نصر بن الحجاج بن علاط
السلمي البهزي شاعر كانت لأبيه صحبة.
قال معاوية بن أبي سفيان ذات يوم: إنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا الحديث، فانظروا من بالباب، قالوا: معن بن يزيد ونصر بن حجاج السلميان، فأذن لهما.
فلما دخلا، قال: أتدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لم يبق لك رحم في العرب إلا وصلتها؛ فأردت أن تصلنا، قال: ليس لهذا بعثت إليكما، ولكنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا لذة الحديث، فقالا: فقرئنا فيما شئت من أمر الجاهلية والإسلام، فإن شئت أن نرقق لك رققنا، وإن شئت أن نصدقك صدقناك.
قال: فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: أنا خير قريش لقريش، ولو أن أبا سفيان ولد الناس لكانوا أكياساً.
قال: فحمد الله السلميان، ثم قالا: قد ولد الناس من هو خير من أبي سفيان آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمنهم الأحمق والكيس، وأما خير قريش لقريش فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما أنت فيه فمن ذلك، وأما أنت فشر قريش لقريش، أطغيت برها، وأكفرت فاجرها، كأنا بهم قد سألوا من بعدك ما سألوك فضربت أعناقهم، ثم ألقوا في السكك، فكانوا كالرقاق المنتفخة.
فقال معاوية: هل سمع منكما هذا الكلام أحد غيري؟ قالا: لا، قال: فاخرجا، ولا يسمعنه منكما أحد.
بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة يعس في زقاق من أزقة المدينة فإذا امرأة تقول: " من البسيط "
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من أحسن الناس شعرة وأصبحه وجهاً، فأمر عمر أن يطمر شعره، ففعل، فخرجت جبهته، فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتم، فازداد حسناً؛ فقال عمر: لا، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها.
فأمر له بما يصلحه، وسيره إلى البصرة، فنزل على مجاشع بن مسعود، وكان خليفة أبي موسى، وكان لمجاشع امرأة جميلة شابة، فبينا الشيخ عنده نصر بن حجاج إذ كتب في الأرض: أنا والله أحبك، فقالت هي، وهي في ناحية البيت: وأنا والله، فقال الشيخ: ما قال لك؟ فقالت: قال لي: ما أصفى لقحتكم هذه! فقال الشيخ: ما أصفى لقحتكم هذه، وأنا والله، ما هذه لهذه.
أعزم عليك لما أخبرتني، قالت: إما عزمت فإنه قال: ما أحسن سوار بيتكم! فقال: ما أحسن سوار بيتكم، وأنا والله، ما هذه لهذه.
ثم حانت منه التفاتة، فإذا هو بالكتاب، ثم قال: علي بغلام من المكتب، فقال: اقرأه، فقال: أنا والله أحبك.
فقال: أنا والله أحبك! فقلت أنت: وأنا والله. هذه لهذه.
اعتدي، تزوجها يا بن أخي إن أردت.
وكانوا لا يكتمون من أمرائهم شيئاً، فأتى أبا موسى فأخبره، فقال: أقسم بالله، ما أخرجك أمير المؤمنين من خير، اخرج عنا.
فأتى فارس، وعليها عثمان بن أبي العاصي الثقفي، فنزل على دهقانة، فأعجبها؛ فأرسلت إليه.
فبلغ ذلك عثمان بن أبي العاصي؛ فبعث إليه، فقال: ما أخرجك أمير المؤمنين وأبو موسى من خير، اخرج عنا؛ فقال: والله، لئن فعلتم هذا لألحقن بالشرك.
فكتب عثمان إلى أبي موسى، وكتب أبو موسى إلى عمر؛ فكتب عمر أن جزوا شعره، وشمروا قميصه، وألزموه المسجد.
وقيل: إن دعا بإناء أكفأه على ما كتب، ودعا كاتباً، فقرأه، فإذا هو: إني أحبك حباً، لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك.
وبلغ نصراً ما صنع مجاشع، فاستحى، فلزم بيته، وضني حتى صار كالفرخ؛ فقال مجاشع لامرأته: اذهبي إليه، فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام بيدك، فأبت، فعزم عليها، فأسندته إلى صدرها، وأطعمته الطعام بيدها.
