عبيد بن أشعب الطمع
ويقال: عبيدة حجازي مدني، قدم دمشق حين وليها إبراهيم بن المهدي.
عن إبراهيم ين المهدي أن الرشيد لما ولاه دمشق بعث إليه عبيدة بن أشعب، وكان يقدم عليه من الحجاز، وأراد أن يطرفه به، فقدم عليه. قال إبراهيم: وكان يحدثني من حديث أبيه بالطرائف، وعادلته يوماً وأنا خارج من دمشق في قبة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد، فدعوت بدواج سمور لألبسه فأتيت به، فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب، فقلت له: حدثني بشيء من طمع أبيك، فقال لي: ومالك ولأبي، عليك بي هاأنذا، دعوت بالدواج فما شككت في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه: ثم قلت له: ألأبيك ولد غيرك؟ فقال: كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت خمسون؟ قال: أكثر كثر، قلت: مئة، قال: دع المئين وخذ في الألوف، فقلت ويلك! أي شيء تقول؟! أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب، كيف يكون له ألوف من الولد؟ فضحك، ثم قال لي: له في هذا خبر طريف، فقلت: حدثني به، فقال: كان أبي منقطعاً إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام، وكانت متزوجة بزيد بن عمر بن عمرو بن عثمان، وكانت محبة له، فكان لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج،
فيخرج معها، فإذا مضوا إلى مكة قالت: أريد الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة قالت له: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا ينقضي. قال أبي: وكانت حلفته بما لا كفارة له أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يلم بنسائه وجواريه إلا بإذنها، وحج الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج أمير المؤمنين ولا بد لي من لقائه، قالت: فاحلف لي أنك لا تدخل الطائف، ولا تلم بجواريك على وجه ولا سبب. فحلف لها بما رضيت به من الأيمان على ذلك، ثم قالت: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، ولكن ابعثي معي بثقتك، قال: فدعتني وأعطتني ثلاثين ديناراً وقالت: اخرج معه وحلفتني بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ولا سبب فحلفت لها بما أثلج صدرها، وأذنت له فخرج وخرجت معه، فلما حاذينا الطائف قال لي شعيب! تعال، أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك، وهذه ثلاث مئة دينار خذها وأذن لي ألم بجواري، فلما سمعتها ذهب عقلي، ثم قلت: يا سيدي هي سكينة فالله الله في، فقال: أوتعلم سكينة الغيب؟ فلم يزل بي حتى أخذتها، وأذنت له فمضى فبات عند جواريه، فلما أصبحنا رأيت أبيات قوم من العرب قريبة منا، فلبست حلة وشي كانت لزيد، قيمتها ألف دينار، وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلمت، فرددن وأجللني للهيئة والزي الذي لا يلبس مثله إلا أولاد الخلفاء، ونسبنني فانتسبت نسب زيد فحادثنني وأنسن بي، وأقبل رجال الحي، فكما جاء منهم رجل سأل عني فخبر بنسبي، فجاءني فسلم علي وعطمني وانصرف إلى أن أقبل شيخ كبير منكر، فلما خبر بي وبنسبي شال حاجته عن عينه، ثم نظر إلي وقال: وأبي ما هذه خلقة قرشي ولا شمائله، ولا هو إلا عبد، ثم بادر إلى بيته، وعلمت أنه يريد شراً، فركبت الفرس ثم مضيت، ولحقني فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج، وما شككت في أنه يلحقني بآخر يقتلني، فسلحت في ثيابي، ولوثتها، ونفذ إلى الحلة فصيرتها شهرة، وأتيت رحل زيد بن عمر، فجلست أغسل الحلة وأجففها، وأقبل زيد بن عمر فرأى ما لحق الحلة والسرج فقال لي: ما القصة ويلك؟ فقلت له: يا سيدي! الصدق أنجى، وحدثته الحديث فاغتاظ، ثم قال: لم يكفك أن تلبس حلتي
وتصنع بها ما صنعت؟ وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي؟ وفضحتني وجعلتني عند العرب ولاجاً جماشاً؟ وجرى عليك ذل نسب إلي؟ أنا نفي من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبالغ في ذلك.
ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة، فسألته عن خبره كله، فخبرها حتى انتهت إلى جواريه فقالت: إيه، وما كان خبرك في طريقك، هل مضيت إلى جواريك بالطائف؟ فقال لها: لا أدري، سلي ثقتك، فدعتني وسألتني؟ وبدأت فحلفت لها بكل يمين محرجة أنه ما مر بالطائف ولا دخلها ولا فارقني، فقال لها: اليمين التي حلف بها لازمة لي إن لم أكن دخلت الطائف، وبت عند جواري وغسلتهن جميعاً، وأخذ مني ثلاث مئة دينار، وفعل كذا وكذا، وحدثها الحديث، وأراها الحلة والسرج، فقالت لي: فعلتها يا شعيب؟ أنا نفية من أبي إن أنفقتها إلا فيما يسوؤك، ثم أمرت بكبس منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت، فاشترت بها خشباً وبيضاً وسرجينا، وعملت من الخشب بيتاً فحبستني فيه، وحلفت أن لا أخرج منه ولا أفارقه حتى أحضن البيض كله إلى أن ينقف، فمكثت أربعين يوماً أحضن لها البيض حتى أنقف كله، وخرج منه فراريج كثير، فربيتهن وتناسلن، فكن بالمدينة يسمين بنات أشعب، ونسل أشعب، فهو إلى الآن بالمدينة نسل يزيد على الألوف وما بين الألوف كلهن أهلي وقرابتي.
قال إبراهيم: فضحكت من قوله ضحكاً ما أذكر أني ضحكت مثله قط، ووصلته، ولم يزل عندي زماناً، ثم خرج إلى المدينة ومات هناك.
بعثت سكينة إلى أبي الزناد فجاءها تستفتيه في شيء، فاطلع أشعب عليه من بيت، وجعل يقوقي مثلما الدجاجة، فسبح أبو الزناد وقال: ما هذا؟! فضحكت وقالت: إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا فحلفت أن يحضن بيضاً في هذا البيت ولا يفارقه حتى ينقف، فجعل أبو الزناد يعجب.
قال أشعب لابنه عبيدة: إني أراني سأخرجك من منزلي وانتفي منك، قال: لم؟ قال: لأني أكسب خلق الله لرغيف، وأنت ابني قد بلغت هذا السن، وأنت في عيالي ما تكسب شيئاً، قال: بلى، إني لأكسب، ولكن مثل الموزة لا تحمل حتى تموت أمها.
ويقال: عبيدة حجازي مدني، قدم دمشق حين وليها إبراهيم بن المهدي.
عن إبراهيم ين المهدي أن الرشيد لما ولاه دمشق بعث إليه عبيدة بن أشعب، وكان يقدم عليه من الحجاز، وأراد أن يطرفه به، فقدم عليه. قال إبراهيم: وكان يحدثني من حديث أبيه بالطرائف، وعادلته يوماً وأنا خارج من دمشق في قبة على بغل لألهو بحديثه، فأصابنا في الطريق برد شديد، فدعوت بدواج سمور لألبسه فأتيت به، فلما لبسته أقبلت على ابن أشعب، فقلت له: حدثني بشيء من طمع أبيك، فقال لي: ومالك ولأبي، عليك بي هاأنذا، دعوت بالدواج فما شككت في أنك إنما جئت به لي، فضحكت من قوله، ودعوت بغيره فلبسته وأعطيته إياه: ثم قلت له: ألأبيك ولد غيرك؟ فقال: كثير، فقلت: عشرة؟ قال: أكثر، قلت خمسون؟ قال: أكثر كثر، قلت: مئة، قال: دع المئين وخذ في الألوف، فقلت ويلك! أي شيء تقول؟! أشعب أبوك ليس بينك وبينه أب، كيف يكون له ألوف من الولد؟ فضحك، ثم قال لي: له في هذا خبر طريف، فقلت: حدثني به، فقال: كان أبي منقطعاً إلى سكينة بنت الحسين عليهما السلام، وكانت متزوجة بزيد بن عمر بن عمرو بن عثمان، وكانت محبة له، فكان لا يستقر معها، تقول له: أريد الحج،
فيخرج معها، فإذا مضوا إلى مكة قالت: أريد الرجوع إلى المدينة، فإذا عاد إلى المدينة قالت له: أريد العمرة، فهو معها في سفر لا ينقضي. قال أبي: وكانت حلفته بما لا كفارة له أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يلم بنسائه وجواريه إلا بإذنها، وحج الخليفة في سنة من السنين فقال لها: قد حج أمير المؤمنين ولا بد لي من لقائه، قالت: فاحلف لي أنك لا تدخل الطائف، ولا تلم بجواريك على وجه ولا سبب. فحلف لها بما رضيت به من الأيمان على ذلك، ثم قالت: احلف بالطلاق، فقال: لا أفعل، ولكن ابعثي معي بثقتك، قال: فدعتني وأعطتني ثلاثين ديناراً وقالت: اخرج معه وحلفتني بطلاق بنت وردان زوجتي ألا أطلق له الخروج إلى الطائف بوجه ولا سبب فحلفت لها بما أثلج صدرها، وأذنت له فخرج وخرجت معه، فلما حاذينا الطائف قال لي شعيب! تعال، أنت تعرفني وتعرف صنائعي عندك، وهذه ثلاث مئة دينار خذها وأذن لي ألم بجواري، فلما سمعتها ذهب عقلي، ثم قلت: يا سيدي هي سكينة فالله الله في، فقال: أوتعلم سكينة الغيب؟ فلم يزل بي حتى أخذتها، وأذنت له فمضى فبات عند جواريه، فلما أصبحنا رأيت أبيات قوم من العرب قريبة منا، فلبست حلة وشي كانت لزيد، قيمتها ألف دينار، وركبت فرسه وجئت إلى النساء فسلمت، فرددن وأجللني للهيئة والزي الذي لا يلبس مثله إلا أولاد الخلفاء، ونسبنني فانتسبت نسب زيد فحادثنني وأنسن بي، وأقبل رجال الحي، فكما جاء منهم رجل سأل عني فخبر بنسبي، فجاءني فسلم علي وعطمني وانصرف إلى أن أقبل شيخ كبير منكر، فلما خبر بي وبنسبي شال حاجته عن عينه، ثم نظر إلي وقال: وأبي ما هذه خلقة قرشي ولا شمائله، ولا هو إلا عبد، ثم بادر إلى بيته، وعلمت أنه يريد شراً، فركبت الفرس ثم مضيت، ولحقني فرماني بسهم فما أخطأ قربوس السرج، وما شككت في أنه يلحقني بآخر يقتلني، فسلحت في ثيابي، ولوثتها، ونفذ إلى الحلة فصيرتها شهرة، وأتيت رحل زيد بن عمر، فجلست أغسل الحلة وأجففها، وأقبل زيد بن عمر فرأى ما لحق الحلة والسرج فقال لي: ما القصة ويلك؟ فقلت له: يا سيدي! الصدق أنجى، وحدثته الحديث فاغتاظ، ثم قال: لم يكفك أن تلبس حلتي
وتصنع بها ما صنعت؟ وتركب فرسي وتجلس إلى النساء حتى انتسبت بنسبي؟ وفضحتني وجعلتني عند العرب ولاجاً جماشاً؟ وجرى عليك ذل نسب إلي؟ أنا نفي من أبي ومنسوب إلى أبيك إن لم أسؤك وأبالغ في ذلك.
ثم لقي الخليفة وعاد ودخلنا إلى سكينة، فسألته عن خبره كله، فخبرها حتى انتهت إلى جواريه فقالت: إيه، وما كان خبرك في طريقك، هل مضيت إلى جواريك بالطائف؟ فقال لها: لا أدري، سلي ثقتك، فدعتني وسألتني؟ وبدأت فحلفت لها بكل يمين محرجة أنه ما مر بالطائف ولا دخلها ولا فارقني، فقال لها: اليمين التي حلف بها لازمة لي إن لم أكن دخلت الطائف، وبت عند جواري وغسلتهن جميعاً، وأخذ مني ثلاث مئة دينار، وفعل كذا وكذا، وحدثها الحديث، وأراها الحلة والسرج، فقالت لي: فعلتها يا شعيب؟ أنا نفية من أبي إن أنفقتها إلا فيما يسوؤك، ثم أمرت بكبس منزلي وإحضارها الدنانير فأحضرت، فاشترت بها خشباً وبيضاً وسرجينا، وعملت من الخشب بيتاً فحبستني فيه، وحلفت أن لا أخرج منه ولا أفارقه حتى أحضن البيض كله إلى أن ينقف، فمكثت أربعين يوماً أحضن لها البيض حتى أنقف كله، وخرج منه فراريج كثير، فربيتهن وتناسلن، فكن بالمدينة يسمين بنات أشعب، ونسل أشعب، فهو إلى الآن بالمدينة نسل يزيد على الألوف وما بين الألوف كلهن أهلي وقرابتي.
قال إبراهيم: فضحكت من قوله ضحكاً ما أذكر أني ضحكت مثله قط، ووصلته، ولم يزل عندي زماناً، ثم خرج إلى المدينة ومات هناك.
بعثت سكينة إلى أبي الزناد فجاءها تستفتيه في شيء، فاطلع أشعب عليه من بيت، وجعل يقوقي مثلما الدجاجة، فسبح أبو الزناد وقال: ما هذا؟! فضحكت وقالت: إن هذا الخبيث أفسد علينا بعض أمرنا فحلفت أن يحضن بيضاً في هذا البيت ولا يفارقه حتى ينقف، فجعل أبو الزناد يعجب.
قال أشعب لابنه عبيدة: إني أراني سأخرجك من منزلي وانتفي منك، قال: لم؟ قال: لأني أكسب خلق الله لرغيف، وأنت ابني قد بلغت هذا السن، وأنت في عيالي ما تكسب شيئاً، قال: بلى، إني لأكسب، ولكن مثل الموزة لا تحمل حتى تموت أمها.