن أبا بكر كان يحب أن يصيب مثل ذلك المال فينفقه في سبيلك، فزويت ذلك عنه نظراً منك له واختياراً. اللهم، فلا يكن ذلك مكراً بي منك ثم تلا: " أيحسبون أنّما نمدّهم به من مالٍ ونبين ".
وعن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: لما أتي عمر بكنوز كسرى قال عبد الله بن الأرقم الزهري: ألا تجعلها في بيت المال
حتى نقسمها؟ قال: لا أظلها تحت سقف بيت حتى أمضيها، فأمر بها فوضعت في صرح المسجد، وباتوا يحرسونها. فلما أصبح أمر بها فكشف عنها، فرأى ما فيها من البيضاء والحمراء ما كان يتلألأ منه البصر، فبكى عمر، فقيل له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فوالله إن هذا ليوم شكر، ويوم فرح، فقال عمر: إن هذا لم يعطه قوم قط إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء.
قال سلمة بن سعيد: أتي عمر بن الخطاب بمال، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمير المؤمنين، لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمرٍ يحدث، فقال: كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني الله حجتها، ووقاني فتنتها، أعصي الله العام مخافة قابل، أعدّ لهم تقوى الله تعالى. قال الله تعالى: " ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " وليكون فتنة على من يكون بعدي.
وعن سعيد بن المسيب قال:
انكسر بعي رمن مال الله فنحره عمر، وصنعه، ودعا عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال العباس بن عبد المطلب: يا أمير المؤمنين، لو صنعت لنا في كل يوم مثل هذا أصبنا منه، وتحدثنا عندك، فقال عمر، يهون عليك جوع امرأة بسلع؟ إنه كان لي صاحبان عملا عملاً، وسلكا طريقاً إن عملت مثل عملهما سلكت طريقهما، وإن عملت بغيره لم أسلك طريقهما.
وعن أسلم: أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يعني: هنيّ على الحمى، فقال: يا هنيّ، اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني
ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك؟ فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وايم الله، إنهم ليرون أني ظلمتهم، وإنها لبلادهم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام. والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
وعن أبي هريرة قال: قدمت من البحرين، فسألني عمر عن الناس، فأخبرته. ثم قال لي: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف. قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، ومئة ألف، قال: إنك ناعس، ارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فائتني. فلما أصبحت أتيته، فقال: ماذا جئت به؟ قلت: جئت بخمس مئة ألف، قال: ويحك هل تدري ما تقول؟ قلت: نعم، مئة ألف، حتى عدها خمس مرات، يعدها بأصابعه الخمس، قال: أطنب، قلت: لا أعلم إلا ذلك، قال: فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنه قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم أن نكيلكم كيلاً، وإن شئتم أن نعدكم عداً، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون ديواناً لهم، قال: فدوّن الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة آلاف، خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً، اثني عشر ألفاً.
وعن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: السنة ثلاث مئة وستون يوماً، وإن حق الله عز وجل على عمر أن يكسح بيت المال في كل سنة يوماً عذراً إلى الله أني لم أدع فيه شيئاً.
وفي حديث بمعناه: حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه. قال الحسن: فأخذ صفوها، وترك كدرها حتى ألحقه الله بصاحبيه.
نجز الجزء الثامن عشر من مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ويتلوه في الجزء التاسع عشر بقية ترجمة عمر بن الخطاب علقه عبد الله محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب عفا الله عنه وفرغ منه في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة ثلاث وتسعين وست مئة الحمد لله رب العالمين كما هو أهله وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه حسبنا الله ونعم الوكيل.
عن زهير بن حيّان وكان زهير يلقى ابن عبّاس ويسمع منه قال: قال ابن عبّاس: دعاني عمر بن الخطاب، فأتيته، فإذا بين يديه نطع، عليه الذهب منثور حثاً.
قال: يقول ابن عبّاس: يا زهير، هل تدري ما حثا؟ قال: قلت: لا. قال التّبن.
قال: هلمّ، فاقسم هذا بين قومك، فالله أعلم حيث زوى هذا عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعن أبي بكر، فأعطيته، لخير أعطيته أم لشرّ؟ قال: فأكببت عليه أقسم وأزيّل.
قال: فسمعت البكاء: فإذا صوت عمر يبكي، ويقول في بكائه: كلاّ، والذي نفسي بيده، ما حبسه عن نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أبي بكر إرادة الشّرّ لهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له.
عن مخلد بن قيس العجليّ، عن أبيه، قال: لمّا قدم سيف كسرى ومنطقته وزبرجدته على عمر، فقال: إنّ أقواماً أدّوا هذا لذووا أمانة. فقال عليّ: إنك عففت فعفّت الرّعيّة.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطّاب رأى في الظّهر وفي حديث أبي مصعب، عن أبيه، أنه قال
لعمر بن الخطاب: إن في الظّهر ناقةً عمياء، فقال عمر: ادفعها وقال أبو مصعب: يدفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها. قال: فقلت: وهي عمياء؟ قال: يقطرونها بالإبل. قال: فقلت: كيف تأكل من الأرض؟ فقال عمر بن الخطاب: أمن نعم الجزية هي أم من نعم الصّدقة؟ قال: قلت: من نعم الجزية. قال: فقال عمر: أردتم والله أكلها. فقلت: إنّ عليها وسم الجزية، فأمر بها عمر بن الخطاب فنحرت.
قال: وكان عنده صحاف تسع، فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا جعل في تلك الصّحاف منها، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويكون الذي يبعث إلى حفصة من آخر ذلك، فإن كان فيه نقص كان في حظّ حفصة.
قال: فجعل في تلك الصّاف من لحم تلك الجزور، فبعث به إلى أزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بما بقي من اللّحم فصنع، فدعا عليه المهاجرين والأنصار.
عن عمران أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال، فاستقرضه، فربّما عسر، فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه، فليزمه، فيحتاج له عمر، وربّما خرج عطاؤه فقضاه.
عن إبراهيم أن عمر بن الخطّاب كان يتّجر وهو خليفة.
قال يحيى في حديثه: وجهّز عيراً إلى الشّام، فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف وقال الفضل: فبعث إلى رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالا جميعاً: يستقرضه أربعة آلاف درهم؛ فقال للرّسول: قل له: يأخذها من بيت المال ثم ليردّها.
فلمّا جاءه الرسول فأخبره بما قال، شقّ ذلك عليه؛ فلقيه عمر، فقال: أنت القائل لنا: خذها من بيت المال؟ فإن متّ قبل أن يجيء قلتم: أخذها أمير المؤمنين، دعوها له، وأوخذ بها يوم القيامة؛ لا، ولكن أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح مثلك، فإن متّ أخذها قال يحيى: من ميراثي. وقال الفضل: من مالي.
عن مالك الدّار، قال: أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطّاب، فجاء رجل إلى قبر النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، استسق الله لأمّتك، فإنّهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام، وقال: " ائت عمر، فأقره السّلام وأخبره أنكم مسقون، وقل له: عليك الكيس الكيس " فأتى الرّجل فأخبر عمر، فبكى عمر، ثم قال: يا ربّ، ما آلو إلاّ ما عجزت عنه.
وعن خوّات بن جبير، قال: أصاب النّاس قحط شديد على عهد عمر، فخرج عمر بالنّاس، فصلّى بهم ركعتين، وخالف بين طرفي ردائه فجعل اليمين على اليسار على اليمين، ثم بسط يده، فقال: اللهم إنّا نستغفرك ونستسقيك؛ فما برح مكانه حتى مطروا؛ فبيناهم كذلك إذا الأعراب قد قدموا، فأتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين، بينا نحن في بوادينا في يوم كذا، في ساعة كذا، إذ أظلّنا غمام، فسمعنا فيها صوتاً: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص.
وعن أبي السّائب بن يزيد، قال: ركب عمر بن الخطاب عام الرّمادة دابّةً، فراثت شعيراً، فرآها عمر، فقال: المسلمون يموتون هزلاً، وهذه الدّابة تأكل الشّعير! لا والله لا أركبها حتى يحيا النّاس.
وعن يحيى بن سعيد، قال: اشترت امرأة عمر بن الخطاب لعمر فرق سمن بستّين درهماً، فقال عمر: ما هذا؟ فقالت امرأته: هو من مالي، ليس من نفقتك. فقال عمر: ماأنا بذائقه حتى يحيا النّاس.
وعن ابن عمر أن عمر لمّا كان عام الرّمادة، واشتد الجوع على أهل المدينة، قال: والله لا أتأدّم وكان رجلاً لا يوافقه الزّيت ولا الشّعير ولا التّمر، وكان يوافقه السّمن فقال: والله لا أتادّم بالسّمن حتى يفتح الله على المسلمين عامه هذا.
قال: فشحب، وصحب بطنه، وضعف قوّته. قال: فاشترت ابنته له عكّة من سمن، فحلف بالله لا يأكل منها ولا يتأدّمها، فجعل إذا أكل خبز الشّعير والثّمر بغير أدم تقرقر بطنه؛ يقول هو في المجلس ويضع يده على بطنه: إن شئت فقرقر، وإن شئت لا تقرقر، مالك عندي أدم حتى يفتح الله على العامّة.
حدّث نافع مولى الزّبير، قال: سمعت أبا هريرة يقول: رحم الله ابن حنتمة، لقد رأيته عام الرمّادة، وإنه ليحمل على ظهره جرابين، وعكّة زيت في يده، وإنه ليعتقب هو وأسلم؛ فلمّا رآني قال: من أين يا أبا هريرة؟ قلت: قريباً.
قال: فأخذت أعقبه، فحملناه، حتى انتهينا إلى صرار، فإذا صرم نحو من عشرين بيتاً من محارب، فقال عمر: ما أقدمكم؟ قالوا: الجهد.
قال: وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويّاً كانوا يأكلونه، ورمّة العظام مسحوقةً كانوا يسفّونها؛ فرأيت عمر طرح رداءه، ثم اتّزر، فما زال يطبخ لهم حتى شبعوا.
وأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم الجبّانة، ثم كساهم، وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك.
