ثابت بن يحيى بن إسار
أبو عباد الرازي كاتب المأمون، وكان يصحبه في سفره وحضره، وكان قدم معه دمشق، وكان من الكفاة.
حدث أبو عباد، وذكر المأمون فقال: كان والله أحد ملوك الأرض الذي يجب له هذا الاسم بالحقيقة، ثم أنشأ يحدث قال: كان يلزم بابي رجلٌ لا أعرفه، فلما طالت ملازمته قلت له بسوء لقائي: يا هذا ما لزومك بابي؟ قال: طالب حاجة، قلت: وما هي؟ قال: توصلني إلى أمير المؤمنين، أو توصل لي رقعة، قلت: ما يمكنني ما تريد في أمرك.
فانصرف ولم يرد علي شيئاً؛ وجعل يلزم الباب فما يفارقه، فإذا انصرف فرآني نشيطاً تصدى لي، فأراني وجهه فقط، فإن رآني بغير تلك الحال كمن ناحية، فما زالت تلك حاله صابراً علينا حتى رفقت عليه، فقلت له يوماً وقد انصرفت من الدار: مكانك، فأقام، فقلت للغلام: أدخل هذا الرجل، فأدخله، فقلت: يا هذا إني أرى لك مطالبةً جميلة، وأظن أنك ترجع إلى محتدٍ كريم، وأدبٍ بارع، قال: أما المحتد فرجلٌ من الأعاجم، وأما الأدب فأرجو أن تجده إن طلبته، قلت: إن عندي منه علماً، قال: وما هو أدام الله عزك؟ قلت: صبرك على المطالبة الجميلة، قال: ذاك أقل أحوالي أعزك الله.
قال: فدخلتني له جلالة، فقلت: حاجتك؟ قال: ضيعة صارت لأمير المؤمنين أيده الله كانت لسعيد بن جابر وكنا شركاءه فيها.
فجاء وكيله فضرب منارة على حدودنا وحدوده، وهذه ضيعةٌ كنا نعود بفضلها على الغريب والصديق والجار الأخ؛ قلت: فمعك رقعة؟ قال: نعم.
فأخرج رقعة من خفه فيها مظلمته، فلما قرأتها ووضعتها، قام فانصرف، فخف على قلبي، وأحببت نفعه، فأدخلته على المأمون مع خمسةٍ من أصحاب الحوائج فاتفق أن كان أول من تكلم منهم، فاستنطق رجلاً فصيحاً، حسن العبارة لسناً، فقال: تكلم بحاجتك، فتكلم، فقال: يا ثابت وقع له بقضائها، ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أرضٌ غلبني
عليها ابن البختكان بالأهواز بقوة السلطان، فأخرجها عن يدي، ودعاني إلى أخذ بعض ثمنها، فقال: يا ثابت وقع له بالكتاب إلى القاضي هناك يأمره بإنصافه وإخراج يد ابن البختكان منه وأخذها من الرجل بحكمه.
ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قطيعة كان المنصور أقطعها أبي، فأخذت من أيدينا بسبب البرامكة، قال: وقع برد عليه هذه موفورة وينظر ما أخرجت منذ قبضت عنهم إلى هذه الغاية فيدفع إليهم حاصل غلاتهم.
ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، علي دين قد كظني وأزلني بكثره، وقوى علي أربابه، قال: وكم دينك؟ قال: أربع مائة ألف دينار، قال: وقع يا ثابت بقضاء دينه.
قال: فسأل سبع حوائج قيمتها ألف ألف درهم؛ فوالله ما إن زالت قدمه عن مقرها حتى قضيت.
فامتلأت غيظاً، وفرت فور المرجل حتى لو أمكنت من لحمه لأكلته.
ثم دعا للمأمون وخرج.
فقال: يا ثابت، أتعرف هذا الرجل؟ قلت: فعل الله به وفعل، فما رأيت والله رجلاً أجهل منه، ولا أوقح وجهاً! فقال: لا تقل ذاك فتظلمه، فما أدري متى خاطبت رجلاً هو أعقل منه، ولا أعرف بما يخرج من رأسه.
فقصصت عليه قصته أولها وآخرها، فقال: هذا من الذي قلت لك، ثم قال: وأزيدك أخرى ولا أحسبك فهمتها، قال: قلت: وما هي؟ قال: أما رأيت خاتمه في إصبعه اليمنى؟ قال: " ولتعرفنهم في لحن القول ".
