أبو يزيد المكي
المعروف بالغريض كان الغريض عند النسوة من قريش من العبلات: الثريا وأختها أم عثمان. وكان أولاً خياطاً، وكان ظريفاً حلو اللسان، حسن الجزم، فدفعنه إلى ابن سريج ليعلمه الغناء فقبله. فلما رأى ابن سريج حذقه وحسن خلقه ووجهه وظرف لسانه وحلاوة منطقه خاف أن يبرز عليه، فنحاه عن خدمته فقلن له مواليه: هل لك أن تنوح بالمرائي؟ ففعل. فكان من أشجى الناس نوحاً، وكان يدخل المآتم، وتضرب دونه الحجب، ثم ينوح فيفتن كل من سمعه. فنهته الجن عن ذلك فانتهى، ورجع إلى الغناء، فصار غناؤه شجياً كذلك النوح. قال بعضهم: رأينا الغريض بين عمودي سرير مولاته الثريا ومعه نسوة يسعدنه وهو ينوح عليها. من الوافر
ألا يا عين مالك تدمعينا ... أمن جزع بكيت فتعذرينا
أم أنت مصابة تبكين شجواً ... وشجوك مثله أبكى العيونا
قال: فرأيت النساء، وقد ألهبت فيهن النيران، وجميع من مع الجنازة من الرجال والنساء.
قال الزبيري: حججنا، فلما كنا بجمع سمعنا أحسن غناء، فعدل الحاج كلهم إليه، فإذا هو الغريض، فسألوه أن يغني صوتاً فأجابهم، فوقف حيث يسمع ولا يرى يغني بشعر عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف
أيها الرائح المجد ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
ليت ذا الدهر كان حتماً علينا ... كل عامين حجة واعتمارا
فما سمع السامعون أحسن من ذلك. وكانت الجن تقدمت إليه مراراً ألا ينوح. وقالوا: قد هربت بسكاننا عن الحرم وأخرجتهم منه. ثم تقدموا إليه ونهوه ألا يتغنى بهذا الشعر. وقالوا: قد ذهب بعقول النساء، وهو شعر عبد الله بن نمير النميري من الطويل:
وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه
وشهد جنازة لبعض أهله، فقيل له: تغن، فقال: هو ابن زانية إن فعل. فقالت بعض موالياته: أنت والله كذلك. فقال: وكذلك أنا؟ قلن: نعم. قال: أنتن أعلم وأعرف بي. وكان قد أمسك عن الصوت لما نهته الجن، فلما أغضبوه موالياته، غنى: من الطويل
وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه
تشرب لون الرازقي بياضه ... ومن زعفران خالط المسك رادعه
قال: فلويت عنقه ونحن ننظر إليه، فمات في ذلك المجلس.
المعروف بالغريض كان الغريض عند النسوة من قريش من العبلات: الثريا وأختها أم عثمان. وكان أولاً خياطاً، وكان ظريفاً حلو اللسان، حسن الجزم، فدفعنه إلى ابن سريج ليعلمه الغناء فقبله. فلما رأى ابن سريج حذقه وحسن خلقه ووجهه وظرف لسانه وحلاوة منطقه خاف أن يبرز عليه، فنحاه عن خدمته فقلن له مواليه: هل لك أن تنوح بالمرائي؟ ففعل. فكان من أشجى الناس نوحاً، وكان يدخل المآتم، وتضرب دونه الحجب، ثم ينوح فيفتن كل من سمعه. فنهته الجن عن ذلك فانتهى، ورجع إلى الغناء، فصار غناؤه شجياً كذلك النوح. قال بعضهم: رأينا الغريض بين عمودي سرير مولاته الثريا ومعه نسوة يسعدنه وهو ينوح عليها. من الوافر
ألا يا عين مالك تدمعينا ... أمن جزع بكيت فتعذرينا
أم أنت مصابة تبكين شجواً ... وشجوك مثله أبكى العيونا
قال: فرأيت النساء، وقد ألهبت فيهن النيران، وجميع من مع الجنازة من الرجال والنساء.
قال الزبيري: حججنا، فلما كنا بجمع سمعنا أحسن غناء، فعدل الحاج كلهم إليه، فإذا هو الغريض، فسألوه أن يغني صوتاً فأجابهم، فوقف حيث يسمع ولا يرى يغني بشعر عمر بن أبي ربيعة: من الخفيف
أيها الرائح المجد ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
ليت ذا الدهر كان حتماً علينا ... كل عامين حجة واعتمارا
فما سمع السامعون أحسن من ذلك. وكانت الجن تقدمت إليه مراراً ألا ينوح. وقالوا: قد هربت بسكاننا عن الحرم وأخرجتهم منه. ثم تقدموا إليه ونهوه ألا يتغنى بهذا الشعر. وقالوا: قد ذهب بعقول النساء، وهو شعر عبد الله بن نمير النميري من الطويل:
وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه
وشهد جنازة لبعض أهله، فقيل له: تغن، فقال: هو ابن زانية إن فعل. فقالت بعض موالياته: أنت والله كذلك. فقال: وكذلك أنا؟ قلن: نعم. قال: أنتن أعلم وأعرف بي. وكان قد أمسك عن الصوت لما نهته الجن، فلما أغضبوه موالياته، غنى: من الطويل
وما أنس م الأشياء لا أنس شادناً ... بمكة مكحولاً أسيلاً مدامعه
تشرب لون الرازقي بياضه ... ومن زعفران خالط المسك رادعه
قال: فلويت عنقه ونحن ننظر إليه، فمات في ذلك المجلس.