المسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم
أبو المجد التنوخي الحموي شاب شاعر، قدم دمشق على ما ذكر لي أبو السر شاكر بن عبد الله التنوخي، وأنشدني له قصيدة يمدح بها أتابك زنكي بن آق سنقر نصير أمير المؤمنين، صاحب الشام، أنشده إياها بقلعة حمص.
قال: وكان ملك الروم نزل شيزر وحاصرها، وأشرفت منه على الهلاك، وكان أتابك يركب كل يوم في جيشه ويقف على تل أرجزا ولا يزول عنه إلى المغرب، وملك الروم على جريجنس - جبل شرقي شيزر - ينظر إلى الجيش، فإذا قال له الفرنج: دعنا نأخذ العسكر ونمضي إليه. يقول لهم: هذا زنكي أتابك يعتبئ النهار كله في هذه المدة لأي سبب؟ إنما يريدني أركب إليه، وإذا حصلنا معه في أرض واحدة ما يبقى لنا سبيل إلى السلامة، وقد جعل تحت كل مكمن كميناً، ونحن الآن على هذه الجبل في حصن، وبيننا وبينه العاصي.
وألقى الله في قلب ملك الروم منه الرعب حتى رحل عنها بعد أحد وعشرين يوماً، وطلب درب أفامية، وترك مجانيقه العظام، وتبعه أتابك إلى بعض الطريق وعاد ظافراً قد حفظ الإسلام بالشام، ورفع المجانيق إلى قلعة حلب المحروسة.
فوصف مسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم، الحال فقال: " من الوافر "
بعزمك أيها الملك العظيم ... تذل لك الصعاب وتستقيم
رآك الدهر منه أشد بأساً ... وشح بمثلك الزمن الكريم
إذا خطرت سيوفك في نفوس ... فأول ما يفارقها الجسوم
ولو أضمرت للأنواء حرباً ... لما طلعت لهيبتك الغيوم
أيلتمس الفرنج لديك عفواً ... وأنت بقطع دابرها زعيم
وكم جرعتها غصص المنايا ... بيوم فيه يكتهل الفطيم
فسيفك في مفارقهم خضيب ... وذكرك في مواطنهم عظيم
وكل محصن منهم أخيد ... وكل محضن فيهم يتيم
ولما أن طلبتهم تمنى ال ... منية جوسلينهم اللئيم
أقام يطوف الآفاق جبناً ... وأنت على معاقلهم مقيم
فسار وما يعادله مليك ... وعاد وما يعادله سقيم
يحاول أن يحاربك اختلاساً ... كما رام اختلاس الليث ريم
ألم تر أن كلب الروم لما ... تبين أنه الملك الرحيم
فجاء فطبق الفلوات خيلاً ... كأن الجحفل الليل البهيم
وقد نزل الزمان على رضاه ... فكان لخطبه الخطب الجسيم
فحين رميته بك في خميس ... تيقن أن ذلك لا يدوم
وأبصر في المفاضة منك جيشاً ... فأحرف لا يسير ولا يقيم
كأنك في العجاج شهاب نور ... توقد وهو شيطان رجيم
أراد بقاء مهجته فولى ... وليس سوى الحمام له حميم
يؤمل أن يجود بها عليه ... وأنت بها وبالدنيا كريم
رأيتك والملوك لها ازدحام ... ببابك لا تزول ولا تريم
تقبل من ركابك كل وقت ... مكاناً ليس تبلغه النجوم
تود الشمس لو وصلت إليه ... وأين من الغزالة ما تروم
أردت فليس في الدنيا منيع ... وجدت فليس في الدنيا عديم
وما أحييت فينا العدل حتى ... أميت بسيفك الزمن الظلوم
