الأَوْزَاعِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرِو بنِ يُحْمَدَ
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ.
كَانَ يَسْكُنُ بِمَحَلَّةِ الأَوْزَاعِ، وَهِيَ العُقَيْبَةُ الصَّغِيْرَةُ، ظَاهِرَ بَابِ الفَرَادِيْسِ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْرُوْتَ مُرَابِطاً بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ اليَمَامِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ العَنْسِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيِّ، وَحَفْصِ بنِ عِنَانَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُحَارِبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيِّ، وَشَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَغَيْرِهِم.وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي حَيَاةِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَمَالِكٌ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَالهِقْلُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الحِمْصِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: الأَوْزَاعُ: بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَهُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ ثِقَةً.قَالَ: وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ خَيِّراً، فَاضِلاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حُجَّةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَوْزَاعِ، بَلْ نَزَلَ فِيْهِم.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ:
لَيْسَ هُوَ مِنَ الأَوْزَاعِ، هُوَ ابْنُ عَمِّ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ لَحّاً، إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ قَرْيَةَ الأَوْزَاعِ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَابِ الفَرَادِيْسِ.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: الأَوْزَاعُ: اسْمٌ وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مَشْهُوْرٍ بِرَبَضِ دِمَشْقَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ سَكَنَهُ بَقَايَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَالأَوْزَاعُ: الفِرَقُ، تَقُوْل: وَزَّعْتُهُ، أَيْ: فَرَّقْتُهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: اسْمُ الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، فَسَمَّى نَفْسَه: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ سَبْيِ السِّنْدِ، نَزَلَ فِي الأَوْزَاعِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ الكِتَابَةَ، وَالتَّرسُّلَ، وَرَسَائِلُه تُؤْثَرُ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَطَائِفَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ مُحْتَلِماً، أَوْ شَبِيْهاً بِالمُحْتَلِمِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَشَذَّ: مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ، فَهَذَا خَطَأٌ.قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَمَنْشَؤُهُ بِالكَرْكِ - قَرْيَةٌ بِالبِقَاعِ - ثُمَّ نَقَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى بَيْرُوْتَ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: فَمَا رَأَيتُ أَبِي يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، تَعَجُّبَهُ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُوْلُ:
سُبْحَانَكَ، تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ! كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَتِيْماً فَقِيْراً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، تَنقُلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيْهِ أَنْ بَلَّغْتَه حَيْثُ رَأَيتُه، يَا بُنَيَّ! عَجَزَتِ المُلُوْكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلاَدَهَا أَدَبَ الأَوْزَاعِيِّ فِي نَفْسِهِ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلاَّ احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا إِلَى إِثْبَاتِهَا عَنْهُ، وَلاَ رَأَيتُهُ ضَاحِكاً قَطُّ حَتَّى يُقَهْقِهَ، وَلقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ المَعَادِ، أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: أَتُرَى فِي المَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ؟!
الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، عَنْ شُيُوْخِهِم، قَالُوا:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَاتَ أَبِي وَأَنَا صَغِيْرٌ، فَذَهَبتُ أَلعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَمَرَّ بِنَا فُلاَنٌ - وَذَكَرَ شَيْخاً جَلِيْلاً مِنَ العَرَبِ - فَفَرَّ الصِّبْيَانُ حِيْنَ رَأَوْهُ، وَثَبَتُّ أَنَا، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! يَرْحَمُ اللهُ أَبَاكَ.
فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَكُنْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغتُ، فَأَلحَقَنِي فِي الدِّيْوَانِ، وَضَرَبَ عَلَيْنَا بَعثاً إِلَى اليَمَامَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا، وَدَخَلنَا مَسْجِدَ الجَامِعِ، وَخَرَجنَا، قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا:
رَأَيتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ مُعْجَباً بِكَ، يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ فِي هَذَا البَعْثِ أَهدَى مِنْ هَذَا الشَّابِّ!
قَالَ: فَجَالَستُهُ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كِتَاباً، أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ خَرَجَ فِي بَعْثِ اليَمَامَةِ، فَأَتَى مَسْجِدَهَا، فَصَلَّى، وَكَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ قَرِيْباً مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى صَلاَتِه، فَأَعْجَبَتْه، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ بَلَدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ الأَوْزَاعِيُّ الدِّيْوَانَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً يَكْتُبُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ:
يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُبَادِرَ البَصْرَةَ لَعَلَّكَ تُدرِكُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَتَأْخُذَ عَنْهُمَا.
فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ حَيٌّ.
فَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَادَهُ، وَمَكَثَ أَيَّاماً، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
قَالَ: كَانَ بِهِ البَطَنُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فَوْقَ الرَّبْعَةِ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، بِهِ سُمْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ.
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أُرِيْدُ الحَسَنَ، وَمُحَمَّداً، فَوَجَدتُ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَوَجَدتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ مَرِيْضاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيُّ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي الهِقْلُ، قَالَ:
أَجَابَ الأَوْزَاعِيُّ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ النَّاسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُوْنَ: الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ هُوَ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأُمَيَّةَ بنِ يَزِيْدَ: أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ مَكْحُوْلٍ؟
قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُوْلٍ.
قُلْتُ: بِلاَ رَيْبٍ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ مِنْ مَكْحُوْلٍ.
مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: كَانَ قَدْ جَمَعَ العِبَادَةَ وَالعِلْمَ وَالقَوْلَ بِالحَقِّ.قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
بَلَغَ الثَّوْرِيَّ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - مَقْدَمُ الأَوْزَاعِيِّ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً، فَلَمَّا لَقِيَهُ، حَلَّ رَسَنَ البَعِيْرِ مِنَ القِطَارِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بِجَمَاعَةٍ، قَالَ: الطَّرِيْقَ لِلشَّيْخِ.
رَوَى نَحْوَهَا: المُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ.
وَرَوَى شَبِيْهاً بِهَا: إِسْحَاقُ بنُ عَبَّادٍ الخُتَّلِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ ... بِنَحْوِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ:
أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ عِلْماً مِنْ صَاحِبِه، وَلاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَالآخَرُ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ لِلإِمَامَةِ -.
مَسْلَمَةُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ.
الشَّاذَكُوْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنَىً، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ: لِمَ لاَ تَرفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوْعِ وَرَفْعِهِ؟
فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ ...، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَوَى لَكَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيْدَ رَجُلٍ ضَعِيْفِ الحَدِيْثِ،
وَحَدِيْثُه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؟!فَاحْمَرَّ وَجْهُ سُفْيَانَ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: قُمْ بِنَا إِلَى المَقَامِ نَلْتَعِنْ أَيُّنَا عَلَى الحَقِّ.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ لَمَّا رَآهُ قَدِ احْتَدَّ.
عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ! فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ، وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه، وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا الأَوْزَاعِيَّ - يُرِيْدُ: الخِلاَفَةَ -.
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: لَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَعَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
لَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالأَوْزَاعِيَّ.
وَلَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ أَحَدَهُمَا، لاَختَرتُ الأَوْزَاعِيَّ؛ لأَنَّهُ أَرفَقُ الرَّجُلَينِ.
وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا المَعْنَى: أَبُو أُسَامَةَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّمَا النَّاسُ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَالثَّوْرِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى: مُضْطَرِبٌ.
الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيْثِهِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مَالِكٍ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالأَوْزَاعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالشَّافِعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ.
قُلْتُ: فَفُلاَنٌ؟
قَالَ: لاَ رَأْيٌ، وَلاَ حَدِيْثٌ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ: أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ حَدِيْثُه ضَعِيْفٌ مِنْ كَوْنِهِ يَحتَجُّ بِالمَقَاطِيْعِ، وَبِمَرَاسِيْلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَفِي ذَلِكَ ضَعفٌ، لاَ أَنَّ الإِمَامَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيْفٌ.قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَثْبُتُ فِي مُصَلاَّهُ، يَذْكُرُ اللهَ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ، وَيُخْبِرُنَا عَنِ السَّلَفِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ هَدْيَهُم، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قَامَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَأَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي دِيْنِه.
عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ الزُّهْرِيُّ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي.
وَدَفعَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي.
فَقَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، قَالَ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: نَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ نُحَدِّثُ بِهَا -يَعْنِي: الصَّحِيْفَةَ-.
قَالَ الوَلِيْدُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ:
كَانَ هَذَا العِلْمُ كَرِيْماً، يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ بَيْنَهُم، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الكُتُبِ، دَخَلَ فِيْهِ غَيْرُ أَهْلِهِ.
وَرَوَى مِثْلَهَا: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
وَلاَ رَيبَ أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الصُّحُفِ وَبِالإِجَازَةِ يَقَعُ فِيْهِ خَلَلٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ نَقْطٌ وَلاَ شَكْلٌ، فَتَتَصَحَّفُ الكَلِمَةُ بِمَا يُحِيْلُ المَعْنَى، وَلاَ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ التَّحدِيْثُ مِنَ الحِفْظِ، يَقَعُ فِيْهِ الوَهْمُ، بِخِلاَفِ الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابٍ مُحَرَّرٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ يَقُوْلُ:
احْتَرَقَتْ
كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنُسَخِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ.فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ: قِيْلَ لِلأَوْزَاعِيِّ:
يَا أَبَا عَمْرٍو! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ لَحْنٌ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ.
مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ، قَالَ:
كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ، فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا.
فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ - وَكَانَ مِنْ أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً.
قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ، لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ فِي الآفَاقِ.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مَعَ بَرَاعَتِهِ فِي العِلْمِ، وَتَقَدُّمِهِ فِي العَمَلِ كَمَا تَرَى، رَأْساً فِي التَّرَسُّلِ -رَحِمَهُ اللهُ-.الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الخُشُوْعِ فِي الصَّلاَةِ؟
قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَخَفْضُ الجَنَاحِ، وَلِيْنُ القَلْبِ، وَهُوَ الحُزْنُ، الخَوْفُ.
قَالَ: وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِمَامٍ تَرَكَ سَجدَةً سَاهِياً حَتَّى قَامَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ.
قَالَ: يَسْجُدُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُم سَجدَةً وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ.
وَسَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: وَسَأَلْتُهُ: مَنِ الأَبْلَهُ ؟
قَالَ: العَمِيُّ عَنِ الشَّرِّ، البَصِيْرُ بِالخَيْرِ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخطَأَتْ يَدُ الحَاصِدِ، أَوْ جَنَتْ يَدُ القَاطِفِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ عَلَيْهِ سَبِيْلٌ، إِنَّمَا هُوَ لِلمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيْلِ.
رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
وَلِيَ الأَوْزَاعِيُّ القَضَاءَ لِيَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، فَجَلَسَ مَجْلِساً، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِيَ، وَوَلَّى يَزِيْدُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى الغَسَّانِيَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قُتِلَ بِالغُوْطَةِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: إِذَا اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ عَلَى أَمرٍ فَهُوَ سُنَّةٌ.
