سديف بن ميمون المكي
الشاعر. مولى أبي لهب.
حدث عن محمد بن علي قال: وما رأيت محمدياً قط يشبهه أو قال: يعدله قال: حدثنا جابر بن عبد الله قال:
خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته وهو يقول: " من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً. قال: قلت: يا رسول الله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟ فقال: نعم، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، إنما احتجز بذلك من سفك دمه وأن يؤدي الجزية عن يدٍ وهو صاغر، ثم قال: إن الله علمني أسماء أمتي كلها كما علم آدم الأسماء كلها، ومثل لي أمتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته.
قال حنان أحد رواة هذا الحديث: فدخلت مع أبي على جعفر بن محمد فحدثه أبي بهذا الحديث، فقال جعفر بن محمد: ما منت أرى أن أبي أحدث بهذا الحديث أحداً؟
قدم على المنصور مولى له يقال له سديف، وكان شديد السواد أعرابياً بدوياً، فنظر إلى رجل من بني أمية في مجلس المنصور فعرفه فقال: والله يا أمير المؤمنين إن هذا لذو وثب وكمين خب، يلحظك بعين العدو، ويطلبك بذخل الوتر. فتكلم الأموي فقال له سديف: أفلت نجومك، وحان أجلك، يا أمير المؤمنين، أطف شعلة طبه وشهاب كلبه. فقال الأموي: أصبحنا ما بحمد الله نتخوف بادرة غضبه، ولا شوكة مخلبه، وقد قل به الجور بعد كثرته، وكثر به العدل بعد قلته، فقال سديف: يا أمير المؤمنين، دونكه قبل أن ينصب لك شباك حيله وأشراك دغله فإنه الذي كدمنا بأعضله، وكلمنا بكلكله. فقال الأموي: قد والله رفع الله أمير المؤمنين عن خلف الوعد ونقض العهد، هذا أمان ليس لك علي فيه سلطانٌ بيد ولا لسان، فاكفف عني أيها الوغد الوضر. فقال له المنصور: اكفف يا سديف، وأخبرني هل أطرفتنا بشيء من شعرك؟ قال: لقد أطرفتك بسبائك ذهبٍ، ودر نظمٍ، وجوهر عقيان، فصلتهن لك بزبرجدٍ منضودٍ في سلك معقود لتعرف أني ناصح الجيب أمين الغيب، فأنشده أبياتاً يحرضه على الأموي، فما فرغ من إنشادها حتى دعا بالأموي فقتله والأبيات: من البسيط
يا راتق الفتق من جلباب دولته ... ومن سنا قلبه مستيقظٌ عادي
إني ومن أين لي في كل منزلةٍ ... مولى كأنت لإبراقٍ وإرعاد
أو مثل بحرك بحرٌ لا يزال به ... ريان مرتحل أو واردٌ صادي
لا تبق من عبد شمسٍ حيةً ذكراً ... تسعى إليك بإرصادٍ وإلحاد
جدد لهم رأي عزم منك مصطلمٍ ... يكبون منه عباديداً على الهاد
ولا تقيلن منهم عثرةً أحداً ... فكلهم وفتاهم حية الوادي
وهل يعلم هماً جمزةً حدثٌ ... عبدٌ ومولاه نحريرٌ بها هادي
آليت لو أن لي بالقوم مقدرةً ... لما بقي حاضرٌ منهم ولا بادي
ولم يزل سديف يطلب ولد بسر بن أبي أرطأة حتى ظفر بابنين له بساحل دمشق،
فقتلهما لقتل بسر جدهما ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب باليمن، لما بعثه معاوية أميراً عليها بعد قتل عثمان.
وروي عن سديف مولى اللهبيين أنه كان يقول: اللهم، قد صار فيئنا دولةً بعد القسمة، وإمارتنا غلبةً بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة، اللهم، وقد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهيته، واجتمع طريده، اللهم، فأتح له يداً من الحق حاصدةً تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره.
