إبراهيم بن إسحاق الحربي، أحد الأئمّة الأعلام، قال الذّهبي في "التّاريخ": الحافظ، توفي سنة (285).
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن بشير بْن عَبْد اللَّهِ بْن ديسم، أَبُو إِسْحَاق الحربي :
ولد فِي سنة ثمان وتسعين ومائة. وسمع أَبَا نعيم الْفَضْل بْن دُكين، وَعفان بْن مسلم، وعبد اللَّه بْن صَالِح العجلي، ومُوسَى بْن إسماعيل التبوذكي، وأبا عُمَر الحوضي، ومسددا، وعبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عائشة، وعمرو بْن مرزوق، وسعيد بْن سُلَيْمَان الواسطي، وعلي بْن الجعد، وخلف بْن هِشَام، وعاصم بْن عَلِيّ، ومحمد بْن مقاتل الْمَرْوَزِيُّ، وأَحْمَد بْن يونس، وَمحمد بْن بكار بْن الريان، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن الحماني، وأَحْمَد بْن حَنْبَل، وعثمان بْن أَبِي شيبة، وعبيد اللَّه القواريري، وخلقا من أمثالهم. روى عنه مُوسَى بْن هارون الحافظ، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر ابن أَبِي داود، وَالحسين المحاملي، ومحمد بْن مخلد، وأبو بكر بن الأنباري النحوي، وإبراهيم بْن حبيش بْن دينار، وعثمان بْن عبدويه، وعبيد اللَّه بْن أَحْمَد بن بكير، وأبو عمرو بن السماك، وأَحْمَد بْن سلمان النجاد، وأبو عُمَر الزاهد- صاحب ثعلب-، وأبو سهل بْن زياد، ومحمّد بن علي بن علوان المقرئ، والقاضي أبو الحسين ابن الأشناني، ومحمد بن عبد الله الشافعي، وعمر بن جعفر بن سلم، وأبو بكر بن مالك القطيعي، وغيرهم.
وكان إماما في العلم، رأسا في الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، حافظا للحديث، مميزا لعلله، قيما بالأدب، جماعا للغة، وصنف كتبا كثيرة، منها غريب الحديث وغيره، وكان أصله من مرو.
قرأت في كتاب أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن بشران، بخطه: سمعت أبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن حبيش يقول: سمعت أبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق بْن إبراهيم بن بشير ابن عَبْد اللَّهِ بْن ديسم الْمَرْوَزِيُّ. قَالَ: أمي تغلبية، وكَانَ أخوَالي نصارى أكثرهم.
فقلت له: لم سميت إِبْرَاهِيم الحربي؟ فَقَالَ: صحبت قوما من الكرخ عَلَى الحَدِيث، وعندهم ما جاز قنطرة العتيقة: من الحربية، فسموني الحربي بذلك. وَقَالَ: قطائعنا فِي المراوزة- يَعْنِي عندنا فِي الكابلية- كان لي فيها اثنتان وعشرون دارا وبستانا، قال ابن حبيش: وكَانَ يصف لنا نخلة نخلة، ودارا دارا. قَالَ: فبعتها وأنفقتها على الحديث، وورثت من خال بحولايا عشرين ومائة جريب فِيهَا رطبة، فلم أفرغ لها، ولا ذهبت أخذت منها لا أصلا ولا فرعا، فذهبت إِلَى الآن.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهدي قال: أخبرنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحاملي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَرَّاقُ وَإِبْرَاهِيمُ ابن إسحاق قالا: حدّثنا أبو نعيم، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَنْبَسِ- زَادَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَعِيدَ بْنَ كَثِيرٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُفْرِكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السّلام. هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كُنْتُ لأَحُكُّ الْمَنِيَّ.
وَقَالَت: بِإِصْبَعِهَا فِي رَاحَتِهَا لَمْ تَزِدْنَا عَلَى هَذَا شَيْئًا.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان ابن إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن الخليل الجلاب. قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: رأيت أبا سلمة الخزاعي الَّذِي روى عنه أَحْمَد بْن حَنْبَل ولم أسمع منه، وكَانَ ينزل ربض حمزة، ورأيت يَحْيَى بْن غيلان وكَانَ ينزل دار أَبِي زيد ولم أسمع منه، وكَانَ عنده عَن أَبِي عوانة ومفضل، وكل طير عندنا فاره فهو من حمام يَحْيَى بْن غيلان. قيل له:
رأيت أبا كامل- يعني مظفر بْن مدرك؟ قَالَ: لا، لم أره؛ وكَانَ ينزل عندنا هاهنا، ومات فِي سنة مات روح بْن عبادة، وكَانَ يسمع منه أَحْمَد بْن حَنْبَل، ويحيى بن
معين، وكَانَا أول ما جاءا إليه لم يحدثهم سنة شيئا، فعدوا الأيام فلما تمت سنة جاءوا فحدثهم، وكَانَ ثقة ليس بِهِ بأس.
أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن أحمد الرزاز، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشافعي قَالَ:
سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: جئت عارم بْن الفضل فطرح لي حصيرا عَلَى الباب، ثم خرج إِلَى فَقَالَ لي: مرحبا، أيش كَانَ خبرك؟ ما رأيتك منذ مدة، قَالَ إِبْرَاهِيم:
وما كنت جئته قبل ذلك. فَقَالَ لي قَالَ ابن المبارك:
أيها الطالب علما ... ائت حماد بْن زيد
فاستفد حلما وعلما ... ثم قيده بقيد
وَالقيد بقيد، وجعل يشير عَلَى أصبعه مرارا. فعلمت أنه قد اختلط فتركته وانصرفت.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن جعفر بن غيلان الشروطي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن عمرو بْن عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز بْن جريج الطوماري. قَالَ: جئت إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي وقد فاتني حَدِيث، فأخذته وجئت إليه فقلت: قد فاتني هذا الحَدِيث، فَقَالَ لي: ضعه عَلَى رأسك، فوضعت الجزء عَلَى رأسي، وكَانَ إِلَى جنبه مُحَمَّد بْن خلف وكيع فَقَالَ له: يا سيدي هذا من ولد عَبْد الملك بْن جريج، فأدناني ثم قَالَ:
حَدَّثَنَا أحمد بن منصور، حَدَّثَنَا عفان- ثم قَالَ لوكيع: لو قلت لَكَ حَدَّثَنَا عفان من أين كنت تعلم؟ فَقَالَ رَجُل من أهل خراسان: يا أبا إِسْحَاق لو قلت فِيما لم تسمع من عفّان سمعت ما حول اللَّه هذه الوجوه إليك.
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد المروروذي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحافظ- بنيسابور- قَالَ: سمعتُ أَبَا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّارُ يقول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي- وحدث عَن حميد بْن زنجويه عَن عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح العجلي بحَدِيث فَقَالَ- اللهم لَكَ الحمد- ورفع يديه فحمد اللَّه، ثم قَالَ: عندي عَن عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح العجلي قمطر، وليس عندي عَن حميد غير هذا الطبق، وأَنَا أَحْمَد اللَّه عَلَى الصدق.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الحافظ: زادني فِيهِ بعض أصحابنا عَن أَبِي عَبْد اللَّهِ الصفار قَالَ:
فقام رَجُل من المجلس فَقَالَ: يا أبا إِسْحَاق لو قلت فِيما لم تسمع سمعت لم يقبل اللَّه بهذه الوجوه عليك.
حدّثنا عبد العزيز بن علي الورّاق، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم الهمذاني، حدّثنا الخالدي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن ماهان- ويعرف بابن أسد- قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق يقول: أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه، كَانَ يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كلها، هذا الجانب، وذلك الجانب، ولا أحدث نفسي أني أصلحها، وما شكوت إِلَى أمي، ولا إلى إخوتي، ولا إلي امرأتي، ولا إلي بناتي قط حمى وجدتها.
الرجل هو الَّذِي يدخل غمه عَلَى نفسه ولا يغم عياله. كَانَ بي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بِهَا أحدا قط! ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت بِهِ أحدا، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفِين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعا عطشان إِلَى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف فِي اليوم وَالليلة، إن جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي بِهِ أكلته، وإلا بقيت جائعا عطشان إِلَى الليلة الآخرى، وَالآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كَانَ برنيا، أو نيفا وعشرين إن كَانَ دقلا، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهرا، فقام إفطاري فِي هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف! ودخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين، فقام نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانق ونصف.
أَخْبَرَنِي عبيد اللَّه بْن أَبِي الفتح، حدثنا عمر بن أحمد بن هارون المقرئ أن أبا الْقَاسِم بْن بكير حدثه قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: ما كنا نعرف من هذه الأطبخة شيئا، كنت أجيء من عشي إلي عشي وقد هيأت لي أمي باذنجانة مشوية، أو لعقة ين أو باقة فجل.
وَقَالَ عُمَر: سمعت أبا عَلِيّ الخياط المعروف بالميت يقول: كنت يوما جالسا مع إِبْرَاهِيم عَلَى باب داره، فلما أن أصبحنا قَالَ لي: يا أبا عَلِيّ، قم إِلَى شغلك فإن عندي فجلة قد أكلت البارحة خضرها أقوم أتغدى بجزرتها.
حدّثني أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدان قَالَ:
سمعت أبا بكر بْن أيّوب العكبري يقول: سمعت الحربي- يَعْنِي إِبْرَاهِيم- يقول: ما تروحت ولا روحت قط، ولا أكلت من شيء واحد في يوم مرتين.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن الحربي- حفظا- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن سمعون يَقُولُ: قال أحمد بن سلمان القطيعيّ: ضقت إضاقة فمضيت إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي لأبثه ما أنا فيه فقال لي: لا يضق صدرك، فإن اللَّه من وراء المعونة؛ وإني ضقت مرة حتى انتهى أمري فِي الإضاقة إِلَى أن عدم عيالي قوتهم، فقالت لي الزوجة:
هب أني وإياك نصبر، فكيف نصنع بِهَاتين الصبيتين؟ فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه، فضننت بذاك. وقلت: اقترضي لهما شيئا وأنظريني بقية اليوم وَالليلة، وكَانَ لي بيت فِي دهليز داري فِيهِ كتبي. فكنت أجلس فيه للنسخ وللنظر، فلما كَانَ فِي تلك الليلة إذا داق يدق الباب. فقلت: من هذا؟ فَقَالَ: رَجُل من الجيران؛ فقلت: ادخل! فَقَالَ: اطفِئ السراج حتى أدخل، فكبيت عَلَى السراج شيئا وقلت: ادخل، فدخل وترك إِلَى جانبي شيئا، وانصرف فكشفت عَنِ السراج ونظرت فإذا منديل له قيمة، وفِيهِ أنواع من الطعام، وكاغد فيه خمسمائة درهم، فدعوت الزوجة وقلت: أنبهي الصبيان حتى يأكلوا. ولما كَانَ من الغد قضينا دينا كَانَ عَلَيْنَا من تلك الدراهم، وكَانَ وقت مجيء الحاج من خراسان، فجلست عَلى بابي من غد تلك الليلة وإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وَهُوَ يسأل عَن منزل إِبْرَاهِيم الحربي، فانتهى إلي فقلت: أَنَا إِبْرَاهِيم الحربي، فحط الحملين، وَقَالَ: هذان الحملان أنفذهما لَكَ رَجُل من أهل خراسان، فقلت: من هو؟ فَقَالَ: قد استحلفني أن لا أقول من هو.
أَخْبَرَنِي أَبُو نصر مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله القاضي- بالدّينور- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق السني الحافظ قَالَ: سمعت أبا عثمان الرازي يقول: جَاءَ رَجُل من أصحاب المعتضد إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عَن أمر أمير المؤمنين تفرقة ذلك فرده، فانصرف الرسول، ثم عاد فَقَالَ: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه فِي جيرانك، فَقَالَ: عافاك اللَّه هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك! حدّثني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حدّثنا أحمد بن مروان، حدّثنا أبو القاسم بن الجبلي قَالَ: اعتل إِبْرَاهِيم الحربي علة حتى أشرف عَلَى الموت، فدخلت إليه يوما فَقَالَ لي: يا أبا الْقَاسِم، أَنَا فِي أمر عظيم مع ابنتي، ثم قَالَ لها:
قومي اخرجي إِلَى عمك، فخرجت فألقت عَلَى وجهها خمارها، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: هذا
عمك كلميه، فقالت لي: يا عم نحن فِي أمر عظيم، لا فِي الدُّنْيَا ولا في الآخرة، الشهر والدهر مالنا طعام إلا كسر يابسة وملح، وربما عدمنا الملح، وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار فلم يأخذها، ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منها شيئا.
وَهُوَ عليل. فالتفت الحربيّ إليها، وتبسم فقال لها: يا بنية إنما خفت الفقر؟ قال: نعم.
فَقَالَ لها: انظري إِلَى تلك الزاوية، فنظرت فإذا كتب، فَقَالَ: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبتها بخطي، إذا مت فوجهي فِي كل يوم بجزء تبيعيه بدرهم، فمن كَانَ عنده اثنا عشر ألف درهم ليس هو فقير! أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز. قَالَ: سمعت أبا عُمَر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد اللغوي يقول: سمعت ثعلبا يقول: ما فقدت إِبْرَاهِيم الحربي من مجلس لغة أو نحو خمسين سنة! قَالَ أَبُو عُمَر: وسمعت ثعلبا يقول ذلك مرارا.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، وسمعت أبا الحسين بن المنادي يقول: سمعت أَحْمَد بْن يَحْيَى يقول: ما فقدت إِبْرَاهِيم الحربي من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة.
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ قَالَ: قَالَ عُمَر بْن أَحْمَد بْن هارون المقرئ قَالَ لنا أَبُو القاسم بن بكير: سمعت إِبْرَاهِيم يقول: بقيت عَلَى سور الرهينة عشرين سنة أكتب.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت أبا سعد عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد الإستراباذي يقول:
سمعت أبا أَحْمَد بْن عدي يقول: سمعت أبا عمران الأشيب يقول: قَالَ رَجُل لإبراهيم الحربي: كيف قويت عَلَى جميع هذه الكتب؟ قال: فغضب وقال: بلحمي ودمي.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السكري قَالَ: سمعت أبا بكر الشافعي يقول: قَالَ إِبْرَاهِيم الحربي: ما أخذت عَلَى علم قط أجرا إلا مرة واحدة، فإني وقفت عَلَى بقال فوزنت له قيراطا إلا فلسا، فسألني عَن مسألة فأجبته، فَقَالَ للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئا، فزادني فلسا.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد الفقيه، أَخْبَرَنَا مقاتل بْن مُحَمَّد بْن بنان العكي قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفَ بِالْحَرْبِيِّ يَقُولُ- وَقَدْ سَأَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَبَّاسٍ الْبَقَّالِ- فقال: أخرجت إِلَى الْكَبْشِ وَوَزَنْتُ لِعَبَّاسٍ الْبَقَّالِ دَانِقًا إِلا
فَلْسًا، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ حدِّثني حَدِيثًا فِي السَّخَاءِ، فَلَعَلَّ اللَّهُ يَشْرَحُ صَدْرِي فَأَعْمَلُ شَيْئًا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ مَارًّا فِي بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَسْوَدَ بِيَدِهِ رَغِيفٌ يَأْكُلُ لُقْمَةً وَيُطْعِمُ الْكَلْبَ لُقْمَةً، إِلَى أَنْ شَاطَرَهُ الرَّغِيفَ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ شَاطَرْتَهُ وَلَمْ تُغَابِنْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ:
اسْتَحَتْ عَيْنَايَ مِنْ عَيْنَيْهِ أَنْ أُغَابِنَهُ، فَقَالَ لَهُ: غُلامُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: غُلامُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَالْحَائِطُ؟ قَالَ لأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لا بَرَحْتَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، فَمَرَّ وَاشْتَرَى الْغُلامَ وَالْحَائِطَ، وَجَاءَ إِلَى الْغُلامِ فَقَالَ: يَا غُلامُ قَدِ اشْتَرَيْتُكَ، قَالَ: فَقَامَ قَائِمًا فَقَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَكَ يَا مَوْلايَ، قال: وقد اشترى الحائط وأنت حر لوجه الله، والحائظ هِبَةٌ مِنِّي إِلَيْكَ. قَالَ:
فَقَالَ الْغُلامُ: يَا مَوْلايَ قَدْ وَهَبْتُ الْحَائِطَ لِلَّذِي وَهَبْتَنِي لَهُ! قال: فقال عبّاس البقال:
أحسن وَاللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، لأَبِي إِسْحَاقَ دَانِقٌ إِلا فلسا أعطه بِدَانِقٍ مَا يُرِيدُ. فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لا أَخَذْتُ إِلا بِدَانِقٍ إِلا فِلْسًا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أبي جعفر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان ابن إِسْحَاق الجلاب قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاق الحربي: كان لنا جار نخاس في البيت يقال له عَبَّاس، قد أتى عَلَيْهِ خمس وثمانون سنة، قال: فسألته امرأة عَن مسألة فقالت له:
زوج ابنتي طلقها. قَالَ: فرضيت أَنْتَ وأبوها؟ قَالَت: لا، قَالَ: لا يجوز حتى ترضى الأم وَالأب! قَالَ: فقالت له: قد سألت أبا إِسْحَاق فَقَالَ قد طلقت. قَالَ: فَقَالَ ويدري أَبُو إِسْحَاق؟! أَنَا أبصر من أَبِي إِسْحَاق وأعلم وأكبر، أَنَا ألقيت عَلَى أَبِي إِسْحَاق مسألة فلم يخرج منها.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري، أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر التجيبي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الملحمي الْقَاضِي قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد يقول: كَانَ أَبِي يقول: امض إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي حتى يلقى عليك الفرائض.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ: قَالَ لنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ: لما مات سَعِيد بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل، جَاءَ إِبْرَاهِيم- يَعْنِي الحربي- إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد، فقام إليه عَبْد اللَّهِ فَقَالَ: تقوم إِلَى؟ قَالَ: لم لا أقوم، وَالله لو رآك أَبِي لقام إليك. قَالَ:
وَالله لو رأى ابْن عيينة أباك لقام إليه.
