عَفَّانُ بنُ مُسْلِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ البَصْرِيُّ الصَّفَّارُ
مَوْلَى عَزْرَةَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ، الصَّفَّارُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ تَحْدِيْداً، أَوْ تَقْرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَهَمَّامٍ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَدَيْلَمِ بنِ غَزْوَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ مَشْيَخَةِ بَلَدِهِ، وَاسْتَوطَنَ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ بِوَاسِطَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالفَلاَّسُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالذُّهْلِيُّ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَأَبَوَا زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ السَّوَّاقُ، وَإِبْرَاهِيْمُ
الحَرْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ.
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، مَتِيْنٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: عَفَّانُ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، كَانَ عَلَى مَسَائِلِ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ القَاضِي، فَجُعِلَ لَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَنْ تَعْدِيْلِ رَجُلٍ، فَلاَ يَقُوْلَ: عَدْلٌ وَلاَ غَيْرُ عَدْلٍ.
فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أُبْطِلُ حَقّاً مِنَ الحُقُوْقِ.
وَكَانَ يَذْهَبُ بِرِقَاعِ المَسَائِلِ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ يَسْأَلُ، فَجَاءَ يَوْماً إِلَى مُعَاذٍ بِالرِّقَاعِ، وَقَدْ تَلَطَّخَتْ بِالنَّاطِفِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
قَالَ: إِنِّيْ أَذهَبُ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ، فَأَجُوْعُ، فَأَخَذْتُ نَاطِفاً، جَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، أَكَلْتُهُ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَنِي عَفَّانُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ لِي: عِنْدَك شَيْءٌ نَأْكُلُهُ؟
فَمَا وَجَدْتُ فِي مَنْزِلِي خُبْزاً، وَلاَ دَقِيْقاً، وَلاَ شَيْئاً نَشْتَرِي بِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدِي سَوِيْقَ شَعِيْرٍ.
فَقَالَ لِي: أَخْرِجْهُ.
فَأَخْرَجْتُهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَكْلاً جَيِّداً، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأُعْجُوْبَةٍ؟ شَهِدَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ عِنْدَ القَاضِي مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُمَا، فَجَاءَنِي صَاحِبُ الدَّنَانِيْرِ، فَقَالَ: لَكَ نِصْفُهَا، وَتُعَدِّلَ شَاهِدَيَّ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ لَكَ.
قَالَ: وَكَانَ عَفَّانُ عَلَى مَسْأَلَةِ مُعَاذٍ. قَالَ: وَقِيْلَ لِمُعَاذٍ: مَا تَصْنَعُ
بِعَفَّانَ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ؟فَسَكَتَ، فَوَجَّهَهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَ عَنْهُم، وَجَعَلَ المَسْأَلَةَ فِي كُمِّهِ، وَاشْتَرَى قُبَّيْطاً، وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، وَجَاءَ، فَأَخْرَجَ إِلَى مُعَاذٍ المَسْأَلَةَ، وَقَدِ اخْتَلَطَ بِهَا القُبَّيْطُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَنْ يَلُوْمُنِي عَلَى عَفَّانَ ؟
قَالَ حَنْبَلٌ: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَابْنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، بَعْدَ مَا دَعَاهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ امْتَحَنَ مِنَ النَّاسِ عَفَّانَ، فَسَأَلَهُ يَحْيَى مِنَ الغَدِ بَعْدَ مَا امْتُحِنَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ حَاضِرٌ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنَا بِمَا قَالَ لَكَ إِسْحَاقُ؟
قَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، لَمْ أُسَوِّدْ وَجْهَكَ، وَلاَ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ، إِنِّيْ لَمْ أُجِبْ.
فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ كَانَ؟
قَالَ: دَعَانِي، وَقَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ الَّذِي كَتَبَ بِهِ المَأْمُوْنُ مِنَ الجَزِيْرَةِ، فَإِذَا فِيْهِ: امْتَحِنْ عَفَّانَ، وَادْعُهُ إِلَى أَنْ يَقُوْلَ: القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْكَ إِلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَاقْطَعْ عَنْهُ الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِ - وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجْرِي عَلَى عَفَّانَ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ -.
فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ، قَالَ لِي إِسْحَاقُ: مَا تَقُوْلُ؟
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حَتَّى خَتَمْتُهَا.
فَقُلْتُ: أَمَخْلُوْقٌ هَذَا؟
فَقَالَ: يَا شَيْخُ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقُوْلُ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُجِبْهُ إِلَى الَّذِي يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، يَقْطَعْ عَنْكَ مَا يُجرِي عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 22] .
فَسَكَتَ عَنِّي، وَانْصَرَفْتُ.
فَسُرَّ بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى.
قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى جَلاَلَةِ عَفَّانَ، وَارْتِفَاعِ شَأْنِهِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ امْتُحِنَ، وَقُيِّدَ، وَسُجِنَ، وَعَفَّانُ فَمَا فَعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ عَنْهُ.قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ دَيْزِيْلَ يَقُوْلُ:
لَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ، كُنْتُ آخِذاً بِلِجَامِ حِمَارِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ، عُرِضَ عَلَيْهِ القَوْلُ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَ.
فَقِيْلَ لَهُ: يُحْبَسُ عَطَاؤُكَ - قَالَ: وَكَانَ يُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} .
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ، عَذَلَهُ نِسَاؤُهُ وَمَنْ فِي دَارِهِ.
