سلمة بن عمرو بن الأكوع
واسمه سنان بن عبد الله بن بشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان ابن أسلم بن أفصى بن حارثة أبو عامر، ويقال: أبو مسلم ويقال: أبو إياس الأسلمي المعروف بابن الأكوع قيل: إنه شهد غزوة مؤته من أرض البلقاء.
حدث سلمة بن الأكوع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وتوارت بالحجاب.
وحدث أبو هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ - يعني مؤتة -: خير الفرسان أبو قتادة، وخير الرجالة سلمة بن الأكوع.
قال الحافظ: كذا قال الواقدي، وهو وهم، إنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا، يوم أغار
عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري على لقاحه بالغابة بالمدينة. قال: وقد ذكرت ذلك في ترجمة أبي قتادة إلا أن يكون قاله في المواطنين جميعاً. فالله أعلم.
مات أبو العباس سلمة بن الأكوع بالمدينة سنة أربع وسبعين، وكان يسكن الربذة. والرواة تقول في المجاز: سلمة بن الأكوع، ينسبونه إلى جده، وكان سلمة يوم مات ابن ثمانين سنة، وكان يصفر لحيته.
قال سلمة بن الأكوع ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح دعاء إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى العليّ الوهاب.
وقال سلمة: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن بايعه تحت الشجرة، ثم مررت به بعد ذلك ومعه قوم فقال: بايع يا سلمة فقلت: قد فعلت فقال: وأيضاً، فبايعته الثانية.
قال يزيد بن أبي عبيد: قال سلمة بن الأكوع: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا بن الأكوع ألا تبايع؟ قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضاً، قال: فبايعت الثانية: قال يزيد: فقلت: يا أبا مسلم على أي شيء تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت.
قال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات، ومع يزيد بن حارثة تسع غزوات أمّره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا.
قال سلمة بن الأكوع: كان شعارنا ليلة بيتنّا فيها هوازن مع أبي بكر الصديق أمّره علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمت أمت. وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة من أهل أبيات.
قال سلمة:
غزوت مع أبي بكر أمّره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا، فغزونا هوازن. فلما دنونا من ماء لبني فزارة عرّس بنا أبو بكر، فلما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، ووردنا الماء، فقتل من قتل عليه، ورأيت عنقاً من الذراري في أوائل الناس، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فغدوت حتى حلت بينهم وبين الجبل، وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم، معها ابنة لها من أحسن الناس، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني ابنتها فما كشفت لها عن ثوب حتى قدمت المدينة، فلقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السوق، فقال لي: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك، فقلت: يا نبي الله أعجبتني المرأة، وما كشفت لها ثوباً، فسكت عني، حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق ولم أكشف لها ثوباً، فقال: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك قال قلت: هي لك يا رسول الله، فبعث بها إلى أهل مكة ففادى بها أسارى من المؤمنين في أيدي المشركين.
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: جاء عين للمشركين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما طعم انسلّ، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليّ بالرجل، اقتلوه قال: فابتدر القوم، قال: وكان أبي يسبق الفرس شدّاً. قال: فسبقهم إليه فأخذ بزمام ناقته أو بخطامها. قال: ثم قتله. قال: فنفّله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلبه.
وعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة.
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجنا أنا ورباح غلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله، كنت أريد أن أندّيه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قد أغير على سرجه، قال: وقمت على تل، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه قال: ثم أتبعت القوم، معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين كثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل الشجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأقول: أنا بن الأكوع، اليوم يوم الرّضع، فألحق برجل منهم فأرميه، وهو على راحلة من رحله، فيقع سهمي في الرجل حتى انتظمت كتفه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
فإذا كنت في الشجر أخرقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة فما زال ذلك شأني وشأنهم، أتبعهم، وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خلفته وراء ظهري، واستنفدته من أيديهم، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردة، يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعت على طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري، مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا لسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا، وجعله وراء ظهره، قال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً
لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني؟ قالوا: من أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يطلبني منكم رجل فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، قال رجل منهم: أني أظن. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى إثر أبي قتادة المقداد الكندي، فولّى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم، فآخذ بعنان فرسه، فقلت: يا أخرم، انذر القوم يعني: احذرهم، فأني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة، ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم.