فلما تحامل خرج من البصرة، وخشيت المرأة التي سمع منها عمر أن يبدر من عمر إليها شيء، فدست إليه أبياتاً: " من البسيط "
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
إني عنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجي
إن الهوى زمه التقوى فحبسه ... حتى أقر بإلجام وإسراج
لا تجعل الظن حقاً أو تيقنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
فبكى عمر وقال: الحمد لله الذي حبس التقوى الهوى.
وأتى على نصر حين، واشتد على أمه غيبة ابنها عنها؛ فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة، فقعدت له على الطريق، فلما خرج يريد صلاة العصر، قالت: يا أمير المؤمنين، لأجاثينك بين يدي الله، ثم لأخاصمنك، أيبيت عبد الله وعاصم إلى جنبك، وبيني وبين ابني الفيافي والمفاوز والجبال؟
فقال لها: يا أم نصر، إن عبد الله وعاصماً لم تدنف بهما العواتق في خدورهن.
وانصرفت، ومضى عمر إلى الصلاة، فأبرد بريداً إلى البصرة، فمكث بالبصرة أياماً، ثم نادى مناديه: من أراد أن يكتب إلى المدينة فليكتب، فإن بريد المسلمين خارج، فكتب الناس، وكتب نصر بن حجاج: سلام عليك، أما بعد يا أمير المؤمنين: " من الطويل "
لعمري لئن سيرتني وحرمتني ... فما نلت من عرضي عليك حرام
أأن غنت الذلفاء يوماً بمنية ... وبعض أماني النساء عرام
ظننت بي الأمر الذي ليس بعده ... بقاء فما لي في الندي كلام
ويمنعني مما تقول تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب منا غارب وسنام
فقال عمر: أما ولي إمارة فلا، وأقطعه مالاً بالبصرة وداراً.
قال أبو بكر: رحم الله عمر ما كان أنظره بنور الله في ذات الله وأفرسه، كان والله كما قال الشاعر: " من الطويل "
بصير بأعقاب الأمور برأيه ... كأنه له في اليوم عيناً على غد
وكانت امرأة مجاشع يقال لها الخضيراء، وقيل: إنها شميلة بنت جنادة بن أبي أزيهر، حليف بني مخزوم.
السلمي البهزي شاعر كانت لأبيه صحبة.
قال معاوية بن أبي سفيان ذات يوم: إنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا الحديث، فانظروا من بالباب، قالوا: معن بن يزيد ونصر بن حجاج السلميان، فأذن لهما.
فلما دخلا، قال: أتدريان لم بعثت إليكما؟ قالا: نعم، لم يبق لك رحم في العرب إلا وصلتها؛ فأردت أن تصلنا، قال: ليس لهذا بعثت إليكما، ولكنه قد ذهب مني لذة كل شيء إلا لذة الحديث، فقالا: فقرئنا فيما شئت من أمر الجاهلية والإسلام، فإن شئت أن نرقق لك رققنا، وإن شئت أن نصدقك صدقناك.
قال: فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: أنا خير قريش لقريش، ولو أن أبا سفيان ولد الناس لكانوا أكياساً.
قال: فحمد الله السلميان، ثم قالا: قد ولد الناس من هو خير من أبي سفيان آدم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمنهم الأحمق والكيس، وأما خير قريش لقريش فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما أنت فيه فمن ذلك، وأما أنت فشر قريش لقريش، أطغيت برها، وأكفرت فاجرها، كأنا بهم قد سألوا من بعدك ما سألوك فضربت أعناقهم، ثم ألقوا في السكك، فكانوا كالرقاق المنتفخة.
فقال معاوية: هل سمع منكما هذا الكلام أحد غيري؟ قالا: لا، قال: فاخرجا، ولا يسمعنه منكما أحد.
بينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة يعس في زقاق من أزقة المدينة فإذا امرأة تقول: " من البسيط "
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو من أحسن الناس شعرة وأصبحه وجهاً، فأمر عمر أن يطمر شعره، ففعل، فخرجت جبهته، فازداد حسناً، فأمره عمر أن يعتم، فازداد حسناً؛ فقال عمر: لا، والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أنا بها.
فأمر له بما يصلحه، وسيره إلى البصرة، فنزل على مجاشع بن مسعود، وكان خليفة أبي موسى، وكان لمجاشع امرأة جميلة شابة، فبينا الشيخ عنده نصر بن حجاج إذ كتب في الأرض: أنا والله أحبك، فقالت هي، وهي في ناحية البيت: وأنا والله، فقال الشيخ: ما قال لك؟ فقالت: قال لي: ما أصفى لقحتكم هذه! فقال الشيخ: ما أصفى لقحتكم هذه، وأنا والله، ما هذه لهذه.