قَالَ: وَكَانَ فِي دَارِهِ نَحْوُ أَرْبَعِيْنَ إِنْسَاناً، فَدَقَّ عَلَيْهِ دَاقٌّ البَابَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَبَّهْتُهُ بِسَمَّانٍ أَوْ زَيَّاتٍ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانُ! ثَبَّتَكَ اللهُ كَمَا ثَبَّتَّ الدِّيْنَ، وَهَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ.
حَاجِبُ الطُّوْسِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُنِيْبٍ، قَالَ:
قَالَ عَفَّانُ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَفُلاَنٌ إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ سَنَةً، لاَ نَكْتُبُ شَيْئاً، وَسَأَلْنَاهُ الإِمْلاَءَ، فَلَمَّا أَعْيَاهُ، دَعَا بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! تُشْلُوْنَ عَلَيَّ النَّاسَ.
قُلْنَا: لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ إِمْلاَءً، فَأَملَى بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَبُو الوَلِيْدِ وَعَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُ عَفَّانَ، عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَأَكْيَسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، وَعَفَّانُ
أَثْبَتُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ.ابْنُ الغَلاَبِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ لابْنِ مَعِيْنٍ عَفَّانُ، وَثَبْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُ عَلِيْهِ خَطَأَهُ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ.
عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّائِغَ، قَالَ:
اجْتَمَعَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَفَّانُ: فَقَالَ عَفَّانُ: ثَلاَثَةٌ يُضَعَّفُوْنَ فِي ثَلاَثَةٍ: عَلِيٌّ فِي حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَحْمَدُ فِي إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي شَرِيْكٍ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: وَرَابِعٌ مَعَهُمْ.
قَالَ: مَنْ؟
قَالَ: عَفَّانُ فِي شُعْبَةَ.
ثُمَّ قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وَأَرْبَعَتُهُم أَقْوِيَاءُ، وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى المُزَاحِ.
قُلْتُ: وَلأَنَّهُم كَتَبُوا وَهُم صِغَارٌ عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ الأَلْفَاظَ فِي كِتَابِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ أَكْثرَ مِنْهَا عِنْدَ عَفَّانَ، يَعْنِي: أَنْبَأَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَسَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، يَعْنِي: شُعْبَةَ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ عَفَّانَ، فَقَالَ: عَفَّانُ، وَحَبَّانُ، وَبَهْزٌ: هَؤُلاَءِ المُتَثَبِّتُوْنَ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ عَفَّانُ: كُنْتُ أُوْقِفُ شُعْبَةَ عَلَى الأَخْبَارِ.
قَالَ: وَعَفَّانُ أَضْبَطُهُم لِلأَسَامِي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:كَانَ عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيَّ، فَكَانَ عَفَّانُ أَضْبَطَهُم لِلْحَدِيْثِ، وَأَنْكَدَهُم، عَمِلْتُ عَلَيْهِم مَرَّةً فِي شَيْءٍ، فَمَا فَطِنَ لِي إِلاَّ عَفَّانُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ حَبَّانَ.
قَالَ حَسَّانُ بنُ حَسَنٍ المُجَاشِعِيُّ : قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَفَّانُ:
مَا سَمِعْتُ مِنْ أَحَدٍ حَدِيْثاً إِلاَّ عَرَضْتُ عَلَيْهِ، غَيْرَ شُعْبَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنِّي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْهِ.
وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَفَّانُ -يَعْنِي: عِنْدَ عَلِيٍّ- فَقَالَ: كَيْفَ أَذْكُرُ رَجُلاً يَشُكُّ فِي حَرْفٍ فَيَضْرِبُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْطُرٍ.
وَسَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَتَيْنَا أَبَا عَوَانَةَ، فَقَالَ: مَنْ عَلَى البَابِ؟
فَقُلْنَا: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ.
فَقَالَ: هَؤُلاَءِ بَلاَءٌ مِنَ البَلاَءِ، قَدْ سَمِعُوا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَعْرِضُوا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عَفَّانُ يَسْمَعُ بِالغَدَاةِ، وَيَعْرِضُ بِالعَشِيِّ.
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: مَنْ تَابَعَ عَفَّانُ عَلَى كَذَا؟
فَقَالَ: وَعَفَّانُ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابِعٍ ؟!
وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يُفْلِتُ مِنَ التَّصْحِيْفِ؟ كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُشَكِّلُ
الحَرْفَ إِذَا كَانَ شَدِيْداً، وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابَ الشَّكْلِ: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ.قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ خَمْسَةٌ: مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعَفَّانُ.
عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
كَانَ -وَاللهِ- عَفَّانُ أَثْبَتَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.
مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ:
مَنْ أَثْبَتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، أَوْ عَفَّانُ؟
قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْفَظُ لِحَدِيْثِهِ، وَحَدِيْثِ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِجَالِ عَفَّانَ فِي الكِتَابِ، وَكَانَ عَفَّانُ أَسَنَّ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ.
وَعَنْ عَفَّانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيْثٍ، فَبَعَثَا يَسْأَلاَنِي.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ:
مَا أَحَدٌ يُخَالِفُنِي فِي الحَدِيْثِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ عَفَّانَ.
مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا الفَلاَّسُ، قَالَ: رَأَيْتُ
يَحْيَى يَوْماً حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا.فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَتَيْتُ يَحْيَى، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ عَفَّانُ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدِي عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ عَفَّانُ.