حَدَّثَنِي عَبْد الْعَزِيزِ بْن أَبِي طَاهِر الصوفِي، حدّثني عبد الوهّاب بن جعفر الميداني، حدثنا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن زبر، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ لي أَبُو
عَلِيّ الحسين بْن فهم- وذكر إِبْرَاهِيم الحربي-: وَالله يا أبا مُحَمَّد لا ترى عيناك مثل أَبِي إِسْحَاق أيام الدُّنْيَا، ولقد رأيت وجالست الناس من صنوف أهل العلم وَالحذق بكل فن منه، فما رأيت رجلا أكمل فِي ذلك كله من أَبِي إِسْحَاق رحمه الله.
أخبرني أبو بكر أحمد بن عبد الواحد المنكدري، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن الحافظ- بنيسابور- قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن صَالِح الْقَاضِي يقول: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي فِي الأدب، وَالفقه، وَالحَدِيث، وَالزهد.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن الطل الأنباري- بها- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن يَعْقُوب بْن أبي عبد الله القرنجلي اللخمي، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي- وما رأيت بعيني مثله- أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَبِي علي المعدّل، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز، حَدَّثَنَا أَبُو أيوب سُلَيْمَان بْن إِسْحَاق بْن الخليل البزاز قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي. يقول: فِي كتاب أَبِي عبيد غريب الحَدِيث ثلاثة وخمسون حَدِيثا ليس لها أصل، قد عَلَّمْتُ عليها فِي كتاب السروي، منها:
أتت امرأة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي يدها مناجد .
ونهى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن لبس السراويلات المخرفجة .
وأتى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم أهل قاه .
وَقَالَ عُمَر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أمرت بهذا البيت فَسُفِّرَ .
وعن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ للنساء: إذا جعتن خجلتن، وإذا شبعتن دقعتن
. أَخْبَرَنِي أبو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه بْن جَعْفَر بن حمدان القصري، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصير، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس بْن مسروق قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم الحربي: لا تحدث فتسخن عينك كما سخنت عيني. فقلت له: فما أعمل؟ قَالَ:
تطأطئ رأسك وتسكت. فقلت: فأنت لم تحدث؟ قَالَ: ليس وجهي من خشب.
حَدَّثَنِي أَبُو الفرج عَبْد الوهاب بْن عَبْد العزيز بْن الحارث التميمي قَالَ: قرئ على
أَبِي الحسين العتكي وأَنَا أسمع قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول لجماعة عنده: من تعدون الغريب فِي زمانكم هذا؟ فَقَالَ واحد منهم: الغريب من نأى عَن وطنه، وَقَالَ آخر: الغريب من فارق أحبابه، وَقَالَ كل واحد منهم شيئا، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: الغريب فِي زماننا رَجُل صَالِح عاش بين قوم صَالِحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عَنِ المنكر أعانوه وإن احتاج إِلَى سبب من الدُّنْيَا مانوه، ثم ماتوا وتركوه!! حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن جعفر بْن درستويه قَالَ: اجتمع إِبْرَاهِيم الحربي، وأَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلب، فَقَالَ ثعلب لإبراهيم: متى يستغنى الرجل عَن ملاقاة العلماء؟ فَقَالَ له إِبْرَاهِيم: إذا علم ما قالوا، وَإِلَى أي شيء ذهبوا فِيما قالوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ أبي جعفر الأخرم، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن عمر الطوماري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف وكيع. قَالَ: كَانَ لإبراهيم الحربي ابْن، وكَانَ له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن، ولقنه من الفقه شيئا كثيرا، قَالَ: فمات، فجئت أعزيه، قَالَ: فَقَالَ لي: كنت أشتهي موت ابني هذا، قَالَ: قلت: يا أبا إِسْحَاق أَنْتَ عالم الدُّنْيَا تقول مثل هذا فِي صبي قد أنجب، ولقنته الحَدِيث وَالفقه؟ قَالَ: نعم، رأيت فِي النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبيانا بأيديهم قلال فِيهَا ماء يستقبلون الناس يسقونهم، وكأن اليوم يوم حار شديد حره، قَالَ: فقلت لأحدهم: أسقني من هذا الماء، قَالَ: فنظر إِلَى وَقَالَ: ليس أَنْتَ أَبِي.
فقلت: فأيش أَنْتَم؟ قَالَ: فَقَالَ: نحن الصبيان الَّذِين متنا فِي دار الدُّنْيَا، وخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء، قَالَ: فلهذا تمنيت موته.
أخبرنا عمر بن إبراهيم الفقيه، أَخْبَرَنَا مقاتل بْن مُحَمَّد بْن بنان العكي قَالَ:
حضرت مع أَبِي وأخي عند أَبِي إِسْحَاق- يَعْنِي إِبْرَاهِيم الحربي- فَقَالَ إِبْرَاهِيم لأبي:
هؤلاء أولادك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: احذر لا يرونك حيث نهاك اللَّه فتسقط من أعينهم.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بكر، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الشافعي قَالَ:
سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر لا أحدث عنه بشيء، لأني رأيته مع المغرب وبيده نعله مبادرا، فقلت: إِلَى أين؟ قَالَ: ألحق الصلاة مع أَبِي عَبْد اللَّهِ، قلت: من أَبُو عَبْد اللَّهِ؟ قال: ابن أبي دؤاد. فقلت: والله لأحدثت عنك.
أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد أخو الخلال، أخبرنا إبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم السّقطيّ- بجرجان- حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيّ أَحْمَد بْن الحسين شعبة، حدّثنا أحمد بن جعفر
الهاشمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه الكاتب قَالَ: كنت يوما عند مُحَمَّد بْن يزيد المبرد فأنشدني هذين البيتين:
جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم فِي غربة وَالروح فِي وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا ... لا روح فِيهِ ولي روح بلا بدن
ثم قَالَ: ما أظن قَالَت الشعراء أحسن من هذا! فقلت: ولا قول الآخر؟ قَالَ:
هيه، قلت الَّذِي يقول:
فارقتكم ومكثت بعدكم ... ما هكذا كَانَ الَّذِي يجب
فالآن ألقى الناس معتذرا ... من أن أعيش وأَنْتَم غيب
قَالَ: ولا هذا. قلت ولا قول خالد الكاتب:
روحان لي روح تضمنها ... جسدي وأخرى حازها بلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكَانَها تجد الَّذِي أجد
قَالَ: ولا هذا. قلت: أَنْتَ إذا هويت الشيء ملت إليه ولم تعدل إِلَى غيره قَالَ: لا ولكنه الحق. فأتيت ثعلبا فأخبرته فقال ثعلب: ألا أنشدته:
غابوا فصار الجسم من بعدهم ... ما تنظر العين له فيا
بأي وجه أتلقاهم ... إذا رأوني بعدهم حيا؟
يا خجلتي منه ومن قوله ... ما ضرك الفقد لنا شيا
قَالَ: فأتيت إبراهيم بن إسحاق الحربي فأخبرته، فقال: ألا أنشدته:
يا حيائي ممن أحب إذا ما ... قَالَ بعد الفراق أني حييت؟
لو صدقت الهوى حبيبا على الصّحّ ... ة لما نأى لكنت تموت
قَالَ: فرجعت إِلَى المبرد. فَقَالَ: أستغفر اللَّه إلا هذين البيتين- يَعْنِي بيتي إِبْرَاهِيم-.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز البزاز- بهمذان- حدّثنا محبوب ابن مُحَمَّد البرديجي قاضي سراوان قَالَ: أنشدنا أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن زكريا العدوي- ببغداد- قَالَ: أنشدني إِبْرَاهِيم الحربي:
أنكرت ذلي فأي شيء ... أحسن من ذلة المحب؟
أليس شوقي وفَيْض دمعي ... وضعف جسمي شهود حبي؟
قَالَ إِبْرَاهِيم: هؤلاء شهود ثقات. أَخْبَرَنِي الأزهري قَالَ: أنشدنا الحسين بْن أَحْمَد الصيرفِي قَالَ: أنشدنا أَبُو عَلِيّ الطوسي قَالَ: أنشدنا بعض أصحابنا لإبراهيم الحربي- وقد قرأ رَجُل ضرير عنده فلم يكن طيب الصوت-:
اثنان إذا عدا ... فخير لهم الموت
فقير ماله زهد ... وأعمى ماله صوت
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الملك بن محمد بن سلمان العطّار، أخبرنا أبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الزهري قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: ما أنشدت بيتا من الشعر قط إلا قرأت بعده: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
ثلاث مرات.
أَخْبَرَنِي محمّد بن جعفر بن علان، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ الطوماري قَالَ: أنشدنا إِبْرَاهِيم الحربي:
إذا مات المعالج من سقام ... فِيوشك للمعالج أن يموت
حَدَّثَنِي أَبُو النجيب عَبْد الغفار بْن عَبْد الواحد الأرموي قَالَ: سمعت أبا يعلى الحافظ القزويني يقول: سمعت حمزة بْن مُحَمَّد العلوي يقول: سمعت عِيسَى بْن مُحَمَّد الطوماري يقول: دخلنا عَلَى إِبْرَاهِيم الحربي- وَهُوَ مريض- وقد كَانَ يحمل ماؤه إِلَى الطبيب، وكَانَ يجيء إليه فِيعالجه، فجاءت الجارية وردت الماء وقالت: مات الطبيب! فبكى ثم أنشأ يقول:
إذا مات المعالج من سقام ... فِيوشك للمعالج أن يموت
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أبي الطّيّب، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن الْبَزَّازُ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ- وقد دخل عَلَيْهِ قوم يعودونه- فقالوا: كيف تجدك يا أبا إِسْحَاق؟ قَالَ: أجدني كما قَالَ الشاعر:
دبّ فيّ البلاء سفلا وعلوا ... وأراني أذوب عضوا فعضوا
بليت جدتي بطاعة نفسي ... فتذكرت طاعة اللَّه نضوا
حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيُّ: إِبْرَاهِيم الحربي ثقة.
ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي أنه سأل الدارقطني عَن إِبْرَاهِيم الحربي فَقَالَ: كَانَ إماما وكَانَ يقاس بأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي زهده وعلمه وورعه.
وحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي الفتح، عَنْ أَبِي الْحَسَن الدارقطني قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ إِبْراهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ إمام مصنف عالم بكل شيء، بارع فِي كل علم، صدوق.
مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن علي الخطبي. قَالَ: ومات أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي يوم الإثنين لتسع بقين من ذي الحجة، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين، وصلى عَلَيْهِ يُوسُف ابن يَعْقُوب الْقَاضِي فِي شارع باب الأنبار، وكَانَ الجمع كثيرا جدا، وكَانَ يوما فِي عقب مطر ووحل، ودفن فِي بيته، رحمه اللَّه.
ولد فِي سنة ثمان وتسعين ومائة. وسمع أَبَا نعيم الْفَضْل بْن دُكين، وَعفان بْن مسلم، وعبد اللَّه بْن صَالِح العجلي، ومُوسَى بْن إسماعيل التبوذكي، وأبا عُمَر الحوضي، ومسددا، وعبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عائشة، وعمرو بْن مرزوق، وسعيد بْن سُلَيْمَان الواسطي، وعلي بْن الجعد، وخلف بْن هِشَام، وعاصم بْن عَلِيّ، ومحمد بْن مقاتل الْمَرْوَزِيُّ، وأَحْمَد بْن يونس، وَمحمد بْن بكار بْن الريان، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن الحماني، وأَحْمَد بْن حَنْبَل، وعثمان بْن أَبِي شيبة، وعبيد اللَّه القواريري، وخلقا من أمثالهم. روى عنه مُوسَى بْن هارون الحافظ، ويحيى بن صاعد، وأبو بكر ابن أَبِي داود، وَالحسين المحاملي، ومحمد بْن مخلد، وأبو بكر بن الأنباري النحوي، وإبراهيم بْن حبيش بْن دينار، وعثمان بْن عبدويه، وعبيد اللَّه بْن أَحْمَد بن بكير، وأبو عمرو بن السماك، وأَحْمَد بْن سلمان النجاد، وأبو عُمَر الزاهد- صاحب ثعلب-، وأبو سهل بْن زياد، ومحمّد بن علي بن علوان المقرئ، والقاضي أبو الحسين ابن الأشناني، ومحمد بن عبد الله الشافعي، وعمر بن جعفر بن سلم، وأبو بكر بن مالك القطيعي، وغيرهم.
وكان إماما في العلم، رأسا في الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، حافظا للحديث، مميزا لعلله، قيما بالأدب، جماعا للغة، وصنف كتبا كثيرة، منها غريب الحديث وغيره، وكان أصله من مرو.
قرأت في كتاب أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن بشران، بخطه: سمعت أبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن حبيش يقول: سمعت أبا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق بْن إبراهيم بن بشير ابن عَبْد اللَّهِ بْن ديسم الْمَرْوَزِيُّ. قَالَ: أمي تغلبية، وكَانَ أخوَالي نصارى أكثرهم.
فقلت له: لم سميت إِبْرَاهِيم الحربي؟ فَقَالَ: صحبت قوما من الكرخ عَلَى الحَدِيث، وعندهم ما جاز قنطرة العتيقة: من الحربية، فسموني الحربي بذلك. وَقَالَ: قطائعنا فِي المراوزة- يَعْنِي عندنا فِي الكابلية- كان لي فيها اثنتان وعشرون دارا وبستانا، قال ابن حبيش: وكَانَ يصف لنا نخلة نخلة، ودارا دارا. قَالَ: فبعتها وأنفقتها على الحديث، وورثت من خال بحولايا عشرين ومائة جريب فِيهَا رطبة، فلم أفرغ لها، ولا ذهبت أخذت منها لا أصلا ولا فرعا، فذهبت إِلَى الآن.
أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن مهدي قال: أخبرنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ المحاملي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَرَّاقُ وَإِبْرَاهِيمُ ابن إسحاق قالا: حدّثنا أبو نعيم، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَنْبَسِ- زَادَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَعِيدَ بْنَ كَثِيرٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُفْرِكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السّلام. هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقَالَ: إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كُنْتُ لأَحُكُّ الْمَنِيَّ.
وَقَالَت: بِإِصْبَعِهَا فِي رَاحَتِهَا لَمْ تَزِدْنَا عَلَى هَذَا شَيْئًا.
أخبرنا أحمد بن أبي جعفر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان ابن إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن الخليل الجلاب. قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: رأيت أبا سلمة الخزاعي الَّذِي روى عنه أَحْمَد بْن حَنْبَل ولم أسمع منه، وكَانَ ينزل ربض حمزة، ورأيت يَحْيَى بْن غيلان وكَانَ ينزل دار أَبِي زيد ولم أسمع منه، وكَانَ عنده عَن أَبِي عوانة ومفضل، وكل طير عندنا فاره فهو من حمام يَحْيَى بْن غيلان. قيل له:
رأيت أبا كامل- يعني مظفر بْن مدرك؟ قَالَ: لا، لم أره؛ وكَانَ ينزل عندنا هاهنا، ومات فِي سنة مات روح بْن عبادة، وكَانَ يسمع منه أَحْمَد بْن حَنْبَل، ويحيى بن
معين، وكَانَا أول ما جاءا إليه لم يحدثهم سنة شيئا، فعدوا الأيام فلما تمت سنة جاءوا فحدثهم، وكَانَ ثقة ليس بِهِ بأس.
أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن أحمد الرزاز، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشافعي قَالَ:
سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: جئت عارم بْن الفضل فطرح لي حصيرا عَلَى الباب، ثم خرج إِلَى فَقَالَ لي: مرحبا، أيش كَانَ خبرك؟ ما رأيتك منذ مدة، قَالَ إِبْرَاهِيم:
وما كنت جئته قبل ذلك. فَقَالَ لي قَالَ ابن المبارك:
أيها الطالب علما ... ائت حماد بْن زيد
فاستفد حلما وعلما ... ثم قيده بقيد
وَالقيد بقيد، وجعل يشير عَلَى أصبعه مرارا. فعلمت أنه قد اختلط فتركته وانصرفت.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن جعفر بن غيلان الشروطي، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن عمرو بْن عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز بْن جريج الطوماري. قَالَ: جئت إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي وقد فاتني حَدِيث، فأخذته وجئت إليه فقلت: قد فاتني هذا الحَدِيث، فَقَالَ لي: ضعه عَلَى رأسك، فوضعت الجزء عَلَى رأسي، وكَانَ إِلَى جنبه مُحَمَّد بْن خلف وكيع فَقَالَ له: يا سيدي هذا من ولد عَبْد الملك بْن جريج، فأدناني ثم قَالَ:
حَدَّثَنَا أحمد بن منصور، حَدَّثَنَا عفان- ثم قَالَ لوكيع: لو قلت لَكَ حَدَّثَنَا عفان من أين كنت تعلم؟ فَقَالَ رَجُل من أهل خراسان: يا أبا إِسْحَاق لو قلت فِيما لم تسمع من عفّان سمعت ما حول اللَّه هذه الوجوه إليك.
أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد المروروذي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّد الحافظ- بنيسابور- قَالَ: سمعتُ أَبَا عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصَّفَّارُ يقول: سمعت إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي- وحدث عَن حميد بْن زنجويه عَن عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح العجلي بحَدِيث فَقَالَ- اللهم لَكَ الحمد- ورفع يديه فحمد اللَّه، ثم قَالَ: عندي عَن عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح العجلي قمطر، وليس عندي عَن حميد غير هذا الطبق، وأَنَا أَحْمَد اللَّه عَلَى الصدق.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الحافظ: زادني فِيهِ بعض أصحابنا عَن أَبِي عَبْد اللَّهِ الصفار قَالَ:
فقام رَجُل من المجلس فَقَالَ: يا أبا إِسْحَاق لو قلت فِيما لم تسمع سمعت لم يقبل اللَّه بهذه الوجوه عليك.
حدّثنا عبد العزيز بن علي الورّاق، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ بْن جهضم الهمذاني، حدّثنا الخالدي، حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن ماهان- ويعرف بابن أسد- قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق يقول: أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه، كَانَ يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار، ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط، وفرد عقبي مقطوع وفرد عقبي الآخر صحيح، أمشي بهما وأدور بغداد كلها، هذا الجانب، وذلك الجانب، ولا أحدث نفسي أني أصلحها، وما شكوت إِلَى أمي، ولا إلى إخوتي، ولا إلي امرأتي، ولا إلي بناتي قط حمى وجدتها.
الرجل هو الَّذِي يدخل غمه عَلَى نفسه ولا يغم عياله. كَانَ بي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بِهَا أحدا قط! ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت بِهِ أحدا، وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفِين، إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت، وإلا بقيت جائعا عطشان إِلَى الليلة الثانية، وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف فِي اليوم وَالليلة، إن جاءتني امرأتي أو إحدى بناتي بِهِ أكلته، وإلا بقيت جائعا عطشان إِلَى الليلة الآخرى، وَالآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كَانَ برنيا، أو نيفا وعشرين إن كَانَ دقلا، ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهرا، فقام إفطاري فِي هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف! ودخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين، فقام نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانق ونصف.
أَخْبَرَنِي عبيد اللَّه بْن أَبِي الفتح، حدثنا عمر بن أحمد بن هارون المقرئ أن أبا الْقَاسِم بْن بكير حدثه قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: ما كنا نعرف من هذه الأطبخة شيئا، كنت أجيء من عشي إلي عشي وقد هيأت لي أمي باذنجانة مشوية، أو لعقة ين أو باقة فجل.
وَقَالَ عُمَر: سمعت أبا عَلِيّ الخياط المعروف بالميت يقول: كنت يوما جالسا مع إِبْرَاهِيم عَلَى باب داره، فلما أن أصبحنا قَالَ لي: يا أبا عَلِيّ، قم إِلَى شغلك فإن عندي فجلة قد أكلت البارحة خضرها أقوم أتغدى بجزرتها.
حدّثني أبو القاسم الأزهري، حَدَّثَنَا عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدان قَالَ:
سمعت أبا بكر بْن أيّوب العكبري يقول: سمعت الحربي- يَعْنِي إِبْرَاهِيم- يقول: ما تروحت ولا روحت قط، ولا أكلت من شيء واحد في يوم مرتين.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن الحربي- حفظا- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن سمعون يَقُولُ: قال أحمد بن سلمان القطيعيّ: ضقت إضاقة فمضيت إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي لأبثه ما أنا فيه فقال لي: لا يضق صدرك، فإن اللَّه من وراء المعونة؛ وإني ضقت مرة حتى انتهى أمري فِي الإضاقة إِلَى أن عدم عيالي قوتهم، فقالت لي الزوجة:
هب أني وإياك نصبر، فكيف نصنع بِهَاتين الصبيتين؟ فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه، فضننت بذاك. وقلت: اقترضي لهما شيئا وأنظريني بقية اليوم وَالليلة، وكَانَ لي بيت فِي دهليز داري فِيهِ كتبي. فكنت أجلس فيه للنسخ وللنظر، فلما كَانَ فِي تلك الليلة إذا داق يدق الباب. فقلت: من هذا؟ فَقَالَ: رَجُل من الجيران؛ فقلت: ادخل! فَقَالَ: اطفِئ السراج حتى أدخل، فكبيت عَلَى السراج شيئا وقلت: ادخل، فدخل وترك إِلَى جانبي شيئا، وانصرف فكشفت عَنِ السراج ونظرت فإذا منديل له قيمة، وفِيهِ أنواع من الطعام، وكاغد فيه خمسمائة درهم، فدعوت الزوجة وقلت: أنبهي الصبيان حتى يأكلوا. ولما كَانَ من الغد قضينا دينا كَانَ عَلَيْنَا من تلك الدراهم، وكَانَ وقت مجيء الحاج من خراسان، فجلست عَلى بابي من غد تلك الليلة وإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وَهُوَ يسأل عَن منزل إِبْرَاهِيم الحربي، فانتهى إلي فقلت: أَنَا إِبْرَاهِيم الحربي، فحط الحملين، وَقَالَ: هذان الحملان أنفذهما لَكَ رَجُل من أهل خراسان، فقلت: من هو؟ فَقَالَ: قد استحلفني أن لا أقول من هو.
أَخْبَرَنِي أَبُو نصر مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله القاضي- بالدّينور- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق السني الحافظ قَالَ: سمعت أبا عثمان الرازي يقول: جَاءَ رَجُل من أصحاب المعتضد إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عَن أمر أمير المؤمنين تفرقة ذلك فرده، فانصرف الرسول، ثم عاد فَقَالَ: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه فِي جيرانك، فَقَالَ: عافاك اللَّه هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته، قل لأمير المؤمنين إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك! حدّثني الأزهري، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حدّثنا أحمد بن مروان، حدّثنا أبو القاسم بن الجبلي قَالَ: اعتل إِبْرَاهِيم الحربي علة حتى أشرف عَلَى الموت، فدخلت إليه يوما فَقَالَ لي: يا أبا الْقَاسِم، أَنَا فِي أمر عظيم مع ابنتي، ثم قَالَ لها:
قومي اخرجي إِلَى عمك، فخرجت فألقت عَلَى وجهها خمارها، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: هذا
عمك كلميه، فقالت لي: يا عم نحن فِي أمر عظيم، لا فِي الدُّنْيَا ولا في الآخرة، الشهر والدهر مالنا طعام إلا كسر يابسة وملح، وربما عدمنا الملح، وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار فلم يأخذها، ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منها شيئا.
وَهُوَ عليل. فالتفت الحربيّ إليها، وتبسم فقال لها: يا بنية إنما خفت الفقر؟ قال: نعم.
فَقَالَ لها: انظري إِلَى تلك الزاوية، فنظرت فإذا كتب، فَقَالَ: هناك اثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبتها بخطي، إذا مت فوجهي فِي كل يوم بجزء تبيعيه بدرهم، فمن كَانَ عنده اثنا عشر ألف درهم ليس هو فقير! أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز. قَالَ: سمعت أبا عُمَر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد اللغوي يقول: سمعت ثعلبا يقول: ما فقدت إِبْرَاهِيم الحربي من مجلس لغة أو نحو خمسين سنة! قَالَ أَبُو عُمَر: وسمعت ثعلبا يقول ذلك مرارا.
قَالَ مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، وسمعت أبا الحسين بن المنادي يقول: سمعت أَحْمَد بْن يَحْيَى يقول: ما فقدت إِبْرَاهِيم الحربي من مجلس نحو أو لغة خمسين سنة.
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ قَالَ: قَالَ عُمَر بْن أَحْمَد بْن هارون المقرئ قَالَ لنا أَبُو القاسم بن بكير: سمعت إِبْرَاهِيم يقول: بقيت عَلَى سور الرهينة عشرين سنة أكتب.
حَدَّثَنِي الأزهري قَالَ: سمعت أبا سعد عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد الإستراباذي يقول:
سمعت أبا أَحْمَد بْن عدي يقول: سمعت أبا عمران الأشيب يقول: قَالَ رَجُل لإبراهيم الحربي: كيف قويت عَلَى جميع هذه الكتب؟ قال: فغضب وقال: بلحمي ودمي.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السكري قَالَ: سمعت أبا بكر الشافعي يقول: قَالَ إِبْرَاهِيم الحربي: ما أخذت عَلَى علم قط أجرا إلا مرة واحدة، فإني وقفت عَلَى بقال فوزنت له قيراطا إلا فلسا، فسألني عَن مسألة فأجبته، فَقَالَ للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئا، فزادني فلسا.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد الفقيه، أَخْبَرَنَا مقاتل بْن مُحَمَّد بْن بنان العكي قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفَ بِالْحَرْبِيِّ يَقُولُ- وَقَدْ سَأَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ عَبَّاسٍ الْبَقَّالِ- فقال: أخرجت إِلَى الْكَبْشِ وَوَزَنْتُ لِعَبَّاسٍ الْبَقَّالِ دَانِقًا إِلا
فَلْسًا، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ حدِّثني حَدِيثًا فِي السَّخَاءِ، فَلَعَلَّ اللَّهُ يَشْرَحُ صَدْرِي فَأَعْمَلُ شَيْئًا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: نَعَمْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ مَارًّا فِي بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَرَأَى أَسْوَدَ بِيَدِهِ رَغِيفٌ يَأْكُلُ لُقْمَةً وَيُطْعِمُ الْكَلْبَ لُقْمَةً، إِلَى أَنْ شَاطَرَهُ الرَّغِيفَ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ شَاطَرْتَهُ وَلَمْ تُغَابِنْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ:
اسْتَحَتْ عَيْنَايَ مِنْ عَيْنَيْهِ أَنْ أُغَابِنَهُ، فَقَالَ لَهُ: غُلامُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: غُلامُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: وَالْحَائِطُ؟ قَالَ لأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لا بَرَحْتَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، فَمَرَّ وَاشْتَرَى الْغُلامَ وَالْحَائِطَ، وَجَاءَ إِلَى الْغُلامِ فَقَالَ: يَا غُلامُ قَدِ اشْتَرَيْتُكَ، قَالَ: فَقَامَ قَائِمًا فَقَالَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَكَ يَا مَوْلايَ، قال: وقد اشترى الحائط وأنت حر لوجه الله، والحائظ هِبَةٌ مِنِّي إِلَيْكَ. قَالَ:
فَقَالَ الْغُلامُ: يَا مَوْلايَ قَدْ وَهَبْتُ الْحَائِطَ لِلَّذِي وَهَبْتَنِي لَهُ! قال: فقال عبّاس البقال:
أحسن وَاللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، لأَبِي إِسْحَاقَ دَانِقٌ إِلا فلسا أعطه بِدَانِقٍ مَا يُرِيدُ. فَقُلْتُ:
وَاللَّهِ لا أَخَذْتُ إِلا بِدَانِقٍ إِلا فِلْسًا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن أبي جعفر، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس، أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سليمان ابن إِسْحَاق الجلاب قَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاق الحربي: كان لنا جار نخاس في البيت يقال له عَبَّاس، قد أتى عَلَيْهِ خمس وثمانون سنة، قال: فسألته امرأة عَن مسألة فقالت له:
زوج ابنتي طلقها. قَالَ: فرضيت أَنْتَ وأبوها؟ قَالَت: لا، قَالَ: لا يجوز حتى ترضى الأم وَالأب! قَالَ: فقالت له: قد سألت أبا إِسْحَاق فَقَالَ قد طلقت. قَالَ: فَقَالَ ويدري أَبُو إِسْحَاق؟! أَنَا أبصر من أَبِي إِسْحَاق وأعلم وأكبر، أَنَا ألقيت عَلَى أَبِي إِسْحَاق مسألة فلم يخرج منها.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري، أخبرنا عبد الرّحمن بن عمر التجيبي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الملحمي الْقَاضِي قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد يقول: كَانَ أَبِي يقول: امض إِلَى إِبْرَاهِيم الحربي حتى يلقى عليك الفرائض.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر قَالَ: قَالَ لنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ: لما مات سَعِيد بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل، جَاءَ إِبْرَاهِيم- يَعْنِي الحربي- إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن أَحْمَد، فقام إليه عَبْد اللَّهِ فَقَالَ: تقوم إِلَى؟ قَالَ: لم لا أقوم، وَالله لو رآك أَبِي لقام إليك. قَالَ:
وَالله لو رأى ابْن عيينة أباك لقام إليه.
حَدَّثَنِي عَبْد الْعَزِيزِ بْن أَبِي طَاهِر الصوفِي، حدّثني عبد الوهّاب بن جعفر الميداني، حدثنا أَبُو سُلَيْمَان مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن زبر، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَالَ لي أَبُو
عَلِيّ الحسين بْن فهم- وذكر إِبْرَاهِيم الحربي-: وَالله يا أبا مُحَمَّد لا ترى عيناك مثل أَبِي إِسْحَاق أيام الدُّنْيَا، ولقد رأيت وجالست الناس من صنوف أهل العلم وَالحذق بكل فن منه، فما رأيت رجلا أكمل فِي ذلك كله من أَبِي إِسْحَاق رحمه الله.
أخبرني أبو بكر أحمد بن عبد الواحد المنكدري، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن الحافظ- بنيسابور- قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن صَالِح الْقَاضِي يقول: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي فِي الأدب، وَالفقه، وَالحَدِيث، وَالزهد.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي الْحَسَن الساحلي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن الطل الأنباري- بها- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن يَعْقُوب بْن أبي عبد الله القرنجلي اللخمي، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي- وما رأيت بعيني مثله- أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَبِي علي المعدّل، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز، حَدَّثَنَا أَبُو أيوب سُلَيْمَان بْن إِسْحَاق بْن الخليل البزاز قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي. يقول: فِي كتاب أَبِي عبيد غريب الحَدِيث ثلاثة وخمسون حَدِيثا ليس لها أصل، قد عَلَّمْتُ عليها فِي كتاب السروي، منها:
أتت امرأة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي يدها مناجد .
ونهى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن لبس السراويلات المخرفجة .
وأتى النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم أهل قاه .
وَقَالَ عُمَر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أمرت بهذا البيت فَسُفِّرَ .
وعن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ للنساء: إذا جعتن خجلتن، وإذا شبعتن دقعتن
. أَخْبَرَنِي أبو الفرج الطناجيري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه بْن جَعْفَر بن حمدان القصري، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصير، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس بْن مسروق قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم الحربي: لا تحدث فتسخن عينك كما سخنت عيني. فقلت له: فما أعمل؟ قَالَ:
تطأطئ رأسك وتسكت. فقلت: فأنت لم تحدث؟ قَالَ: ليس وجهي من خشب.
حَدَّثَنِي أَبُو الفرج عَبْد الوهاب بْن عَبْد العزيز بْن الحارث التميمي قَالَ: قرئ على
أَبِي الحسين العتكي وأَنَا أسمع قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول لجماعة عنده: من تعدون الغريب فِي زمانكم هذا؟ فَقَالَ واحد منهم: الغريب من نأى عَن وطنه، وَقَالَ آخر: الغريب من فارق أحبابه، وَقَالَ كل واحد منهم شيئا، فَقَالَ إِبْرَاهِيم: الغريب فِي زماننا رَجُل صَالِح عاش بين قوم صَالِحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عَنِ المنكر أعانوه وإن احتاج إِلَى سبب من الدُّنْيَا مانوه، ثم ماتوا وتركوه!! حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بْن جعفر بْن درستويه قَالَ: اجتمع إِبْرَاهِيم الحربي، وأَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلب، فَقَالَ ثعلب لإبراهيم: متى يستغنى الرجل عَن ملاقاة العلماء؟ فَقَالَ له إِبْرَاهِيم: إذا علم ما قالوا، وَإِلَى أي شيء ذهبوا فِيما قالوا.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ أبي جعفر الأخرم، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن عمر الطوماري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خلف وكيع. قَالَ: كَانَ لإبراهيم الحربي ابْن، وكَانَ له إحدى عشرة سنة قد حفظ القرآن، ولقنه من الفقه شيئا كثيرا، قَالَ: فمات، فجئت أعزيه، قَالَ: فَقَالَ لي: كنت أشتهي موت ابني هذا، قَالَ: قلت: يا أبا إِسْحَاق أَنْتَ عالم الدُّنْيَا تقول مثل هذا فِي صبي قد أنجب، ولقنته الحَدِيث وَالفقه؟ قَالَ: نعم، رأيت فِي النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبيانا بأيديهم قلال فِيهَا ماء يستقبلون الناس يسقونهم، وكأن اليوم يوم حار شديد حره، قَالَ: فقلت لأحدهم: أسقني من هذا الماء، قَالَ: فنظر إِلَى وَقَالَ: ليس أَنْتَ أَبِي.
