الضحاك بن المنذر بن سَلامة
ابن ذي فائش بن يزيد بن مرّة بن عريب بن مَرْثَد بن يريم الحميري وفد على معاوية ذكر أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهَمْداني المعروف بابن ذي الدمينة في كتاب مفاخر قحطان قال:
ذكروا أن الضحاك بن المنذر الحميري - وكان أبوه وجده ملكين، وكان وسيماً جسيماً. دخل على معاوية بن أبي سفيان، فاستشرفه معاوية حين نظر إليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من فرسان الصّياح، الملاعبين بالرماح، المبارين للرياح، وكان معاوية متكئاً، فاستوى قاعداً، وعجب من قوله وقال: أنت إذان من قريش البطاح. قال: لست منهم، ولولا الكتاب المنزل، والنبي المرسل لكنت عنهم راغباً، ولقديمهم عائباً. قال: فأنت إذن من أهل الشراسة، ذوي الكرم والرئاسة: كنانة بن خزيمة. قال: لست منهم، وإني لأطمو عليهم ببحر زاخر، وملك قاهر، وعز باهر، وفرع شامخ، وأصل باذخ. قال: فأنت إذن من جمرة معدّ، وركنها الأشدّ أهل الغارات: بني أسد. قال: لست منهم، لأن أولئك عبيد، ولم يبق منهم إلا الشريد. قال: فأنت إذن من فرسان العرب المطعمين في الكرب، أهل القباب الحمر: تميم بن عمرّ. قال: لست منهم، لأن أولئك بدؤوا بالفرار حين أجحرتهم من الأحجار. قال: فأنت إذن من خيار بني نزار، وأحماهم للذمار، وأوفاهم بذمة الجار: بني ضبّة. قال: لست منه، لأن أولئك رعاء البقر وأهل البؤس والنكر، لا يُقْرُون الضيف، ولا يدفعون الحَيْف. قال: فأنت إذن من أهل الطلب بالأوتار، واجتماع الدار: ثقيف بن منبّه. قال: كلا. أولئك قصار الحدُود لئام الجدود، بقية ثمود،. قال: فأنت إذن من أهل الشاء والنَّعَم، والمنعة والكرم: هُذيل بن مُدركة. قال: كلا، ألهي أولئك جمع الحطب وجزر العَرب، ولا يحلُون ولا يمرّون، ولا ينفعون ولا يضرون. قال: فأنت إذن من هوازان، أهل القسر
القهر، والنعم الدُّثر. قال: كلا، أولئك أهل الشِّرات، علاج الكَرَات، شعر الرقاب وغبش الكلاب. قال: فأنت إذن من قاتلي الملوك الجبابر، وأحلاف السيوف البواتر: من عبس أو مرّة. قال: لست منهم، لأنا منعناهم هاربين، وقتلناهم غادرين. قال: فأنت إذن من أهل الراية الحمراء، والقبة القتراء سُليم بن منصور. قال: كلا. ألهي أولئك أكل الحصى ورضخ النوى. قال: فأنت إذن من أوغاد اليمانين، الذين لايعقلون شيئاً. قال: أنا ابن ذي فائش. مهلاً يا معاوية، فإن أولئك كانوا للعرب قادة، وللناس سادة، ملكوا أهل الأرض طوعاً، وأجبروهم كرهاً، حتى دانت لهم الدنيا بما فيها، وكانوا الأرباب وأنتم الأذناب، وكانوا الملوك وأنتم السوقة، حتى دعاهم خير البرية بالفضل والتحية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعزّروه أيَّما تعزير، وشمّروا حوله أيّما تشمير، وشهروا دونه السيوف، وجهزوا الألوف بعد الألوف، وجادوا له بالأموال والنفوس، وضربوا معدّاً حتى دخلوا في الإسلام كرهاً، وقتلوا قريشاً يوم بدر، فلم يطلبوهم بثأر، فأصبحت يا معاوية، تحمل ذلك علينا حقداً، وتشتمنا عليه عمداً. وتقذف بنا في لجج البحار، وتكفّ شرّك عن بني نزار. ونحن منعناك يوم صفين، ونصرناك على الأنصار والمهاجرين، وآثرناك على الإمام التقي الوصي الوفي، ابن عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبنا علَوْت المنابر، ولولا نحن لم تعلُها، وبنا دانت لك المعاشر، ولولا نحن لم تَدِن لك، فأنكرت منا ما عزمت، وجهلت منا ما علمت. فلولا أنّا كما وصفت، وأحلامنا كما ذكرت لمنعناك العهد، ولشددنا لغيرِك العقد، ولقرعت قرعاً تتطأطأ منه وتتقبض.