قُلْتُ: بَلِ السُّنَّةُ: مَا سَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ مِنْ بَعْدِهِ، وَالإِجْمَاعُ: هُوَ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، إِجْمَاعاً ظَنِّياً أَوْ سُكُوتِيّاً، فَمَنْ شَذَّ عَنْ هَذَا الإِجْمَاعِ مِنَ التَّابِعِيْنَ، أَوْ تَابِعِيْهِم لِقَوْلٍ بِاجْتِهَادِه، احْتُمِلَ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ خَالَفَ الثَّلاَثَةَ المَذْكُوْرِيْنَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، فَلاَ يُسَمَّى
مُخَالِفاً لِلإِجْمَاعِ، وَلاَ لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُم إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ حَقٌّ غَالِباً، كَمَا نَقُوْلُ اليَوْمَ: لاَ يَكَادُ يُوجَدُ الحَقُّ فِيْمَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الاجْتِهَادِ الأَرْبَعَةُ عَلَى خِلاَفِه، مَعَ اعْتِرَافِنَا بِأَنَّ اتِّفَاقَهُم عَلَى مَسْأَلَةٍ، لاَ يَكُوْنُ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ، وَنَهَابُ أَنْ نَجْزِمَ فِي مَسْأَلَةٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، بِأَنَّ الحَقَّ فِي خِلاَفِهَا.وَمِنْ غَرَائِبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّ الفَخِذَ لَيْسَتْ فِي الحَمَّامِ عَوْرَةً، وَأَنَّهَا فِي المَسْجِدِ عَوْرَةٌ، وَلَهُ مَسَائِلُ كَثِيْرَةٌ حَسَنَةٌ يَنفَرِدُ بِهَا، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ فِي الكُتُبِ الكِبَارِ، وَكَانَ لَهُ مَذْهَبٌ مُسْتَقِلٌّ مَشْهُوْرٌ، عَمِلَ بِهِ فُقَهَاءُ الشَّامِ مُدَّةً، وَفُقَهَاءُ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ فَنِيَ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيُّ:
أَرَادُوا الأَوْزَاعِيَّ عَلَى القَضَاءِ، فَامْتنَعَ، وَأَبَى، فَتَرَكُوْهُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ:
أَنَّهُ وَعَظَ، فَقَالَ فِي مَوْعِظَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ! تَقَوَّوْا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَصْبَحتُم فِيْهَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ نَارِ اللهِ المُوْقَدَةِ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ، فَإِنَّكُم فِي دَارٍ، الثَّوَاءُ فِيْهَا قَلِيْلٌ، وَأَنْتُم مُرْتَحِلُوْنَ وَخَلاَئِفُ بَعْدَ القُرُوْنِ، الَّذِيْنَ اسْتَقَالُوا مِنَ الدُّنْيَا زَهْرَتَهَا، كَانُوا أَطوَلَ مِنْكُم أَعمَاراً، وَأَجَدَّ أَجسَاماً، وَأَعْظَمَ آثَاراً، فَجَدَّدُوا الجِبَالَ، وَجَابُوا الصُّخُورَ، وَنَقَّبُوا فِي البِلاَدِ، مُؤَيَّدِيْنَ بِبَطشٍ شَدِيْدٍ، وَأَجسَامٍ كَالعِمَادِ، فَمَا لَبِثَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أَنْ طَوَتْ مُدَّتَهُم، وَعَفَّتْ آثَارَهُم، وَأَخْوَتْ مَنَازِلَهُم، وَأَنْسَتْ ذِكْرَهُم: {فَمَا تُحِسُّ مِنْهُم مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ تَسْمَعُ لَهُمْ
رِكْزاً } ، كَانُوا بِلَهوِ الأَمَلِ آمِنِيْنَ، وَلِمِيْقَاتِ يَوْمٍ غَافِلِيْنَ، وَلِصَبَاحِ قَوْمٍ نَادِمِيْنَ، ثُمَّ إِنَّكُم قَدْ عَلِمْتُم مَا نَزَلَ بِسَاحْتِهِم بَيَاتاً مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ، فَأَصْبَحَ كَثِيْرٌ مِنْهُم فِي دِيَارِهِم جَاثِمِيْنَ، وَأَصْبَحَ البَاقُوْنَ يَنْظُرُوْنَ فِي آثَارِ نِقَمِهِ، وَزَوَالِ نِعَمِهِ، وَمَسَاكِنَ خَاوِيَةً، فِيْهَا آيَةٌ لِلَّذِيْنَ يَخَافُوْنَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخشَى، وَأَصْبَحتُم فِي أَجَلٍ مَنْقُوْصٍ، وَدُنْيَا مَقْبُوْضَةٍ، فِي زَمَانٍ قَدْ وَلَّى عَفْوُهُ، وَذَهَبَ رَخَاؤُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ حُمَةُ شَرٍّ، وَصُبَابَةُ كَدَرٍ، وَأَهَاوِيلُ غِيَرٍ، وَأَرْسَالُ فِتَنٍ، وَرُذَالَةُ خَلَفٍ.الحَكَمُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ:
مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! عَمَّنْ أَحْمِلُ العِلْمَ؟
قَالَ: (عَنْ هَذَا) ، وَأَشَارَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بِي، وَأَوْقَفَانِي بَيْنَ يَدَي رَبِّ العِزَّةِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ؟
فَقُلْتُ: بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَهَبَطَا بِي حَتَّى رَدَّانِي إِلَى مَكَانِي.
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْهُ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ:
جلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ فِي الجَامِعِ، فَقَالَ: أَنَا مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ، أَتَيتُهُ، فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى فِي الصَّحْنِ، فَقَالَ: مَا أَخَذْتُمُ السَّرِيْرَ -يَعْنِي: النَّعْشَ- خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ.قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ رَحِمَكَ اللهُ؟
قَالَ: هُوَ الَّذِي أَقُوْلُ لَكَ، رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ طَائِراً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِ هَذِهِ القُبَّةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: فُلاَنٌ قَدَرِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُلِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: فَمَا جَاءتِ الظُّهرُ حَتَّى مَاتَ، وَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِه.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ، مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي.
قَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
مَنْ أَطَال قِيَامَ اللَّيْلِ، هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ وُقُوفَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ يَقُوْلُ:
حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَمَا رَأَيتُهُ مُضْطَجِعاً فِي المَحْمِلِ فِي لِيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطُّ، كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، اسْتَنَدَ إِلَى القَتْبِ.
وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ سَلاَّمٍ، قَالَ: نَزَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي، فَفَرَشْنَا لَهُ فِرَاشاً، فَأَصْبَحَ عَلَى حَالِهِ، وَنَزَعْتُ خُفَّيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُبَطَّنٌ بِثَعْلَبٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ
الأَوْزَاعِيُّ بَاكِياً قَطُّ، وَلاَ ضَاحِكاً حَتَّى تَبدُوَ نَوَاجِذُه، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ أَحْيَاناً - كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ - وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَقُرْآناً، وَبُكَاءً.وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ: أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاَّهُ، فَتَجِدُهُ رَطْباً مِنْ دُمُوْعِهِ فِي اللَّيْلِ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! لَوْ كُنَّا نَقْبَلُ مِنَ النَّاسِ كُلَّ مَا يَعرِضُونَ عَلَيْنَا، لأَوشَكَ أَنْ نَهُوْنَ عَلَيْهِم.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ، وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِالقَوْلِ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَنجَلِي، وَأَنْتَ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ لِي الأَوْزَاعِيُّ:
يَا بَقِيَّةُ! لاَ تَذْكُرْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، يَا بَقِيَّةُ! العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُم، فَلَيْسَ بِعِلْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلاَّ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ القَاضِي عَبْدُ الوَاسِعِ الشَّافِعِيُّ، وَعِدَّةٌ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي فِي كِتَابِ (الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ) لَهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:كُنَّا وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ، نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ شَرّاً، فَتَحَ عَلَيْهِمُ الجَدَلَ، وَمَنَعهُمُ العَمَلَ.
مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ مِنَ البَصْرَةِ: إِنْ كَانَتِ الدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنَّ أُلْفَةَ الإِسْلاَمِ بَيْنَ أَهْلِهَا جَامِعَةٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: كَتَبَ إِلَيَّ - وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ - هُوَ عَلَى المَجَازِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ أَكْمَهَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنِ الأَعْمَى، إِنَّمَا وَقَعَتْ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَتَبَ، وَلَمْ يُسَمِّ فِي الحَدِيْثِ، فَفِي ذَلِكَ انْقِطَاعٌ بَيِّنٌ.
خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
جِئْتُ إِلَى بَيْرُوْتَ أُرَابِطُ فِيْهَا، فَلَقِيْتُ سَوْدَاءَ عِنْدَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا سَوْدَاءُ! أَيْنَ العِمَارَةُ؟
قَالَتْ: أَنْتَ فِي العِمَارَةِ، وَإِنْ أَرَدْتَ الخرَابَ، فَبَينَ يَدَيْكَ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
وَقَعَ عِنْدَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ بِبَيْرُوْتَ، وَكَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ لَهُ فَضْلٌ، فَحَدَّثَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً رَاكِباً، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِ الجَرَادَةِ وَعِظَمِ الرَّجُلِ.
قَالَ: وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَحْمَرَانِ طَوِيْلاَنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا بَاطِلَةٌ، وَبَاطِلٌ مَا فِيْهَا.
وَيُوْمِئُ
بِيَدِهِ، حَيْثمَا أَومَأَ، انْسَابَ الجَرَادُ إِلَى ذَلِكَ المَوْضِعِ.رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ.
ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، يَقُوْلُ مَكْحُوْلٌ: مَا أَحرَصَ ابْنَ أَبِي مَالِكٍ عَلَى القَضَاءِ!
فَقَالَ: لقَدْ كُنْتُ مِمَّنْ سَدَّدَ لِي رَأْيِي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أُرِيْدَ عَلَى القَضَاءِ فِي أَيَّامِ يَزِيْدَ النَّاقِصِ، فَامْتَنَعَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيُّ- جَلَسَ لَهُم مَجْلِساً وَاحِداً.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الغَمْرِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الغَمْرِ، قَالَ:
لَمَّا جَلَّتِ المِحنَةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِالأَوْزَاعِيِّ - لَمَّا نَزَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ حَمَاةَ - بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأُشْخِصَ.
قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ الحِمْصِيِّ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ ثَوْرٌ يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، إِلَى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ وَأَنَا سَاكِتٌ - مَا أَجَابَهُ بِحَرْفٍ - فَلَمَّا انْفَجَرَ الفَجْرُ، صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ حَمَاةَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ:
يَا أَوْزَاعِيُّ! أَيُعَدُّ مَقَامُنَا هَذَا،
وَمَسِيْرُنَا رِبَاطاً؟فَقُلْتُ: جَاءتِ الآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ) ... ، ثُمَّ سَاقَ القِصَّةَ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ المَلِكِ بنُ الفَارِسِيِّ - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ -يَعْنِي: عَمَّ السَّفَّاحِ- مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفاً
وَسَبْعِيْنَ مِنْهُم بِالكَافِركُوبَاتَ.فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
فَحِدْتُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمتُ مِنْ حَيْثُ حِدْتَ، فَأَجِبْ.
قَالَ: وَمَا لَقِيْتُ مُفَوَّهاً مِثْلَه، فَقُلْتُ: كَانَ لَهُم عَلَيْكَ عَهْدٌ.
قَالَ: فَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم وَلاَ عَهْدَ، مَا تَقُوْلُ فِي دِمَائِهِم؟
قُلْتُ: حَرَامٌ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ... ) ، الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: وَلِمَ، وَيْلَكَ؟!
وَقَالَ: أَلَيْسَتِ الخِلاَفَةُ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، قَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِصِفِّيْنَ ؟
قُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مَا رَضِيَ بِالحَكَمَيْنِ.
فَنَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسْتُ، فَأَطَلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: البَولَ.
فَأَشَارَ بِيَدِهِ: اذْهَبْ.
فَقُمْتُ، فَجَعَلتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلاَّ قُلْتُ: إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى: حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ عُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ القَارِئُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ سِمَاطَانِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي مَخْرَجِنَا وَمَا نَحْنُ فِيْهِ؟
قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ.
قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي.
فَتَفَكَّرْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: لأَصْدُقَنَّهُ.
وَاسْتَبسَلْتُ لِلْمَوْتِ، ثُمَّ رَوَيتُ لَهُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَعْمَالِ، وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ؟
قُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ
يَحِلُّ قَتْلُ المُسْلِمِ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ ... ) ، وَسَاقَ الحَدِيْثَ.فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الخِلاَفَةِ، وَصِيَّةٌ لَنَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَرَكَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحَداً يَتَقَدَّمُهُ.
قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُم حَلاَلاً، فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِم حَرَاماً، فَهِيَ عَلَيْكَ أَحرَمُ.
فَأَمَرَنِي، فَأُخْرِجْتُ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ مَلِكاً جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، صَعبَ المِرَاسِ، وَمَعَ هَذَا فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ الَّذِيْنَ يُحَسِّنُوْنَ لِلأُمَرَاءِ مَا يَقْتَحِمُوْنَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْفِ، وَيَقلِبُوْنَ لَهُمُ البَاطِلَ حَقّاً - قَاتَلَهُمُ اللهُ - أَوْ يَسكُتُوْنَ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى بَيَانِ الحَقِّ.
خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا الحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَارِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ التَّنُوْخِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ المَنْصُوْرُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي عُنُقِكَ مَا جَعَلَ اللهُ لِرَعِيَّتِهِ قَبْلَكَ فِي عُنُقِهِ، فَاكتُبْ إِلَيَّ بِمَا رَأَيتَ فِيْهِ المَصْلَحَةَ مِمَّا أَحْبَبْتَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَتوَاضَعْ، يَرْفَعْكَ اللهُ يَوْمَ يَضَعُ المُتَكَبِّرِيْنَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنْ تَزِيْدَ حَقَّ اللهِ عَلَيْكَ إِلاَّ عِظَماً، وَلاَ طَاعَتَه إِلاَّ وُجُوباً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ.
وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً، إِلاَّ سُلِبَ الوَرَعَ.
رَوَاهَا: بَقِيَّةُ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عُرَيْبٍ، عَنْهُ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُوْلُ قَلِيْلاً، وَيَعمَلُ كَثِيْراً، وَإِنَّ المُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ كَثِيْراً، وَيَعْمَلُ قَلِيْلاً.
قَالَ بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ - قَاضِي المَصِّيْصَةِ -: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ.وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ يُقَالُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِيْنَ لِغَيْرِ العِبَادَةِ، وَالمُسْتَحِلِّينَ الحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لاَ تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ: رَأَيتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَي البَابِ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِه، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُوْنَ رَدَّهُ، فَرَدُّوْهُ، فَزَالَ، ثُمَّ أَعَادُوْهُ.
قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَلاَ تُمْسِكُ مَعَنَا؟) .
فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُم، حَتَّى رَدُّوْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا الحَوَارِيُّ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، اسْتَعفَى مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ، فَأَجَابَهُ أَبُو جَعْفَرٍ.
فَلَمَّا خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالُوا لَهُ، فَقَالَ: لَمْ يُحْرِمْ فِيْهِ مُحْرِمٌ، وَلاَ كُفِّنَ فِيْهِ مَيِّتٌ، وَلَمْ يُزَيَّنْ فِيْهِ عَرُوْسٌ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العِشْرِيْنَ:
سَمِعْتُ أَمِيْراً كَانَ بِالسَّاحِلِ يَقُوْلُ - وَقَدْ دَفَنَّا الأَوْزَاعِيَّ، وَنَحْنُ عِنْدَ القَبْرِ -: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلاَّنِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: رَأَيتُ كَأَنَّ رَيْحَانَةً مِنَ المَغْرِبِ رُفِعَتْ.
قَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، فَقَدْ مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ.
فَكَتَبُوا ذَلِكَ، فَوُجِدَ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الحَمَّامِ.
أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى المِصْرِيُّ: حَدَّثَنِي خَيْرَانُ بنُ العَلاَءِ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ - قَالَ:دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ الحَمَّامَ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ حَاجَةٌ، فَأَغلَقَ عَلَيْهِ البَابَ وَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَوَجَدَ الأَوْزَاعِيَّ مَيِّتاً، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ:
بَلَغَنَا مَوْتُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَ الحَمَّامِ غَيْرَ مُتَعَمِّدَةٍ، فَمَاتَ، فَأَمَرَهَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِعَتقِ رَقَبَةٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ سِوَى سِتَّةِ دَنَانِيْرَ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ، وَكَانَ قَدِ اكْتُتِبَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي دِيْوَانِ السَّاحِلِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
سَبَبُ مَوْتِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ اخْتَضَبَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَدْخَلَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ كَانُوناً فِيْهِ فَحمٌ، لِئَلاَّ يُصِيْبَهُ البَرْدُ، وَأَغلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَّا، فَلَمَّا هَاجَ الفَحمُ، ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَعَالَجَ البَابَ لِيَفْتَحَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ، فَوَجَدْنَاهُ مُوَسِّداً ذِرَاعَهُ إِلَى القِبْلَةِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الأَوْزَاعِيِّ، خَرَجْتُ، فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيتُ نَصْرَانِيّاً قَدْ ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ، فَلَمْ يَزَلِ المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ يَعْرِفُوْنَ لَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجنَا فِي جَنَازَتِه أَرْبَعَةَ أُمَمٍ، فَحَمَلَهُ المُسْلِمُوْنَ، وَخَرَجَتِ اليَهُوْدُ فِي نَاحِيَةٍ، وَالنَّصَارَى فِي نَاحِيَةٍ، وَالقِبْطُ فِي نَاحِيَةٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
فَوَهِمَ هِشَامٌ؛ لأَنَّ صَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ رَوَى عَنِ الوَلِيْدِ: هُوَ، وَغَيْرُهُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: مَاتَ سَنَةَ
سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.وَزَادَ بَعْضُهُم، فَقَالَ: فِي صَفَرٍ، وَفِيْهَا مَاتَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الآدَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ يَزِيْدُ بنُ مَذْعُوْرٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فِي مَنَامِي، فَقُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى دَرَجَةٍ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ.
فَقَالَ: مَا رَأَيتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ العُلَمَاءِ، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُوْنِيْنَ.
تَرْجَمَةُ الأَوْزَاعِيِّ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ) فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالشَّامِ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ مُدَوَّرَةٍ بِلاَ عَذَبَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ إِملاَءً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ - أَظُنُّهَا الأَطبَارَ - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعمِدَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ.
فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي، وَأَخَذَ اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ، وَأَدخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ، حَتَّى أَقَامُوْنِي مُقَاماً يُسْمَعُ كَلاَمِي، فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ
يُرِيْدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم عُهُودٌ.فَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا.
فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ القَتْلَ، فَذَكَرتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُم عَلَيْكَ حَرَامٌ.
فَغَضِبَ، وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! وَلِمَ؟!
قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِيْنِهِ ) .
قَالَ: وَيْحَكَ! أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟!
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟
قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ، مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ.
فَسَكَتَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَباً، فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ.
فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوْهُ -.
فَخَرَجتُ، فَرَكِبتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوْنِي، فَنَزَلتُ إِلَى الأَرْضِ، فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ - وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي - فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيْرِ، فَخُذْهَا.
فَأَخَذتُهَا، فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ مَنْزِلِي.
فَقَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أُرِدْكَ أَنْ تَحِيْدَ حِيْنَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
لاَ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُم.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ نَجِيْحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنِي عَوْنُ بنُ حَكِيْمٍ، قَالَ:حَجَجْتُ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، فَلَمَّا أَتَى المَدِيْنَةَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، بَلَغَ مَالِكاً مَقْدَمُهُ، فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّيَا الظُّهرَ، تَذَاكَرَا أَبْوَابَ العِلْمِ، فَلَمْ يَذْكُرَا بَاباً، إِلاَّ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْهِ.
ثُمَّ صَلَّوُا العَصْرَ، فَتَذَاكَرَا، كُلٌّ يَذْهَبُ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْمَا يَأْخُذَانِ فِيْهِ، حَتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَرُبَ اصْفِرَارُهَا، نَاظَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ المُكَاتَبَةِ وَالمُدَبَّرِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَذَكَرَ الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ عَجَباً، كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيْهِ الأَثَرُ، فَيَرُدُّ -وَاللهِ- الجَوَابَ كَمَا هُوَ فِي الأَثَرِ، لاَ يُقَدِّمُ مِنْهُ وَلاَ يُؤَخِّرُ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ أَحْمَلَ فِيْمَا حَمَلَ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَرَضتُ فِيْمَا حُمِلَ عَنِّي أَصَحَّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ.
أَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: الأَوْزَاعِيُّ أَوْ سُفْيَانُ؟
فَقَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ سُفْيَانَ؟
قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! ذَهَبَتْ بِكَ العِرَاقِيَّةُ، الأَوْزَاعِيُّ، فِقْهُهُ، وَفَضْلُه، وَعِلْمُه.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتُرَانِي أُؤثِرُ عَلَى الحَقِّ شَيْئاً، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَذْنَا العَطَاءَ حَتَّى شَهِدْنَا عَلَى عَلِيٍّ بِالنِّفَاقِ، وَتَبَرَّأْنَا مِنْهُ، وَأُخِذَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ
الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ وَأَيْمَانُ البَيْعَةِ.قَالَ: فَلَمَّا عَقَلْتُ أَمرِي، سَأَلْتُ مَكْحُوْلاً، وَيَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ مُكْرَهٌ.
فَلَمْ تَقَرَّ عَيْنِي، حَتَّى فَارَقْتُ نِسَائِي، وَأَعتَقْتُ رَقِيْقِي، وَخَرَجْتُ مِنْ مَالِي، وَكَفَّرْتُ أَيْمَانِي، فَأَخْبِرْنِي: سُفْيَانُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ فُلاَنٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
نَتَجَنَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ خَمْساً، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ خَمْساً:
مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ: شُرْبُ المُسْكِرِ، وَالأَكلُ عِنْدَ الفَجْرِ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ جُمُعَةَ إِلاَّ فِي سَبْعَةِ أَمصَارٍ، وَتَأَخَيْرُ العَصْرِ حَتَّى يَكُوْنَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةُ أَمثَالِه، وَالفِرَارُ يَوْمَ الزَّحفِ.
وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ: اسْتِمَاعُ المَلاَهِي، وَالجَمعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَالمُتعَةُ بِالنِّسَاءِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَالدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارَيْنِ يَداً بِيَدٍ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهنِّ.
عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ - صَاحِبِ الأَوْزَاعِيِّ -: قَدِمَ أَبُو مَرْحُوْمٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، فَأَهدَى لَهُ طَرَائِفَ، فَقَالَ لَهُ:إِنْ شِئْتَ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنِّي حَرْفاً، وَإِنْ شِئْتَ، فَضُمَّ هَدِيَّتَكَ، وَاسْمَعْ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:
مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى.
مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
كُنَّا نَضحَكُ وَنَمزَحُ، فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا، خَشِيْتُ أَنْ لاَ يَسَعَنَا التَّبَسُّمُ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَعْتَمُّ، فَلاَ يُرْخِي لَهَا شَيْئاً.
ذَكَرَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: أَنَّ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ نَحْوُ الأَلفِ -يَعْنِي: المُسْنَدَ- أَمَّا المُرْسَلُ وَالمَوْقُوْفُ، فَأُلُوفٌ.
وَهُوَ فِي الشَّامِيِّينَ نَظِيْرُ مَعْمَرٍ لِلْيَمَانِيِّينَ، وَنَظِيْرُ الثَّوْرِيِّ لِلْكُوْفِيِّينَ، وَنَظِيْرُ مَالِكٍ لِلْمَدَنِيِّينَ، وَنَظِيْرُ اللَّيْثِ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَنَظِيْرُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ لِلْبَصْرِيِّينَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ بِهَا، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ
أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ:قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ، فَاجْتَوَوُا المَدِيْنَةَ، فَأَمَرَهُم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَتَوْهَا، فَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ.
فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهِم قَافَةً، فَأَتَى بِهِم، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرَجُلَهُم، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُم.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعَيْبٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ السِّنْدِيُّ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُوْلِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ، إِلاَّ النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ اللَّفْظِ، لَوْلاَ لِيْنٌ فِي مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيِّ لَصُحِّحَ.أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ: الحَسَنِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ.
وَأَخْرَجَهُ: الحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي (المُخْتَارَةِ) ، عَنْ هَذَا الأَسَدِيِّ.
شَيْخُ الإِسْلاَمِ، وَعَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ، أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ.
كَانَ يَسْكُنُ بِمَحَلَّةِ الأَوْزَاعِ، وَهِيَ العُقَيْبَةُ الصَّغِيْرَةُ، ظَاهِرَ بَابِ الفَرَادِيْسِ بِدِمَشْقَ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى بَيْرُوْتَ مُرَابِطاً بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ.
حَدَّثَ عَنْ: عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، وَمَكْحُوْلٍ، وَقَتَادَةَ، وَالقَاسِمِ بنِ مُخَيْمِرَةَ، وَرَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ القَصِيْرِ، وَبِلاَلِ بنِ سَعْدٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدَةَ بنِ أَبِي لُبَابَةَ، وَيَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ، وَأَبِي كَثِيْرٍ السُّحَيْمِيِّ اليَمَامِيِّ، وَحَسَّانِ بنِ عَطِيَّةَ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ عُبَيْدِ بنِ أَبِي المُهَاجِرِ، وَمُطْعِمِ بنِ المِقْدَامِ، وَعُمَيْرِ بنِ هَانِئ العَنْسِيِّ، وَيُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ اليَحْصُبِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَالحَارِثِ بنِ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيِّ، وَحَفْصِ بنِ عِنَانَ، وَسَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُحَارِبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بنِ حَبِيْبٍ المُحَارِبِيِّ، وَشَدَّادٍ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، وَعَبْدِ الوَاحِدِ بنِ قَيْسٍ، وَأَبِي النَّجَاشِيِّ عَطَاءِ بنِ صُهَيْبٍ، وَعَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، وَعِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ، وَعَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، وَابْنِ المُنْكَدِرِ، وَمَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ، وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالوَلِيْدِ بنِ هِشَامٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ مِنَ التَّابِعِيْنَ، وَغَيْرِهِم.وَكَانَ مَوْلِدُهُ: فِي حَيَاةِ الصَّحَابَةِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَشُعْبَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَيُوْنُسُ بنُ يَزِيْدَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ، وَمَالِكٌ، وَسَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، وَيَحْيَى بنُ حَمْزَةَ القَاضِي، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَالوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، وَالمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، وَشُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ، وَالهِقْلُ بنُ زِيَادٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَأَبُو المُغِيْرَةِ الحِمْصِيُّ، وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيْلُ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، وَعَمْرُو بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ، وَيَحْيَى البَابْلُتِّيُّ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ العُذْرِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: الأَوْزَاعُ: بَطْنٌ مِنْ هَمْدَانَ، وَهُوَ مِنْ أَنْفُسِهِم، وَكَانَ ثِقَةً.قَالَ: وَوُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ، وَكَانَ خَيِّراً، فَاضِلاً، مَأْمُوْناً، كَثِيْرَ العِلْمِ وَالحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، حُجَّةً.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
وَأَمَّا البُخَارِيُّ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الأَوْزَاعِ، بَلْ نَزَلَ فِيْهِم.
قَالَ الهَيْثَمُ بنُ خَارِجَةَ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ:
لَيْسَ هُوَ مِنَ الأَوْزَاعِ، هُوَ ابْنُ عَمِّ يَحْيَى بنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ لَحّاً، إِنَّمَا كَانَ يَنْزِلُ قَرْيَةَ الأَوْزَاعِ، إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَابِ الفَرَادِيْسِ.
قَالَ ضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ: الأَوْزَاعُ: اسْمٌ وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ مَشْهُوْرٍ بِرَبَضِ دِمَشْقَ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّهُ سَكَنَهُ بَقَايَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَالأَوْزَاعُ: الفِرَقُ، تَقُوْل: وَزَّعْتُهُ، أَيْ: فَرَّقْتُهُ.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: اسْمُ الأَوْزَاعِيِّ: عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو، فَسَمَّى نَفْسَه: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ سَبْيِ السِّنْدِ، نَزَلَ فِي الأَوْزَاعِ، فَغَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَانَ فَقِيْهَ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَتْ صَنْعَتُهُ الكِتَابَةَ، وَالتَّرسُّلَ، وَرَسَائِلُه تُؤْثَرُ.
قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ، وَطَائِفَةٌ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِيْنَ.
ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ مُحْتَلِماً، أَوْ شَبِيْهاً بِالمُحْتَلِمِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ.
وَشَذَّ: مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَقَالَ: مَوْلِدِي سَنَةَ ثَلاَثٍ
وَتِسْعِيْنَ، فَهَذَا خَطَأٌ.قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: مَوْلِدُهُ بِبَعْلَبَكَّ، وَمَنْشَؤُهُ بِالكَرْكِ - قَرْيَةٌ بِالبِقَاعِ - ثُمَّ نَقَلَتْهُ أُمُّهُ إِلَى بَيْرُوْتَ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: فَمَا رَأَيتُ أَبِي يَتَعَجَّبُ مِنْ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، تَعَجُّبَهُ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، فَكَانَ يَقُوْلُ:
سُبْحَانَكَ، تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ! كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَتِيْماً فَقِيْراً فِي حَجْرِ أُمِّهِ، تَنقُلُهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقَدْ جَرَى حُكْمُكَ فِيْهِ أَنْ بَلَّغْتَه حَيْثُ رَأَيتُه، يَا بُنَيَّ! عَجَزَتِ المُلُوْكُ أَنْ تُؤَدِّبَ نَفْسَهَا وَأَوْلاَدَهَا أَدَبَ الأَوْزَاعِيِّ فِي نَفْسِهِ، مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً قَطُّ فَاضِلَةً إِلاَّ احْتَاجَ مُسْتَمِعُهَا إِلَى إِثْبَاتِهَا عَنْهُ، وَلاَ رَأَيتُهُ ضَاحِكاً قَطُّ حَتَّى يُقَهْقِهَ، وَلقَدْ كَانَ إِذَا أَخَذَ فِي ذِكْرِ المَعَادِ، أَقُوْلُ فِي نَفْسِي: أَتُرَى فِي المَجْلِسِ قَلْبٌ لَمْ يَبْكِ؟!
الفَسَوِيُّ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، عَنْ شُيُوْخِهِم، قَالُوا:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَاتَ أَبِي وَأَنَا صَغِيْرٌ، فَذَهَبتُ أَلعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، فَمَرَّ بِنَا فُلاَنٌ - وَذَكَرَ شَيْخاً جَلِيْلاً مِنَ العَرَبِ - فَفَرَّ الصِّبْيَانُ حِيْنَ رَأَوْهُ، وَثَبَتُّ أَنَا، فَقَالَ: ابْنُ مَنْ أَنْتَ؟
فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! يَرْحَمُ اللهُ أَبَاكَ.
فَذَهَبَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَكُنْتُ مَعَهُ حَتَّى بَلَغتُ، فَأَلحَقَنِي فِي الدِّيْوَانِ، وَضَرَبَ عَلَيْنَا بَعثاً إِلَى اليَمَامَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا، وَدَخَلنَا مَسْجِدَ الجَامِعِ، وَخَرَجنَا، قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا:
رَأَيتُ يَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ مُعْجَباً بِكَ، يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ فِي هَذَا البَعْثِ أَهدَى مِنْ هَذَا الشَّابِّ!
قَالَ: فَجَالَستُهُ، فَكَتَبْتُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كِتَاباً، أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، فَاحْتَرَقَ كُلُّهُ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ جَرِيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَيُّوْبَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ خَرَجَ فِي بَعْثِ اليَمَامَةِ، فَأَتَى مَسْجِدَهَا، فَصَلَّى، وَكَانَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ قَرِيْباً مِنْهُ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى صَلاَتِه، فَأَعْجَبَتْه، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ إِلَيْهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ بَلَدِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ الأَوْزَاعِيُّ الدِّيْوَانَ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً يَكْتُبُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ:
يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُبَادِرَ البَصْرَةَ لَعَلَّكَ تُدرِكُ الحَسَنَ وَابْنَ سِيْرِيْنَ، فَتَأْخُذَ عَنْهُمَا.
فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمَا، فَوَجَدَ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَابْنُ سِيْرِيْنَ حَيٌّ.
فَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَادَهُ، وَمَكَثَ أَيَّاماً، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
قَالَ: كَانَ بِهِ البَطَنُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فَوْقَ الرَّبْعَةِ، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، بِهِ سُمْرَةٌ، يَخْضِبُ بِالحِنَّاءِ.
مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
خَرَجْتُ أُرِيْدُ الحَسَنَ، وَمُحَمَّداً، فَوَجَدتُ الحَسَنَ قَدْ مَاتَ، وَوَجَدتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ مَرِيْضاً.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَصَنَّفَ الأَوْزَاعِيُّ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي الهِقْلُ، قَالَ:
أَجَابَ الأَوْزَاعِيُّ فِي سَبْعِيْنَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ، أَوْ نَحْوِهَا.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ النَّاسَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ يَقُوْلُوْنَ: الأَوْزَاعِيُّ اليَوْمَ عَالِمُ الأُمَّةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ هُوَ عَالِمُ أَهْلِ الشَّامِ.
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شُعَيْبٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لأُمَيَّةَ بنِ يَزِيْدَ: أَيْنَ الأَوْزَاعِيُّ مِنْ مَكْحُوْلٍ؟
قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَرْفَعُ مِنْ مَكْحُوْلٍ.
قُلْتُ: بِلاَ رَيْبٍ هُوَ أَوسَعُ دَائِرَةً فِي العِلْمِ مِنْ مَكْحُوْلٍ.
مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: كَانَ قَدْ جَمَعَ العِبَادَةَ وَالعِلْمَ وَالقَوْلَ بِالحَقِّ.قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ الأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
بَلَغَ الثَّوْرِيَّ - وَهُوَ بِمَكَّةَ - مَقْدَمُ الأَوْزَاعِيِّ، فَخَرَجَ حَتَّى لَقِيَهُ بِذِي طُوَىً، فَلَمَّا لَقِيَهُ، حَلَّ رَسَنَ البَعِيْرِ مِنَ القِطَارِ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَقْبَتِه، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ بِهِ، فَإِذَا مَرَّ بِجَمَاعَةٍ، قَالَ: الطَّرِيْقَ لِلشَّيْخِ.
رَوَى نَحْوَهَا: المُحَدِّثُ سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ الوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عَاصِمٍ.
وَرَوَى شَبِيْهاً بِهَا: إِسْحَاقُ بنُ عَبَّادٍ الخُتَّلِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ الثَّوْرِيَّ ... بِنَحْوِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: دَخَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ عَلَى مَالِكٍ، فَلَمَّا خَرَجَا، قَالَ:
أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ عِلْماً مِنْ صَاحِبِه، وَلاَ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ، وَالآخَرُ يَصْلُحُ لِلإِمَامَةِ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيَّ لِلإِمَامَةِ -.
مَسْلَمَةُ بنُ ثَابِتٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ: الأَوْزَاعِيُّ إِمَامٌ يُقتَدَى بِهِ.
الشَّاذَكُوْنِيُّ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ بِمِنَىً، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ: لِمَ لاَ تَرفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوْعِ وَرَفْعِهِ؟
فَقَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي زِيَادٍ ...، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: رَوَى لَكَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُعَارِضُنِي بِيَزِيْدَ رَجُلٍ ضَعِيْفِ الحَدِيْثِ،
وَحَدِيْثُه مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ؟!فَاحْمَرَّ وَجْهُ سُفْيَانَ، فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَأَنَّك كَرِهْتَ مَا قُلْتُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: قُمْ بِنَا إِلَى المَقَامِ نَلْتَعِنْ أَيُّنَا عَلَى الحَقِّ.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ لَمَّا رَآهُ قَدِ احْتَدَّ.
عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ مِثْلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ! فَأَمَّا الأَوْزَاعِيُّ فَكَانَ رَجُلَ عَامَّةٍ، وَأَمَّا الثَّوْرِيُّ فَكَانَ رَجُلَ خَاصَّةِ نَفْسِه، وَلَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا الأَوْزَاعِيَّ - يُرِيْدُ: الخِلاَفَةَ -.
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: لَوْ خُيَّرتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ لَهَا أَبَا إِسْحَاقَ الفَزَارِيَّ.
قَالَ الخُرَيْبِيُّ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ.
وَعَنْ نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، قَالَ:
لَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، لاَختَرتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، وَالأَوْزَاعِيَّ.
وَلَوْ قِيْلَ لِي: اخْتَرْ أَحَدَهُمَا، لاَختَرتُ الأَوْزَاعِيَّ؛ لأَنَّهُ أَرفَقُ الرَّجُلَينِ.
وَكَذَا قَالَ فِي هَذَا المَعْنَى: أَبُو أُسَامَةَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: إِنَّمَا النَّاسُ فِي زَمَانِهِم أَرْبَعَةٌ: حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَالثَّوْرِيُّ بِالكُوْفَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: حَدِيْثُ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى: مُضْطَرِبٌ.
الرَّبِيْعُ المُرَادِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ رَجُلاً أَشْبَهَ فِقْهُهُ بِحَدِيْثِهِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ: مَا تَقُوْلُ فِي مَالِكٍ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالأَوْزَاعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ ضَعِيْفٌ، وَرَأْيٌ ضَعِيْفٌ.
قُلْتُ: فَالشَّافِعِيُّ؟
قَالَ: حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، وَرَأْيٌ صَحِيْحٌ.
قُلْتُ: فَفُلاَنٌ؟
قَالَ: لاَ رَأْيٌ، وَلاَ حَدِيْثٌ.
قُلْتُ: يُرِيْدُ: أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ حَدِيْثُه ضَعِيْفٌ مِنْ كَوْنِهِ يَحتَجُّ بِالمَقَاطِيْعِ، وَبِمَرَاسِيْلِ أَهْلِ الشَّامِ، وَفِي ذَلِكَ ضَعفٌ، لاَ أَنَّ الإِمَامَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيْفٌ.قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَثْبُتُ فِي مُصَلاَّهُ، يَذْكُرُ اللهَ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ، وَيُخْبِرُنَا عَنِ السَّلَفِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ هَدْيَهُم، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قَامَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْضٍ، فَأَفَاضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي دِيْنِه.
عُمَرُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ الزُّهْرِيُّ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي.
وَدَفعَ إِلَى يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْرٍ صَحِيْفَةً، فَقَالَ: ارْوِهَا عَنِّي.
فَقَالَ ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ، قَالَ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: نَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ نُحَدِّثُ بِهَا -يَعْنِي: الصَّحِيْفَةَ-.
قَالَ الوَلِيْدُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ:
كَانَ هَذَا العِلْمُ كَرِيْماً، يَتَلاَقَاهُ الرِّجَالُ بَيْنَهُم، فَلَمَّا دَخَلَ فِي الكُتُبِ، دَخَلَ فِيْهِ غَيْرُ أَهْلِهِ.
وَرَوَى مِثْلَهَا: ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
وَلاَ رَيبَ أَنَّ الأَخْذَ مِنَ الصُّحُفِ وَبِالإِجَازَةِ يَقَعُ فِيْهِ خَلَلٌ، وَلاَ سِيَّمَا فِي ذَلِكَ العَصْرِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ نَقْطٌ وَلاَ شَكْلٌ، فَتَتَصَحَّفُ الكَلِمَةُ بِمَا يُحِيْلُ المَعْنَى، وَلاَ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الأَخْذِ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ التَّحدِيْثُ مِنَ الحِفْظِ، يَقَعُ فِيْهِ الوَهْمُ، بِخِلاَفِ الرِّوَايَةِ مِنْ كِتَابٍ مُحَرَّرٍ.
مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: سَمِعْتُ الوَلِيْدَ يَقُوْلُ:
احْتَرَقَتْ
كُتُبُ الأَوْزَاعِيِّ زَمَنَ الرَّجْفَةِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ قُنْدَاقاً، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِنُسَخِهَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو! هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِكَ، وَإِصلاَحُكَ بِيَدِكَ.فَمَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا.
وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ: قِيْلَ لِلأَوْزَاعِيِّ:
يَا أَبَا عَمْرٍو! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ لَحْنٌ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ.
مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي مُزَاحِمٍ: عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللهِ كَاتِبِ المَنْصُوْرِ، قَالَ:
كَانَتْ تَرِدُ عَلَى المَنْصُوْرِ كُتُبٌ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، نَتَعَجَّبُ مِنْهَا، وَيَعْجَزُ كُتَّابُهُ عَنْهَا، فَكَانَتْ تُنسَخُ فِي دَفَاتِرَ، وَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَي المَنْصُوْرِ، فَيُكْثِرُ النَّظَرَ فِيْهَا اسْتِحْسَاناً لأَلفَاظِهَا.
فَقَالَ لِسُلَيْمَانَ بنِ مُجَالِدٍ - وَكَانَ مِنْ أَحظَى كُتَّابِهِ عِنْدَهُ -: يَنْبَغِي أَنْ تُجِيْبَ الأَوْزَاعِيَّ عَنْ كُتُبِهِ جَوَاباً تَامّاً.
قَالَ: وَاللهِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا أُحْسِنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أُحسِنُ، وَإِنَّ لَهُ نَظماً فِي الكُتُبِ، لاَ أَظُنُّ أَحَداً مِنْ جَمِيْعِ النَّاسِ يَقدِرُ عَلَى إِجَابَتِهِ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْتَعِيْنُ بِأَلفَاظِهِ عَلَى مَنْ لاَ يَعرِفُهَا مِمَّنْ نُكَاتِبُهُ فِي الآفَاقِ.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مَعَ بَرَاعَتِهِ فِي العِلْمِ، وَتَقَدُّمِهِ فِي العَمَلِ كَمَا تَرَى، رَأْساً فِي التَّرَسُّلِ -رَحِمَهُ اللهُ-.الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الخُشُوْعِ فِي الصَّلاَةِ؟
قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَخَفْضُ الجَنَاحِ، وَلِيْنُ القَلْبِ، وَهُوَ الحُزْنُ، الخَوْفُ.
قَالَ: وَسُئِلَ الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِمَامٍ تَرَكَ سَجدَةً سَاهِياً حَتَّى قَامَ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ.
قَالَ: يَسْجُدُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُم سَجدَةً وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ.
وَسَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: وَسَأَلْتُهُ: مَنِ الأَبْلَهُ ؟
قَالَ: العَمِيُّ عَنِ الشَّرِّ، البَصِيْرُ بِالخَيْرِ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخطَأَتْ يَدُ الحَاصِدِ، أَوْ جَنَتْ يَدُ القَاطِفِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ عَلَيْهِ سَبِيْلٌ، إِنَّمَا هُوَ لِلمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيْلِ.
رَوَى: أَبُو مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ:
وَلِيَ الأَوْزَاعِيُّ القَضَاءَ لِيَزِيْدَ بنِ الوَلِيْدِ، فَجَلَسَ مَجْلِساً، ثُمَّ اسْتَعفَى، فَأُعْفِيَ، وَوَلَّى يَزِيْدُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى الغَسَّانِيَّ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى قُتِلَ بِالغُوْطَةِ.
قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: إِذَا اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ عَلَى أَمرٍ فَهُوَ سُنَّةٌ.
قُلْتُ: بَلِ السُّنَّةُ: مَا سَنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالخُلَفَاءُ الرَّاشِدُوْنَ مِنْ بَعْدِهِ، وَالإِجْمَاعُ: هُوَ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الأُمَّةِ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، إِجْمَاعاً ظَنِّياً أَوْ سُكُوتِيّاً، فَمَنْ شَذَّ عَنْ هَذَا الإِجْمَاعِ مِنَ التَّابِعِيْنَ، أَوْ تَابِعِيْهِم لِقَوْلٍ بِاجْتِهَادِه، احْتُمِلَ لَهُ، فَأَمَّا مَنْ خَالَفَ الثَّلاَثَةَ المَذْكُوْرِيْنَ مِنْ كِبَارِ الأَئِمَّةِ، فَلاَ يُسَمَّى
مُخَالِفاً لِلإِجْمَاعِ، وَلاَ لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا مُرَادُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُم إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى مَسْأَلَةٍ، فَهُوَ حَقٌّ غَالِباً، كَمَا نَقُوْلُ اليَوْمَ: لاَ يَكَادُ يُوجَدُ الحَقُّ فِيْمَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الاجْتِهَادِ الأَرْبَعَةُ عَلَى خِلاَفِه، مَعَ اعْتِرَافِنَا بِأَنَّ اتِّفَاقَهُم عَلَى مَسْأَلَةٍ، لاَ يَكُوْنُ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ، وَنَهَابُ أَنْ نَجْزِمَ فِي مَسْأَلَةٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا، بِأَنَّ الحَقَّ فِي خِلاَفِهَا.وَمِنْ غَرَائِبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ الأَوْزَاعِيُّ: أَنَّ الفَخِذَ لَيْسَتْ فِي الحَمَّامِ عَوْرَةً، وَأَنَّهَا فِي المَسْجِدِ عَوْرَةٌ، وَلَهُ مَسَائِلُ كَثِيْرَةٌ حَسَنَةٌ يَنفَرِدُ بِهَا، وَهِيَ مَوْجُوْدَةٌ فِي الكُتُبِ الكِبَارِ، وَكَانَ لَهُ مَذْهَبٌ مُسْتَقِلٌّ مَشْهُوْرٌ، عَمِلَ بِهِ فُقَهَاءُ الشَّامِ مُدَّةً، وَفُقَهَاءُ الأَنْدَلُسِ، ثُمَّ فَنِيَ.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوْتِيُّ:
أَرَادُوا الأَوْزَاعِيَّ عَلَى القَضَاءِ، فَامْتنَعَ، وَأَبَى، فَتَرَكُوْهُ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: عَنِ الهِقْلِ بنِ زِيَادٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ:
أَنَّهُ وَعَظَ، فَقَالَ فِي مَوْعِظَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ! تَقَوَّوْا بِهَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَصْبَحتُم فِيْهَا عَلَى الهَرَبِ مِنْ نَارِ اللهِ المُوْقَدَةِ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ، فَإِنَّكُم فِي دَارٍ، الثَّوَاءُ فِيْهَا قَلِيْلٌ، وَأَنْتُم مُرْتَحِلُوْنَ وَخَلاَئِفُ بَعْدَ القُرُوْنِ، الَّذِيْنَ اسْتَقَالُوا مِنَ الدُّنْيَا زَهْرَتَهَا، كَانُوا أَطوَلَ مِنْكُم أَعمَاراً، وَأَجَدَّ أَجسَاماً، وَأَعْظَمَ آثَاراً، فَجَدَّدُوا الجِبَالَ، وَجَابُوا الصُّخُورَ، وَنَقَّبُوا فِي البِلاَدِ، مُؤَيَّدِيْنَ بِبَطشٍ شَدِيْدٍ، وَأَجسَامٍ كَالعِمَادِ، فَمَا لَبِثَتِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أَنْ طَوَتْ مُدَّتَهُم، وَعَفَّتْ آثَارَهُم، وَأَخْوَتْ مَنَازِلَهُم، وَأَنْسَتْ ذِكْرَهُم: {فَمَا تُحِسُّ مِنْهُم مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ تَسْمَعُ لَهُمْ
رِكْزاً } ، كَانُوا بِلَهوِ الأَمَلِ آمِنِيْنَ، وَلِمِيْقَاتِ يَوْمٍ غَافِلِيْنَ، وَلِصَبَاحِ قَوْمٍ نَادِمِيْنَ، ثُمَّ إِنَّكُم قَدْ عَلِمْتُم مَا نَزَلَ بِسَاحْتِهِم بَيَاتاً مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ، فَأَصْبَحَ كَثِيْرٌ مِنْهُم فِي دِيَارِهِم جَاثِمِيْنَ، وَأَصْبَحَ البَاقُوْنَ يَنْظُرُوْنَ فِي آثَارِ نِقَمِهِ، وَزَوَالِ نِعَمِهِ، وَمَسَاكِنَ خَاوِيَةً، فِيْهَا آيَةٌ لِلَّذِيْنَ يَخَافُوْنَ العَذَابَ الأَلِيمَ، وَعِبْرَةٌ لِمَنْ يَخشَى، وَأَصْبَحتُم فِي أَجَلٍ مَنْقُوْصٍ، وَدُنْيَا مَقْبُوْضَةٍ، فِي زَمَانٍ قَدْ وَلَّى عَفْوُهُ، وَذَهَبَ رَخَاؤُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ حُمَةُ شَرٍّ، وَصُبَابَةُ كَدَرٍ، وَأَهَاوِيلُ غِيَرٍ، وَأَرْسَالُ فِتَنٍ، وَرُذَالَةُ خَلَفٍ.الحَكَمُ بنُ مُوْسَى: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، قَالَ:
مَا كُنْتُ أَحْرِصُ عَلَى السَّمَاعِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَالأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَنْبِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! عَمَّنْ أَحْمِلُ العِلْمَ؟
قَالَ: (عَنْ هَذَا) ، وَأَشَارَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
قُلْتُ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ كَبِيْرَ الشَّأْنِ.