فقلت: فأيش أَنْتَم؟ قَالَ: فَقَالَ: نحن الصبيان الَّذِين متنا فِي دار الدُّنْيَا، وخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء، قَالَ: فلهذا تمنيت موته.
أخبرنا عمر بن إبراهيم الفقيه، أَخْبَرَنَا مقاتل بْن مُحَمَّد بْن بنان العكي قَالَ:
حضرت مع أَبِي وأخي عند أَبِي إِسْحَاق- يَعْنِي إِبْرَاهِيم الحربي- فَقَالَ إِبْرَاهِيم لأبي:
هؤلاء أولادك؟ قَالَ: نعم! قَالَ: احذر لا يرونك حيث نهاك اللَّه فتسقط من أعينهم.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بكر، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الشافعي قَالَ:
سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: عندي عن علي بن المديني قمطر لا أحدث عنه بشيء، لأني رأيته مع المغرب وبيده نعله مبادرا، فقلت: إِلَى أين؟ قَالَ: ألحق الصلاة مع أَبِي عَبْد اللَّهِ، قلت: من أَبُو عَبْد اللَّهِ؟ قال: ابن أبي دؤاد. فقلت: والله لأحدثت عنك.
أَخْبَرَنَا الحسين بْن مُحَمَّد أخو الخلال، أخبرنا إبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم السّقطيّ- بجرجان- حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيّ أَحْمَد بْن الحسين شعبة، حدّثنا أحمد بن جعفر
الهاشمي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبيد اللَّه الكاتب قَالَ: كنت يوما عند مُحَمَّد بْن يزيد المبرد فأنشدني هذين البيتين:
جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم فِي غربة وَالروح فِي وطن
فليعجب الناس مني أن لي بدنا ... لا روح فِيهِ ولي روح بلا بدن
ثم قَالَ: ما أظن قَالَت الشعراء أحسن من هذا! فقلت: ولا قول الآخر؟ قَالَ:
هيه، قلت الَّذِي يقول:
فارقتكم ومكثت بعدكم ... ما هكذا كَانَ الَّذِي يجب
فالآن ألقى الناس معتذرا ... من أن أعيش وأَنْتَم غيب
قَالَ: ولا هذا. قلت ولا قول خالد الكاتب:
روحان لي روح تضمنها ... جسدي وأخرى حازها بلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكَانَها تجد الَّذِي أجد
قَالَ: ولا هذا. قلت: أَنْتَ إذا هويت الشيء ملت إليه ولم تعدل إِلَى غيره قَالَ: لا ولكنه الحق. فأتيت ثعلبا فأخبرته فقال ثعلب: ألا أنشدته:
غابوا فصار الجسم من بعدهم ... ما تنظر العين له فيا
بأي وجه أتلقاهم ... إذا رأوني بعدهم حيا؟
يا خجلتي منه ومن قوله ... ما ضرك الفقد لنا شيا
قَالَ: فأتيت إبراهيم بن إسحاق الحربي فأخبرته، فقال: ألا أنشدته:
يا حيائي ممن أحب إذا ما ... قَالَ بعد الفراق أني حييت؟
لو صدقت الهوى حبيبا على الصّحّ ... ة لما نأى لكنت تموت
قَالَ: فرجعت إِلَى المبرد. فَقَالَ: أستغفر اللَّه إلا هذين البيتين- يَعْنِي بيتي إِبْرَاهِيم-.
أَخْبَرَنَا أَبُو منصور مُحَمَّد بْن عيسى بْن عبد العزيز البزاز- بهمذان- حدّثنا محبوب ابن مُحَمَّد البرديجي قاضي سراوان قَالَ: أنشدنا أَبُو سَعِيد الْحَسَن بْن زكريا العدوي- ببغداد- قَالَ: أنشدني إِبْرَاهِيم الحربي:
أنكرت ذلي فأي شيء ... أحسن من ذلة المحب؟
أليس شوقي وفَيْض دمعي ... وضعف جسمي شهود حبي؟
قَالَ إِبْرَاهِيم: هؤلاء شهود ثقات. أَخْبَرَنِي الأزهري قَالَ: أنشدنا الحسين بْن أَحْمَد الصيرفِي قَالَ: أنشدنا أَبُو عَلِيّ الطوسي قَالَ: أنشدنا بعض أصحابنا لإبراهيم الحربي- وقد قرأ رَجُل ضرير عنده فلم يكن طيب الصوت-:
اثنان إذا عدا ... فخير لهم الموت
فقير ماله زهد ... وأعمى ماله صوت
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الملك بن محمد بن سلمان العطّار، أخبرنا أبو الفضل عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد الزهري قَالَ: سمعت إِبْرَاهِيم الحربي يقول: ما أنشدت بيتا من الشعر قط إلا قرأت بعده: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
ثلاث مرات.
أَخْبَرَنِي محمّد بن جعفر بن علان، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ الطوماري قَالَ: أنشدنا إِبْرَاهِيم الحربي:
إذا مات المعالج من سقام ... فِيوشك للمعالج أن يموت
حَدَّثَنِي أَبُو النجيب عَبْد الغفار بْن عَبْد الواحد الأرموي قَالَ: سمعت أبا يعلى الحافظ القزويني يقول: سمعت حمزة بْن مُحَمَّد العلوي يقول: سمعت عِيسَى بْن مُحَمَّد الطوماري يقول: دخلنا عَلَى إِبْرَاهِيم الحربي- وَهُوَ مريض- وقد كَانَ يحمل ماؤه إِلَى الطبيب، وكَانَ يجيء إليه فِيعالجه، فجاءت الجارية وردت الماء وقالت: مات الطبيب! فبكى ثم أنشأ يقول:
إذا مات المعالج من سقام ... فِيوشك للمعالج أن يموت
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن أبي الطّيّب، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن الْبَزَّازُ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ- وقد دخل عَلَيْهِ قوم يعودونه- فقالوا: كيف تجدك يا أبا إِسْحَاق؟ قَالَ: أجدني كما قَالَ الشاعر:
دبّ فيّ البلاء سفلا وعلوا ... وأراني أذوب عضوا فعضوا
بليت جدتي بطاعة نفسي ... فتذكرت طاعة اللَّه نضوا
حَدَّثَنِي الأَزْهَرِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيُّ: إِبْرَاهِيم الحربي ثقة.
ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي أنه سأل الدارقطني عَن إِبْرَاهِيم الحربي فَقَالَ: كَانَ إماما وكَانَ يقاس بأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي زهده وعلمه وورعه.
وحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي الفتح، عَنْ أَبِي الْحَسَن الدارقطني قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ إِبْراهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ إمام مصنف عالم بكل شيء، بارع فِي كل علم، صدوق.
مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بْن علي الخطبي. قَالَ: ومات أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن إِسْحَاق الحربي يوم الإثنين لتسع بقين من ذي الحجة، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين، وصلى عَلَيْهِ يُوسُف ابن يَعْقُوب الْقَاضِي فِي شارع باب الأنبار، وكَانَ الجمع كثيرا جدا، وكَانَ يوما فِي عقب مطر ووحل، ودفن فِي بيته، رحمه اللَّه.
إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ بنُ إِسْحَاقَ البَغْدَادِيُّ
هُوَ: الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشِيْرٍ البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمئَةٍ.
وطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ.
فسَمِعَ مِنْ: هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ؛ وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَقِيَهُ، وَعَفَّانَ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الحَوْضيِّ، وَعُمَرَ بنِ حَفْصٍ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدٍ، وَمُوْسَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ المِنْقَرِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ مُحْرِزٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدَ بنِ شَبِيْبٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي مَعْمَرٍ المُقْعَدِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ،
وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَار، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَعُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ العَبَّاسِ؛ وَالِدُ المُخَلِّصِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَجَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَرْبَهَارِي، وَأَمثَالُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ إِمَاماً فِي العِلْمِ، رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً بِالفِقْهِ، بَصِيْراً بِالأَحْكَامِ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، مُمَيِّزاً لِعِلَلِهِ، قَيِّماً بِالأَدَبِ، جَمَّاعَةً لِلُغَةِ، صَنَّفَ (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) ، وَكُتُباً كَثِيْرَةً، وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْو.
رَوَى المُخَلِّصُ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي يَشْتَهِي أَنْ يَلْتَقِي إِبْرَاهِيْمَ، فَالتَقَيَا يَوْماً، وَتَذَاكَرَا، فَلَمَّا افتَرَقَا، سُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: جَبَلٌ نُفِخَ فِيْهِ الرُّوْح.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ إِبْرَاهِيْمَ.
قُلْتُ: إِسْمَاعِيْلُ هُوَ ابْن إِسْحَاقَ القَاضِي، عَالِمُ العِرَاقِ.
ويُروِى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَرْبِيَّ لَمَّا دَخَلَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، بَادَرَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي إِلَى نَعْلِهِ، فَأَخَذَهَا، فَمَسَحَهَا مِنَ الغُبَارِ، فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: أَعَزَّكَ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، رُؤي فِي
النَّوْمِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟قَالَ: أَعَزَنِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: لاَ أَعِلْم عِصَابَةً خَيْراً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِنَّمَا يَغْدُو أَحَدُهُم، وَمَعَهُ مِحْبَرَةً، فَيَقُوْلُ: كَيْفَ فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَيْفَ صَلَّى، إِيَّاكُم أَنْ تَجْلِسُوا إِلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقبَلَ بَبِدْعَةٍ لَيْسَ يُفْلِح.
وَقَالَ أَبُو أَيُّوْبَ الجَلاَّبُ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ:
يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إِذَا سَمِعَ شَيْئاً مِنْ أَدَبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُ السَّوْدَاءِ يَحْفَظ؟
قَالَ: لاَ، هِيَ أُخْتُ الْبَلْغَم، صَاحِبُهَا لاَ يَحْفَظُ شَيْئاً، إِنَّمَا يَحْفَظُ صَاحِب الصَّفرَاء.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَمْدُوَيْه البَزَّازُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيُّ يَقُوْلُ:
خَرَجَ أَبُو يُوْسُفَ القَاضِي يَوْماً - وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ عَلَى البَابِ - فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْكُم، قَدْ جِئْتُم أَوْ بَكَّرْتُم تَسْمَعُوْنَ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَقْرِ، سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ قُرَيْشٍ يَقُوْلُ:
حَضَرْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَجَاءَهُ يُوْسُفُ القَاضِي، وَمَعَهُ ابْنُهُ أَبُو عُمَرَ - فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ جِئْنَاكَ عَلَى مِقْدَارِ وَاجِبِ حَقِّكِ، لَكَانَتْ أَوقَاتُنَا كُلُّهَا عِنْدَكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ غَيْبَةٍ جَفْوَةً، وَلاَ كُلُّ لِقَاءٍ مَوَدَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَقَارُبُ القُلُوْبِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَحَدَّثَ عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجُوْيَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ بِحَدِيْثٍ - فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ قِمَطْر، وَلَيْسَ عِنْدِي عَنْ حُمَيْدٍ غَيْر هَذَا الطَّبَقِ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللهَ عَلَى الصِّدْقِ.زَادَنِي فِيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَنِ الصَّفَّارِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ قُلْتَ: فِيمَا لَمْ تَسْمَعْ: سَمِعْتُ، لمَا أَقْبَلَ اللهُ بِهَذِهِ الوُجُوْهِ عَلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ القَاضِي يَقُوْلُ: لاَ نَعْلَمُ بَغْدَادَ أَخْرَجَتْ مِثْلَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ، فِي الأَدَبِ وَالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ كِتَاباً فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْه.
قَالَ القَاضِي أَبُو المُطَرِّفِ بنُ فُطَيْسٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ البَغْدَادِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ مِثْلُهُ - يَقُوْلُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الاسْمِ وَالمُسَمَّى:
لِي مُذْ أُجَالسُ أَهْلِ العِلْمِ سَبْعُوْنَ سَنَةً، مَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْهُم يَتَكَلَّمُ فِي الإِسمِ وَالمُسَمَّى.
عُمَرُ بنُ عِرَاكٍ المُقْرِئُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَوْلِدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَائِشَةَ فِي مَسْجِدِهِ، إِذْ طَرَقَهُ سَائِلٌ، فَسَأَلَهُ شَيْئاً، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِيه،
فَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى السَّائِلُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَظُنُّ أَنِّي دَعَوْتُكَ ضِنَّةً مِنِّي بِمَا أَعْطَيْتُكَ، إِنَّ هَذَا الفَصَّ شِرَاؤُهُ عَلَيَّ خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، فَانْظُرْ كَيْفَ تُخْرِجُهُ.فَضَرَبَ السَّائِل بِيَدِهِ إِلَى الخَاتَمِ، فَكَسَرَهُ، وَرَمَى بِالفَصِّ إِلَيْهِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي فَصِّكَ، هَذِهِ الفِضَّةُ تَكْفِيْنِي لِقُوتِي وَقُوتِ عِيَالِي اليَوْمَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: مَا فَقَدْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ مِنْ مَجْلِسِ لُغَةٍ وَلاَ نَحْوٍ، مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، فَقَالَ: كَانَ يُقَاس بِأَحْمَد بن حَنْبَلٍ فِي زُهده وَعلمه وَوَرَعه.
وَقِيْلَ: إِنَّ الْمُعْتَضد نفَّذ إِلَى إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ بِعَشْرَةِ آلاَف، فَرَدَّهَا، ثُمَّ سيَّر لَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَلف دِيْنَار، فَرَدَّهَا.
وَرَوَى أَبُو الفَضْلِ عُبَيْد اللهِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، قَالَ:
مَا أَنشدت بيتاً قَطُّ إِلاَّ قَرَأْت بَعْدَهُ: {قل هُوَ الله أَحَد} ثَلاَثاً.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِبْرَاهِيْم إِمَام بَارِع فِي كُلِّ عِلْم، صَدُوْقٌ.
أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِر المُخَلِّص، سَمِعْتُ أَبِي: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، وَكَانَ وَعدنَا أَنْ يُملَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَة فِي الاسْم وَالمسمَّى، وَكَانَ يجْتَمع فِي مَجْلِسه ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ مِحْبرَة، وَكَانَ إِبْرَاهِيْم مُقِلاًّ، وَكَانَتْ لَهُ غرفَة، يصعد، فَيُشرف مِنْهَا عَلَى النَّاسِ، فِيْهَا كُوَّة إِلَى الشَّارع، فَلَمَّا اجتَمَع النَّاس، أشرف عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُم:قَدْ كُنْت وَعدتكُم أَن أُملِي عليكُم فِي الإسْم وَالمسمَّى، ثُمَّ نظرت فَإِذَا لَمْ يتقدمنِي فِي الكَلاَمِ فِيْهَا إِمَام يُقتدَى بِهِ، فرَأَيْت الكَلاَم فِيْهِ بِدعَة، فَقَامَ النَّاس، وَانصرفُوا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الجُمُعَة، أَتَاهُ رَجُل، وَكَانَ إِبْرَاهِيْم لاَ يقْعد إِلاَّ وَحده، فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَة، فَقَالَ: أَلم تحضر مجلسنَا بِالأَمس؟
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ: أَتعرف العِلْم كُلّه؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَاجعل هَذَا مِمَّا لَمْ تعرف.
وبَالإِسْنَاد: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَا انْتَفَعت مِنْ علمِي قَطُّ إِلاَّ بنِصْف حبَّة، وَقفت عَلَى إِنسَان، فَدفعت إِلَيْهِ قطعَة أشترِي حَاجَة، فَأَصَاب فِيْهَا دَانقاً، إِلاَّ نِصْف حبَّة، فسأَلنِي عَنْ مَسْأَلَة، فَأَجبته، ثُمَّ قَالَ للغُلاَم: أَعطِ أَبَا إِسْحَاق بدَانقٍ، وَلاَ تحطُّه بنِصْف حبَة.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَقمت ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، كُلّ لَيْلَة إِذَا أَويت إِلَى فِرَاشِي، لَوْ أَعطيت رغيفيّ جَارتِي لاَحتجت إِليهمَا.
وَيُرْوَى: أَن إِبْرَاهِيْم لمَا صَنّف (غَرِيْب الحَدِيْث) وَهُوَ كِتَاب نَفِيس كَامِل فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ ثَعْلَب: مَا لإِبْرَاهِيْم وَغَرِيْب الحَدِيْث؟! رَجُل مُحَدِّث، ثُمَّ حضَر مَجْلِسه، فَلَمَّا حضَر المَجْلِس سجد ثَعْلَب، وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَن عَلَى وَجه الأَرْض مِثْل هَذَا الرَّجُل.