ثم أني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، ويعرضون قبيل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذوقرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدوا وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي تير، وغربت الشمس فألحق رجلاً فأرميه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
قال: فقال: يا ثكل أمي أكوعي بكرة؟ فقلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته سهماً آخر فعلق به سهمان ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على الماء الذي حلّيتم عنه، ذوقرد، فإذا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خمس مئة وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، خلّني فأنتخب من أصحابك مئة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبوء إلا قتلته، قال: أكنت فاعلا ذلك يا سلمة؟ قال: نعم والذي أكرمك، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رأيت نواجذه في ضوء النهار ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهمم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة، فأعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم الراجل والفارس جميعاً، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريباً من ضحوة " وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق - جعل ينادي هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مردفي قلت له: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت، قلت: اذهب إليه، فطفر عن راحلته وتثنيت رجلي وطفرت عن الناقة، ثم أني ربطت عليه شرفاً أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصكّ بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله أو كلمة نحوها قال: فضحك وقال: أنا أظن، حتى قدمنا إلى المدينة.
قال عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالرّبذة فأخرج إلينا يداً ضخمة كأنها خف البعير فقال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها.
وعن سلمة بن الأكوع قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراراً، ومسح على وجهي مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يديّ من الأصابع.
وعن سلمة بن الأكوع قال: استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البداوة فأذن لي.
وعن سلمة بن الأكوع أنه قدم المدينة فلقيه بريدة بن الحصيب فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟! فقال: معاذ الله، أني في إذن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابدوا يا أسلم فتنسموا الرياح، واسكنوا الشّعاب، فقالوا: إنا نخاف يا رسول الله أن يضرنا ذلك في هجرتنا فقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم.
قال سلمة بن الأكوع قال: كنت أحرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض حاجته، فاتكأ على يدي، فمررنا رجل في المسجد رافعاً صوته يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عسى أن يكون هذا مرائياً. قال: فقلت: يا رسول الله، رجل يصلي ويدعو ربه قال: فرفض يدي ثم قال: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة والشدة. قال أحدهما، قال: ثم خرج ليلة أخرى فوجدني فاتكأ على يدي، فمررنا برجل يصلي في المسجد رافعاً صوته فقلت: يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائياً؟ قال: لا، ولكنه أوّاه، فذهبت أنظر فإذا هو عبد الله ذو البجادين والآخر إعرابي.
كان ابن عباس وابن عمرو أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتون بالمدينة ويحدثون عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا. ولما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع على الرّبذة، وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولاداً، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.
واسمه سنان بن عبد الله بن بشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان ابن أسلم بن أفصى بن حارثة أبو عامر، ويقال: أبو مسلم ويقال: أبو إياس الأسلمي المعروف بابن الأكوع قيل: إنه شهد غزوة مؤته من أرض البلقاء.
حدث سلمة بن الأكوع أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي المغرب إذا غابت الشمس وتوارت بالحجاب.
وحدث أبو هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ - يعني مؤتة -: خير الفرسان أبو قتادة، وخير الرجالة سلمة بن الأكوع.
قال الحافظ: كذا قال الواقدي، وهو وهم، إنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا، يوم أغار
عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري على لقاحه بالغابة بالمدينة. قال: وقد ذكرت ذلك في ترجمة أبي قتادة إلا أن يكون قاله في المواطنين جميعاً. فالله أعلم.
مات أبو العباس سلمة بن الأكوع بالمدينة سنة أربع وسبعين، وكان يسكن الربذة. والرواة تقول في المجاز: سلمة بن الأكوع، ينسبونه إلى جده، وكان سلمة يوم مات ابن ثمانين سنة، وكان يصفر لحيته.
قال سلمة بن الأكوع ما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح دعاء إلا استفتحه بسبحان ربي الأعلى العليّ الوهاب.
