أبو اليمان الهوزني عامر بن عبد الله من جلة أهل الشام وصالحيهم مات بها وكان ثبتا
Al-Dhahabī (d. 1348 CE) - Dhayl dīwān al-ḍuʿafāʾ wa-l-matrūkīn - الذهبي - ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين
ا
ب
ث
ج
ح
خ
د
ر
ز
س
ش
ص
ط
ع
غ
ف
ق
ك
م
ن
ه
ي
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 575 1. أبو اليمان الهوزني12. أبان بن الوليد بن هشام المعيطي1 3. أبو أمية المختط1 4. أبو الجابية1 5. أبو الجمل اليمامي أيوب1 6. أبو الجنوب1 7. أبو الحسناء1 8. أبو العالية3 9. أبو المعلي الجزري1 10. أبو بشر9 11. أبو توبة1 12. أبو توبة الجزري1 13. أبو ثمامة1 14. أبو جابر1 15. أبو جميع الهجيمي1 16. أبو حرب2 17. أبو حسن1 18. أبو خالد الواسطي1 19. أبو دراس1 20. أبو سبرة5 21. أبو سعد البقال5 22. أبو سليمان5 23. أبو سيف المخزومي1 24. أبو صادق1 25. أبو عبيدة5 26. أبو عمرو بن حماس4 27. أبو نضرة4 28. أبو نهيك6 29. أبو هارون الجبريني1 30. أحمد البوشنجي1 31. أحمد بن أبي يحيى زكريا الحضرمي1 32. أحمد بن الحارث بن مسكين المصري1 33. أحمد بن العباس البصري1 34. أحمد بن جعفر النسائي1 35. أحمد بن سالم أبو توبة العسقلاني1 36. أحمد بن سعيد أبو الحارث العسكري1 37. أحمد بن عبد الرحمن أبو الوليد البسري الدمشقي...1 38. أحمد بن عبد الرحمن المروزي1 39. أحمد بن عبد القاهر اللخمي1 40. أحمد بن عبد الله بن جلين الدوري1 41. أحمد بن عبد الله بن مسمار2 42. أحمد بن عبدة البصري1 43. أحمد بن عبيد الله أبو العز بن كادش2 44. أحمد بن علي أبو نصر الهاشمي الهباري المقدسي...1 45. أحمد بن علي الاستراباذي1 46. أحمد بن علي الخيوطي1 47. أحمد بن علي الطرابلسي1 48. أحمد بن علي النصيبي3 49. أحمد بن عمرو الحافظ أبو بكر البزار1 50. أحمد بن محمد الأنصاري الحنبلي1 51. أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى2 52. أحمد بن محمد بن السكن الحافظ1 53. أحمد بن محمد بن السندي أبو الفوارس الصابوني...1 54. أحمد بن محمد بن جوري العكبري1 55. أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزار الحافظ...1 56. أحمد بن مقاتل الدهقان1 57. أحمد بن موسى1 58. أحمد بن يحيى الدبيقي1 59. أحمد بن يعقوب الأموي الجرجاني1 60. أحمد بن يعقوب البلخي1 61. أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار القرشي1 62. أحوص بن جواب أبو الجواب1 63. أسامة بن أحمد أبو سلمة التجيبي1 64. أسامة بن سلمان شامي1 65. أسد بن إبراهيم الحراني1 66. أشعب بن جبير الطامع1 67. أشعث بن محمد الكلابي1 68. أم عمرو بنت حسان بن زيد1 69. أنس الثقفي الحمصي1 70. أنس بن عمرو1 71. إبراهيم بن أبي الفياض عبد الرحمن البرقي...1 72. إبراهيم بن أحمد العجلي2 73. إبراهيم بن أحمد الهمداني القاضي1 74. إبراهيم بن العلاء الزهري1 75. إبراهيم بن ثمامة2 76. إبراهيم بن زرعة القرشي1 77. إبراهيم بن شعيب المدني1 78. إبراهيم بن شكر العثماني1 79. إبراهيم بن صبيح الطلحي2 80. إبراهيم بن عبد السلام الوشاء1 81. إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر1 82. إبراهيم بن محمد بن خلف بن قديد1 83. إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء...1 84. إبراهيم بن مطهر الفهري1 85. إبراهيم بن موسى الدمشقي2 86. إبراهيم بن موسى بن جميع الأندلسي1 87. إدريس بن يزيد اللخمي الرملي1 88. إسحاق بن إبراهيم الطبري2 89. إسحاق بن الحارث الدمشقي1 90. إسحاق بن خالد بن يزيد1 91. إسحاق بن عبد الله بن أبي المهاجر1 92. إسحاق بن محمد البيروتي2 93. إسحاق بن يونس2 94. إسرائيل بن روح1 95. إسماعيل بن أبي أويس عبد الله المدني1 96. إسماعيل بن زكريا المدائني1 97. إسماعيل بن زياد أو ابن أبي زياد1 98. إسماعيل بن علي أبو دعامة1 99. إسماعيل بن علي بن المثني الاستراباذي...1 100. إسماعيل بن كيسان1 ▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 575 1. أبو اليمان الهوزني12. أبان بن الوليد بن هشام المعيطي1 3. أبو