معلى بن أيوب أبو العلاء الكاتب
وهو ابن خالة الفضل والحسن ابني سهل.
من كتاب المأمون، قدم دمشق مع المأمون، وبقي إلى أن كتب للمتوكل، وكان ممن حضر الجامع بدمشق للكشف عن أحوال المتظلمين من التعديل والمساحة.
قال المعلى بن أيوب: دخلت على المأمون فرأيته مقبلاً على شيخ شديد بياض الثوب، حسن اللحية، على رأسه لاطئة، وقد أقبل عليه المأمون، فقلت للحسن بن أبي سعيد وهو ابن خالة
المعلى، وكان حاجب المأمون على العامة: من هذا؟ فقال: ألا تعرفه؟ فقلت: لو عرفته ما سألتك عنه. قال: هذا أبو العتاهية. فأقبل عليه المأمون فقال: أنشدني أحسن شعرك في ذكر الموت. فأنشده: من مجزوء الكامل
أنساك محياك المماتا ... فطلبت في الأرض الثباتا
أوثقت بالدنيا وأن ... ت ترى جماعتها شتاتا
وعزمت منك على الحيا ... ة وطولها عزماً بتاتا
دار تواصل أهلها ... ستعود نأياً وانبتاتا
إن الله يميت من ... أحيا ويحيى من أماتا
يا من رأى أبويه في ... من قد رأى كانا فماتا
هل فيهما لك عبرة ... أم خلت أن لك انفلاتا
ومن الذي طلب التفل ... لت من منيته ففاتا
كل تصبحه المني ... ية أو تبيته بياتا
فلما نهض تبعته إلى آخر الصحن أو في الدهليز وكتبها عنه.
قال معلى بن أيوب: دخل صديق لعبد الله بن طاهر عليه كان يعرفه قديماً، فأجلست معه على السرير وأنشد:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأحمل للصديق على الشقيق
فإن ألفيتني ملكاً عظيماً ... فإنك واجدي عبد الصديق
أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق
حدث معلى بن أيوب الكاتب عن أحمد بن صالح بن أبي فنن الشاعر قال: كان محمد بن يزيد بن مزيد الشيباني أجود بني آدم في عصره، كان لا يرد طالباً ولا راغباً عن حاجته، فإن لم يحضر مال لم يقل لا، ولكن يعد، ثم يستدين وينجزه، وكان بين وعده وإنجازه كعطفة لام على ألف! قال: وأنشدني ابن أبي فنن يمدحه: من الكامل
عشق المكارم فهو مشتغل بها ... والمكرمات قليلة العشاق
وأقام سوقاً للثناء ولم يكن ... سوق الثناء يعد في الأسواق
بث الصنائع في البلاد فأصبحت ... تجبى إليه محامد الآفاق
حدث المعلى بن أيوب عن بعض الأعراب قال: إني وابن عم لي بأكناف نجد إذا نحن بنسوة كأنهن لآلئ يمشين، فأتت إلي امرأة منهن فقالت: ابنة عم لك تسألك الدنو منها لاستماع كلامها وحمل رسالتها. قلت: من هي؟ قالت: إذا رأيتها عرفتها. قال: فدنوت منهن، فإذا نسوة كأنهن الدمى حسناً! ومنهن جارية قد بذتهن جمالاً وأربت عليهن كمالاً فقالت لي: يا فتى هل لك في اكتساب أجر واتخاذ شكر؟ قلت: ما بي عما ذكرت من رغبة وإن بي من قضاء وطرك لأعظم الحاجة قالت: قل لابن عمك: من البسيط
كم قد تجرعت من غيظ ومن كمد ... إذا تجدد حزن هون الماضي
وكم سخطت فما باليتم سخطي ... حتى رضيت فقلتم ساخط راضي