وصرت إلى المماليك في زمان ... به وبملك الدنيا عقيم
تزخرف للأمير جنان عدن ... كما لعداء تستعر الجحيم
أقر الله عينيك من مليك ... تخامر غب همته الهموم
ولا برحت لك الدنيا فداء ... وملكك من حوادثها سليم
وإن تك في سبيل الله تشقى ... فعند الله أجرك والنعيم
وأنشدني أبو اليسر له أبياتاً قالها في الملك العادل أبي القاسم محمود بن زنكي: " من الكامل "
يا صاح هل لك في احتمال تحية ... تهدى إلى الملك الأغر جبينه
قف حيث تختلس النفوس مهابة ... ويغيض من ماء الوجوه معينه
فهنالك الأسد الذي امتنعت به ... وبسيفه دنيا الإله ودينه
فمن المهندة الرقاق لباسه ... ومن المثقفة الدقاق عرينه
تبدو الشجاعة من طلاقة وجهه ... كالرمح دل على القساوة لينه
ووراء يقظته أناة مجرب ... لله سطوة بأسه وسكونه
هذا الذي في الله صح جهاده ... هذا الذي في الله صح يقينه
هذا الذي بخل الزمان بمثله ... والمشمخر إلى العلى عرنينه
هذا عماد الدين وأبن عماده ... ثبتاً كما انشق الوشج رصينه
هذا الذي تقف الملوك ببابه ... هذا الذي تهب الألوف يمينه
ملك الورى ملك أغر متوج ... لا غدره يخشى ولا تلوينه
إن حل فالشرف التليد أنيسه ... أو سارف فالظفر العزيز قرينه
فالدهر خاذل من أراد عناده ... أبداً وجبار السماء معينه
والذين يشهد إنه لمعزه ... والشرك يعلم إنه لمهينه
ما زال يقسم أن يبدد شمله ... والله يكره أن تمين يمينه
حتى رمى بالأهوجية ركنه ... فانهد شامخه وحض ركينه
فتح الرها بالأمس فانفتحت له ... أبواب ملك لا يدال مصونه
دلف الأمير لها يهب لنصره ... منها مبارك طائر ميمونه
وغداً يكون له بأنطاكية ... مشهور فتح في الزمان مبينه
طعن الجيوش برأيه وسنانه ... يوم اللقاء فما أبل طعينه
أبو المجد التنوخي الحموي شاب شاعر، قدم دمشق على ما ذكر لي أبو السر شاكر بن عبد الله التنوخي، وأنشدني له قصيدة يمدح بها أتابك زنكي بن آق سنقر نصير أمير المؤمنين، صاحب الشام، أنشده إياها بقلعة حمص.
قال: وكان ملك الروم نزل شيزر وحاصرها، وأشرفت منه على الهلاك، وكان أتابك يركب كل يوم في جيشه ويقف على تل أرجزا ولا يزول عنه إلى المغرب، وملك الروم على جريجنس - جبل شرقي شيزر - ينظر إلى الجيش، فإذا قال له الفرنج: دعنا نأخذ العسكر ونمضي إليه. يقول لهم: هذا زنكي أتابك يعتبئ النهار كله في هذه المدة لأي سبب؟ إنما يريدني أركب إليه، وإذا حصلنا معه في أرض واحدة ما يبقى لنا سبيل إلى السلامة، وقد جعل تحت كل مكمن كميناً، ونحن الآن على هذه الجبل في حصن، وبيننا وبينه العاصي.
وألقى الله في قلب ملك الروم منه الرعب حتى رحل عنها بعد أحد وعشرين يوماً، وطلب درب أفامية، وترك مجانيقه العظام، وتبعه أتابك إلى بعض الطريق وعاد ظافراً قد حفظ الإسلام بالشام، ورفع المجانيق إلى قلعة حلب المحروسة.