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: لمّا كان عام الرّمادة تحلّبت العرب من كلّ ناحية فقدموا المدينة، فكان عمر بن
الخطّاب قد أمر رجالاً يقومون عليهم، ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم، فكان يزيد ابن أخت النّمر، وكان المسور بن مخرمة، وكان عبد الرحمن بن عبد القاريّ، وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر، فيخبروه بكلّ ما كانوا فيه، وكان كل رجل منهم على ناحية من المدينة، وكان الأعراب حلولاً فيما بين رأس الثّنيّة، إلى راتج، إلى بني حارثة، إلى بني عبد الأشهل، إلى البقيع، إلى بني قرطبة، ومنهم طائفة بناحية بني سلمة، هم محدقون بالمدينة. فسمعت عمر يقول ليلةً وقد تعشّى النّاس عنده: أحصوا من يتعشّى عندنا؛ فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل. وقال: أحصوا العيالات الذين لا يأتون، والمرضى والصبيان؛ فأحصوهم، فوجدوهم أربعين ألفاً. ثم مكثنا ليالي فزاد النّاس، فأحصوا، فوجدوا من تعشى عنده عشرة آلاف، والأخرين خمسين ألفاً فما برحوا حتى أرسل الله السّماء. فلمّا مطرت رأيت عمر قد وكّل كلّ قوم من هؤلاء النّفر بناحيتهم، يخرجونهم إلى البادية، ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باد يتهم، ولقد رأيت عمر يخرجهم هو بنفسه. قال أسلم: وقد كان وقع فيهم الموت، فأراه مات ثلثاهم وبقي ثلث، وكانت قدور عمر يقوم إليها العمّال في السّحر يعلمون الكركور حتى يصبحوا، ثم يطعمون المرضى منهم، ويعلمون العصايد؛ وكان عمر يأمر بالزّيت فيفار في القدور الكبار على النّار حتى يذهب حمتّه وحرّه، ثم يثرد الخبز، ثم يؤدم بذلك الزّيت؛ فكانت العرب يحمّون من الزّيت. وما أكل عمر في بيت أحد من ولده، ولا بيت أحد من نسائه ذواقاً زمان الرّمادة إلاما يتعشّى مع النّاس حتى أحيا الله النّاس أوّل ما أحيا.
حدث أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرّمادة لظننّا أن عمر يموت همّاً بأمر المسلمين.
وعن بعض نساء عمر، قالت: ما قرب عمر امرأة زمن الرّمادة، حتى أحيا النّاس.
عن قسامة بن زهير، قال: وقف أعرابيّ على عمر بن الخطّاب، فقال: من الرجز
يا عمر الخيّر خير الجنه ... جهّز بنيّاتي وأكسهنّه
أقسم بالله لتفعلنّه
قال: فإن لم أفعل يكون ماذا يا أعرابيّ؟ قال: أقسم أني سوف أمضينّه قال: فإن مضيت يكون ماذا ياأعرابيّ؟ قال:
والله عن حالي لتسألنّه ... ثم تكون المسألات ثمّه
والواقف المسؤول بينهنّه ... إمّا إلى نار وإمّا جنّه
قال: فبكى عمر حتى اخضلّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام: أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره، والله ما أملك قميصاً غيره.
عن المسور بن مخرجة الزّهري، قال: خرجنا حجّاجاً مع عمر بن الخطّاب، فنزلنا منزلاً بطريق مكة يقال له: الأبواء، فإذا نحن بشيخ على قارعة الطريق؛ فقال الشيخ: ياأيّها الرّكب، قفوا. فقال عمر: قفوا. فوقفنا؛ فقال عمر: قل يا شيخ. قال: أفيكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: أمسكوا لا يتكلمنّ أحد، ثم قال: أتعقل يا شيخ؟ قال: العقل ساقني إلى هاهنا. قال: توفي النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وقد توفي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم.
قال: فبكى حتى ظننّا أن نفسه ستخرج من بين جنبيه؛ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة من بعده؟ قال: أبو بكر. قال: نحيف بني تيم؟ قال: نعم. قال: أفيكم هو؟ قال: لا. قال: وقد توفّي؟ قال: نعم. قال فبكى حتى سمعنا لبكائه شحيجاً؟ ثم قال: فمن ولي أمر الأمّة بعده؟ فقال: عمر بن الخطّاب. قال: فأين كانوا عن أبيض بني أميّة؟ يريد عثمان بن عفّان فإنه كان ألين جانباً، وأقرب. قال: قد كان ذلك. قال: إن كانت صداقة عمر لأبي بكر لمسلمه إلى خير، أفيكم هو؟ قال: هو الذي يكلّمك منذ اليوم. قال: أغثني، فإني لم أجد مغيثاً. قال: ومن أنت بلّغك الغوث؟ قال: أنا أبو عقيل، أحد بني مليل، لقيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردهة بني جعل، دعاني إلى الإسلام، فآمنت به، وصدّقت بما جاء به، فسقاني شربةً من سويق شرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوّلها وشربت آخرها، فما برحت أجد شبعها إذا جعت، وريّها إذا عطشت، وبردها إذا أصبحت، ثم تيمّمت في رأس الأبيض أنا وقطعة غنم لي، أصلّي في يومي وليلتي خمس صلوات، وأصوم شهراً وهو رمضان، وأذبح شاةً لعشر ذي الحجّة، أنسك بها؛ ذاك علمي، حتى ألفت بها السنّة فما أبقت لنا منها إلاّ شاةً واحدةً، كنّا ننتفع بدرّتها، فعسّها الذّيب البارحة الأولى، فأدركنا ذكاتها، فأكلنا وبلغناك ببعض. فأغثنا أغاثك الله. فقال عمر: بلّغك الغوث، بلّغك الغوث، أدركني على الماء.
قال المسور بن مخرمة: فنزلنا المنزل، وأصبنا من فضل زادنا، وكأنّي أنظر إلى عمر متعباً على قارعة الطريق، آخذاً بزمام ناقته، لم يطعم طعاماً، ينتظر الشيخ ويرمقه. فلمّا رحل النّاس، دعا عمر صاحب الماء فوصف له الشيخ وحلاّه له، وقال: إذا أتى عليك فأنفق عليه وعلى آله حتى أعود إليك إن شاء الله.
قال المسور: فقضينا حجّنا، وانصرفنا، فلمّا نزلنا المنزل دعا عمر صاحب الماء، فقال: هل أحسست الشيخ؟ قال: نعم ياأمير المؤمنين، أتاني وهو موعوك، فمرض عندي ثلاثاً، فمات، ودفنته، وهذا قبره.
فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعداً بين خطاه حتى وقف على القبر، فصلّى عليه، ثم انضجع فاعتنقه، وبكى، حتى سمعنا لبكائه شحيجاً، ثم قال: كره الله له منتّكم، وسيق به، واختار له ما عنده إن شاء الله. ثم أمر بأهله فجعلوا معه؛ فلم يزل ينفق عليهم حتى قبض.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، قال: خرجنا مع عمر بن الخطّاب إلى حرّة واقم، حتى إذا كنّا بصرار إذا نار، فقال: ياأسلم، إنّي لأرى ها هنا ركباً قصّر بهم اللّيل والبرد، انطلق بنا. فخرجنا نهرول حتى دنوها منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقدور منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون؛ فقال عمر: السّلام عليكم يا أصحاب الضّوء وكره أن يقول: يا أصحاب النّار فقالت: وعليك السّلام. فقال: أدنو؟ فقالت؛ ادن بخير أو دع. قال: فدنا، وقال: ما لكم؟ قالت: قصّر بنا اللّيل والبرد. قال: وما بال هؤلاء الصبّية يتضاغون؟ قال: الجوع. قال: فأيّ شيء في هذه القدور؟ قالت: ماء أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر. قال: أي رحمك الله، وما يدري عمر بكم؟ قالت: يتولّى أمرنا ثم يغفل عنّا! قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلق بنا، فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدّقيق، فأخرج عدلاً من دقيق، وكبّة شحم؛ فقال: احمله عليّ. فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة، لا أمّ لك؟ فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدّقيق شيئاً، فجعل يقول لها: ذرّي عليّ وأنا أحرك لك، وجعل ينفخ تحت القدر ثم يمرثها؛ فقال: ابغي شيئاً؛ فأتته بصحفة، فأفرغها فيها، ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم. فلم يزل حتى شبعوا، وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيراً، كنت أولى بهذا الأمر من المؤمنين. فيقول: قولي خيراً، إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاء الله.
ثم تنحّى عنها ناحيةً، ثم استقبلها، فربض مربضاً؛ فقلت: لك شأن غير هذا؟ فلم يكلّمني، حتى رأيت الصّبية يصطرعون، ثم ناموا، وهدؤوا. فقال: ياأسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألاّ أنصرف حتى أرى ما رأيت.
عن جهم بن أبي جهم، قال: قدم خالد بن عرفطة العذريّ على عمر، فسأله عمّا وراءه، فقال: ياأمير المؤمنين، تركت من ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطئ أحد القادسيّة إلاّ عطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة، وما من مولود يولد إلاّ ألحق على مئة وجريبين كل شهر ذكراً كان أو أنثى، وما يبلغ لنا ذكر إلاّ ألحق على خمسمئة أو ستّمئة، فإذا خرج هذا لأهل بيت، منهم من يأكل الطعام ومنهم من لا يأكل الطعام، فما ظنّك به؟ فإنه لينفقه فيما ينبغي ومالا ينبغي. قال عمر: فالله المستعان، إنّما هو حقّهم أعطوه، وأنا أسعد بأدائه إليهم منهم بأخذه، فلا تحمدنّي عليه، فإنه لو كان من مال الخطّاب ما أعطيتموه، ولكني قد علمت أن فيه فضلاً ولا ينبغي أن أحبسه عنهم، فلو أنه إذا خرج عطاء أحد هؤلاء العريب ابتاع منه غنماً فجعلها بسوادهم، ثم إذا خرج العطاء الثانية ابتاع الرأس فجعله فيها، فإني ويحك يا خالد بن عرفطة أخاف عليكم أن يليكم بعدي ولاة لا يعدّ العطاء في زمانهم مالاً، فإن بقي أحد منهم أو أحد من ولده كان لهم شيء قد اعتقدوه، فيتكئون عليه، فإن نصيحتي لك وأنت عندي جالس كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغر من ثغور المسلمين، وذلك لما طوّقني الله من أمرهم؛ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مات غاشّاً لرعيّته لم يرح رائحة الجنّة ". وعن ابن عمر، قال: قدمت رفقة من التّجار، فنزلوا المصلّى، فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم اللّيلة من السّرق؟ فباتا يحرسانهم، ويصلّيان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بكاء صبيّ، فتوجه نحوه، فقال لأمّه: اتّقي الله وأحسني إلى صبيّك؛ ثم عاد إلى مكانه، فسمع
بكاءه، فعاد إلى أمّه، فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه؛ فلّما كان في آخر اللّيل سمع بكاءه، فأتى أمّه، ويحك، إنّي لأراك أمّ سوء، مالي أرى ابنك لا يقرّ منذ اللّيلة؟ قالت: يا عبد الله، قد أبرمتني منذ الليلّة، إنّي أريغه عن الفطام فيأبى. قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلاّ للفطم. قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهراً. قال: ويحك، لا تعجليه. فصلى الفجر وما يستبين النّاس قراءته من غلبة البكاء، فلمّا سلّم قال: يا بؤساً لعمر، كم قتل من أولاد المسلمين!. ثم أمر منادياً فنادى: ألا لا تجعلوا صبيانكم عن الفطام، فإنّا نفرض لكلّ مولود في الإسلام. وكتب بذلك في الآفاق: إنّا نفرض لكّل مولود في الإسلام. قال الأحنف بن قيس: ما سمع النّاس بمثل عمر بن الخطّاب في باب الدّين والدّنيا، كان منوّر القلب، فطناً بجميع الأمور؛ بيناه يطوف ذات ليلة سمع امرأة تقول في الطّواف وهي تنشد: من الطويل
فمنهنّ من تسقى بعذب مبرّد ... نقاخ، فتلكم عند ذلك قرّت
ومنهنّ من تسقى بأخضر آجن ... أجاج، ولولا خشية الله فرّت
ففطن عمر رحمه الله ما تشكو، فبعث إلى زوجها، فقال لرجل: استنكه فمه؛ فوجده متغيّر الفم، فخيّره بين خمسمئة درهم وجارية من الفيء، على أن يطلّقها؛ فاختار خمسمئة والجارية، فأعطاه، فطلّقها. عن الحسن، قال: قال عمر: لو مات جمل في عملي ضياعاً خشيت أن يسألني الله عنه. وعن سالم بن عبد الله: أن عمر بن الخطاب كان يد خل يده في دبرة البعير ويقول: إنّي لخائف أن أسأل عمّا بك!.