وقال سلمة: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمن بايعه تحت الشجرة، ثم مررت به بعد ذلك ومعه قوم فقال: بايع يا سلمة فقلت: قد فعلت فقال: وأيضاً، فبايعته الثانية.
قال يزيد بن أبي عبيد: قال سلمة بن الأكوع: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: يا بن الأكوع ألا تبايع؟ قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضاً، قال: فبايعت الثانية: قال يزيد: فقلت: يا أبا مسلم على أي شيء تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت.
قال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبع غزوات، ومع يزيد بن حارثة تسع غزوات أمّره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا.
قال سلمة بن الأكوع: كان شعارنا ليلة بيتنّا فيها هوازن مع أبي بكر الصديق أمّره علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمت أمت. وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة من أهل أبيات.
قال سلمة:
غزوت مع أبي بكر أمّره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا، فغزونا هوازن. فلما دنونا من ماء لبني فزارة عرّس بنا أبو بكر، فلما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة، ووردنا الماء، فقتل من قتل عليه، ورأيت عنقاً من الذراري في أوائل الناس، فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل، فغدوت حتى حلت بينهم وبين الجبل، وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم، معها ابنة لها من أحسن الناس، فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر، فنفلني ابنتها فما كشفت لها عن ثوب حتى قدمت المدينة، فلقيني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السوق، فقال لي: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك، فقلت: يا نبي الله أعجبتني المرأة، وما كشفت لها ثوباً، فسكت عني، حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق ولم أكشف لها ثوباً، فقال: يا سلمة، هب لي المرأة لله أبوك قال قلت: هي لك يا رسول الله، فبعث بها إلى أهل مكة ففادى بها أسارى من المؤمنين في أيدي المشركين.
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: جاء عين للمشركين إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فلما طعم انسلّ، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عليّ بالرجل، اقتلوه قال: فابتدر القوم، قال: وكان أبي يسبق الفرس شدّاً. قال: فسبقهم إليه فأخذ بزمام ناقته أو بخطامها. قال: ثم قتله. قال: فنفّله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلبه.
وعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة.
وعن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجنا أنا ورباح غلام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله، كنت أريد أن أندّيه مع الإبل، فلما كان بغلس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقتل راعيها، وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل، فقلت: يا رباح، اقعد على هذا الفرس، فألحقه بطلحة، وأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قد أغير على سرجه، قال: وقمت على تل، فجعلت وجهي من قبل المدينة، ثم ناديت ثلاث مرات: يا صباحاه قال: ثم أتبعت القوم، معي سيفي ونبلي، فجعلت أرميهم وأعقر بهم، وذلك حين كثر الشجر، فإذا رجع إليّ فارس جلست له في أصل الشجرة، ثم رميت، فلا يقبل عليّ فارس إلا عقرت به، فجعلت أرميهم وأقول: أنا بن الأكوع، اليوم يوم الرّضع، فألحق برجل منهم فأرميه، وهو على راحلة من رحله، فيقع سهمي في الرجل حتى انتظمت كتفه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
فإذا كنت في الشجر أخرقتهم بالنبل، وإذا تضايقت الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة فما زال ذلك شأني وشأنهم، أتبعهم، وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا خلفته وراء ظهري، واستنفدته من أيديهم، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحاً وأكثر من ثلاثين بردة، يستخفون منها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعت على طريق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا امتد الضحى أتاهم عيينة بن بدر الفزاري، مدداً لهم، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل فأنا فوقهم، فقال عيينة: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح ما فارقنا لسحر حتى الآن، وأخذ كل شيء كان في أيدينا، وجعله وراء ظهره، قال عيينة: لولا أن هذا يرى أن وراءه طلباً
لقد ترككم، ليقم إليه نفر منكم، فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل، فلما أسمعتهم الصوت قلت: أتعرفوني؟ قالوا: من أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع، والذي كرم وجه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يطلبني منكم رجل فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني، قال رجل منهم: أني أظن. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخللون الشجر، وإذا أولهم الأخرم الأسدي وعلى إثره أبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى إثر أبي قتادة المقداد الكندي، فولّى المشركون مدبرين، وأنزل من الجبل فأعرض للأخرم، فآخذ بعنان فرسه، فقلت: يا أخرم، انذر القوم يعني: احذرهم، فأني لا آمن أن يقطعوك، فاتئد حتى يلحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. قال: يا سلمة، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليت عنان فرسه فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة، ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين، فعقر الأخرم بعبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم، فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن، فاختلفا طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم.
