علي بن عيسى بن داود بن الجراح
أبو الحسن البغدادي وزير المقتدر والقاهر. قدم دمشق مرتين.
حدث في سنة سبع عشرة وثلاث مئة بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
ومما أنشده علي بن عيسى ولا يعرف لمن الشعر: الهزج
أبا موسى سقى ربع ... ك دانٍ مسبل القطر
وزاد الله في عمر ... ك ما أفنيت من عمري
مواعيدك ما أحيت ... سراب المهمه القفر
فمن يومٍ إلى يومٍ ... ومن شهرٍ إلى شهر
لعل الله أن يصن ... ع لي من حيث لا تدري
فألقاك بلا شكرٍ ... وتلقاني بلا عذر
ولا أرجوك للحالي ... ن لا العسر ولا اليسر
كان علي بن عيسى صدوقاً، ديّناص، فاضلاً، عفيفاً في ولايته، محموداً في وزارته، كثير البرّ والمعروف، وقراءة القرآن والصلاة، والصيام، يحبّ أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويذاكرهم. وأصله من الفرس، وكان جده داود من دير قنّى، وكان من وجوه الكتاب، وكذلك أبوه عيسى، ولم يزل علي بن عيسى من حداثته معروفاً بالستر والصيانة والصلاح والديانة.
قال أبو سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى:
كنت مع علي بن عيسى لم نفي إلى مكة، فدخلنا في حرّ شديد، وقد كدنا نتلف،
فطاف علي بن عيسى، وسعى، وجاء، فألقى بنفسه، وهو كالميت من الحرّ والتعب، وقلق قلقاً شديداً وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج، فقلت له: سيدنا، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكني نفسي ضاقت عن ستر هذا القول، فاستروحت إلى المنى، قال: وخرجت من عنده، فرجعت إلى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة، وكثفت، فبرقت، ورعدت رعداً متصلاً شديداً، ثم جاءت بمطر وبرد، فبادرت إلى الغلمان، وقلت: اجمعوا، فجمعنا منه شيئاً كثيراً، وكان علي بن عيسى صائماً. فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب، فقلت له: أنت مقبل والنكبة زائلة وهذه علامات الإقبال فاشرب الثلج كما طلبت، وجئته إلى المسجد بأقداح مملوءة بأصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد، فأقبل يسقي ذلك من يقرب منه من المجاورين، ويستزيد، ونحن نأتيه بما عندنا، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس، فخبأت مقدار خمسة أرطال وقلت له: لم يبق شيء، فقال: الحمد لله، ليتني تمنيت المغفرة بدلاً من تمنّي الثلج، فلعلي كنت أجاب. فلما دخل البيت حلفت عليه أن يشرب منه، ولم أزل أداريه حتى شرب منه بقليل سويق وتقوت ليلته بباقيه.
كن أبو بكر بن مجاهد يأتي كل جمعة إلى الوزير علي بن عيسى، فيجلسه في مرتبته، ويجلس بين يديه، يقرأ عليه، ويأمر الحاجب أن لا يأذن عليه لأحد في ذلك اليوم، ولو أنه من كان، وكان يسميه يا أستاذ، فسأله أبو بكر أن يكون موضع ذلك، يا سيدي. فلما كان في جمعة دخل الحاجب، فقال: بالباب جندي يريد الدخول، فانتهره، فخرج ورجع، فقال: إنه يقول: إنها حاجة مهمة ويكره الفوت، فيلحقنا من هذا ما نكره، فأمر بإحضاره، فدخل، فقال له: هيه، ما هذه الحاجة المهمة؟ فقال: أعلم الوزير أن لي ثلاثاً ما طعمت طعاماً لا من عوز، حتى لقد نتن فمي. فلما كان البارحة صليت ما كتب الله، ونمت فرأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وكأني قد وقفت عليه، وسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، هذا علي بن عيسى قد منع رزقي، وأتعبني في ملازمته والغدو والبكور إليه، فقال لي النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " امض إليه برسالتي فإنه يدفع إليك رزقك "،
فقال له علي بن عيسى: ما رأيت أغث فضلاً منك، فقال الجندي: بقي أيّد الله الوزير تمام الرؤيا، فقال له: هيه، قال: فقلت له: يا رسول الله، علي بن عيسى رجل فيه بأوٌ وكبر، ولا يجوز عليه شيء، وأنا أخشى يتهمني في هذا، فقال لي: " قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ". فسألت الله ثلاث حوائج، فقضى لك اثنتين، وبقيت واحدة. قال: فاندفع الوزير بالبكاء، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ثم قال: والله، لولا ما أتيت من هذا الحديث لاتّهمتك في قولك، لأنه ما علم بهذا إلا الله عزّ وجلّ، وأمر للجندي بألف دينار، وأطلق له أرزاقه موفرة، وأضعف ما كان يدفعه إليه، وصار من خواصّ أصحابه.