عن عوانه، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى ابنه عبد الله بن عمر: أمّا بعد؛ فإنه من اتّقى الله وقاه ومن توكّل عليه كفاه ومن أقرضه جزاه ومن شكره زاده؛ فلتكن التقوى عماد عملك، وجلاء قلبك؛ فإنه لا عمل لمن لا نيّة له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له. عن جعفر بن برقان، قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عمّاله، فكان في آخر كتابه؛ أن حاسب نفسك في الرّخاء قبل حساب الشّدّة، فإنه من حاسب نفسه في الرّخاء قبل حساب الشّدّة عاد مرجعه إلى الرّضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغله هواه عاد مرجعه إلى النّدامة والحسرة، فتذكّر ما توعظ به لكي تنتهي عمّا تنهى عنه. وعن مالك بن مغول أنه بلغه أن عمر بن الخّطاب قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنّه أهون أو قال: أيسر لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهّروا للعرض الأكبر يوم " تعرضون لا تخفى منكم خافية ".
عن هشام " بن عروة " عن أبيه، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول في خطبته: أيّها النّاس، تعلمون أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا أيس من الشيء استغنى عنه.
عن الحسن، قال: أتى عمر بن الخطاب أعرابيّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إني رجل من أهل البادية، وإن لي أشغالاً، وإنّ لي وإنّ لي، فأوصني بأمر يكون لي ثقة وأبلغ به. فقال عمر: أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصّلاة، وتوتي الزّكاة المفروضة، وتحجّ وتعمر، وتسمع وتطيع، وعليك بالعلانية، وإيّاك والشّرّ، وعليك بكل شيء إذا ذكر ونشر لم تستحي منه ولم يفضحك، وإيّاك وكلّ شيء إذا ذكر ونشر استحييت وفضحك.
فقال: يا أمير المؤمنين، أعمل بهنّ، فإذا لقيت ربّي أقول: أمرني بهنّ عمر بن الخطّاب. فقال: خذهنّ، فإذا لقيت ربّك فقل له ما بدا لك.
وعن مسروق، عن عمر، قال: حسب الرّجل د ينه، وأصله عقله، ومروءته خلقه؛ وإن الشّجاع ليقاتل عمّن لا يبالي أن لا يعرف، وإن الجبان ليفّر عن أبيه. وقال: لا تعرض لما لا يعنيك، واعتزل عدوّك، واحتفظ من خليلك إلاّ الأمين، فإن الأمين ليس شيء يعدله، ولا أمين إلاّ من يخشى الله، ولا تصحب الفاجر فيحملك على الفجور، ولا تفش لأحد سرّك، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجلّ.
وقال عمر: إن الشجاعة والجبن غرائز في الرّجال، يقاتل الشجاع عن من لا يعرف، ويفرّ الجبان عن أبيه، والكرم الحسب، وحسب المرء دينه، وكرمه خلقه ولو كان فارسياً أو نبطياً. وقال: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: تبدؤه بالسّلام إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحبّ أسماءه إليه. وثلاث من العيّ: أن يستبين لك من النّاس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تعيب على النّاس بالّذي تأتى، وأن تؤذي جليسك بما لا يعنيك.
وقال عمر بن الخطاب: من كنتم سرّه كانت الخيرة في يديه، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير مدخلاً، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تكثر الحلف فيهينك الله، وما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصّدق اكتسبهم فإنّهم زين في الرّخاء وعدّة عند البلاء.
عن الأحنف بن قبس، قال: قال لي عمر بن الخطاب: يا أحنف من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخفّ به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه.
وعن زيد بن عقبه، قال: قال عمر بن الخطاب: الرّجال ثلاثة، والنّساء ثلاثة، فامرأة عفيفة مسلمة، هّينة ليّنة ودود ولود، تعين أهلها على الدّهر ولا تعين الدّهر على أهلها، وقلّ ما تجدها؛ والأخرى وعاء للولد، لا تزيد على ذلك شيئاً؛ وأخرى غلّ قمل يجعلها الله في عنق من يشاء، وينزعه إذا شاء. والرّجال ثلاثة: فرجل إذا أقبلت الأمور وتشبّهت، يأمر فيها أمره، ونزل عند رأيه؛ وآخر ينزل به الأمر فلا يعرفه، فيأتي ذوي الرّأي فينزل عند رأيهم؛ وآخر حائر بائر، لا يأتمر رشداً، ولا يطيع مرشداً.
عن أبي السفر، قال: رؤيء على عليّ برده كان يكثر لبسه، فقيل له: يا أمير المؤمنين، إنك لتكثر لبس هذا؛ قال: إنه كسانيه خليلي، وصفييّ، وصديقي، وخاصّتي، عمر بن الخطاب؛ إن عمر ناصح الله فنصحه الله تعالى؛ ثم بكى.
وقال عليّ بن أبي طالب: إ ن أبا بكر كان أوّاهاً منيباً، وإن عمر نصح الله فنصحه. وقال عليّ: إن عمر كان رشيد الأمر.
قال سالم بن أبي الجعد: جاء أهل نجران بكتابهم إلى عليّ في أديم أحمر، فقالوا: ننشدك بكتابك بيمينك، وشفاعتك بلسانك، إلا ما رددتنا إلى أرضنا. فقال: إن عمر كان رشيد الأمر.
قال سالم: فلو كان طاعناً على عمر لكان ذلك اليوم.
وعن عليّ، قال: لا أجد رجلاً يفضّلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حدّ المفتري.
عن علقمة بن قيس، قال وضرب بيده على منبر الكوفة فقال: خطبنا عليّ على هذا المنبر، فذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم قال: ألا إنه بلغني أن ناساً يفضّلونني على أبي بكر وعمر، ولو كنت تقدّمت في ذلك لعاقبت، ولكن أكره العقوبة قبل التّقدّم، من أتيت به بعد مقامي هذا قد قال شيئاً من ذلك فهو مفتر، عليه ماعلى المفتري، ثم قال: إنّ خير النّاس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر ثم عمر: أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ماعسى أن يكون حبيبك يوماً ما.
قال سعيد بن زيد لابن مسعود: يا أبا عبد الرحمن، توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأين هو؟ قال: في الجنّة. قال: توفي أبو بكر فأين هو؟ قال ذاك الأوّاه عند كل خير يبتغى. قال: توفي عمرفأين هو؟ قال: إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر.
عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا ذكرالصّالحون فحيّ هلا بعمر؛ وايم الله، إني لأّحسب أن بين عينيه ملكاً يسدّده.
وعن زيد بن وهب، قال: كنت في حلقة في المسجد، فيها أناس من القرّاء، فاختلف رجلان في قراءة آية، فبينما هما كذلك إذ دخل عبد الله بن مسعود من أبواب كندة، فقاما إليه يسألانه عنها، وقمت معهما أنظر ما يرجع إليهما. قال: فاحتبسناه في صحن المسجد، وهو قائم، فقالا: آية اختلفنا في قراءتها، فأحببنا أن نعلم موضعها. فقال لأحدهما: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال: أقرأنيها معقل بن مقرن المزني. ثم قال للآخر: اقره؛ فلمّا قرأ قال: من أقرأكها؟ قال:
أقرأنيها عمر بن الخطّاب. فلما ذكر عمر، بكى حتى نشج، وحتى رأيت في الحصى من دموعه أثراً، ثم قال: إن عمر كان أعلمنا بالله، وأفقهنا في دين الله، وأقرأنا لكتاب الله، فاقرأها كما أقرأكها عمر، فوالله لهي أبين من طريق السّيلحين، وبالله ما من أهل بيت لم يدخل حزن عمر يوم أصيب إلاّ أهل بيت سوء، كان عمر حصناً حصيناً يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه.
وزاد في رواية: إن عمر كان حائطاً كثيفاً يدخله المسلمون ولا يخرجون منه، فمات عمر، فانثلم الحائط فهم يخرجون ولا يدخلون، ولو أن كلباً أحبّ عمر لأحببته، وما أحببت حبّي لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجّراح بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبّي لهؤلاء الثلاثة. وقال: لقد أحببت عمر حتى لقد خفت الله، ولو أني أعلم أن كلباً يحبّ عمر لأحببته، ولوددت أني كنت خادماً لعمر حتى أموت، ولقد وجد فقده كلّ شيء حتى العضاه، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإن سلطانه كان رحمةً.
عن عمّار بن ياسر، قال: من فضّل على أبي بكر وعمر أحداً من أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وطعن على أصحاب النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقال عليّ: لا يفضّلني أحد على أبي بكر وعمر إلاّ وقد أنكر حقّي وحقّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، في حديث عمرو بن العاص، أنه قال: إن ابن حنتمة بعجت له الدّنيا معاها، وألقت إليه أفلاذ كبدها، ونقّت له مخّتها، وأطعمته شحمتها، وأمطرت له جوداً سال منه شعابها، ودفعت في محافلها، فمصّ منها
مصّاً، وقمص منها قمصاً، وجانب غمرتها، ومشى ضحضاحها، وما ابتلّت قدماه؛ ألا كذاك أيّها النّاس؟ قالوا: نعم، رحمه الله.