أبو عباد الرازي كاتب المأمون، وكان يصحبه في سفره وحضره، وكان قدم معه دمشق، وكان من الكفاة.
حدث أبو عباد، وذكر المأمون فقال: كان والله أحد ملوك الأرض الذي يجب له هذا الاسم بالحقيقة، ثم أنشأ يحدث قال: كان يلزم بابي رجلٌ لا أعرفه، فلما طالت ملازمته قلت له بسوء لقائي: يا هذا ما لزومك بابي؟ قال: طالب حاجة، قلت: وما هي؟ قال: توصلني إلى أمير المؤمنين، أو توصل لي رقعة، قلت: ما يمكنني ما تريد في أمرك.
فانصرف ولم يرد علي شيئاً؛ وجعل يلزم الباب فما يفارقه، فإذا انصرف فرآني نشيطاً تصدى لي، فأراني وجهه فقط، فإن رآني بغير تلك الحال كمن ناحية، فما زالت تلك حاله صابراً علينا حتى رفقت عليه، فقلت له يوماً وقد انصرفت من الدار: مكانك، فأقام، فقلت للغلام: أدخل هذا الرجل، فأدخله، فقلت: يا هذا إني أرى لك مطالبةً جميلة، وأظن أنك ترجع إلى محتدٍ كريم، وأدبٍ بارع، قال: أما المحتد فرجلٌ من الأعاجم، وأما الأدب فأرجو أن تجده إن طلبته، قلت: إن عندي منه علماً، قال: وما هو أدام الله عزك؟ قلت: صبرك على المطالبة الجميلة، قال: ذاك أقل أحوالي أعزك الله.
قال: فدخلتني له جلالة، فقلت: حاجتك؟ قال: ضيعة صارت لأمير المؤمنين أيده الله كانت لسعيد بن جابر وكنا شركاءه فيها.
فجاء وكيله فضرب منارة على حدودنا وحدوده، وهذه ضيعةٌ كنا نعود بفضلها على الغريب والصديق والجار الأخ؛ قلت: فمعك رقعة؟ قال: نعم.
فأخرج رقعة من خفه فيها مظلمته، فلما قرأتها ووضعتها، قام فانصرف، فخف على قلبي، وأحببت نفعه، فأدخلته على المأمون مع خمسةٍ من أصحاب الحوائج فاتفق أن كان أول من تكلم منهم، فاستنطق رجلاً فصيحاً، حسن العبارة لسناً، فقال: تكلم بحاجتك، فتكلم، فقال: يا ثابت وقع له بقضائها، ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أرضٌ غلبني
عليها ابن البختكان بالأهواز بقوة السلطان، فأخرجها عن يدي، ودعاني إلى أخذ بعض ثمنها، فقال: يا ثابت وقع له بالكتاب إلى القاضي هناك يأمره بإنصافه وإخراج يد ابن البختكان منه وأخذها من الرجل بحكمه.
ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قطيعة كان المنصور أقطعها أبي، فأخذت من أيدينا بسبب البرامكة، قال: وقع برد عليه هذه موفورة وينظر ما أخرجت منذ قبضت عنهم إلى هذه الغاية فيدفع إليهم حاصل غلاتهم.
ثم قال: ألك حاجة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، علي دين قد كظني وأزلني بكثره، وقوى علي أربابه، قال: وكم دينك؟ قال: أربع مائة ألف دينار، قال: وقع يا ثابت بقضاء دينه.
قال: فسأل سبع حوائج قيمتها ألف ألف درهم؛ فوالله ما إن زالت قدمه عن مقرها حتى قضيت.
فامتلأت غيظاً، وفرت فور المرجل حتى لو أمكنت من لحمه لأكلته.
ثم دعا للمأمون وخرج.
فقال: يا ثابت، أتعرف هذا الرجل؟ قلت: فعل الله به وفعل، فما رأيت والله رجلاً أجهل منه، ولا أوقح وجهاً! فقال: لا تقل ذاك فتظلمه، فما أدري متى خاطبت رجلاً هو أعقل منه، ولا أعرف بما يخرج من رأسه.
فقصصت عليه قصته أولها وآخرها، فقال: هذا من الذي قلت لك، ثم قال: وأزيدك أخرى ولا أحسبك فهمتها، قال: قلت: وما هي؟ قال: أما رأيت خاتمه في إصبعه اليمنى؟ قال: " ولتعرفنهم في لحن القول ".