ولما عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة، ونوى المجاورة وحج معه في تلك السنة الماذارائي وابن زنبور فقال لهما: اعزما على المجاورة، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على حرّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أقيم معك، قال ابن زنبور؛ وأخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم، قال: فكنت يوماً في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه في حاشية الطواف، وهو يصلي فإذا شيخ يسلم عليّ وقال: من هذا؟ قلت: علي بن عيسى، قال: إيش يعمل؟ قلت: يتعبد، فقال: ليس لله فيه شيء، قال ابن زنبور: فاستجهلته، وقلت في نفسي: يقول مثل هذا في رجل يعبد الله هذه العبادة؟! فما كان بعد أيام وأنا في الطّواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي، وقال: من هذا؟ فقلت: أليس أخبرتك من هو، علي بن عيسى، فقال كما قال الأول. فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قوله، فضحكت، فقال: ما هذا الضحك؟ فعرفته الصورة، قال: فترك
لقمته، وأطرق ساعة ثم قال: إن عاودك فسله، وقل: وماذا؟ قال: فلما كان بعد أيام رأيته فسألني عنه كما سأل، فقلت له: ثم ماذا؟ فقال: وجد مناه، لا بارك الله له فيه، قال: فأخبرته، فقال: ويحك! ما رأيت أعجب منك، وقد رأيت الخضر ثلاث مرات، ولم تعرفه؟! قال: فما كان إلا أيام قلائل حتى ورد حاجب الخليفة، ومعه خمس مئة راحلة، وكتاب الوزارة إلى علي بن عيسى، فما رئي بعد ذلك في المسجد.
ركب علي بن عيسى في موكب عظيم، فجعل الغرباء يقولون: من هذا؟ من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق: إلى متى تقولون: من هذا؟ من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فابتلاه بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك، فرجع إلى منزله، واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها.
قال أبو القاسم ابن الوزير علي بن عيسى: أنشدني أبي، وكان كثيراً يتمثل بهذا البيت المنسرح
والله ما صان وجهه رجلٌ ... كافا لئيماً بسوء ما صنعا
أنشد الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه: الطويل
فمن كان عني سائلاً بشماتةٍ ... لما نابني أو شامتاً غير سائل
فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرّةٍ ... صبوراً على أهوال تلك الزلازل
حضر أبو الحسن عمر بن أبي عمر القاضي عند علي بن عيسى الوزير، فرأى ابن عيسى عليه ثوباً استحسنه، فأدخل يده فيه يستشفه، وقال: بكم اشترى القاضي هذا الثوب؟ فقال: بسبعين ديناراً، فقال الوزير: لكني لم ألبس ثوباً قط يزيد ثمنه على ما بين ستة دنانير إلى سبعة، فقال أبو الحسن القاضي: ذلك لأن الوزير يجمّل الثياب، ونحن نتجمّل بلبس الثياب.
قال علي بن عيسى: كسبت سبع مئة ألف دينار، أخرجت منها في هذه الوجوه يعني: وجوه البرّ ست مئة ألف وثمانين ألفاً.
كان للصولي على علي بن عيسى رسم في كل سنة، فكان يتردد في بعض السنين، والوزير مشتغل، فكرر المجيء دفعات ولم يتفق وصول، فكتب رقعة فيها: الطويل
خلفت على دار ابن عيسى كأنني ... قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل
إذا جئت أشكو طول فقرٍ وفاقةٍ ... يقولون لا تهلك أسىً وتجمّل
ففاض دموع العين من طول ردّهم ... على النحر حتى بلّ دمعي محملي
لقد طال تردادي وشوقي إليكم ... فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل؟
توفي علي بن عيسى الوزير سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. وقيل: سنة أربع وثلاثين. وكان مولده سنة خمس وأربعين ومئتين.
أبو الحسن البغدادي وزير المقتدر والقاهر. قدم دمشق مرتين.