ابن حنتمة: عمر بن الخطّاب، وأمّه حنتمة بنت هشام بن المغيرة، ابنة عّم أبي جهل بن هشام. وقوله: بعجت له الدّنيا معاها: مثل ضربه، أراد أنه كشفت له ما كان مخبوءاً عن غيره؛ والبعج: الشق والفتح. وألقت إليه أفلاذ كبدها: يعني كنوزها، وهم يكنّون عن المال بأفلاذ الكبد، وهي قطعها، ولذلك يقول عابرو الرؤّيا في الكبد إنه مال مدفون.
والشّعاب: الأودية. والمحافل: المواضع التي تحتفل فيها الماء، أي تجتمع وتكثر. وقوله: فمصّ منها مصّاً: أي نال اليسير. وقمص قمصاً: أي نفر؛ يقال: دابّة بها قماص، بكسر القاف. وجانب غمرتها: أي كثرتها. ومشى ضحضاحها؛ وهو مارقّ من الماء على وجه الأرض، ومنه: " إن أبا طالب في ضحضاح من نار ". وما ابتلّت قدماه: يقول: لم يتعلّق منها بشيء.
عن ابن عبّاس، قال: أكثروا ذكر عمر، فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل، وإذا ذكر العدل ذكر الله.
وعن عائشة، قالت: زيّنوا مجالسكم بالصّلاة على النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذكر عمر بن الخطّاب.
قال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة: صف لي عمر بن الخطّاب. فقال: كان عالماً برعيّته، عادلاً في نفسه، قليل الكبر،
قبولاً للعذر، سهل الحجاب، مفتوح الباب، يتحرّى الصّواب، بعيد من الإساءة، رفيق بالضعيف، غير صخّاب، كثير الصّمت، بعيد من العيب.
عن عبد العزيز بن حفص الوالبيّ، قال: قلت للحسن: حبّ أبي بكر وعمر سنّة؟ قال: لا، فريضة.
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رجلاً جاءه، فقال: انعت لي أبا بكر وعمر. فقال ربيعة: ما أدري كيف أنعمتها لك، أمّا هما فقد سبقا من كان معهما، وأتعبا من كان بعدهما.
قال المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: فضل النّاس عمر في أربع؛ في الأسرى إذ قال لرسول الله عليه وسلم: اضرب أعناقهم. فنزل " ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ". وقوله للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اضرب على أزواجك حجاباً. فقالت زينب: يا ابن الخطّاب، تغار علينا والوحي ينزل علينا في بيوتنا؟ فأنزل الله تعالى: " وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ".
وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم أيدّ الإسلام بعمر بن الخطّاب ". وكان أول من بايع أبا بكر.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: جاء بلال يريد أن يستأذن على عمر، فقلت: إنه نائم. فقال: يا أسلم، كيف تجدون عمر؟ فقلت: خير النّاس، إلاّ أنه إذا غضب فهو أمر عظيم. فقال بلال: لو كنت عنده إذا غضب، قرأت عليه القرآن حتى يذهب غضبه.
عن ابن أبي
حازم، عن أبيه، قال: سئل علي بن الحسن عن أبي بكر وعمر، ومنزلتهما من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: كمنزلتهما اليوم، هما ضجيعاه.
وعن مالك، قال: قال لي أمير المؤمنين هارون: يا مالك، كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، قربهما منه في حياته كقرب مضجعهما بعد وفاته. قال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك.
عن عبد الله بن مصعب، قال: قال لي أمير المؤمنين: يا أبا بكر، ما تقول في الذين يشتمون أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقلت: زنادقة، يا أمير المؤمنين. قال: ما علمت أحداً قال هذا غيرك، فكيف ذلك؟ قال: قلت: إنّما هم قوم أرادوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يجدوا أحداً من الأمّة يتابعهم على ذلك فيه، فشتموا أصحابه؛ يا أمير المؤمنين ما أقبح با لرّجل أن يصحب صحابة السّوء! فكأنّهم قالوا: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحب صحابة السّوء! فقال لي: ما أرى الأمر إلاّ كما قلت. كان مالك بن أنس، يقول: كان صالحو السّلف يعلّمون أولادهم حبّ أبي بكر وعمر، كما يعلّمون السّورة من القرآن.
عن عقبة، قال: ما أدركت أحداً ممّن كنّ نأخذ منه كان يفضّل على أبي بكر وعمر أحداً بعد النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن سفيان الثّوري، قال: من فضّل علياً على أبي بكر وعمر فقد أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن محمد بن عبيد الطنافسي، عن أبيه، قال: أدركت النّاس وما يتكلّمون في أبي بكر ولا عمر، وما كان الكلام إلاّ في عليّ وعثمان.
وعن مالك بن مغول، قال: إني لأرجو على حبّ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ما أرجو بالتّوحيد.
وقال بعض علماء الشّام: إنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة، وإن عمر تمنّى أن يكون شعرةً في صدر أبي بكر.
عن محمد بن عاصم الأصبهاني، قال: سمعت أبا أسامة يقول: تدرون من أبو بكر وعمر؟ أبو الإسلام وأمّه. فذكرت ذلك لأبي أيّوب سليمان الشاذوكيّ، فقال: صدق، هما ربيّا الإسلام.
وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قلت لأبي: يا أبه، لو رأيت رجلاً يسبّ عمر، ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضرب عنقه.
وعن جعفر بن محمد الصّادق، قال: أنا بريء ممّن ذكر أبا بكر وعمر إلاّ بخير.
عن جابر بن عبد الله، قال: قيل لعائشة: إن ناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم ليتناولون أبا بكر وعمر! فقال: أتعجبون من هذا؟ إنّما قطع عنهم العمل، فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر.
وعن الأجلح، قال: سمعنا أنه ما شتم أبا بكر وعمر أحد إلاّ مات قتلاً أو فقراً.
عن خلف بن تميم، قال: سمعت بشيراً، ويكنى أبا الخصيب، قال: كنت رجلاً تاجراً، وكنت موسراً،
وكنت أسكن مدائن كسرى، وذلك في زمن ابن هبيرة. قال: فأتاني أجيري يذكر أن في بعض الخانات رجلاً قد مات، وليس يوجد له كفن، فأقبلت حتى دخلت ذلك الخان، فدفعت إلى رجل مسجىً، وعلى بطنه لبنة، ومعه نفر من أصحابه، فذكروا من عبادته وفضله. فبعثت ليشترى الكفن وغيره، وبعثت إلى حافر يحفر له، وهيّأنا له لبناً، وجلسنا نسخّن لنغسله؛ فبينا نحن إذ وثب المّيت وثبةً، فبدرت اللّبنة عن بطنه، وهو يدعو بالويل والثّبور والنّار. قال: فتصدّع أصحابه عنه. قال: فدنوت حتى أخذت بعضده وهززته، ثم قلت: ما رأيت وما حالك؟ قال: صحبت مشيخةً من أهل الكوفة، فأدخلوني في دينهم أوفي رأيهم، الشّك من أبي الخصيب في سبّ أبي بكر وعمر، والبراءة منهما. قال: قلت: استغفر الله ثم لا تعد. قال: فأجابني: وما ينفعني وقد انطلق بي إلى مدخلي من النّار فأريته، وقيل لي: إنك سترجع إلى أصحابك فتحدّثهم بما رأيت، ثم تعود إلى حالك!. فما انقضت كلمته حتى مال ميتاً على حاله الأول. قال: فانتظرت حتى أتي بالكفن، فأخذته، وقمت، فقلت: لا كفّنته ولا غسّلته ولا صلّيت عليه، ثم انصرفت. فأخبرت بعد أن القوم الذين كانوا معه كانوا على رأيه، وتولّوا غسله ودفنه والصّلاة عليه. وقالوا: ما الذي أنكرتم من صاحبنا، إنّما كانت خطفة من الشّيطان تكلّم به على لسانه. قال خلف: قلت: يا أبا الخصيب، هذا الحديث الذي حدّثتني به تشهد به؟ قال: بصر عيني، وسمع أذني، وأنا أؤدّيه إلى النّاس. قال مالك بن أنس: من سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس له في الفيء حقّ، يقول الله عزّ وجلّ: " للفقراء المهاجرين الّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " الآية. هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الذين هاجروا معه، ثم قال: "
والذّين تبوّؤا الدّار والإيمان ". هؤلاء الأنصار، ثم قال: " والذّين جاؤوا من بعدهم " قال مالك: فاستثنى الله عزّ وجلّ، فقال: " يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالأيمان ". الفيء لهؤلاء الثلاثة، فمن سبّ أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس من هؤلاء الثلاثة، ولا حقّ له في الفيء.
عن خليفة، قال: سنة ثلاث عشرة: فيها بويع عمر بن الخطاب. واسم أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وفيها: بعث عمر أبا عبيد بن مسعود الثقفي إلى العراق، فلقي جابان بين الحيرة والقادسية، ففضّ جمعه، وأسره وقتل ومردانشاه، ففدى جابان نفسه بغلامين وهو لا يعرف. قال: ثم سار إلى كسكر، فلقي نرسي، فهزمهم الله، ثم أغار على مسلحة بالس فانهزموا.
قال خليفة: سنة أربع عشرة: فيها فتحت دمشق.
قال ابن إسحق، وغيره: وفيها مصّرت البصرة.
قال خليفة: وفيها فتح الأبلّة. سنة خمس عشرة: قال: وحدّ ثني عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، قال: افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلّها عنوةً، ما خلا طبريّة، فإن أهلها صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيدة. وقال: وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع، وصالحه أهل بعلبك، وكتب لهم كتاباً.
وقال ابن الكلبي: ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص، فسألوه الصّلح على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم وعلى أرض حمص، على مئة ألف دينار وسبعين ألف دينار.
قال خليفة: وفيها وقعة اليرموك، وفي هذه السّنة بالعراق فتح نهر تيرى، ود ست ميسان، وقراها. وفيها: وقعة القادسية. وعلى المسلمين سعد بن مالك؛ وذكر أن فيها افتتحت المدائن. سنة ستّ عشرة: قال خليفة: وفي هذه السّنة افتتحت الأهواز، ثم كفروا. قال: وعن عبد الله بن المغيرة، عن أبيه، أن أبا عبيدة بعث عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنّسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية، وافتتح سائر أرض قنّسرين عنوة.
وعن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: خرج أهل إ يلياء إلى عمر فصالحوه على الجزية، وفتحوها.
وقال عامر بن حفص: قدم أبو موسى البصرة سنة سبع عشرة، فكتب إليه عمر، أن سر إلى كور الأهواز. فسار أبو موسى فأتى الأهواز فافتتحها يقال: عنوة، ويقال: صلحاً فوظف عليها عمر عشرة آلاف ألف وأربعمئة ألف.