حدث محمد بن داود العباسي وكان أمير مكة قال: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة مال إليه سديف وبايعه، وكان من خاصته، وجعل يطعن على أبي جعفر ويقول فيه، ويمتدح بني علي ويتشيع لهم. قال: فقال يوماً، ومحمد بن عبد الله على المنبر وسديف عن يمين المنبر يقول ويشير بيده إلى العراق يريد أبا جعفر: من الكامل
أسرفت في قتل البرية جاهداً ... فاكفف يديك أطلها مهديها
فلتأتينك غارةٌ حسنيةٌ ... جرارةٌ يحتثها حسنيها
ويشير إلى محمد بن عبد الله:
حتى يصبح قريةً كوفيةً ... لما تغطرس ظالماً حرميها
قال: فبلغ ذلك أبا جعفر فقال: قتلني الله إن لم أسرف في قتله. قال: فلما قتل عيسى بن موسى محمد بن عبد الله بن حسن بعث أبو جعفر إلى عمه عبد الصمد بن علي، وكان عامله على مكة، إن ظفر بسديف أن يقتله. قال: فظفر به علانيةً على
رؤوس الناس، وكان يحفظ له ما كان من مدائحه إياهم قبل خروجه، فقال له: ويحك يا سديف ليس لي فيك حيلة، وقد أخذتك ظاهراً على رؤوس الناس، ولكني أعاود فيك أمير المؤمنين. فكتب إلى أبي جعفر يخبره بأمره، فكتب إليه يأمره بقتله، فجعل يدافع عنه ويعاوده في أمره، فكتب إليه: والله لئن لم تقتله لأقتلنك، ولا يغرنك قولك: أنا عمه. فدافع بقتله حتى حج المنصور، فلما قرب من الحرم أخرج عبد الصمد سديفاً من الحرم فضرب عنقه، ثم خرج للقاء المنصور، فلما لقيه دنا منه، وهو في قبته، فسلم عليه، فقال له أبو جعفر من قبل أن يرد عليه السلام: ما فعلت في أمر سديف؟ قال: قتلته يا أمير المؤمنين. قال: وعليك السلام يا عم، يا غلام أوقف. فأوقف، ثم أمره فعادله.
وذكر أبو بكر البلاذري بسنده عن علي بن صالح قال: كان سديف مائلاً إلى المنصور، فلما استخلف وصله بألف دينار، فدفعها إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن معونة له، فلما قتل محمد صار مع أخيه إبراهيم بالبصرة، حتى إذا قتل إبراهيم أتى المدينة، فاستخفى بها، فيقال: إنه طلب له الأمان من عبد الصمد بن علي وهو واليها، فأمنه، وأحلفه أن لا يبرح من المدينة، وقدم المنصور المدينة فقيل له: هذا سديف رأيناه ذاهباً وجائياً. فبعث في طلبه، وأخذ عبد الصمد بن أشد أخذٍ ووجد عليه في أمره، فلما أتي بسديف أمر به فجعل في جوالق، ثم خيط عليه، وضرب بالخشب حتى كسر، ثم رمي به في بئر وبه رمقٌ حتى مات.
الشاعر. مولى أبي لهب.
حدث عن محمد بن علي قال: وما رأيت محمدياً قط يشبهه أو قال: يعدله قال: حدثنا جابر بن عبد الله قال:
خطبنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعته وهو يقول: " من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً. قال: قلت: يا رسول الله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟ فقال: نعم، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، إنما احتجز بذلك من سفك دمه وأن يؤدي الجزية عن يدٍ وهو صاغر، ثم قال: إن الله علمني أسماء أمتي كلها كما علم آدم الأسماء كلها، ومثل لي أمتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته.
قال حنان أحد رواة هذا الحديث: فدخلت مع أبي على جعفر بن محمد فحدثه أبي بهذا الحديث، فقال جعفر بن محمد: ما منت أرى أن أبي أحدث بهذا الحديث أحداً؟
قدم على المنصور مولى له يقال له سديف، وكان شديد السواد أعرابياً بدوياً، فنظر إلى رجل من بني أمية في مجلس المنصور فعرفه فقال: والله يا أمير المؤمنين إن هذا لذو وثب وكمين خب، يلحظك بعين العدو، ويطلبك بذخل الوتر. فتكلم الأموي فقال له سديف: أفلت نجومك، وحان أجلك، يا أمير المؤمنين، أطف شعلة طبه وشهاب كلبه. فقال الأموي: أصبحنا ما بحمد الله نتخوف بادرة غضبه، ولا شوكة مخلبه، وقد قل به الجور بعد كثرته، وكثر به العدل بعد قلته، فقال سديف: يا أمير المؤمنين، دونكه قبل أن ينصب لك شباك حيله وأشراك دغله فإنه الذي كدمنا بأعضله، وكلمنا بكلكله. فقال الأموي: قد والله رفع الله أمير المؤمنين عن خلف الوعد ونقض العهد، هذا أمان ليس لك علي فيه سلطانٌ بيد ولا لسان، فاكفف عني أيها الوغد الوضر. فقال له المنصور: اكفف يا سديف، وأخبرني هل أطرفتنا بشيء من شعرك؟ قال: لقد أطرفتك بسبائك ذهبٍ، ودر نظمٍ، وجوهر عقيان، فصلتهن لك بزبرجدٍ منضودٍ في سلك معقود لتعرف أني ناصح الجيب أمين الغيب، فأنشده أبياتاً يحرضه على الأموي، فما فرغ من إنشادها حتى دعا بالأموي فقتله والأبيات: من البسيط
يا راتق الفتق من جلباب دولته ... ومن سنا قلبه مستيقظٌ عادي
إني ومن أين لي في كل منزلةٍ ... مولى كأنت لإبراقٍ وإرعاد
أو مثل بحرك بحرٌ لا يزال به ... ريان مرتحل أو واردٌ صادي
لا تبق من عبد شمسٍ حيةً ذكراً ... تسعى إليك بإرصادٍ وإلحاد
جدد لهم رأي عزم منك مصطلمٍ ... يكبون منه عباديداً على الهاد
ولا تقيلن منهم عثرةً أحداً ... فكلهم وفتاهم حية الوادي
وهل يعلم هماً جمزةً حدثٌ ... عبدٌ ومولاه نحريرٌ بها هادي
آليت لو أن لي بالقوم مقدرةً ... لما بقي حاضرٌ منهم ولا بادي
ولم يزل سديف يطلب ولد بسر بن أبي أرطأة حتى ظفر بابنين له بساحل دمشق،
فقتلهما لقتل بسر جدهما ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب باليمن، لما بعثه معاوية أميراً عليها بعد قتل عثمان.
