أحمد بن طولون أبو العباس الأمير
ولد بسامراء، وولي إمرة دمشق والثغور والعواصم ومصر مدة.
حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين
أن أحمد المعروف بابن طولون، ذكروا أن طولون تبناه، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبداً يسأله فيهم، فيعجب
بذلك منه، ويزداد بصيرة فيه، وأنه دخل إليه يوماً، فقال له: ما لك؟ فقال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء. فقال: امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير، وقد خلا بها بعض الخدم، فسكت، وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج، وخشيت الحظية أن يسبقها بالقول، فأقبلت إلى الأمير من فورها، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتاباً إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعاً بالكتاب.
ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير، وأراها الكتاب، وهو لا يدري ما فيه. فقالت: لا عليك، أنا أرسل به، واقعد أنت فإني أحتاج إليك، واستدعت ذلك الخادم، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه، فلما رآه سأل عن أحمد، فاستدعاه وقال: أخبرني بالصدق، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال: ما رأيت شيئاً. فقال: والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظية بقتل الخادم، فجرت إلى مولاها مرنبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظن أن الأمر قد صح عند مولاها فقال لها: أخبريني بالحق، فبرأت أحمد، وتبين له صحة الأمر، فأمر بقتلها، وحظي أحمد عنده، حتى ولاه الأمر بعده.
حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي أن طولون رجل من طغرغز، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مئتين، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومئتين. ومات طولون
سنة أربعين ومئتين. ونشأ أحمد ابنه على مذهب جميل وطريقة مستقيمة، وطلب العلم وحفظ القرآن، وكان من أدرس الناس للقرآن، ورزق حسن الصوت، ودخل إلى مصر في الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومئتين.
قال: وخلف أحمد بن طولون عشرة ألف ألف دينار. وقيل إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولداً، فيهم ذكور سبعة عشر. وأطبقت جريدته من الموالي على سبعة آلاف رجل. ومن الغلمان على أربعة وعشرين ألف غلام، ومن الخيل المروانية على سبعة آلاف رأس، ومن الجمال ألف وسبع مئة جمل، ومن بغال القباب والثقل ست مئة بغل، ومن المراكب الحربية مئة مركب، ومن الدواب لركابه مئة وثلاثين دابة. وكان خراج مصر في تلك السنة مع ما انضاف إليه من صاع الأمراء بحضرة السلطان أربعة آلاف ألف وثلاث مئة ألف دينار.
وأنفق على الجامع في بنائه ونفقته مئة وعشرين ألف دينار، وعلى البيمارستان ومشتغله ستين ألف دينار، وعلى الميدان مئة وخمسين ألف، وعلى من ناب بالثغور ثمانين ألف دينار، وكان قائم صدقته في كل شهر ألف دينار.
وراتب مطبخه وعلوفته كل يوم ألف دينار، وما يجريه على جماعة من المستخدمين وأبناء السبيل سوى ما كان يجريه السلطان خمس مئة دينار، وما يحمل لصدقات الثغور في كل شهر خمس مئة دينار، وما يقيمه من الأنزال والوظائف في كل شهر ألفي دينار.
وحكي أن الجيش فرق كسوة أحمد في حاشيته. قال الحاكي: فلحقني منها نصيب، فما خلا ثوب منها من الرفاء ووجدت في بعضها رقعة.
وكان أحمد بن طولون يقول: ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يشمله وقاصديه، فإنه يملكهم ملكاً لا يزول عن قلوبهم ولا تشذ معه سرائرهم.
وحدث أبو العباس أحمد بن خاقان، وكان ترباً لأحمد بن طولون قال:
كان طولون تركياً من جيش يقال لهم طغرغز، وكان نوح بن أسد صاحب خراسان وجهه إلى الرشيد هارون سنة تسعين ومئة. وولد أحمد في سنة أربع عشرة ومئتين من جارية تسمى هاشم، وتوفي طولون سنة ثلاثين ومئتين ولأحمد ست عشر سنة ونشأ نشوءاً حسناً في العفة والتصون والدماثة وسماع الحديث حتى انتشر له حسن الذكر، وتصور في قلوب الناس بأفضل صورة، حتى صار في عداد من يوثق به ويؤتمن على السر والفروج والمال. وكان شديد الإزراء على الأتراك وأولادهم فيم يرتكبونه، غير راض بما يفعلونه إلى أن قال يوماً: إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإيم لا نطأ موطئاً إلا كتب علينا فيه خطيئة. والصواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب لنا بأرزاقنا إلى الثغر، ونقيم في ثواب، ففعلنا ذلك. فلما صرنا إلى طرسوس سر بما رأى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقبل على الترهب وذكر بعد هذا أنه عاد إلى العراق فزاد محله عند الأتراك فاختاره بابكباد لخلافته على مصر، فخرج إليها. وذكر غير هذا.