قال خليفة: وفيها يعني سنة سبع عشرة وقعة جلولاء؛ وفي هذه السّنة كوّفت الكوفة.
وقال ابن إسحاق: وفي سنة ثمان عشرة فتحت الرّها.
قال خليفة: إن أبا موسى الأشعريّ افتتح الرّها وسميساط، وما والاهما عنوة. وكان أبو عبيدة بن الجرّاح وجّه عياض بن غنم الفهريّ إلى الجزيرة فوافق أبا موسى بعد فتح هذه المدن، فمضى ومعه أبو موسى فافتتحا حرّان ونصيبين وطوائف الجزيرة عنوة.
ويقال: وجّه أبو عبيدة خالد بن الوليد إلى الجزيرة فوافق أبا موسى قد افتتح الرّها وسميساط، فوجّه خالد أبا موسى وعياضاً إلى حرّان فصالحا أهلها، ومضى خالد إلى نصيبين، فافتتحها، ثم رجع إلى آمد، فافتتحها صلحا، وما بينها عنوة. وقال: إن عمر وجّه عياضاً فافتتح الموصل، وذلك سنة ثمان عشرة. وفيها فتحت حلوان والماهات. وفيها فتح جند يسابور والسّوس صلحاً، صالحهم أبو موسى ثم رجع إلى الأهواز.
قال خليفة: سنة تسع عشرة: فيها فتحت قيساريّة، أميرها معاوية بن أبي سفيان وسعيد بن عامر بن جذيم.
قال ابن إسحاق: سنة عشرين: فيها فتحت تكريت.
وقال خليفة: سنة عشرين: فيها أمر مصر، وفيها: وقعة تستر.
قال خليفة: سنة إحدى وعشرين: فيها وقعة نهاوند. وفيها: وقعة إصطخر. وفيها: فتحت الإسكندرية، فتحها عمرو بن العاص.
قال خليفة: سنة اثنين وعشرين: قال أبو عبيدة: مضى حذ يفة بن اليمان بعد نهاوند إلى مدينة نهاوند، فصالحه دينار على ثمانمئة ألف درهم في كل سنة. وغزا حذيفة مدينة الدّينور، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت، ثم غزا حذيفة ماه سبذان، فافتتحها عنوةً، وقد كانت فتحت لسد فانتقضت. وفيها فتحت أذربيجان. وفيها: افتتح عمرو بن العاص أطرابلس.
قال خليفة: سنة ثلاث وعشرين: فيها غزوة إصطخر الأولى. وفيها: قتل عمر بن الخطاب.
عن سعيد بن المسيّب: أن عمر بن الخطّاب لّما نفر من أناخ بالأبطح، ثم كوّم كومةً من بطحاء، فألقى عليها طرف ردائه، ثم استلقى، ورفع يديه إلى السّماء، ثم قال: اللهم، كبرت
سنّي، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. فما انسلخ ذو الحجّة حتى طعن، فمات.
عن جبير بن مطعم، قال: حججت مع عمر آخر حجّة حجّها، فبينما نحن واقفون معه على جبل عرفة، صرخ رجل فقال: يا خليفة؛ فقال رجل من لهب وهم حيّ من أزد شنؤة يعتافون مالك، قطع الله لهجتك وقال عقيل: لهاتك والله لا يقف عمر على هذا الجبل بعد هذا العام أبداً.
قال جبير: فوقعت بالرّجل اللهبيّ، فشتمته؛ حتى إذا كان الغد، وقف عمر وهو يرمي الجمار، فجاءت حصاة عائرة من الحصا الذي يرمي به النّاس، فوقعت في رأسه، ففصدت عرقاً من رأسه؛ فقال رجل: أشعر، وربّ الكعبة، لا يقف عمر على هذا الموقف أبداً بعد هذا العام.
قال جبير: فذهبت ألتفت إلى الرّجل الذي قال ذلك، فإذا هو اللهبيّ الذي قال لعمر على جبل عرفة ما قال.
وزاد في أخرى: قال: فوالله ما حجّ عمر بعدها.
عن عائشة زوج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن عمر بن الخطّاب أذن لأزواج النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحججن في آخر حجّة حجّها عمر بن الخطّاب. قالت: فلمّا ارتحل عمر من الحصبة آخر اللّيل، أقبل رجل يسير، فقال وأنا أسمع: أين كان مناخ أمير المؤمنين؟ قالت: فقال له قائل وأنا أسمع: هذا كان منزله؛ فأناخ في منزل عمر، ثم رفع عقيرته يتغنّى، فقال: من الطويل
عليك سلام من أمير وباركت ... يدالله في ذاك الأديم الممزّق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق
فلمّا سمعت ذلك، قلت لبعض أهلي: اعلموا لي من هذا الرّجل. فانطلقوا إليه فلم يجدوه في مناخه، فقالت عائشة: والله إنّي لأحسبه من الجنّ؛ حتى إذا قتل عمر نحل النّاس هذه الأبيات شمّاخ بن ضرار الغطفانّي، ثم الثّعلبيّ، أو عمّ شمّاخ.
وفي رواية: فأقبل رجل إلى عمر منتقب، فسلّم عليه، ثم قال: من الطويل
جزى الله خيراً من إمام وباركت ... يد اله في ذاك الأديم الممزّق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائج في أكمامها لم تفتّق
وكنت تشوب الدّين بالحلم والتّقى ... وحكم صليب الرّأي غير مزوّق
فمن يسع أويركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
وزير النبيّ حياته ووليّه ... كساه الإله جبّةً لم تخرّق
من الفضل والإسلام والدّين والتّقى ... فبابك عن كلّ الفواحش مغلق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض واهتزّ العضاه بأسؤق
فما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بكفّي سبنتى أزرق العين مطرق
تظّل الحصان البكر تبدي عويلها ... تنادي فويق الأيطل المتأرّق
عن أنس بن مالك: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحد وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت أحد، فإنما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان "
عن أبي صالح، قال: قال كعب لعمر بن الخطّاب: أجدك في التّوراة كذا، وأجدك كذا، وأجدك تقتل شهيداً! فقال عمر بن الخطّاب: وأنّى لي بالشهادة، وأنا في جزيرة العرب؟.
عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطّاب: حدّثني ياكعب عن جنّات عدن، فقال: نعم ياأمير المؤمنين، قصور في الجنّة لا يسكنها إلاّ نبيّ أو صدّيق أو شهيد أو حكم عدل. فقال عمر: أمّا النّبوّة فقد مضت لأهلها، وأمّا الصدّيقون فقد صدقت الله ورسوله، فأمّا حكم عدل فإنّي أرجو أن لا احكم بشيء إلاّ لم آل فيه عدلاً، وأمّا الشّهادة فأنّى لعمر الشّهادة.
وعنه، قال: قال عمر بن الخطّاب رحمة الله عليه: لولا ثلاث لتمنّيت الموت؛ الجهاد في سبيل الله وأنا أرجوه، والسّجود لله عزّوجلّ، وأن أجالس أقواماً يلتقطون جيّد الكلام كما يلتقط القوم جيّد التّمر إذا وضع بين أيديهم.
عن قيس بن أبي حازم، قال: خطب عمر بن الخطّاب النّاس ذات يوم على منبر المدينة، فقال في خطبته: إن في جنّات عدن قصراّ له خمسمئة باب، على كلّ باب خمسة آلاف من الحور العين، لا يدخله إلا نبيّ ثم نظر إلى قبر الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: هنيئاً لك يا صاحب القبر ثم قال: أو صدّيق ثم التفت إلى قبر أبي بكر، فقال: هنيئاّ لك يا أبا بكر ثم قال: أو شهيد ثم أقبل على نفسه، فقال: وأنّى لك الشّهادة يا عمر ثم قال: إنّ الذي أخرجني من مكّة إلى هجرة المدينة لقادر أن يسوق إليّ الشّهادة.
قال ابن مسعود: فساقها الله إليه على يد شرّ خلقه مجوسيّ، عبد، مملوك للمغيرة.
عن عوف بن مالك الأشجعيّ: أنه رأى رؤيا زمان أبي بكر باليمن، فلمّا قدم قصّها على أبي بكر، وعمر يسمع، فقال: ما هذا؟. فلمّا ولّى دعاه فسأله، فقال: أولم تكذب بها؟ قال: لا، ولكنّي
استحييت من أبي بكر. فقصّها عليه، فقال: رأيت كأنّ عمر أطول النّاس، وهو يمشي فوقهم، فقلت: أنّى هذه؟ فقيل: إنه لا يخاف في الله لومة لائم، وإنّه أمير المؤمنين، وإنه يقتل شهيداً. فقال: وكيف لي بالشّهادة، وبيني وبين الرّوم رجال أهل الشّام وأهل العراق؟. قال: يتيحها الله من حيث شاء.
عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، قال: ألّلهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك.
عن أنس بن مالك، عن أبي موسى الأشعريّ، قال: رأيت كأنّي أخذت جوادّ كثيرة، فاضمحلّت حتّى بقيت جادّة واحدة فسلكتها، حتى انتهيت إلى جبل، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فوقه، إلى جنبه أبو بكر، وإذا هو يومي إلى عمر: أن تعال؛ فقلت: " إنّا لله وإليه راجعون " مات والله أمير المؤمنين. فقلت: ألا تكتب بهذا إلى عمر؟ فقال: ما كنت لأنعى له نفسه.
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري: أن عمر بن الخطّاب خطب يوم الجمعة، وذكر نبيّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر أبا بكر، ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرةً أو نقرتين، وإنّي لا أراه إلاّ لحضور أجلي؛ وإنّ أقواماً يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته، ولا الذي بعث نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة الذين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض، وقد علمت أن أقواماً سيطعنون في هذا الأمر بعدي أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلاّل، وإنّي لا أدع شيئاّ بعدي هو أهمّ إليّ من الكلالة، وما راجعت رسول الله عليه وسلم في شيء ما راجعت في الكلالة، وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة، حتى
طعن بإصبعه في صدري، فقال: " أما يكفيك آية الصّيف الّتي في سورة النساء، وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه ". ثم قال: اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار، فإنّما بعثتم ليعلّموا النّاس د ينهم، وسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعدلوا عليهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم. ثم إنكم أيها النّاس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلاّ خبيثتين، هما البصل والثّوم، وقد كنت أرى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا وجد ريحهما من الرّجل في المسجد أمر فأخذ بيده، فأخرج به البقيع، فمن كان أكلهما لا بدّ فليمتهما طبخاً.