فغاظ معاوية ما كان من كلامه، وضاق به ذرعه، فلم يتمالك أن قال: اضربوا عنقه. فلم يبق في مجلسه يمانٍ إلا قام سالاً سيفه، ولا مضريّ إلا عاضاً على شفته، ودنا من معاوية فقام زرعة بن عُفير بن سيف اليزني - وقيل: عُفير بن زرعة بن عامر بن سيف، وهكذا هو - فقال: أما والله يا معاوية، إنا لنراك تكظم الغيظ من غيرنا على القول الفظيع الكثير، وتسفظع منا اليسير - يريد ما يسمع من قريش - وذلك والله أنا لم نطعن عليك في أمرك، فكأنك بالحرب قد رفعناها إليك، فستعلم أن رجالنا ضراغم، وأن
سيوفنا صوارم، وأن خيولنا ضوامر، وأنّ كُماتنا مساعر، ثم قعد، وقام حَيْوة بن شريح الكَلاعي فقال: يا معاوية، أنصفنا من نفسك وآس بيننا وبين قومك. وإلا تغلغلت بنا وبهم الصفاح، أو لننْطَحنَّهم بها أشد النطاح ولنُوردَنّهم بها حوض المنيّة المتاح، فقايضنا بفعلنا حذو النعل بالنعل، وإلا والله أقمنا دَرْأك بعدلنا، ولقينا صَغوك بعزمنا حتى ندعك أطوع من الرداء، وأذل من الحذاء. ثم دنا كريب بن أبرهة بن شرحيبل بن أبرهة بن الصباح - أو ابن السامي فقال: يا هذا، أنصفنا من نفسك لنكون وزراً على عدوك، ونكون لك على الحق أعواناً، وفي الله إخواناً، وإلا والله أقمنا مَيْلك، وردعنا سفَهك، وخالفنا فيك هواك، فتُلفى فريداً وحيداً، ثم تصبح هيناً مذموماً مدحوراً، مغلوباً مقهوراً. ثم دنا يريم بن حبيب المرادي فقال: يا معاوية، والله إن سيوفنا لحِداد، وإن سواعدنا لشداد، وإن رجالنا لأنجاد، وإن خيولنا معدّة، وإنا لأهل بأس ونجدة، فاستملْ من هوانا من قبل أن نجمع عليك ملأنا، فندعك نكالاً لمن ولي هذا الأمر من بعدك. ثم دنا ناتل بن قيس بن حيا الجُذامي فقال: يا معاوية، قد ترعف " فِعْل " ابن الزبير بك، وقد خالفك في ابنك يزيد، ولقيك بالأمر الشديد، فطلبت منه السلامة، وأهديت له الكرامة، وذلك والله أنه أحسن ثورك، وبلغ منك عَوَرك، وقمع بالشغب طورك، وايم الله، لنحن أكثر منك نفراً وجمعاً، فاربع على ظَلْعاك من قبل أن نقرعك حتى يسمع بخوارك من لا ينفعك من أنصارك. ثم دنا فروة بن المنذر الغساني فقال: يا معاوية، اعرف لكهلنا حقّه، واحتمل من كريمنا قوله، فإن خطّره فينا عظيم، وعهده بالملك حديث. فأن أبيت إلا أن تعدو طورك، وتُجاوز قدرك مشينا إليك بأسيافنا، وضربناك بأيماننا حتى تُنيب إلى الحق، وتترك الباطل بكهرك. فراع معاوية ما كان منهم ثم قال: عزمت عليكم لما قعدتم.