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ العُلَمَاءُ، فَانْظُرْ يَا مِسْكِيْنُ كَيْفَ أَنْتَ عَنْهُم بِمَعْزِلٍ.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَعْرِضُ عَلَى عَفَّانَ مَا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ المُعَيْطِيَّ يَقُوْلُ:
عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فَهْمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَخْطَأَ عَفَّانُ قَطُّ إِلاَّ مَرَّةً، فِي حَدِيْثٍ أَنَا لَقَّنْتُهُ إِيَّاهُ، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.
قَالَ خَلَفُ بنُ سَالِمٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحْسِنُ الحَدِيْثَ إِلاَّ عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَبَهْزَ بنَ أَسَدٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مُتْقِنٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، قَلِيْلُ الخَطَأِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ.وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَفَّانُ وَأَبُو نُعَيْمٍ، لاَ أَقْبَلُ قَوْلَهُمَا فِي الرِّجَالِ، لاَ يَدَعُوْنَ أَحَداً إِلاَّ وَقَعُوا فِيْهِ.
يَعْنِي: أَنَّهُ لاَ يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا فِي الجَرْحِ لِتَشْدِيْدِهِمَا، فَأَمَّا إِذَا وَثَّقَا أَحَداً، فَنَاهِيْكَ بِهِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَزِمَنَا عَفَّانُ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَانَ أَثْبَتَ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَفَّانُ: إِمَامٌ، ثِقَةٌ، مَتِيْنٌ، مُتْقِنٌ.
جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ:
يَكُوْنُ عِنْدَ أَحَدِهِم حَدِيْثٌ، فَيُخْرِجُهُ بِالمُقَرِّعَةِ، كَتَبْتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفَيْنِ، وَكَتَبْتُ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفٍ، وَكَتَبْتُ عَنْ وُهَيْبٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: مَا فَوْقَ عَفَّانَ أَحَدٌ فِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَنَاكَدَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِيْرَادِهِ فِي كِتَابِ (الكَامِلِ) ، لكِنَّهُ أَبْدَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيَذُبَّ عَنْهُ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:
سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: أَتُرَى عَفَّانُ كَانَ يَضْبِطُ عَنْ شُعْبَةَ؟ وَاللهِ لَوْ جَهَدَ جَهْدَهُ أَنْ يَضْبِطَ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَانَ بَطِيْئاً رَدِيْءَ الفَهْمِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَفَّانُ أَشْهَرُ وَأَوْثَقُ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِيْهِ شَيْءٌ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ إِلاَّ أَحَادِيْثَ مَرَاسِيْلَ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَغَيْرِهِ، وَصَلَهَا، وَأَحَادِيْثَ مَوْقُوْفَةً رَفَعَهَا، وَهَذَا مِمَّا لاَ يَنْقُصُهُ، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَهِمُ، وَعَفَّانُ كَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ مِصْرَ، كَانَتْ رِحْلَتُهُ إِلَيْهِ خَاصَّةً دُوْنَ غَيْرِهِ.الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: طَلَبْتُ عَفَّانَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالُوا: خَرَجَ.
فَخَرَجتُ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَقِيْلَ: تَوَجَّهَ هَكَذَا.
فَجَعَلْتُ أَمْضِي أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مَقْبُرَةٍ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِ بِنْتِ أَخِي ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ، فَبَزَقْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: سَوْءةٌ لَكَ.
قَالَ: يَا هَذَا! الخُبْزَ الخُبْزَ!
قُلْتُ: لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَكَ.
قَالَ: فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: لاَ تَذْكُرَنَّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي المِحْنَةِ مُقَاماً مَحْمُوْداً عَلَيْهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الكَلاَمِ.
قَالَ الحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ: قُلْتُ لِعَفَّانَ: كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ؟
قَالَ: كُنْتُ قَدْ أَلْحَحْتُ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِي، فَحَلَفتُ لاَ أَكْتُبُ الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فِي تِلْكَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ، فَحَدَّثَ، ثُمَّ خَرَجَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ:نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلَوْلاً.
وَكَانَ بَسَّامٌ لَقَّنَهُ هَمَّاماً، فَلَمَّا فَرَغَهُ، قَالَ لَهُ بَسَّامٌ: مَا حَدَّثَكُم بِهَذَا هَمَّامٌ، وَلاَ حَدَّثَهُ قَتَادَةُ هَمَّاماً.
فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى لِحْيَةِ بَسَّامٍ، وَقَالَ: ادْعُوا لِي صَاحِبَ الرَّبْعِ يَا فَاجِرُ.
قَالَ: فَمَا خَلَّصُوهُ مِنْهُ إِلاَّ بِالجَهْدِ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ: (يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ) .
قَالَ الفَلاَّسُ: فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيْلِ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... فَبَكَى يَحْيَى، وَقَالَ:
اجْتَرَأْتَ عَلَيَّ، ذَهَبَ أَصْحَابِي خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ.
قُلْتُ: مِثْلُ هَذَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ حَدَّثَ بِهِ قَتَادَةُ مَرَّةً، عَنْ جَابِرٍ، فَدَلَّسَهُ كَعَوَائِدِهِ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا العَتِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي أَبُو خَيْثَمَةَ: كُنْتُ أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ كَيْفَ كُنْتَ فِي سَفَرِكَ؟ بَرَّ اللهُ حَجَّكَ.
فَقُلْتُ: لَمْ أَحُجَّ.
قَالَ: مَا شَكَكْتُ أَنَّكَ حَاجٌّ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عُثْمَانَ؟
قَالَ: بِخَيْرٍ، الجَارِيَةُ تَقُوْلُ لِي: أَنْتَ مُصَدَّعٌ وَأَنَا فِي عَافِيَةٍ.