فأنشدته البيتين عنها، فتغير لونه، وأنكرت ما كنت أعرفه به. ثم قال: ارجع فقل لها: من الطويل
وما هجرتك النفس ياليل إنها ... قلتك ولكن قل منك نصيبها
فأتيتها فأنشدتها، فقالت: ابتدأت فمننت، فإن شفعت فبفضلك. قلت: أفعل. قالت: قل له: من الطويل
أتوك بما لا والذي سبحت له ... قريش وأعناق المطي تسوم
بأمر صليت النار إن كنت قلته ... ولكن عيب الكاشحين وخيم
فأتيته بالبيتين فزفر زفرة ظننت أن قلبه قد انصدع فقلت له: ويحك! بلغ بك الوجد ما أرى؟ فقال: من الطويل
وجدي بها وجد الموافى بغلة ... لعشر فلم يدرك على الماء ساقيا
وقد شارف الأمر الجليل فلم يجد ... على الماء إلا المعطشين الأعاديا
فأنشدتها البيتين فشهقت شهقة ظننت أن فؤادها انخلع، ثم قالت: من الطويل
كما لقي المهموم من علة الهوى ... وأكثر فيه الناظرون التماديا
فلما استبانوا ما به عدلوا به ... عن الإلف حتى ظن أن لا تلاقيا
فأودى به سقمان سقم صبابة ... وسقم هيام فهو يلقى الدواهيا
فقلت لأولئك النسوة: هل لكن في إحيائهما واحتساب الأجر في الجمع بينهما؟ قلن: إي والله. ثم رفعنا أزراً على أربع عصي، فصار كالرواق، فأدخلناهما فيه وجعلنا نتساقط حديثهما، ثم خرج إلي فقلت له: كيف رأيت يومك؟ قال: أعداني إحسانها على إساءة الدهر، وأظفرني محبوبها بمكروه الأيام، فأنا مستأنف لباقي عمري في ارتياد ساعة أخرى. ثم قال: من الطويل
فقل بعدها للدهر يأتي بصرفه ... وقل لليالي اصنعي ما بدا لك
توفي المعلى بن أيوب سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان عفيفاً كافياً.
وهو ابن خالة الفضل والحسن ابني سهل.
من كتاب المأمون، قدم دمشق مع المأمون، وبقي إلى أن كتب للمتوكل، وكان ممن حضر الجامع بدمشق للكشف عن أحوال المتظلمين من التعديل والمساحة.
قال المعلى بن أيوب: دخلت على المأمون فرأيته مقبلاً على شيخ شديد بياض الثوب، حسن اللحية، على رأسه لاطئة، وقد أقبل عليه المأمون، فقلت للحسن بن أبي سعيد وهو ابن خالة
المعلى، وكان حاجب المأمون على العامة: من هذا؟ فقال: ألا تعرفه؟ فقلت: لو عرفته ما سألتك عنه. قال: هذا أبو العتاهية. فأقبل عليه المأمون فقال: أنشدني أحسن شعرك في ذكر الموت. فأنشده: من مجزوء الكامل
أنساك محياك المماتا ... فطلبت في الأرض الثباتا
أوثقت بالدنيا وأن ... ت ترى جماعتها شتاتا
وعزمت منك على الحيا ... ة وطولها عزماً بتاتا
دار تواصل أهلها ... ستعود نأياً وانبتاتا
إن الله يميت من ... أحيا ويحيى من أماتا
يا من رأى أبويه في ... من قد رأى كانا فماتا
هل فيهما لك عبرة ... أم خلت أن لك انفلاتا
ومن الذي طلب التفل ... لت من منيته ففاتا
كل تصبحه المني ... ية أو تبيته بياتا
فلما نهض تبعته إلى آخر الصحن أو في الدهليز وكتبها عنه.
