محمد بن محمد بن عمرو أبو نصر
النيسابوري القاضي، ويعرف بالبنص حدث عن محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، بسنده إلى عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أوحى إلي: أي هؤلاء نزلت فهي دار هجرتك؛ المدينة أو البحرين أو قنسرين ". ومن شعر أبي نصر: من الكامل
سقطت نفوس بني الكرام فأصبحوا ... يتطلبون مكاسب الأنذال
وأقل ما طلب الزمان مساءتي ... إلا صبرت وإن أضر بحالي
نفسي تراودني وتأبى همتي ... أن أستفيد غنى بذل سؤالي
دخل القاضي أبو نصر البنص مجلس الأمير سيف الدولة، فطرح من كمه كيساً فارغاً ودرجاً فيه شعرٌ، واستأذن الأمير في قراءته، فأذن له، فلما فرغ من إنشاءه ضحك الأمير وأمر له بألف درهمٍ صحاحٍ، فجعلت في كيسه الذي جاء معه، وكانت الأبيات: من الطويل
حباؤك معتادٌ وأمرك نافذٌ ... وعبدك محتاجٌ إلى ألف درهم
ولم أحظ من إنشاد شعري بطائلٍ ... ولم أعط رزقاً مثل شهر المحرم
أروح وأغدو بين عسرٍ وعلةٍ ... ودينٍ وإفلاسٍ وقلبٍ مقسم
تباعد مني ما توهمت قربه ... فلم يبق مني الهم إلا توهمي
أسأل عن أمري فأبقى لحيرتي ... وطول اكتئابي باهتاً مطبقاً فمي
لئن قلت: أنشدت الأمير قصيدةً ... كوشي رياضٍ جادها صوب مرزم
فأطلق أرزاقي وأسنى عطيتي ... وجاد بأفضالٍ علي وأنعم
كذبت وإن أصدق تكذب مقالتي ... جميع البرايا من فصيحٍ وأعجم
ومن يلتمس يوماً بفضل خصامه ... مغالبة الإجماع يغلب ويخصم
لئن لم تجد لي عاجلاً غير آجلٍ ... بألفٍ صحاحٍ لم تشب بمثلم
رجعت إلى بيتي وصفرت لحيتي ... وسميت نفسي لوردكن بن رستم
وجئت بسكينٍ وخرجٍ وخنجرٍ ... وترسٍ وزوبينٍ وقوسٍ وأسهم
وأعصب رأسي بعد ذاك بخرقةٍ ... وأحضر يوم العرض في زي ديلمي
فتفرض لي في كل شهرين بدرةً ... لشدة بأسي في الوغى وتقدمي
فآخذها حتى إذا ما بعثت بي ... مقدمةً في ماقطٍ يوم صيلمي
هربت على وجهي فراراً من العدى ... ولم آمن الجهال غب تعجمي
ولم يرني الله الجليل محله ... أساعد إنساناً على قتل مسلم
ومن شاهد الأبطال في حومة الوغى ... وكان ضعيف القلب لم يتقدم
ومن يلتمس روح الحياة وطيبها ... وأحضر للهيجاء لم يتهجم
ولم يك موسى سيئ الرأي ساقطاً ... وقد فر خوفاً من توعد مجرم
ورامت يهودٌ قتل عيسى بن مريمٍ ... ففر حذار القتل عيسى بن مريم
وخاف رسول الله يوماً بمكةٍ ... فسافر يبغي مغنماً تبع مغنم
فمن أنا حتى لا أفر وإنما ... أفر كما فروا حذاراً على دمي
تغلغل في الأكراد للحين بجكمٌ ... فما أخطأت أرماحهم بطن بجكم
ألام على أني فررت ولا أرى ... قتيلاً وإن لم أخل من مترحم
وللحرب أقوامٌ يلذونها كما ... يلذ بحسن الوعد قلب المتيم
فدعهم بضرب الهام بالسيف ينعموا ... ودعني لنشر العلم في الناس أنعم
وما كل ذي ملكٍ يقاتل وحده ... فما لك للأعداء وحدك فاعلم
خصصت بإقدامٍ وبأسٍ وسطوةٍ ... تبين بها للناظر المتوسم
وفتيان صدقٍ لا يبالون من لقوا ... فقاتل بهم من شئت تغلب وتسلم
وما لي منكم غير أني أودكم ... وأدنو إليكم بالدعاء وأنتمي
وأشكو من الأيام صولة حادثٍ ... لجوجٍ ملحٍ دائم اللزمبرم
وأغلظ في الشكوى لكيما ترق لي ... وأحلف إن كذبتني في تظلمي
وحق رسول الله والعترة التي ... تحب فتنجي من عذاب جهنم
لقد صمت أياماً وما صمت طائعاً ... ولكنني صومت تصويم معدم
ولم يجر لي بالصوم في الدهر عادةٌ ... سوى ذلك الشهر الشريف المعظم
فصلني بألفٍ رابحٍ غير واثبٍ ... أصلك بشكرٍ واضحٍ غير مبهم
وها ذاك كيسي فارغاً قد حملته ... لتملأه فاملأه يا خير منعم