فَقُلْتُ: أَيْشٍ أَكَلْتَ اليَوْمَ؟
قَالَ: أَكَلْتُ أَكْلَةَ رُزٍّ، وَلَيْسَ أَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ إِلَى غَدٍ أَوْ بِالعَشِيِّ، آكُلُ أُخْرَى تَكْفِيْنِي لِغَدٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: فَلَمَّا كَانَ بِالعَشِيِّ، جِئْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى أَبُو خَيْثَمَةَ، فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: إِنَّ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّكَ قَدِ اخْتَلَطْتَ.
فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ يَحْيَى، أَرْجُو أَنْ يُمَتِّعَنِي اللهُ بِعَقْلِي حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ الحَرْبِيُّ: يَكُوْنُ سَاعَةً خَرِفاً، وَسَاعَةً عَقِلاً.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ أَبِي وَيَحْيَى يَقُوْلاَنِ: أَنْكَرْنَا عَفَّانَ فِي
صَفَرٍ، لأَيَّامٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ.قُلْتُ: كُلُّ تَغَيُّرٍ يُوْجَدُ فِي مَرَضِ المَوْتِ، فَلَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الثِّقَةِ، فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَعْتَرِيْهِم فِي المَرَضِ الحَادِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَيَتِمُّ لَهُمْ وَقْتَ السِّيَاقِ وَقَبْلَهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا المَحْذُوْرُ أَنْ يَقَعَ الاخْتِلاَطُ بِالثِّقَةِ، فَيُحَدِّثُ فِي حَالِ اخْتِلاَطِهِ بِمَا يَضْطَرِبُ فِي إِسْنَادِهِ، أَوْ مَتْنِهِ، فَيُخَالَفُ فِيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَوَهْمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي الحِكَايَةِ بِعَيْنِهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَهَذَا هُوَ الحَقُّ، فَإِنَّ عَفَّانَ كَادَ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَقَدْ قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ عَفَّانَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَفَّانُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْلَهَا.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، فِي جَمَاعَةٍ إِذْناً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوْبَ العَتَكِيُّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟) .
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: (أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً؟) .
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: (فَأَفْطِرِي).
مَوْلَى عَزْرَةَ بنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، مُحَدِّثُ العِرَاقِ، أَبُو عُثْمَانَ البَصْرِيُّ، الصَّفَّارُ، بَقِيَّةُ الأَعْلاَمِ.
وُلِدَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ تَحْدِيْداً، أَوْ تَقْرِيْباً.
وَسَمِعَ مِنْ: شُعْبَةَ، وَهِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، وَهَمَّامٍ، وَالحَمَّادَيْنِ، وَصَخْرِ بنِ جُوَيْرِيَةَ، وَدَيْلَمِ بنِ غَزْوَانَ، وَوُهَيْبِ بنِ خَالِدٍ، وَسُلَيْمَانَ بنِ المُغِيْرَةِ، وَالأَسْوَدِ بنِ شَيْبَانَ، وَطَبَقَتِهِم مِنْ مَشْيَخَةِ بَلَدِهِ، وَاسْتَوطَنَ بَغْدَادَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: البُخَارِيُّ، وَحَدِيْثُهُ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ بِوَاسِطَةٍ.
وَحَدَّثَ عَنْهُ أَيْضاً: أَحْمَدُ، وَابْنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَإِسْحَاقُ، وَالفَلاَّسُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالذُّهْلِيُّ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَخَلَفُ بنُ سَالِمٍ، وَابْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَجَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِرٍ، وَهِلاَلُ بنُ العَلاَءِ، وَأَبَوَا زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَالحَسَنُ بنُ سَلاَّمٍ السَّوَّاقُ، وَإِبْرَاهِيْمُ
الحَرْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ الحَسَنِ الحَرْبِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ثِقَةٌ، إِمَامٌ.
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: ثِقَةٌ، مُتْقِنٌ، مَتِيْنٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ العِجْلِيُّ: عَفَّانُ يُكْنَى أَبَا عُثْمَانَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، صَاحِبُ سُنَّةٍ، كَانَ عَلَى مَسَائِلِ مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ القَاضِي، فَجُعِلَ لَهُ عَشْرَةُ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَنْ تَعْدِيْلِ رَجُلٍ، فَلاَ يَقُوْلَ: عَدْلٌ وَلاَ غَيْرُ عَدْلٍ.
فَأَبَى، وَقَالَ: لاَ أُبْطِلُ حَقّاً مِنَ الحُقُوْقِ.
وَكَانَ يَذْهَبُ بِرِقَاعِ المَسَائِلِ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ يَسْأَلُ، فَجَاءَ يَوْماً إِلَى مُعَاذٍ بِالرِّقَاعِ، وَقَدْ تَلَطَّخَتْ بِالنَّاطِفِ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
قَالَ: إِنِّيْ أَذهَبُ إِلَى المَوْضِعِ البَعِيْدِ، فَأَجُوْعُ، فَأَخَذْتُ نَاطِفاً، جَعَلْتُهُ فِي كُمِّي، أَكَلْتُهُ.
الدَّغُوْلِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرِ بنِ خَاقَانَ المَرْوَزِيُّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَنِي عَفَّانُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالَ لِي: عِنْدَك شَيْءٌ نَأْكُلُهُ؟
فَمَا وَجَدْتُ فِي مَنْزِلِي خُبْزاً، وَلاَ دَقِيْقاً، وَلاَ شَيْئاً نَشْتَرِي بِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ عِنْدِي سَوِيْقَ شَعِيْرٍ.