أعزم عليك لما أخبرتني، قالت: إما عزمت فإنه قال: ما أحسن سوار بيتكم! فقال: ما أحسن سوار بيتكم، وأنا والله، ما هذه لهذه.
ثم حانت منه التفاتة، فإذا هو بالكتاب، ثم قال: علي بغلام من المكتب، فقال: اقرأه، فقال: أنا والله أحبك.
فقال: أنا والله أحبك! فقلت أنت: وأنا والله. هذه لهذه.
اعتدي، تزوجها يا بن أخي إن أردت.
وكانوا لا يكتمون من أمرائهم شيئاً، فأتى أبا موسى فأخبره، فقال: أقسم بالله، ما أخرجك أمير المؤمنين من خير، اخرج عنا.
فأتى فارس، وعليها عثمان بن أبي العاصي الثقفي، فنزل على دهقانة، فأعجبها؛ فأرسلت إليه.
فبلغ ذلك عثمان بن أبي العاصي؛ فبعث إليه، فقال: ما أخرجك أمير المؤمنين وأبو موسى من خير، اخرج عنا؛ فقال: والله، لئن فعلتم هذا لألحقن بالشرك.
فكتب عثمان إلى أبي موسى، وكتب أبو موسى إلى عمر؛ فكتب عمر أن جزوا شعره، وشمروا قميصه، وألزموه المسجد.
وقيل: إن دعا بإناء أكفأه على ما كتب، ودعا كاتباً، فقرأه، فإذا هو: إني أحبك حباً، لو كان فوقك لأظلك، ولو كان تحتك لأقلك.
وبلغ نصراً ما صنع مجاشع، فاستحى، فلزم بيته، وضني حتى صار كالفرخ؛ فقال مجاشع لامرأته: اذهبي إليه، فأسنديه إلى صدرك، وأطعميه الطعام بيدك، فأبت، فعزم عليها، فأسندته إلى صدرها، وأطعمته الطعام بيدها.
فلما تحامل خرج من البصرة، وخشيت المرأة التي سمع منها عمر أن يبدر من عمر إليها شيء، فدست إليه أبياتاً: " من البسيط "
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج
إني عنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجي
إن الهوى زمه التقوى فحبسه ... حتى أقر بإلجام وإسراج
لا تجعل الظن حقاً أو تيقنه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
فبكى عمر وقال: الحمد لله الذي حبس التقوى الهوى.
وأتى على نصر حين، واشتد على أمه غيبة ابنها عنها؛ فتعرضت لعمر بين الأذان والإقامة، فقعدت له على الطريق، فلما خرج يريد صلاة العصر، قالت: يا أمير المؤمنين، لأجاثينك بين يدي الله، ثم لأخاصمنك، أيبيت عبد الله وعاصم إلى جنبك، وبيني وبين ابني الفيافي والمفاوز والجبال؟
فقال لها: يا أم نصر، إن عبد الله وعاصماً لم تدنف بهما العواتق في خدورهن.
وانصرفت، ومضى عمر إلى الصلاة، فأبرد بريداً إلى البصرة، فمكث بالبصرة أياماً، ثم نادى مناديه: من أراد أن يكتب إلى المدينة فليكتب، فإن بريد المسلمين خارج، فكتب الناس، وكتب نصر بن حجاج: سلام عليك، أما بعد يا أمير المؤمنين: " من الطويل "
لعمري لئن سيرتني وحرمتني ... فما نلت من عرضي عليك حرام
أأن غنت الذلفاء يوماً بمنية ... وبعض أماني النساء عرام
ظننت بي الأمر الذي ليس بعده ... بقاء فما لي في الندي كلام
ويمنعني مما تقول تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تمنت صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب منا غارب وسنام
فقال عمر: أما ولي إمارة فلا، وأقطعه مالاً بالبصرة وداراً.
قال أبو بكر: رحم الله عمر ما كان أنظره بنور الله في ذات الله وأفرسه، كان والله كما قال الشاعر: " من الطويل "
بصير بأعقاب الأمور برأيه ... كأنه له في اليوم عيناً على غد
وكانت امرأة مجاشع يقال لها الخضيراء، وقيل: إنها شميلة بنت جنادة بن أبي أزيهر، حليف بني مخزوم.