ابن ذي فائش بن يزيد بن مرّة بن عريب بن مَرْثَد بن يريم الحميري وفد على معاوية ذكر أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهَمْداني المعروف بابن ذي الدمينة في كتاب مفاخر قحطان قال:
ذكروا أن الضحاك بن المنذر الحميري - وكان أبوه وجده ملكين، وكان وسيماً جسيماً. دخل على معاوية بن أبي سفيان، فاستشرفه معاوية حين نظر إليه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من فرسان الصّياح، الملاعبين بالرماح، المبارين للرياح، وكان معاوية متكئاً، فاستوى قاعداً، وعجب من قوله وقال: أنت إذان من قريش البطاح. قال: لست منهم، ولولا الكتاب المنزل، والنبي المرسل لكنت عنهم راغباً، ولقديمهم عائباً. قال: فأنت إذن من أهل الشراسة، ذوي الكرم والرئاسة: كنانة بن خزيمة. قال: لست منهم، وإني لأطمو عليهم ببحر زاخر، وملك قاهر، وعز باهر، وفرع شامخ، وأصل باذخ. قال: فأنت إذن من جمرة معدّ، وركنها الأشدّ أهل الغارات: بني أسد. قال: لست منهم، لأن أولئك عبيد، ولم يبق منهم إلا الشريد. قال: فأنت إذن من فرسان العرب المطعمين في الكرب، أهل القباب الحمر: تميم بن عمرّ. قال: لست منهم، لأن أولئك بدؤوا بالفرار حين أجحرتهم من الأحجار. قال: فأنت إذن من خيار بني نزار، وأحماهم للذمار، وأوفاهم بذمة الجار: بني ضبّة. قال: لست منه، لأن أولئك رعاء البقر وأهل البؤس والنكر، لا يُقْرُون الضيف، ولا يدفعون الحَيْف. قال: فأنت إذن من أهل الطلب بالأوتار، واجتماع الدار: ثقيف بن منبّه. قال: كلا. أولئك قصار الحدُود لئام الجدود، بقية ثمود،. قال: فأنت إذن من أهل الشاء والنَّعَم، والمنعة والكرم: هُذيل بن مُدركة. قال: كلا، ألهي أولئك جمع الحطب وجزر العَرب، ولا يحلُون ولا يمرّون، ولا ينفعون ولا يضرون. قال: فأنت إذن من هوازان، أهل القسر
القهر، والنعم الدُّثر. قال: كلا، أولئك أهل الشِّرات، علاج الكَرَات، شعر الرقاب وغبش الكلاب. قال: فأنت إذن من قاتلي الملوك الجبابر، وأحلاف السيوف البواتر: من عبس أو مرّة. قال: لست منهم، لأنا منعناهم هاربين، وقتلناهم غادرين. قال: فأنت إذن من أهل الراية الحمراء، والقبة القتراء سُليم بن منصور. قال: كلا. ألهي أولئك أكل الحصى ورضخ النوى. قال: فأنت إذن من أوغاد اليمانين، الذين لايعقلون شيئاً. قال: أنا ابن ذي فائش. مهلاً يا معاوية، فإن أولئك كانوا للعرب قادة، وللناس سادة، ملكوا أهل الأرض طوعاً، وأجبروهم كرهاً، حتى دانت لهم الدنيا بما فيها، وكانوا الأرباب وأنتم الأذناب، وكانوا الملوك وأنتم السوقة، حتى دعاهم خير البرية بالفضل والتحية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعزّروه أيَّما تعزير، وشمّروا حوله أيّما تشمير، وشهروا دونه السيوف، وجهزوا الألوف بعد الألوف، وجادوا له بالأموال والنفوس، وضربوا معدّاً حتى دخلوا في الإسلام كرهاً، وقتلوا قريشاً يوم بدر، فلم يطلبوهم بثأر، فأصبحت يا معاوية، تحمل ذلك علينا حقداً، وتشتمنا عليه عمداً. وتقذف بنا في لجج البحار، وتكفّ شرّك عن بني نزار. ونحن منعناك يوم صفين، ونصرناك على الأنصار والمهاجرين، وآثرناك على الإمام التقي الوصي الوفي، ابن عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبنا علَوْت المنابر، ولولا نحن لم تعلُها، وبنا دانت لك المعاشر، ولولا نحن لم تَدِن لك، فأنكرت منا ما عزمت، وجهلت منا ما علمت. فلولا أنّا كما وصفت، وأحلامنا كما ذكرت لمنعناك العهد، ولشددنا لغيرِك العقد، ولقرعت قرعاً تتطأطأ منه وتتقبض.