فَقَالَ لِي: أَخْرِجْهُ.
فَأَخْرَجْتُهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَكْلاً جَيِّداً، فَقَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأُعْجُوْبَةٍ؟ شَهِدَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ عِنْدَ القَاضِي مُعَاذِ بنِ مُعَاذٍ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُمَا، فَجَاءَنِي صَاحِبُ الدَّنَانِيْرِ، فَقَالَ: لَكَ نِصْفُهَا، وَتُعَدِّلَ شَاهِدَيَّ.
فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ لَكَ.
قَالَ: وَكَانَ عَفَّانُ عَلَى مَسْأَلَةِ مُعَاذٍ. قَالَ: وَقِيْلَ لِمُعَاذٍ: مَا تَصْنَعُ
بِعَفَّانَ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ؟فَسَكَتَ، فَوَجَّهَهُ يَوْماً فِي مَسْأَلَةٍ، فَذَهَبَ، فَسَأَلَ عَنْهُم، وَجَعَلَ المَسْأَلَةَ فِي كُمِّهِ، وَاشْتَرَى قُبَّيْطاً، وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ، وَجَاءَ، فَأَخْرَجَ إِلَى مُعَاذٍ المَسْأَلَةَ، وَقَدِ اخْتَلَطَ بِهَا القُبَّيْطُ، فَضَحِكَ، وَقَالَ: مَنْ يَلُوْمُنِي عَلَى عَفَّانَ ؟
قَالَ حَنْبَلٌ: حَضَرْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ وَابْنَ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ، بَعْدَ مَا دَعَاهُ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ لِلْمِحْنَةِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ امْتَحَنَ مِنَ النَّاسِ عَفَّانَ، فَسَأَلَهُ يَحْيَى مِنَ الغَدِ بَعْدَ مَا امْتُحِنَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ حَاضِرٌ وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: أَخْبِرْنَا بِمَا قَالَ لَكَ إِسْحَاقُ؟
قَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، لَمْ أُسَوِّدْ وَجْهَكَ، وَلاَ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ، إِنِّيْ لَمْ أُجِبْ.
فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ كَانَ؟
قَالَ: دَعَانِي، وَقَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ الَّذِي كَتَبَ بِهِ المَأْمُوْنُ مِنَ الجَزِيْرَةِ، فَإِذَا فِيْهِ: امْتَحِنْ عَفَّانَ، وَادْعُهُ إِلَى أَنْ يَقُوْلَ: القُرْآنُ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْكَ إِلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَاقْطَعْ عَنْهُ الَّذِي يُجْرَى عَلَيْهِ - وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجْرِي عَلَى عَفَّانَ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ -.
فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيَّ الكِتَابَ، قَالَ لِي إِسْحَاقُ: مَا تَقُوْلُ؟
فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حَتَّى خَتَمْتُهَا.
فَقُلْتُ: أَمَخْلُوْقٌ هَذَا؟
فَقَالَ: يَا شَيْخُ! إِنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ يَقُوْلُ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُجِبْهُ إِلَى الَّذِي يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، يَقْطَعْ عَنْكَ مَا يُجرِي عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} [الذَّارِيَاتُ: 22] .
فَسَكَتَ عَنِّي، وَانْصَرَفْتُ.
فَسُرَّ بِذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى.
قُلْتُ: هَذِهِ الحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى جَلاَلَةِ عَفَّانَ، وَارْتِفَاعِ شَأْنِهِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ، فَإِنَّ غَيْرَهُ امْتُحِنَ، وَقُيِّدَ، وَسُجِنَ، وَعَفَّانُ فَمَا فَعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ قَطْعِ الدَّرَاهِمِ عَنْهُ.قَالَ القَاسِمُ بنُ أَبِي صَالِحٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ دَيْزِيْلَ يَقُوْلُ:
لَمَّا دُعِيَ عَفَّانُ لِلْمِحْنَةِ، كُنْتُ آخِذاً بِلِجَامِ حِمَارِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ، عُرِضَ عَلَيْهِ القَوْلُ، فَامْتَنَعَ أَنْ يُجِيْبَ.
فَقِيْلَ لَهُ: يُحْبَسُ عَطَاؤُكَ - قَالَ: وَكَانَ يُعْطَى فِي كُلِّ شَهْرٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ - فَقَالَ: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُم وَمَا تُوْعَدُوْنَ} .
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دَارِهِ، عَذَلَهُ نِسَاؤُهُ وَمَنْ فِي دَارِهِ.
قَالَ: وَكَانَ فِي دَارِهِ نَحْوُ أَرْبَعِيْنَ إِنْسَاناً، فَدَقَّ عَلَيْهِ دَاقٌّ البَابَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ شَبَّهْتُهُ بِسَمَّانٍ أَوْ زَيَّاتٍ، وَمَعَهُ كِيْسٌ فِيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عُثْمَانُ! ثَبَّتَكَ اللهُ كَمَا ثَبَّتَّ الدِّيْنَ، وَهَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ.
حَاجِبُ الطُّوْسِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ مُنِيْبٍ، قَالَ:
قَالَ عَفَّانُ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَفُلاَنٌ إِلَى حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ سَنَةً، لاَ نَكْتُبُ شَيْئاً، وَسَأَلْنَاهُ الإِمْلاَءَ، فَلَمَّا أَعْيَاهُ، دَعَا بِنَا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ! تُشْلُوْنَ عَلَيَّ النَّاسَ.