قال معلى بن أيوب: دخل صديق لعبد الله بن طاهر عليه كان يعرفه قديماً، فأجلست معه على السرير وأنشد:
أميل مع الذمام على ابن عمي ... وأحمل للصديق على الشقيق
فإن ألفيتني ملكاً عظيماً ... فإنك واجدي عبد الصديق
أفرق بين معروفي ومني ... وأجمع بين مالي والحقوق
حدث معلى بن أيوب الكاتب عن أحمد بن صالح بن أبي فنن الشاعر قال: كان محمد بن يزيد بن مزيد الشيباني أجود بني آدم في عصره، كان لا يرد طالباً ولا راغباً عن حاجته، فإن لم يحضر مال لم يقل لا، ولكن يعد، ثم يستدين وينجزه، وكان بين وعده وإنجازه كعطفة لام على ألف! قال: وأنشدني ابن أبي فنن يمدحه: من الكامل
عشق المكارم فهو مشتغل بها ... والمكرمات قليلة العشاق
وأقام سوقاً للثناء ولم يكن ... سوق الثناء يعد في الأسواق
بث الصنائع في البلاد فأصبحت ... تجبى إليه محامد الآفاق
حدث المعلى بن أيوب عن بعض الأعراب قال: إني وابن عم لي بأكناف نجد إذا نحن بنسوة كأنهن لآلئ يمشين، فأتت إلي امرأة منهن فقالت: ابنة عم لك تسألك الدنو منها لاستماع كلامها وحمل رسالتها. قلت: من هي؟ قالت: إذا رأيتها عرفتها. قال: فدنوت منهن، فإذا نسوة كأنهن الدمى حسناً! ومنهن جارية قد بذتهن جمالاً وأربت عليهن كمالاً فقالت لي: يا فتى هل لك في اكتساب أجر واتخاذ شكر؟ قلت: ما بي عما ذكرت من رغبة وإن بي من قضاء وطرك لأعظم الحاجة قالت: قل لابن عمك: من البسيط
كم قد تجرعت من غيظ ومن كمد ... إذا تجدد حزن هون الماضي
وكم سخطت فما باليتم سخطي ... حتى رضيت فقلتم ساخط راضي
فأنشدته البيتين عنها، فتغير لونه، وأنكرت ما كنت أعرفه به. ثم قال: ارجع فقل لها: من الطويل
وما هجرتك النفس ياليل إنها ... قلتك ولكن قل منك نصيبها
فأتيتها فأنشدتها، فقالت: ابتدأت فمننت، فإن شفعت فبفضلك. قلت: أفعل. قالت: قل له: من الطويل
أتوك بما لا والذي سبحت له ... قريش وأعناق المطي تسوم
بأمر صليت النار إن كنت قلته ... ولكن عيب الكاشحين وخيم
فأتيته بالبيتين فزفر زفرة ظننت أن قلبه قد انصدع فقلت له: ويحك! بلغ بك الوجد ما أرى؟ فقال: من الطويل
وجدي بها وجد الموافى بغلة ... لعشر فلم يدرك على الماء ساقيا
وقد شارف الأمر الجليل فلم يجد ... على الماء إلا المعطشين الأعاديا
فأنشدتها البيتين فشهقت شهقة ظننت أن فؤادها انخلع، ثم قالت: من الطويل
كما لقي المهموم من علة الهوى ... وأكثر فيه الناظرون التماديا
فلما استبانوا ما به عدلوا به ... عن الإلف حتى ظن أن لا تلاقيا
فأودى به سقمان سقم صبابة ... وسقم هيام فهو يلقى الدواهيا
فقلت لأولئك النسوة: هل لكن في إحيائهما واحتساب الأجر في الجمع بينهما؟ قلن: إي والله. ثم رفعنا أزراً على أربع عصي، فصار كالرواق، فأدخلناهما فيه وجعلنا نتساقط حديثهما، ثم خرج إلي فقلت له: كيف رأيت يومك؟ قال: أعداني إحسانها على إساءة الدهر، وأظفرني محبوبها بمكروه الأيام، فأنا مستأنف لباقي عمري في ارتياد ساعة أخرى. ثم قال: من الطويل
فقل بعدها للدهر يأتي بصرفه ... وقل لليالي اصنعي ما بدا لك
توفي المعلى بن أيوب سنة خمس وخمسين ومئتين، وكان عفيفاً كافياً.