سعيد بن مسبِّح
ويقال مسجح أبو عيسى القرشي الأسود المكي مولى بني جمح، ويقال: مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى بني مخزوم، المغني أستاذ عبيد بن سريج في الغناء، وفد على عبد الملك بن مروان.
قال دحمان الأشقر: كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فرفع إلي رجلاً أسود يقال له ابن مسجح قد أفسد فتيان قريش، وأنفقوا عليه أموالهم، فكتبت بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إلي أن أقبض ماله، وسيره إليّ، ففعلت. وتوجه ابن مسجح إلى الشام فصحبه رجل له جوار مغنيات في الطريق، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره، وقال له: أريد الشام، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم، فصحبه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها فسألا: من أخص الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبني عمه، فوقف ابن مسجح عليهم وسلم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلاً غريباً من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعداً أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمم فقال له: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم، وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: بل تجيء معنا أنت وضيفك، فذهبوا جميعاً إلى بيت القينة، فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني أرى رجل أسود ولعل فيكم من يقذرني، فأنا أجلس وأكل ناحية، وقام فاستحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل، وأخرجوا جاريتين، فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنتا إلى العشاء ودخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها، فجلستا أسفل السرير عن يمنية وشماله، وجلست هي على السرير، قال ابن مسجح: فتمثلت هذه البيت الطويل:
فقلتُ أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ ... بدت لك خلف السّجف أم أنتَ حالمُ
فغضبت الجارية وقالت: أيضرب مثل هذا الأسود لي الأمثال؟ فنظروا إلي نظراً كثيراً، ولم يزالوا يسكنونها، ثم غنت صوتاً، قال ابن مسجح: فقلت: أحسنت والله، فغضب مولاها، وقال أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي؟ فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت لأقوم فتذمم القوم وقالوا لي: بل أقم وأحسن أدبك، فأقمت، وغنت فقلت: أخطأت والله يا زانية، وأسأت، ثم اندفعت فغنيت الصوت، فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح فقلت: أني والله أنا هو، والله لأقيم عندكم، فوثب القرشيون، فقال هذا يكون عندي، وقال هذا: لا بل يكون عندي، فقلت: لا والله لا أقيم إلا عند سيدكم " أعني الرجل الذي أنزلني منهم " وسألوه عما أقدمه، فأخبرهم الخبر، فقال له صاحبه: أني أسمر الليلة مع أمير المؤمنين، فهل تحسن أن تحدو؟ فال: لا والله، ولكني أصنع حداء، قال له: فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك، ومضى إلى عبد الملك، فلما رآه طيب النفس أرسل إلى ابن مسجح فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا الرجز:
إنك يا معاذ يا بن الفضل ... إن زلزل الأقوام لم تزلزل
عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميّل
للحق حتى ينتهوا للأعدل
فقال عبد الملك للقرشي: من هذا؟ قال: رجل حجازي قدم عليّ، قال: أحضره فأحضره، فقال له أحد فحدا، ثم قال له: هل تغني غناء الركبان؟ قال: نعم قال: غنّه فغنى، فقال له: هل تغني الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: غنّه، فتغنى فاهتز عبد الملك طرباً، ثم قال له: أقسم أنك لك في القوم اسماً كبيراً من أنت ويلك، قال: أنا المظلوم المقبوض ماله، المسير من وطنه سعيد بن المسجح، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني، فتبسم عبد الملك ثم قال قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليه أموالهم، وأمنه ووصله، وكتب إلى عامله برد ماله، وألا يعرض به بسوء، فعاد إلى ماله ووطنه.
ويقال مسجح أبو عيسى القرشي الأسود المكي مولى بني جمح، ويقال: مولى بني نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ويقال: مولى بني مخزوم، المغني أستاذ عبيد بن سريج في الغناء، وفد على عبد الملك بن مروان.