أمية المختط1 4. أبو الجابية1 5. أبو الجمل اليمامي أيوب1 6. أبو الجنوب1 7. أبو الحسناء1 8. أبو العالية3 9. أبو المعلي الجزري1 10. أبو بشر9 11. أبو توبة1 12. أبو توبة الجزري1 13. أبو ثمامة1 14. أبو جابر1 15. أبو جميع الهجيمي1 16. أبو حرب2 17. أبو حسن1 18. أبو خالد الواسطي1 19. أبو دراس1 20. أبو سبرة5 21. أبو سعد البقال5 22. أبو سليمان5 23. أبو سيف المخزومي1 24. أبو صادق1 25. أبو عبيدة5 26. أبو عمرو بن حماس4 27. أبو نضرة4 28. أبو نهيك6 29. أبو هارون الجبريني1 30. أحمد البوشنجي1 31. أحمد بن أبي يحيى زكريا الحضرمي1 32. أحمد بن الحارث بن مسكين المصري1 33. أحمد بن العباس البصري1 34. أحمد بن جعفر النسائي1 35. أحمد بن سالم أبو توبة العسقلاني1 36. أحمد بن سعيد أبو الحارث العسكري1 37. أحمد بن عبد الرحمن أبو الوليد البسري الدمشقي...1 38. أحمد بن عبد الرحمن المروزي1 39. أحمد بن عبد القاهر اللخمي1 40. أحمد بن عبد الله بن جلين الدوري1 41. أحمد بن عبد الله بن مسمار2 42. أحمد بن عبدة البصري1 43. أحمد بن عبيد الله أبو العز بن كادش2 44. أحمد بن علي أبو نصر الهاشمي الهباري المقدسي...1 45. أحمد بن علي الاستراباذي1 46. أحمد بن علي الخيوطي1 47. أحمد بن علي الطرابلسي1 48. أحمد بن علي النصيبي3 49. أحمد بن عمرو الحافظ أبو بكر البزار1 50. أحمد بن محمد الأنصاري الحنبلي1 51. أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى2 52. أحمد بن محمد بن السكن الحافظ1 53. أحمد بن محمد بن السندي أبو الفوارس الصابوني...1 54. أحمد بن محمد بن جوري العكبري1 55. أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزار الحافظ...1 56. أحمد بن مقاتل الدهقان1 57. أحمد بن موسى1 58. أحمد بن يحيى الدبيقي1 59. أحمد بن يعقوب الأموي الجرجاني1 60. أحمد بن يعقوب البلخي1 61. أحمد بن يعقوب بن عبد الجبار القرشي1 62. أحوص بن جواب أبو الجواب1 63. أسامة بن أحمد أبو سلمة التجيبي1 64. أسامة بن سلمان شامي1 65. أسد بن إبراهيم الحراني1 66. أشعب بن جبير الطامع1 67. أشعث بن محمد الكلابي1 68. أم عمرو بنت حسان بن زيد1 69. أنس الثقفي الحمصي1 70. أنس بن عمرو1 71. إبراهيم بن أبي الفياض عبد الرحمن البرقي...1 72. إبراهيم بن أحمد العجلي2 73. إبراهيم بن أحمد الهمداني القاضي1 74. إبراهيم بن العلاء الزهري1 75. إبراهيم بن ثمامة2 76. إبراهيم بن زرعة القرشي1 77. إبراهيم بن شعيب المدني1 78. إبراهيم بن شكر العثماني1 79. إبراهيم بن صبيح الطلحي2 80. إبراهيم بن عبد السلام الوشاء1 81. إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر1 82. إبراهيم بن محمد بن خلف بن قديد1 83. إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء...1 84. إبراهيم بن مطهر الفهري1 85. إبراهيم بن موسى الدمشقي2 86. إبراهيم بن موسى بن جميع الأندلسي1 87. إدريس بن يزيد اللخمي الرملي1 88. إسحاق بن إبراهيم الطبري2 89. إسحاق بن الحارث الدمشقي1 90. إسحاق بن خالد بن يزيد1 91. إسحاق بن عبد الله بن أبي المهاجر1 92. إسحاق بن محمد البيروتي2 93. إسحاق بن يونس2 94. إسرائيل بن روح1 95. إسماعيل بن أبي أويس عبد الله المدني1 96. إسماعيل بن زكريا المدائني1 97. إسماعيل بن زياد أو ابن أبي زياد1 98. إسماعيل بن علي أبو دعامة1 99. إسماعيل بن علي بن المثني الاستراباذي...1 100. إسماعيل بن كيسان1 ▶ Next 100
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Al-Dhahabī (d. 1348 CE) - Dhayl dīwān al-ḍuʿafāʾ wa-l-matrūkīn - الذهبي - ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155230&book=5577#cd9858
أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=126132&book=5577#5a2d59
أبو عامر الهَوْزَنى عبد اللَّه بن لُحَى شامى تابعى ثقة. روى عن بلال مؤذن النبى عليه السلام والمقدام بن معدى كرب وعبد اللَّه بن قُرط ومعاوية بن أبى سفيان. روى عنه أزهر بن عبد اللَّه الحرازى وأبو سلام الأسود وابنه أبو اليمان الهوزانى .