قُلْنَا: لاَ نَكْتُبُ إِلاَّ إِمْلاَءً، فَأَملَى بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: إِذَا اخْتَلَفَ أَبُو الوَلِيْدِ وَعَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ، فَالقَوْلُ قَوْلُ عَفَّانَ، عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْهُ، وَأَكْيَسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، وَعَفَّانُ
أَثْبَتُ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ.ابْنُ الغَلاَبِيِّ، قَالَ: ذُكِرَ لابْنِ مَعِيْنٍ عَفَّانُ، وَثَبْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُ عَلِيْهِ خَطَأَهُ فِي غَيْرِ حَدِيْثٍ.
عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ الجَوْهَرِيُّ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّائِغَ، قَالَ:
اجْتَمَعَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَعَفَّانُ: فَقَالَ عَفَّانُ: ثَلاَثَةٌ يُضَعَّفُوْنَ فِي ثَلاَثَةٍ: عَلِيٌّ فِي حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَحْمَدُ فِي إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ فِي شَرِيْكٍ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: وَرَابِعٌ مَعَهُمْ.
قَالَ: مَنْ؟
قَالَ: عَفَّانُ فِي شُعْبَةَ.
ثُمَّ قَالَ الجَوْهَرِيُّ: وَأَرْبَعَتُهُم أَقْوِيَاءُ، وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى المُزَاحِ.
قُلْتُ: وَلأَنَّهُم كَتَبُوا وَهُم صِغَارٌ عَنِ المَذْكُوْرِيْنَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: مَا رَأَيْتُ الأَلْفَاظَ فِي كِتَابِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ أَكْثرَ مِنْهَا عِنْدَ عَفَّانَ، يَعْنِي: أَنْبَأَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَسَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، يَعْنِي: شُعْبَةَ.
قَالَ حَنْبَلٌ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنْ عَفَّانَ، فَقَالَ: عَفَّانُ، وَحَبَّانُ، وَبَهْزٌ: هَؤُلاَءِ المُتَثَبِّتُوْنَ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ عَفَّانُ: كُنْتُ أُوْقِفُ شُعْبَةَ عَلَى الأَخْبَارِ.
قَالَ: وَعَفَّانُ أَضْبَطُهُم لِلأَسَامِي.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ أَبِي عَوْفٍ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:كَانَ عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ يَخْتَلِفُوْنَ إِلَيَّ، فَكَانَ عَفَّانُ أَضْبَطَهُم لِلْحَدِيْثِ، وَأَنْكَدَهُم، عَمِلْتُ عَلَيْهِم مَرَّةً فِي شَيْءٍ، فَمَا فَطِنَ لِي إِلاَّ عَفَّانُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ حَبَّانَ.
قَالَ حَسَّانُ بنُ حَسَنٍ المُجَاشِعِيُّ : قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَفَّانُ:
مَا سَمِعْتُ مِنْ أَحَدٍ حَدِيْثاً إِلاَّ عَرَضْتُ عَلَيْهِ، غَيْرَ شُعْبَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنِّي أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْهِ.
وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَفَّانُ -يَعْنِي: عِنْدَ عَلِيٍّ- فَقَالَ: كَيْفَ أَذْكُرُ رَجُلاً يَشُكُّ فِي حَرْفٍ فَيَضْرِبُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْطُرٍ.
وَسَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَتَيْنَا أَبَا عَوَانَةَ، فَقَالَ: مَنْ عَلَى البَابِ؟
فَقُلْنَا: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ.
فَقَالَ: هَؤُلاَءِ بَلاَءٌ مِنَ البَلاَءِ، قَدْ سَمِعُوا يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَعْرِضُوا.
وَقَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عَفَّانُ يَسْمَعُ بِالغَدَاةِ، وَيَعْرِضُ بِالعَشِيِّ.
وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: مَنْ تَابَعَ عَفَّانُ عَلَى كَذَا؟
فَقَالَ: وَعَفَّانُ يَحْتَاجُ إِلَى مُتَابِعٍ ؟!
وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ يُفْلِتُ مِنَ التَّصْحِيْفِ؟ كَانَ يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ يُشَكِّلُ
الحَرْفَ إِذَا كَانَ شَدِيْداً، وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابَ الشَّكْلِ: عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، وَحَبَّانُ.قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
أَصْحَابُ الحَدِيْثِ خَمْسَةٌ: مَالِكٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعَفَّانُ.
عَبَّاسٌ: عَنِ ابْنِ مَعِيْنٍ، قَالَ:
كَانَ -وَاللهِ- عَفَّانُ أَثْبَتَ مِنْ أَبِي نُعَيْمٍ فِي حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.
مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ النَّسَائِيُّ: سَأَلْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ:
مَنْ أَثْبَتُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، أَوْ عَفَّانُ؟
قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَحْفَظُ لِحَدِيْثِهِ، وَحَدِيْثِ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ رِجَالِ عَفَّانَ فِي الكِتَابِ، وَكَانَ عَفَّانُ أَسَنَّ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ.
وَعَنْ عَفَّانَ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيْثٍ، فَبَعَثَا يَسْأَلاَنِي.
وَقَالَ القَوَارِيْرِيُّ: قَالَ لِي يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ:
مَا أَحَدٌ يُخَالِفُنِي فِي الحَدِيْثِ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ عَفَّانَ.
مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ بَحْرٍ: حَدَّثَنَا الفَلاَّسُ، قَالَ: رَأَيْتُ
يَحْيَى يَوْماً حَدَّثَ بِحَدِيْثٍ، فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا.فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، أَتَيْتُ يَحْيَى، فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ عَفَّانُ، وَلَقَدْ سَأَلْتُ اللهَ أَنْ لاَ يَكُوْنَ عِنْدِي عَلَى خِلاَفِ مَا قَالَ عَفَّانُ.