قَالَ عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيْسِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
رَأَيتُ كَأَنَّ مَلَكَينِ عَرَجَا بِي، وَأَوْقَفَانِي بَيْنَ يَدَي رَبِّ العِزَّةِ، فَقَالَ لِي: أَنْتَ عَبْدِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَّذِي تَأْمُرُ بِالمَعْرُوْفِ؟
فَقُلْتُ: بِعِزَّتِكَ أَنْتَ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَهَبَطَا بِي حَتَّى رَدَّانِي إِلَى مَكَانِي.
رَوَاهَا: عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، عَنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْهُ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ البَيْرُوْتِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ شُعَيْبٍ، قَالَ:
جلَسْتُ إِلَى شَيْخٍ فِي الجَامِعِ، فَقَالَ: أَنَا مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ اليَوْمُ، أَتَيتُهُ، فَإِذَا بِهِ يَتَفَلَّى فِي الصَّحْنِ، فَقَالَ: مَا أَخَذْتُمُ السَّرِيْرَ -يَعْنِي: النَّعْشَ- خُذُوهُ قَبْلَ أَنْ تُسْبَقُوا إِلَيْهِ.قُلْتُ: مَا تَقُوْلُ رَحِمَكَ اللهُ؟
قَالَ: هُوَ الَّذِي أَقُوْلُ لَكَ، رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ طَائِراً وَقَعَ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَركَانِ هَذِهِ القُبَّةِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: فُلاَنٌ قَدَرِيٌّ، وَفُلاَنٌ كَذَا، وَعُثْمَانُ بنُ أَبِي العَاتِكَةِ نِعْمَ الرَّجُلِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَوْزَاعِيُّ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَأَنْتَ مَيِّتٌ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: فَمَا جَاءتِ الظُّهرُ حَتَّى مَاتَ، وَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِه.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: كَانَ الأَوْزَاعِيُّ مِنَ العِبَادَةِ عَلَى شَيْءٍ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ قَوِيَ عَلَيْهِ، مَا أَتَى عَلَيْهِ زَوَالٌ قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي.
قَالَ مَرْوَانُ الطَّاطَرِيُّ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
مَنْ أَطَال قِيَامَ اللَّيْلِ، هَوَّنَ اللهُ عَلَيْهِ وُقُوفَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
صَفْوَانُ بنُ صَالِحٍ، قَالَ:
كَانَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ يَقُوْلُ: مَا رَأَيتُ أَكْثَرَ اجْتِهَاداً فِي العِبَادَةِ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
مُحَمَّدُ بنُ سَمَاعَةَ الرَّمْلِيُّ: سَمِعْتُ ضَمْرَةَ بنَ رَبِيْعَةَ يَقُوْلُ:
حَجَجْنَا مَعَ الأَوْزَاعِيِّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَةٍ، فَمَا رَأَيتُهُ مُضْطَجِعاً فِي المَحْمِلِ فِي لِيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ قَطُّ، كَانَ يُصَلِّي، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ، اسْتَنَدَ إِلَى القَتْبِ.
وَعَنْ سَلَمَةَ بنِ سَلاَّمٍ، قَالَ: نَزَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي، فَفَرَشْنَا لَهُ فِرَاشاً، فَأَصْبَحَ عَلَى حَالِهِ، وَنَزَعْتُ خُفَّيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُبَطَّنٌ بِثَعْلَبٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيُّ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ: مَا رُئِيَ
الأَوْزَاعِيُّ بَاكِياً قَطُّ، وَلاَ ضَاحِكاً حَتَّى تَبدُوَ نَوَاجِذُه، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ أَحْيَاناً - كَمَا رُوِيَ فِي الحَدِيْثِ - وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ صَلاَةً، وَقُرْآناً، وَبُكَاءً.وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ إِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ: أَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تَدْخُلُ مَنْزِلَ الأَوْزَاعِيِّ، وَتَتَفَّقَدُ مَوْضِعَ مُصَلاَّهُ، فَتَجِدُهُ رَطْباً مِنْ دُمُوْعِهِ فِي اللَّيْلِ.
أَبُو مُسْهِرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! لَوْ كُنَّا نَقْبَلُ مِنَ النَّاسِ كُلَّ مَا يَعرِضُونَ عَلَيْنَا، لأَوشَكَ أَنْ نَهُوْنَ عَلَيْهِم.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبِي: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
عَلَيْك بِآثَارِ مَنْ سَلَفَ، وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بِالقَوْلِ، فَإِنَّ الأَمْرَ يَنجَلِي، وَأَنْتَ عَلَى طَرِيْقٍ مُسْتَقِيْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ: قَالَ لِي الأَوْزَاعِيُّ:
يَا بَقِيَّةُ! لاَ تَذْكُرْ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ نَبِيِّكَ إِلاَّ بِخَيْرٍ، يَا بَقِيَّةُ! العِلْمُ مَا جَاءَ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا لَمْ يَجِئْ عَنْهُم، فَلَيْسَ بِعِلْمٍ.
قَالَ بَقِيَّةُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ:
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ يَجْتَمِعُ حُبُّ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِلاَّ فِي قَلْبِ مُؤْمِنٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ القَاضِي عَبْدُ الوَاسِعِ الشَّافِعِيُّ، وَعِدَّةٌ، عَنْ أَبِي الفَتْحِ المَنْدَائِيِّ، أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ البَيْهَقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي فِي كِتَابِ (الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ ) لَهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الحَافِظُ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيُّ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيُّ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:كُنَّا وَالتَّابِعُوْنَ مُتَوَافِرُوْنَ، نَقُوْلُ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- فَوْقَ عَرْشِه، وَنُؤمِنُ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ صِفَاتِهِ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
إِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ شَرّاً، فَتَحَ عَلَيْهِمُ الجَدَلَ، وَمَنَعهُمُ العَمَلَ.
مُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ: حَدَّثَنَا الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ مِنَ البَصْرَةِ: إِنْ كَانَتِ الدَّارُ فَرَّقَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإِنَّ أُلْفَةَ الإِسْلاَمِ بَيْنَ أَهْلِهَا جَامِعَةٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: كَتَبَ إِلَيَّ - وَفِي بَعْضِ حَدِيْثِهِ يَقُوْلُ: كَتَبَ إِلَيَّ قَتَادَةُ - هُوَ عَلَى المَجَازِ، فَإِنَّ قَتَادَةَ وُلِدَ أَكْمَهَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَكْتُبُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنِ الأَعْمَى، إِنَّمَا وَقَعَتْ بِوَاسِطَةِ مَنْ كَتَبَ، وَلَمْ يُسَمِّ فِي الحَدِيْثِ، فَفِي ذَلِكَ انْقِطَاعٌ بَيِّنٌ.
خَيْثَمَةُ بنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
جِئْتُ إِلَى بَيْرُوْتَ أُرَابِطُ فِيْهَا، فَلَقِيْتُ سَوْدَاءَ عِنْدَ المَقَابِرِ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا سَوْدَاءُ! أَيْنَ العِمَارَةُ؟
قَالَتْ: أَنْتَ فِي العِمَارَةِ، وَإِنْ أَرَدْتَ الخرَابَ، فَبَينَ يَدَيْكَ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ عَبُّوْدٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ:
وَقَعَ عِنْدَنَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ بِبَيْرُوْتَ، وَكَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ لَهُ فَضْلٌ، فَحَدَّثَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً رَاكِباً، فَذَكَرَ مِنْ عِظَمِ الجَرَادَةِ وَعِظَمِ الرَّجُلِ.
قَالَ: وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَحْمَرَانِ طَوِيْلاَنِ، وَهُوَ يَقُوْلُ: الدُّنْيَا بَاطِلَةٌ، وَبَاطِلٌ مَا فِيْهَا.
وَيُوْمِئُ
بِيَدِهِ، حَيْثمَا أَومَأَ، انْسَابَ الجَرَادُ إِلَى ذَلِكَ المَوْضِعِ.رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ زَيْدٍ الفَرَائِضِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ: أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَأَى ذَلِكَ.
ابْنُ ذَكْوَانَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، يَقُوْلُ مَكْحُوْلٌ: مَا أَحرَصَ ابْنَ أَبِي مَالِكٍ عَلَى القَضَاءِ!
فَقَالَ: لقَدْ كُنْتُ مِمَّنْ سَدَّدَ لِي رَأْيِي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أُرِيْدَ عَلَى القَضَاءِ فِي أَيَّامِ يَزِيْدَ النَّاقِصِ، فَامْتَنَعَ -يَعْنِي: الأَوْزَاعِيُّ- جَلَسَ لَهُم مَجْلِساً وَاحِداً.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ المَوْتِ، كَفَاهُ اليَسِيْرُ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّ مَنْطِقَهُ مِنْ عَمَلِهِ، قَلَّ كَلاَمُهُ.
أَبُو يَعْقُوْبَ الأَذْرَعِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الغَمْرِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ الغَمْرِ، قَالَ:
لَمَّا جَلَّتِ المِحنَةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِالأَوْزَاعِيِّ - لَمَّا نَزَلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ حَمَاةَ - بَعَثَ إِلَيْهِ، فَأُشْخِصَ.
قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى ثَوْرِ بنِ يَزِيْدَ الحِمْصِيِّ.
قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فَلَمْ يَزَلْ ثَوْرٌ يَتَكَلَّمُ فِي القَدَرِ مِنْ بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، إِلَى أَنْ طَلَعَ الفَجْرُ وَأَنَا سَاكِتٌ - مَا أَجَابَهُ بِحَرْفٍ - فَلَمَّا انْفَجَرَ الفَجْرُ، صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ حَمَاةَ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ:
يَا أَوْزَاعِيُّ! أَيُعَدُّ مَقَامُنَا هَذَا،
وَمَسِيْرُنَا رِبَاطاً؟فَقُلْتُ: جَاءتِ الآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِهِ ) ... ، ثُمَّ سَاقَ القِصَّةَ.
يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ المَلِكِ بنُ الفَارِسِيِّ - وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ - حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ -يَعْنِي: عَمَّ السَّفَّاحِ- مِنْ قَتْلِ بَنِي أُمَيَّةَ، بَعَثَ إِلَيَّ، وَكَانَ قَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَيِّفاً
وَسَبْعِيْنَ مِنْهُم بِالكَافِركُوبَاتَ.فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
فَحِدْتُ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمتُ مِنْ حَيْثُ حِدْتَ، فَأَجِبْ.
قَالَ: وَمَا لَقِيْتُ مُفَوَّهاً مِثْلَه، فَقُلْتُ: كَانَ لَهُم عَلَيْكَ عَهْدٌ.
قَالَ: فَاجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم وَلاَ عَهْدَ، مَا تَقُوْلُ فِي دِمَائِهِم؟
قُلْتُ: حَرَامٌ؛ لِقَوْلِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ... ) ، الحَدِيْثَ.
فَقَالَ: وَلِمَ، وَيْلَكَ؟!
وَقَالَ: أَلَيْسَتِ الخِلاَفَةُ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ، قَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِصِفِّيْنَ ؟
قُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مَا رَضِيَ بِالحَكَمَيْنِ.
فَنَكَسَ رَأْسَهُ، وَنَكَسْتُ، فَأَطَلْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: البَولَ.
فَأَشَارَ بِيَدِهِ: اذْهَبْ.
فَقُمْتُ، فَجَعَلتُ لاَ أَخطُو خُطوَةً إِلاَّ قُلْتُ: إِنَّ رَأْسِي يَقَعُ عِنْدَهَا.
سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عِيْسَى: حَدَّثَنَا أَبُو خُلَيْدٍ عُتْبَةُ بنُ حَمَّادٍ القَارِئُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ:
بَعَثَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ إِلَيَّ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيَّ، وَقَدِمْتُ، فَدَخَلْتُ وَالنَّاسُ سِمَاطَانِ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي مَخْرَجِنَا وَمَا نَحْنُ فِيْهِ؟
قُلْتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، قَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ مَوَدَّةٌ.
قَالَ: لَتُخْبِرَنِّي.
فَتَفَكَّرْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: لأَصْدُقَنَّهُ.
وَاسْتَبسَلْتُ لِلْمَوْتِ، ثُمَّ رَوَيتُ لَهُ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ حَدِيْثَ الأَعْمَالِ، وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ يَنكُتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! مَا تَقُوْلُ فِي قَتْلِ أَهْلِ هَذَا البَيْتِ؟
قُلْتُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (لاَ
يَحِلُّ قَتْلُ المُسْلِمِ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ ... ) ، وَسَاقَ الحَدِيْثَ.فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الخِلاَفَةِ، وَصِيَّةٌ لَنَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَقُلْتُ: لَوْ كَانَتْ وَصِيَّةً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا تَرَكَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحَداً يَتَقَدَّمُهُ.
قَالَ: فَمَا تَقُوْلُ فِي أَمْوَالِ بَنِي أُمَيَّةَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَانَتْ لَهُم حَلاَلاً، فَهِيَ عَلَيْكَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِم حَرَاماً، فَهِيَ عَلَيْكَ أَحرَمُ.
فَأَمَرَنِي، فَأُخْرِجْتُ.
قُلْتُ: قَدْ كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ مَلِكاً جَبَّاراً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، صَعبَ المِرَاسِ، وَمَعَ هَذَا فَالإِمَامُ الأَوزَاعِيُّ يَصْدَعُهُ بِمُرِّ الحَقِّ كَمَا تَرَى، لاَ كَخَلْقٍ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ الَّذِيْنَ يُحَسِّنُوْنَ لِلأُمَرَاءِ مَا يَقْتَحِمُوْنَ بِهِ مِنَ الظُّلمِ وَالعَسْفِ، وَيَقلِبُوْنَ لَهُمُ البَاطِلَ حَقّاً - قَاتَلَهُمُ اللهُ - أَوْ يَسكُتُوْنَ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى بَيَانِ الحَقِّ.
خَيْثَمَةُ: حَدَّثَنَا الحَوْطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَارِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ التَّنُوْخِيُّ، قَالَ:
كَتَبَ المَنْصُوْرُ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ فِي عُنُقِكَ مَا جَعَلَ اللهُ لِرَعِيَّتِهِ قَبْلَكَ فِي عُنُقِهِ، فَاكتُبْ إِلَيَّ بِمَا رَأَيتَ فِيْهِ المَصْلَحَةَ مِمَّا أَحْبَبْتَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ، وَتوَاضَعْ، يَرْفَعْكَ اللهُ يَوْمَ يَضَعُ المُتَكَبِّرِيْنَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَرَابَتَكَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنْ تَزِيْدَ حَقَّ اللهِ عَلَيْكَ إِلاَّ عِظَماً، وَلاَ طَاعَتَه إِلاَّ وُجُوباً.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ شُعَيْبٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ: مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ.
وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: مَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً، إِلاَّ سُلِبَ الوَرَعَ.
رَوَاهَا: بَقِيَّةُ، عَنْ مَعْمَرِ بنِ عُرَيْبٍ، عَنْهُ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
إِنَّ المُؤْمِنَ يَقُوْلُ قَلِيْلاً، وَيَعمَلُ كَثِيْراً، وَإِنَّ المُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ كَثِيْراً، وَيَعْمَلُ قَلِيْلاً.
قَالَ بِشْرُ بنُ المُنْذِرِ - قَاضِي المَصِّيْصَةِ -: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ كَأَنَّهُ أَعْمَى مِنَ الخُشُوْعِ.وَقَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
كَانَ يُقَالُ: وَيْلٌ لِلْمُتَفَقِّهِيْنَ لِغَيْرِ العِبَادَةِ، وَالمُسْتَحِلِّينَ الحُرُمَاتِ بِالشُّبُهَاتِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الأَوْزَاعِيِّ:
قَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ! أُحَدِّثُكَ بِشَيْءٍ لاَ تُحَدِّثْ بِهِ مَا عِشْتُ: رَأَيتُ كَأَنَّهُ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَأُخِذَ بِمِصْرَاعَي البَابِ، فَزَالَ عَنْ مَوْضِعِه، فَإِذَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُعَالِجُوْنَ رَدَّهُ، فَرَدُّوْهُ، فَزَالَ، ثُمَّ أَعَادُوْهُ.
قَالَ: فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ! أَلاَ تُمْسِكُ مَعَنَا؟) .
فَجِئْتُ حَتَّى أُمْسِكَ مَعَهُم، حَتَّى رَدُّوْهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ، حَدَّثَنَا الحَوَارِيُّ بنُ أَبِي الحَوَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، اسْتَعفَى مِنْ لُبْسِ السَّوَادِ، فَأَجَابَهُ أَبُو جَعْفَرٍ.
فَلَمَّا خَرَجَ الأَوْزَاعِيُّ، قَالُوا لَهُ، فَقَالَ: لَمْ يُحْرِمْ فِيْهِ مُحْرِمٌ، وَلاَ كُفِّنَ فِيْهِ مَيِّتٌ، وَلَمْ يُزَيَّنْ فِيْهِ عَرُوْسٌ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي العِشْرِيْنَ:
سَمِعْتُ أَمِيْراً كَانَ بِالسَّاحِلِ يَقُوْلُ - وَقَدْ دَفَنَّا الأَوْزَاعِيَّ، وَنَحْنُ عِنْدَ القَبْرِ -: رَحِمَكَ اللهُ أَبَا عَمْرٍو، فَلَقَدْ كُنْتُ أَخَافُكَ أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلاَّنِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَجَاءهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: رَأَيتُ كَأَنَّ رَيْحَانَةً مِنَ المَغْرِبِ رُفِعَتْ.
قَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكَ، فَقَدْ مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ.
فَكَتَبُوا ذَلِكَ، فَوُجِدَ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ.
قَالَ عَبَّاسٌ الدُّوْرِيُّ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُوْلُ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الحَمَّامِ.
أَحْمَدُ بنُ عِيْسَى المِصْرِيُّ: حَدَّثَنِي خَيْرَانُ بنُ العَلاَءِ - وَكَانَ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ - قَالَ:دَخَلَ الأَوْزَاعِيُّ الحَمَّامَ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الحَمَّامِ حَاجَةٌ، فَأَغلَقَ عَلَيْهِ البَابَ وَذَهَبَ، ثُمَّ جَاءَ، فَفَتَحَ، فَوَجَدَ الأَوْزَاعِيَّ مَيِّتاً، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ.
ابْنُ زَبْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، قَالَ:
بَلَغَنَا مَوْتُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَ الحَمَّامِ غَيْرَ مُتَعَمِّدَةٍ، فَمَاتَ، فَأَمَرَهَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ بِعَتقِ رَقَبَةٍ، وَلَمْ يُخَلِّفْ سِوَى سِتَّةِ دَنَانِيْرَ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ، وَكَانَ قَدِ اكْتُتِبَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي دِيْوَانِ السَّاحِلِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بنَ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
سَبَبُ مَوْتِ الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ اخْتَضَبَ وَدَخَلَ الحَمَّامَ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ، وَأَدْخَلَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ كَانُوناً فِيْهِ فَحمٌ، لِئَلاَّ يُصِيْبَهُ البَرْدُ، وَأَغلَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَرَّا، فَلَمَّا هَاجَ الفَحمُ، ضَعُفَتْ نَفْسُهُ، وَعَالَجَ البَابَ لِيَفْتَحَهُ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَأَلْقَى نَفْسَهُ، فَوَجَدْنَاهُ مُوَسِّداً ذِرَاعَهُ إِلَى القِبْلَةِ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: وَحَدَّثَنِي سَالِمُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ:
لَمَّا سَمِعْتُ الضَّجَّةَ بِوَفَاةِ الأَوْزَاعِيِّ، خَرَجْتُ، فَأَوَّلُ مَنْ رَأَيتُ نَصْرَانِيّاً قَدْ ذَرَّ عَلَى رَأْسِهِ الرَّمَادَ، فَلَمْ يَزَلِ المُسْلِمُوْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْرُوْتَ يَعْرِفُوْنَ لَهُ ذَلِكَ، وَخَرَجنَا فِي جَنَازَتِه أَرْبَعَةَ أُمَمٍ، فَحَمَلَهُ المُسْلِمُوْنَ، وَخَرَجَتِ اليَهُوْدُ فِي نَاحِيَةٍ، وَالنَّصَارَى فِي نَاحِيَةٍ، وَالقِبْطُ فِي نَاحِيَةٍ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: مَاتَ الأَوْزَاعِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.
قُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ.
وَقَالَ هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ: عَنِ الوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ.
فَوَهِمَ هِشَامٌ؛ لأَنَّ صَفْوَانَ بنَ صَالِحٍ رَوَى عَنِ الوَلِيْدِ: هُوَ، وَغَيْرُهُ، وَالوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ، وَيَحْيَى القَطَّانُ، وَأَبُو مُسْهِرٍ، وَعِدَّةٌ، قَالُوا: مَاتَ سَنَةَ
سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ وَمائَةٍ.وَزَادَ بَعْضُهُم، فَقَالَ: فِي صَفَرٍ، وَفِيْهَا مَاتَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الآدَمِيُّ، قَالَ:
قَالَ يَزِيْدُ بنُ مَذْعُوْرٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ فِي مَنَامِي، فَقُلْتُ: دُلَّنِي عَلَى دَرَجَةٍ أَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللهِ.
فَقَالَ: مَا رَأَيتُ هُنَاكَ أَرْفَعَ مِنْ دَرَجَةِ العُلَمَاءِ، وَمِنْ بَعْدِهَا دَرَجَةُ المَحْزُوْنِيْنَ.
تَرْجَمَةُ الأَوْزَاعِيِّ فِي (تَارِيْخِ الحَافِظِ ابْنِ عَسَاكِرَ) فِي أَرْبَعَةِ كَرَارِيْسَ.