قَالَ أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: حَكَى لِي بَعْض أَصْحَابِنَا بِبَغْدَادَ، أنّ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ كَانَ سَمِعَ مَسَائِل ابْن القَاسِمِ عَلِيّ بن الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْن، وَحصل سَمَاعه مَعَ رَجُل، ثُمَّ مَال إِلَى طَرِيْقَة الكَلاَم، فَلَمْ يَسْتَعرهَا مِنْهُ إِبْرَاهِيْم، وَرجع، فسَمِعَهَا مِنَ الحَسَن بن عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْغمر، عَنِ ابْنِ القَاسِمِ.قُلْتُ: نعم، يظْهر فِي تَصَانِيْف الحَرْبِيّ أَنَّهُ ينَزلَ فِي أَحَادِيْث، وَيكثر مِنْهَا، وَهَذَا يدلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ طَلابَةً لِلْعِلْمِ.
وَرَوَى المُخَلِّص، عَنْ أَبِيْهِ: أَن الْمُعْتَضد بعثَ إِلَى إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ بِمَالٍ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوحش ردّ، وَقَالَ: ردَّهَا إِلَى مِنْ أخذتهَا مِنْهُ، وَهُوَ محتَاج إِلَى فلس.
وَكَانَ لاَ يغسل ثَوْبه إِلاَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَة أشهر مرَّة.
وَلَقَدْ زلق مرَّة فِي الطين، فَلَقَدْ كُنْت أَرَى عَلَيْهِ أَثَر الطين فِي ثَوْبه إِلَى أَن غسله.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ العَتَكِيّ، قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ:
مِنْ تعدُّوْنَ الغَرِيْب فِي زمَانكُم؟
فَقَالَ رَجُلٌ: الغَرِيْب مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنه.
وَقَالَ آخِر: الغَرِيْب مِنْ فَارق أَحبَابه.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: الغَرِيْب فِي زَمَانِنَا: رَجُل صَالِح، عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحين، إِن أَمر بِمَعْرُوفٍ آزروهُ، وَإِن نَهَى عَنْ مُنكر أَعَانوهُ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانوهُ، ثُمَّ مَاتُوا وَتركوهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيّ: أَتينَا إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَهُوَ جَالس
عَلَى بَاب دَاره، فَسَلَّمْنَا وَجلسنَا، فَجَعَلَ يُقْبِل عَلَيْنَا، فَلَمَّا أكثرنَا عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا حَدِيْثَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: مَثَلُ أَصْحَاب الحَدِيْث مَثل الصَّيَّاد الَّذِي يُلقي شَبكَته فِي المَاءِ، فَيجْتَهد، فَإِنْ أَخرج سمَكة، وَإِلاَّ أَخرج صخرَةً.قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْم: حَدَّثَنَا شَيْخ لَنَا، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ: هَلْ كسبت بِالعِلْمِ شَيْئاً؟
قَالَ: كسبت بِهِ نِصْف فَلْس: كَانَتْ أُمِّي تجرِي عليّ كُلّ يَوْم رَغِيْفَيْنِ، وَقطيعَة فِيْهَا نِصْف دَانق، فَخَرَجت فِي يَوْمِ ذِي طين، وَأَجمع رأْيِي عَلَى أَنْ آكل شَيْئاً حُلواً، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَرخص مِنَ الدّبس، فَأَتيت بقَّالاً، فَدفعت إِلَيْهِ القُطَيعَة فَإِذَا فِيْهَا قيرَاط إِلاَّ نِصْف فَلْس، وَتذَاكرنَا حَدِيْث السَّخَاء وَالكرم.
فَقَالَ البَقَّال: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَنْتَ تكْتب الأَخْبَار وَالحَدِيْث، حَدِّثْنَا فِي السخَاء بِحَدِيْث.
قُلْتُ: نعم، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَيْخ لَهُ قَالَ:
خَرَجَ عَبْد اللهِ بن جَعْفَرٍ إِلَى ضِيَاعه ينظر إِلَيْهَا، فَإِذَا فِي حَائِطٍ لنَسِيْب لَهُ عبد أَسْوَد، بِيَدِهِ رَغِيف وَهُوَ يَأْكُل لقمَة، وَيطرح لكَلْب لقمَة، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اسْتحسنه، فَقَالَ: يَا أَسْوَد! لمَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: لمُصْعَب بن الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الضيعَة لِمَنْ؟
قَالَ: لَهُ.
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت مِنْكَ عجباً، تَأَكل لقمَة، وَتطرح لِلْكَلْبِ لقمَة؟!
قَالَ: إِنِّيْ لأَستحيي مِنْ عين تنظر إِليَّ أَنْ أَوثر نَفْسِي عَلَيْهَا.
قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاشترَى الضَّيعَة وَالعبد، ثُمَّ رَجَعَ، وَإِذَا بِالعبد.
فَقَالَ: يَا أَسْوَد! إِنِّيْ قَدِ اشْتَرَيْتُك مِنْ مُصْعَب.
فَوَثَبَ قَائِماً، وَقَالَ: جعلنِي الله عَلَيْك مَيْمُوْنَ الطَّلعَة.
قَالَ: وَإِنِّيْ اشْتريت هَذِهِ الضيعَة.
فَقَالَ: أَكمل الله لَكَ خَيْرهَا.
قَالَ: وَإِنِّيْ أُشهد أَنَّك حُرُّ لوجه الله.
قَالَ: أَحسن الله جزَاءك.
قَالَ: وَأُشهد الله أَنَّ الضَّيعَة مِنِّي هديَّة إِلَيْك.
قَالَ: جَزَاكَ اللهُ بِالحسنَى.
ثُمَّ قَالَ العَبْد: فَأُشهد الله وَأُشهدك أَنَّ هَذِهِ الضَّيعَة وَقْفٌ مِنِّي عَلَى الفُقَرَاء.
فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُوْلُ: العَبْد أَكرم منَّا.قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: سَمِعْتُ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
الأَبْوَاب تبنَى عَلَى أَرْبَع طبقَات: طبقَة المُسْنَد، وَطبقَة الصَّحَابَة، وَطبقَة التَّابِعِيْنَ، فيقدَّم كِبَارهُم، كعَلْقَمَة وَالأَسْوَد، وَبعدهُم مَنْ هُوَ أَصغر مِنْهُم، وَبعدهُم تَابع التَّابِعِيْنَ، مِثْل سُفْيَان، وَمَالِك، وَالحَسَن بن صَالِحٍ، وَعُبَيْد اللهِ بن الحَسَنِ، وَابْن أَبِي لَيْلَى، وَابْن شُبْرُمَة، وَالأَوْزَاعِيّ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، قَالَ: النَّاسُ عَلَى أَرْبَع طبقَات: مَليح يَتملَّح، وَمَليح يَتَبَغَّض، وَبَغِيضٌ يَتَمَلَّح، وَبغيضٌ يتبغَّض، فَالأَوّل: هُوَ المُنى، الثَّانِي: يحْتَمل، وَأَمَّا بَغِيض يتملَّح، فَإِنِّي أَرحمه، وَأَمَّا الْبَغِيض، الَّذِي يتبغض، فَأَفرُّ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال فِي أَخْبَار إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ: نقُلْتُ مِنْ كِتَاب ابْن عتَّاب: كَانَ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، بلغه أَنّ قَوْماً مِنَ الَّذِيْنَ كَانُوا يجَالسونه يفضِّلونه عَلَى أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، فوقفهُم عَلَى ذَلِك، فَأَقَرُّوا بِهِ، فَقَالَ: ظلمتمونِي بتفضيلكُم لِي عَلَى رَجُل لاَ أُشْبِهُه، وَلاَ أَلحق بِهِ فِي حَال مِنْ أَحْوَاله، فَأُقسم بِاللهِ، لاَ أُسمعكُم شَيْئاً مِنَ العِلْم أَبَداً، فَلاَ تَأَتونِي بَعْد يَوْمكُم.
مَاتَ الحَرْبِيّ بِبَغْدَادَ، فدُفن فِي دَاره يَوْم الإثْنَيْن، لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي أَيَّام المعْتَضِد.
قَالَ المَسْعُوْدِيّ: كَانَتْ وَفَاة الحَرْبِيّ المُحَدِّث الفَقِيْه فِي الجَانب
الغربِي، وَلَهُ نَيِّف وَثَمَانُوْنَ سَنَةً ... وَكَانَ صَدُوْقاً، عَالِماً، فَصِيْحاً، جَوَاداً، عَفِيْفاً، زَاهِداً، عَابِداً، نَاسِكاً، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ضَاحك السِّنّ، ظَرِيف الطَّبْع ... وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ تكبُّر وَلاَ تجبُّر، رُبَّمَا مَزح مَعَ أصدقَائِه بِمَا يُسْتَحسن مِنْهُ، وَيستقبح مِنْ غَيْره، وَكَانَ شَيْخ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي وَقته، وَظريفهُم، وَزَاهدهُم، وَنَاسكهُم، وَمسنِدَهُم فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يتفقَّه لأَهْل العِرَاق، وَكَانَ لَهُ مَجْلِس فِي الجَامع الغربِي يَوْم الجُمُعَة، فَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم بن جَابِر، قَالَ: كُنْتُ أَجلس فِي حَلْقَة إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَكَانَ يجلسُ إِلَيْنَا غُلاَمَان فِي نهَايَة الحُسَن وَالجمَال مِنَ الصورَة وَالبِزَّة، وَكَأَنَّهُمَا روح فِي جسدٍ، إِن قَامَا قَامَا مَعاً، وَإِنْ حضَرَا، فكَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجمع، حضَر أَحَدهُمَا وقَدْ بَان الاصفرَار بِوَجْهِهِ وَالاَنكسَار فِي عَيْنَيْهِ ... ، فَلَمَّا كَانَتِ الجمعَة الثَّانِيَة، حضَر الغَائِب، وَلَمْ يحضر الَّذِي جَاءَ فِي الجمعَة الأُوْلَى مِنْهُمَا، وَإِذِ الصُّفْرَة وَالاَنكسَار بَيّنَ فِي لَونه ... وَقُلْتُ: إِن ذَلِكَ للفرَاق الوَاقع بينهُمَا، وَذَلِكَ للأُلفَة الجَامعَة لَهُمَا، فَلَمْ يزَالاَ يتسَابقَان فِي كُلِّ جمعَةٍ إِلَى الحلقَة، فَأَيهُمَا سبق إِلَى الحلقَة لَمْ يَجْلِس الآخر ... فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الجُمع حضَر أَحَدهُمَا فَجَلَسَ إِلَيْنَا ثُمَّ جَاءَ الآخر فَأَشْرَف عَلَى الْحلقَة، فَوَجَد صَاحِبَه قَدْ سبق، وَإِذَا الْمَسْبُوق قَدْ أَخذته العبرَة، فَتبينت ذَلِكَ مِنْهُ فِي دَائِرَة عَيْنَيْهِ، وَإِذَا فِي يُسرَاهُ رِقَاع صغَار
مَكْتُوبَة، فَقبض بيمِينه رُقعَة مِنْهَا، وَحذف بِهَا فِيوَسط الحلقَة، وَانسَاب بَيْنَ النَّاس مُستخفياً، وَأَنَا أَرْمقه، وَكَانَ ثَمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بن حَرْبَوَيْه، فَنشر الرُّقعَة وَقرأَهَا ... وَفِيْهَا دعَاء، أَنْ يدعُو لصَاحبهَا مَرِيْضاً كَانَ أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَيُؤمِّن عَلَى الدُّعَاء مِنْ حضَر، فَقَالَ الشَّيْخُ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بينهُمَا، وَأَلَّف قُلُوْبهُمَا، وَاجعل ذَلِكَ فِيمَا يُقرَّب مِنْكَ، وَيُزْلِف لديك.
وَأَمَّنُوا عَلَى دعَائِه ثُمَّ طوَى الرُّقعَة وَحذفنِي بِهَا، فتَأَملت مَا فِيْهَا ... فَإِذَا فِيْهَا مَكْتُوب:
عفَا الله عَنْ عبدٍ أَعَانَ بدعوَةٍ ... لِخِلَّيْنِ كَانَا دَائِمِين عَلَى الوُدِّ
إِلَى أَنْ وَشَى وَاشِي الهوَى بنمِيمَةٍ ... إِلَى ذَاكَ مِنْ هَذَا فَحَالاَ عَن العهدِ
فلَمَّا كَانَ فِي الجمعَة الثَّانِيَة حضَرَا جَمِيْعاً، وَإِذَا الاصفرَار وَالاَنكسَار قَدْ زَالَ.
فَقُلْتُ لابْن حَرْبَوَيْه: إِنِّيْ أَرَى الدعوَة قَدْ أُجيبت، وَأَنَّ دعَاء الشَّيْخ كَانَ عَلَى التمَام، فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ السّنَة كُنْت فِيْمَنْ حَجَّ فَكَأَنِّيْ أَنظر إِلَى الغُلاَمِين مُحْرِمَيْنِ ... بَيْنَ مِنَى وَعَرَفَة، فَلَمْ أَزل أَرَاهُمَا متآلفين إِلَى أَنْ تكهَّلا.
قَالَ الْقِفْطِي فِي (تَارِيْخ النُّحَاة) لَهُ: كَانَ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً بالمذَاهب، بَصِيْراً بِالحديث، حَافِظاً لَهُ ... لَهُ فِي اللُّغَة كِتَاب (غَرِيْب الحَدِيْث) ، وَهُوَ مِنْ أَنفس الكُتُب وَأَكْبَرهَا فِي هَذَا النَّوْع.
أَبُو الحَسَنِ بنُ جَهْضَم - وَاهٍ - حَدَّثَنَا جَعْفَر الخُلْدِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ مَاهَان: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بن إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:أَجْمَع عُقَلاَء كُلِّ مِلَّة أَنَّهُ مَن لَمْ يجر مَعَ القَدَرِ لَمْ يتهنَّأ بِعَيْشِهِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: قمِيصي أَنظفُ قَمِيْصٍ، وَإِزَارِي أَوسَخُ إِزَارٍ، مَا حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُمَا يَسْتَويَان قَطُّ، وَفرد عَقِبِي صَحِيْح وَالآخرُ مَقْطوع، وَلاَ أُحَدِّث نَفْسِي أَنِّي أُصْلِحْهُمَا، وَلاَ شَكَوْتُ إِلَى أَهْلِي وَأَقَاربِي حُمى أَجدُهَا، لاَ يغم الرَّجُل نَفْسه وَعيَالَه، وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ أُبْصِرُ بِفَرْدِ عَيْنٍ، مَا أَخبرتُ بِهِ أَحَداً، وَأَفنيتُ مِنْ عُمُرِي ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برَغِيْفَيْنِ، إِنْ جَاءتَنِي بِهِمَا أُمِّي أَوْ أُختِي، وَإِلاَّ بقيتُ جَائِعاً إِلَى اللَّيْلَة الثَّانِيَة، وَأَفنيتُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برغيفٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، إِن جَاءتْنِي امرأَتِي أَوْ بَنَاتِي بِهِ، وَإِلاَّ بقيتُ جَائِعاً، وَالآنَ آكُلُ نِصْفَ رغِيْفٍ وَأَربعَ عَشْرَةَ تمرَةً، وَقَامَ إِفطَارِي فِي رَمَضَانَ هَذَا بِدِرْهَمٍ وَدَانَقَيْن وَنِصْف.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ مِنْ هَذِهِ الأَطْبِخَة شَيْئاً، كُنْتُ أَجِيْء مِنْ عَشِي إِلَى عَشِي، وَقَدْ هَيَأتْ لِي أُمِّي باذِنْجَانَة مشويَةً، أَوْ لُعْقَة بِن، أَوْ باقَةَ فجْلٍ.
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
مَا تَرَوَّحْتُ وَلاَ رُوِّحْتُ قَطُّ، وَلاَ أَكَلتُ مِنْ شَيْء فِي يَوْمِ مَرَّتين.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمْعُوْنَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ القَطِيْعِيّ قَالَ:أَضَقْتُ إِضَاقَةً، فَأَتيتُ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ لأَبُثَّهُ.
فَقَالَ لِي: لاَ يضيق صَدْرك، فَإِنَّ اللهَ مِن وَرَاء المَعُونَة، فَإنِّي أَضَقْتُ مَرَّةً، حَتَّى انْتَهَى امرِي إِلَى أَنْ عدم عيَالِي قوتَهُم، فَقَالَتِ الزَّوْجَة: هبْ أَنِّي أَنَا وَأَنْت نَصْبِرُ، فَكَيْفَ بِالصَّبِيَّتين؟ هَاتِ شَيْئاً مِنْ كُتُبِك نَبيعُه أَوْ نرهنُه، فَضَنِنْتُ بِذَلِكَ، وَقُلْتُ: أَقْتَرِضُ غَداً، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل، دُقَّ البَابُ، فَقُلْتُ: مِنْ ذَا؟
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الجيرَان، فَأَطفئ السَّرَّاج حَتَّى أَدْخَلَ.