وروي عن سديف مولى اللهبيين أنه كان يقول: اللهم، قد صار فيئنا دولةً بعد القسمة، وإمارتنا غلبةً بعد المشورة، وعهدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة، اللهم، وقد استحصد زرع الباطل، وبلغ نهيته، واجتمع طريده، اللهم، فأتح له يداً من الحق حاصدةً تبدد شمله، وتفرق أمره، ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره.
حدث محمد بن داود العباسي وكان أمير مكة قال: لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة مال إليه سديف وبايعه، وكان من خاصته، وجعل يطعن على أبي جعفر ويقول فيه، ويمتدح بني علي ويتشيع لهم. قال: فقال يوماً، ومحمد بن عبد الله على المنبر وسديف عن يمين المنبر يقول ويشير بيده إلى العراق يريد أبا جعفر: من الكامل
أسرفت في قتل البرية جاهداً ... فاكفف يديك أطلها مهديها
فلتأتينك غارةٌ حسنيةٌ ... جرارةٌ يحتثها حسنيها
ويشير إلى محمد بن عبد الله:
حتى يصبح قريةً كوفيةً ... لما تغطرس ظالماً حرميها
قال: فبلغ ذلك أبا جعفر فقال: قتلني الله إن لم أسرف في قتله. قال: فلما قتل عيسى بن موسى محمد بن عبد الله بن حسن بعث أبو جعفر إلى عمه عبد الصمد بن علي، وكان عامله على مكة، إن ظفر بسديف أن يقتله. قال: فظفر به علانيةً على
رؤوس الناس، وكان يحفظ له ما كان من مدائحه إياهم قبل خروجه، فقال له: ويحك يا سديف ليس لي فيك حيلة، وقد أخذتك ظاهراً على رؤوس الناس، ولكني أعاود فيك أمير المؤمنين. فكتب إلى أبي جعفر يخبره بأمره، فكتب إليه يأمره بقتله، فجعل يدافع عنه ويعاوده في أمره، فكتب إليه: والله لئن لم تقتله لأقتلنك، ولا يغرنك قولك: أنا عمه. فدافع بقتله حتى حج المنصور، فلما قرب من الحرم أخرج عبد الصمد سديفاً من الحرم فضرب عنقه، ثم خرج للقاء المنصور، فلما لقيه دنا منه، وهو في قبته، فسلم عليه، فقال له أبو جعفر من قبل أن يرد عليه السلام: ما فعلت في أمر سديف؟ قال: قتلته يا أمير المؤمنين. قال: وعليك السلام يا عم، يا غلام أوقف. فأوقف، ثم أمره فعادله.
وذكر أبو بكر البلاذري بسنده عن علي بن صالح قال: كان سديف مائلاً إلى المنصور، فلما استخلف وصله بألف دينار، فدفعها إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن معونة له، فلما قتل محمد صار مع أخيه إبراهيم بالبصرة، حتى إذا قتل إبراهيم أتى المدينة، فاستخفى بها، فيقال: إنه طلب له الأمان من عبد الصمد بن علي وهو واليها، فأمنه، وأحلفه أن لا يبرح من المدينة، وقدم المنصور المدينة فقيل له: هذا سديف رأيناه ذاهباً وجائياً. فبعث في طلبه، وأخذ عبد الصمد بن أشد أخذٍ ووجد عليه في أمره، فلما أتي بسديف أمر به فجعل في جوالق، ثم خيط عليه، وضرب بالخشب حتى كسر، ثم رمي به في بئر وبه رمقٌ حتى مات.