إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة
أبو إسحاق بن أبي محمد العدويّ أحد بني عديّ بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، من رهط ذي الرّمة؛ وقيل: إنّهم موالي بني عديّ بن عبد شمس، ويعرف أبوه باليزيديّ لأنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة، ثم توارى حتى استتر أمره، واتّصل بيزيد بن منصور خال المهديّ فوصله بالرّشيد، فعرف باليزيديّ.
وكان إبراهيم عالماً بالأدب، شاعراً مجيداً، نادم الخلفاء، وقدم دمشق صحبة المأمون والمعتصم، وذكر دير مرّان في شعره، وكان قد سمع أباه وغيره، وروي عنه.
حدّث عن أبيه، قال: كنت مع أبي عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، فسأله عن رجل من أصحابه فقده، فقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد يموت؛ قال: فضحك منه بعض القوم، وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت! فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها! غريبة، إنّ يريد في معنى: يكاد، قال الله تعالى: " جداراً يريد أن
ينقضّ " أي: يكاد، قال: فقال أبو عمرو: لا نزال بخير ما كان فينا مثلك.
وحدّث قال: إنّي كنت يوماً عند المأمون، وليس معنا إلاّ المعتصم، فذكر كلاماً قال: فلم أحتمل ذلك منه يعني من المعتصم فأجبته، فأخفى ذلك المأمون، ولم يظهره ذلك الإظهار؛ فلّما صرت من غد إلى المأمون كما كنت أصير قال لي الحاجب: أمرت أن لا آذن لك، فدعوت بداوة وقرطاس، وكتبت: من الطويل
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السّكر والصّحو
ولا سيّما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يليق به اللّغو
ولولا حميّا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شكّ فيه هو السّرو
تنصّلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسّهو
فإن تعف عنّي ألف خطوي واسعاً ... وإلاّ يكن عفو فقد قصر الخطو
قال: فأدخلها الحاجب، ثم خرج إليّ فأدخلني، فمّد المأمون باغيه، فأكببت على يديه فقبّلتهما، فضمّني إليه، وأجلسني.
وفي رواية: أن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات: من الخفيف
إنّما مجلس النّدامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه
فإن انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه
وحدّث قال: كنت مع المأمون في بلد الرّوم، فبينا أنا سائر في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح، وإلى جانبي قبّة، إذ برقت برقة فإذا في القبّة عريب، فقالت: إبراهيم بن اليزيدي! فقلت: لبّيك، فقالت: قل في هذا البرق أبياتاً أغنّي فيها، فقلت: من الرجز
ماذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق
فارقته وهو أعزّ الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق
ذاك الذي يملك مني رقي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
فتنفّست نفساً ظننت أنه قد قطع حيازيمها، فقلت: ويحك، على من هذا؟ فضحكت، ثم قالت: على الوطنّ فقلت: هيهات، ليس هذا كلّه للوطن؛ فقالت: ويلك، أفتراك ظننت أنك تستفزّني، والله لقد نظرت نظرة مريبةً في مجلس فادّعاها أكثر من ثلاثين رئيساً، والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا الوقت! قال أبو بكر الخطيب: وهو بصريّ سكن بغداد، وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب، سمع من أبي زيد الأنصاريّ وأبي سعيد الأصمعيّ، وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيديّون، وهو ما اتّفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمئة ورقة، رواه عنه ابن أخيه عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ، وذكر إبراهيم أنه بدأ بعمل ذلك وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة؛ وله كتاب مصادر القرآن وكتاب في بناء الكعبة وأخبارها وكان شاعراً مجيداً.
أبو إسحاق بن أبي محمد العدويّ أحد بني عديّ بن عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، من رهط ذي الرّمة؛ وقيل: إنّهم موالي بني عديّ بن عبد شمس، ويعرف أبوه باليزيديّ لأنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة، ثم توارى حتى استتر أمره، واتّصل بيزيد بن منصور خال المهديّ فوصله بالرّشيد، فعرف باليزيديّ.