عن عامر بن أبي محمد، قال: قال عيينة بن حصن الفراريّ لعمر بن الخطّاب: يا أمير المؤمنين، احترس وأخرج العجم من المدينة، فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم في هذا الموضع ووضع يده في الموضع الذي طعنه أبو لؤلؤة فلّما طعن عمر، قال: ما فعل عيينة؟ قالوا بالهجم أو بالحاجر. فقال: إن هناك لرأياً.
عن المسور بن مخرمة، قال: قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام!. فقال عمر: الله! إنك لتجد عمري في التّوراة؟ قال: لا، ولكن أجد صفتك وحليتك.
قال: وعمر لا يحسّ أجلاً ولا وجعاً؛ فلّما مضى ثلاثة طعنه أبو لؤلؤة، فجعل يدخل عليه المهاجرون والأنصار فيسلّمون عليه؛ قال: ودخل في النّاس كعب، فلّما نظر إليه عمر، قال: من الطويل
فأوعدني كعب ثلاثاً يعدّها ... ولا شكّ أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت، إني لميت ... ولكن حذار الذّ نب يتبعه الذّنب
عن عمر بن ميمون، أن أبا لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة طعن عمر بخنجر له رأسان، وطعن معه اثني عشر رجلاً، فمات منهم ستّة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً، فلّما اغتّم فيه طعن نفسه فقتلهما.
عن أبي رافع، قال: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الرّحى. قال: فكان المغيرة يستغله كلّ يوم أربعة دراهم. قال: فلقي أبو لؤلؤة عمر، فقال: يا أمير المؤمنين، أن المغيرة قد أثقل عليّ، فكلّمه أن يخفّف عنّي. قال: فقال عمر: اتّق الله وأحسن إلى مولاك. قال: ومن نيّة عمر أن يلقى المغيرة فيكلّمه في التّخفيف عنه. قال: فغضب أبو لؤلؤة، وقال: يسع النّاس عدله كلّهم غيري؛ فغضب، وأضمر على قتله. قال: فصنع خنجراً له رأسان. قال: فشحذه. قال: وتحيّن عمر. وكان عمر لا يكبّر إذا أقيمت الصّلاة حتى يتكلّم: أقيمو صفوفكم. قال: فجاء فقام في الصّفّ بحذاه مقابل عمر في صلاة الغداة. قال: فلّما أقيمت الصّلاة تكلّم قال: أقيموا صفوفكم. قال: ثم كبّرفلّما كبّر وجأةً وجأةً. قال: ثم كبّر، فوجأةً وجأة على كتفه، ووجأةً مكاناً آخر، ووجأه في خاصرته. فسقط عمر، ووجأ ثلاثة عشر رجلاً معه، فأفلت منهم سبعة ومات منهم ستة، واحتمل عمر، فذهب به إلى أهله، وصاح النّاس حتى كادت الشمس أن تطلع، فنادى عبد الرحمن بن عوف: أيّها النّاس الصّلاة؛ ففزع النّاس إلى الصّلاة، فتقدم عبد الرحمن فصلّى بهم، وقرأ بأقصر سورتين من القرآن؛ فلّما انصرف توجه النّاس إلى عمر، فدعا بشراب لينظر ما مدى جرحه. قال: فأتي بنبيذ، فشربه، فخرج من جرحه؛ فلم يدر نبيذ هو أم دم. قال: فدعا بلبن، فأتي به، فخرج من جرحه؛ فقالوا: لا بأس عليك يا أمير المؤمنين. قال: إن يكن القتل بأساً فقد قتلت. قال: فتكّلم صهيب فرفع صوته: وأخاه، ثلاثاً؛ فقال: مه يا صهيب، يا أخي، أوما بلغك، أوما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن المعوّل عليه يعذّب في قبره "؟ فأقبل النّاس يثنون عليه: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين، كنت وكنت؛ فيجيء قوم
فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم فيثنون وينصرفون، ويجيء قوم آخرون. فقال عمر: أما والله على ما تقولون لوددت أني خرجت منها كفافاً لا لي ولا علّي، وأن صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمت لي. فتكلّم ابن عبّاس وكان ابن عبّاس خلط بعمر فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا تخرج منها كفافاً، لقد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصحبته بخير ما صحبه صاحب، كنت له، وكنت، حتى قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، وكان أبو بكر بعده فكنت تنفذ أمره، فكنت له وكنت، حتى قبض وهو عنك راض، ثم وليتها أنت فوليتها بخير ما وليها، وإن كنت وكنت. قال: فكأن عمر استراح إلى كلام ابن عبّاس، وقال: يا ابن عبّاس، عد في حد يثك. قال: فعاد فيه ابن عبّاس. قال: فقال عمر: أما والله على ما تقول لو أن طلاع الأرض ذهباً لافتد يت به من هول المطلع. فجعلها شورى في ستّة؛ عليّ، وعثمان بن عفّان، والزّبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقّاص؛ وجعل عبد الله بن عمر معهم وليس منهم. قال: وأمر صهيباً أن يصلّي بالنّاس، وأجّلهم ثلاثاً.
عن عمر بن ميمون: أنه رأى عمر بن الخطّاب قبل أن يصاب بأيّام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، فقال: نخاف أن تكونا حمّلتما الأرض مالا تطيق. قالا: حمّلناهما أمراً هي له مطيقة، وما فيها كثير فضل. فقال: انظر أن يكونا حملّتما الأرض مالا تطيق. قالا: لا. فقال: لئن سلّمني الله لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن بعدي إلى أحد. قال: فما أتت عليه إلا أربعة حتّى أصيب.
قال عمرو بن ميمون: وإني لقائم ما بيني وبينه إلاّ عبد الله بن عبّاس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصّفّين قام بينهما، فإذا رأى خللاً قال: استووا. حتى إذا لم يرى فيهم خللاً تقدّم فكبّر. قال: وربما قرأ بسورة يوسف أو بالنّحل في الرّكعة الأولى حتى يجتمع النّاس. قال: فما هو إلاّ أن كبّر، فسمعته يقول: قتلني الكلب، أو: أكلني الكلب؛ حين طعنه. قال: وطار العلج بسكّين ذي طرفين لا يمرّ على أحد يميناً وشمالاً إلاّ طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، فمات منهم تسعة؛ فلّما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برساً، فلّما ظنّ العلج أنه مأخوذ نحر نفسه؛ وأخذ عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدّمه. فأمّا من يلي عمر رأى الذين رأيت، وأمّا نواحي المسجد فإنّهم لا يدرون ما الأمر، غير أنهم فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله: سبحان الله؛ فصلّى عبد الرّحمن بالنّاس صلاة خفيفة. فلّما انصرفوا قال: يا ابن عبّاس، انظر من قتلني. قال: فجال ساعة، ثم قال: غلام المغيرة بن شعبة. فقال: الصّنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد كنت أمرت له بمعروف؛ ثم قال: الحمد الله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدّعي الإسلام، كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العبّاس أكثرهم رقيقاً فقال ابن العبّاس: أن شئت " فعلنا " قال: بعد ما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا إلى قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟؟؟؟! قال: فاحتمل إلى بيته. قال: فكأن النّاس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ. قال: فقائل يقول: نخاف عليه. وقائل يقول: لابأس. قال: فأتي بنبيذ فشرب منه فخرج من جرحه، ثم أتي بلبن، فشرب منه، فخرج من جرحه. قال: فعرفوا أنه ميّت. قال: فولجنا عليه، وجاء الناّس يثنون عليه. قال: وجاء رجل شاب فقال: أبشر ياأمير المؤمنين ببشرى الله، قد كان لك من صحبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم شهادة. فقال: يا ابن أخي، وددت أن ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي.
فلمّا أدبرالرّجل إذا إزاره يمسّ الأرض، فقال: ردّوا الغلام، يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك؛ يا عبد الله انظر ما عليّ من الديّن. فحسبوه فوجدوه ستّةً وثمانين ألفاً، أو نحو ذلك. فقال: إن وفى مال آل عمران فأدّه من أموالهم، وإلاّ فاسأل في بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فاسأل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم؛ اذهب إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يقرأ عليك عمر بن الخطّاب السّلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإنّي اليوم لست للمؤمنين بأمير، فقل: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه.
قال فسلّم ثم استأذن، فوجدوها تبكي؛ فقال لها: يستأذن عمر بن الخطّاب أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: قد كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي. قال: فجاء؛ فلمّا أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. فقال: ارفعاني؛ فأسنده إليه رجل، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، قد أذنت لك. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهّم إليّ من ذلك المضجع، فإذا أنا قبضت، فسلّم، وقل: يستأذن عمر بن الخطّاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنّساء يسترنها فلمّا رأيناها قمنا، فمكثت عنده ساعةً، ثم استأذن الرّجال، فولجت داخلاً، ثم سمعنا بكاءها من الدّاخل، فقيل له: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: ما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النّفر الذي توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راضً، سمّى علياً، وطلحة، وعثمان، والزّبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعداً. قال: وشهد عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التّعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به، أو لكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا من خيانة. ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله. وأوصيه بالمهاجرين الأوّلين أن يعلم لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً، " الذين تبوّؤا الدّار والإيمان "
أن يقبل من محسنهم ويعفوا عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً بأنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدوّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضىً منهم، وأوصيه بالأعراب خيراً فإنّهم أصل العرب ومادّة الإسلام، أن يؤخذ منهم من حواشي أموالهم فيردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذ مّة رسوله أن يفي لهم بعدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلاّ طاقتهم.
قال: فلمّا توفي خرجنا به نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، فقال: يستأذن عمر. قالت: أدخلوه. فأدخل، فوضع هناك مع صاحبيه. فلمّا فرغ من دفنه، ورجعوا، اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. فقال الزّبير: قد جعلت أمري إلى عليّ وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن؛ وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. قال: فخلا هؤلاء النّفر الثلاثة عليّ وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، فقال: عبد الرحمن للآخرين: أيّكما يبرأ من هذا الأمر ويجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه وليحرصنّ على صلاح الأمّة؟ قال: فأسكت الشّيخان عليّ وعثمان؛ فقال عبد الرحمن: اجعلوه إليّ، والله عليّ لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم. فخلا بعليّ فقال: لك من القدم في الإسلام والقرابة ما قد علمت، والله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ ولئن أمّرت عليك لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ فقال: نعم. قال: ثم خلا بالآخر، فقال له مثل ذلك؛ فلمّا أخذ الميثاق قال لعثمان: ارفع يديك، فبايعه، ثم بايع له عليّ، ثم ولج أهل الدّار فبايعوه.
عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت عمر يوم طعن، وعليه ثوب أصفر، فخرّ وهو يقول: " وكان أمر الله قدراً مقدوراً ".
