عمران بن حطان بن لوذان بن الحارث بن سدوس
ويقال: عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو ابن الحارث بن سدوس. وفي نسبه اختلاف أبو سماك ويقال: أبو شهاب ويقال: أبو مقعس ويقال: أبو دلان السدوسي قدم دمشق مستخفياً من عبد الملك بن مروان، فنزل على روح بن زنباع.
حدث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا نقضه. قال: فحدثتني ذفرة قالت: بينما أنا أطوف بالبيت مع أم المؤمنين إذ فطن بها، فقالت: أعطني ثوباً، فأعطيتها ثوباً، فقالت: فيه تصليب؟ قلت: نعم، فأبت أن تلبسه.
كان عمران من قعد الخوارج، وهو شاعر مفلق، وطلبه الحجاج فأعجزه، ومن شعره: البسيط
يا خمر، كيف يذوق الخفض معترفٌ ... بالموت والموت فيما بعده جلل
كيف أواسيك والأحداث مقبلةٌ ... فيها لكلّ امرئ عن غيره شغل
وخمر زوجته.
وعمران وجماعة من الخوارج ينسبون إلى طائفة منهم يقال لهم الحرورية. وكان عمران أدرك جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصار في آخر أمره أن رأى رأي الخوارج، وكان سبب ذلك أن ابنة عمران رأيت رأي الخوارج، فزوجها ليردها عن ذلك، فصرفته إلى مذهبها، وقيل: إنه تزوج امرأة من الخوراج فغيّرته إلى رأي الخوارج، وكانت
من أجمل الناس وأحسنهم عقلاً، وكان عمران من أسمج الناس وأقبحهم وجهاً، فقالت له ذات يوم: إني نظرت في أمري وأمرك فإذا أنا وأنت في الجنة، قال: وكيف؟ فقالت: لأني أعطيت مثلك فصبرت، وأعطيت مثلي فشكرت، والصابر والشاكر في الجنة، فمات عنها عمران، فخطبها سويد بن منجوف، فأبت أن تتزوجه، وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبّله فشدت عليه فقطعته، وقالت: والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران، وما تزوجت حتى ماتت.
وعن المبرّد قال: كانت خمرة امرأة عمران جميلة، وذكر مثل هذه الحكاية، فقال لها خجلاصك لا بل مثلي ومثلك كما قال الأحوص: البسيط
إنّ الحسام وإن رثّت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهة قتلا
فإياك والعودة إلى مثل ما قلت مرة أخرى.
وقال عثمان البتّي قال: كان عمران بن حطان من أهل السنة، فقدم غلام من عمارن كأنه نصل فقلبه.
قال الفرزدق: عمران بن حطان من أشعر الناس، قيل: ولم؟ قال: لأنه لو أراد أن يقول مثلما قلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله.
قال محارب بن دثار: زاملت عمران بن حطان إلى مكة، فما ذاكرني شيئاً حتى انصرفنا.
وعن قتادة قال: قال سعيد بن أبي الحسن: لوددت أني سمعت رجلاً يسمعني من شعر ابن حطان، فقلت: أنا، فأنشدته، فقال: ما هذا بشعر، قال الحسن: بلى، ولكن علّمه الشيطان.
وقف عمران بن حطان على الفرزدق وهو ينشد فقال له: الخفيف
أيها المادح العباد ليعطى ... إنّ لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المهيمن العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد
فقال: الحمد لله الذي شغل عنا هذا ببدعته، ولولا ذلك للقينا منه عنتاً.
ومن شعر عمران بن حطان: البسيط
يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها ... إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحبسه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا
أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا
فبلغ شعره عبد الملك بن مروان، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون والرصد، فلم تحمل عمران ارضٌ حتى أتى ورح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فسأله: ممن أنت؟ فقال: رجل من الأزد. قال: وكان روح يكون في سمر عبد الملك حين يذهب ليل ثم يجيء إلى منزله، فيجد عمران قائماً يصلي، فيدعوه فيحدثه.