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ العُلَمَاءُ، فَانْظُرْ يَا مِسْكِيْنُ كَيْفَ أَنْتَ عَنْهُم بِمَعْزِلٍ.
قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: رَأَيْتُ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ يَعْرِضُ عَلَى عَفَّانَ مَا سَمِعَهُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ المُعَيْطِيَّ يَقُوْلُ:
عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ القَطَّانِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فَهْمٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَعِيْنٍ يَقُوْلُ:
عَفَّانُ أَثْبَتُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَخْطَأَ عَفَّانُ قَطُّ إِلاَّ مَرَّةً، فِي حَدِيْثٍ أَنَا لَقَّنْتُهُ إِيَّاهُ، فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ.
قَالَ خَلَفُ بنُ سَالِمٍ: مَا رَأَيْتُ مَنْ يُحْسِنُ الحَدِيْثَ إِلاَّ عَفَّانَ بنَ مُسْلِمٍ، وَبَهْزَ بنَ أَسَدٍ.
قَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مُتْقِنٌ، صَحِيْحُ الكِتَابِ، قَلِيْلُ الخَطَأِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ خِرَاشٍ: عَفَّانُ: ثِقَةٌ، مِنْ خِيَارِ المُسْلِمِيْنَ.وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: عَفَّانُ وَأَبُو نُعَيْمٍ، لاَ أَقْبَلُ قَوْلَهُمَا فِي الرِّجَالِ، لاَ يَدَعُوْنَ أَحَداً إِلاَّ وَقَعُوا فِيْهِ.
يَعْنِي: أَنَّهُ لاَ يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا فِي الجَرْحِ لِتَشْدِيْدِهِمَا، فَأَمَّا إِذَا وَثَّقَا أَحَداً، فَنَاهِيْكَ بِهِ.
وَرَوَى: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَزِمَنَا عَفَّانُ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَكَانَ أَثْبَتَ مِنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: عَفَّانُ: إِمَامٌ، ثِقَةٌ، مَتِيْنٌ، مُتْقِنٌ.
جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ: سَمِعْتُ عَفَّانَ يَقُوْلُ:
يَكُوْنُ عِنْدَ أَحَدِهِم حَدِيْثٌ، فَيُخْرِجُهُ بِالمُقَرِّعَةِ، كَتَبْتُ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفَيْنِ، وَكَتَبْتُ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ زِيَادٍ سِتَّةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفٍ، وَكَتَبْتُ عَنْ وُهَيْبٍ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِأَلْفِ حَدِيْثٍ.
قُلْتُ: مَا فَوْقَ عَفَّانَ أَحَدٌ فِي الثِّقَةِ، وَقَدْ تَنَاكَدَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِيْرَادِهِ فِي كِتَابِ (الكَامِلِ) ، لكِنَّهُ أَبْدَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ لِيَذُبَّ عَنْهُ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ:
سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بنَ حَرْبٍ يَقُوْلُ: أَتُرَى عَفَّانُ كَانَ يَضْبِطُ عَنْ شُعْبَةَ؟ وَاللهِ لَوْ جَهَدَ جَهْدَهُ أَنْ يَضْبِطَ عَنْهُ حَدِيْثاً وَاحِداً، مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، كَانَ بَطِيْئاً رَدِيْءَ الفَهْمِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: عَفَّانُ أَشْهَرُ وَأَوْثَقُ مِنْ أَنْ يُقَالَ فِيْهِ شَيْءٌ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ إِلاَّ أَحَادِيْثَ مَرَاسِيْلَ عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وَغَيْرِهِ، وَصَلَهَا، وَأَحَادِيْثَ مَوْقُوْفَةً رَفَعَهَا، وَهَذَا مِمَّا لاَ يَنْقُصُهُ، فَإِنَّ الثِّقَةَ قَدْ يَهِمُ، وَعَفَّانُ كَانَ قَدْ رَحَلَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ مِنْ مِصْرَ، كَانَتْ رِحْلَتُهُ إِلَيْهِ خَاصَّةً دُوْنَ غَيْرِهِ.الفَسَوِيُّ فِي (تَارِيْخِهِ) : قَالَ سَلَمَةُ بنُ شَبِيْبٍ:
قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: طَلَبْتُ عَفَّانَ فِي مَنْزِلِهِ، قَالُوا: خَرَجَ.
فَخَرَجتُ أَسْأَلُ عَنْهُ، فَقِيْلَ: تَوَجَّهَ هَكَذَا.
فَجَعَلْتُ أَمْضِي أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مَقْبُرَةٍ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِ بِنْتِ أَخِي ذِي الرِّيَاسَتَيْنِ، فَبَزَقْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: سَوْءةٌ لَكَ.
قَالَ: يَا هَذَا! الخُبْزَ الخُبْزَ!
قُلْتُ: لاَ أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَكَ.
قَالَ: فَقَالَ لِي أَحْمَدُ: لاَ تَذْكُرَنَّ هَذَا، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي المِحْنَةِ مُقَاماً مَحْمُوْداً عَلَيْهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الكَلاَمِ.