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ العِلْمَ بِالشَّامِ، وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ مُدَوَّرَةٍ بِلاَ عَذَبَةٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ إِملاَءً، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَشِيْطٍ مُحَمَّدُ بنُ هَارُوْنَ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
اجْتَمَعَ الثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعَبَّادُ بنُ كَثِيْرٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ لِلأَوْزَاعِيِّ: حَدِّثْنَا يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِيْثَكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بنِ عَلِيٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ، وَقَتَلَ بَنِي أُمَيَّةَ، جَلَسَ يَوْماً عَلَى سَرِيْرِه، وَعَبَّأَ أَصْحَابَهُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَعَهُمُ السُّيُوفُ المُسَلَّلَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الجَزَرَةُ - أَظُنُّهَا الأَطبَارَ - وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الأَعمِدَةُ، وَصِنْفٌ مَعَهُمُ الكَافِركُوبُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ.
فَلَمَّا صِرْتُ بِالبَابِ، أَنْزَلُونِي، وَأَخَذَ اثْنَانِ بَعْضُدَيَّ، وَأَدخَلُونِي بَيْنَ الصُّفُوفِ، حَتَّى أَقَامُوْنِي مُقَاماً يُسْمَعُ كَلاَمِي، فَسَلَّمتُ، فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ فَسَأَلَ مَسْأَلَةَ رَجُلٍ
يُرِيْدُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً، فَقُلْتُ: قَدْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم عُهُودٌ.فَقَالَ: وَيْحَكَ! اجْعَلْنِي وَإِيَّاهُم لاَ عَهْدَ بَيْنَنَا.
فَأَجْهَشَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ القَتْلَ، فَذَكَرتُ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَلَفَظْتُهَا، فَقُلْتُ: دِمَاؤُهُم عَلَيْكَ حَرَامٌ.
فَغَضِبَ، وَانْتَفَخَتْ عَيْنَاهُ وَأَوْدَاجُهُ، فَقَالَ لِي: وَيْحَكَ! وَلِمَ؟!
قُلْتُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: ثَيِّبٍ زَانٍ، وَنَفْسٍ بِنَفْسٍ، وَتَارِكٍ لِدِيْنِهِ ) .
قَالَ: وَيْحَكَ! أَوَلَيْسَ الأَمْرُ لَنَا دِيَانَةً؟!
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: أَلَيْسَ كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ؟
قُلْتُ: لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِ، مَا حَكَّمَ الحَكَمَيْنِ.
فَسَكَتَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ غَضَباً، فَجَعَلْتُ أَتَوَقَّعُ رَأْسِي تَقَعُ بَيْنَ يَدَيَّ.
فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - أَوْمَأَ أَنْ أَخْرِجُوْهُ -.
فَخَرَجتُ، فَرَكِبتُ دَابَّتِي، فَلَمَّا سِرْتُ غَيْرَ بَعِيْدٍ، إِذَا فَارِسٌ يَتْلُوْنِي، فَنَزَلتُ إِلَى الأَرْضِ، فَقُلْتُ: قَدْ بَعَثَ لِيَأْخُذَ رَأْسِي، أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
فَكَبَّرْتُ، فَجَاءَ - وَأَنَا قَائِمٌ أُصَلِّي - فَسَلَّمَ، وَقَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّنَانِيْرِ، فَخُذْهَا.
فَأَخَذتُهَا، فَفَرَّقتُهَا قَبْلَ أَنْ أَدخُلَ مَنْزِلِي.
فَقَالَ سُفْيَانُ: وَلَمْ أُرِدْكَ أَنْ تَحِيْدَ حِيْنَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ.
الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: سَمِعَ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
لاَ يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَقَدْ خَانَهُم.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بنُ نَجِيْحٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنِي عَوْنُ بنُ حَكِيْمٍ، قَالَ:حَجَجْتُ مَعَ الأَوْزَاعِيِّ، فَلَمَّا أَتَى المَدِيْنَةَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، بَلَغَ مَالِكاً مَقْدَمُهُ، فَأَتَاهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا صَلَّيَا الظُّهرَ، تَذَاكَرَا أَبْوَابَ العِلْمِ، فَلَمْ يَذْكُرَا بَاباً، إِلاَّ ذَهَبَ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْهِ.
ثُمَّ صَلَّوُا العَصْرَ، فَتَذَاكَرَا، كُلٌّ يَذْهَبُ عَلَيْهِ الأَوْزَاعِيُّ فِيْمَا يَأْخُذَانِ فِيْهِ، حَتَّى اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَرُبَ اصْفِرَارُهَا، نَاظَرَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ المُكَاتَبَةِ وَالمُدَبَّرِ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ:
كُنَّا عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، فَذَكَرَ الأَوْزَاعِيَّ، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ كَانَ شَأْنُهُ عَجَباً، كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الشَّيْءِ عِنْدَنَا فِيْهِ الأَثَرُ، فَيَرُدُّ -وَاللهِ- الجَوَابَ كَمَا هُوَ فِي الأَثَرِ، لاَ يُقَدِّمُ مِنْهُ وَلاَ يُؤَخِّرُ.
الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: سَمِعْتُ صَدَقَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيتُ أَحَداً أَحْلَمَ وَلاَ أَكْمَلَ وَلاَ أَحْمَلَ فِيْمَا حَمَلَ مِنَ الأَوْزَاعِيِّ.
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: سَمِعْتُ أَبَا مُسْهِرٍ يَقُوْلُ:
كَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُوْلُ: مَا عَرَضتُ فِيْمَا حُمِلَ عَنِّي أَصَحَّ مِنْ كُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ.
أَبُو فَرْوَةَ يَزِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرُّهَاوِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ لِعِيْسَى بنِ يُوْنُسَ: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: الأَوْزَاعِيُّ أَوْ سُفْيَانُ؟
فَقَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ سُفْيَانَ؟
قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو! ذَهَبَتْ بِكَ العِرَاقِيَّةُ، الأَوْزَاعِيُّ، فِقْهُهُ، وَفَضْلُه، وَعِلْمُه.
فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَتُرَانِي أُؤثِرُ عَلَى الحَقِّ شَيْئاً، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
مَا أَخَذْنَا العَطَاءَ حَتَّى شَهِدْنَا عَلَى عَلِيٍّ بِالنِّفَاقِ، وَتَبَرَّأْنَا مِنْهُ، وَأُخِذَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ
الطَّلاَقُ وَالعِتَاقُ وَأَيْمَانُ البَيْعَةِ.قَالَ: فَلَمَّا عَقَلْتُ أَمرِي، سَأَلْتُ مَكْحُوْلاً، وَيَحْيَى بنَ أَبِي كَثِيْرٍ، وَعَطَاءَ بنَ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، إِنَّمَا أَنْتَ مُكْرَهٌ.
فَلَمْ تَقَرَّ عَيْنِي، حَتَّى فَارَقْتُ نِسَائِي، وَأَعتَقْتُ رَقِيْقِي، وَخَرَجْتُ مِنْ مَالِي، وَكَفَّرْتُ أَيْمَانِي، فَأَخْبِرْنِي: سُفْيَانُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟
العَبَّاسُ بنُ الوَلِيْدِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ فُلاَنٍ: سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ:
نَتَجَنَّبُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ خَمْساً، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ خَمْساً:
مِنْ قَوْلِ أَهْلِ العِرَاقِ: شُرْبُ المُسْكِرِ، وَالأَكلُ عِنْدَ الفَجْرِ فِي رَمَضَانَ، وَلاَ جُمُعَةَ إِلاَّ فِي سَبْعَةِ أَمصَارٍ، وَتَأَخَيْرُ العَصْرِ حَتَّى يَكُوْنَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ أَرْبَعَةُ أَمثَالِه، وَالفِرَارُ يَوْمَ الزَّحفِ.
وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الحِجَازِ: اسْتِمَاعُ المَلاَهِي، وَالجَمعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَالمُتعَةُ بِالنِّسَاءِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَالدِّيْنَارُ بِالدِّيْنَارَيْنِ يَداً بِيَدٍ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهنِّ.
عَنْ سَعِيْدِ بنِ سَالِمٍ - صَاحِبِ الأَوْزَاعِيِّ -: قَدِمَ أَبُو مَرْحُوْمٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الأَوْزَاعِيِّ، فَأَهدَى لَهُ طَرَائِفَ، فَقَالَ لَهُ:إِنْ شِئْتَ، قَبِلْتُ مِنْكَ، وَلَمْ تَسْمَعْ مِنِّي حَرْفاً، وَإِنْ شِئْتَ، فَضُمَّ هَدِيَّتَكَ، وَاسْمَعْ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ: قُلْتُ لِسَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ:
مَنْ أَدْرَكتَ مِنَ التَّابِعِيْنَ كَانَ يُبَكِّرُ إِلَى الجُمُعَةِ؟
قَالَ: مَا رَأَيْتَ أَبَا عَمْرٍو؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ كَفَا مَنْ قَبْلَهُ، فَاقْتَدِ بِهِ، فَلَنِعْمَ المُقْتَدَى.
مُوْسَى بنُ أَعْيَنَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ:
كُنَّا نَضحَكُ وَنَمزَحُ، فَلَمَّا صِرْنَا يُقْتَدَى بِنَا، خَشِيْتُ أَنْ لاَ يَسَعَنَا التَّبَسُّمُ.
قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ: رَأَيتُ الأَوْزَاعِيَّ يَعْتَمُّ، فَلاَ يُرْخِي لَهَا شَيْئاً.
ذَكَرَ بَعْضُ الحُفَّاظِ: أَنَّ حَدِيْثَ الأَوْزَاعِيِّ نَحْوُ الأَلفِ -يَعْنِي: المُسْنَدَ- أَمَّا المُرْسَلُ وَالمَوْقُوْفُ، فَأُلُوفٌ.
وَهُوَ فِي الشَّامِيِّينَ نَظِيْرُ مَعْمَرٍ لِلْيَمَانِيِّينَ، وَنَظِيْرُ الثَّوْرِيِّ لِلْكُوْفِيِّينَ، وَنَظِيْرُ مَالِكٍ لِلْمَدَنِيِّينَ، وَنَظِيْرُ اللَّيْثِ لِلْمِصْرِيِّينَ، وَنَظِيْرُ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ لِلْبَصْرِيِّينَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ القَرَافِيُّ بِهَا، أَنْبَأَنَا المُبَارَكُ بنُ أَبِي الجُوْدِ بِبَغْدَادَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ أَبِي غَالِبٍ الزَّاهِدُ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَلِيٍّ الأَنْمَاطِيُّ، أَنْبَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ
أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، قَالَ:قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ مِنْ عُكْلٍ، فَاجْتَوَوُا المَدِيْنَةَ، فَأَمَرَهُم رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَأَتَوْهَا، فَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ.
فَبَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهِم قَافَةً، فَأَتَى بِهِم، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرَجُلَهُم، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُم.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ شُعَيْبٍ.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَرْدَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الأَسَدِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، أَنْبَأَنَا جَدِّي، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ الفَقِيْهُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ الفَرَّاءُ بِمِصْرَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الفَوَارِسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ السِّنْدِيُّ، حَدَّثَنَا فَهْدُ بنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيْرٍ، سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُوْلِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِيْنَ وَالآخِرِيْنَ، إِلاَّ النَّبِيِّيْنَ وَالمُرْسَلِيْنَ).
هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنُ اللَّفْظِ، لَوْلاَ لِيْنٌ فِي مُحَمَّدِ بنِ كَثِيْرٍ المَصِّيْصِيِّ لَصُحِّحَ.أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنِ: الحَسَنِ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنِ ابْنِ كَثِيْرٍ.
وَأَخْرَجَهُ: الحَافِظُ الضِّيَاءُ فِي (المُخْتَارَةِ) ، عَنْ هَذَا الأَسَدِيِّ.