ثم أني خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، ويعرضون قبيل غيبوبة الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: ذوقرد، فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدوا وراءهم، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية ثنية ذي تير، وغربت الشمس فألحق رجلاً فأرميه فقلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع
قال: فقال: يا ثكل أمي أكوعي بكرة؟ فقلت: نعم يا عدو نفسه، وكان الذي رميته بكرة، فأتبعته سهماً آخر فعلق به سهمان ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو على الماء الذي حلّيتم عنه، ذوقرد، فإذا نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خمس مئة وإذا بلال قد نحر جزوراً مما خلفت، فهو يشوي لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كبدها وسنامها، فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت: يا رسول الله، خلّني فأنتخب من أصحابك مئة فآخذ على الكفار بالعشوة فلا يبقى منهم مخبوء إلا قتلته، قال: أكنت فاعلا ذلك يا سلمة؟ قال: نعم والذي أكرمك، فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى رأيت نواجذه في ضوء النهار ثم قال: إنهم يقرون الآن بأرض غطفان، فجاء رجل من غطفان فقال: مروا على فلان الغطفاني فنحر لهمم جزوراً، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة، فتركوها هراباً، فلما أصبحنا قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة، فأعطاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سهم الراجل والفارس جميعاً، ثم أردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. فلما كان بيننا وبينها قريباً من ضحوة " وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يسبق - جعل ينادي هل من مسابق؟ ألا رجل يسابق إلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مردفي قلت له: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا إلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي خلني فلأسابق الرجل، قال: إن شئت، قلت: اذهب إليه، فطفر عن راحلته وتثنيت رجلي وطفرت عن الناقة، ثم أني ربطت عليه شرفاً أو شرفين، يعني استبقيت نفسي، ثم أني عدوت حتى ألحقه فأصكّ بين كتفيه بيدي. قلت: سبقتك والله أو كلمة نحوها قال: فضحك وقال: أنا أظن، حتى قدمنا إلى المدينة.
قال عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالرّبذة فأخرج إلينا يداً ضخمة كأنها خف البعير فقال: بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها.
وعن سلمة بن الأكوع قال: أردفني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مراراً، ومسح على وجهي مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يديّ من الأصابع.
وعن سلمة بن الأكوع قال: استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في البداوة فأذن لي.
وعن سلمة بن الأكوع أنه قدم المدينة فلقيه بريدة بن الحصيب فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟! فقال: معاذ الله، أني في إذن من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ابدوا يا أسلم فتنسموا الرياح، واسكنوا الشّعاب، فقالوا: إنا نخاف يا رسول الله أن يضرنا ذلك في هجرتنا فقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم.
قال سلمة بن الأكوع قال: كنت أحرس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبعض حاجته، فاتكأ على يدي، فمررنا رجل في المسجد رافعاً صوته يصلي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عسى أن يكون هذا مرائياً. قال: فقلت: يا رسول الله، رجل يصلي ويدعو ربه قال: فرفض يدي ثم قال: إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة والشدة. قال أحدهما، قال: ثم خرج ليلة أخرى فوجدني فاتكأ على يدي، فمررنا برجل يصلي في المسجد رافعاً صوته فقلت: يا رسول الله، عسى أن يكون هذا مرائياً؟ قال: لا، ولكنه أوّاه، فذهبت أنظر فإذا هو عبد الله ذو البجادين والآخر إعرابي.
كان ابن عباس وابن عمرو أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتون بالمدينة ويحدثون عن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا. ولما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع على الرّبذة، وتزوج هناك امرأة، وولدت له أولاداً، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.