حدث في سنة سبع عشرة وثلاث مئة بسنده إلى عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
ومما أنشده علي بن عيسى ولا يعرف لمن الشعر: الهزج
أبا موسى سقى ربع ... ك دانٍ مسبل القطر
وزاد الله في عمر ... ك ما أفنيت من عمري
مواعيدك ما أحيت ... سراب المهمه القفر
فمن يومٍ إلى يومٍ ... ومن شهرٍ إلى شهر
لعل الله أن يصن ... ع لي من حيث لا تدري
فألقاك بلا شكرٍ ... وتلقاني بلا عذر
ولا أرجوك للحالي ... ن لا العسر ولا اليسر
كان علي بن عيسى صدوقاً، ديّناص، فاضلاً، عفيفاً في ولايته، محموداً في وزارته، كثير البرّ والمعروف، وقراءة القرآن والصلاة، والصيام، يحبّ أهل العلم، ويكثر مجالستهم، ويذاكرهم. وأصله من الفرس، وكان جده داود من دير قنّى، وكان من وجوه الكتاب، وكذلك أبوه عيسى، ولم يزل علي بن عيسى من حداثته معروفاً بالستر والصيانة والصلاح والديانة.
قال أبو سهل بن زياد القطان صاحب علي بن عيسى:
كنت مع علي بن عيسى لم نفي إلى مكة، فدخلنا في حرّ شديد، وقد كدنا نتلف،
فطاف علي بن عيسى، وسعى، وجاء، فألقى بنفسه، وهو كالميت من الحرّ والتعب، وقلق قلقاً شديداً وقال: أشتهي على الله شربة ماء مثلوج، فقلت له: سيدنا، تعلم أن هذا ما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما قلت، ولكني نفسي ضاقت عن ستر هذا القول، فاستروحت إلى المنى، قال: وخرجت من عنده، فرجعت إلى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى نشأت سحابة، وكثفت، فبرقت، ورعدت رعداً متصلاً شديداً، ثم جاءت بمطر وبرد، فبادرت إلى الغلمان، وقلت: اجمعوا، فجمعنا منه شيئاً كثيراً، وكان علي بن عيسى صائماً. فلما كان وقت المغرب خرج إلى المسجد الحرام ليصلي المغرب، فقلت له: أنت مقبل والنكبة زائلة وهذه علامات الإقبال فاشرب الثلج كما طلبت، وجئته إلى المسجد بأقداح مملوءة بأصناف الأسوقة والأشربة مكبوسة بالبرد، فأقبل يسقي ذلك من يقرب منه من المجاورين، ويستزيد، ونحن نأتيه بما عندنا، وأقول له: اشرب فيقول: حتى يشرب الناس، فخبأت مقدار خمسة أرطال وقلت له: لم يبق شيء، فقال: الحمد لله، ليتني تمنيت المغفرة بدلاً من تمنّي الثلج، فلعلي كنت أجاب. فلما دخل البيت حلفت عليه أن يشرب منه، ولم أزل أداريه حتى شرب منه بقليل سويق وتقوت ليلته بباقيه.
كن أبو بكر بن مجاهد يأتي كل جمعة إلى الوزير علي بن عيسى، فيجلسه في مرتبته، ويجلس بين يديه، يقرأ عليه، ويأمر الحاجب أن لا يأذن عليه لأحد في ذلك اليوم، ولو أنه من كان، وكان يسميه يا أستاذ، فسأله أبو بكر أن يكون موضع ذلك، يا سيدي. فلما كان في جمعة دخل الحاجب، فقال: بالباب جندي يريد الدخول، فانتهره، فخرج ورجع، فقال: إنه يقول: إنها حاجة مهمة ويكره الفوت، فيلحقنا من هذا ما نكره، فأمر بإحضاره، فدخل، فقال له: هيه، ما هذه الحاجة المهمة؟ فقال: أعلم الوزير أن لي ثلاثاً ما طعمت طعاماً لا من عوز، حتى لقد نتن فمي. فلما كان البارحة صليت ما كتب الله، ونمت فرأيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، وكأني قد وقفت عليه، وسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، هذا علي بن عيسى قد منع رزقي، وأتعبني في ملازمته والغدو والبكور إليه، فقال لي النّبي صلّى الله عليه وسلّم: " امض إليه برسالتي فإنه يدفع إليك رزقك "،
فقال له علي بن عيسى: ما رأيت أغث فضلاً منك، فقال الجندي: بقي أيّد الله الوزير تمام الرؤيا، فقال له: هيه، قال: فقلت له: يا رسول الله، علي بن عيسى رجل فيه بأوٌ وكبر، ولا يجوز عليه شيء، وأنا أخشى يتهمني في هذا، فقال لي: " قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ". فسألت الله ثلاث حوائج، فقضى لك اثنتين، وبقيت واحدة. قال: فاندفع الوزير بالبكاء، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ثم قال: والله، لولا ما أتيت من هذا الحديث لاتّهمتك في قولك، لأنه ما علم بهذا إلا الله عزّ وجلّ، وأمر للجندي بألف دينار، وأطلق له أرزاقه موفرة، وأضعف ما كان يدفعه إليه، وصار من خواصّ أصحابه.