قَالَ الحَسَنُ الحُلْوَانِيُّ: قُلْتُ لِعَفَّانَ: كَيْفَ لَمْ تَكْتُبْ عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ عَمَّارٍ؟
قَالَ: كُنْتُ قَدْ أَلْحَحْتُ فِي طَلَبِ الحَدِيْثِ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِي، فَحَلَفتُ لاَ أَكْتُبُ الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَقَدِمَ عِكْرِمَةُ فِي تِلْكَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ، فَحَدَّثَ، ثُمَّ خَرَجَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ
أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ:نَهَى رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلَوْلاً.
وَكَانَ بَسَّامٌ لَقَّنَهُ هَمَّاماً، فَلَمَّا فَرَغَهُ، قَالَ لَهُ بَسَّامٌ: مَا حَدَّثَكُم بِهَذَا هَمَّامٌ، وَلاَ حَدَّثَهُ قَتَادَةُ هَمَّاماً.
فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ، فَمَدَّ يَدَهُ إِلَى لِحْيَةِ بَسَّامٍ، وَقَالَ: ادْعُوا لِي صَاحِبَ الرَّبْعِ يَا فَاجِرُ.
قَالَ: فَمَا خَلَّصُوهُ مِنْهُ إِلاَّ بِالجَهْدِ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الفَلاَّسُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَفَعَهُ شُعْبَةُ - قَالَ: (يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الكَلْبُ وَالحِمَارُ وَالمَرْأَةُ) .
قَالَ الفَلاَّسُ: فَقَالَ لَهُ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الخَلِيْلِ، عَنْ جَابِرِ بنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... فَبَكَى يَحْيَى، وَقَالَ:
اجْتَرَأْتَ عَلَيَّ، ذَهَبَ أَصْحَابِي خَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ.
قُلْتُ: مِثْلُ هَذَا يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ حَدَّثَ بِهِ قَتَادَةُ مَرَّةً، عَنْ جَابِرٍ، فَدَلَّسَهُ كَعَوَائِدِهِ، وَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّنَ، أَخْبَرَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا العَتِيْقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ إِسْحَاقَ الجَلاَّبُ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ يَقُوْلُ:
قَالَ لِي أَبُو خَيْثَمَةَ: كُنْتُ أَنَا وَيَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ عِنْدَ عَفَّانَ فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَجِدُكَ؟ كَيْفَ كُنْتَ فِي سَفَرِكَ؟ بَرَّ اللهُ حَجَّكَ.
فَقُلْتُ: لَمْ أَحُجَّ.
قَالَ: مَا شَكَكْتُ أَنَّكَ حَاجٌّ.
ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَا عُثْمَانَ؟
قَالَ: بِخَيْرٍ، الجَارِيَةُ تَقُوْلُ لِي: أَنْتَ مُصَدَّعٌ وَأَنَا فِي عَافِيَةٍ.
فَقُلْتُ: أَيْشٍ أَكَلْتَ اليَوْمَ؟
قَالَ: أَكَلْتُ أَكْلَةَ رُزٍّ، وَلَيْسَ أَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ إِلَى غَدٍ أَوْ بِالعَشِيِّ، آكُلُ أُخْرَى تَكْفِيْنِي لِغَدٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: فَلَمَّا كَانَ بِالعَشِيِّ، جِئْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى أَبُو خَيْثَمَةَ، فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: إِنَّ يَحْيَى يَقُوْلُ: إِنَّكَ قَدِ اخْتَلَطْتَ.
فَقَالَ: لَعَنَ اللهُ يَحْيَى، أَرْجُو أَنْ يُمَتِّعَنِي اللهُ بِعَقْلِي حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ الحَرْبِيُّ: يَكُوْنُ سَاعَةً خَرِفاً، وَسَاعَةً عَقِلاً.
أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: سَمِعْتُ أَبِي وَيَحْيَى يَقُوْلاَنِ: أَنْكَرْنَا عَفَّانَ فِي
صَفَرٍ، لأَيَّامٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ بَعْدَ أَيَّامٍ.قُلْتُ: كُلُّ تَغَيُّرٍ يُوْجَدُ فِي مَرَضِ المَوْتِ، فَلَيْسَ بِقَادِحٍ فِي الثِّقَةِ، فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ يَعْتَرِيْهِم فِي المَرَضِ الحَادِّ نَحْوُ ذَلِكَ، وَيَتِمُّ لَهُمْ وَقْتَ السِّيَاقِ وَقَبْلَهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا المَحْذُوْرُ أَنْ يَقَعَ الاخْتِلاَطُ بِالثِّقَةِ، فَيُحَدِّثُ فِي حَالِ اخْتِلاَطِهِ بِمَا يَضْطَرِبُ فِي إِسْنَادِهِ، أَوْ مَتْنِهِ، فَيُخَالَفُ فِيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَتُوُفِّيَ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَوَهْمٌ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي الحِكَايَةِ بِعَيْنِهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَهَذَا هُوَ الحَقُّ، فَإِنَّ عَفَّانَ كَادَ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يَلْحَقَهُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَقَدْ قَالَ: شَهِدْتُ جِنَازَةَ عَفَّانَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ: مَاتَ عَفَّانُ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْلَهَا.
وَقَالَ مُطَيَّنٌ، وَابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: عَاشَ خَمْساً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.
أَخْبَرَنَا شَيْخُ الإِسْلاَمِ شَمْسُ الدِّيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي عُمَرَ، فِي جَمَاعَةٍ إِذْناً، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ هِبَةُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ البَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدِ
بنِ شَاكِرٍ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوْبَ العَتَكِيُّ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -:أَنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟) .
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: (أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً؟) .
قَالَتْ: لاَ.
قَالَ: (فَأَفْطِرِي).