ثم إنه غلب على دمشق بعد وفاة ايماجور أميرها.
قال أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المري: كان أول دخول أحمد بن طولون دمشق لما سار من مصر إليها في سنة أربع وستين ومئتين، بعد موت والٍ كان به يقال له: أماجور، وأخذ له مال عظيم، وخرج عن دمشق إلى أنطاكية وحاصر بها سيما وأصحابه حتى ظفر به وقتله وأخذ له مالاً عظيماً وفتحها عنوة. وصار إلى طرسوس ثم رجع إلى دمشق في هذه السنة في آخرها، وخرج منها حتى بلغ الرقة في طلب غلام له هرب منه يقال له لؤلؤ خرج إلى أبي أحمد الموفق في الأمان. ثم رجع ابن طولون إلى دمشق فاعتل بها وخرج في علته إلى مصر فتوفي بمصر في ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.
قال أحمد بن محمد بن أبي العجائز وغيره من مشايخ دمشق: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم فركب إليه أحمد بن طولون ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتبه ينظرون إلى الحريق، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة، فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة: يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة: إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها. فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي: ما أنت والاعتراض على الشيخ. ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء ويقبل قوله ولا يستحلف عليه. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي فراجع أبو عبد الله بن طولون فيما بقي من المال، فأمر أن يفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم ولا يرد إلى بيت المال منه شيء.
وذكر ابن أبي مطر القاضي في كتابه قال: توفي بكار بن قتيبة يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومئتين. ومات ابن طولون قبله بشهر وأربعة أيام.
قال محم بن علي المادرائي: كنت أجتاز تربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً عند قبره يقرأن ملازماً القبر، ثم إني لم أره مدة ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه فقال: بلى، كان ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قال: قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب ألا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب؟ فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها، وقيل لي: ما سمعت هذه؟!
ولد بسامراء، وولي إمرة دمشق والثغور والعواصم ومصر مدة.
حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين
أن أحمد المعروف بابن طولون، ذكروا أن طولون تبناه، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبداً يسأله فيهم، فيعجب
بذلك منه، ويزداد بصيرة فيه، وأنه دخل إليه يوماً، فقال له: ما لك؟ فقال: بالباب قوم ضعفاء، لو كتبت لهم بشيء. فقال: امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير، وقد خلا بها بعض الخدم، فسكت، وأخذ حاجته وانصرف إليه، فكتب له وخرج، وخشيت الحظية أن يسبقها بالقول، فأقبلت إلى الأمير من فورها، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتاباً إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعاً بالكتاب.
ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير، وأراها الكتاب، وهو لا يدري ما فيه. فقالت: لا عليك، أنا أرسل به، واقعد أنت فإني أحتاج إليك، واستدعت ذلك الخادم، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه، فلما رآه سأل عن أحمد، فاستدعاه وقال: أخبرني بالصدق، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال: ما رأيت شيئاً. فقال: والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظية بقتل الخادم، فجرت إلى مولاها مرنبة ذليلة تطلب العفو، وهي تظن أن الأمر قد صح عند مولاها فقال لها: أخبريني بالحق، فبرأت أحمد، وتبين له صحة الأمر، فأمر بقتلها، وحظي أحمد عنده، حتى ولاه الأمر بعده.
حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي أن طولون رجل من طغرغز، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مئتين، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومئتين. ومات طولون
سنة أربعين ومئتين. ونشأ أحمد ابنه على مذهب جميل وطريقة مستقيمة، وطلب العلم وحفظ القرآن، وكان من أدرس الناس للقرآن، ورزق حسن الصوت، ودخل إلى مصر في الأربعاء لسبع بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومئتين.
قال: وخلف أحمد بن طولون عشرة ألف ألف دينار. وقيل إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولداً، فيهم ذكور سبعة عشر. وأطبقت جريدته من الموالي على سبعة آلاف رجل. ومن الغلمان على أربعة وعشرين ألف غلام، ومن الخيل المروانية على سبعة آلاف رأس، ومن الجمال ألف وسبع مئة جمل، ومن بغال القباب والثقل ست مئة بغل، ومن المراكب الحربية مئة مركب، ومن الدواب لركابه مئة وثلاثين دابة. وكان خراج مصر في تلك السنة مع ما انضاف إليه من صاع الأمراء بحضرة السلطان أربعة آلاف ألف وثلاث مئة ألف دينار.