وكان عمران يحدث روحاً بأحسن ما يكون وأعجبه إعجاباً شديداً. فلما كان بعد سنة سمر روح عند عبد الملك فتذاكرا شعر عمران بن حطان. فلما انصرف روح دعاه كما كان يدعوه يحدثه، فأخبره بالشعر، فأنشد عمران بقية الشعر. فلما أتى روح عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللّذين قالهما ابن حطان في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال له عبد الملك: صفه لي، فوصفه، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان أو ما لي رأي، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم، فقال روح لعمران: إني حدثت أمير المؤمنين أنك أنشدتني القصيدة كلها، فسألني أن أصفك له، فوصفتك له، فقال: هذا ابن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: معاذ الله، لست به، وأنا لاقيه إذا شئت إن شاء الله، وأصبح من الغد هارباً، وكتب إلى روح رقعة فيها هذه الأبيات: البسيط
يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ ظنّك من لخمٍ وغسان
حتى إذا خفته زايلت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطان
قد كنت ضيفك حولاً ما تروّعني ... فيه طوارق من إنسٍ ولا جان
حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما يوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك ابن زنباعٍ فإنّ له ... في الحادثات هناتٌ ذات ألوان
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ ... وإن لقيت معدّياً فعدناني
لو كنت مستغفراً يوماً لطاغيةٍ ... كنت المقدّم في سريّ وإعلاني
لكن أبت لي آياتٌ مفصّلةٌ ... عقد الولاية من طه وعمران
ثم خرج حتى أتى الجزيرة، فنزل في ضيافة زفر بن الحارث، فسأله: ممن أنت؟ فقال: من الأوزاع، وكانت له فيهم خؤولة، فأقام فيهم حولاً، فقدم رجل ممن كان معه في ضيافة روح بن زنباع، فعرفه، فقال لزفر: هل تدري من هذا؟ قال: رجل من الأوزاع، قال: بل هو رجل من أزد شنوءة، وقد كان عند روح بن زنباع يعرف بذلك، فقاله له زفر: أزدي مرة وأوزاعي مرة؟! إن لك لقصة، فأعلمناها، فإن كنت طريداً آويناك، وإن كنت خائفاً أمّناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، فقال عمران: إن الله هو المغني، وهو المؤوي، إنما أنا ابن سبيل، ثم خرج من عنده هارباً، وكتب إليه: البسيط
إن التي أصبحت يعيا بها زفرٌ ... أعيا عياها على روح بن زنباع
أمسى يسائلني طوراً لأخبره ... والناس من بين مخدوعٍ وخدّاع
حتى إذا انجذبت مني حبائله ... كفّ السؤال ولم يولع بإهلاعي
فاكفف كما كفّ ورحٌ إنني رجلٌ ... إما صريحٌ وإما فقعة القاع
ثم توجه نحو عمان فلقي بريداً للحجاج بن يوسف في طريقه، فقال له: أبلغ عني الحجاج هذين البيتين: الكامل
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ ... زبراء تنفر من صفير الصافر
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
قرعت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت مناظره كأمس الغابر
ولحق بعمان، وفوجد بها أصحاباً له، وكان عقيد الشّراة، وله عندهم قدر عظيم، فصادف بعمان ما يريد. فأقام بها حياته.
ومن شعر عمران: الوافر
لقد زاد الحياة إليّ حبّاً ... بناتي أنهنّ من الضّعاف
مخافة أن يذقن الفقر بعدي ... وأن يشربن كدراً بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كومٍ عجاف
فلولاهنّ قد سوّيت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف
ويقال: عمران بن حطان بن ظبيان بن لوذان بن عمرو ابن الحارث بن سدوس. وفي نسبه اختلاف أبو سماك ويقال: أبو شهاب ويقال: أبو مقعس ويقال: أبو دلان السدوسي قدم دمشق مستخفياً من عبد الملك بن مروان، فنزل على روح بن زنباع.
حدث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصليب إلا نقضه. قال: فحدثتني ذفرة قالت: بينما أنا أطوف بالبيت مع أم المؤمنين إذ فطن بها، فقالت: أعطني ثوباً، فأعطيتها ثوباً، فقالت: فيه تصليب؟ قلت: نعم، فأبت أن تلبسه.