فكببتُ شَيْئاً عَلَى السَّرَّاج، فَدَخَلَ، وَتركَ شَيْئاً، وَقَامَ، فَإِذَا هُوَ مِنديل فِيْهِ أَنواعٌ مِنَ المآكِل، وَكَاغَدٌ فِيْهِ خَمْسُ مائَة دِرْهَمٍ، فَأَنبهْنَا الصِّغَار وَأَكلُوا، ثُمَّ مِنَ الغَدِ، إِذَا جَمَّال يَقُود جَمَلين، عَلَيْهِمَا حملاَن وَرقاً، وَهُوَ يسأَل عَنْ مَنْزِلِي، فَقَالَ: هَذَانِ الجملاَن أَنفذَهُمَا لَكَ رَجُل مِنْ خُرَاسَان، وَاسْتَحْلَفَنِي أَنْ لاَ أَقُول مَنْ هُوَ.
إِسْنَادُهَا مُرْسَل.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ الحَافِظُ: لاَ تَرَى عَينَاك مِثْل إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، إِمَام الدُّنْيَا، لَقَدْ رَأَيْتُ، وَجَالَسْتُ العُلَمَاء، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَكملَ مِنْهُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ القَاضِي يَقُوْلُ: لاَ نعِلْم بَغْدَاد أَخرجتْ مِثْل إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ فِي الأَدب وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالزُّهْد.
قُلْتُ: يُرِيْد مَنْ اجْتَمَع فِيْهِ هَذِهِ الأُمُورُ الأَرْبَعَةُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ الخَلِيْلِ: سَمِعْتُ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: فِي كتاب أبي عبيد (غَرِيْب الحَدِيْث) ثَلاَثَةٌ وَخمسُوْنَ حَدِيْثاً لَيْسَ لَهَا أَصل.قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: الحَرْبِيّ إِمَامٌ، مصَنِّف، عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، بارِعٌ فِي كُلِّ علمٍ، صَدُوْقٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنْ عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ قِمَطْر، وَلاَ أُحَدِّث عَنْهُ بِشَيْءٍ، لأَنِي رَأَيْتهُ المَغْرِبَ وَبِيَدِهِ نَعْله مبَادِراً، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: أَلحق الصَّلاَة مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
فَظننتُه يَعْنِي أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: ابْن أَبِي دؤَاد.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُعْتَضِد لَمَّا نَفَّذَ إِلَى الحَرْبِيّ بِالعَشْرَة آلاَف فَرَدَّهَا، فَقِيْلَ لَهُ: فَفَرِّقْهَا، فَأَبَى، ثُمَّ لمَا مَرِضَ، سَيَّرَ إِلَيْهِ المعتضدُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يقبلْهَا، فَخَاصَمَتْه بنتُه، فَقَالَ: أَتخشين إِذَا مِتُّ الفَقْر؟
قَالَتْ: نعم.
قَالَ: فِي تِلْكَ الزَّاويَة اثْنَا عَشرَ أَلْفَ جُزْءٍ حديثيَةٍ وَلُغَويَّةٍ وَغَيْر ذَلِكَ كتبتُهَا
بخطِّي، فَبِيعِي مِنْهَا كُلَّ يَوْم جُزءاً بِدِرْهَم وَأَنفَقِيْه.نَقَلَ الخَطِيْبُ، وَطَائِفَةٌ: أَنَّ الحَرْبِيّ تُوُفِّيَ: لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُه مشهودَةً، صَلَّى عَلَيْهِ يُوْسُف القَاضِي، صَاحِبُ كِتَاب (السُّنَن) ، وَقبرُه يُزَارُ بِبَغْدَادَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْحَاق الدَّبَرِي، صَاحِبُ عَبْد الرَّزَّاقِ، وَعُبَيْد بن عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّار، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ المُبَرِّد.
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْد اللهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عليّ الصَّالِحيَة سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُوَ الفَضْلِ بن خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ ابْن إِسْحَاقَ الحَرْبِيّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاء ابْن يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَهْجُرْ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمٍ).
وَبِهِ: قَالَ الحَرْبِيّ: حَدَّثنَاهُ أَبُو مُصْعَب، أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ) .
أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بن شُجَاع، (ح) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ القَلاَنِسِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَفَاء عَبْد المَلِكِ بن الحَنْبَلِيّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجُذَامِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المعْطي، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ نُصَيْر السَّهْمِيّ،
[وَ] عَبْد الرَّحْمَنِ بن سُلَيْمَانَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الجُمَّيْزِي، وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّد؛ ابْنا سُلَيْمَان، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّوَّاف، أَخْبَرَنَا جَدِّي، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَلِيّ بن رَافِعٍ، وَعُثْمَان بن مُوْسَى، وَفَاطِمَة بِنْت إِبْرَاهِيْم، قَالُوا:أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ كَثِيْر، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُفَسِّر، قَالُوا جَمِيْعاً:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمْد بن إِسْمَاعِيْلَ الزَّكِي بِمَكَّةَ، (ح) .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَعِدَّة إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرزَدْ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحُصَيْن، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ البَزَّاز، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
(كُنْتُ أَغْتَسِلُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِنَاءِ الوَاحِدِ).
هُوَ: الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ بَشِيْرٍ البَغْدَادِيُّ، الحَرْبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمئَةٍ.
وطَلَبَ العِلْمَ وَهُوَ حَدَثٌ.
فسَمِعَ مِنْ: هَوْذَةَ بنِ خَلِيْفَةَ؛ وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لَقِيَهُ، وَعَفَّانَ بنِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَعَمْرِو بنِ مَرْزُوْقٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ، وَأَبِي عُمَرَ الحَوْضيِّ، وَعُمَرَ بنِ حَفْصٍ، وَعَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ، وَمُسَدَّدِ بنِ مُسَرْهَدٍ، وَمُوْسَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ المِنْقَرِيِّ، وَشُعَيْبِ بنِ مُحْرِزٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ القَاسِمِ بنِ سَلاَّمٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، وَأَحْمَدَ بنِ شَبِيْبٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ، وَالحَكَمِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي مَعْمَرٍ المُقْعَدِ، وَأَبِي الوَلِيْدِ الطَّيَالِسِيِّ،
وَسُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، وَمُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ، وَخَلَفِ بنِ هِشَامٍ، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَار، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.حَدَّثَ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ صَاعِدٍ، وَأَبُو عَمْرٍو بنُ السَّمَّاكِ، وَأَبُو بَكْرٍ النَّجَّادُ، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَعُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرٍ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ العَبَّاسِ؛ وَالِدُ المُخَلِّصِ، وَسُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ، وَجَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ الأَنْبَارِيُّ، وَأَبُو بَحْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَرْبَهَارِي، وَأَمثَالُهُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ إِمَاماً فِي العِلْمِ، رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً بِالفِقْهِ، بَصِيْراً بِالأَحْكَامِ، حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، مُمَيِّزاً لِعِلَلِهِ، قَيِّماً بِالأَدَبِ، جَمَّاعَةً لِلُغَةِ، صَنَّفَ (غَرِيْبَ الحَدِيْثِ) ، وَكُتُباً كَثِيْرَةً، وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْو.
رَوَى المُخَلِّصُ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي يَشْتَهِي أَنْ يَلْتَقِي إِبْرَاهِيْمَ، فَالتَقَيَا يَوْماً، وَتَذَاكَرَا، فَلَمَّا افتَرَقَا، سُئِلَ إِبْرَاهِيْمُ عَنْ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: جَبَلٌ نُفِخَ فِيْهِ الرُّوْح.
وَقَالَ إِسْمَاعِيْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ إِبْرَاهِيْمَ.
قُلْتُ: إِسْمَاعِيْلُ هُوَ ابْن إِسْحَاقَ القَاضِي، عَالِمُ العِرَاقِ.
ويُروِى أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الحَرْبِيَّ لَمَّا دَخَلَ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، بَادَرَ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ القَاضِي إِلَى نَعْلِهِ، فَأَخَذَهَا، فَمَسَحَهَا مِنَ الغُبَارِ، فَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: أَعَزَّكَ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، رُؤي فِي
النَّوْمِ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟قَالَ: أَعَزَنِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة بِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَخْلَدٍ العَطَّارُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ: لاَ أَعِلْم عِصَابَةً خَيْراً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، إِنَّمَا يَغْدُو أَحَدُهُم، وَمَعَهُ مِحْبَرَةً، فَيَقُوْلُ: كَيْفَ فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَيْفَ صَلَّى، إِيَّاكُم أَنْ تَجْلِسُوا إِلَى أَهْلِ البِدَعِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَقبَلَ بَبِدْعَةٍ لَيْسَ يُفْلِح.
وَقَالَ أَبُو أَيُّوْبَ الجَلاَّبُ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ: قَالَ لِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ:
يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ إِذَا سَمِعَ شَيْئاً مِنْ أَدَبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ: إِنَّهُم يَقُوْلُوْنَ: صَاحِبُ السَّوْدَاءِ يَحْفَظ؟
قَالَ: لاَ، هِيَ أُخْتُ الْبَلْغَم، صَاحِبُهَا لاَ يَحْفَظُ شَيْئاً، إِنَّمَا يَحْفَظُ صَاحِب الصَّفرَاء.
وَقَالَ عُثْمَانُ بنُ حَمْدُوَيْه البَزَّازُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيُّ يَقُوْلُ:
خَرَجَ أَبُو يُوْسُفَ القَاضِي يَوْماً - وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ عَلَى البَابِ - فَقَالَ: مَا عَلَى الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْكُم، قَدْ جِئْتُم أَوْ بَكَّرْتُم تَسْمَعُوْنَ حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هِبَةُ اللهِ اللاَّلْكَائِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ الصَقْرِ، سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ قُرَيْشٍ يَقُوْلُ:
حَضَرْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَجَاءَهُ يُوْسُفُ القَاضِي، وَمَعَهُ ابْنُهُ أَبُو عُمَرَ - فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ جِئْنَاكَ عَلَى مِقْدَارِ وَاجِبِ حَقِّكِ، لَكَانَتْ أَوقَاتُنَا كُلُّهَا عِنْدَكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ غَيْبَةٍ جَفْوَةً، وَلاَ كُلُّ لِقَاءٍ مَوَدَّةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَقَارُبُ القُلُوْبِ.
الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَحَدَّثَ عَنْ حُمَيْدِ بنِ زَنْجُوْيَة، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ العِجْلِيِّ بِحَدِيْثٍ - فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ: عِنْدِي
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ صَالِحٍ قِمَطْر، وَلَيْسَ عِنْدِي عَنْ حُمَيْدٍ غَيْر هَذَا الطَّبَقِ، وَأَنَا أَحْمَدُ اللهَ عَلَى الصِّدْقِ.زَادَنِي فِيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: عَنِ الصَّفَّارِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! لَوْ قُلْتَ: فِيمَا لَمْ تَسْمَعْ: سَمِعْتُ، لمَا أَقْبَلَ اللهُ بِهَذِهِ الوُجُوْهِ عَلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ القَاضِي يَقُوْلُ: لاَ نَعْلَمُ بَغْدَادَ أَخْرَجَتْ مِثْلَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ، فِي الأَدَبِ وَالفِقْهِ وَالحَدِيْثِ وَالزُّهْدِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ كِتَاباً فِي غَرِيْبِ الحَدِيْثِ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْه.
قَالَ القَاضِي أَبُو المُطَرِّفِ بنُ فُطَيْسٍ: سَمِعْتُ أَبَا الحَسَنِ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ بَيَانٍ البَغْدَادِيَّ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ - وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ مِثْلُهُ - يَقُوْلُ، وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الاسْمِ وَالمُسَمَّى:
لِي مُذْ أُجَالسُ أَهْلِ العِلْمِ سَبْعُوْنَ سَنَةً، مَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْهُم يَتَكَلَّمُ فِي الإِسمِ وَالمُسَمَّى.
عُمَرُ بنُ عِرَاكٍ المُقْرِئُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَوْلِدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَائِشَةَ فِي مَسْجِدِهِ، إِذْ طَرَقَهُ سَائِلٌ، فَسَأَلَهُ شَيْئاً، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُعْطِيه،
فَدَفَعَ إِلَيْهِ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَّى السَّائِلُ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: لاَ تَظُنُّ أَنِّي دَعَوْتُكَ ضِنَّةً مِنِّي بِمَا أَعْطَيْتُكَ، إِنَّ هَذَا الفَصَّ شِرَاؤُهُ عَلَيَّ خَمْس مائَة دِيْنَارٍ، فَانْظُرْ كَيْفَ تُخْرِجُهُ.فَضَرَبَ السَّائِل بِيَدِهِ إِلَى الخَاتَمِ، فَكَسَرَهُ، وَرَمَى بِالفَصِّ إِلَيْهِ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي فَصِّكَ، هَذِهِ الفِضَّةُ تَكْفِيْنِي لِقُوتِي وَقُوتِ عِيَالِي اليَوْمَ.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: مَا فَقَدْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ مِنْ مَجْلِسِ لُغَةٍ وَلاَ نَحْوٍ، مِنْ خَمْسِيْنَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، فَقَالَ: كَانَ يُقَاس بِأَحْمَد بن حَنْبَلٍ فِي زُهده وَعلمه وَوَرَعه.
وَقِيْلَ: إِنَّ الْمُعْتَضد نفَّذ إِلَى إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ بِعَشْرَةِ آلاَف، فَرَدَّهَا، ثُمَّ سيَّر لَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَلف دِيْنَار، فَرَدَّهَا.
وَرَوَى أَبُو الفَضْلِ عُبَيْد اللهِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِيْهِ؛ عَبْد الرَّحْمَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، قَالَ:
مَا أَنشدت بيتاً قَطُّ إِلاَّ قَرَأْت بَعْدَهُ: {قل هُوَ الله أَحَد} ثَلاَثاً.
قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَإِبْرَاهِيْم إِمَام بَارِع فِي كُلِّ عِلْم، صَدُوْقٌ.
أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِر المُخَلِّص، سَمِعْتُ أَبِي: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، وَكَانَ وَعدنَا أَنْ يُملَّ عَلَيْنَا مَسْأَلَة فِي الاسْم وَالمسمَّى، وَكَانَ يجْتَمع فِي مَجْلِسه ثَلاَثُوْنَ أَلْفَ مِحْبرَة، وَكَانَ إِبْرَاهِيْم مُقِلاًّ، وَكَانَتْ لَهُ غرفَة، يصعد، فَيُشرف مِنْهَا عَلَى النَّاسِ، فِيْهَا كُوَّة إِلَى الشَّارع، فَلَمَّا اجتَمَع النَّاس، أشرف عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُم:قَدْ كُنْت وَعدتكُم أَن أُملِي عليكُم فِي الإسْم وَالمسمَّى، ثُمَّ نظرت فَإِذَا لَمْ يتقدمنِي فِي الكَلاَمِ فِيْهَا إِمَام يُقتدَى بِهِ، فرَأَيْت الكَلاَم فِيْهِ بِدعَة، فَقَامَ النَّاس، وَانصرفُوا، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الجُمُعَة، أَتَاهُ رَجُل، وَكَانَ إِبْرَاهِيْم لاَ يقْعد إِلاَّ وَحده، فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَة، فَقَالَ: أَلم تحضر مجلسنَا بِالأَمس؟
قَالَ: بَلَى.
فَقَالَ: أَتعرف العِلْم كُلّه؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَاجعل هَذَا مِمَّا لَمْ تعرف.
وبَالإِسْنَاد: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ: مَا انْتَفَعت مِنْ علمِي قَطُّ إِلاَّ بنِصْف حبَّة، وَقفت عَلَى إِنسَان، فَدفعت إِلَيْهِ قطعَة أشترِي حَاجَة، فَأَصَاب فِيْهَا دَانقاً، إِلاَّ نِصْف حبَّة، فسأَلنِي عَنْ مَسْأَلَة، فَأَجبته، ثُمَّ قَالَ للغُلاَم: أَعطِ أَبَا إِسْحَاق بدَانقٍ، وَلاَ تحطُّه بنِصْف حبَة.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَقمت ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، كُلّ لَيْلَة إِذَا أَويت إِلَى فِرَاشِي، لَوْ أَعطيت رغيفيّ جَارتِي لاَحتجت إِليهمَا.
وَيُرْوَى: أَن إِبْرَاهِيْم لمَا صَنّف (غَرِيْب الحَدِيْث) وَهُوَ كِتَاب نَفِيس كَامِل فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ ثَعْلَب: مَا لإِبْرَاهِيْم وَغَرِيْب الحَدِيْث؟! رَجُل مُحَدِّث، ثُمَّ حضَر مَجْلِسه، فَلَمَّا حضَر المَجْلِس سجد ثَعْلَب، وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أَن عَلَى وَجه الأَرْض مِثْل هَذَا الرَّجُل.
قَالَ أَبُو ذَرّ الهَرَوِيّ: حَكَى لِي بَعْض أَصْحَابِنَا بِبَغْدَادَ، أنّ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ كَانَ سَمِعَ مَسَائِل ابْن القَاسِمِ عَلِيّ بن الحَارِثِ بنِ مِسْكِيْن، وَحصل سَمَاعه مَعَ رَجُل، ثُمَّ مَال إِلَى طَرِيْقَة الكَلاَم، فَلَمْ يَسْتَعرهَا مِنْهُ إِبْرَاهِيْم، وَرجع، فسَمِعَهَا مِنَ الحَسَن بن عَبْدِ العَزِيْزِ الجَرَوِيّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْغمر، عَنِ ابْنِ القَاسِمِ.قُلْتُ: نعم، يظْهر فِي تَصَانِيْف الحَرْبِيّ أَنَّهُ ينَزلَ فِي أَحَادِيْث، وَيكثر مِنْهَا، وَهَذَا يدلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ طَلابَةً لِلْعِلْمِ.