وأنفق على الجامع في بنائه ونفقته مئة وعشرين ألف دينار، وعلى البيمارستان ومشتغله ستين ألف دينار، وعلى الميدان مئة وخمسين ألف، وعلى من ناب بالثغور ثمانين ألف دينار، وكان قائم صدقته في كل شهر ألف دينار.
وراتب مطبخه وعلوفته كل يوم ألف دينار، وما يجريه على جماعة من المستخدمين وأبناء السبيل سوى ما كان يجريه السلطان خمس مئة دينار، وما يحمل لصدقات الثغور في كل شهر خمس مئة دينار، وما يقيمه من الأنزال والوظائف في كل شهر ألفي دينار.
وحكي أن الجيش فرق كسوة أحمد في حاشيته. قال الحاكي: فلحقني منها نصيب، فما خلا ثوب منها من الرفاء ووجدت في بعضها رقعة.
وكان أحمد بن طولون يقول: ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يشمله وقاصديه، فإنه يملكهم ملكاً لا يزول عن قلوبهم ولا تشذ معه سرائرهم.
وحدث أبو العباس أحمد بن خاقان، وكان ترباً لأحمد بن طولون قال:
كان طولون تركياً من جيش يقال لهم طغرغز، وكان نوح بن أسد صاحب خراسان وجهه إلى الرشيد هارون سنة تسعين ومئة. وولد أحمد في سنة أربع عشرة ومئتين من جارية تسمى هاشم، وتوفي طولون سنة ثلاثين ومئتين ولأحمد ست عشر سنة ونشأ نشوءاً حسناً في العفة والتصون والدماثة وسماع الحديث حتى انتشر له حسن الذكر، وتصور في قلوب الناس بأفضل صورة، حتى صار في عداد من يوثق به ويؤتمن على السر والفروج والمال. وكان شديد الإزراء على الأتراك وأولادهم فيم يرتكبونه، غير راض بما يفعلونه إلى أن قال يوماً: إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإيم لا نطأ موطئاً إلا كتب علينا فيه خطيئة. والصواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب لنا بأرزاقنا إلى الثغر، ونقيم في ثواب، ففعلنا ذلك. فلما صرنا إلى طرسوس سر بما رأى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقبل على الترهب وذكر بعد هذا أنه عاد إلى العراق فزاد محله عند الأتراك فاختاره بابكباد لخلافته على مصر، فخرج إليها. وذكر غير هذا.
ثم إنه غلب على دمشق بعد وفاة ايماجور أميرها.
قال أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المري: كان أول دخول أحمد بن طولون دمشق لما سار من مصر إليها في سنة أربع وستين ومئتين، بعد موت والٍ كان به يقال له: أماجور، وأخذ له مال عظيم، وخرج عن دمشق إلى أنطاكية وحاصر بها سيما وأصحابه حتى ظفر به وقتله وأخذ له مالاً عظيماً وفتحها عنوة. وصار إلى طرسوس ثم رجع إلى دمشق في هذه السنة في آخرها، وخرج منها حتى بلغ الرقة في طلب غلام له هرب منه يقال له لؤلؤ خرج إلى أبي أحمد الموفق في الأمان. ثم رجع ابن طولون إلى دمشق فاعتل بها وخرج في علته إلى مصر فتوفي بمصر في ذي القعدة سنة سبعين ومئتين.
قال أحمد بن محمد بن أبي العجائز وغيره من مشايخ دمشق: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم فركب إليه أحمد بن طولون ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأبو عبد الله أحمد بن محمد الواسطي كاتبه ينظرون إلى الحريق، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة، فقال: ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة: يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله: وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة: إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها. فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي: ما أنت والاعتراض على الشيخ. ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء ويقبل قوله ولا يستحلف عليه. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي فراجع أبو عبد الله بن طولون فيما بقي من المال، فأمر أن يفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم ولا يرد إلى بيت المال منه شيء.
وذكر ابن أبي مطر القاضي في كتابه قال: توفي بكار بن قتيبة يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومئتين. ومات ابن طولون قبله بشهر وأربعة أيام.
قال محم بن علي المادرائي: كنت أجتاز تربة أحمد بن طولون فأرى شيخاً عند قبره يقرأن ملازماً القبر، ثم إني لم أره مدة ثم رأيته بعد ذلك، فقلت له: ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه فقال: بلى، كان ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قال: قلت له: لم انقطعت عنه؟ فقال لي: رأيته في النوم وهو يقول لي: أحب ألا تقرأ عندي، فكأني أقول له: لأي سبب؟ فقال: ما تمر بي آية إلا قرعت بها، وقيل لي: ما سمعت هذه؟!