كان عمران من قعد الخوارج، وهو شاعر مفلق، وطلبه الحجاج فأعجزه، ومن شعره: البسيط
يا خمر، كيف يذوق الخفض معترفٌ ... بالموت والموت فيما بعده جلل
كيف أواسيك والأحداث مقبلةٌ ... فيها لكلّ امرئ عن غيره شغل
وخمر زوجته.
وعمران وجماعة من الخوارج ينسبون إلى طائفة منهم يقال لهم الحرورية. وكان عمران أدرك جماعة من أصحاب سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصار في آخر أمره أن رأى رأي الخوارج، وكان سبب ذلك أن ابنة عمران رأيت رأي الخوارج، فزوجها ليردها عن ذلك، فصرفته إلى مذهبها، وقيل: إنه تزوج امرأة من الخوراج فغيّرته إلى رأي الخوارج، وكانت
من أجمل الناس وأحسنهم عقلاً، وكان عمران من أسمج الناس وأقبحهم وجهاً، فقالت له ذات يوم: إني نظرت في أمري وأمرك فإذا أنا وأنت في الجنة، قال: وكيف؟ فقالت: لأني أعطيت مثلك فصبرت، وأعطيت مثلي فشكرت، والصابر والشاكر في الجنة، فمات عنها عمران، فخطبها سويد بن منجوف، فأبت أن تتزوجه، وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبّله فشدت عليه فقطعته، وقالت: والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران، وما تزوجت حتى ماتت.
وعن المبرّد قال: كانت خمرة امرأة عمران جميلة، وذكر مثل هذه الحكاية، فقال لها خجلاصك لا بل مثلي ومثلك كما قال الأحوص: البسيط
إنّ الحسام وإن رثّت مضاربه ... إذا ضربت به مكروهة قتلا
فإياك والعودة إلى مثل ما قلت مرة أخرى.
وقال عثمان البتّي قال: كان عمران بن حطان من أهل السنة، فقدم غلام من عمارن كأنه نصل فقلبه.
قال الفرزدق: عمران بن حطان من أشعر الناس، قيل: ولم؟ قال: لأنه لو أراد أن يقول مثلما قلنا لقال، ولسنا نقدر أن نقول مثل قوله.
قال محارب بن دثار: زاملت عمران بن حطان إلى مكة، فما ذاكرني شيئاً حتى انصرفنا.
وعن قتادة قال: قال سعيد بن أبي الحسن: لوددت أني سمعت رجلاً يسمعني من شعر ابن حطان، فقلت: أنا، فأنشدته، فقال: ما هذا بشعر، قال الحسن: بلى، ولكن علّمه الشيطان.
وقف عمران بن حطان على الفرزدق وهو ينشد فقال له: الخفيف
أيها المادح العباد ليعطى ... إنّ لله ما بأيدي العباد
فسل الله ما طلبت إليهم ... وارج فضل المهيمن العواد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه ... وتسمّي البخيل باسم الجواد
فقال: الحمد لله الذي شغل عنا هذا ببدعته، ولولا ذلك للقينا منه عنتاً.
ومن شعر عمران بن حطان: البسيط
يا ضربةً من تقيّ ما أراد بها ... إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحبسه ... أوفى البريّة عند الله ميزانا
أكرم بقومٍ بطون الطير أقبرهم ... لم يخلطوا دينهم بغياً وعدوانا
فبلغ شعره عبد الملك بن مروان، فأدركته الحمية، فنذر دمه، ووضع عليه العيون والرصد، فلم تحمل عمران ارضٌ حتى أتى ورح بن زنباع، فأقام في ضيافته، فسأله: ممن أنت؟ فقال: رجل من الأزد. قال: وكان روح يكون في سمر عبد الملك حين يذهب ليل ثم يجيء إلى منزله، فيجد عمران قائماً يصلي، فيدعوه فيحدثه.