وَرَوَى المُخَلِّص، عَنْ أَبِيْهِ: أَن الْمُعْتَضد بعثَ إِلَى إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ بِمَالٍ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ أَوحش ردّ، وَقَالَ: ردَّهَا إِلَى مِنْ أخذتهَا مِنْهُ، وَهُوَ محتَاج إِلَى فلس.
وَكَانَ لاَ يغسل ثَوْبه إِلاَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَة أشهر مرَّة.
وَلَقَدْ زلق مرَّة فِي الطين، فَلَقَدْ كُنْت أَرَى عَلَيْهِ أَثَر الطين فِي ثَوْبه إِلَى أَن غسله.
قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ التَّمِيْمِيّ الحَنْبَلِيّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحُسَيْنِ العَتَكِيّ، قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ لجَمَاعَة عِنْدَهُ:
مِنْ تعدُّوْنَ الغَرِيْب فِي زمَانكُم؟
فَقَالَ رَجُلٌ: الغَرِيْب مِنْ نَأْى عَنْ وَطَنه.
وَقَالَ آخِر: الغَرِيْب مِنْ فَارق أَحبَابه.
فَقَالَ إِبْرَاهِيْمُ: الغَرِيْب فِي زَمَانِنَا: رَجُل صَالِح، عَاشَ بَيْنَ قَوْمٍ صَالحين، إِن أَمر بِمَعْرُوفٍ آزروهُ، وَإِن نَهَى عَنْ مُنكر أَعَانوهُ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الدُّنْيَا مَانوهُ، ثُمَّ مَاتُوا وَتركوهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَرْوَانَ الدِّيْنَوَرِيّ: أَتينَا إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَهُوَ جَالس
عَلَى بَاب دَاره، فَسَلَّمْنَا وَجلسنَا، فَجَعَلَ يُقْبِل عَلَيْنَا، فَلَمَّا أكثرنَا عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا حَدِيْثَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: مَثَلُ أَصْحَاب الحَدِيْث مَثل الصَّيَّاد الَّذِي يُلقي شَبكَته فِي المَاءِ، فَيجْتَهد، فَإِنْ أَخرج سمَكة، وَإِلاَّ أَخرج صخرَةً.قَالَ أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ سَلْم: حَدَّثَنَا شَيْخ لَنَا، قَالَ: قِيْلَ لإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ: هَلْ كسبت بِالعِلْمِ شَيْئاً؟
قَالَ: كسبت بِهِ نِصْف فَلْس: كَانَتْ أُمِّي تجرِي عليّ كُلّ يَوْم رَغِيْفَيْنِ، وَقطيعَة فِيْهَا نِصْف دَانق، فَخَرَجت فِي يَوْمِ ذِي طين، وَأَجمع رأْيِي عَلَى أَنْ آكل شَيْئاً حُلواً، فَلَمْ أَرَ شَيْئاً أَرخص مِنَ الدّبس، فَأَتيت بقَّالاً، فَدفعت إِلَيْهِ القُطَيعَة فَإِذَا فِيْهَا قيرَاط إِلاَّ نِصْف فَلْس، وَتذَاكرنَا حَدِيْث السَّخَاء وَالكرم.
فَقَالَ البَقَّال: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! أَنْتَ تكْتب الأَخْبَار وَالحَدِيْث، حَدِّثْنَا فِي السخَاء بِحَدِيْث.
قُلْتُ: نعم، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شَيْخ لَهُ قَالَ:
خَرَجَ عَبْد اللهِ بن جَعْفَرٍ إِلَى ضِيَاعه ينظر إِلَيْهَا، فَإِذَا فِي حَائِطٍ لنَسِيْب لَهُ عبد أَسْوَد، بِيَدِهِ رَغِيف وَهُوَ يَأْكُل لقمَة، وَيطرح لكَلْب لقمَة، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ اسْتحسنه، فَقَالَ: يَا أَسْوَد! لمَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: لمُصْعَب بن الزُّبَيْرِ.
قَالَ: وَهَذِهِ الضيعَة لِمَنْ؟
قَالَ: لَهُ.
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت مِنْكَ عجباً، تَأَكل لقمَة، وَتطرح لِلْكَلْبِ لقمَة؟!
قَالَ: إِنِّيْ لأَستحيي مِنْ عين تنظر إِليَّ أَنْ أَوثر نَفْسِي عَلَيْهَا.
قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَاشترَى الضَّيعَة وَالعبد، ثُمَّ رَجَعَ، وَإِذَا بِالعبد.
فَقَالَ: يَا أَسْوَد! إِنِّيْ قَدِ اشْتَرَيْتُك مِنْ مُصْعَب.
فَوَثَبَ قَائِماً، وَقَالَ: جعلنِي الله عَلَيْك مَيْمُوْنَ الطَّلعَة.
قَالَ: وَإِنِّيْ اشْتريت هَذِهِ الضيعَة.
فَقَالَ: أَكمل الله لَكَ خَيْرهَا.
قَالَ: وَإِنِّيْ أُشهد أَنَّك حُرُّ لوجه الله.
قَالَ: أَحسن الله جزَاءك.
قَالَ: وَأُشهد الله أَنَّ الضَّيعَة مِنِّي هديَّة إِلَيْك.
قَالَ: جَزَاكَ اللهُ بِالحسنَى.
ثُمَّ قَالَ العَبْد: فَأُشهد الله وَأُشهدك أَنَّ هَذِهِ الضَّيعَة وَقْفٌ مِنِّي عَلَى الفُقَرَاء.
فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُوْلُ: العَبْد أَكرم منَّا.قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ: سَمِعْتُ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
الأَبْوَاب تبنَى عَلَى أَرْبَع طبقَات: طبقَة المُسْنَد، وَطبقَة الصَّحَابَة، وَطبقَة التَّابِعِيْنَ، فيقدَّم كِبَارهُم، كعَلْقَمَة وَالأَسْوَد، وَبعدهُم مَنْ هُوَ أَصغر مِنْهُم، وَبعدهُم تَابع التَّابِعِيْنَ، مِثْل سُفْيَان، وَمَالِك، وَالحَسَن بن صَالِحٍ، وَعُبَيْد اللهِ بن الحَسَنِ، وَابْن أَبِي لَيْلَى، وَابْن شُبْرُمَة، وَالأَوْزَاعِيّ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ، قَالَ: النَّاسُ عَلَى أَرْبَع طبقَات: مَليح يَتملَّح، وَمَليح يَتَبَغَّض، وَبَغِيضٌ يَتَمَلَّح، وَبغيضٌ يتبغَّض، فَالأَوّل: هُوَ المُنى، الثَّانِي: يحْتَمل، وَأَمَّا بَغِيض يتملَّح، فَإِنِّي أَرحمه، وَأَمَّا الْبَغِيض، الَّذِي يتبغض، فَأَفرُّ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال فِي أَخْبَار إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ: نقُلْتُ مِنْ كِتَاب ابْن عتَّاب: كَانَ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَجُلاً صَالِحاً مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، بلغه أَنّ قَوْماً مِنَ الَّذِيْنَ كَانُوا يجَالسونه يفضِّلونه عَلَى أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، فوقفهُم عَلَى ذَلِك، فَأَقَرُّوا بِهِ، فَقَالَ: ظلمتمونِي بتفضيلكُم لِي عَلَى رَجُل لاَ أُشْبِهُه، وَلاَ أَلحق بِهِ فِي حَال مِنْ أَحْوَاله، فَأُقسم بِاللهِ، لاَ أُسمعكُم شَيْئاً مِنَ العِلْم أَبَداً، فَلاَ تَأَتونِي بَعْد يَوْمكُم.
مَاتَ الحَرْبِيّ بِبَغْدَادَ، فدُفن فِي دَاره يَوْم الإثْنَيْن، لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي أَيَّام المعْتَضِد.
قَالَ المَسْعُوْدِيّ: كَانَتْ وَفَاة الحَرْبِيّ المُحَدِّث الفَقِيْه فِي الجَانب
الغربِي، وَلَهُ نَيِّف وَثَمَانُوْنَ سَنَةً ... وَكَانَ صَدُوْقاً، عَالِماً، فَصِيْحاً، جَوَاداً، عَفِيْفاً، زَاهِداً، عَابِداً، نَاسِكاً، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ضَاحك السِّنّ، ظَرِيف الطَّبْع ... وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ تكبُّر وَلاَ تجبُّر، رُبَّمَا مَزح مَعَ أصدقَائِه بِمَا يُسْتَحسن مِنْهُ، وَيستقبح مِنْ غَيْره، وَكَانَ شَيْخ البَغْدَادِيِّيْنَ فِي وَقته، وَظريفهُم، وَزَاهدهُم، وَنَاسكهُم، وَمسنِدَهُم فِي الحَدِيْثِ، وَكَانَ يتفقَّه لأَهْل العِرَاق، وَكَانَ لَهُ مَجْلِس فِي الجَامع الغربِي يَوْم الجُمُعَة، فَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيْم بن جَابِر، قَالَ: كُنْتُ أَجلس فِي حَلْقَة إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، وَكَانَ يجلسُ إِلَيْنَا غُلاَمَان فِي نهَايَة الحُسَن وَالجمَال مِنَ الصورَة وَالبِزَّة، وَكَأَنَّهُمَا روح فِي جسدٍ، إِن قَامَا قَامَا مَعاً، وَإِنْ حضَرَا، فكَذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجمع، حضَر أَحَدهُمَا وقَدْ بَان الاصفرَار بِوَجْهِهِ وَالاَنكسَار فِي عَيْنَيْهِ ... ، فَلَمَّا كَانَتِ الجمعَة الثَّانِيَة، حضَر الغَائِب، وَلَمْ يحضر الَّذِي جَاءَ فِي الجمعَة الأُوْلَى مِنْهُمَا، وَإِذِ الصُّفْرَة وَالاَنكسَار بَيّنَ فِي لَونه ... وَقُلْتُ: إِن ذَلِكَ للفرَاق الوَاقع بينهُمَا، وَذَلِكَ للأُلفَة الجَامعَة لَهُمَا، فَلَمْ يزَالاَ يتسَابقَان فِي كُلِّ جمعَةٍ إِلَى الحلقَة، فَأَيهُمَا سبق إِلَى الحلقَة لَمْ يَجْلِس الآخر ... فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الجُمع حضَر أَحَدهُمَا فَجَلَسَ إِلَيْنَا ثُمَّ جَاءَ الآخر فَأَشْرَف عَلَى الْحلقَة، فَوَجَد صَاحِبَه قَدْ سبق، وَإِذَا الْمَسْبُوق قَدْ أَخذته العبرَة، فَتبينت ذَلِكَ مِنْهُ فِي دَائِرَة عَيْنَيْهِ، وَإِذَا فِي يُسرَاهُ رِقَاع صغَار
مَكْتُوبَة، فَقبض بيمِينه رُقعَة مِنْهَا، وَحذف بِهَا فِيوَسط الحلقَة، وَانسَاب بَيْنَ النَّاس مُستخفياً، وَأَنَا أَرْمقه، وَكَانَ ثَمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بن حَرْبَوَيْه، فَنشر الرُّقعَة وَقرأَهَا ... وَفِيْهَا دعَاء، أَنْ يدعُو لصَاحبهَا مَرِيْضاً كَانَ أَوْ غَيْر ذَلِكَ، وَيُؤمِّن عَلَى الدُّعَاء مِنْ حضَر، فَقَالَ الشَّيْخُ: اللَّهُمَّ اجْمَعْ بينهُمَا، وَأَلَّف قُلُوْبهُمَا، وَاجعل ذَلِكَ فِيمَا يُقرَّب مِنْكَ، وَيُزْلِف لديك.
وَأَمَّنُوا عَلَى دعَائِه ثُمَّ طوَى الرُّقعَة وَحذفنِي بِهَا، فتَأَملت مَا فِيْهَا ... فَإِذَا فِيْهَا مَكْتُوب:
عفَا الله عَنْ عبدٍ أَعَانَ بدعوَةٍ ... لِخِلَّيْنِ كَانَا دَائِمِين عَلَى الوُدِّ
إِلَى أَنْ وَشَى وَاشِي الهوَى بنمِيمَةٍ ... إِلَى ذَاكَ مِنْ هَذَا فَحَالاَ عَن العهدِ
فلَمَّا كَانَ فِي الجمعَة الثَّانِيَة حضَرَا جَمِيْعاً، وَإِذَا الاصفرَار وَالاَنكسَار قَدْ زَالَ.
فَقُلْتُ لابْن حَرْبَوَيْه: إِنِّيْ أَرَى الدعوَة قَدْ أُجيبت، وَأَنَّ دعَاء الشَّيْخ كَانَ عَلَى التمَام، فَلَمَّا كَانَ فِي تِلْكَ السّنَة كُنْت فِيْمَنْ حَجَّ فَكَأَنِّيْ أَنظر إِلَى الغُلاَمِين مُحْرِمَيْنِ ... بَيْنَ مِنَى وَعَرَفَة، فَلَمْ أَزل أَرَاهُمَا متآلفين إِلَى أَنْ تكهَّلا.
قَالَ الْقِفْطِي فِي (تَارِيْخ النُّحَاة) لَهُ: كَانَ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، عَارِفاً بالمذَاهب، بَصِيْراً بِالحديث، حَافِظاً لَهُ ... لَهُ فِي اللُّغَة كِتَاب (غَرِيْب الحَدِيْث) ، وَهُوَ مِنْ أَنفس الكُتُب وَأَكْبَرهَا فِي هَذَا النَّوْع.
أَبُو الحَسَنِ بنُ جَهْضَم - وَاهٍ - حَدَّثَنَا جَعْفَر الخُلْدِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ بنِ مَاهَان: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بن إِسْحَاقَ يَقُوْلُ:أَجْمَع عُقَلاَء كُلِّ مِلَّة أَنَّهُ مَن لَمْ يجر مَعَ القَدَرِ لَمْ يتهنَّأ بِعَيْشِهِ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: قمِيصي أَنظفُ قَمِيْصٍ، وَإِزَارِي أَوسَخُ إِزَارٍ، مَا حَدَّثْتُ نَفْسِي أَنَّهُمَا يَسْتَويَان قَطُّ، وَفرد عَقِبِي صَحِيْح وَالآخرُ مَقْطوع، وَلاَ أُحَدِّث نَفْسِي أَنِّي أُصْلِحْهُمَا، وَلاَ شَكَوْتُ إِلَى أَهْلِي وَأَقَاربِي حُمى أَجدُهَا، لاَ يغم الرَّجُل نَفْسه وَعيَالَه، وَلِي عَشْرُ سِنِيْنَ أُبْصِرُ بِفَرْدِ عَيْنٍ، مَا أَخبرتُ بِهِ أَحَداً، وَأَفنيتُ مِنْ عُمُرِي ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برَغِيْفَيْنِ، إِنْ جَاءتَنِي بِهِمَا أُمِّي أَوْ أُختِي، وَإِلاَّ بقيتُ جَائِعاً إِلَى اللَّيْلَة الثَّانِيَة، وَأَفنيتُ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً برغيفٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، إِن جَاءتْنِي امرأَتِي أَوْ بَنَاتِي بِهِ، وَإِلاَّ بقيتُ جَائِعاً، وَالآنَ آكُلُ نِصْفَ رغِيْفٍ وَأَربعَ عَشْرَةَ تمرَةً، وَقَامَ إِفطَارِي فِي رَمَضَانَ هَذَا بِدِرْهَمٍ وَدَانَقَيْن وَنِصْف.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ مِنْ هَذِهِ الأَطْبِخَة شَيْئاً، كُنْتُ أَجِيْء مِنْ عَشِي إِلَى عَشِي، وَقَدْ هَيَأتْ لِي أُمِّي باذِنْجَانَة مشويَةً، أَوْ لُعْقَة بِن، أَوْ باقَةَ فجْلٍ.
مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ العُكْبَرِيّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ:
مَا تَرَوَّحْتُ وَلاَ رُوِّحْتُ قَطُّ، وَلاَ أَكَلتُ مِنْ شَيْء فِي يَوْمِ مَرَّتين.
قَالَ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ سَمْعُوْنَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ القَطِيْعِيّ قَالَ:أَضَقْتُ إِضَاقَةً، فَأَتيتُ إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ لأَبُثَّهُ.
فَقَالَ لِي: لاَ يضيق صَدْرك، فَإِنَّ اللهَ مِن وَرَاء المَعُونَة، فَإنِّي أَضَقْتُ مَرَّةً، حَتَّى انْتَهَى امرِي إِلَى أَنْ عدم عيَالِي قوتَهُم، فَقَالَتِ الزَّوْجَة: هبْ أَنِّي أَنَا وَأَنْت نَصْبِرُ، فَكَيْفَ بِالصَّبِيَّتين؟ هَاتِ شَيْئاً مِنْ كُتُبِك نَبيعُه أَوْ نرهنُه، فَضَنِنْتُ بِذَلِكَ، وَقُلْتُ: أَقْتَرِضُ غَداً، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل، دُقَّ البَابُ، فَقُلْتُ: مِنْ ذَا؟
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الجيرَان، فَأَطفئ السَّرَّاج حَتَّى أَدْخَلَ.