فغاظ معاوية ما كان من كلامه، وضاق به ذرعه، فلم يتمالك أن قال: اضربوا عنقه. فلم يبق في مجلسه يمانٍ إلا قام سالاً سيفه، ولا مضريّ إلا عاضاً على شفته، ودنا من معاوية فقام زرعة بن عُفير بن سيف اليزني - وقيل: عُفير بن زرعة بن عامر بن سيف، وهكذا هو - فقال: أما والله يا معاوية، إنا لنراك تكظم الغيظ من غيرنا على القول الفظيع الكثير، وتسفظع منا اليسير - يريد ما يسمع من قريش - وذلك والله أنا لم نطعن عليك في أمرك، فكأنك بالحرب قد رفعناها إليك، فستعلم أن رجالنا ضراغم، وأن
سيوفنا صوارم، وأن خيولنا ضوامر، وأنّ كُماتنا مساعر، ثم قعد، وقام حَيْوة بن شريح الكَلاعي فقال: يا معاوية، أنصفنا من نفسك وآس بيننا وبين قومك. وإلا تغلغلت بنا وبهم الصفاح، أو لننْطَحنَّهم بها أشد النطاح ولنُوردَنّهم بها حوض المنيّة المتاح، فقايضنا بفعلنا حذو النعل بالنعل، وإلا والله أقمنا دَرْأك بعدلنا، ولقينا صَغوك بعزمنا حتى ندعك أطوع من الرداء، وأذل من الحذاء. ثم دنا كريب بن أبرهة بن شرحيبل بن أبرهة بن الصباح - أو ابن السامي فقال: يا هذا، أنصفنا من نفسك لنكون وزراً على عدوك، ونكون لك على الحق أعواناً، وفي الله إخواناً، وإلا والله أقمنا مَيْلك، وردعنا سفَهك، وخالفنا فيك هواك، فتُلفى فريداً وحيداً، ثم تصبح هيناً مذموماً مدحوراً، مغلوباً مقهوراً. ثم دنا يريم بن حبيب المرادي فقال: يا معاوية، والله إن سيوفنا لحِداد، وإن سواعدنا لشداد، وإن رجالنا لأنجاد، وإن خيولنا معدّة، وإنا لأهل بأس ونجدة، فاستملْ من هوانا من قبل أن نجمع عليك ملأنا، فندعك نكالاً لمن ولي هذا الأمر من بعدك. ثم دنا ناتل بن قيس بن حيا الجُذامي فقال: يا معاوية، قد ترعف " فِعْل " ابن الزبير بك، وقد خالفك في ابنك يزيد، ولقيك بالأمر الشديد، فطلبت منه السلامة، وأهديت له الكرامة، وذلك والله أنه أحسن ثورك، وبلغ منك عَوَرك، وقمع بالشغب طورك، وايم الله، لنحن أكثر منك نفراً وجمعاً، فاربع على ظَلْعاك من قبل أن نقرعك حتى يسمع بخوارك من لا ينفعك من أنصارك. ثم دنا فروة بن المنذر الغساني فقال: يا معاوية، اعرف لكهلنا حقّه، واحتمل من كريمنا قوله، فإن خطّره فينا عظيم، وعهده بالملك حديث. فأن أبيت إلا أن تعدو طورك، وتُجاوز قدرك مشينا إليك بأسيافنا، وضربناك بأيماننا حتى تُنيب إلى الحق، وتترك الباطل بكهرك. فراع معاوية ما كان منهم ثم قال: عزمت عليكم لما قعدتم.