عن المسور بن مخرمة، عن عمر ليلة طعن: أنه دخل معه هو وابن عبّاس، فلمّا أصبح بالصّلاة من الغد، أفزعوه، فقالوا: الصّلاة. ففزع، قال: نعم، ولاحظّ في الإسلام لمن ترك الصّلاة، فصلّى والجرح يثعب دماً.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان لأهل بدر مجلس من عمر لا يجلسه غيرهم. قال: وكان عليّ بن أبي طالب أوّلهم دخولاً آخرهم خروجاً، فلمّا طعن عمر، قال: عن ملأ منكم كان هذا؟ قال عليّ: ما كان عن ملأ منّا، ولوددنا أنه زيد من أعمارنا في عمرك.
قال الزّبير بن بكار: وعمر بن الخطّاب مصّر الأمصار، ودوّن العطاء، ومناقبه كثيرة، وهو أوّل من أرّخ.
عن كعب، قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبيّ يوحى إليه، فأوحى الله إلى النبيّ أن يقول له: اعهد عهدك، واكتب وصيّتك، فإنك ميت إلى ثلاثة أيّام؛ فأخبره النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فلمّا كان اليوم الثالث وقع بين الجدر وبين السّرير، ثم جأر إلى ربّه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم، وإذا اختلفت الأمور اتّبعت هواك، وكنت، فزدني في عمري حتى يكبر طفلي، وتربوا أمّتي؛ فأوحى الله إلى النّبيّ: إنه قد قال كذا وكذا، وقد صدق، وقد زدته في عمره خمس عشرة سنةً، ففي ذلك ما يكبر طفله، وتربوا أمّته. فلمّا طعن عمر قال كعب: لئن سأل ربّه ليبقينّه الله. فأخبر بذلك عمر، فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم.
عن ابن عبّاس، قال: دخلت على عمر حين طعن، فقلت: أبشر يا أمير المؤمنين، والله لقد مصّر الله بك الأمصار، وأوسع بك الرّزق، وأظهر بك الحقّ. فقال عمر: قبلها أو بعدها؟ فقلت: بعدها وقبلها. قال: فوالله وددت أنّي أنجو منها كفافاً لا أوجر ولا أوزر.
وعنه، قال: لمّا طعن عمر، قال: الآن لو أن لي الدّنيا وما فيها لافتديت بها من هول المطلع. فقلت له: لم؟ قد صحبت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمات وهو عنك راض، ووليت المسلمين فعدلت فيهم. فقال: اعد عليّ الكلمات.
وعنه، قال: كنت مع عليّ فسمعنا الصّيحة على عمر. قال: فقام وقمت معه حتى دخلنا عليه البيت الذي هو فيه، فقال: ما هذا الصّوت؟ فقالت له امرأة: سقاه الطّبيب نبيذاً فخرج، وسقاه لبناً فخرج. فقال: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلاً فافعل، فقالت أمّ كلثوم: واعمراه. وكان معها نسوة فبكين معها، وارتجّ البيت بكاءً؛ فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع. فقال ابن عبّاس: والله إني لأرجو أن لا تراها إلاّ مقدار ما قال الله: " وإن منكم إلاّ واردها " إن كنت ما علمنا لأمير المؤمنين؛ وأمين المؤمنين، وسيّد المؤمنين، تقضي بكتاب الله، وتقسم بالسّويّة. فأعجبه قولي، فاستوى جالساً، فقال: أتشهد لي بهذا يا ابن عبّاس؟ قال: فكففت، فضرب على كتفي، فقال: أتشهد؟ قلت: نعم، أنا أشهد.
عن عليّ بن زيد، قال: لمّا طعن عمر دخل عليه عليّ يعوده، فقعد عند رأسه، وجاء ابن عبّاس فأثنى عليه، فقال له عمر: أنت لي بهذا يا ابن عبّاس؟ فأومى إليه عليّ؛ أن قل: نعم. فقال
ابن عبّاس: نعم. فقال عمر: لا تغرّني أنت ولا أصحابك؛ يا عبد الله بن عمر، خذ رأسي عن الوسادة فضعه في التراب لعلّ الله جلّ ذكره ينظر إليّ فيرحمني، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع. وصلّى على عمر صهيب.
عن أبي رافع: أن عمر بن الخطّاب كان مستنداً إلى ابن عبّاس، وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئاً، ولم أستخلف من بعدي أحداّ، وأنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حرّ من مال الله. فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لأتمنك النّاس، وقد فعل ذلك أبو بكر وأئّمة النّاس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيّئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الذين مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنهم راض؛ ثم قال عمر: لو أدركني أحد رجلين ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به سالم مولى أبي حذ يفة، وأبو عبيدة بن الجّراح.
عن الشّعبي، قال: دخل ابن عبّاس على عمر حين طعن، فقال: أبشر بالجنّة، أللهم، أسلمت حين كفر النّاس، وجاهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خذله النّاس، وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنك راض، ولم يختلف في خلافتك اثنان، وقتلت شهيداً. فرفع رأسه إليه، فقال: كيف قلت؟ أعد عليّ. فأعاد عليه؛ ثم قال: أما والله، إن المغرور لمن غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشّمس من صفراء أو بيضاء لافتديت به من هول المطلع.
عن ابن عمر، قال: دخلت على حفصة، فقالت: أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ قال: قلت: كلا. قالت: إنه فاعل؛ حلفت أن أكلّمه في ذلك، فخرجت في سفر أو قال: في غزاة فلم أكلّمه، فكنت في سفري كأنما أحمل بيميني جبلاً، حتى قدمت فدخلت عليه، فجعل يسائلني، فقلت له: إني سمعت النّاس يقولون مقالةً فآليت أقولها لك، زعموا أنك غير مستخلف، وقد علمت أنه لو كان لك راعي غنم فجاءك وقد ترك رعايته رأيت أن قد ضيّع، فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي، فأطرق ملياً، ثم رفع رأسه، فقال إنّ
الله يحفظ دينه، وأن لا أستخلف فإنّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف. قال: فما هو إلاّ أن ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر، فعلمت انه لا يعدل برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحداً، وأنه غير مستخلف. وعنه، قال: حضرت أبي حين أصيب. قال: فأثنوا عليه خيراً، فقال: راهب وراغب. قالوا: ألا تستخلف؟ قال: أتحمّل أمركم حيّاً وميتاً، لوددت أن حظي منها الكفاف لا عليّ ولا لي.
عن عامر بن عبد الله بن الزّبير، قال: نظر عمر إلى عليّ، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمر النّاس فلاتحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى عثمان، فقال: اتّق الله إن وليت شيئاً من أمور المسلمين، فلا تحملن بني أمية أو قال: بني أبي معيط على رقاب النّاس؛ ثم نظر إلى سعد والزّبير، فقال: وأنتما فاتّقيا الله إن وليتما شيئاً من أمور المسلمين.
عن عبد الله بن عمر، قال: دخل على عمر بن الخطّاب حين نزل به الموت عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير بن العوّام وسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنهم، وكان طلحة بن عبيد الله غائبا بأرضه بالشّراة، فنظر إليهم عمر ساعةً، ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر النّاس فلم أجد عند النّاس شقاقاً إلاّ أن يكون فيكم شيء، فإن شقاق فهو منكم، وإن الأمر إلى ستةّ، إلى عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف والزّبير وطلحة وسعد؛ ثم قال: إن قومكم إنمّا يؤمّرون أحدكم أيّها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عثمان فلا تحملنّ بني أبي معيط على رقاب النّاس، وإن كنت على شيء من أمر النّاس يا عبد الرحمن فلا تحملنّ أقاربك على رقاب النّاس، وإن
كنت على شيء يا عليّ فلا تحملنّ بني هاشم على رقاب النّاس، قوموا فتشاوروا وأمّروا أحدكم. فقاموا يتشاورون. قال عبد الله: فدعاني عثمان مرّة أو مّرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمّني عمر، ولا والله ما أحب أني كنت معهم علماً منه بأنه سيكون من أمرهم ما قال أبي، والله ما لقّل ما سمعته حرّك شفتيه بشيء قطّ إلاّ كان حقاً: فلّما أكثر عثمان دعاني، فقلت ألا تعقلون؟ تؤمّرون وأمير المؤمنين حيّ؟ فو الله لكأنّما أيقظت عمر من مرقد؛ فقال عمر: أمهلوا، فإن حد ث بي حدث فليصلّ للنّاس صهيب مولى بني جدعان ثلاث ليال، ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف النّاس وأمراء الأجناد فأمّروا أحدكم، فمن تأمّر عن غير مشورة فاضربوا عنقه.
عن ابن عبّاس، قال: خدمت عمر بن الخطّاب، وكنت له هائباً ومعظماً، فدخلت عليه ذات يوم في بيته وقد خلا بنفسه، فتنفّس تنفّساً ظننت أن نفسه خرجت، ثم رفع رأسه إلى السّماء فتنفّس الصّعداء. قال: فتحاملت وتشددّت، وقلت والله لأسألنّه، فقلت والله ما أخرج هذا منك إلاّ همّ يا أمير المؤمنين. قال: همّ والله، همّ شديد، هذا الأمر لو أجد له موضعاً يعني الخلافة. ثم قال: لعلك تقول: إن صاحبك لها يعني علياً. قال: قلت: يا أمير المؤمنين، أليس هو أهلها في هجرته، وأهلها في صحبته، وأهلها في قرابته؟ قال: هو كما ذكرت، ولكن رجل فيه دعابة. قال: فقلت: الزّبير؟ قال: وعقة لقس، يقاتل على الصّاع بالبقيع. قال: قلت: طلحة؟ قال: إن فيه لبأواً، وما أرى الله معطيه خيراً، وما برح ذلك فيه منذ أصيبت يده. قال: فقلت: سعد؟ قال: يحضر النّاس، ويقاتل، وليس بصاحب هذا الأمر.
قال: فقلت: وعبد الرحمن بن عوف؟ قال: نعم المرء ذكرت، ولكنه ضعيف. قال: وأخرت عثمان لكثرت صلاته، وكان أحب النّاس إلى قريش. قال: فقلت: فعثمان؟ قال: أوّه، أوّه، كلف بأقاربه؛ ثم قال: لو استعملته استعمل بني أمية أجمعين أكتعين، ويحمل بني معيط على رقاب النّاس، والله لو فعلت لفعل، والله لو فعل ذلك لسارت إليه العرب حتى تقتله، والله لو فعلت فعل، والله لو فعل لفعلوا، إن هذا الأمر لا يحمله إلاّ اللّين في غير ضعف، والقويّ في غير عنف، والجواد في غير سرف، والممسك في غير بخل. قال: وقال عمر: لا يطيق هذا الأمر إلاّ رجل لا يصانع ولا يضارع ولا يتّبعّ المطامع، ولا يطيق أمر الله إلاّ رجل لا يتكلّم بلسانه كلّه، لا ينتقص عزمه، ويحكم في الحقّ على حزبه.