فوصف مسلم بن الخضر بن المسلم بن قسيم، الحال فقال: " من الوافر "
بعزمك أيها الملك العظيم ... تذل لك الصعاب وتستقيم
رآك الدهر منه أشد بأساً ... وشح بمثلك الزمن الكريم
إذا خطرت سيوفك في نفوس ... فأول ما يفارقها الجسوم
ولو أضمرت للأنواء حرباً ... لما طلعت لهيبتك الغيوم
أيلتمس الفرنج لديك عفواً ... وأنت بقطع دابرها زعيم
وكم جرعتها غصص المنايا ... بيوم فيه يكتهل الفطيم
فسيفك في مفارقهم خضيب ... وذكرك في مواطنهم عظيم
وكل محصن منهم أخيد ... وكل محضن فيهم يتيم
ولما أن طلبتهم تمنى ال ... منية جوسلينهم اللئيم
أقام يطوف الآفاق جبناً ... وأنت على معاقلهم مقيم
فسار وما يعادله مليك ... وعاد وما يعادله سقيم
يحاول أن يحاربك اختلاساً ... كما رام اختلاس الليث ريم
ألم تر أن كلب الروم لما ... تبين أنه الملك الرحيم
فجاء فطبق الفلوات خيلاً ... كأن الجحفل الليل البهيم
وقد نزل الزمان على رضاه ... فكان لخطبه الخطب الجسيم
فحين رميته بك في خميس ... تيقن أن ذلك لا يدوم
وأبصر في المفاضة منك جيشاً ... فأحرف لا يسير ولا يقيم
كأنك في العجاج شهاب نور ... توقد وهو شيطان رجيم
أراد بقاء مهجته فولى ... وليس سوى الحمام له حميم
يؤمل أن يجود بها عليه ... وأنت بها وبالدنيا كريم
رأيتك والملوك لها ازدحام ... ببابك لا تزول ولا تريم
تقبل من ركابك كل وقت ... مكاناً ليس تبلغه النجوم
تود الشمس لو وصلت إليه ... وأين من الغزالة ما تروم
أردت فليس في الدنيا منيع ... وجدت فليس في الدنيا عديم
وما أحييت فينا العدل حتى ... أميت بسيفك الزمن الظلوم
وصرت إلى المماليك في زمان ... به وبملك الدنيا عقيم
تزخرف للأمير جنان عدن ... كما لعداء تستعر الجحيم
أقر الله عينيك من مليك ... تخامر غب همته الهموم
ولا برحت لك الدنيا فداء ... وملكك من حوادثها سليم
وإن تك في سبيل الله تشقى ... فعند الله أجرك والنعيم
وأنشدني أبو اليسر له أبياتاً قالها في الملك العادل أبي القاسم محمود بن زنكي: " من الكامل "
يا صاح هل لك في احتمال تحية ... تهدى إلى الملك الأغر جبينه
قف حيث تختلس النفوس مهابة ... ويغيض من ماء الوجوه معينه
فهنالك الأسد الذي امتنعت به ... وبسيفه دنيا الإله ودينه
فمن المهندة الرقاق لباسه ... ومن المثقفة الدقاق عرينه
تبدو الشجاعة من طلاقة وجهه ... كالرمح دل على القساوة لينه
ووراء يقظته أناة مجرب ... لله سطوة بأسه وسكونه
هذا الذي في الله صح جهاده ... هذا الذي في الله صح يقينه
هذا الذي بخل الزمان بمثله ... والمشمخر إلى العلى عرنينه
هذا عماد الدين وأبن عماده ... ثبتاً كما انشق الوشج رصينه
هذا الذي تقف الملوك ببابه ... هذا الذي تهب الألوف يمينه
ملك الورى ملك أغر متوج ... لا غدره يخشى ولا تلوينه
إن حل فالشرف التليد أنيسه ... أو سارف فالظفر العزيز قرينه
فالدهر خاذل من أراد عناده ... أبداً وجبار السماء معينه
والذين يشهد إنه لمعزه ... والشرك يعلم إنه لمهينه
ما زال يقسم أن يبدد شمله ... والله يكره أن تمين يمينه
حتى رمى بالأهوجية ركنه ... فانهد شامخه وحض ركينه
فتح الرها بالأمس فانفتحت له ... أبواب ملك لا يدال مصونه
دلف الأمير لها يهب لنصره ... منها مبارك طائر ميمونه
وغداً يكون له بأنطاكية ... مشهور فتح في الزمان مبينه
طعن الجيوش برأيه وسنانه ... يوم اللقاء فما أبل طعينه