النيسابوري القاضي، ويعرف بالبنص حدث عن محمد بن إبراهيم بن نيروز الأنماطي، بسنده إلى عبد الله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله أوحى إلي: أي هؤلاء نزلت فهي دار هجرتك؛ المدينة أو البحرين أو قنسرين ". ومن شعر أبي نصر: من الكامل
سقطت نفوس بني الكرام فأصبحوا ... يتطلبون مكاسب الأنذال
وأقل ما طلب الزمان مساءتي ... إلا صبرت وإن أضر بحالي
نفسي تراودني وتأبى همتي ... أن أستفيد غنى بذل سؤالي
دخل القاضي أبو نصر البنص مجلس الأمير سيف الدولة، فطرح من كمه كيساً فارغاً ودرجاً فيه شعرٌ، واستأذن الأمير في قراءته، فأذن له، فلما فرغ من إنشاءه ضحك الأمير وأمر له بألف درهمٍ صحاحٍ، فجعلت في كيسه الذي جاء معه، وكانت الأبيات: من الطويل
حباؤك معتادٌ وأمرك نافذٌ ... وعبدك محتاجٌ إلى ألف درهم
ولم أحظ من إنشاد شعري بطائلٍ ... ولم أعط رزقاً مثل شهر المحرم
أروح وأغدو بين عسرٍ وعلةٍ ... ودينٍ وإفلاسٍ وقلبٍ مقسم
تباعد مني ما توهمت قربه ... فلم يبق مني الهم إلا توهمي
أسأل عن أمري فأبقى لحيرتي ... وطول اكتئابي باهتاً مطبقاً فمي
لئن قلت: أنشدت الأمير قصيدةً ... كوشي رياضٍ جادها صوب مرزم
فأطلق أرزاقي وأسنى عطيتي ... وجاد بأفضالٍ علي وأنعم
كذبت وإن أصدق تكذب مقالتي ... جميع البرايا من فصيحٍ وأعجم
ومن يلتمس يوماً بفضل خصامه ... مغالبة الإجماع يغلب ويخصم
لئن لم تجد لي عاجلاً غير آجلٍ ... بألفٍ صحاحٍ لم تشب بمثلم
رجعت إلى بيتي وصفرت لحيتي ... وسميت نفسي لوردكن بن رستم
وجئت بسكينٍ وخرجٍ وخنجرٍ ... وترسٍ وزوبينٍ وقوسٍ وأسهم
وأعصب رأسي بعد ذاك بخرقةٍ ... وأحضر يوم العرض في زي ديلمي
فتفرض لي في كل شهرين بدرةً ... لشدة بأسي في الوغى وتقدمي
فآخذها حتى إذا ما بعثت بي ... مقدمةً في ماقطٍ يوم صيلمي
هربت على وجهي فراراً من العدى ... ولم آمن الجهال غب تعجمي
ولم يرني الله الجليل محله ... أساعد إنساناً على قتل مسلم
ومن شاهد الأبطال في حومة الوغى ... وكان ضعيف القلب لم يتقدم
ومن يلتمس روح الحياة وطيبها ... وأحضر للهيجاء لم يتهجم
ولم يك موسى سيئ الرأي ساقطاً ... وقد فر خوفاً من توعد مجرم
ورامت يهودٌ قتل عيسى بن مريمٍ ... ففر حذار القتل عيسى بن مريم
وخاف رسول الله يوماً بمكةٍ ... فسافر يبغي مغنماً تبع مغنم
فمن أنا حتى لا أفر وإنما ... أفر كما فروا حذاراً على دمي
تغلغل في الأكراد للحين بجكمٌ ... فما أخطأت أرماحهم بطن بجكم
ألام على أني فررت ولا أرى ... قتيلاً وإن لم أخل من مترحم
وللحرب أقوامٌ يلذونها كما ... يلذ بحسن الوعد قلب المتيم
فدعهم بضرب الهام بالسيف ينعموا ... ودعني لنشر العلم في الناس أنعم
وما كل ذي ملكٍ يقاتل وحده ... فما لك للأعداء وحدك فاعلم
خصصت بإقدامٍ وبأسٍ وسطوةٍ ... تبين بها للناظر المتوسم
وفتيان صدقٍ لا يبالون من لقوا ... فقاتل بهم من شئت تغلب وتسلم
وما لي منكم غير أني أودكم ... وأدنو إليكم بالدعاء وأنتمي
وأشكو من الأيام صولة حادثٍ ... لجوجٍ ملحٍ دائم اللزمبرم
وأغلظ في الشكوى لكيما ترق لي ... وأحلف إن كذبتني في تظلمي
وحق رسول الله والعترة التي ... تحب فتنجي من عذاب جهنم
لقد صمت أياماً وما صمت طائعاً ... ولكنني صومت تصويم معدم
ولم يجر لي بالصوم في الدهر عادةٌ ... سوى ذلك الشهر الشريف المعظم
فصلني بألفٍ رابحٍ غير واثبٍ ... أصلك بشكرٍ واضحٍ غير مبهم
وها ذاك كيسي فارغاً قد حملته ... لتملأه فاملأه يا خير منعم