عن عثمان بن عفان، قال: أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر، فقال له: ضع خدّي بالأرض، لا أمّ لك في الثانية أو في الثّالثة ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي وويل أمّي أن لم يغفر الله لي؛ حتى فاظت نفسه.
عن يحيى بن أبي راشد النّصريّ، قال: قال عمر بن الخطّاب لابنه: إذا حضرني الوفاة فاحرفني، واجعل ركبتيك في صلبي، وضع يدك اليمنى على جبيني، ويدك اليسرى على ذقني، فإذا أنا متّ فاغمضني، واقصدوا في كفني، فإنه إن كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه، وإن كنت على غير ذلك سلبني فأسرع سلبي، واقصدوا في حفرتي، فإنه إن كان لي عند الله خير أوسع لي فيها مدّ بصري، وإن كنت على غير ذلك ضيّقها عليّ حتى تختلف أضلاعي، ولا تخرج معي امرأة، ولا تزكّوني بما ليس فيّ فإن الله هو أعلم، فإذا خرجتم فأسرعوا بي المشي، فإنه إن كان لي عند الله خير قدّمتموني إلى ما هو خير لي، وإن كنت على غير ذلك ألقيتم عن رقابكم شراً تحملونه.
عن أبي موسى، قال: لمّا أصيب عمر بن الخطّاب أقبل صهيب من منزله حتى دخل على عمر، فقام بحياله وهو يبكي، فقال له عمر: على من تبكي؟ أعليّ تبكي؟ قال: إنّي والله لعليك أبكي يا أمير المؤمنين، قال: والله لقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من يبكى عليه يعذب ".
قال: فذكرت ذلك لموسى بن طلحة، فقال: كانت عائشة تقول: إنّما أولئك اليهود.
عن المقدام بن معدي كرب، قال: لمّا أصيب عمر دخلت عليه حفصة، فقالت: يا صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويا صهر رسول الله عليه وسلم، ويا أمير المؤمنين. فقال عمر لابن عمر: أجلسني فلا صبرلي على ما أسمع؛ فأسنده إلى صدره، فقال لها: إنّي أحّرج عليك بما لي عليك من الحقّ أن تندبيني بعد مجلسك هذا، فأمّا عينك فلن أملكها، إنه ليس من ميّت يندب بما ليس فيه إلاّ الملائكة تمقته.
عن أبي عمر، قال: كفّن عمر في ثلاثة أثواب، ثوبين غسيلين، وثوب كان يلبسه.
وعن يحيى بن بكير، قال: ولي غسل عمر ابنه عبد الله بن عمر، وكفّنه في خمسة أثواب.
وعن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطّاب غسّل، وكفّن، وصلّي عليه، وكان شهيداً.
عن خليفة، قال: وصلّى على عمر صهيب بن سنان بين القبر والمنبر في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت
ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيام أو تسعة أيام وصلّى صهيب ثلاثاً، ثم أنزلها على ابن عفّان.
عن أبي عبيدة بن عمار بن ياسر: إن صهيباً صلّى على عمر، وكبّر عليه أربعاً.
عن نافع أن ابن عمر، قال: صلّي على عمر في المسجد، وحمل عمر على سرير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل في قبره فيما بلغني عثمان بن عفّان، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف.
عن خالد بن أبي بكر، قال: كان عمر يصفّر لحيته، ويرجّل رأسه بالحنّاء، ودفن في بيت النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس أبي بكر عند كتفي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعل رأس عمر عند حقوي النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن عمر، قال: وضع عمر بن الخطّاب بين القبر والمنبر، فجاء عليّ بن أبي طالب حتى قام بين يدي الصّفوف، فقال: هو هذا ثلاث مرّات ثم قال: رحمة الله عليك، ما من خلق الله أحد أحبّ إليّ من أن ألقى الله بصحيفته بعد صحيفة النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المسجّى عليه ثوبه.
عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: كنت عند عمر وهو مسجّى في ثوبه، قد قضى نحبه، فجاء عليّ فكشف الثّوب عن وجهه، ثم قال: رحمة الله عليك أبا حفص، فوالله ما بقي بعد رسول الله أحد أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفته منك.
عن أوفى بن حكيم، قال: لمّا كان اليوم الذي هلك فيه عمر خرج علينا عليّ مغتسلاً، فجلس، فأطرق ساعةً، ثم رفع رأسه فقال: لله درّ باكية عمر، قالت: واعمراه، قوّم الأود، وأبرأ العمد؛ واعمراه، مات نقيّ الثّوب، قليل العيب؛ واعمراه، ذهب بالسّنّة وأبقى الفتنة.
وزاد في أخرى: فقال عليّ: والله ما قالت ولكنّها قوّلت.
عن سالم المرادي، قال: أخبرنا بعض أصحابنا، قال: جاء عبد الله بن سلاّم وقد صلّي على عمر، فقال: والله لئن كنتم سبقتموني بالصّلاة عليه لا تسبقوني بالثّناء عليه؛ فقام عند سريره فقال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جواداً بالحقّ بخيلاً بالباطل، ترضى حين الرّضى، وتغضب حين الغضب، عفيف الطّرف، طيّب الظّرف، لم تكن مدّاحاً ولا مغتاباً. ثم جلس.
عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، قال: لمّا مات عمر بن الخطّاب بكى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فقيل: ما يبكيك؟ فقال: لا يبعد الحقّ وأهله، اليوم نهي أمر الإسلام.
عن حذيفة، قال: كان الإسلام في زمن عمر كالرّجل المقبل لا يزداد منك إلاّ قرباً، فلمّا أصيب كان كالرّجل المدبر لا يزداد منك إلاّ بعداً.
عن أنس بن مالك، قال: إن أصحاب الشّورى اجتمعوا بعد قتل عمر تلك الثّلاثة الأيّام، فتنافسوا فيها، فقال أبو طلحة: ألا أراكم تنافسون فيها، لأنا كنت لأن تدافعوها أخوف منّي لأن تنافسوا فيها، فوالله ما أهل بيت من المسلمين إلاّ وقد دخل عليهم بموت عمر نقص في دينهم وذلّ في معيشتهم.
عن الحسن، قال: إنّ أهل بيت لم يجدوا فقد عمر لهم أهل بيت سوء.
عن محمد بن نويفع، قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة، سنة ثلاث وعشرين.
عن محمد بن يزيد، قال: واستخلف عمر بن الخطّاب سنة ثلاث عشرة في جمادى الآخرة لثمان بقين منه، وطعنه أبو لؤلؤة قين المغيرة بن شعبة في سنة ثلاث وعشرين في ذي الحجّة لستّ بقين منه، ثم مات، وصلّى عليه صهيب، وطعن غداة الأربعاء، وكانت ولايته عشر سنين وستّة أشهر وخمسة أيّام، ونحواً من ذلك، وكنيته أبو حفص. وهو عمر بن الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى بن قرط بن رزاح بن عديّ بن كعب بن لؤيّ. وأمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي. عن ابن شهاب: أن عمر أخذ بلحيته، وقال: هذه يومي، لي أربع وخمسون، وإنّما أتاني الشّيب من قبل أخوالي بني المغيرة. فقتل عند ذلك.
وعن سالم بن عبد الله: أن عمر قبض وهو ابن خمس وخمسين. وقيل: ست وخمسين، وقيل: سبع وخمسين، أو ثماني وخمسين، أو تسع وخمسين، أو ستّين.
عن جرير، قال: كنت عند معاوية، فقال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستّين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستّين.
وعن سعيد بن المسيّب، قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثاً وستّين.
وقيل: مات وهو ابن خمس وستّين، أو ست وستّين.
عن أبي حفص الفلاّس، قال: كان رجلاً طوالاً، أصلع، آدم، أعسر يسر.
عن معروف بن أبي معروف، قال: لمّا أصيب عمر سمع صوت: " من الطويل "
ليبك على الإسلام من كان باكياً ... فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد
وأدبرت الدّنيا وأدبر خيرها ... وقد ملّها من كان يوقن بالوعد
وعن محمد بن إسحاق، قال: لمّا أصيب عمر، سمع صوت الجنّ: من الرجز
تبكيك نساء الجنّ تبكيك شجيّات
ويخمشن وجوهاً كالدّنانير نقيّات
ويلبسن ثياب السّود بعد القصبيّات
عن الشّعبي: أن حسّان قال في النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: من المنسرح
ثلاثة برّزوا بسبقهم ... نضّرهم ربّهم إذا نشروا
فليس من مؤمن له بصر ... ينكر تفضيلهم إذا ذكروا
عاشوا بلا فرقة ثلاثتهم ... واجتمعوا في الممات إذ قبروا
قال أبو الحسن المدائنيّ: وقالت عاتكة بنت زيد: من الخفيف
عين جودي بعبرة ونحيب ... لا تملّي على الإمام النّجيب
فجعتني المنون بالفارس المع ... لم يوم الهياج والتّلبيب
عصمة النّاس والمعين على الد ... هر وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل السّرور والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب
عن عبد الله بن عبّاس: أن العبّاس كان أخاً لعمر وكان يحبّه، فقال العبّاس: فسألت الله حولاً بعدما هلك عمر أن يريني عمر بن الخطاب قال: فرأيته بعد حول وهو يسلت العرق عن جبينه وينفضه، فقلت: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين، ماشأنك؟ فقال: هذا أوان فرغت، وإن كاد عرش عمر ليهد لولا أني لقيت رؤوفاً رحيماً.
عن زيد بن أسلم: أن عبد الله بن العاص قال: ماكان شيء أعلمه أحب إلي أن أعلمه من أمر عمر، فرأيت في المنام قصراً، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر. فخرج من القصر عليه ملحفة، كأنه قد اغتسل، فقلت: كيف صنعت؟ قال: خيراً، كاد عرشي يهوي لولا أنّي لقيت ربّاً غفوراً. قال: قلت: كيف صنعت؟ قال: متى فارقتكم؟ قلت: منذ ثنتا عشرة سنةً. قال: إنّما انفلتّ الآن من الحساب.
وعن سالم بن عبد الله، قال: سمعت رجلاً من الأنصار يقول: دعوت الله أن يريني عمر في النّوم، فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبينه. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما فعلت؟ فقال: الآن فرغت، ولولا رحمة ربّي لهلكت.
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to Ibn Manẓūr (d. 1311 CE) - Mukhtaṣar Tārīkh Dimashq - ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق are being displayed.