وكان إبراهيم عالماً بالأدب، شاعراً مجيداً، نادم الخلفاء، وقدم دمشق صحبة المأمون والمعتصم، وذكر دير مرّان في شعره، وكان قد سمع أباه وغيره، وروي عنه.
حدّث عن أبيه، قال: كنت مع أبي عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب، فسأله عن رجل من أصحابه فقده، فقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد يموت؛ قال: فضحك منه بعض القوم، وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت! فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها! غريبة، إنّ يريد في معنى: يكاد، قال الله تعالى: " جداراً يريد أن
ينقضّ " أي: يكاد، قال: فقال أبو عمرو: لا نزال بخير ما كان فينا مثلك.
وحدّث قال: إنّي كنت يوماً عند المأمون، وليس معنا إلاّ المعتصم، فذكر كلاماً قال: فلم أحتمل ذلك منه يعني من المعتصم فأجبته، فأخفى ذلك المأمون، ولم يظهره ذلك الإظهار؛ فلّما صرت من غد إلى المأمون كما كنت أصير قال لي الحاجب: أمرت أن لا آذن لك، فدعوت بداوة وقرطاس، وكتبت: من الطويل
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
سكرت فأبدت منّي الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوي السّكر والصّحو
ولا سيّما إذ كنت عند خليفة ... وفي مجلس ما إن يليق به اللّغو
ولولا حميّا الكأس كان احتمال ما ... بدهت به لا شكّ فيه هو السّرو
تنصّلت من ذنبي تنصّل ضارع ... إلى من لديه يغفر العمد والسّهو
فإن تعف عنّي ألف خطوي واسعاً ... وإلاّ يكن عفو فقد قصر الخطو
قال: فأدخلها الحاجب، ثم خرج إليّ فأدخلني، فمّد المأمون باغيه، فأكببت على يديه فقبّلتهما، فضمّني إليه، وأجلسني.
وفي رواية: أن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات: من الخفيف
إنّما مجلس النّدامى بساط ... للمودّات بينهم وضعوه
فإن انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذّة رفعوه
وحدّث قال: كنت مع المأمون في بلد الرّوم، فبينا أنا سائر في ليلة مظلمة شاتية ذات غيم وريح، وإلى جانبي قبّة، إذ برقت برقة فإذا في القبّة عريب، فقالت: إبراهيم بن اليزيدي! فقلت: لبّيك، فقالت: قل في هذا البرق أبياتاً أغنّي فيها، فقلت: من الرجز
ماذا بقلبي من أليم الخفق ... إذا رأيت لمعان البرق
من قبل الأردنّ أو دمشق ... لأن من أهوى بذاك الأفق
فارقته وهو أعزّ الخلق ... عليّ والزّور خلاف الحق
ذاك الذي يملك مني رقي ... ولست أبغي ما حييت عتقي
فتنفّست نفساً ظننت أنه قد قطع حيازيمها، فقلت: ويحك، على من هذا؟ فضحكت، ثم قالت: على الوطنّ فقلت: هيهات، ليس هذا كلّه للوطن؛ فقالت: ويلك، أفتراك ظننت أنك تستفزّني، والله لقد نظرت نظرة مريبةً في مجلس فادّعاها أكثر من ثلاثين رئيساً، والله ما علم أحد منهم لمن كانت إلى هذا الوقت! قال أبو بكر الخطيب: وهو بصريّ سكن بغداد، وكان ذا قدر وفضل وحظّ وافر من الأدب، سمع من أبي زيد الأنصاريّ وأبي سعيد الأصمعيّ، وله كتاب مصنّف يفتخر به اليزيديّون، وهو ما اتّفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمئة ورقة، رواه عنه ابن أخيه عبيد الله بن محمد بن أبي محمد اليزيديّ، وذكر إبراهيم أنه بدأ بعمل ذلك وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة؛ وله كتاب مصادر القرآن وكتاب في بناء الكعبة وأخبارها وكان شاعراً مجيداً.