فكببتُ شَيْئاً عَلَى السَّرَّاج، فَدَخَلَ، وَتركَ شَيْئاً، وَقَامَ، فَإِذَا هُوَ مِنديل فِيْهِ أَنواعٌ مِنَ المآكِل، وَكَاغَدٌ فِيْهِ خَمْسُ مائَة دِرْهَمٍ، فَأَنبهْنَا الصِّغَار وَأَكلُوا، ثُمَّ مِنَ الغَدِ، إِذَا جَمَّال يَقُود جَمَلين، عَلَيْهِمَا حملاَن وَرقاً، وَهُوَ يسأَل عَنْ مَنْزِلِي، فَقَالَ: هَذَانِ الجملاَن أَنفذَهُمَا لَكَ رَجُل مِنْ خُرَاسَان، وَاسْتَحْلَفَنِي أَنْ لاَ أَقُول مَنْ هُوَ.
إِسْنَادُهَا مُرْسَل.
قَالَ الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ الحَافِظُ: لاَ تَرَى عَينَاك مِثْل إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ، إِمَام الدُّنْيَا، لَقَدْ رَأَيْتُ، وَجَالَسْتُ العُلَمَاء، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَكملَ مِنْهُ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحٍ القَاضِي يَقُوْلُ: لاَ نعِلْم بَغْدَاد أَخرجتْ مِثْل إِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ فِي الأَدب وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالزُّهْد.
قُلْتُ: يُرِيْد مَنْ اجْتَمَع فِيْهِ هَذِهِ الأُمُورُ الأَرْبَعَةُ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ الخَلِيْلِ: سَمِعْتُ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: فِي كتاب أبي عبيد (غَرِيْب الحَدِيْث) ثَلاَثَةٌ وَخمسُوْنَ حَدِيْثاً لَيْسَ لَهَا أَصل.قَالَ أَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ: الحَرْبِيّ إِمَامٌ، مصَنِّف، عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، بارِعٌ فِي كُلِّ علمٍ، صَدُوْقٌ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيّ يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنْ عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ قِمَطْر، وَلاَ أُحَدِّث عَنْهُ بِشَيْءٍ، لأَنِي رَأَيْتهُ المَغْرِبَ وَبِيَدِهِ نَعْله مبَادِراً، فَقُلْتُ: إِلَى أَيْنَ؟
قَالَ: أَلحق الصَّلاَة مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ.
فَظننتُه يَعْنِي أَحْمَد بن حَنْبَلٍ، ثُمَّ قُلْتُ: مَنْ أَبُو عَبْدِ اللهِ؟ قَالَ: ابْن أَبِي دؤَاد.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُعْتَضِد لَمَّا نَفَّذَ إِلَى الحَرْبِيّ بِالعَشْرَة آلاَف فَرَدَّهَا، فَقِيْلَ لَهُ: فَفَرِّقْهَا، فَأَبَى، ثُمَّ لمَا مَرِضَ، سَيَّرَ إِلَيْهِ المعتضدُ أَلْفَ دِيْنَارٍ، فَلَمْ يقبلْهَا، فَخَاصَمَتْه بنتُه، فَقَالَ: أَتخشين إِذَا مِتُّ الفَقْر؟
قَالَتْ: نعم.
قَالَ: فِي تِلْكَ الزَّاويَة اثْنَا عَشرَ أَلْفَ جُزْءٍ حديثيَةٍ وَلُغَويَّةٍ وَغَيْر ذَلِكَ كتبتُهَا
بخطِّي، فَبِيعِي مِنْهَا كُلَّ يَوْم جُزءاً بِدِرْهَم وَأَنفَقِيْه.نَقَلَ الخَطِيْبُ، وَطَائِفَةٌ: أَنَّ الحَرْبِيّ تُوُفِّيَ: لسبع بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَتْ جِنَازَتُه مشهودَةً، صَلَّى عَلَيْهِ يُوْسُف القَاضِي، صَاحِبُ كِتَاب (السُّنَن) ، وَقبرُه يُزَارُ بِبَغْدَادَ.
وَفِيْهَا مَاتَ: إِسْحَاق الدَّبَرِي، صَاحِبُ عَبْد الرَّزَّاقِ، وَعُبَيْد بن عَبْدِ الوَاحِدِ البَزَّار، وَأَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَزِيْدَ المُبَرِّد.
أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْد اللهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عليّ الصَّالِحيَة سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ قُدَامَةَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُوَ الفَضْلِ بن خَيْرُوْنَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيّ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ جَعْفَرٍ الخُتُّلِي، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ ابْن إِسْحَاقَ الحَرْبِيّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاء ابْن يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَهْجُرْ أَحَدَكُمْ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا، وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمٍ).
وَبِهِ: قَالَ الحَرْبِيّ: حَدَّثنَاهُ أَبُو مُصْعَب، أَخْبَرَنَا مَالِك، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ) .
أَخْبَرَنَا عِيْسَى بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الغَفَّارِ بن شُجَاع، (ح) .
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العِزِّ، وَالحَسَن بن عَلِيٍّ القَلاَنِسِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الوَفَاء عَبْد المَلِكِ بن الحَنْبَلِيّ، وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الجُذَامِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ عَبْدِ المعْطي، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ نُصَيْر السَّهْمِيّ،
[وَ] عَبْد الرَّحْمَنِ بن سُلَيْمَانَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ الجُمَّيْزِي، وَأَخْبَرَنَا سُنْقُرُ الزَّيْنِي، وَعَبْد الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّد؛ ابْنا سُلَيْمَان، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مَحْمُوْدٍ، وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّوَّاف، أَخْبَرَنَا جَدِّي، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَلِيّ بن رَافِعٍ، وَعُثْمَان بن مُوْسَى، وَفَاطِمَة بِنْت إِبْرَاهِيْم، قَالُوا:أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ رَوَاحَةَ، وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ كَثِيْر، وَجَمَاعَةٌ قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُفَسِّر، قَالُوا جَمِيْعاً:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمْد بن إِسْمَاعِيْلَ الزَّكِي بِمَكَّةَ، (ح) .
وَأَخْبَرَنَا ابْنُ قُدَامَةَ، وَعِدَّة إِجَازَةً، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرزَدْ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحُصَيْن، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بن مُحَمَّدٍ البَزَّاز، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ الهَاشِمِيّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
(كُنْتُ أَغْتَسِلُ مَعَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِنَاءِ الوَاحِدِ).
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير، أبو إسحاق الحربي
قال عبد اللَّه: قال لي أبي: امض إلى إبراهيم الحربي حتى يُلقي عليك الفرائض.
"تذكرة الحفاظ" 2/ 585.
قال عبد اللَّه: قال لي أبي: امض إلى إبراهيم الحربي حتى يُلقي عليك الفرائض.
"تذكرة الحفاظ" 2/ 585.
إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ من أهل بَغْدَاد يروي عَن أبي نعيم وَأهل الْعرَاق كتب عَنهُ أَصْحَابنَا
إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، أبو إسحاق، المعروف بالهروي :
سمع عبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزناد، وعبد العزيز بْن محمد الدراوردي، وإسماعيل ابن جعفر الزرقي، وخلف بن خليفة الأشجعي، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير، وجرير بن عبد الحميد. روى عنه الحارث بن أبي أسامة، وإِبْرَاهِيم الحربي، وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي الدنيا، وَالحسن بْن علي المعمري، وموسى بن هارون، وأحمد بن الحسين الصوفي وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الإيادي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ الْعَطَّارِ، حدّثنا الحارث بن محمّد، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله، حدّثنا إسماعيل ابن جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا عَدْوَى، وَلا هَامَّةَ، وَلا نَوْءَ، وَلا صَفَرَ»
. نَوْء مِنَ الأنوَاءِ.
أَنْبَأَنَا أحمد بن محمّد بن عبيد الكاتب، أخبرنا الحسين بن أحمد الهروي، حَدَّثَنَا أَبُو الفضل يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن محمود الفقيه، حَدَّثَنَا صالح بن محمد. قَالَ:
سمعت إبراهيم بن عبد الله يقول: ما من حديث من حديث هشيم إلا وقد سمعته ما
بين العشرين مرة إلى ثلاثين مرة، وكنت أوقفه، كنت أسمع من سعيد الجوهري أبي إبراهيم، قَالَ صالح: أعلم الناس بحديث هشيم عمرو بن عون وإبراهيم بن عبد الله الهروي، أصله هروي كان ببغداد.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا محمّد بن عثمان النصيبي، حدّثنا أبو الميمون البجلي، حَدَّثَنَا أَبُو زرعة عَبْد الرَّحْمَن بْن عمرو قال: سمعت رجلا قال ليحيى بن معين: عمن نكتب حديث هشيم؟ قَالَ: عن إبراهيم الهروي وسريج بن يونس .
أَخْبَرَنِي الأزهري، حدثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال.
وأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن علي الوراق، أخبرنا محمد بن عمر بن حميد البزاز. قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: حَدَّثَنِي خال أبي أبو العبّاس عبد الله بن هبيرة بن الصلت قَالَ: سألت يحيى بن معين قلت: يا أبا زكريا من أصحاب هشيم الذين يعتمد عليهم؟ فقال: إبراهيم الهروي، ومحمد بن الصباح الدولابي .
وأنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا محمّد بن حميد المخرمي، حدثنا علي بن الحسين بن حبان. قال: وجدتُ فِي كتاب أبي بِخط يده: سألتُ أبا زكريا- وهو يحيى بن معين- قلت: اختلف محمد بن الصباح والهروي في حديث عن هشيم، لمن يقضى منهما؟ قَالَ: حتى يجيء ثالث، قلت: ليس ثالث. قَالَ: ينظر في الحديث إن كان حدث به غير هشيم إنسان فكان الصواب في يد أحدهما كان القول قوله. قلت: فإن كان لم يحدث به أحد غير هشيم، قَالَ: كان الهروي أكيسهما وأيقظهما، ومحمد بن الصباح ثقة .
أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حسنويه الهروي، أَخْبَرَنَا الحسين بن إدريس. قَالَ: قَالَ أَبُو داود سُلَيْمَان بْن الأشعث: إبراهيم الهروي ضعيف .
حدّثنا محمّد بن علي الصوري- لفظا- أخبرنا الخصيب بن عبد الله القاضي،
أَخْبَرَنَا عبد الكريم بن أبي عَبْد الرَّحْمَن النسائي، أخبرني أبي. قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حاتم الهروي ليس بالقوي.
قرأت على البرقاني عن محمد بن العباس الخزاز قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مسعدة الفزاري، حدّثنا جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن القاسم بن مُحْرِز قَالَ: وسألت يَحْيَى بْن مَعِين، عَنْ إبراهيم بن حاتم الهروي فَقَالَ: لا بأس به.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي المقرئ، أَخْبَرَنَا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سمعت أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إبراهيم بن عبد الله الهروي صدوق.
قرأت في كتاب أبي الحسن بن الفرات- بخطه- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس بْن أَحْمَد الضبي الهروي، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ياسين. قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ: كان إبراهيم الهروي حافظا متقنا تقيا، ما كان هاهنا أحد مثله.
وسمعت إبراهيم الحربي يقول: كان إبراهيم الهروي يديم الصيام إلى أن يأتيه أحد يدعوه إلى طعامه فيفطر، وكان أكولا، وكان يأكل حَمَلا وحده! أَخْبَرَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، عَنْ أبي الحسن الدارقطني. قَالَ: إبراهيم بن عبد الله الهروي ثقة ثبت.
أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المعدّل، أَخْبَرَنَا الحارث بْن مُحَمَّد. قَالَ: سنة أربع وأربعين ومائتين فيها مات إبراهيم بن عبد الله الهروي المحدث في شهر رمضان بسر من رأى.
سمع عبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزناد، وعبد العزيز بْن محمد الدراوردي، وإسماعيل ابن جعفر الزرقي، وخلف بن خليفة الأشجعي، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير، وجرير بن عبد الحميد. روى عنه الحارث بن أبي أسامة، وإِبْرَاهِيم الحربي، وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي الدنيا، وَالحسن بْن علي المعمري، وموسى بن هارون، وأحمد بن الحسين الصوفي وجعفر الفريابي، وعبد الله بن إسحاق المدائني.
أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الإيادي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلادٍ الْعَطَّارِ، حدّثنا الحارث بن محمّد، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله، حدّثنا إسماعيل ابن جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا عَدْوَى، وَلا هَامَّةَ، وَلا نَوْءَ، وَلا صَفَرَ»
. نَوْء مِنَ الأنوَاءِ.
أَنْبَأَنَا أحمد بن محمّد بن عبيد الكاتب، أخبرنا الحسين بن أحمد الهروي، حَدَّثَنَا أَبُو الفضل يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن محمود الفقيه، حَدَّثَنَا صالح بن محمد. قَالَ:
سمعت إبراهيم بن عبد الله يقول: ما من حديث من حديث هشيم إلا وقد سمعته ما
بين العشرين مرة إلى ثلاثين مرة، وكنت أوقفه، كنت أسمع من سعيد الجوهري أبي إبراهيم، قَالَ صالح: أعلم الناس بحديث هشيم عمرو بن عون وإبراهيم بن عبد الله الهروي، أصله هروي كان ببغداد.
أخبرنا أبو بكر البرقاني، أخبرنا محمّد بن عثمان النصيبي، حدّثنا أبو الميمون البجلي، حَدَّثَنَا أَبُو زرعة عَبْد الرَّحْمَن بْن عمرو قال: سمعت رجلا قال ليحيى بن معين: عمن نكتب حديث هشيم؟ قَالَ: عن إبراهيم الهروي وسريج بن يونس .
أَخْبَرَنِي الأزهري، حدثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال.
وأَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن علي الوراق، أخبرنا محمد بن عمر بن حميد البزاز. قالا: حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حَدَّثَنَا جدي قَالَ: حَدَّثَنِي خال أبي أبو العبّاس عبد الله بن هبيرة بن الصلت قَالَ: سألت يحيى بن معين قلت: يا أبا زكريا من أصحاب هشيم الذين يعتمد عليهم؟ فقال: إبراهيم الهروي، ومحمد بن الصباح الدولابي .
وأنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب، أخبرنا محمّد بن حميد المخرمي، حدثنا علي بن الحسين بن حبان. قال: وجدتُ فِي كتاب أبي بِخط يده: سألتُ أبا زكريا- وهو يحيى بن معين- قلت: اختلف محمد بن الصباح والهروي في حديث عن هشيم، لمن يقضى منهما؟ قَالَ: حتى يجيء ثالث، قلت: ليس ثالث. قَالَ: ينظر في الحديث إن كان حدث به غير هشيم إنسان فكان الصواب في يد أحدهما كان القول قوله. قلت: فإن كان لم يحدث به أحد غير هشيم، قَالَ: كان الهروي أكيسهما وأيقظهما، ومحمد بن الصباح ثقة .
أَخْبَرَنَا أبو بكر البرقاني، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حسنويه الهروي، أَخْبَرَنَا الحسين بن إدريس. قَالَ: قَالَ أَبُو داود سُلَيْمَان بْن الأشعث: إبراهيم الهروي ضعيف .
حدّثنا محمّد بن علي الصوري- لفظا- أخبرنا الخصيب بن عبد الله القاضي،
أَخْبَرَنَا عبد الكريم بن أبي عَبْد الرَّحْمَن النسائي، أخبرني أبي. قَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حاتم الهروي ليس بالقوي.
قرأت على البرقاني عن محمد بن العباس الخزاز قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مسعدة الفزاري، حدّثنا جعفر بن درستويه، حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن القاسم بن مُحْرِز قَالَ: وسألت يَحْيَى بْن مَعِين، عَنْ إبراهيم بن حاتم الهروي فَقَالَ: لا بأس به.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ علي المقرئ، أَخْبَرَنَا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سمعت أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إبراهيم بن عبد الله الهروي صدوق.
قرأت في كتاب أبي الحسن بن الفرات- بخطه- أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن العباس بْن أَحْمَد الضبي الهروي، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ياسين. قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيَّ يَقُولُ: كان إبراهيم الهروي حافظا متقنا تقيا، ما كان هاهنا أحد مثله.
وسمعت إبراهيم الحربي يقول: كان إبراهيم الهروي يديم الصيام إلى أن يأتيه أحد يدعوه إلى طعامه فيفطر، وكان أكولا، وكان يأكل حَمَلا وحده! أَخْبَرَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، عَنْ أبي الحسن الدارقطني. قَالَ: إبراهيم بن عبد الله الهروي ثقة ثبت.
أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق المعدّل، أَخْبَرَنَا الحارث بْن مُحَمَّد. قَالَ: سنة أربع وأربعين ومائتين فيها مات إبراهيم بن عبد الله الهروي المحدث في شهر رمضان بسر من رأى.