وكان عمران يحدث روحاً بأحسن ما يكون وأعجبه إعجاباً شديداً. فلما كان بعد سنة سمر روح عند عبد الملك فتذاكرا شعر عمران بن حطان. فلما انصرف روح دعاه كما كان يدعوه يحدثه، فأخبره بالشعر، فأنشد عمران بقية الشعر. فلما أتى روح عبد الملك قال: إن في ضيافتي رجلاً ما سمعت منك حديثاً قط إلا حدثني به وأحسن منه، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللّذين قالهما ابن حطان في ابن ملجم، فأنشدني القصيدة كلها، فقال له عبد الملك: صفه لي، فوصفه، فقال: إنك لتصف صفة عمران بن حطان أو ما لي رأي، اعرض عليه أن يلقاني، قال: نعم، فقال روح لعمران: إني حدثت أمير المؤمنين أنك أنشدتني القصيدة كلها، فسألني أن أصفك له، فوصفتك له، فقال: هذا ابن حطان، اعرض عليه أن يلقاني، قال: معاذ الله، لست به، وأنا لاقيه إذا شئت إن شاء الله، وأصبح من الغد هارباً، وكتب إلى روح رقعة فيها هذه الأبيات: البسيط
يا روح كم من أخي مثوى نزلت به ... قد ظنّ ظنّك من لخمٍ وغسان
حتى إذا خفته زايلت منزله ... من بعد ما قيل عمران بن حطان
قد كنت ضيفك حولاً ما تروّعني ... فيه طوارق من إنسٍ ولا جان
حتى أردت بي العظمى فأوحشني ... ما يوحش الناس من خوف ابن مروان
فاعذر أخاك ابن زنباعٍ فإنّ له ... في الحادثات هناتٌ ذات ألوان
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ ... وإن لقيت معدّياً فعدناني
لو كنت مستغفراً يوماً لطاغيةٍ ... كنت المقدّم في سريّ وإعلاني
لكن أبت لي آياتٌ مفصّلةٌ ... عقد الولاية من طه وعمران
ثم خرج حتى أتى الجزيرة، فنزل في ضيافة زفر بن الحارث، فسأله: ممن أنت؟ فقال: من الأوزاع، وكانت له فيهم خؤولة، فأقام فيهم حولاً، فقدم رجل ممن كان معه في ضيافة روح بن زنباع، فعرفه، فقال لزفر: هل تدري من هذا؟ قال: رجل من الأوزاع، قال: بل هو رجل من أزد شنوءة، وقد كان عند روح بن زنباع يعرف بذلك، فقاله له زفر: أزدي مرة وأوزاعي مرة؟! إن لك لقصة، فأعلمناها، فإن كنت طريداً آويناك، وإن كنت خائفاً أمّناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، فقال عمران: إن الله هو المغني، وهو المؤوي، إنما أنا ابن سبيل، ثم خرج من عنده هارباً، وكتب إليه: البسيط
إن التي أصبحت يعيا بها زفرٌ ... أعيا عياها على روح بن زنباع
أمسى يسائلني طوراً لأخبره ... والناس من بين مخدوعٍ وخدّاع
حتى إذا انجذبت مني حبائله ... كفّ السؤال ولم يولع بإهلاعي
فاكفف كما كفّ ورحٌ إنني رجلٌ ... إما صريحٌ وإما فقعة القاع
ثم توجه نحو عمان فلقي بريداً للحجاج بن يوسف في طريقه، فقال له: أبلغ عني الحجاج هذين البيتين: الكامل
أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ ... زبراء تنفر من صفير الصافر
هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى ... أم كان قلبك في جناحي طائر
قرعت غزالة قلبه بفوارسٍ ... تركت مناظره كأمس الغابر
ولحق بعمان، وفوجد بها أصحاباً له، وكان عقيد الشّراة، وله عندهم قدر عظيم، فصادف بعمان ما يريد. فأقام بها حياته.
ومن شعر عمران: الوافر
لقد زاد الحياة إليّ حبّاً ... بناتي أنهنّ من الضّعاف
مخافة أن يذقن الفقر بعدي ... وأن يشربن كدراً بعد صاف
وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبو العين عن كومٍ عجاف
فلولاهنّ قد سوّيت مهري ... وفي الرحمن للضعفاء كاف