ولما عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة، ونوى المجاورة وحج معه في تلك السنة الماذارائي وابن زنبور فقال لهما: اعزما على المجاورة، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على حرّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أقيم معك، قال ابن زنبور؛ وأخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم، قال: فكنت يوماً في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه في حاشية الطواف، وهو يصلي فإذا شيخ يسلم عليّ وقال: من هذا؟ قلت: علي بن عيسى، قال: إيش يعمل؟ قلت: يتعبد، فقال: ليس لله فيه شيء، قال ابن زنبور: فاستجهلته، وقلت في نفسي: يقول مثل هذا في رجل يعبد الله هذه العبادة؟! فما كان بعد أيام وأنا في الطّواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي، وقال: من هذا؟ فقلت: أليس أخبرتك من هو، علي بن عيسى، فقال كما قال الأول. فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قوله، فضحكت، فقال: ما هذا الضحك؟ فعرفته الصورة، قال: فترك
لقمته، وأطرق ساعة ثم قال: إن عاودك فسله، وقل: وماذا؟ قال: فلما كان بعد أيام رأيته فسألني عنه كما سأل، فقلت له: ثم ماذا؟ فقال: وجد مناه، لا بارك الله له فيه، قال: فأخبرته، فقال: ويحك! ما رأيت أعجب منك، وقد رأيت الخضر ثلاث مرات، ولم تعرفه؟! قال: فما كان إلا أيام قلائل حتى ورد حاجب الخليفة، ومعه خمس مئة راحلة، وكتاب الوزارة إلى علي بن عيسى، فما رئي بعد ذلك في المسجد.
ركب علي بن عيسى في موكب عظيم، فجعل الغرباء يقولون: من هذا؟ من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق: إلى متى تقولون: من هذا؟ من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فابتلاه بما ترون، فسمع علي بن عيسى ذلك، فرجع إلى منزله، واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة وجاور بها.
قال أبو القاسم ابن الوزير علي بن عيسى: أنشدني أبي، وكان كثيراً يتمثل بهذا البيت المنسرح
والله ما صان وجهه رجلٌ ... كافا لئيماً بسوء ما صنعا
أنشد الوزير أبو الحسن علي بن عيسى لنفسه: الطويل
فمن كان عني سائلاً بشماتةٍ ... لما نابني أو شامتاً غير سائل
فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرّةٍ ... صبوراً على أهوال تلك الزلازل
حضر أبو الحسن عمر بن أبي عمر القاضي عند علي بن عيسى الوزير، فرأى ابن عيسى عليه ثوباً استحسنه، فأدخل يده فيه يستشفه، وقال: بكم اشترى القاضي هذا الثوب؟ فقال: بسبعين ديناراً، فقال الوزير: لكني لم ألبس ثوباً قط يزيد ثمنه على ما بين ستة دنانير إلى سبعة، فقال أبو الحسن القاضي: ذلك لأن الوزير يجمّل الثياب، ونحن نتجمّل بلبس الثياب.
قال علي بن عيسى: كسبت سبع مئة ألف دينار، أخرجت منها في هذه الوجوه يعني: وجوه البرّ ست مئة ألف وثمانين ألفاً.
كان للصولي على علي بن عيسى رسم في كل سنة، فكان يتردد في بعض السنين، والوزير مشتغل، فكرر المجيء دفعات ولم يتفق وصول، فكتب رقعة فيها: الطويل
خلفت على دار ابن عيسى كأنني ... قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل
إذا جئت أشكو طول فقرٍ وفاقةٍ ... يقولون لا تهلك أسىً وتجمّل
ففاض دموع العين من طول ردّهم ... على النحر حتى بلّ دمعي محملي
لقد طال تردادي وشوقي إليكم ... فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل؟
توفي علي بن عيسى الوزير سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة. وقيل: سنة أربع وثلاثين. وكان مولده سنة خمس وأربعين ومئتين.