قال دحمان الأشقر: كنت عاملا لعبد الملك بن مروان بمكة فرفع إلي رجلاً أسود يقال له ابن مسجح قد أفسد فتيان قريش، وأنفقوا عليه أموالهم، فكتبت بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فكتب إلي أن أقبض ماله، وسيره إليّ، ففعلت. وتوجه ابن مسجح إلى الشام فصحبه رجل له جوار مغنيات في الطريق، فقال له: أين تريد؟ فأخبره خبره، وقال له: أريد الشام، قال له: فتكون معي؟ قال: نعم، فصحبه حتى بلغا دمشق، فدخلا مسجدها فسألا: من أخص الناس بأمير المؤمنين؟ فقالوا: هؤلاء النفر من قريش وبني عمه، فوقف ابن مسجح عليهم وسلم ثم قال: يا فتيان، هل فيكم من يضيف رجلاً غريباً من أهل الحجاز؟ فنظر بعضهم إلى بعض وكان عليهم موعداً أن يذهبوا إلى قينة يقال لها برق الأفق فتثاقلوا به إلا فتى منهم تذمم فقال له: أنا أضيفك، وقال لأصحابه: انطلقوا أنتم، وأنا أذهب مع ضيفي، قالوا: بل تجيء معنا أنت وضيفك، فذهبوا جميعاً إلى بيت القينة، فلما أتوا بالغداء قال لهم سعيد: إني أرى رجل أسود ولعل فيكم من يقذرني، فأنا أجلس وأكل ناحية، وقام فاستحيوا منه وبعثوا إليه بما أكل، وأخرجوا جاريتين، فجلستا على سرير قد وضع لهما، فغنتا إلى العشاء ودخلتا، وخرجت جارية حسنة الوجه والهيئة وهما معها، فجلستا أسفل السرير عن يمنية وشماله، وجلست هي على السرير، قال ابن مسجح: فتمثلت هذه البيت الطويل:
فقلتُ أشمسٌ أم مصابيح بيعةٍ ... بدت لك خلف السّجف أم أنتَ حالمُ
فغضبت الجارية وقالت: أيضرب مثل هذا الأسود لي الأمثال؟ فنظروا إلي نظراً كثيراً، ولم يزالوا يسكنونها، ثم غنت صوتاً، قال ابن مسجح: فقلت: أحسنت والله، فغضب مولاها، وقال أمثل هذا الأسود يقدم على جاريتي؟ فقال لي الرجل الذي أنزلني عنده: قم فانصرف إلى منزلي فقد ثقلت على القوم، فذهبت لأقوم فتذمم القوم وقالوا لي: بل أقم وأحسن أدبك، فأقمت، وغنت فقلت: أخطأت والله يا زانية، وأسأت، ثم اندفعت فغنيت الصوت، فوثبت الجارية فقالت لمولاها: هذا أبو عثمان سعيد بن مسجح فقلت: أني والله أنا هو، والله لأقيم عندكم، فوثب القرشيون، فقال هذا يكون عندي، وقال هذا: لا بل يكون عندي، فقلت: لا والله لا أقيم إلا عند سيدكم " أعني الرجل الذي أنزلني منهم " وسألوه عما أقدمه، فأخبرهم الخبر، فقال له صاحبه: أني أسمر الليلة مع أمير المؤمنين، فهل تحسن أن تحدو؟ فال: لا والله، ولكني أصنع حداء، قال له: فإن منزلي بحذاء منزل أمير المؤمنين، فإذا وافقت منه طيب نفس أرسلت إليك، ومضى إلى عبد الملك، فلما رآه طيب النفس أرسل إلى ابن مسجح فأخرج رأسه من وراء شرف القصر ثم حدا الرجز:
إنك يا معاذ يا بن الفضل ... إن زلزل الأقوام لم تزلزل
عن دين موسى والكتاب المنزل ... تقيم أصداغ القرون الميّل
للحق حتى ينتهوا للأعدل
فقال عبد الملك للقرشي: من هذا؟ قال: رجل حجازي قدم عليّ، قال: أحضره فأحضره، فقال له أحد فحدا، ثم قال له: هل تغني غناء الركبان؟ قال: نعم قال: غنّه فغنى، فقال له: هل تغني الغناء المتقن؟ قال: نعم، قال: غنّه، فتغنى فاهتز عبد الملك طرباً، ثم قال له: أقسم أنك لك في القوم اسماً كبيراً من أنت ويلك، قال: أنا المظلوم المقبوض ماله، المسير من وطنه سعيد بن المسجح، قبض مالي عامل الحجاز ونفاني، فتبسم عبد الملك ثم قال قد وضح عذر فتيان قريش في أن ينفقوا عليه أموالهم، وأمنه ووصله، وكتب إلى عامله برد ماله، وألا يعرض به بسوء، فعاد إلى ماله ووطنه.